الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول أهداف سورة «الفيل»
«1»
سورة «الفيل» سورة مكية آياتها خمس آيات نزلت بعد سورة «الكافرون» .
وهي سورة تشير الى قدرة الله الغالبة، وحمايته للبيت الحرام، وقد ولد النبي (ص) عام الفيل، وكان حادث الفيل إرهاصا بميلاده، وبيانا لعناية الله بهذا البيت.
قصّة أصحاب الفيل
بلغت معرفة العرب لحادث الفيل، وشهرته عندهم: أنهم كانوا يؤرخون به فيقولون: ولد فلان عام الفيل، وحدث كذا لسنتين خلتا من عام الفيل، ونحو ذلك.
وجملة ما تشير إليه الروايات المتعددة: أن الحاكم الحبشي لليمن، في الفترة التي خضعت فيها اليمن لحكم الحبشة، بعد طرد الحكم الفارسي منها، ويسمّى أبرهة الأشرم، كان قد بنى كنيسة في اليمن باسم ملك الحبشة، وجمع لها كل أسباب الفخامة، ليصرف بها العرب عن حج البيت الحرام، فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلا، وقيل أجّجت رفقة من العرب نارا، فحملتها الريح فأحرقت الكنيسة، فغضب أبرهة، وأقسم ليهدمنّ الكعبة، فخرج من الحبشة، ومعه فيل اسمه محمود، وكان قويّا عظيما، واثنا عشر فيلا غيره وسار بجيشه إلى مكّة، وانتصر على كل من قاومه من العرب، حتى وصل إلى
(1) . انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1979- 1984.
المغمّس بالقرب من مكّة، ثم أرسل إلى أهل مكة يخبرهم أنه لم يأت لحربهم، وإنّما أتى لهدم البيت، ففزعوا منه، وانطلقوا إلى شعف الجبال «1» ينتظرون ما هو فاعل.
وأرسل أبرهة إلى سيّد مكّة ليقابله.
قال ابن إسحاق: «وكان عبد المطّلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم، وهو يومئذ سيّد مكّة، فقدم الى أبرهة، فلمّا رآه أبرهة أجلّه وأعظمه، وأكرمه عن أن يجلسه تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه. فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه، وأجلسه معه إلى جانبه، ثمّ قال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ قال حاجتي: أن يرد عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي. فلما قال ذلك، قال أبرهة لترجمانه قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلّمتني، أتكلّمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه لا تكلّمني فيه؟ قال له عبد المطلب: إني أنا ربّ الإبل، وإنّ للبيت ربّا سيمنعه، قال: ما كان ليمتنع مني، قال أنت وذاك، فردّ عليه إبله.
ثمّ انصرف عبد المطلب الى باب الكعبة فأمسك بحلقه، وقام معه نفر من قريش، يدعون الله ويستنصرونه.
فأما أبرهة، فوجّه جيشه وفيله لما جاء له، فبرك الفيل دون مكة لا يدخلها. وجهدوا في حمله على اقتحامها فلم يفلحوا.
ثم كان ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده، فأرسل عليهم جماعات من الطير، تحصبهم بحجارة من طين وحجر، فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزّقة، وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم، يسقط أنملة أنملة، حتى قدموا به صنعاء، فما مات حتّى انشق صدره عن قلبه، كما تقول الروايات.
وسئل أبو سعيد الخدري عن الطير
(1) . أي أعلاها.
فقال حمام مكة منها، وقيل جاءت عشية ثم صبّحتهم هلكى، وعن عكرمة: من أصابته أصابه الجدري، وهو أول جدري ظهر في الأرض.
وقد ذهب الأستاذ الإمام محمد عبده الى أن الذي أهلك الجيش «هو انتشار داء الجدري والحصبة بين أفراده، وقد نشأ هذا الداء من حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش، بواسطة فرق عظيمة من الطير، ممّا يرسله الله مع الريح.
فهي أشبه بالميكروبات الفتّاكة التي تعصف بالجسم» .
فالأستاذ الإمام يريد أن يجعل هذه المعجزة الخارقة للعادة، أمرا متّفقا مع المعهود في حياة الناس، فيرجع الهزيمة الى انتشار وباء الحصبة أو الجدري، حتّى يتسنّى له إقناع العقول، وفي الوقت نفسه يتخلّص مما ورد في بعض الروايات من المبالغة في وصف هذه الطير، والحجارة التي حملتها في رجليها وفمها.
ونرى أن الأولى عدم إخضاع الآيات لمألوف الناس، وما يحدث في واقع حياتهم، لأنّ الآيات تخبر عن خارقة وقعت بقدرة الله القادر، الذي يقول للشيء كن فيكون.
وإذا سلّمنا أنّ الأمر قد جرى على أساس الخارقة غير المعهودة، وأنّ الله أرسل طيرا غير معهودة، فإن ذلك يكون أدعى إلى تحقيق العبرة الظاهرة، المكشوفة لجميع الأنظار، في جميع الأجيال، حتّى ليمنّ الله بها على قريش بعد البعثة، ويضربها مثلا على رعاية الله لحرماته، وغيرته عليها.
ثمّ إنّ إصابة الجيش بالوباء، وعدم اصابة أحد من العرب القريبين منه، أمر خارق للعادة. وما دامت المسألة خارقة، فلم العناء لحصرها في صورة معيّنة، مألوفة للناس. مع أن السورة تفيد أنّ أمرا خاصّا، قد أرسله الله على أصحاب الفيل.
إنّنا لا يجوز أن نواجه النصوص القرآنية، بمقرّرات عقلية سابقة، بل ينبغي أن نواجه هذه النصوص، لنتلقّى منها مقرّراتنا الإيمانيّة، ومنها نكوّن قواعد منطقنا وتصوّراتنا.