الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجيران من فأس وقدر ودلو، ونحو ذلك.
مع آيات السورة
[الآية 1] : أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) أي هل عرفت ذلك الذي يكذّب بما وراء إدراكه من الأمور الإلهية، والشؤون الغيبية بعد أن ظهر له الدليل القاطع، والبرهان الساطع.
قال ابن جريج: نزلت في أبي سفيان، كان ينحر جزورين في كل أسبوع، فأتاه يتيم فسأله لحما فقرعه بعصاه، وقال مقاتل: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وكان من صفته الجمع بين التكذيب بيوم القيامة، والإتيان بالأفعال القبيحة. وعن السّدّي: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل: في أبي جهل. وحكى الماوردي: أنه كان وصيّا ليتيم فجاءه وهو عريان، يسأله شيئا من مال نفسه، فدفعه ولم يعبأ به، فأيس الصبي. فقال له أكابر قريش استهزاء: قل لمحمّد يشفع لك، فجاء الى النبي (ص) والتمس منه الشفاعة، وكان النبي (ص) لا يردّ محتاجا، فذهب معه الى أبي جهل، فقام أبو جهل ورحّب به وبذل المال لليتيم، فعيّرته قريش وقالوا له صبأت. فقال لا والله ما صبأت، ولكن رأيت عن يمينه وعن يساره حربة، خفت، إن لم أجبه، أن يطعنها فيّ.
وقال كثير من المفسّرين: إنّه عامّ لكلّ من كان مكذّبا بيوم الدين.
[الآية 2] : فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) ، أي فذلك المكذّب بالدّين هو الذي يدعّ اليتيم، ويزجره زجرا عنيفا، لقد خلا قلبه من الرحمة، وامتلأ بالكبر والغطرسة، ولذلك أهان اليتيم وآذاه، واليتم مظهر من مظاهر الضعف، فقد فقد الأب الذي يحميه، والعائل الذي يحنو عليه، ومن واجب المجتمع أن يتعاون على إكرامه، والأخذ بيده حتى ينشأ عزيزا كريما. إن كل فرد معرّض لأن يفاجئه الموت وأن يترك أولاده يتامى، فليعامل اليتيم بما يحب أن يعامل به أولاده لو كانوا يتامى. قال تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (9)[النساء] .
وقد تكرّرت وصايا القرآن برعاية اليتيم، والمحافظة على ماله، والتحذير من تضييع حقّه، ورد ذلك في السور
المكّيّة والسور المدنيّة. ففي هذه الآيات، وفي سورة الضحى، وهي من أوائل ما نزل من القرآن، وصيّة باليتيم.
وفي صدر سورة النساء المدنيّة تفصيل واف لرعاية اليتيم، بدأ بقوله تعالى:
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) .
وقد وردت عدّة وصايا باليتيم في الآية السادسة، والعاشرة، والسادسة والعشرين من سورة النساء. كما تكررت الوصيّة باليتيم في آيات القرآن، وأحاديث النبي (ص) . فقال عليه الصلاة والسلام:«خير بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه» .
[الآية 3] : وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3) أي ولا يحث غيره على إطعام المساكين، قال الإمام محمد عبده:«وهو كناية عن الذي لا يجود بشيء من ماله على الفقير، المحتاج إلى القوت الذي لا يستطيع كسبا» .
وليس المساكين هو الذي يطلب منك أن تعطيه وهو قادر على قوت يومه، بل هذا هو الملحف الذي يجوز الإعراض عنه، وتأديبه بمنعه ما يطلب، وإنما جاء بالكناية ليفيدك أنه إذا عرضت حاجة المساكين، ولم تجد ما تعطيه، فعليك أن تطلب من الناس أن يعطوه، وفيه حثّ للمصدّقين بالدين على إغاثة الفقراء ولو بجمع المال من غيرهم، وهي طريقة الجمعيات الخيرية، فأصلها ثابت في الكتاب بهذه الآية، وبنحو قوله تعالى في سورة الفجر: كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) .
ونعم الطريقة هي لإغاثة الفقراء، وسد شيء من حاجات المساكين.
[الآيتان 4- 5] : فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) أي إذا عرفت أن المكذّب
بالدين هو الذي أقفر قلبه من الرحمة، وأجدب من العدل والمكرمة، «فويل لأولئك الذين يصلّون، ويؤدّون ما يسمى صلاة في عرفهم من الأقوال والأفعال، وهم مع ذلك ساهون عن صلاتهم، أي غافلة قلوبهم عمّا يقولون وما يفعلون، فهو يركع في ذهول عن ركوعه، ويسجد في لهو عن سجوده» .
وإنّما هي حركات اعتادها، وأدعية حفظها، ولكنّ قلبه لا يعيش معها، ولا يعيش بها، وروحه لا تستحضر حقيقة الصلاة، وحقيقة ما فيها.
[الآية 6] : الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) أي يفعلون ما يرى للناس فقط، ولا يستشعرون من روح العبادة ما أوجب الله على النفوس أن تستشعره.
[الآية 7] : وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7) أي يمنعون المساعدة عن المستحقّ لها، أو يمنعون ما اعتاد الناس قضاءه وتداوله فيما بينهم، تعاونا وتازرا، ولا يمنعه إلا كلّ شحيح يكره الخير.
«وأكثر المفسّرين على أنّ الماعون اسم جامع لما لا يمنع في العادة، ويسأله الفقير والغني في أغلب الأحوال، ولا ينسب سائله إلى لؤم، بل ينسب مانعه إلى اللؤم والبخل، كالفأس والقدر والدلو والغربال والقدّوم، ويدخل فيه الماء والملح والنار، لما روي: ثلاثة لا يحل منعها:
الماء والنار والملح.
وقد تسمّى الزّكاة ماعونا، لأنه بسببها يؤخذ من المال ربع العشر، وهو قليل من كثير. قال العلماء: ومن الفضائل أن يستكثر الرجل في منزله ممّا يحتاج إليه الجيران، فيعيرهم ذلك، ولا يقتصر على قدر الضرورة، وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار» .
إن الشرائع السماوية إنّما أنزلت