الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول، وهي في الوقت ذاته نموذج يتكرر في كل بيئة، صورة اللئيم الصغير النفس الذي يؤتى المال، فتستطير نفسه به، حتى ما يطيق نفسه، ويروح يشعر أن المال هو القيامة العليا في الحياة، القيامة التي تهون أمامها جميع القيم وجميع الأقدار: أقدار الناس، وأقدار المعاني، وأقدار الحقائق. كما يروح يحسب أن هذا المال إله قادر على كل شيء، لا يعجز عن دفع شيء، حتى دفع الموت وتخليد الحياة.
ومن ثمّ ينطلق في هوس بهذا المال، يعدّده ويستلذّ تعداده، وتنطلق في كيانه نفخة فاجرة، تدفعه إلى الاستهانة بأقدار الناس، وهمزهم ولمزهم، وانتقاص قدرهم، وتحقير شأنهم. وهي صورة لئيمة من صور النفوس البشرية، حين تخلو من المروءة. والإسلام يكره هذه الصورة الهابطة، وقد نهى القرآن عن السخرية واللمز في مواضع شتى، إلّا أن ذكرها هنا، بهذا التشنيع، يوحي بأنه كان يواجه حالة واقعية من بعض المشركين تجاه رسول الله (ص) وتجاه المؤمنين، فجاء الردّ عليها في صورة الردع والتهديد والوعيد.
أسباب النزول
قال عطاء والكلبي: نزلت هذه السورة في الأخنس بن شريق، كان يلمز الناس ويغتابهم، وبخاصة رسول الله (ص) .
وقال مقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب النبي (ص) من ورائه، ويطعن فيه في وجهه.
وقال محمد بن إسحاق صاحب السيرة: ما زلنا نسمع أنّ هذه السورة نزلت في أمية بن خلف.
مع آيات السورة
[الآية 1] : وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) : ويل وعذاب شديد لكل سبّاب عيّاب، ينتقص الناس بالإشارة والحركة، والقول والفعل، وبناء الصفة على «فعلة» يفيد كثرة وقوع الفعل، وجريانه مجرى العادة. وعن مجاهد وعطاء: الهمزة الذي يطعن الإنسان في وجهه، واللّمزة: الذي يطعنه في غيابه.
[الآية 2] : الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) إن ما دعا هذا وأمثاله الى الحط
من أقدار الناس ظنّه الخاطئ بأنه، إذ يجمع المال، ويبالغ في عدّه والمحافظة عليه، إنّما هو أمر يرفع قدره، ويضمن له منزلة رفيعة، يستطيع بها أن يطلق لسانه في أعراض الناس، وأن يؤذيهم بالقول والفعل.
[الآية 3] : يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) : أنّ حبه للمال أنساه الموت والمال فهو يأنس بماله، ويظن أن هذا المال الذي أجهد نفسه في جمعه، وبخل به حتّى على نفسه، إنّما يحميه من الموت ويورثه الخلود.
[الآية 4] : كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) : لقد قابل القرآن بين كبريائه وتعاليه على الناس، وبين جزائه في الحطمة، التي تحطم كل ما يلقى إليها، فتحطم كيانه وكبرياءه.
[الآية 5] : وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) ؟: سؤال للتهويل والتعظيم، أي: أي شيء أعلمك بها، فإنّ هذه الحطمة ممّا لا يحيط بها عقلك، ولا يقف على كنهها علمك، ولا يعرف حقيقتها إلّا خالقها، سبحانه وتعالى.
[الآية 6] : نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) :
إنّها النار التي تنسب الى الله الذي خلقها، وهي موقدة لا تخمد أبدا، ثمّ وصف هذه النار بعدة صفات فيها تناسق تصويري يتفق مع أفعال «الهمزة اللّمزة» .
[الآية 7] : الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) : إنها تصل الى الفؤاد، الذي ينبعث منه الهمز واللمز، وهي تتغلّب على الأفئدة وتقهرها، فتدخل في الأجواف حتّى تصل الى الصدور فتأكل الأفئدة والقلب أشدّ أجزاء الجسم تألّما، فإذا استولت عليه النار فأحرقته فقد بلغ العذاب بالإنسان غايته.
والنار لا تصل إلى الفؤاد إلّا بعد أن تأكل الجلود واللحوم والعظام، ثمّ تصل إلى القلوب، والأفئدة موطن الإحساس والاعتقاد. ومن كلمات عمر بن الخطاب للكفار:«حرق الله قلوبكم» أي أصابكم بأشدّ ألوان المحن والألم.
[الآية 8] : إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) : إنّها مطبقة عليهم لا يخرجون منها ولا يستطيعون الفرار أو الهرب، قال تعالى: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها [الحج:
22] .