الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أسباب الحدث
هِيَ أَرْبَعَةٌ:
ــ
قال: (باب) أي: هذا باب أفصل به الكلام عما قبله.
و (الباب): ما يتوصل منه إلى الشيء، وجمعه: أبواب.
قال الزمخشري: وإنما بوب المصنفون في كل فن من كتبهم أبواباً موشحة الصدور بالتراجم؛ لأن القارئ إذا ختم باباً من الكتاب ثم أخذ في آخر .. كان أنشط له، وأهز لعطفه، وأبعث على الدرس والتحصيل، بخلاف ما لو استمر على الكتاب بطوله، ومثله المسافر إذا علم أنه قطع ميلاً، أو طوى فرسخاً، أو انتهى إلى رأس بريد .. نفس ذلك عنه ونشط للمسير.
ومن ثم كان القرآن سوراً، وجزأه القراء أسباعاً وعشوراً وأخماساً وأحزاناً.
قال: (أسباب الحدث هي أربعة).
(الأسباب): جمع سبب، وهو: كل شيء يتوصل به إلى غيره.
و (الحدث) تقدم بيانه.
وهذه العبارة أحسن من التعبير بنواقص الوضوء؛ لأن الأصح: أنها غايات له، فيقال: انتهى الوضوء كانتهاء الصوم بالغروب.
لكن سيأتي إن شاء الله تعالى التعبير بالنقض في قوله: (فخرج المعتاد نقض).
وقدمه على الوضوء كما قدم هو وغيره موجب الغسل على الغسل، وهو ترتيب طبيعي؛ فإن رفع الحدث إنما يكون بعد وجوده، وعكس في (الروضة) تبعاً للرافعي وجماعة.
وكونها أربعة تبع فيه الجمهور، فلا يرد ما زاده المحاملي من:
انقطاع الحدث الدائم؛ لأنه لم يرفع الحدث.
ونزع الخف؛ لأنه يكفي فيه غسل الرجل على الأصح، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
أَحَدُهَا: خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ،
ــ
ولا الردة؛ لأنها لا تبطله على الأصح.
ولا أكل لحم الجزور على المذهب، والقديم: النقض به، وصححه المصنف من جهة الدليل، وعلى المذهب يندب الوضوء من أكله خروجاً من الخلاف، وفيه نظر من جهة النية؛ لأن الجزم بها لا يمكن، ونية التجديد لا تفيد رفع الحدث في الأصح، فلا فائدة له.
وكذا الكلام في استحباب غسل المجنون إذا أفاق.
ولا قهقهة المصلي.
ولا النجاسة الخارجة من غير السبيلين كالفصد والحجامة، خلافاً لأبي حنيفة وأحمد.
لنا ما روى أبو داوود [200] – بإسناد صحيح – عن جابر رضي الله عنه: (أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حرسا المسلمين في غزوة ذات الرقاع، فقام أحدهما يصلي فرماه رجل من الكفار بسهم، فنزعه وصلى ودماؤه تجري)، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم به ولم ينكره.
وأما صلاته مع الدم .. فلقلة ما أصابه منه.
قال: (أحدها: خروج شيء من قبله أو دبره)؛ لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ} .
وفي (الصحيحين)[خ 137 – م 361]: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً).
وفيهما [خ 132 – م 303] في المذي: (يغسل ذكره ويتوضأ).
وفي (سنن أبي داوود)[178] و (الترمذي)[74] بإسناد صحيح: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح).
وانعقد الإجماع على ذلك في البول والغائط والريح، وقيس عليها ما عداها.
ولا فرق في الخارج بين الطاهر والنجس، والنادر والمعتاد، والعمد والسهو،
إِلَاّ اَلْمَنِيَّ
ــ
والطوع والإكراه، والقليل والكثير، انفصل أم لا.
فلو أخرجت دودة رأسها ثم عادت .. فالأصح: الانتقاض بذلك.
ولو كان له فرجان .. انتقض الوضوء بالخارج من كل منهما.
والمشكل ينتقض وضوؤه بالخارج من فرجيه جميعاً، فإن خرج من أحدهما .. فلا؛ لاحتمال زيادته.
قال: (إلا المني)؛ فإنه أوجب غسل أعظم الأمرين بخصوصه، فلا يوجب أدونهما بعمومه كزنا المحصن، والمراد: مني نفسه، فلو خرج مني غيره من قبل نفسه أو دبره .. انتقض جزماً.
وعن القاضي أبي الطيب: أن خروج المني ينقض، ويصير به جنباً محدثاً، وهو قوي؛ لأنه خارج من السبيلين كالحيض، وهو يوجب الغسل والوضوء بالاتفاق، كما حكاه الماوردي وابن عطية، فلذلك اختاره الشيخ وصححه الرافعي في كتابه:(المحمود)، وهو: كتاب مبسوط، وصل فيه إلى أثناء الصلاة في ثماني مجلدات ولم يكمله.
ولعدم النقض بخروج المني فائدتان:
إحداهما: إذا كان محدثاً فاغتسل للجنابة .. ففي صحة صلاته خلاف، وهاهنا إذا اغتسل .. صحت صلاته بلا خلاف.
والثانية: إذا تجردت جنابته عن الحدث، فتيمم لها عند عجزه عن استعمال الماء .. فله أن يصلي ما شاء من الفرائض بتيمم واحد، ما لم يحدث ولم يمكنه استعمال الماء، كالحائض إذا تيممت لاستباحة الوطء أو الصلاة، ثم أحدثت .. يجوز وطؤها ومكثها في المسجد، ما لم تجد الماء أو يعود حيضها.
وَلَوِ اَنْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَاَنْفَتَحَ تَحْتَ مَعِدَتِهِ فَخَرَجَ اَلْمُعْتَادُ .. نَقَضَ، وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ فِي اَلأَظْهَرِ،
ــ
وسيأتي في (التيمم) إن شاء الله تعالى: أن هذه الصورة تستثنى من قوله: (ولا يصلي بتيمم غير فرض).
قال: (ولو انسد مخرجه وانفتح تحت معدته فخرج المعتاد .. نقض) أي: قطع دوام حكم الطهارة قولاً واحداً؛ إذ لا بد للإنسان من مخرج يخرج منه البول والغائط، فإذا انسد الأصلي .. قام ما انفتح مقامه.
وفي (الشرح الصغير) وجه: أنه لا ينقض.
و (المعتاد): البول والغائط، واحترز به عن النادر، كالدم والقيح، وكذلك الريح في (الشرح الكبير).
والمذهب في (الروضة): أنه من المعتاد.
و (المعدة) بفتح الميم وكسر العين: موضع الطعام قبل أن ينحدر إلى الأمعاء، وهي بمنزلة الكرش لذوات الأظلاف والأخفاف، والجمع: معد، وكان القياس أن يقولوا: معد، كما قالوا في جمع نبقة: نبق، وفي جمع كلمة: كلم، ولم يقولوا كذا، بل عدلوا عنه إلى أن فتحوا المكسور وكسروا المفتوح.
قال: (وكذا نادر كدود في الأظهر)؛ لأنا جعلناه كالأصلي.
والثاني: لا، وصححه البغوي؛ لأنا أقمنا المنفتح مقام الأصل للضرورة، ولا ضرورة في خروج غير المعتاد؛ لأن الضرورة في جعله مخرجاً إنما هي في المعتاد.
والمصنف أطلق المسألة، ومحلها: إذا كان الانسداد لعارض، فإن كان أصلياً .. ففي (الحاوي): أنه لا خلاف في الانتقاض بالخارج من المنفتح، سواء كان دون المعدة أو فوقها.
أَوْ فَوْقَهَا وَهُوَ مُنْسَدٌّ، أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ .. فَلَا فِي اَلأَظْهَرِ
ــ
وتصويرهم المسألة بما إذا انسد الأصلي .. يشير إلى ما ذكره، وإن كان المصنف قال: لم أر لهم تصريحاً بموافقته ولا مخالفته.
قال: (أو فوقها وهو منسد، أو تحتها وهو منفتح .. فلا في الأظهر)؛ لأنه من الأعلى كالقيء، من الأسفل كالجائفة، ولأن العادة فيما تحيله الطبيعة أن تلقيه إلى أسفل.
وإذا حكمنا بنقض الوضوء بالخارج من هذا المخرج، فهل يجوز الاقتصار فيه على الحجر؟ فيه ثلاثة أقوال:
الأظهر في (الروضة): لا.
والثاني:: نعم.
والثالث: يجوز في المعتاد دون النادر.
والأصح: أنه لا يجب الوضوء بمسه، ولا الغسل بالإيلاج فيه، ولا يحرم النظر إليه إذا كان فوق السرة أو محاذياً لها، ولا يثبت الوطء فيه شيئاً من أحكامه، أي: أحكام الوطء، سوى الغسل على وجه.
وقيل: يثبت المهر، وسائر أحكام الوطء.
والثاني: ينقض فيهما كالمخرج المعتاد.
هذا كله في الانسداد العارض لعلة، ويكون حكم السبيلين جارياً عليهما في النقض وغيره، فإن كان الانسداد من أصل في الخلقة .. فسبيل الحدث هو المنفتح، والخارج منه ناقض، سواء كان فوقها أم لا.
والمنسد كالعضو الزائد من الخنثى، كذا قاله الماوردي ولم يتعرض له أحد سواه، وحكم الرجل والمرأة، والقبل والدبر في ذلك سواء على المذهب.
تذنيب:
ادعى المصنف أن مراد الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم بـ (المعدة): السرة، وأن حكم المنفتح في السرة أو في محاذاتها حكم ما فوقها، واستغربه ابن الرفعة؛ لأن المعدة: الموضع الذي يستقر فيه الطعام، وهو ما بين السرة وثغرة الصدر، وهذا هو
اَلثَّانِي: زَوَالُ اَلْعَقْلِ،
ــ
المعروف عند الأطباء واللغويين وأكثر الفقهاء. أهـ
قال: (الثاني: زوال العقل)، وهو يحصل بأمور:
أحدها: الجنون، وهو: مرض يزيل الشعور من القلب، مع بقاء القوة والحركة في الأعضاء.
وثانيها: (الإغماء)، وهو: زوال الشعور مع فتور الأعضاء.
وثالثها: (السكر)، وهو: خبل في العقل، مع طرب، واختلاط نطق.
و (النوم): استرخاء أعصاب الدماغ، برطوبات البخار الصاعد إليه. وقيل: موت خفيف، والموت: نوم ثقيل، وهو ناقض لقوله صلى الله عليه وسلم:(العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ) رواه أبو داوود [205] وابن ماجه [477] بإسناد حسن.
وما عدا النوم مقيس عليه؛ لأن الذهول معها أبلغ من النوم.
ونقل ابن المنذر الإجماع على النقض بالجنون والإغماء، وكذلك السكر الذي يزيل الشعور بخلاف أوائله، وقيل: إنه لا ينقض بالكلية بناء على أنه كالصاحي.
والنوم الناقض هو الذي يزول معه الشعور، بخلاف النعاس الذي يسمع فيه كلام الحاضر وإن لم يفهم معناه.
فائدة:
العقل: التثبت في الأمور، وجمعه: عقول، سمي ذلك؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، أي: يحبسه.
وقيل: هو التمييز الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان، وهو ضد الحمق.
وقال الحارث المحاسبي: هو نور في القلب يفيد الإدراك، وذلك النور يقل ويكثر، فإذا قوي .. قمع ملاحظة الهوى.
إِلَاّ نَوْمَ مُمَكَّنٍ مَقْعَدَهُ.
ــ
قيل لعمرو بن العاصي رضي الله عنه: ما بال قومك لم يؤمنوا، وقد وصفهم الله تعالى بالعقل فقال:{أَمْ تَامُرُهُمْ أَحْلامُهُم بِهَذَا} ؟ - وكانت قريش تدعى أهل الأحلام والنهى – فقال: (تلك عقول كادها الله) أي: لم يصحبها التوفيق.
وقال قوم: أحلامهم: أذهانهم، وإن العقل لا يعطى لكافر؛ إذ لو كان له عقل .. لآمن، إنما يعطى الكافر الذهن.
روى الترمذي الحكيم بسنده: أن رجلاً قال: يا رسول الله؛ ما أعقل فلاناً النصراني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (مه، إن الكافر لا عقل له، أما سمعت قول الله تعالى: {وقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ})؟ وأجاب الجمهور بحمل هذا على العقل النافع.
واختلف العلماء رضي الله عنهم في محل العقل:
فقال أصحابنا وجمهور المتكلمين: إنه في القلب.
وقال أصحاب أبي حنيفة وأكثر الأطباء: إنه في الدماغ.
قال: (إلا نوم ممكن مقعده)، فلا ينقض سواء كان على أرض أو على دابة؛ لما روى مسلم [376] عن أنس:(أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون). ولفظ (أبي داوود)[202]: (كانوا ينتظرون العشاء، فينامون حتى تخفق رؤوسهم الأرض، ثم يصلون ولا يتضؤون)، وحمل على نوم المتمكن جمعاً بين الأحاديث.
وفي (البويطي): أن النوم ينقض، وبه قال المزني.
والصحيح: أنه مظنة للحدث، فلو كان مفرط الهزال .. فهو عند الرافعي محدث مع تمكنه. وجعل ابن الرفعة هذا وجهاً، فقال: وفي الهزيل وجه. والمعتمد: ما في (الرافعي).
وكان الأحسن أن يعبر بالغلبة على العقل؛ ليصح استثناء النوم؛ فإنه لا يزيل العقل.
وقيل: نوم المحتبي ناقض.
وقيل: النوم في الصلاة لا ينقض، ولو كان ساجداً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(إذا نام العبد في سجوده .. باهي الله تعالى به الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبدي، روحه عندي وجسده بين يدي).
ولقوله تبارك وتعالى: {والَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقِيَامًا} ، فأخرجه مخرج المدح.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وابن المسيب رحمه الله، وغيرهما:(لا ينقض النوم مطلقاً)، وإليه ذهبت الشيعة.
فإن قيل: قد سبق أن خروج الريح من القبل ناقض، فما فائدة التمكن؟ .. جوابه: أن ذلك نادر.
فروع:
لا فرق في النائم المتمكن بين: أن يكون مستنداً إلى شيء بحيث لو أزيل لسقط، أو لم يكن مستنداً على الصحيح.
ولو تحفظ بخرقة ونام غير قاعد .. انتقض وضوءه.
ولو نام على قفاه ملصقاً مقعدته بالأرض .. انتقض أيضاً.
ولو شك: هل نام أو نعس؟ أو هل نام متمكناً أو لا؟ لم ينتقض وضوءه.
ولو رأي رؤيا وشك في النوم .. انتقض ولا فرق في نوم المتمكن بين: المتربع والمفترش والمتورك، وكذا المحتبي على الأصح.
ولو نام متمكناً فسقطت يده على الأرض .. لم ينتقض ما لم تزال إليته عن التمكن. ويستحب الوضوء من النوم متمكناً؛ للخروج من الخلاف.
وكان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم: أن وضوءه لا ينتقض بالنوم مضطجعاً؛ ففي (الصحيحين)[خ 138 - م 363]: (أنه صلى الله عليه وسلم نام حتى
الثَّالِثُ: الْتِقَاءُ بَشَرَتَيِ اَلرَّجُلِ وَاَلْمَرْأَةِ إَلَاّ مَحْرَماً فِي اَلأَظْهَرِ.
ــ
سمع غطيطه، ثم صلى). وقال صلى الله عليه وسلم:(إن عيني تنامان ولا ينام قلبي). ولا معارضة بينه وبين حديث الوادي؛ لأن طلوع الشمس ونحوهما مما يدرك بالصبر لا بالقلب.
قال: (الثالث: التقاء بشرتي الرجل والمرأة)، عمداً كان أو سهواً، بشهوة أو غيرها، من حي أو ميت، عالماً أو جاهلاً، مختاراً أو مكرهاً؛ لقوله تعالى:{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . عطف اللمس على المجيء من الغائط، ورتب عليهما الأمر بالتيمم عند تعذر الماء، فدل على أنه حدث كالغائط.
ولا يختص اللمس بالجماع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لماعز: (لعلك لمست).
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما وغيره: أن المراد باللمس في الآية: الجس باليد، ويشهد له قوله تعالى:{فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} .
والمراد بـ (البشرة): ظاهر الجلد، وفي حكمها اللسان واللثة قاله الدارمي.
واحترز بـ (المرأة) عن لمس العضو المبان منها؛ فإنه لا ينقض على الأصح. وعن لمس الأمر الحسن، فإنه لا ينقض خلافاً للإصطخري.
والعضو الزائد كالأصلي، والأشل كالسليم، ووقع في (رؤوس المسائل): أن لمس الميتة لا ينقض، وكأنه سبق قلم.
وشملت عبارته العجوز التي لا تشتهي فتنقض على الأصح؛ إذ ما من ساقطة إلا ولها لاقطة.
قال: (إلا محرماً في الأظهر)، سواء كانت من نسب أو رضاع أو مصاهرة؛ لخروجها عن مظنة الشهوة، حتى لو لمسها بشهوة .. لم ينتقض أيضاً؛ لأنها كالرجل في حقه.
وَاَلْمَلْمُوسُ كَلَامِسٍ فِي اَلأَظْهَرِ،
ــ
والثاني: نعم؛ لعموم الآية، والقولان مبنيان على أنه: هل يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه أو لا؟
وقيل: إن كانت من النسب .. لا تنقض، أو من غيره .. نقضت، حكاه في (شرح المهذب).
وضابط المحرم التي لا تنقض الوضوء بمسها، ويجوز النظر إليها والخلوة والمسافرة بها: كل امرأة حرم نكاحها، على التأبيد، بسبب مباح، لحرمتها.
فخرج بالتأبيد: أخت الزوجة وعمتها وخالتها.
وبالسبب المباح: ما إذا وطئ امرأة بشبهة .. فإن أمهاتها وبناتها – وإن حرمن عليه على التأبيد – لا تثبت المحرمية لهن على الصحيح؛ لأن السبب ليس مباحاً.
وبحرمتها: الملاعنة؛ فإن تأبيد حرمتها عقوبة لهما.
وهذا الضابط ينتقض طرداً بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الحد صادق عليهن ولسن بمحارم.
وعكساً بما إذا عقد على امرأة ثم دخل بها وهي حائض أو نفساء أو محرمة أو صائمة صوماً واجباً .. فإن بنتها تحرم عليه بالوطء، وهو حرام.
ولو شك: هل لمس محرمه أو أجنبية؟ لم ينتقض؛ لأن الأصل بقاء الطهارة.
قال: (والملموس كلامس في الأظهر)؛ لاشتراكهما في اللذة الحاصلة في اللمس، فاستويا في حكمه، واستدل له ابن المنذر بحديث عاصم حمي الدبر، فإنه حلف أن لا يمس مشركاً، فلما مات غسلته الملائكة، قال صلى الله عليه وسلم:(قد أبر الله قسمه).
والثاني: لا ينتقض طهر الملموس؛ لما روى مسلم [486] عن عائشة قالت:
وَلَا تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ وَشَعرٌ وَسِنٌ وَظُفْرٌ فِي اَلأَصَحَّ. اَلرَّابِعُ: مَسُّ قُبُلِ اَلآدَمِيَّ
ــ
فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفراش ليلة، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في سجوده وهما منصوبتان، وهو يقول:(اللهم؛ إني أعوذ برضاك من سخطك، بمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك).
وأجاب الأول باحتمال الحائل.
وقيل: إن المرأة لا تزال ملموسة وإن فعلت اللمس.
قال: (ولا تنقض صغيرة) أي: لا تشتهى؛ لأنها ليست في مظنة الشهوة.
والمرجع في المشتهاة وغيرها إلى العرف على الصحيح.
وقال الشيخ أبو حامد: التي لا تشتهى: من لها سبع سنين فما دونها.
واحترز على التي تشتهى؛ فإنها تنقض قطعاً.
قال: (وشعر وسن وظفر في الأصح)؛ لأنها لا تقصد للشهوة لعدم الإحساس، ولأن الالتذاذ بهذه الأشياء بالنظر دون اللمس.
والثاني: تنقض، أما في الصغيرة .. فلعموم الآية، وأما في البواقي .. فقياساً على سائر أجزاء البدن، ولهذا يسوى بين الجميع في الحل بالنكاح والحرمة بالطلاق، وغسل الجنابة وإضافة الطلاق والعتق إليها.
والمراد بـ (الشعر): المتصل، أما المنفصل .. فلا ينقض قطعاً، لكن نص الشافعي على استحباب الوضوء من مس شعر الأجنبية.
ولو تيقن لمسها وشك: هل لمس شعرها أو ظفرها أو غيرهما؟ أو هل لمسها بشعره أو ظفره أو غيرهما؟ لم ينتقض.
و (الشعر): بفتح العين وسكونها.
ويجوز في (الظفر) ضم الظاء مع سكون الفاء وضمها، وكسر الظاء مع إسكان الفاء وكسرها، وأظفور كعصفور، ويجمع على أظفار وأظافير.
قال: (الرابع: مس قبل الآدمي) أي: جزء منه، من نفسه أو غيره، من رجل
بِبَاطِنِ اَلْكَفَّ،
ــ
أو امرأة، صغير أو كبير، حي أو ميت، متصل أو مبان، عمداً أو سهواً؛ لما روت بسرة بنت صفوان – جدة مروان لأبيه – أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(من مس الذكر فليتوضأ)، حسنه الترمذي [82]، وصححه ابن حبان [1112] والدارقطني [1/ 146] والحاكم [1/ 137]، لكن ضعفه أحمد وابن معين.
وروى الشافعي [أم 1/ 19] وأحمد [2/ 333]: (من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر. فقد وجب عليه الوضوء)، وفيه ضعف، لكن يقوى بكثرة طرقه.
فثبت النقض في فرج نفسه بالنص، وقيس عليه فرج غيره؛ لأنه أفحش.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للذين يمسون فروجهم ولا يتوضؤون)، قالت عائشة: بأبي أنت وأمي، هذا للرجال أفرأيت النساء؟ قال:(إذا مست إحداهن فرجها فلتتوضأ) رواه الدارقطني [1/ 147] بإسناد ضعيف، وصحح الحاكم [1/ 234] وقفه عليها.
و (الفرج): يشمل القبل والدبر.
قال: (بباطن الكف) وهو: الراحة وبطون الأصابع، لما روى الشافعي [شم 1/ 13] عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره .. فليتوضأ).
والإفضاء – في اللغة – إذا أضيف إلى الكف .. كان عبارة عن اللمس بباطنها.
و (الكف) مؤنثة، وسميت كفاً؛ لأنها تكف عن البدن الأذى.
والمراد بـ (الباطن): ما يستتر عند إطباق إحدى الراحتين على الأخرى مع تحامل يسير.
والمراد بفرج المرأة: ملتقى الشفرين على المنفذ نفسه، دون ما عدا ذلك.
وقال أحمد: تنتقض الطهارة بظهر الكف وبطنها.
وَكَذَا – فِي اَلْجَدِيِد – حَلْقَهُ دُبُرِهِ، لَا فَرْجُ بَهِيمَةٍ. وَيَنْقُضُ فَرْجُ اَلْمَيْتِ وَاَلصَّغِيرِ، وَمَحَلُّ اَلْجَبَّ
ــ
قال: (وكذا – في الجديد – حلقة دبره) أي: دبر الآدمي قياساً على القبل؛ لأنه في معناه، كما أن الأمة في معنى العبد في قوله: من أعتق شركاً له في عبد. ولأن اسم الفرج في الحديث يشمله.
والقديم: لا ينقض؛ لأن النص إنما ورد في القبل.
والمراد بـ (حلقة الدبر): ملتقى المنفذ.
وفهم من عبارته: أنه لا ينقض مس العانة والأنثيين والأليتين، وما بين القبل والدبر، وهو كذلك.
و (الحلقة) بإسكان اللام على المشهور، وكذلك حلقة الحديد والعلم.
قال: (لا فرج بهيمة)، فلا ينقض، كما لا يجب ستره، ولا يحرم النظر إليه.
وعن القديم: ينقض مس المشقوق منه؛ لأن الغسل يلزم بالإيلاج فيه، فنقض كفرج المرأة.
والطير كالبهيمة، كما نقله في (شرح المهذب) عن الدارمي وأقره.
أما دبر البهيمة .. فلا ينقض قطعاً. وسميت بهيمة؛ لأنها لا تتكلم.
قال: (وينقض فرج الميت)؛ لبقاء الاسم، وشمول الحرمة.
قال: (والصغير) ولو كان ابن يوم، سواء مس قلفته التي تزول بالختان أو غيرهما؛ لعموم ما تقدم.
قال: (ومحل الجب)؛ لأنه محل خروج الخارج، وخصه القاضي بالثقبة.
وقال الرافعي: لا يختص بها، بل يجري في المحل كله.
وأطلق المصنف الخلاف هنا، ومحله: إن لم يبق شاخص، فإن بقي شيء .. نقض قطعاً.
وَاَلذَّكَرُ اَلأَشَلُّ، وَبِاَلْيَدِ اَلشَّلَاءِ فِي اَلأَصَحَّ، وَلَا يَنْقُضُ رَاسُ اَلأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا. وَيَحْرُمُ بِاَلْحَدَثِ: اَلصَّلَاةُ،
ــ
قال: (والذكر الأشل، وباليد الشلاء في الأصح)؛ لعموم الأدلة، والخلاف عائد إلى المسائل الخمس، ومقابله: لا ينقض لخروج ذلك عن مظنة الشهوة.
فلو كان له كفان عاملان .. انتقض بكل واحد منهما، وإن كانت إحداهما عاملة .. نقضت دون الأخرى، كذا في (الروضة)، وصحح في (التحقيق) عكسه.
وهل يعرف عمل الذكر بالبول أو الجماع؟ وجهان في (جنايات)(الروضة)، وقوة كلام (المهمات) تقتضي ترجيح الأول.
و (الشلل): يبس في العضو، يقال: شلت يده تشل بالفتح وأشلها الله.
وسيأتي في (الأطعمة) خلاف فيه: هل هو موت العضو أو فساده؟
قال: (ولا ينقض رأس الأصابع وما بينها)؛ لخروجها عن سمت الكف.
وقيل: ينقضان؛ لأنهما من جنس بشرة الكف.
وقيل: ينقض رأسها دون ما بينها.
وإنما ألحق حرف الكف هنا بالظاهر وحرف الخف بباطن الرجل؛ رجوعاً للأصل في الموضعين.
وتنقض الإصبع الزائدة على سمت الكف دون غيرها على الأصح فيها.
قال: (ويحرم بالحدث: الصلاة) فرضها ونفلها، عيناً وكفاية؛ لقوله تعالى:{إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} ، تقديره: إذا قمتم محدثين.
وفي (الصحيحين)[خ 135 – م 225]: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).
وفي (الترمذي)[1]: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور)، قال: وهو أصح شيء في الباب، وهو إجماع في ذات الركوع، وسجود التلاوة والشكر.
قال ابن الصلاح: وما يفعله عوام الفقراء من السجود بين يدي المشايخ محدثين ..
واَلطَّوَافُ، وَحَمْلُ اَلْمُصْحَفِ، وَمَسُّ وَرَقِهِ،
ــ
فهو من العظائم، ولو كانوا بطهارة وإلى القبلة، وأخشى أن يكون كفراً.
وخطبة الجمعة في معناها، وصلاة الجنازة كغيرها.
وفي (الأحوذي): أن الشافعي أجاز صلاتها بلا طهارة، وهذا لا يعرف عن الشافعي، إنما يحكى عن الشعبي وابن جرير.
قال: (والطواف) فرضه ونفله، في ضمن نسك وغيره؛ لقول صلى الله عليه وسلم:(الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أحل فيه الكلام، فمن تكلم .. فلا يتكلم إلا بخير) رواه الحاكم [1/ 459] عن ابن عباس، وقال: صحيح الإسناد.
وقال المصنف: الصحيح وقفه عليه.
وصح: أنه صلى الله عليه وسلم توضأ لطوافه وقال: (خذوا عني مناسككم)، وقال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت:(افعلي كل شيء غير أن لا تطوفي بالبيت).
وقيل: يصح طواف الوداع بلا طهارة. ووقع في (الكفاية): نقله في طواف القدوم، وهو وهم.
قال: (وحمل المصحف، ومس ورقه)؛ لإخلاله بالتعظيم، والحمل بذلك أولى، بخلاف المحرم حيث حرم عليه مس الطيب دون حمله؛ لأن تحريم مسه للالتذاذ وهو مفقود في الحمل.
وروى الدارقطني [1/ 122] والحاكم [3/ 485] وابن حبان عن حكيم بن حزام: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحمل القرآن ولا يمسه إلا طاهر).
وقال الله تعالى: {إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إلَاّ المُطَهَّرُونَ} . والقرآن لا يمس، فعلم أن المراد: الكتاب، وهو أقرب مذكور، ولا يتوجه النهي إلى اللوح المحفوظ؛ لأنه غير ممكن.
وَكَذَا جِلْدُهُ عَلَى اَلصَّحِيحِ، وَخَرِيطَةٌ وَصُنْدُوقٌ فِيهِمَا مُصْحَفٌ،
ــ
ولا يجوز أن يراد بالمطهرين: الملائكة؛ لأنه نفى وأثبت فكأنه قال: يمسه المطهرون لا غيرهم، والسماء ليس فيها غير المطهرين، فعلم أنه أراد الآدميين.
فإن قيل: المراد بالآية الإخبار؛ لأنه ضم السين، ولو أراد النهي .. لفتحها وقال: لا يمسه.
قيل: لفظها خبر، ومعناها النهي؛ كقوله تعالى:{لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِهَا} .
ولأنه لو كان خبراً .. للزم الخلف؛ فإن من ليس بمتطهر يمسه، ولا فرق بين أعضاء الوضوء، وغيرها وإن قلنا: الحدث لا يحلها.
وفي (التتمة) وجه: أنه لا يحرم إلا مس موضع الكتابة، ويجوز مس الحواشي وما بين الأسطر.
وفي وجه حكاه ابن الصلاح عن صاحب (التقريب): أنه يجوز مطلقاً.
ويجوز مس التوراة والإنجيل وما نسخت تلاوته من القرآن على الأصح.
وعنها احترز المصنف بلفظ (المصحف)، وهو مثلث الميم.
قال: (وكذا جلده على الصحيح)؛ لأنه كالجزء منه، ولهذا يدخل في بيعه.
والثاني: يجوز؛ لأنه ليس جزءاً متصلاً به حقيقة.
قال: (وخريطة وصندوق فيهما مصحف)، فيحرم مسهما على الأصح؛ لأنهما متخذان له منسوبان إليه، فإذا اشتملا عليه .. منع المحدث منهما تعظيماً.
و (العلاقة) كالخريطة، وهي: وعاء كالكيس من أدم وغيره.
ووجه الجواز: أن الأدلة وردت في المصحف، وهذه خارجة عنه.
وأفهمت عبارته الجواز في الخريطة والصندوق المنفصلين وهو كذلك، ولو حمل الصندوق وفيه المصحف .. منع اتفاقاً، وكذلك يحرم تحويله من موضع إلى موضع.
فإن قيل: تحلية الصندوق ممتنعة بلا خلاف وإن جوزنا تحلية المصحف .. فالجواب: أن ذلك فعل احتياطاً في الموضعين.
وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ كَلَوْحٍ فِي اَلأَصَحَّ، وَاَلأَصَحُّ: حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ، وَتَفْسِيرٍ
ــ
و (الصندوق) بضم الصاد وفتحها معرب.
قال: (وما كتب لدرس قرآن كلوح في الأصح)؛ لأن القرآن أثبت فيه للدراسة فأشبه المصحف.
والثاني: لا؛ لأنه لا يقصد به الدوام، قال ابن الرفعة: وبهذا الوجه قطع الأكثرون.
قال: (والأصح: حل حمله في أمتعة)؛ لأنه لما لم يكن هو المقصود .. لم يحصل الإخلال بتعظيمه، فإن كان المصحف هو المقصود .. حرم.
والثاني: لا يحل له؛ لأنه ممنوع منه عند الانفراد، فمنع تبعاً كحامل النجاسة في الصلاة.
وينبغي أن ينظر في حامل حامل المصحف هل يجوز؟ والظاهر: نعم. وفي الأمتعة: هل من شرطها أن تكون ثلاثة أشياء فأكثر، أو يكفي اقل من ذلك؟ وعبارة (الحاوي): إذا حمله مع قماش. والظاهر: أن المراد الجنس.
و (الأمتعة) جمع متاع، وهو: المال والأثاث، وجمع الجمع: أماتع.
قال: (وتفسير) سواء تميزت ألفاظه بلون أم لا.
وصورة المسألة: أن يكون التفسير أكثر، فلو كان القرآن فيه أكثر .. حرم قطعاً، وكذلك الحكم في كتب الفقه، والثوب المطرز بآيات من القرآن، والحيطان المنقوشة به؛ لأنه لا يصدق عليها اسم المصحف.
ومقتضى كلام المصنف تسليم الجواز عند التساوي، وهو قياس المذكور في الحرير وغيره، ولهذا يجوز هدم الجدار، ويجوز أكل ما كتب عليه آيات، وشرب الآيات الممحوة بالماء في الأصح.
وَدَنَانِيرَ، لَا قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ،
ــ
واختار المصنف: أنه لا يكره حمل الحروز التي كتب فيها شيء من القرآن، إذا جعل عليها شمع أو جلد ونحوه.
واعترض على المصنف في قوله: (وتفسير)؛ لأنه معطوف على الضمير المجرور في (حمله) بدن إعادة الجار. والجمهور على منعه، وقد أجازه بعضهم كقوله تعالى:{تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ} . فكان الأحسن أن يقول: وحمل تفسير.
مهمة:
الصواب: أنه لا يجوز إحراق الخشب الذي كتب عليه القرآن كما قاله في (الباب التاسع) من (التبيان)، وما وقع له في (الباب السابع) – منه – وفي (شرح المهذب) و (الروضة) و (التحقيق) من الكراهة .. خلاف الصواب.
قال: (ودنانير)، وكذا الدراهم التي كتب عليها شيء من القرآن كسورة الإخلاص وغيرها، وكذلك الخواتيم التي كتب عليها ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً إلى هرقل وفيه:{تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ} الآية، ولم يأمر حامله بالمحافظة على الطهارة، ولأنه لم يقصد بإثباته فيها قراءته.
و (الدنانير): جمع دينار، وأصله دنار بالتشديد، فأبدلت من أحد حرفي تضعيفه ياء.
قال: (لا قلب ورقه بعود) هو بالجر، أي: لا حل قلب ورقه بعود؛ لأنه حمل للورقة؛ لأنها إنما انقلبت بحمله.
واحترز بـ (القلب بالعود) عما لو لف كمه على يده وقلب الأوراق .. فإنه يحرم جزماً خلافاً لأحمد.
وَأَنَّ اَلصَّبِيَّ اَلْمُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ. قُلْتُ: اَلأَصَحُّ: حِلُّ قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ، وَبِهِ قَطَعَ اَلْعِرَاقِيُّونَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
ــ
وشذ الدرامي فحكى فيه خلافاً للأصحاب.
قال: (وأن الصبي المحدث لا يمنع) لا من المس ولا من الحمل، لا في المصحف ولا في الألواح؛ لأن تكليفهم استحصاب الطهارة تعظيم فيه المشقة.
والثاني: يجب على الوالي أو المعلم منعه منه كالصلاة محدثاً.
وفي (الكفاية) وجه: أنه يمنع من المصحف دون الألواح.
والخلاف في المميز المتعلم، أما غيره .. فلا يجوز للولي تمكينه، ومحله: فيما يتعلق بالدراسة، فإن كان لا لغرض، أو لغرض آخر .. حرما.
و (الصبي): الغلام من لدن يولد إلى أن يبلغ، والجمع: صبيان وصبوان وصبية وصبوة، وتصغير صبية أصيبية.
قال: (قلت: الأصح: حل قلب ورقه بعود، وبه قطع العراقيون والله أعلم)؛ لأنه غير ماس له ولا حامل.
فروع:
يحرم السفر بالمصحف إلى بلاد الكفار.
وفي (فتاوى الحناطي): لا يجوز جعل الذهب والفضة في كاغد كتب فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم)، فإن فعل ذلك مع العلم بالمنع .. أثم.
وقال الشيخ عز الدين: القيام للمصحف بدعة لم يعهد في الصدر الأول.
وفي (فتاوى المصنف): أنه مستحب كما يستحب القيام للفضلاء والعلماء.
ويجوز للمحدث مس الأحاديث، لكن الأولى أن يتطهر.
وتكره كتابة القرآن على الحيطان، وتحرم كتابته بشيء نجس، ومسه بعضو نجس.
ولو خاف على المصحف من حرق أو غرق أو كافر، ولم يتمكن من الطهارة ..
وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْراً أَوْ حَدَثاً وَشَكَّ فِي ضِدَّهِ .. عَمِلَ بِيَقيِنِه،
ــ
وجب حمله مع الحدث للضرورة؛ لأن حمله حينئذ من تعظيمه، ويلزمه التيمم لذلك إن أمكنه على الصحيح.
وفي (فتاوى الشاشي): إذا أراد الغائط وخاف إذا وضع المصحف من يده أن يأخذه غاصب .. فإن يتغوط وهو معه.
ويحرم توسد المصحف وغيره من كتب العلم.
ويندب كيف المصحف وتحسين خطه ونقطه وشكله.
وأما أخذ الفأل منه .. فجزم ابن العربي والطرطوشي والقرافي المالكيون بتحريمه، وأباحه ابن بطة من الحنابلة، ومقتضى مذهبنا: كراهته.
قال: (ومن تيقن طهراً أو حدثاً وشك في ضده) أي: في وجود ضده (.. عمل بيقينه) أما الثانية .. فبالإجماع، وأما الأولى .. فخلافاً لمالك؛ فإنه أوجب الوضوء إذا وقع الشك قبل الدخول في الصلاة.
لنا قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً، فأشكل عليه: خرج منه أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) رواه مسلم [362].
فإذا ظن المحدث أنه تطهر، أو المتطهر أنه أحدث .. لم يعمل بظنه بل بالأصل، فيكون محدثاً في الأولى، متطهراً في الثانية، كذا قاله الجمهور.
وقال الرافعي: ظن الحدث لا يرتفع بيقين الطهر، وأما ظن الطهارة .. فيرتفع بيقين الحدث، وتبعه عليه صاحب (الحاوي الصغير).
وقد صرح الغزالي في (الوسيط) بخلافه عند الكلام في معاملة من أكثر ماله حرام.
قال ابن الرفعة: وهذا الموضع غلط في (الرافعي)؛ فإن أحداً لم يفرق بين المسألتين.
وفي وجه: يفرق بين أن يقع الشك في الصلاة أو خارجها، فيؤثر إذا كان خارج الصلاة ولا يؤثر فيها، وهو ضعيف.
فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَجَهِلَ اَلسَّابِقَ .. فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا فِي اَلأَصَحَّ.
ــ
فإن قيل: من نام غير قاعد .. فقد تيقن الطهر وشك في الحدث، فينبغي أن لا ينتقض وضوءه.
قلنا: هذا مستثنى لما تقدم من أنه مظنة للحدث، لا نفس الحدث.
والمراد بالشك هاهنا وفي معظم أبواب الفقه: مطلق التردد بين الشيئين، سواء كانا على السواء، أو أحدهما أرجح، وهو اصطلاح المتقدمين والفقهاء.
قال صاحب (التلخيص): لا يرتفع اليقين بالشك إلا في أربع مسائل:
إذا شكلوا في انقضاء وقت الجمعة .. صلوا ظهراً.
وإذا شك في انقضاء مدة المسح .. بنى على انقضائها.
وإذا شك هل وصل إلى وطنه؟ وإذا شك هل نوى الإتمام؟ يلزمه الإتمام فيهما.
والأصحاب قالوا: إن جميع ذلك رجوع إلى الأصل؛ فإن هذه الرخص منوطة بشرط، فإذا شككنا فيه .. رجعنا إلى الأصل، وهو: عدم الترخص.
قال: (فلو تيقنهما وجهل السابق .. فضد ما قبلهما في الأصح).
المراد: إذا تيقن أنه بعد طلوع الشمس مثلاً وجد منه حدث وطهارة، ولم يدر أيهما سبق .. فيؤمر بالتذكر، فإن تذكر أنه كان قبل طلوع الشمس متطهراً .. فهو الآن محدث، وإن كان محدثاً .. فهو الآن متطهر؛ لأن ما قبل الشمس إن كان طهارة .. فقد أحدث بعدها، وإن كان حدثاً .. فقد تطهر بعده، فما قبل الشمس ارتفع بيقين، وهو يشك في زوال الرافع له، ولا يزال اليقين بالشك، كمن عليه ألف درهم ديناً، فأقام بينة بالبراءة، فأقام المستحق بينة على إقراره بألف مطلق، فإنا نقدم بينة البراءة؛ لأنا تيقنا أنها وردت على دين واجب فأزالته ونحن نشك: هل اشتغلت ذمته بدين آخر بعد البراءة أو لا؟ فلا يزال يقين البراءة بالشك.
والوجه الثاني: يكون حكمه وفق ما قبلهما لتعارضهما، وهو غلط صريح لتحقيق ارتفاعه.
والثالث: يعمل بما ظنه فإن تساويا فمحدث.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والرابع: يلزمه الوضوء بكل حال وهو الأصح المختار في شرحي (المهذب) و (الوسيط)، واختاره الشيخ لقول القاضي أبي الطيب: إنه قول عامة الأصحاب، ورجحه الدارمي، وجزم بن ابن كج، واختاره الشيخ أبو حامد وجماعة منهم ابن الصلاح وقرره تقريراً حسناً، وضعف المرجح في الكتاب.
وحيث أمرناه بالتذكر فلم يتذكر شيئاً .. لزمه الوضوء لتعارض الاحتمالين من غير ترجيح، ولم يتعرض المصنف لهذا القسم.
ولو علم قبلهما حدثاً وطهارة وجهل أسبقهما .. اعتبر ما قبل هذين وأخذ به، قاله في (البحر)، فيأخذ بالمثل في هذه الحالة.
ومن نظائر المسألة: إذا أحرم بالعمرة، ثم أحرم بالحج وشك: هل أحرم قبل الطواف؟ فيصح حجه، أو بعده؟ فلا يصح، ففي (الحاوي) الأظهر: الصحة.
ومنها: إذا أحرم وتزوج وشك: هل سبق التزوج الإحرام؟ فيصح، أو لا؟ فيبطل .. فالمنصوص: الصحة.
تتمة:
أطلق المصنف المسألة تبعاً لـ (المحرر) والجمهور، والذي في (الروضة) و (أصلها) و (التحقيق) وفاقاً للمتولي: إن كان قبلهما محدثاً .. أخذ بالضد مطلقاً، وإن كان قبلهما متطهراً .. فإنما يأخذ بالضد إذا كان ممن يعتاد تجديد الوضوء، وإلا فيأخذ بالمثل فيكون الآن متطهراً أيضاً.
* * *