الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس لكل سؤال جواب في سورة «الناس»
«1»
إن قيل: لم خصّ الناس بالذّكر في قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) وهو ربّ كل شيء، ومالكه وإلهه؟
قلنا: إنما خصّهم بالذكر تشريفا لهم وتفضيلا على غيرهم، لأنّهم أهل العقل والتمييز. الثاني: أنه لمّا أمر تعالى بالاستعاذة من شرّهم، ذكر مع ذلك أنه ربّهم، ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرهم. الثالث: أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس إلى الناس، بربّهم الذي هو إلههم ومعبودهم، كما يستغيث بلا مشابهة بعض العبيد، إذا اعتراه خطب، بسيّده، ووليّ أمره.
فإن قيل: هل قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) بيان للذي يوسوس على أن الشيطان الموسوس ضربان جنّي وإنسي، كما قال تعالى:
شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ [الأنعام: 112] أو بيان للنّاس الذين أضيفت الوسوسة إلى صدورهم، ولفظ (النّاس) المذكور آخرا بمعنى الإنس؟
قلنا: قال بعض أئمة التفسير: المراد المعنى الأول، كأنّ المعنى: من شرّ الوسواس الجنّي، ومن شرّ الوسواس الإنسيّ، فهو استعاذة بالله تعالى من شر الموسوسين من الجنسين، وهو اختيار الزّجّاج وفي هذا الوجه إطلاق لفظ الخنّاس على الإنسي والنّقل أنه اسم للجنّي. وقال بعضهم: المراد المعنى الثاني كأن المعنى: من شرّ الوسواس الجنّي الذي يوسوس في صدور الناس
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.
من جنّهم وإنسهم، فسمّى الجنّ ناسا، كما سمّاهم نفرا ورجالا، في قوله تعالى: أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [الجن: 1]، وقوله تعالى: يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ [الجن: 6] فهو استعاذة بالله، من شرّ الوسواس، الذي يوسوس في صدور الجنّ، كما يوسوس في صدور الإنس، وهو اختيار الفرّاء والمراد من الجنّة هنا الشياطين من الجنّ على الوجه الأول، ومطلق الجن على الوجه الثاني لأن الشيطان منهم، هو الذي يوسوس لا غيره، ومطلقهم يوسوس إليه. واختار الزّمخشري الوجه الأول، وقال: ما أحقّ أن اسم الناس ينطلق على الجن، لأنّ الجنّ سمّوا جنّا لاجتنانهم: أي لاستتارهم، والنّاس سمّوا أناسا لظهورهم من الإيناس وهو الإبصار كما سمّوا بشرا لظهورهم من البشرة ولو صحّ هذا الإطلاق، لم يكن هذا المجمل مناسبا لفصاحة القرآن. قال: وأجود منه أن يراد «بالناس» الأول الناسي كقوله تعالى:
يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ [القمر: 6] .