المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: رَأَتْ لِسِنَّ اَلْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَهُ .. فَكُلُّهُ حَيْضٌ، - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ١

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: رَأَتْ لِسِنَّ اَلْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَهُ .. فَكُلُّهُ حَيْضٌ،

‌فَصْلٌ:

رَأَتْ لِسِنَّ اَلْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَهُ .. فَكُلُّهُ حَيْضٌ، وَاَلصُّفْرَةُ وَاَلْكُدْرَةُ حَيْضٌ فِي اَلأَصَحِّ،

ــ

ولو عبر المصنف بالطهارة بدل الوضوء .. كلن أحسن لشموله غسل الفرج من النجس.

ولو كان الانقطاع في الصلاة .. فكهو قبلها.

تتمة:

قول الأصحاب: إذا شفيت المستحاضة .. يلزمها استئناف الوضوء، المراد به: إذا خرج منها دم في أثناء الصلاة أو بعد الوضوء، وإلا فلا يلزمها الوضوء بل تصلي بوضوئها الأول بلا خلاف؛ لأنه بان أن طهارتها تامة رافعة للحدث، صرح به في (البسيط) وغيره.

ويجوز وطء المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر، ولا كراهة في ذلك وإن كان الدم جاريا، ولها قراءة القرآن.

وإذا توضأت .. استباحت مس المصحف وحمله، وسجود التلاوة والشكر، وعيها الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات، فلا يثبت لها شيء من أحكام الحيض بلا خلاف.

قال: (فصل:

رأت لسن الحيض أقله ولم يعبر أكثره .. فكله حيض) سواء وافق العادة أو خالفها، اتفق لونه أو اختلف؛ لأن الشروط قد اجتمعت، واحتمال تغير العادة ممكن، حتى إذا رأت خمسة عشر، فإن جاوزها .. تبينا أن الأحمر استحاضة.

قال: (والصفرة والكدرة حيض في الأصح) سواء كانت مبتدأة أو معتادة، خالف عادتها أو وافق، وهما ليسا من ألوان الدم، إنما هما كالصديد تعلوه صفرة

ص: 498

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكدرة، والدليل على ذلك ما رواه البخاري تعليقا، ومالك [130] وغيره متصلا: أن النساء كن يبعثن إلى عائشة الدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض، فتقول:(لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء) تريد: الطهر من الحيضة.

و (الدرجة) – بدال مهملة مضمومة، وراء مهملة ساكنة بعدها جيم -: خرقة ونحوها تدخلها النرأة في فرجها، ثم تخرجها لتنظر: هل بقي شيء من أثر الحيض أو لا؟

و (القصة البيضاء)،هي: القطنة أو الخرقة البيضاء التي تحتشي بها المرأة عند الحيض.

ويقابل الأصح ستة أوجه:

أحدها: أنهما ليسا حيضا؛ لقول أم عطية: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا) ، كذا رواه أبو داوود [311] والحاكم [1/ 174] وغيرهما.

ووقع في (الوسيط) من قول زينب بنت جحش، وفي (النهاية) من قول حمنة، والصواب: الأول.

والثاني – وبه قال الإصطخري -: أنهما حيض في أيام العادة فقط.

والثالث: إن تقدمهما دم قوي ولو بعض يوم .. كانا حيضا.

والرابع: يشترط تقدم دم قوي يوما وليلة.

والخامس: يشترط أن يتقدمهما قوي ويلحقهما قوي.

والسادس: يشترط أن يتقدمهما قوي يوما وليلة، ويلحقهما قوي يوما وليلة.

ولم يسلم في (شرح المهذب) قول الرافعي: إن محل الخلاف في غير أيام العادة، أما في أيامها .. فهو حيض، وتابعه على ذلك في (الروضة).

ص: 499

فَإِنْ عَبَرَهُ: فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً مُمَيِّزَةً؛ بِأَنْ تَرَى قَوِيَاً وَضَعِيفاً .. فَاَلضَّعِيفُ اَسْتِحَاضَةٌ، وَاَلْقَوِيُ حَيْضٌ إِنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ وَلَا عَبَرَ أَكْثَرَهُ، وَلَا نَقَصَ اَلضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ اَلطُّهْرِ

ــ

قال: (فإن عبره) أي: عبر الدم أكثر الحيض، وهذا ضابط المستحاضة، وهي تنقسم إلى: مبتدأة مميزة، ومعتادة مميزة، وغير مميزة، وقد تكون ناسية للقدر والوقت وسيأتي.

قال: (فإن كانت مبتدأة مميزة؛ بأن ترى قويا وضعيفا .. فالضعيف استحاضة، والقوي حيض إن لم ينقص عن أقله ولا عبر أكثره، ولا نقص الضعيف عن أقل الطهر)؛ لما روى أبو داوود [290] والنسائي [1/ 185] والحاكم [1/ 174] – وقال: على شرط مسلم -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: (دم الحيض أسود يعرف، فإذا كان ذلك .. فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر .. فتوضئي وصلي فإنما هو عرق).

فإن فقد واحد من الشروط الثلاثة .. فهي غير مميزة، فلو رأت خمس عشر حمرة، ثم خمس عشر سوادا، ثم استمر السواد .. فهي فاقدة للتمييز، فتترك الصلاة في الشهر الأول بكامله، وفي الشهر الثاني يوما وليلة على الصحيح، وستا أو سبعا على القول.

قال الأئمة: وليس لنا مستحاضة تجع الصلاة هذه المدة إلا هذه.

قال شيخنا: ولك أن تقول: قد تؤمر بالترك في أضعاف ذلك، كما إذا رأت صفرة ثم شقرة، ثم سوادا بلا ثخانة ولا رائحة كريهة، ثم سوادا بأحدهما، ثم سوادا بهما معا، ونحو ذلك، وأقام كل دم خمسة عشر يوما، فإنها تترك في كل واحد للمعنى الذي ذكروه، وهو كونه أقوى مما قبله.

ولو لم تكن الخمسة عشر متصلة، بأن كانت ترى يوما أسود، ويومين أحمر .. فلا تمييز.

ص: 500

أَوْ مُبْتَدَأَةً لَا مُمَيِّزَةً؛ بِأَنْ رَأَتْهُ بِصِفَةٍ، أَوْ فَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ .. فَاَلأَظْهَرُ: أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَطُهْرَهَا: تِسْعٌ وَعِشْرُونَ.

ــ

ولو كانت المبتدأة لا تذكر وقت الابتداء .. فكا لمتحيرة.

واختلفوا فيما تحصل به القوة على وجهين:

أحدهما – وادعى الأمام الاتفاق عليه -: اللون فقط.

والأصح: أن القوة تحصل بأحد ثلاث خصال: اللون والثخانة والرائحة الكريهة. وعلى هذا، فلأسود أقوى من الأحمر، والأحمر أقوى من الأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر والأكدر إن جعلنا هما حيضا.

ويرجع ماله صفتان على ماله صفة، وما له ثلاث على ماله صفتان، فإن تعارضت الصفات .. رجع بالكثرة، فإن استوت فكان في كل واحد صفة واحدة .. رجح بالسيق.

قال: (أو مبتدأة لا مميزة؛ بأن رأته بصفة) واحدة (أو فقدت شرط تمييز .. فالأظهر: أن حيضها يوم وليلة، وطهرها: تسع وعشرون)؛ لأن سقوط الصلاة عنها في هذا القدر متيقن، وفيما عداه مشكوك فيه، فلا يترك اليقين إلا بأمارة ظاهرة كالتمييز والعادة.

والثاني: ترد إلى غالب عادة النساء، وهو: ست أو سبع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: (تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء، وكما يطهرن لميقات حيضهن) ، صححه الترمذي [128]

ص: 501

أَوْ مُعْتَادَةً بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ .. فَتُرَدُّ إِلَيْهِمَا قَدْراً وَوَقْتاً،

ــ

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ستا أو سبعا) الصحيح: أنه للتنويع، أي: إن كانت عادة النساء ستا .. فتحيضي ستا، وإن كانت سبعا .. فسبعا.

ومحل ما ذكره: إذا عرفت ابتداء مدتها، فإن جهلته .. فلها حكم المتحيرة.

والأصح: أن الستة والسبعة ينظر فيها إلى نساء عشيرتها من الأبوين، فإن فقدن .. فبدلها، وقيل: نساء العصبة، وقيل: البلد، فإن حاض بعضهن ستا وبعضهن سبعا ولا غالب .. فست، فإن نقصن عن ست .. فست، أو زدن عن سبع .. فسبع.

وقيل: تتخير بين الستة والسبعة.

قال: (أو معتادة) أي: غير مميزة (بأن سبق لها حيض وطهر .. فترد إليهما قدرا ووقتا)؛ لما روى مالك [138] والشافعي [1/ 60] وأحمد [6/ 320] وأبو داوود [278] – بأسانيد صحيحة – عن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:(لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر، قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتدع الصلاة قدر ذلك من السهر، فإذا خلفت ذلك .. فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل).

ص: 502

وَتَثْبُتُ بِمَرَّةٍ فِي اَلأَصَحِّ،

ــ

وحكى المرعشي قولا غريبا: أنه أثر للعادة، ومحل الرد إلى العادة بعد الخمسة عشر، أما قبلها في الدور الأول .. فلا؛ لاحتمال انقطاعه فيها.

كل هذا في العادة المستمرة، أو المختلفة المنتظمة، فتجري على نظامها.

فلو لم تنتظم العادات، بل تتقدم هذه مرة وهذه مرة .. فالأصح: الرد إلى ما تقدم الاستحاضة وإن كانت مرة في الأصح، فإن نسيت ما قبل الاستحاضة .. فعند الأكثرين: ترد إلى أكثر العادات.

قال: (وتثبت بمرة في الأصح)؛ لحديث أم سلمة، فإنه رد المرأة إلى الشهر الذي قبل الاستحاضة.

والثاني: بمرتين؛ لأنها من العود، ورد بأن هذا اصطلاح من الفقهاء، فكيف يستفاد منه الحكم الشرعي؟

والثالث: بثلاث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دعي الصلاة أيام أقرائك) ، وأقل الجمع ثلاث.

والرابع: إن كانت مبتدأة .. فمبرة، وإن كانت معتادة .. فبمرتين.

والعادة في هذا الباب أربعة أقسام:

أحدها: ما تثبت بمرة بلا خلاف، وهي الاستحاضة؛ لأنها علة مزمنة إذا وقعت دامت غالبا، وسواء فيه المبتدأة والمعتادة والمميزة.

والثاني: ما لا تثبت فيه العادة بالمرة ولا بالمرات المتكررة بلا خلاف، وهي ما إذا انقطع دمها فرأت يوما دما ويوما نقاء واستمرت بها الأدوار هكذا، وقلنا بقول:

ص: 503

وَيُحْكَمُ لِلْمُعْتَادَةِ اَلْمُمَيِّزَةِ بِاَلتَّمَيِيزِ، لَا اَلْعَادَةِ فِي اَلأَصَحِّ

ــ

اللقط، فأطبق الدم على لون واحد .. فإنه لا يلتقط قدر أيام الدم بلا خلاف، وإنما نحيضها ما كنا نجعله حيضا بالتلفيق.

والثالث: ما لا تثبت بمرة ولا مرات على الأصح، وهو التوقف بسبب تقطع الدم إذا كانت ترى يوما دما ويوما نقاء كما سيأتي.

والرابع: ما تثبت بالثلاث جزما، وفي ثبوته بالمرة والمرتين وجهان، والأصح: الثبوت، وهو قدر الحيض، كما ذكره المصنف.

قال: (ويحكم للمعتادة المميزة بالتمييز، لا العادة في الأصح)؛ لأن التمييز علامة في الدم والعادة علامة في صاحبته، ولأنه علامة قائمة في شهر الاستحاضة فكان عتباره أولى من عادة انقضت، ولما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:(دم الحيض أسود يعرف، فإذا كان ذلك .. فأمسكي عن الصلاة) ،

والثاني: أنها تأخذ العادة لا التمييز؛ لحديث أم سلمة، ولأن العادة قد ثبت واستقرت وصفة الدم بصدد الزوال.

والثالث: إن أمكن الجمع بينهما .. حيضناها الجميع، وإن لم يمكن .. سقطا وكانت كمبتدأة لا تمييز لها.

فلو رأت خمسة سوادا، ثم أطبقت الحمرة .. فالخمسة حيض على الأوجه كلها.

وصورة المسألة: إذا لم يتخلل بين العادة والتمييز أقل الطهر، فإن تخلل كما إذا كانت عادتها خمسة من أول الشهر، فرأت عشرين أحمر، ثم خمسة أسود .. فلأصح: أن كلا منهما حيض.

وقيل: يطرد الخلاف، فلو كانت مع التمييز ناسية للعدد، فعلى الأصح: لا يختلف، وعلى الوجه الآخر: هي كفاقدة التمييز.

وقال الإمام: ترد إلى التمييز للضرورة.

ص: 504

أَوْ مُتَحَيِّرَةً؛ بِأَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْراً وَوَقْتاً .. فَفِي قَوْلٍ: كَمُبْتَدَأَةٍ، وَاَلْمَشْهُورُ: وُجُوبُ اَلِاحْتِيَاطِ، فَيَحْرُمُ: اَلْوَطْءُ، وَمَسُّ اَلْمُصْحَفِ، وَاَلْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ اَلصَّلَاةِ،

ــ

قال: (أو متحيرة؛ بأن نسيت عادتها قدرا ووقتا).

لو عبر بقوله: (كأن نسيت) .. كان أولى، وكذا لو أبدل النسيان بالجهل أيضا؛ لأنه لا يستدعي سبق علم، وقد تجن وهي صغيرة وتستمر لها عادة، ثم تفيق وهي مستحاضة ولا تعرف شيئا.

سميت بذلك؛ لأنها تحيرت في نفسها، وتسمى محيرة؛ لأنها حيرت الفقيه في أمرها.

والمراد: أنها ليس لها تمييز، فإن ميزت .. ردت إلى التمييز على المذهب؛ للضرورة.

قال: (.. ففي قول: كمبتدأة) بجامع فقد العادة والتمييز، فيكون حيضها من الوقت الذي عرفت ابتداء الدم فيه أقل الحيض أو غالبه كما سبق.

وقيل: هنا ترد إلى غالبة قطعا، فإن لم تعرف وقت ابتداء الدم، أو كانت مبتدأة ونسيت وقت ابتداء الدم كما سبق .. فحيضها من أول كل هلال، ودورها شهر هلالي، ومتى أطلقنا الشهر في المستحاضة .. فالمراد به: ثلاثون يوما إلا في هذا الموضع.

قال: (والمشهور: وجوب الاحتياط)؛ لأنه اشتبه حيضها بغيره، ولا يمكن التبعيض من غير معرفة أوله، ولا جعلها طاهرا أبدا في كل شهر، ولا حائضا أبدا في كل شهر، فتعين الاحتياط؛ للضرورة لا لقصد التشديد عليها.

قال: (فيحرم: الوطء، ومس المصحف، والقراءة في غير الصلاة)؛ لاحتمال الحيض.

ومباشرتها كمباشرة الحائض، وكذا كثها بالمسجد إلا في طواف الفرض، وكذا نفله في الأصح.

وتقرأ ما زاد على الفاتحة في الصلاة على الأصح.

ص: 505

وَتُصَلِّي اَلْفَرَائِضَ أَبَداً، وَكَذَا اَلنَّفْلُ فِي اَلأَصَحِّ، وَتَغْتَسِلُ لكُلِّ فَرْضٍ،

ــ

ونفقتها واجبة على الزوج وإن منع الوطء، ولا خيار له في فسخ نكاحها؛ لأن وطأها متوقع.

قال: (وتصي الفرائض أبدا) أي: وجوبا؛ احتياطا للصلاة، وهذا الموضع مما رجح فيه جلب المصلحة على دفع المفسدة الحاصلة في الصلاة مع الحيض.

وسواء في الصلاة: المفروضة والمنذورة، وغيرها كركعتي الطواف إذا أوجبناهما.

وعبارة أحسن من قول (المحرر)): فرائض الأوقات.

قال: (وكذا النفل في الأصح) أي ندبا؛ لأنه من مهمات الدين، فلا تمنع منه راتبا كان أو غيره على الأصح.

والثاني: يحرم؛ لأن الضرورة لم تدع إليها، فأشبهت مس المصحف والقراءة في غير الصلاة.

والثالث: تصلي الراتبة دون غيرها، والخلاف جار في نقل الصوم والطواف.

وتنقضي عدتها بثلاثة أشهر على الأصح، إلا أن تعلم من عادتها ما يقتضي زيادة على ذلك أو نقصانا فتعمل به، ولا يلزمها إذا وطئت التصدق بدينار على القديم؛ لأجل الشك.

واقتضى إطلاق المصنف: أنه لا فرق في جواز النقل لها بين أن يبقى وقت الفريضة أو بخرج، وهو الأصح في زوائد (الروضة).

وخالف في (شرح المهذب) و (التحقق) و (شرح مسلم) ، فصحح في الجميع عدم الجواز بعد خروج الوقت.

قال: (وتغتسل لكل فرض)؛ لحديث حمنة، ولاحتمال الانقطاع قبلها.

فإن ذكرت وقت الانقطاع بأن قالت: كان الدم ينقطع مع غروب الشمس مثلا .. لزمها الغسل لكل يوم عقب الغروب خاصة.

ويلزمها إيقاع غسلها في الوقت، وقيل: يجوز لن يكون الغسل والصلاة في آخر

ص: 506

وَتَصُومُ رَمَضَانَ ثُمَّ شَهْراً كَامِلَيْنِ، فَيَحْصُلُ مِنْ كُلٍّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ،

ــ

الوقت، إذا لم يبق منه شيء إلا ما يسعهما.

وهل يجب عليها أن تبادر إلى الصلاة عقب الغسل؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، كالمستحاضة.

والأصح: لا؛ لأنا إنما أوجبنا البدار هناك تقليلا للحدث، والغسل إنما تؤمر به لاحتمال الانقطاع، ولا يمكن تكرر الانقطاع بين الغسل والصلاة. ويكفي غسل واحد للطواف، وركعتيه إذا أوجبناهما في أصح الوجهين، لكن لا بد من وضوء آخر في الأصح.

ويستثنى ذات التقطع في النقاء؛ فإنه لا غسل عليها.

وسكت المصنف عن قضاء الصلاة بعد فعلها في الوقت، وهو شعر بعدم وجوبه، وهو المنصوص ورأي الجمهور؛ لما في وجوبه من الحرج الشديد، ورجح الرافعي والمصنف وجوبه؛ ذهولا عن النص، والتفريع عليه يطول مع مخالفته لمذهب الشافعي.

وستأتي الإشارة إليه في لفظ المصنف في (صلاة الجماعة) في قوله: (غير المتحيرة).

قال: (وتصوم رمضان)؛ لاحتمال الطهر فيه.

قال: (ثم شهرا كاملين)؛ لاحتمال حيضها في رمضان أكثر الحيض.

قال: (فيحصل من كل أربعة عشر)؛ لاحتمال الطهر في أثناء يوم وينقطع في أثناء آخر، فيفسد من كل شهر ستة عشر يوما، فإن نقصها .. فثلاثة عشر يوما من كل شهر.

وقيل: يحصل لها من كل شهر خمسة عشر.

وقال الإمام: اثنان وعشرون؛ تفريعا على أن مرد المبتدأة الغالب.

وإن نقص رمضان وكمل الثاني .. حسب منهما سبعة وعشرون على المذهب، فيبقى يومان.

وإن كمل رمضان ونقص الثاني .. حسب منهما سبعة وعشرون، ويبقى ثلاثة أيضا.

ص: 507

ثُمَّ تَصُومُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ: ثَلَاثَةً أَوَّلَهَا، وَثَلَاثَةً آخِرَهَا، فَيَحْصُلُ اَلْيَوْمَانِ اَلْبَاقِيَانِ، وَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ، ثُمَّ اَلثَّالِثِ وَاَلسَّابِعَ عَشَرَ. وَإِنْ حَفِظَتْ شَيْئاً .. فَلِلْيَقِينِ حُكْمُهُ،

ــ

قال: (ثم تصوم من ثمانية عشر: ثلاثة أولها، وثلاثة آخرها، فيحصل اليومان الباقيان)؛ لأن الدم إن كان طرأ في اليوم الأول منها .. انقطع في أثناء السادس عشر فسلم السابع والثامن عشر، وإن طرأ في الثاني .. انقطع في السابع عشر فسلم الأول والثامن عشر، وإن طرأ في الثالث .. سلم الأول والثاني، ولا تتعين هذه الكيفية، بل لو صامت أربعة من الستة في أول الثمانية عشر واثنين في آخرها، أو بالعكس، أو اثنين في أولها واثنين في آخرها واثنين في الوسط كيف شاءت .. حصل اليومان الواجبان.

قال: (ويمكن قضاء يوم بصوم يوم، ثم الثالث والسابع عشر)؛ لوقوع يوم من الأيام الثلاثة في الطهر على كل تقدير، ثم إنه لا يتعين الثالث للصوم الثاني، ولا السابع عشر للصوم الثالث، وإنما ذكرهما الأئمة؛ لبيان أن السبعة عشر أقل مدة يمكن فيها أولها وخمسة في آخرها، وكلما زادت في المدة يوما .. زادت في الصوم يومين: يوم في أولها، ويوم في آخرها، وعلى هذا القياس تعمل في طوافها.

فرع:

لا يصح جمع المتحيرة بالسفر أو المطر في وقت الأولى؛ لأن الجمع بالسفر في وقت الأولى شرطه تقدم الأولى صحيحة يقينا أو ظنا، وهو منتف ههنا، بخلاف الجمع في وقت الثانية.

قال: (وإن حفظت شيئا) ، كالعدد دون الوقت، أو عكسه.

قال: (.. فلليقين حكمه) من حيض أو طهر - وسياق كلامه: أن هذه متحيرة، والأكثرون: لا يسمونها متحيرة - فإذا قالت: كان حيضي ستة أيام من العشر الأول .. فأربعة طهر بيقين، تفعل ما تفعله الطاهرات، والخامس والسادس حيض بيقين فهي

ص: 508

وَهِيَ فِي اَلْمُحْتَمِلِ كَحَائِضٍ فِي اَلْوَطْءِ، وَطَاهِرٍ فِي اَلْعِبَادَةِ، وَإِنِ اَحْتَمَلَ اَنْقِطَاعاً .. وَجَبَ اَلْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ. وَاَلأَظْهَرُ: أَنَّ دَمَ اَلْحَامِلِ وَاَلنَّقَاءَ بَيْنَ اَلدَّمَيْنِ حَيْضٌ

ــ

كالحائض مطلقا فيهما؛ إعطاء لكل من اليقينين حكمه. والأربعتان مختلفتان، فلأولى تحتمل الطروء فقط، والثانية تحتمل الانقطاع فقط، فهي فيهما كالمتحيرة، إلا أنها في الأربعة الأولى تتوضأ لكل فرض لعدم إمكان الانقطاع، وفي الثانية تغتسل لكل فرض لاحتمال الانقطاع.

قال: (وهي في المحتمل كحائض في الوطء، وطاهرة في العبادة)؛ مراعاة للاحتياط.

والمراد ب (المحتمل): محتمل الحيض والطهر.

قال: (وإن احتمل انقطاعا .. وجب الغسل لكل فرض)؛ احتياطا، ويسمى هذا طهرا مشكوكا فيه، والذي لا يحتمل ذلك يسمى حيضا مشكوكا فيه – كما تقرر – فيجب فيه الوضوء فقط.

قال: (والأظهر: أن دم الحامل والنقاء بين الدمين حيض) أشار إلى مسألتين:

الأولى: إذا رأت الحامل دما يصلح أن يكون حيضا، وفيها قولان: قديم وجديد: ففي الجديد: حيض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دم الحيض أسود يعرف) ، ولأنه كدم المرضع، وإنما حكم الشارع ببراءة الرحم به بناء على الغالب.

والقديم: أنه حدث دائم كسلس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: (ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) ، فجعل

ص: 509

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحيض دليلا على براءة الرحم.

ثم قيل: محل القولين بعد حركة الولد، أما قبلها .. فحيض قطعا.

وقيل: إذا مضى للحمل أربعون يوما.

والمذهب: طردهما فيهما.

ودخل في كلام المصنف: ما تراه بين التوأمين، وفيه القولان.

وقيل: حيض قطعا، وقيل: دم فساد قطعا.

وعلى الجديد .. تثبت فيه جميع أحكام الحيض، إلا العدة وتحريم الطلاق.

ويستثنى من إطلاقه: الدم الخارج عند الطلق ومع الولد؛ فإنهما ليسا بحيض ولا نفاس على الأصح.

وأما الخارج قبل الطلق .. ففي (الشرح) و (الروضة): أنه ليس بنفاس بلا خلاف.

وفي (الحاوي): أنه نفاس إن اتصل بدم النفاس.

المسألة الثانية: إذا رأت دما ونقاء، ولم يجاوز خمسة عشر .. فالدم حيض، وفي النقاء قولان جديدان:

أحدهما: أنه طهر – ويسمى قول اللقط والتلفيق – لأنه إذا دل الدم على الحيض .. وجب أن يدل النقاء على الطهر.

والأظهر – وبه قال أبو حنيفة -: أنه حيض، ويسمى قول السحب.

ووجهه: أن دم الحيض لا يسيل على الدوام، بل في وقت دون وقت.

ويشترط في جعل الجميع حيضا بلوغ مجموع الدماء يوما وليلة، فإن نقصت .. كان دم فساد.

وقيل: يشترط أن يكون كل من الدمين بالغا أقل الحيض.

وقيل: لا يشترط شيء من ذلك.

وقيل: يشترط بلوغ أولهما، وقيل: أحدهما.

ص: 510

وَأَقَلُّ اَلنِّفَاسِ: لَحْظَةٌ،

ــ

وصورة المسألة: أن يكون النقاء زائدا على الفترات المعتادة بين دفعات الحيض التي ينقطع فيها جريان الدم ويبقى أثره؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بأن دم الحيض لا يسيل دائما، بل لا بد له من فترات، فإن لم يزد عليها .. فالجميع حيض بلا خلاف.

ومحل القولين في الصلاة والصوم ونحوهما، ولا يجعل النقاء طهرا في انقضاء العدة بالإجماع، ولا خلاف أنها في يوم النقاء تعمل عمل الطاهرات؛ لأنه قد لا يعود، فإذا عاد الدم .. غيرنا الحكم.

وقوله: (بين الدمين) هو الموجود في كثير من النسخ، وكذلك كان في نسخة المصنف، ثم أصلح بعده بقوله:(بين أقل الحيض)؛ لما تقدم من أن محل القولين ذلك.

ولا فرق على القولين بين أن يكون قدر الدم أكثر من قدر النقاء، أو يكونا متساويين، حتى إذا رأت يوما وليلة دما وثلاثة عشر نقاء، ثم رأت الخامس عشر دما .. كان على القولين.

قال: (وأقل النفاس: لحظة)

(النفاس) بكسر النون: الدم الخارج من الفرج، بعد ولادة ما، تنقضي به العدة، مأخوذ من النفس وهو: الدم، أو لأنه يخرج عقب النفس، أو من قولهم: تنفس الصبح إذا ظهر.

ويقال لذات النفاس: نفساء بضم النون وفتح الفاء، وجمعها، نفاس، ولا نظير له إلا ناقة عشراء فجمعها: عشار، قال تعالى:{وإذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ} .

يقال: نفست المرأة – بضم النون – إذا رأت النفاس، وسواء وضعت حيا، أو ميتا كاملا أو ناقصا، وكذا لو وضعت علقة أو مضغة.

واختلفوا في ابتداء مدته على أوجه:

أصحها: من حين فراغ الرحم بالكلية.

وقيل: من الدم البادي عند الطلق.

ص: 511

وَأَكْثَرُهُ: سِتُّونَ،

ــ

وقيل: من الدم الخارج مع ظهور شيء من الولد وإن لم ينفصل.

وقيل: من الخارج بعد انفصاله وإن بقي غيره، واختاره الغزالي.

ولو ولدت ولم بر دما إلا بعد خمسة عشر يوما .. فلا نفاس لها في الأصح.

وقيل: يكون نفاسا إذا رأته في الستين.

والأصح: أن أقله: لحظة – كما قاله المصنف – للاستقراء.

و (اللحظة): النظرة، والمراد: قدرها.

وعبر بعضهم ب (مجة)، وهي: الدفعة من الدم، وهي بفتح الميم.

ووقع في (الكفاية) بضمها، وهو وهم.

وقيل: أقله ساعة من الساعات الأربع والعشرين، حكاه الماوردي.

وقال المزني: أقله أربعة أيام، وعلل بأن أكثر النفاس أربعة أضعاف أكثر الحيض، فكان أقله أقل أربعة أضعاف أقل الحيض.

وقال أبو يوسف: أحد عشر يوما؛ حتى تزيد على أكثر الحيض.

وقدره بعض العلماء بثلاثة أيام.

قال: (وأكثره: ستون)؛ لقول الأوزاعي: عندنا امرأة ترى النفاس شهرين، وروى ربيعة نحوه.

وأبدى الأستاذ أبو سهل لذلك معنى لطيفا، نقله ابن الصلاح في فوائد (رحلته)، وهو: أن المني يمكث في الرحم أربعين يوما على حاله، ثم يمكث مثلها علقة، ثم مثلها مضغة، ثم ينفخ فيه الروح كما في الحديث الصحيح، والولد يتغذى بدم الحيض، فحينئذ لا يجتمع الدم من حين النفخ؛ لكونه غذاء للولد، إنما يجتمع في المدة التي قبلها وهي أربعة أشهر، وأكثر الحيض خمسة عشر يوما، فيكون أكثر النفاس ستين.

وقال بعض العلماء: أكثره سبعون يوما.

وقال أبو حنيفة: أربعون.

ص: 512

وَغَالِبُهُ: أَرْبَعُونَ. وَيَحْرُمُ بِهِ مَا حَرُمَ بِاَلْحَيْضِ، وَعُبُورُهُ سِتِّينَ كَعُبُورِهِ أَكْثَرَهُ

ــ

قال: (وغالبه: أربعون)؛ لما روته أم سلمة قالت: (كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما) رواه أبو داوود [315] والترمذي [139] ، وصححه الحاكم [1/ 175].

وعن المزني: أنها الأكثر، وحكى الترمذي [139] ذلك عن الشافعي.

قال: (ويحرم به ما حرم بالحيض) بالإجماع؛ لأنه دم حيض مجتمع، فيحرم الطلاق فيه كما صرح به الرافعي في (كتاب الطلاق) ، وإن كان كلامه هنا بخلافه.

قال: (وعبوره ستين كعبوره أكثره) أي: كعبور الحيض أكثره في الرد إلى التمييز والعادة، والأقل والغالب، فإن كانت مميزة .. ردت إلى التمييز بشرط أن لا يزيد القوي على ستين، وإن كانت مبتدأة في النفاس .. فالأصح: أن نفاسها الأقل، وهو لحظة.

والثاني: الغالب، وهو أربعون.

وإن كانت معتادة بأن تقدم لها نفاس تعرف قدره .. ردت إلى العادة، وإن نسيت عادتها، فهل تجعل كمبتدأة في النفاس أو يحتاط؟ فيه قولان.

والصفرة والكدرة فيه كهما في الحيض، وفي النقاء المتخلل القولان.

تتمة:

إذا انقطع دم النفساء واغتسلت، أو تيممت حيث يشرع لها التيمم .. فللزوج أن يطأها في الحال من غير كراهة، وإن خافت عود الدم .. استحب له التوقف عن الوطء احتياطا.

* * *

خاتمة

يجب على المرأة تعلم ما تحتاج إليه من أحكام الحيض والاستحاضة النفاس، فإن كان زوجها عالما .. لزمه تعليمها، وإلا .. فلها الخروج لسؤال العلماء، بل يجب

ص: 513

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويحرم منعها، إلا أن يسأل هو ويخبرها فتستغني بذلك.

وليس لها الخروج إلى مجلس ذكر أو تعلم خير إلا برضاه.

وفي كتب الغريب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الغائصة والمغوصة).

و (الغائصة): التي لا تعلم زوجها أنها حائض ليجتنبها، فيجامعها وهي حائض.

و (والمغوصة): التي لا تكون حائضا، فتكذب زوجها وتقول: إنها حائض، فيجتنبها.

* * *

ص: 514

فهرس الكتاب

بين يدي الكتاب

7

ترجمة الإمام الشافعي

16

ترجمة الإمام النووي

36

ترجمة الإمام الدميري

47

أضواء على كتاب (منهاج الطالبين)

68

(الإبتهاج في بيان اصطلاح المنهاج)

79

(سلم المتعلم المحتاج إلى معرفة رموز المنهاج)

99

وصف النسخ الخطية

142

منهج العمل في الكتاب

146

رموز تخريج الكتاب

148

الخاتمة

151

صور المخطوطات المستعان بها

155

(النجم الوهاج في شرح المنهاج)

خطبة الكتاب

185

كتاب الطهارة

221

باب أسباب الحدث

246

فصل: في آداب الخلاء وفي الاستنجاء

286

باب الوضوء

311

باب مسح الخف

360

باب الغسل

374

باب النجاسة وإزالتها

402

ص: 515

باب التيمم

434

فصل: في بيان أركان التيمم وكيفيته

457

باب الحيض وما يذكر معه من النفاس والاستحاضة

486

فصل: إذا رأت المرأة لسن الحيض أقله

498

فهرس الكتاب

515

* * *

ص: 516