المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: يَتَيَمَّمُ بِكُلَّ تُرَابٍ طَاهِرٍ. ــ ولو كانت لصوقاً تنزع وتغير في كل - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ١

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: يَتَيَمَّمُ بِكُلَّ تُرَابٍ طَاهِرٍ. ــ ولو كانت لصوقاً تنزع وتغير في كل

‌فَصْلٌ:

يَتَيَمَّمُ بِكُلَّ تُرَابٍ طَاهِرٍ.

ــ

ولو كانت لصوقاً تنزع وتغير في كل يوم أو أيام .. فحكمها كالجبيرة الواحدة كما أفتى به الشيخ.

ولو كانت الجبيرة على عضوين فرفع إحداهما .. لا يلزمه رفع الجبيرة الأخرى، بخلاف الماسح على الخف إذا نزع أحد الخفين .. يلزمه نزع الآخر؛ لأن الشرط في الابتداء أن يلبس الخفين جميعاً، وهنا لا يشترط في الابتداء أن يضع الجبيرة عليهما.

قال: (فصل:

يتيمم بكل تراب طاهر)؛ لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} .

قال ابن عباس: هو التراب الطاهر.

وقال الشافعي: تراب له غبار، وقوله حجة في اللغة، ويؤيده قوله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُم مِّنْهُ} .

فإن الإتيان بـ (من) الدالة على التبعيض يقتضي: أن يمسح بشيء يحصل على الوجه واليدين بعضه.

وأجاب الخصم بأنها لابتداء الغاية، وضعفه الزمخشري بأن أحداً من العرب لا يفهم من قول القائل: مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض، والإذعان للحق أحق من المراء.

ويدل له من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً، وتربتها طهوراً) رواه مسلم [522].

وهذه الرواية مبنية للرواية المطلقة التي فيها: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).

ص: 457

حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ، وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ،

ــ

واسم التراب يدخل فيه الأصفر والأعفر والأحمر، والطين الأرمني الذي يؤكل تداوياً، والأبيض الذي يؤكل سفهاً، والسبخ – بفتح الباء على الأفصح – وهو: الذي لا ينبت، دون الذي يعلوه ملح؛ فإن الملح ليس بتراب.

وأجازه أبو حنيفة بكل ما كان من جنس الأرض، وإن لم يكن عليه غبار كحجر وزرنيخ وكحل.

وزاد مالك: كل ما كان متصلاً بالأرض كالأشجار والزروع.

وحكى ابن عطية عن ابن علية وابن كيسان: أنهما أجازا التيمم بالمسك والزعفران، والظاهر: أنهما استدلا بأنهما تراب الجنة.

واحترز بـ (الطاهر) عن الذي أصابه مائع نجس، فإنه لا يجوز التيمم به؛ لأنه ليس بطيب.

أما ما اختلط به جامد نجس كسرجين ونحوه .. فإنه وإن كان لا يجوز التيمم به، لكنه خرج بالتراب؛ لأن الذي يتيمم به يوصل إلى بعض بدنه تراباً وإلى بعضه سرجيناً.

وحك تراب المقبرة حكم الصلاة عليه، لكن قال في (الأم): إن المقبرة المنبوشة إذا أصابها المطر .. لم يصح التيمم بترابها؛ لأن الصديد لا يذهب بذلك.

والتراب الذي على الكلب إن تيقن أنه أصابه وهو جاف .. جاز التيمم به، أو وهو مبلول .. فلا، وإن تردد .. فعلى القولين في الأصل والغالب، كذا قاله الرافعي وغيره.

قال في (الروضة): (وهو مشكل، وينبغي أن يقطع بجواز التيمم به؛ عملاً بالأصل الخالي عن المعارض). والتراب تقدم الكلام عليه في أول الطهارة.

قال: (حتى ما يداوى به) كالطين الأرمني؛ لأنه يقع عليه اسم التراب، وكذا المشوي المسحوق على الأصح، اللهم إلا أن يحترق ويصير رماداً، فإنه يمتنع التيمم به؛ لعدم إطلاق اسم التراب عليه.

قال: (وبرمل فيه غبار) أي: منه؛ لأن الغبار المرتفع تراب، ويؤخذ من هذا شرط آخر في التراب، وهو أن يكون له غبار يعلق بالوجه واليدين، فإن كان جريشاً أو ندياً لا يرتفع له غبار .. لم يجز.

ص: 458

لَا بِمَعْدِنٍ وَسُحَاقَةِ خَزَفٍ وَمُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوهِ – وَقِيلَ: إِنْ قَلَّ اَلْخَلِيطُ .. جَازَ –

ــ

وفي (فتاوى المصنف): لو سحق الرمل وتيمم به .. جاز؛ لأنه من طبقات الأرض والتراب جنس له، واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم:(جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)، ولأن الرمال معظم الأرض لا سيما الحجاز، فلو منعناه بالرمل .. بطل العموم.

وفي قوله ضعيف: لا يجوز بالرمل وإن كان ناعماً؛ لأنه ليس بتراب فأشبه الجص.

وفي ثالث: يجوز وإن كان خشناً لا غبار فيه؛ لما روى أبو هريرة أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نكون بأرض الرمل وفينا الجنب والحائض، ونبقى أربعة أشهر لا نجد الماء، فقال صلى الله عليه وسلم:(عليكم بالأرض) رواه أحمد [2/ 278] والبيهقي [1/ 310]، لكن بسند ضعيف.

قال: (لا بمعدن وسحاقة خزف)؛ لأن ذلك لا يسمى تراباً.

و (المعدن) بكسر الدال: ما أسكنه الله تعالى في طبقات الأرض، كالزرنيخ وحجارة النورة.

و (الخزف): ما اتخذ من الطين وشوي، فصار فخاراً، واحدته خزقة.

وفي وجه شاذ: يجوز التيمم بجميع ذلك.

قال: (ومختلط بدقيق ونحوه) مما يعلق باليد كالزعفران والجص؛ لأن ذلك مانع من تعميم العضو بالتراب، بخلاف الرمل إذا خالطه التراب فإنه يجوز التيمم به؛ لأنه لا يعلق باليد سواء قل الخليط أو كثر.

قال: (وقيل: إن قل الخليط .. جاز)، كالمائع القليل إذا اختلط بالماء .. فإن الغلبة صيرت المنغمر القليل كالعدم.

وأجاب الأولون بأن المائع لا يمنع وصول الماء إلى البشرة للطافته، والدقيق يمنع وصول التراب إلى المحل الذي يعلق به لكثافته.

ولو خالط التراب مائع .. جاز التيمم به إذا جف، وإن تغيرت رائحته على الأصح.

ص: 459

وَلَا بِمُسْتَعْمَلٍ عَلَى اَلصَّحِيحِ، وَهُوَ: مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ، وَكَذَا مَا تَنَاثَرَ فِي اَلأَصَحَّ. وَيُشْتَرَطُ قَصْدُهُ، فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ فَرَدَّدَهُ وَنَوَى .. لَمْ يُجْزِىْ،

ــ

وضبط الإمام القليل بما لا يرى.

قال الرافعي: ولو اعتبرت الأوصاف الثلاثة كالماء .. لكان مسلكاً، وتبعه المصنف على ذلك، وقد صرح بما أشار إليه الشيخ أبو حامد وسليم وصاحب (البحر).

قال: (ولا بمستعمل على الصحيح)؛ لأنه أدي به فرض وعبادة، فكان مستعملاً كالماء الذي توضأت به المستحاضة.

والثاني: يجوز؛ لأنه لا يرفع الحدث، فلا يتأثر بالاستعمال.

قال: (وهو: ما بقي بعضوه) أي: حالة التيمم لوجود المعنيين فيه.

قال: (وكذا ما تناثر في الأصح)؛ قياساً على المتقاطر من الماء، وعليه نص الشافعي.

والثاني: لا يكون مستعملاً؛ لأن التراب كثيف إذا علق منه شيء بالمحل .. منع غيره أن يلتصق به، وإذا لم يلتصق به .. فلا يؤثر بخلاف الماء، فإنه رقيق يلاقي جميع المحل.

وكان ينبغي التعبير بالصحيح؛ فإن هذا الوجه ضعيف أو غلط.

أما الذي تناثر ولم يحصل به إمساس العضو .. فالمشهور: أنه ليس بمستعمل كالباقي بالأرض.

قال: (ويشترط قصده) أي: قصد التراب؛ لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ، فأوجب قصد الصعيد والمسح منه.

قال: (فلو سفته ريح عليه فردده ونوى .. لم يجزئ).

صورة المسألة: أن يبرز إلى مهب الريح قاصداً، ثم يحصل التراب على وجهه وهو ناو.

وفي المسألة قولان:

الذي عليه الأكثرون: أنه لا يجزئه؛ لأنه لم يقصد التراب، وإنما التراب أتاه.

ص: 460

وَلَوْ يُمَّمَ بِإِذْنِهِ .. جَازَ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ عُذْرٌ. وَأَرْكَانُهُ: نَقْلُ اَلتُّرَابِ،

ــ

والثاني: يصح، وهو قول الشيخ أبي حامد والحليمي والقاضي أبي الطيب والروياني، واختاره الشيخ؛ لأنه قصد ووصل التراب إلى العضو بقصده، فصار كما لو جلس تحت ميزاب ونوى الوضوء.

هذا بالنسبة إلى الوجه، وأما اليد .. فيجب ترتيبها على الوجه.

وأفهمت عبارة المصنف: أن التراب إذا عمه ولم يردده .. لم يجزه.

قال: (ولو يمم بإذنه .. جاز) كالوضوء، ولكن يكره حال القدرة، ويجب عليه ذلك عند العجز.

أما إذا يمم بغير إذنه .. فهو كوقوفه بمهب الريح، سواء قدر على منعه فلم يمنعه أم لا.

قال: (وقيل: يشترط عذر)؛ لأنه لم يقصد التراب.

فرع:

يممه غيره فأحدث أحدهما بعد أخذ التراب وقبل المسح، ففي (فتاوى القاضي حسين): أن ذلك لا يضر.

واستشكله الرافعي، وقال: ينبغي أن يبطل بحدث الآذن، والذي قاله متجه.

قال: (وأركانه: نقل التراب).

(ركن الشيء): جانبه الأقوى، وجمعه أركان، والتي ذكرها المصنف خمسة: النقل، والنية، ومسح الوجه، ومسح اليدين، والترتيب، وستأتي مرتبة كذلك.

وزاد في (الروضة) شيئين آخرين: التراب والقصد، وفي (شرح المهذب): القصد فقط.

وإسقاطهما أولى؛ لأن التراب كالماء في الوضوء وهو شرط، والقصد داخل في النقل؛ لأنه إذا نقل التراب على الوجه المشروط وقد نوى .. كان قاصداً بلا شك.

الركن الأول: النقل.

ص: 461

فَلَوْ نَقَلَ مِنْ وَجْهٍ إِلَى يَدٍ أَوْ عَكَسَ .. كَفَى فِي اَلأَصَحَّ

ــ

فلو كان على العضو تراب فردده عليه من جانب إلى جانب .. لم يكف، واستدلوا له بأن القصد شرط كما تقدم، وإنما يكون قاصداً إذا نقل التراب.

قال الرافعي: وغير هذا الاستدلال أوضح منه.

قال الشيخ: ولا شك أن القصد والمسح مدلول عليهما بالآية، وأما النقل .. فلا يدل عليه، فلك أن تنازع في جعل القصد شرطاً وتقول: ينبغي أن يعد ركناً؛ لأن التيمم مفسر به، أو به مع المسح، وأما النقل .. فخارج عنهما، فكيف يجعل النقل ركناً والقصد شرطاً؟ ثم إنه لو حذف لفظة (القصد) واقتصر على النقل .. لكفى؛ فإن النقل يلزم منه القصد.

وفائدة عد النقل ركناً: أنه لو أحدث بعده وقبل المسح .. كان عليه الأخذ ثانياً.

قال: (فلو نقل من وجه إلى يد أو عكس .. كفى في الأصح)؛ لحصول مسمى النقل.

وصورة الأولى – أي: النقل من الوجه إلى اليدين -: أن يزول ما مسح به وجهه، ثم يطرأ عليه تراب فينقله إلى اليد، وإلا كان المنقول مستعملاً لا يجزئ على الصحيح.

ولذا عللوا الاكتفاء بذلك بأنه منقول من غير العضو المسموح، فجاز كالمنقول من الرأس والظهر وغيرهما.

والثاني: لا يكفي؛ لان أعضاء التيمم كعضو واحد، فأشبه ما لو نقل من أعلى الوجه إلى أسفله. ومن الساعد إلى الكف.

والأخذ من اليد إلى الأخرى كالأخذ من الوجه إلى اليد؛ لأنهما عضوان، قال القاضي حسين.

وفي وجه حكاه ابن الرفعة: يمتنع؛ لأنهما كعضو واحد.

ولو تمعك في التراب لعذر جاز جزماً، وكذا بغير عذر عند الأكثرين؛ لحديث عمار بن ياسر، ولأن القصد إلى التراب قد تحقق بذلك.

وقيل: لا يجوز لعدم النقل.

ص: 462

وَنِيَّةُ اَسْتِبَاحَةِ اَلصَّلَاةِ، لَا رَفْعِ اَلْحَدَثِ،

ــ

قال: (ونية استباحة الصلاة). هذا هو الركن الثاني وقد تقدم في (باب الوضوء) بيان ما يتعلق بالنية.

والأصل في ذلك: أن التيمم لا يرفع الحدث عندنا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعمرو: (أصليت بأصحابك وأنت جنب)؟ ولأمره صلى الله عليه وسلم باستعمال الماء عند وجوده، ولو ارتفع الحدث .. لم يجب.

وقال ابن سريج: يرتفع في حق فريضة واحدة، وجعله ابن خيران قولاً، وغلط فيه؛ لأن الحدث لا يتبعض.

وعن المزني: أنه يرفعه مطلقاً، وهو خطأ؛ لأنه لو رفعه لما عاد برؤية الماء قبل الصلاة. والمزني موافق على عوده بذلك.

وإذا نوى المتيمم استباحة الصلاة، ونحوها مما لا يباح إلا بالطهارة، كالطواف وحمل المصحف، وسجود التلاوة والشكر .. صح تيممه؛ لأنه قد تعرض للمقصود بالتيمم.

ولو نوت الحائض استباحة الوطء .. صح أيضاً في الأصح.

فإن قيل: قوله هنا: (استباحة الصلاة)، وفي (الوضوء):(استباحة مفتقر إليه) .. تبع فيه (المحرر) وهو يفهم منه التغاير. قلنا: ليس كذلك بل لو نوت هنا استباحة مس المصحف ونحوه .. صح على المذهب، ولو نوت ما تندب له الطهارة .. فينبغي أن يجيء فيه الخلاف، وأولى بالمنع.

قال: (لا رفع الحدث)؛ لأن التيمم لا يرفعه، وإنما يبيح الصلاة.

وقيل: يصح؛ لان رفع الحدث يتضمن استباحة الصلاة، فيكون قصد الرفع متضمناً لقصد الاستباحة. ولو نوى الجنب رفع الجنابة .. فهو كرفع الحدث، وكذا لو نويا الطهارة عن الحدث كما نقله في (شرح المهذب) عن جماعة، وفي (الكفاية)

ص: 463

وَلَوْ نَوَى فَرْضَ اَلتَّيَمُّمِ .. لَمْ يَكْفِ فَي اَلأَصَحَّ. وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِاَلنَّقْلِ، وَكَذَا اَسْتِدَامَتُهَا إلَى مَسْحِ شَيْءٍ مِنَ اَلْوَجْهِ عَلَى اَلصَّحِيحِ.

ــ

عن العراقيين. وكذا ما في معناها مما يتوقف على الطهارة، كالطواف والوطء وغيرهما، جنباً كان أو محدثاً، فيصح تيممه في الجملة.

وفي (النهاية) في (باب مسح الخف): أن محل الخلاف في التيمم الذي ليس معه مسح، أما الذي معه مسح .. فإنه بمثابة مسح الخفين.

قال الشيخ: وفيه نظر.

ولا فرق في نية الاستباحة بين أن يعين الحدث أو لا، حتى لو كان جنباً فنوى الاستباحة عن الحدث أو عكسه غلطا .. صح؛ لأن التعرض للحدث غير واجب فلا يضر الغلط فيه.

وادعى في (شرح المهذب) الاتفاق عليه، ونقله في (زوائد الروضة) عن المتولي فقط.

والمسألة مشهورة في المذهب منصوصة للشافعي.

وعن البويطي والربيع: أنه إذا انتقل من الأعلى إلى الأسفل .. لا يصح، وإن انتقل من الأسفل إلى الأعلى .. صح.

قال: (ولو نوى فرض التيمم .. لم يكف في الأصح)؛ لأن التيمم ليس مقصوداً في نفسه، وإنما يؤتى به عن ضرورة، فلا يجعل مقصوداً بخلاف الوضوء، ولهذا تجديد الوضوء دون التيمم.

والثاني: يصح تيممه كالوضوء.

قال الروياني: ويكون كمن تيمم للنفل، ويجريان في نية الطهارة الواجبة .. ولو اقتصر على نية التيمم .. لم يجزه.

قال: (ويجب قرنها بالنقل) أي: النقل الأول، وهو النقل إلى الوجه لا إلى اليدين؛ لأنه أول فعل مفروض في التيمم.

والمراد بـ (النقل): الضرب كذا في (شرح المهذب) و (الكفاية).

قال: (وكذا استدامتها إلى مسح شيء من الوجه على الصحيح)؛ لأنه

ص: 464

فَإِنْ نَوَى فَرْضاً وَنَفْلاً .. أُبِيحَا، أَوْ فَرْضاً .. فَلَهُ اَلنَّفْلُ عَلَى اَلْمَذْهَبِ،

ــ

المقصود، وما قبله وإن كان ركناً .. فليس مقصوداً في نفسه.

ولو قارنته ثم عزبت، أو أحدث قبل مسح الوجه .. لم يجز على الصحيح.

وكذلك لو أخذ التراب بكفه قبل الوقت وتيمم به بعد الوقت .. لم يجزئه.

والوجه الثاني: لا تجب الاستدامة، كما لو قارنت نية الوضوء أول غسل الوجه ثم انقطعت.

وعبارة المصنف والرافعي تقتضي: جريان الخلاف فيما إذا قارنت النقل ومسح الوجه ولكن عزبت فيما بينهما.

والمتجه: أن ذلك يكفي، وهو المذكور في (شرح المفتاح) لأبي خلف الطبري.

قال: (فإن نوى فرضاً ونفلاً .. أبيحا)؛ عملاً بنيته.

وقيل: ليس له التنفل بعد خروج وقت الفريضة المعينة؛ لأن النفل تابع وقد خرج وقت المتبوع.

وقيل: ليس للمتيمم أن يتنفل بالكلية، كما قد قيل به في المستحاضة، حكاه في (شرح المهذب) في (باب الحيض) عن حكاية القاضي حسين.

والأصح عند الأكثرين: أنه لا يشترط تعيين الفريضة المنوية، ولهذا عبر المصنف بقوله:(فرضاً)، ولم يعبر بالفرض كما عبر به في (المحرر).

وقيل: لا بد من تعيينها كالصلاة.

فعلى الأول: إن أطلق .. صلى أي فرض شاء، وإن عين واحدة .. جاز أن يصلي غيرها.

قال: (أو فرضاً .. فله النفل على المذهب)؛ لأن النوافل تابعة، فإذا استباح المتبوع .. استباح التابع، كما إذا أعتق الأم .. يعتق الحمل.

والقول الثاني: لا؛ لأنه لم ينوها.

والثالث: له ذلك بعد الفرض لا قبله؛ لأن التابع لا يقدم.

ص: 465

أَوْ نَفْلاً أَوِ اَلصَّلَاَة .. تَنَفَّلَ لَا الْفَرْضَ عَلَى الْمَذْهَبِ.

ــ

قال الشيخ: ولو قيل: يستبيح النافلة التابعة لتلك الفريضة دون ما عداها .. لم يبعد، ولكن لم أرد من قال به.

فرع:

نية التيمم للجنازة كنية النفل؛ لأنه يسقط بفعل الغير، وقيل: كفرض، وهذا وارد على إطلاق المصنف، إلا أن يراد بالفرض المفروض على الأعيان، لا الكفاية.

والتيمم للمنذور كالتيمم للفرض.

قال: (أو نفلاً أو الصلاة .. تنفل لا الفرض على المذهب). اشتمل كلامه على مسألتين:

إحداهما: إذا نوى النفل ولم يتعرض للفرض، وفيها قولان:

أظهرهما: لا يستبيح الفرض؛ لأنه أصل والنفل تابع، فلا يجعل المتبوع تابعاً.

والثاني: نعم؛ قياساً على الوضوء.

الثانية: إذا نوى الصلاة من غير تعرض لفرض ولا نفل .. فالمذهب: أنها كنية النفل فقط؛ قياساً على ما لو تحرم بالصلاة .. فإن صلاته تنعقد نفلاً.

وقيل: يستبيح الفرض والنفل؛ لأن الصلاة اسم جنس كما لو نواهما.

ويخالف ما لو نوى المصلي الصلاة .. فإنه لا يمكن أن يجمع فيها بين فرض ونفل بنية واحدة، ولو جمع .. لم يصح، فحمل على الأقل وهو النفل.

وقال الماوردي: لا يستبيح الطواف في الثانية، وفيه نظر للمصنف.

ص: 466

وَمَسْحُ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ،

ــ

فروع:

ظن أن عليه فائتة ولم يجزم بها، فتيمم لها ثم تذكرها .. لم يصح تيممه. وسيأتي قريب منه فيما إذا نسي صلاة من خمس.

ولو تيمم لفائتتين أو منذورتين .. استباح إحداهما على الأصح.

والثاني: لا يستبيح شيئاً.

ولو تيمم صبي بعد دخول الوقت لصلاة الوقت، ثم بلغ .. صلى به النفل لا الفرض على الأصح.

من استباح النفل .. استباح من المصحف وحمله وقراءة القرآن، والجلوس في المسجد، وتمكين الزوج إن كانت حائضاً، إلا أن يكون تيممها للفرض وقد صلته .. ففي حلها للزوج بغير تيمم وجهان.

ولو تيممت الحائض للوطء، ثم رأت الماء في أثنائه .. ففي وجوب قطعه وجهان في (طبقات العبادي):

قال المحمودي: يجب القطع، وقال غيره: لا.

قال: (ومسح وجهه ثم يديه مع مرفقيه).

تضمنت هذه الجملة ثلاثة أركان:

مسح الوجه بالتراب.

ومسح اليدين به.

والترتيب بين الوجه واليدين.

فالأول والثاني دليلهما قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُم مِّنْهُ} .

وروى أبو داود [333]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم، فمسح وجهه ويديه).

ويجب أن يستوعب مسح وجهه ويديه؛ لأن من مسح وجهه ويديه ولم يستوعب ..

ص: 467

وَلَا يَجِبُ إَيصَالُهُ مَنْبِتَ اَلشَّعْرِ اَلْخَفِيفِ

ــ

صح أن يقال: ما مسح وجهه وإنما مسح بعضه، وادعى المصنف في ذلك الإجماع.

وخلاف أبي حنيفة في استيعاب الوجه مشهور في (الرافعي) وغيره.

فعنه: أنه يجوز أن يترك منه الربع، وعنه: يكتفى بمسح أكثره.

وعندنا: يجب مسحه كله، حتى النازل من اللحية عن الذقن في الأصح كالوضوء. ويجب مسح القدر الذي أقبل من الأنف على الشفة.

وواجب اليدين أن يمسحهما إلى المرفقين كالوضوء.

وروى الحاكم [1/ 179]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين).

والصحيح: وقفه على ابن عمر.

والقديم – ورجحه في (شرح المهذب) و (الوسيط) -: أنه يكفي مسح اليدين إلى الكوعين؛ للحديث المذكور. وفي (الكفاية): أنه الذي يتعين ترجيحه.

وأما الترتيب .. فسبق دليله في الوضوء، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التيمم عن حدث أصغر أو أكبر.

وإنما لم يجب الترتيب في الغسل؛ لأنه لما وجب تعميمه .. صار كعضو واحد، والتيمم يجب في عضوين فأشبه الوضوء.

وفي (البخاري)[347] و (سنن أبي داوود)[325] من حديث عمار: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه)، وهو يقتضي: عدم الترتيب ولم أر أحداً من الأصحاب صار إليه، ويستدل بذلك على عدم الترتيب في الوضوء أيضاً.

قال: (ولا يجب إيصاله منبت الشعر الخفيف)؛ لما فيه من المشقة بخلاف الماء، بل لا يستحب ذلك أيضاً.

وقيل: يجب إيصاله إلى كل ما يصل الماء إليه في الوضوء، وقطع الأكثرون بالأول.

ص: 468

وَلَا تَرْتِيبَ فِي نَقْلِهِ فِي اَلأَصَحَّ، فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبيَسَارِهِ يَمِينَهُ .. جَازَ. وَتُنْدَبُ: اَلتَّسْمِيَةُ، وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرْبَتَيْنِ. قُلْتُ: اَلأَصَحُّ اَلْمَنْصُوصُ: وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ وَإِنْ أَمَكَنَ بِضَرْبَةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.

ــ

قال: (ولا ترتيب في نقله في الأصح، فلو ضرب بيديه ومسح بيمينه وجهه وبيساره يمينه .. جاز)؛ لأن النقل وسيلة إلى المسح، فلا يشترط فيه ما يشترط في القصد.

والثاني: يجب كما في المسح.

قال: (وتندب: التسمية) أي: أوله وإن كان جنباً أو حائضاً؛ قياساً على الوضوء.

قال: (ومسح وجهه ويديه بضربتين) أي: بغير نقص ولا زيادة؛ لورودهما في الأخبار.

وقيل: يستحب ثلاثاً، واحدة للوجه، واثنتان لليدين.

ويستحب في كل ضربة أن تكون باليدين جميعاً، لكن صورة الضرب ليست متعينة، فإن التمعك كاف كما تقدم، وكذا وضع اليد على التراب الناعم.

ثم إن في (المحرر) ذكر كيفية التيمم المشهورة، وأسقطها المصنف من غير تنبيه عليها في (الدقائق)، وهو قد قال في (شرح المهذب): إنها مستحبة.

لكن في (الكفاية): أنها لا تستحب؛ لأنه لم يثبت فيها شيء، والمقصود إيصال التراب.

قال: (قلت: الأصح المنصوص: وجوب ضربتين وإن أمكن بضربة بخرقة ونحوهما والله أعلم)؛ لحديث ابن عمر.

ولأن الاستيعاب غالباً لا يتأتى بدونهما، فأشبه الأحجار الثلاثة في الاستنجاء.

والعجب أن المصنف صحح هذا ودليله ضعيف، وترك الاكتفاء بمسح اليدين إلى الكوعين وحديثه صحيح.

ص: 469

وَيُقَدِّمُ يَمِينَهُ وَأَعْلَى وَجْهِهِ، وَيُخَفَّفُ اَلْغٌبَارَ. وَمُوَالَاةُ اَلتَّيَمُّمِ كَاَلْوُضُوءِ.

قُلْتُ: وَكَذَا اَلْغُسْلُ، وَيُنْدَبُ تَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلاً، وَيَجِبُ نَزْعُ خَاتَمِهِ فِي اَلثانِيَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

ــ

قال: (ويقدم يمينه وأعلى وجهه) كالوضوء.

وقيل: يبدأ بأسفله ثم يستعلي، وفارق الوضوء؛ لأن الماء ينحدر بطبعه فيعم الوجه، والتراب لا يجري إلا بإمراره باليد، فيبدأ بأسفل وجهه ليقل ما يحصل في أعلاه من الغبار فيكون أسلم لعينيه.

قال: (ويخفف الغبار)؛ لئلا يتشوه.

وفي (صحيح البخاري)[347]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نفض يديه).

قال: (وموالاة التيمم كالوضوء)، فيأتي فيه القولان؛ لأن كلاً منهما طهارة عن حدث، وإذا اعتبرنا هناك مدة الجفاف .. فنعتبر هنا أن يقدر التراب ماء.

وقيل: تجب الموالاة في التيمم قطعاً، وقيل: لا قطعاً.

قال: (قلت: وكذا الغسل)؛ لكونه طهارة أيضاً.

وقيل: لا تجب فيه الموالاة قطعاً، حكاه الرافعي في (باب الوضوء)، وهو بعيد.

قال: (ويندب تفريق أصابعه أولاً)؛ لأنه أبلغ في إثارة الغبار.

وقيل: لا يتسحب ولكن يباح.

وقال القفال: لا يجوز التفريق في الأولى؛ لأن يكون أخذ التراب لليد قبل مسح الوجه وهو بعيد.

وإنما اقتصر المصنف على الأولى؛ لأن الخلاف فيها والتفريق في الثانية مندوب قطعاً.

وفي (الكفاية): أنه يستحب التفريق أيضاً عند مسح الوجه.

قال: (ويجب نزع خاتمه في الثانية والله أعلم) حتى يصل التراب إلى محله، بخلاف الوضوء للطافة الماء.

ص: 470

وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ فَوَجَدَهُ: إَنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ .. بَطَلَ

ــ

ونزعه في الأولى مستحب ليكون مسح جميع الوجه باليد؛ اتباعاً للسنة.

ومن هذا يعلم: أن النزع لا يجب حالة الضرب، وإنما يجب عند المسح.

والخاتم بفتح التاء وكسرها، والخيتام والخاتام كلها بمعنى – وحكى ابن هشام السبتي: ختام ككتاب – والجمع خواتيم.

وقال الثعالبي وغيره: لا يقال: خاتم إلا إذا كان له فص، وإلا فهو فتخة.

وعلى هذا جرى الأصحاب فيما لو أقر بخاتم ثم قال: أردت غير الفص .. فإنه لا يقبل.

فروع:

لا يجوز مسح العضو المتنجس قطعاً، كما لا يصح غسله عن الوضوء مع بقاء النجاسة.

ولو كانت يده نجسة وضرب بها على تراب ومسح وجهه .. جاز في الأصح.

ولو تيمم ثم وقعت عليه نجاسة .. لم يبطل تيممه على المذهب.

ولو تيمم قبل الاجتهاد في القبلة .. فكما لو تيمم وعليه نجاسة.

قال: (ومن تيمم لفقد ماء فوجده) كان الأحسن أن يقول: فتوهمه؛ ليدخل ما فوق الوهم كظهور سراب أو ركب.

قال: (إن لم يكن في صلاة .. بطل) سواء ضاق الوقت عن الوضوء أم لا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته)، صححه الترمذي [124] والحاكم [1/ 176] وغيرهما.

وبالقياس على ما إذا وجده في أثناء التيمم .. فإنه مجمع على بطلانه، وعلى ما إذا

ص: 471

إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ كَعَطَشٍ، أَوْ فِي صَلَاةٍ لَا تَسْقُطُ بِهِ .. بَطَلَتْ عَلَى اَلْمَشْهُورِ، وَإِنْ أَسْقَطَهَا .. فَلَا، وَقِيلَ: يَبْطُلُ اَلنَّفْلُ.

ــ

شهد شهود الفرع، ثم حضر شهود الأصل قبل الحكم.

ودخل في قوله: (إن لم يكن في صلاة) ما إذا وجده في أثناء التكبير؛ لأنه لا يدخل في الصلاة إلا بتمامه، وقد صرح الرافعي فيها بالبطلان في (باب صفة الصلاة)، ونقله في (شرح المهذب) هنا عن الروياني فقط، ثم قال: ولم أجد لغيره تصريحاً بموافقته ولا بمخالفته، هو حسن.

قال: (إن لم يقترن بمانع كعطش)؛ لأن وجوده في هذه الحالة كالعدم، ومثله المرض، وتعذر استقائه من البئر.

وكذلك يبطل بتوهم الماء إلا أن يقارنه مانع، كما لو سمع إنساناً يقول: أودعني فلان ماء – وهو يعلم غيبة فلان – فلا يبطل تيممه. فإن كان حاضراً أو جهل غيبته .. بطل.

فإن أخر لفظ الوديعة بأن قال: عندي ماء وديعة لفلان .. بطل تيممه مطلقاً.

ورأى القاضي حسين تخريجه على ما لو قال: علي ألف من ثمن خمر.

قال: (أو في صلاة لا تسقط به .. بطلت على المشهور)؛ لأنه لا بد من إعادتها، فلا فائدة في الاستمرار.

وقيل: يتمها لحرمتها.

والخلاف في (الروضة) وجهان، وهو الصواب. والغريب أن الرافعي في (المحرر) عبر بالأصح.

قال: (وإن أسقطها .. فلا)؛ لأنه شرع في المقصود، فكان كما لو وجد المكفر الرقبة بعد الشروع في الصوم على الأصح. لكن إذا سلم منها .. بطل تيممه.

قال: (وقيل: يبطل النفل)؛ لقصور حرمته عن الفرض.

ومحل ما ذكره: في الصلوات الخمس، أما إذا يمم الميت وصلي عليه، ثم وجد الماء .. فإنه يجب غسله والصلاة عليه، سواء كان في أثناء الصلاة أو بعدها، كما أفتى

ص: 472

وَاَلأَصَحُّ: أَنَّ قَطْعَهَا لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ، وَأَنَّ اَلْمُتَنَفَّلَ لَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ،

ــ

به البغوي ثم قال: ويحتمل أن لا يجب، وهذا الاحتمال جزم به ابن سراقة في (التلقين).

وكأن الفرق بين الميت وغيره: أن هذا خاتمة أمر الميت فاحتيط له بخلاف الحي.

فرع:

المتيمم في الحضر لا يصلي على الميت – قاله ابن خيران – لأن إيجاب ذلك في الصلوات الخمس إنما كان لحرمة الوقت، وذلك منتف في الجنازة، ولأن في تكليفه الذهاب إلى القبر مشقة، بخلاف فرائض الأعيان.

وأيضاً القضاء لا يتأتى حقيقة؛ لعدم الوقت المحدود.

قال: (والأصح: أن قطعها ليتوضأ أفضل)؛ خروجاً من الخلاف؛ فإن من العلماء من حرم عليه الاستمرار، ولأنه لو وجد الرقبة في أثناء الصيام .. كان الأفضل العدول إلى الإعتاق فكذلك هنا.

والثاني: الأفضل الاستمرار؛ لأن الخروج منه إبطال للعمل.

والثالث: الأفضل أن يقلب فرضه نفلاً ويسلم من ركعتين.

والرابع: يجب الاستمرار فيها ويحرم قطعها.

والخامس – ذكره الإمام -: إن ضاق الوقت .. حرم الخروج، وإلا فلا، وهذا هو الصحيح في (شرح المهذب) و (التحقيق) و (المهمات)؛ لأنه يلزم من جواز القطع في هذه الحالة تفويت الصلاة مع القدرة على إيقاع جميعها في الوقت بلا ضرورة.

ويشكل على هذه المسألة ما إذا شرع في الصلاة منفرداً، ثم قدر على جماعة .. فإن الأصح: استحباب قلبها نفلاً.

قال: (وأن المتنفل لا يجاوز ركعتين)؛ لأنه الأحب المعهود في النوافل.

وقيل: له أن يزيد ما شاء، كما لو تطويل الأركان.

وقيل: يقتصر على ركعة؛ بناء على حمل النذر المطلق عليها، حكاه في (الكفاية).

ص: 473

إِلَاّ مَنْ نَوَى عَدَداً فَيُيِمُّهُ. وَلَا يُصَلَّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ،

ــ

قال: (إلا من نوى عدداً فيتمه)؛ لأن إحرامه انعقد كذلك فأشبه المكتوبة المقدرة، ولا يزيد عليه؛ لأن الزيادة كافتتاح نافلة بدليل افتقارها إلى قصد جديد.

وقيل: لا يزيد على ركعتين؛ لأنه عرف الشرع فيها.

وقيل: له أن يزيد ما شاء؛ لأن حرمة تلك الصلاة باقية ما لم يسلم.

وقيل: يقتصر على ركعتين.

وكان الأحسن أن يقول: إلا من نوى شيئاً فيتمه؛ ليدخل من أحرم بركعة، فإنه لا يزيد عليها، ولا تسمى عدداً.

وحكم المريض إذا شفي فيها حكم واجد الماء فيها.

وإذا رأى الماء في أثناء الطواف .. قال الفوراني: إن قلنا: يجوز تفريقه .. توضأ، وإلا .. فكالصلاة.

قال: (ولا يصلي بتيمم غير فرض)؛ لأن الوضوء كان لكل فرض التيمم بدل عنه، ثم نسخ ذلك في الوضوء بأنه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، وبقي التيمم على ما كان عليه، ولا يصح قياسه عليه؛ لأنه طهارة ضرورة.

وروى البيهقي [1/ 221] عن ابن عمر أنه قال: (يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث).

وروى الدارقطني [1/ 185] عن ابن عباس أنه قال: (من السنة أن لا يصلي بتيمم واحد إلا صلاة واحدة، ثم يحدث للثانية تيمماً).

والسنة في كلام الصحابي تنصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجوز المزني أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض والنوافل، بناء على أصله – وهو: أنه يرفع الحدث مطلقاً – وبهذا قال ابن المنذر واختاره الروياني.

ويستثنى من إطلاقه: المتيمم للجنابة عند عجزه عن استعمال الماء إذا تجردت جنابته عن الحدث؛ فإنه يصلي بتيممه فرائض، كما تقدم في أول (باب أسباب الحدث).

ص: 474

وَيَتَنَفَّلُ مَا شَاءَ، وَالنَّذْرُ كَفَرْضٍ فِي الأَظْهَرِ.

ــ

وسواء اتفق الفرضان كصلاتين، أو اختلفا كطواف وصلاة، وسواء الصبي وغيره على الأصح.

فلو قال: ولا يفعل .. كان أحسن ليعم الطوافين، والصلاة والطواف، والجمعة والخطبة على الأصح.

لكن يرد تمكينها الزوج، فإنها تفعله مرارا بتيمم واحد، وتجمع بينه وبين الصلاة.

فلو نوى بتيممه استباحة فرضين قضاء، أو قضاء وأداء، فهل يصح تيممه ويستبيح به فرضا منهما، أو لا يصح؟ فيه وجهان أصحهما: الأول.

وهذا إذا قلنا: إن تعيين الفريضة لا يشترط.

قال: (ويتنفل ما شاء)؛ لأن النافلة وإن تعددت فهي في حكم صلاة واحدة بدليل أنه: لو أحرم بركعة .. فله جعلها مئة وبالعكس.

ولأن في تكليفه التيمم لكل نافلة مشقة، ويؤدي إلى تركها، والشرع خفف فيها.

ويؤخذ من هذا: أن من صلى فرضا بتيمم .. له إعادته به؛ لأن الفرض الأول كما سيأتي، وبه صرح الخفاف في (الخصال).

قال: (والنذر كفرض في الأظهر)؛ لأنه تعين على الناذر فأشبه المكتوبة، وإذا تيمم له .. جاز أن يعدل عنه إلى الفرض.

والثاني: لا؛ لأن وجوبه عارض، فلا يلحق بالفرض الأصلي.

وصرح المصنف بضعف هذا الخلف في (الروضة) ، وكذلك الشيخ في (كتاب الصيام) ، فكان ينبغي التعبير بالمشهور.

والخلاف ينبني على أنه: يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع أو جائزه.

فلو قال: لله علي إتمام كل صلاة أدخل فيها .. كان له أن يشرع في نفل بعد أداء فريضة بتيمم؛ لأن ابتداءها نفل، قاله الروياني.

ص: 475

وَالأَصَحُّ: صِحَّةُ جَنَائِزَ مَعَ فَرْضٍ، وَأَنَّ مَنْ نَسِيَ إِحْدَى اٌلْخَمْسِ .. كَفَاهُ تَيَمُمٌ لَهُنَّ.

ــ

قال: (والأصح: صحة جنائز مع فرض)؛ لأنها كالنوافل: في جواز تركها، وعدم انحصار عددها، وتعينها على المكلف عند انفراده إنما هو بطريق العرض، فلا يلحق بالواجب الأصلي.

والثاني: لا؛ لأنها فرض في الجملة، وكما لا يصليها قاعدا ولا على الراحلة.

والثالث: إن لم تتعين .. جاز كا لنفل، وإن تعينت .. فكالفرض، والذي صححه المصنف هو المنصوص في (المختصر).

قال: (وأن من نسي إحدى الخمس .. كفاه تيمم لهن)؛ أن المنسية واحدة وما عداها ليس بفرض، بل هو وسيلة.

والثاني: يجب لكل واحدة تيمم؛ لأن فعل الجميع واجب.

وعطف المسألة على ما قبلها يقتضي: قوة الخلاف، وصرح في (الروضة) بضعفه.

ولو قال المصنف: كفاه لهن تيمم .. كان أحسن؛ لئلا يوهم أنه لو نوى بتيممه الخمس كفى.

والمراد: أنه يتيمم تيمما واحدا للمنسية منهن ويصلي به الخمس.

وإذا صلى الخمس ثم تذكر المنسية .. جزم في (شرح المهذب) – تبعا للروياني وابن الصلاح – بوجوب إعادتها، وقد تقدم في أول الفرع الذي قبل قوله: (ومسح

ص: 476

وَإِنْ نسِيَ مُخْتَلِفَتَيْنِ .. صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ بِتَيَمُمٍ، وَإِنْ شَاءَ .. تَيَمَّمَ مَرَّتَيْنِ وَصَلَّى بِالأَوَّلِ أَرْبَعاً وِلَاءً، وَبِالثَّانِي أَرْبَعاً لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا،

ــ

وجهه) قريب من هذا.

ومن هنا يعلم: أن من نسي صلاة من خمس .. يلزمه أن يصلي الخمس.

وقال المزني: يكفيه أن يصلي أربع ركعات ينوي بها الفائتة، ويجهر في الأوليين، ويجلس في الثالثة والرابعة، ويسجد للسهو ويسلم؛ لأن الفائتة إن كانت صبحا .. فقد أتى بها وزيادة ركعتين على وجه الشك، فلا يضر كزيادتهما سهوا والسجود يجبره، وكذا إن كانت مغربا .. فالركعة الزائدة على وجه الشك فالزيادة سهوا، وإن كانت رباعية .. فالزائد تشهد يجبر بالسجود.

وإنما قال يجهر؛ لأن الغالب على الصلوات الخمس الجهر، وغلطه الأصحاب في ذلك.

قال: (وإن نسي مختلفتين) كظهر وعصر (.. صلى كل صلاة بتيمم) ، فيصلي الخمس بخمس تيممات، سواء علم أنهما من يوم أو يومين، وهذه طريقة ابن القاص.

قال: (وإن شاء .. تيمم مرتين وصلى بالأول أربعا ولاء) كالصبح والظهر والعصر والمغرب.

وضبط المصنف بخطه (ولاء) بالمد ولا وجه له.

ولم يذكر هذا القيد في (الروضة) تبعا للرافعي، بل مقتضى كلامه عدم اشتراطه، ولعله أراد بذلك الاستحباب.

قال: (وبالثاني أربعا يس منها التي بدأ بها) كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، فيخرج مما عليه بيقين؛ لأنه أدى الصبح بتيمم والعشاء بتيمم وكلا من الظهر والعصر والمغرب بتيممين، وهذه طريقة ابن الحداد واستحسنها الأصحاب وعليها التفريع.

وقيل: تتعين طريقة ابن القاص تعجيلا لبراءة الذمة.

ص: 477

أَوْ مُتَّفِقَتَينِ .. صَلَّى اٌلْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ. وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِ فِعْلِهِ،

ــ

والوجه الثاني – في أصل المسألة -: أنه يتيمم مرتين يصلي بكل تيمم الخمس، وهو شاذ.

ولو نسي ثلاث صلاوات أو أربعا .. فثلاث تيممات في الأولى، وأربع في الثانية، ويصلي كما تقدم.

وضابطه: أن تضرب المنسي في عدد المنسي فيه، وتزيد على الحاصل عدد المنسي، ثم تضرب المنسي في نفسه، وتسقط الحاصل من الجملة، فالباقي عدد المقضي، والتيمم بعدد المنسي.

ففي صلاتين تضرب اثنين في خمسة، وتزيد على الحاصل اثنين، وتضرب الاثنين في نفسها يحصل أربعة، وتسقطها من الجميع يبقى ثمانية، واعمل ذلك في ثلاث صلوات وأربع.

قال: (أو متفقتين .. صلى الخمس مرتين بتيممين)؛ ليخرج عن العهدة بيقين، ولا يكون ذلك إلا من يومين كصبحين أو ظهرين أو عصرين.

وعلى الوجه الآخر .. يلزمه عشرة تيممات.

فإن شك: هل هما متفقتان أو مختلفتان؟ أخذ بالأحوط وهو أنهما متفقتان.

قال: (ولا يتيمم لفرض قبل وقت فعله)؛ لأنها طهارة ضرورة فلا تباح إلا عند وقت الضرورة، وهو قبل الوقت غير مضرور إليها.

وجوزه أبو حنيفة والروياني قبل الوقت كالوضوء، وهو قياس قول المزني.

ويشترط أيضا العلم بدخول الوقت على الأصح، وأخذ التراب في القت. فلو أخذه قبله ثم مسح به في الوقت .. لم يصح كما تقدم.

ووقت الجنازة الغسل أو التيمم، وقيل: الموت، وبه أفتى الغزالي.

ولو تيمم لجنازة بعد غسلها، ثم مات آخر .. جازت الصلاة عليه به.

ووقت الفائتة تذكرها، ووقت تحية المسجد دخوله.

ووقت صلاة الاستسقاء الاجتماع لها في الصحراء، كذا في (الشرح) و (الروضة) ،

ص: 478

وَكَذَا اٌلنَّفْلُ اٌلْمُؤَقَّتُ فِي الأَصَحِّ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَاباً .. لَزِمَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْض

ــ

وهو مشكل فإن الصلاة تصح جماعة وفرادى، والاجتماع لا ضابط له.

وقضية إطلاقهم .. أنه لا يصح التيمم للجمعة إلا بعد الخطبة، وأن الخطيب يحتاج إلى تيممين.

أما لو علم بالوقت دون علمه بجهة القبلة .. ففي صحة تيممه قبل معرفة الجهة وجهان.

والنذر المتعلق بوقت معين حكمه حكم الفرض.

ولا فرق بين التيمم لفقد الماء أو لمرض.

وإنما قال: (قبل وقت فعله) ولم يقل: قبله؛ لتدخل المجموعة تقديما. فلو تيمم للظهر وصلاها، ثم تيمم للعصر ليجمعها فدخل وقتها قبل فعلها .. بطل الجمع والتيمم.

تنبيه:

لا يرد على المصنف: من تيمم لفائتة ضحوة فلم يصلها به حتى زالت الشمس .. فإنه يصلي به الظهر في الأصح؛ لأنه لم يتيمم لظهر بل تيمم لغيرها في وقتها، غايته أنه يصلي به غير التي تيمم لها، ومثله لو تيمم لحاضرة في وقتها ثم تذكر فائتة فله أن يصليها به في الأصح.

قال: (وكذا النفل المؤقت في الأصح) سواء الراتب وغيره؛ إلحاقا له بالفرض.

والثاني: لا بل يجوز قبله؛ لأن أمره أوسع، ولهذا جاز الجمع بين نوافل بتيمم.

واحترز ب (المؤقت) عن النوافل المطلقة؛ فإنه يتيمم لها متى شاء، إلا في أوقات الكراهة في الأصح.

قال: (ومن لم يجد ماء ولا ترابا) لكونه في موضع ليسا فيه (.. لزمه في الجديد أن يصلي الفرض) لحرمة الوقت، كالعاجز عن السترة وإزالة النجاسة، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)[خ 7288 – م 1337]

ص: 479

وَيُعِيدَ

ــ

وفي (الصحيحين)[خ 336 – م 367]: (أن عقد عائشة لما فقدته .. صلوا وهم على غير وضوء، فأنزل الله تعالى آية التيمم).

فإن كان جنبا .. لا يقرأ فيها غير الفاتحة بلا خلاف.

وصحح المصنف والشيخ وجوب قراءتها، وصحح الرافعي امتناع ذلك.

واحترز ب (الفرض) عن النقل، فلا يصليها ولا يحمل مصحفا ولا يمكث في المسجد إذا كان جنبا، ولا تمكن زوجها إذا كانت منقطعة الحيض والنفاس.

قال: (ويعيد)؛ لأنه عذر نادر.

والثاني: تجب الصلاة بلا إعادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها في حديث عائشة، وهذا القول مطرد في كل صلاة وجبت في الوقت مع خلل، وهو مذهب المزنيظو واختاره في (شرح المهذب)؛ لأنه أدى وظيفة الوقت، وإنما يجب القضاء بأمر جديد ولم يثبت فيه شيء.

والثالث: لا تجب الصلاة وتجب الإعادة؛ لأنا لو أوجبنا الأداء .. لأوجبنا فرضين للوقت الواحد، لكن يستحب ذلك لحرمة الوقت.

والرابع: كالثالث، إلا أن الإعادة لا تجب لما سبق.

والخامس: أنها تحرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) رواه مسلم [224]. وفي (الترمذي)[3]: (مفتاح الصلاة الطهور).

ومراد المصنف وغيره بالإعادة: القضاء لا الاصطلاح الأصولي، ولا يخفى أن قضاءه يشرع إذا قدر على الماء، وكذلك إذا على التراب في موضع يغني عن الإعادة، فإن لم يغن عنها .. لا يعيد؛ لأنها صلاة لا تنفعه ولا ضرورة إليها ولا حرمة وقت.

وقع في (نكت المصنف): أنه يعيد إذا قدر على التيمم مطلقا، وهو سهو، وإنما وجبت الإعادة؛ لأنه عذر نادر.

وأفهم كلامه: أن المأتي به في هذه الحالة صلاة صحيحة.

ص: 480

وَيَقْضِي اَلْمُقِيمُ اَلْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ اَلْمَاءِ، لَا اَلْمُسَافِرُ،

ــ

قال في (شرح المهذب): ولهذا تبطل بالحديث والكلام ونحوهما اتفاقا، وكذا برؤية الماء أو التراب في أثنائها على الصحيح.

وقيل: ليس صلاة ولكنها تشبه الصلاة، كالإمساك في رمضان، حكاه في (شرح المهذب) ، وجزم به في (الكفاية) في (باب الحيض).

وبنى عليهما المتولي في (كتاب الأيمان): لو حلف لا يصلي فأتى بها.

ثم إذا أعاد .. ففي لبفرض منهما أقوال أو أوجه:

أحدهما: الأولى، وإنما أمر بالثانية تلافيا لما اختل من الأولى.

والثاني: الثانية وهو الأصح، وإنما أمر بالأولى لحرمة الوقت.

والثالث: كلاهما فرض، قال المصنف وهو أفقه.

والرابع: إحداهما لا بعينها.

قال: (ويقضي المقيم المتيمم لفقد الماء) أي: على الجديد؛ لأنه عذر نادر إذا وقع لا يدوم.

والقديم المختار عند المصنف: لا يعيد؛ لأنه أتى بالمقدور.

وفي قول: لا تلزمه الصلاة في الحال، بل يصبر حتى يجده.

قال: (لا المسافر) سواء تيمم عن حدث أكبر أو أصغر؛ لأن الفقد في السفر يعم.

وروى أبو داوود [342] والنسائي [1/ 213] عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر. ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد:(أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك)، وقال للذي توضأ وأعاد:(لك الأجر مرتين). صحح إرساله أبو داوود [342] ، وصحح الحاكم وصله على شرطهما [1/ 178].

وعلى تقدير إرساله اعتضد بإجماع الفقهاء السبعة، والقياس على المريض،

ص: 481

إِلَاّ اَلْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ فِي اَلأَصَحِّ

ــ

وبفعل الصحابي؛ فإنه صح: (أن ابن عمر تيمم ولم يقض) ، وهو قول أكثر أهل العلم.

وقيل: يقضي في السفر القصير؛ لأنه في حكم الحضر.

تنبيه:

قولهم: المقيم يقضي والمسافر لا يقضي، جار على الغالب في حالتي السفر والإقامة من كثرة الماء في الحضر وقلته في السفر، فلو انعكس الحال انعكس الحكم.

والجمعة لا تدخل في عبارة المصنف؛ لأنه لا قضاء لها.

والمتجه: فعلها وقضاء الظهر.

قال: (إلا العاصي بسفره في الأصح) ، فإنه يلزمه أن يصلي بالتيمم ويقضي في الأصح؛ لأنه ليس من أهل الرخصة.

والثاني: لا يقضي؛ لأنه لما وجب عليه .. صار عزيمة.

وفي وجه ثالث: لا يستبيح التيمم أصلا، ويقال له: إن تبت .. استبحت، وإلا أثمت بترك الصلاة، وهو غريب في النقل، قوي في المعنى لا سيما إذا أمكنه الرجوع والصلاة بالماء قبل خروج الوقت؛ لأن سفر المعصية لا تتعلق به رخصة، وكذلك الحكم في العاصي بإقامته في موضع يندر فيه وجود الماء كما سبق.

قال الشيخ: إذا تقرر أن الاعتبار بموضوع ندور الماء وغلبته من نظر إلى سفر أو حضر، وهذا إشكال قوي ينبغي أن ينظر فيه في التوفيق بين الكلامين، ولا يستقيم ذكر مسألة العاصي إلا ممن يرى أن المسافر إذا اجتاز ببلد وتيمم .. لا يقضي، فعلى هذا: تظهر الفائدة فيها.

ص: 482

وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ .. قَضَى فِي الأَظْهَرِ، أَوْ لِمَرَضٍ يَمْنَعُ اَلْمَاءَ مُطْلَقَاً، أَوْ فِي عُضْوٍ وَلَا سَاتِرَ .. فَلَا، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيٌر، وَإِنْ كَانَ سَاتِرٌ .. لَمْ يَقْضِ فِي اَلأَظْهَرِ إِنْ وُضِعَ عَلَى طُهْرٍ،

ــ

وجواب هذا: أن تيمم العاصي بسفره إعانة له على السفر، ولذلك لا يحل له أكل الميتة وإن جوزناها للعاصي المقيم.

قال: (ومن تيمم لبرد) أي: في السفر (.. قضى في الأظهر)؛ لندور فقدان ما يسخن به الماء أو يدثر به أعضاءه.

والثاني: لا يقضي، وبه قال أبو حنيفة وأحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عمرو بن العاص بالإعادة.

وجوابه: لعله كان يعلم ذلك، أو أن القضاء على التراخي، أو تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز.

وقال الحسن وعطاء: لا يجوز له التيمم، بل يستعمل الماء وإن مات.

هذا ومحل القولين في السفر، فإن كان حاضرا .. فالمذهب: القطع في حقه بالوجوب، وقيل بالقولين.

قال: (أو لمرض يمنع الماء وطلقا، أو عضو ولا ساتر .. فلا) سواء كان حاضرا أو مسافرا؛ لأن المرض عذر عام.

قال: (إلا أن يكون بجرخه دم كثير) ، ففي هذه الحالة يقي، لأن العجز عن إزالته بماء مسخن ونحوه نادر.

والتقييد ب (كثير) زاده على (المحرر).

وسيأتي في (شروط الصلاة) ما يخالف تصحيحه هنا.

واحترز به عن اليسر فإنه لا يضر، اللهم إلا إذا كان على موضوع التيمم وكان كثيفا يمنع وصول التراب إلى المحل، فإن القضاء يجب حينئذ لا لأجل النجاسة بل لنقصان البدل والمبدل، كما سيأتي في الجبيرة إذا كانت في محل التيمم.

قال: (وإن كان ساتر .. لم يقض في الأظهر إن وضع على طهر)؛ لحديث جابر الصحيح في المشجوج فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة، ولأن المسح

ص: 483

فَإِنْ وُضِعَ عَلَى حَدَثٍ .. وَجَبَ نَزْعُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ .. قَضَى عَلَى اَلْمَشْهُورِ

ــ

على الخف يغني عن الإعادة مع أنه لا ضرورة إلى لبسه، فالمسح على الجبيرة أولى.

والثاني: يجب؛ لأنه عذر نادر.

قال: (فإن وضع على حدث .. وجب نزعه) أي: إن أمكن؛ لأنه مسح على ساتر فاشترط فيه الوضع على طهر كالخف.

وقيل: لا يجب؛ لأنه موضوع ضرورة.

فالنزع عند الإمكان واجب سواء وضع على حدث أم طهر، فذكره ههنا خاصة يوهم أنه لا يجب نزعه في السم الأول وليس كذلك.

قال: (فإن تعذر .. قضى على المشهور)؛ لفوات شرط الوضع على الطهارة.

والثاني: لا؛ لإمكان العذر.

وكان ينبغي أن يقول: على المذهب؛ فإن الأظهر في (الرافعي) وفي (شرح المهذب): الجزم بالوجوب. وعبر في (الروضة) بالأظهر.

تتمة:

جميع ماذكره المصنف محله إذا كان الساتر على غير محل التيمم، فإن كان على محله .. وجب القضاء بلا خلاف؛ لنقصان البدل والمبدل جميعا كذا نقله الرافعي عن المتولي وابن الصباغ وأقره.

هذا أوجبنا على الجديد، أما على القديم الذي اختاره المصنف: فإنه لا قضاء، وحيث أوجبنا الإعادة .. ففرضه الثانية كما تقدم في فاقد الطهورين، وقيل: الأولى، وقيل: إحداهما لا بعينها، وقيل: كلاهما واختاره القفال والفوراني وابن الصباغ والشيخ.

وفائدة الخلاف: في فعلهما بتيمم واحد وغير ذلك.

* * *

ص: 484

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خاتمة

تيمم عن جنابة أو حيض، ثم أحدث .. حرم عليه ما يحرم على المحدث، إلا قراءة القرآن واللبث في المسجد.

ولا يعرف جنب يباح له المسجد وقراءة القرآن سواه.

* * *

ص: 485