الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
يُقَدَّمُ دَاخِلُ اَلْخَلَاءِ يَسَارَهُ، وَاَلْخَارِجُ يَمِينَهُ،
ــ
قال: (فصل):
عبر في (الروضة) عن هذا بـ (باب الاستنجاء)، وفي (التنبيه) بـ (باب الاستطابة)، وهو طلب طيب النفس بإخراج الأذى.
قال: (يقدم داخل الخلاء يساره، والخارج يمينه)؛ لأن اليسار للدنيء واليمين لغيره، وكذلك الحمام ومكان الظلم والصاغة، وعكسها المسجد.
وهذا الأدب لا يختص بالبنيان عند الأكثرين، بل يقدم اليسرى إذا بلغ موضع جلوسه من الصحراء، فإذا فرغ .. قدم اليمنى.
قال ابن الرفعة: تقديم اليمنى إذا فرغ ظاهر، وأما تقديم اليسرى إلى موضع الجلوس .. ففيه نظر؛ لمساواته لما قبله قبل قضاء الحاجة.
وقد يجاب بأنه لما عينه للبول .. صار دنيئاً كالخلاء الجديد قبل قضاء الحاجة فيه.
و (الخلاء) بالمد: موضع قضاء الحاجة، وأصله المكان الخالي، ثم نقل إلى موضع قضاء الحاجة.
قال الترمذي الحكيم: سمي بذلك باسم شيطان فيه يقال له: خلاء، وأورد فيه حديثاً، وقيل: لأنه يتخلى فيه، أي: يتبرز، وجمعه: أخلية كرداء وأردية، ويسمى المذهب والمرفق والكنيف والمرحاض.
و (اليسار) فتح يائه أفصح من كسرها خلافاً لابن دريد.
ويندب أن لا يدخل حاسر الرأس، بل يستره ولو بكمه تخوفاً من الجن، وكذا يندب أن لا يدخل حافياً.
وَلَا يَحْمِلُ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى، وَيَعْتَمِدُ جَالِساً يَسَارَهُ،
ــ
قال: (ولا يحمل ذكر الله تعالى)، أي: ما عليه ذكر الله تعالى تعظيماً له عن مكان القاذورات، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء .. نزع خاتمه، صححه الحاكم [1/ 187] والترمذي [1746] وابن حبان [1413]، وضعفه أبو داوود [20] والنسائي [8/ 178].
وقالوا: إنما نزعه؛ لأنه كان عليه محمد رسول الله، كما في (الصحيح).
قال ابن حبان: وكانت ثلاثة اسطر محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر، وكانت تقرأ من أسفلها ليكون اسم الله فوق الجميع.
وألحق الغزالي اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم الله في ذلك.
وقال ابن الصلاح: لم يوجد هذا لغيره، وقد وافقه الرافعي، فيحتمل أنه وجده لغيره.
وكلام الإمام يشعر به؛ لأنه ألحق به كل اسم معظم، فيدخل فيه أسماء الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
أما لو كان اسم الإنسان محمداً، فهل يلتحق باسم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيه نظر.
لكن في جواز وسم نعم الصدقة ما يقتضي إباحة ذلك؛ لأن المقصود التمييز.
فلو نسي حتى جلس لقضاء الحاجة .. جعله في كفه وضمها عليه، أو في عمامته.
فإن تختم في يساره بذلك .. حوله في الاستنجاء تنزيهاً له عن النجاسة.
وفي (محاسن الشريعة): إشارة إلى تحريم بقائه في اليسرى.
قال: (ويعتمد جالساً يساره)؛ تكريماً لليمنى، ولأنه أسهل لخروج الخارج، واستأنسوا له بحديث ضعيف عن سراقة بن مالك قال: (علمنا رسول الله صلى الله
وَلَا يَسْتَقْبِلُ اَلْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا، وَيَحْرُمَانِ بِاَلصَّحْرَاءِ،
ــ
عليه وسلم إذا أتينا الخلاء .. أن نتوكأ على اليسرى وننصب اليمنى).
وكيفية ذلك: أن يضع أصابع القديم اليمنى على الأرض ويرفع الساق، وكذلك في البول، إلا أنه إذا بال قائماً .. فرج رجليه، ففي (صحيح ابن حبان) [1424]:(أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك).
قال البندنيجي: ويضم إحدى الفخذين على الأخرى، ولا يطيل القعود؛ لقول لقمان: إنه تتجع منه الكبد، ويحدث منه البواسير، فإن أطال .. كره.
قال: (ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها)؛ لما روى البخاري [394] عن أبي أيوب عبد الله بن زيد الأنصاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيتم الغائط .. فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا).
والمختار: أن ذلك في البنيان خلاف الأولى لا مكروه، كل هذا إذا لم يكن عليه مشقة في التحول، فإن كان .. لم يكن ذلك مكروهاً، ولا خلاف الأولى.
ولا كراهة في استقبالها واستدبارها في حالة الاستنجاء، ولا في إخراج الريح.
قال: (ويحرمان بالصحراء) جمعاً بين الأحاديث؛ لأن ابن عمر قال: (رقيت يوماً على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضى حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)، متفق عليه [خ 145 – م 266].
وسبب المنع في الصحراء أن جهة القبلة معظمة، فوجب صيانتها في الصحراء، ورخص فيها في البنيان؛ للمشقة.
وإنما يجوز في البنيان بشرطين:
أن لا يزيد ما بينه وبين الجدار على ثلاثة أذرع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأن يكون الجدار مرتفعاً قدر مؤخرة الرحل، والدابة ونحوها في الستر كالجدار.
ويحصل الستر بكل ما يعد ساتراً، كحجر ودابة ووهدة وشجرة، وإرخاء الذيل على الأصح.
قال البغوي: وينبغي أن تكون السترة فوق سترة المصلي حتى تستر أسافل بدنه، وبهذا أجاب المصنف في (شرح مسلم).
والأصح: أنه يكفي قدر ثلثي ذراع في الموضعين.
ويستثنى من التحريم في الصحراء أن يكون بحيث تهب الريح عن يمينه أو يساره، فإنهما لا يحرمان حينئذ للضرورة، صرح به القفال في (الفتاوى).
وإذا أراد قضاء الحاجة في الصحراء، ولم يعرف عين الكعبة .. فالمتجه: وجوب الاجتهاد عليه.
تتمة:
صرح المتولي والرافعي في أواخر (التذنيب) بكراهة الاستقبال والاستدبار في البنيان، وكلام (الشرح) يشعر به، واختار في (شرح المهذب) و (مسلم) عدمها.
وإذا لم يكن له بد من الاستقبال أو الاستدبار في الصحراء .. استدبر لفحش الاستقبال، كما يجب ستر القبل إذا قدر على ستر أحد سوأتيه كما سيأتي.
والمراد هنا بالقبلة: المعهودة الآن لتخرج صخرة بيت المقدس؛ فإنه لا يحرم، بل يكره عند عدم الساتر.
وفي (شرح الوسيط) وجه: أن ذلك يحرم.
وَيَبْعُدُ، وَيَسْتَتِرُ،
ــ
ويكره استقبال الشمس والقمر دون استدبارهما، كما وقع في (الروضة) و (شرح المهذب).
وقال في (شرح الوسيط): إن ترك استقبالهما واستدبارهما سواء.
وفي (التحقيق): أن كراهة استقبالهما لا أصل لها.
قال: (ويبعد) أي: إذا كان في الصحراء وهناك غيره، بحيث لا يسمع للخارج منه صوت، ولا يشم له ريح؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم:(أنه كان إذا ذهب إلى الغائط .. أبعد).
وعن جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز .. انطلق حتى لا يراه أحد) رواه ابن النجار في ترجمة محمد بن محمد بن علي.
وروى ابن السني في (سننه الصحاح)[1/ 17 – 18]، وأبو يعلى الموصلي في (مسنده) [5626] عن ابن عمر:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة إذا أراد قضاء الحاجة .. خرج إلى المغمس)، قال نافع: وهو على نحو ميلين من مكة.
قال: (ويستتر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أتى الغائط .. فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل .. فليستتر به؛ فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل هذا .. فقد أحسن، ومن لا .. فلا حرج) رواه أبو داوود [36]، وصححه ابن حبان [1410].
ويندب أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.
قال ابن الرفعة: فيه نظر، لان الصحيح أن كشف العورة في الخلوة لا يجوز من غير حاجة، وقبل دنوه من الأرض لا حاجة به إلى الكشف. على أن المصنف في (شرح التنبيه) خرج ذلك على الخلاف المذكور.
وَلَا يَبُولُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ،
ــ
قال: (ولا يبول في ماء راكد) قليلاً كان أو كثيراً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، رواه مسلم [281]. والغائط أفحش م البول. وفي الليل أشد كراهة؛ لما قيل: إن الجن بالليل تأوي إليه، فيخشى من آفة تصيبه من جهتهم.
وأما الجاري: فإن كان كثيراً .. لم يحرم والأولى اجتنابه، وإن كان قليلاً .. كره.
وينبغي أن يحرم البول في القليل مطلقاً؛ لأنه ينجسه ويتلفه على نفسه وعلى غيره، وفي المسألة اضطراب للمصنف.
ويكره البول بقرب النهر لما سيأتي قريباً.
ويكره الغسل في الماء الجاري ليلاً، والبول على ما منع من الاستنجاء به لحرمته.
فروع:
لا بأس بالبول في إناء، ويحرم فيه في المسجد، ويحرم على القبور المحترمة، ويكره بقربها، ويكره أن يبول قائماً بلا عذر أو يتغوط؛ لما روى ابن ماجه [308] وابن حبان [1423] والبيهقي [1/ 102] عن عمر: أنه قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائماً فقال: (يا عمر؛ لا تبل قائماً)، قال: فما بلت بعد قائماً.
وفي (الترمذي)[12] و (النسائي)[1/ 26] و (ابن ماجه)[307] بإسناد حسن عن عائشة قالت: (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً .. فلا تصدقوه)، لكن في (الصحيحين) [خ 224 – م 273] عن حذيفة بن اليمان:(أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً).
و (السباطة): الموضع الذي ترمى فيه القمامة والأوساخ.
قيل: فعل ذلك؛ لأنه لم يجد موضعاً غيره.
وقيل: لمرض منعه من القعود.
وَجُحْرٍ، وَمَهَبَّ رِيحٍ،
ــ
وقيل: للتداوي من وجع الصلب؛ لأنهم كانوا يتداوون به.
وفيه: أن مدافعة البول مكروهة؛ لأنه بال على البساطة قائماً ولم يؤخره.
وفي (الإحياء) عن الأطباء: أن بولة في الحمام في الشتاء قائماً خير من شربة دواء.
قال: (وجحر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، رواه أبو داوود [30] والترمذي وأحمد [5/ 82] والحاكم [1/ 186] عن قتادة عن عبد الله بن سرجس قالوا لقتادة: لم يكره ذلك؟ فقال: لأنها مساكن الجن، ولأنه ربما كان هناك بعض الهوام فيخرج فينجسه.
وفي (مستدرك الحاكم)[3/ 253] عن [ابن] عون عن محمد: أن سعد بن عبادة أتى سباطة قوم فبال قائماً، فقالت الجن في ذلك [مجزوء الرمل]:
نحن قتلنا سيد الـ .... ـخزرج سعد بن عبادة
ورميناه بسهميـ .... ـن فلم نخطئ فؤاده
وفي (الشامل) وغيره: أن سبب موته أنه بال في جحر، وهو – بضم الجيم وسكون الحاء – الثقب المستدير النازل، وجمعه: جحرة كخرج وخرجة، وألحق بالجحر السرب وهو المستطيل.
قال المصنف: وينبغي تحريم ذلك؛ للنهي الصريح، إلا أن يعد لذلك، فلا حظر ولا كراهة.
قال: (ومهب ريح)؛ لئلا يعود عليه الرشاش، ولا بأس باستدبارها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمخر الريح، أي: ينظر أين مجراها، فلا يستقبله، كذا استدل به الرافعي، وهو غريب، لكن روى ابن أبي حاتم في (علله) [1/ 37]:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره البول في الهواء).
وَمُتَحَدَّثٍ، وَطَرِيقٍ،
ــ
وظاهر عبارة المصنف اجتنابها حال هبوبها وسكونها؛ لأنها قد تهب بعد شروعه في البول فترده عليه، وهو نظير ما عللوا به الكراهة في الجحر.
قال: (ومتحدث) أي: الذي جرت عادة الناس بالتحدث فيه؛ لما فيه من الأذى.
و (المتحدث) بفتح الدال: موضع الحديث، ويسمى النادي، وفي معناه: كل موضع يقصد لظل أو حر أو برد أو لمعيشة، أو لمقيل مسافر ومبيته وحو ذلك، إلا أمكنة المكس فإنها أسوأ حالاً من الأخلية.
قال: (وطريق)؛ لحديث: (اتقوا اللعانين)، قال: وما اللعانان يا رسول الله؟ فقال: (الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم) رواه مسلم [269].
وفي رواية لابن منده: (في طريق المسلمين ومجالسهم).
وفي (أبي داوود)[27]: (اتقوا الملاعن الثلاث، البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل).
والمراد بـ (الموارد): طريق الماء، وبـ (الطريق): المسلوك، وأما الطريق المهجور .. فلا منع فيه.
وفي (البيهقي)[1/ 98] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سل سخيمته على طريق عامر من طرق المسلمين .. فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
و (السخيمة): الغائط.
واتفق الأصحاب على أن هذا النهي للتنزيه.
وَتَحْتَ مُثْمِرَةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ،
ــ
وقال المصنف: ينبغي أن يكون حراماً؛ للنهي الصريح والإيذاء القبيح، وسبقه إلى هذا البغوي في (شرح السنة).
وحكى الرافعي في (كتاب الشهادات) عن صاحب (العدة) تحريم التغوط في الطريق. وعن الخطابي: تحريمه في الظل، وهذا في الصواب،؛ لأن الشافعي نص على تحريم التعريس على قارعة الطريق، وليس فيه إلا إرشاد المسافر إلى مصلحته وصونه عما عساه يطرقه من الهوام ونحوها، فالتخلي في الطريق أولى بالتحريم مع ما فيه من القبح والأذى، وجلب اللعن، والنهي الشديد.
قال: (وتحت مثمرة) أي: شجرة من شأنها أن تثمر، سواء كانت مملوكة أو مباحة؛ لئلا تنجس ثمارها إذا سقطت، فتفسد أو تعافها الأنفس.
وروى العقيلي [3/ 458] بسند فيه فرات بن السائب وهو ضعيف: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتخلى الرجل تحت شجرة مثمرة).
ولا فرق بين البول والغائط، لكن الكراهة عند عدم الثمرة أخف.
وفي (الشرح الصغير): أنها في الغائط أخف من البول؛ لأنه يرى فيجتنب، أما غير المثمرة .. فلا، إلا أن يكون ظلاً أو مناخاً أو غيرهما مما سبق، وإنما لم يقولوا بالتحريم؛ لعدم تيقن التنجيس.
قال: (ولا يتكلم)؛ لما روى أبو داوود [15] عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان؛ فإن الله يمقت على ذلك).
و (المقت): أشد البغض، ولم يفض إلى التحريم كما لم يفض إليه في قوله صلى الله عليه وسلم:(أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، إلا أن يقال: ذلك اقترن به ما صرفه عن التحريم وهو قوله: (الحلال).
وَلَا يَسْتَنْجِيِ بِمَاءِ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَسْتَبْرَئُ مِنَ اَلْبَوْلِ.
ــ
وفي معنى الكلام: رد السلام، وتشميت العاطس، والتحميد بعد عطاسه، وموافقة المؤذن، فإن حمد العاطس في نفسه .. فلا بأس.
وأما قراءة القرآن .. ففي كلام ابن كج: أنها لا تجوز وهو الظاهر، لكن قضية إطلاق غيره .. الكراهة.
ويستثنى موضع الضرورة، كما إذا رأى طفلا أو أعمى يقع في بئر، أو حية تقصد إنساناً .. لم يكره إنذاره بل يجب.
قال: (ولا يستنجي بماء في مجلسه)؛ لئلا يلحقه الرشاش، وقد روى أحمد [5/ 56] وأصحاب السنن عن عبد الله بن مغفل – بالغين المعجمة وبالفاء المشددة -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه؛ فإن عامة الوسواس منه)، هذا إذا لم يكن مسلك يذهب فيه البول، كالأخلية المعدة لذلك.
واحترز بـ (الماء) عن المستنجى بغيره، فلا يندب له الانتقال.
ويستحب أن يبدأ في الاستنجاء بالماء بالقبل، وبغيره بالدبر.
قال: (ويستبرئ من البول) أي: يستفرغ منه؛ لما روى الشيخان [خ 218 – م 292] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين .. فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كثير، أما أحدهما .. فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر .. فكان يمشي النميمة)، وفي رواية:(لا يستبرئ)، وفي أخرى:(لا يستنزه).
ويحصل ذلك بالتنحنح، وإمرار بعض الأصابع على مجامع عروق الذكر ونتره ثلاثاً، وبالمشي عقب البول، وأكثره فيما قيل: سبعون خطوة، وذلك يختلف باختلاف الناس وكل أعرف بطبعه.
وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ: (بِاَسْمِ اَللهِ،
ــ
وأصل الاستبراء واجب، ولكن الكيفيات المذكورة فيه مستحبة استحباباً مؤكداً، لاسيما إن كان مستنجياً بغير الماء؛ فإنه يقال: إن الماء يقطع البول.
وقد صح التحذير من عدم التنزه من البول، وأن عامة عذاب القبر منه.
والمقصود: أن يظن أنه لم يبق في مجرى البول شيء منه.
ويكره حشو الذكر بقطنة ونحوها.
قال: (ويقول عند دخوله) أي: عند إرادة الدخول؛ لأن (عند) معناها: حضور الشيء ودنوه، وفي عينها ثلاث لغات وهي ظرف في الزمان والمكان، إلا أنها ظرف غير متمكن؛ لا تقول: عندك واسع بالرفع، وقد أدخلوا عليه من حرف الجر (من) وحدها، كما أدخلوا على (لدن) قال الله تعالى:{رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا} ، وقال:{مِن لَّدُنَّا} .
ولا يقال: مضيت إلى عندك، ولا إلى لدنك.
قال: ((باسم الله)) أي: أبدأ باسم الله، أو أتحصن من الشياطين باسم الله.
وفي (سنن ابن ماجه)[297] و (الترمذي)[606] عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخلوا الكنيف .. أن يقولوا: باسم الله).
و (الستر): بكسر السين.
وقدمت البسملة هنا على الاستعاذة، بخلاف التعوذ في الصلاة والقراءة؛ لأن التعوذ هناك للقراءة والبسملة من القرآن، فقدم التعوذ عليها بخلاف هذا.
ولفظة (باسم الله) تكتب بالألف، فإن أضيف إليه (الرحمن الرحيم) .. حذفت لكثرة الاستعمال، حكاه جماعة منهم المصنف في (باب الأضاحي) من (شرح مسلم).
اَللَّهُمَّ؛ إِنَّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ اَلْخُبُثِ وَاَلْخَبَائِثِ)، وَخُرُوجِهِ:(غُفْرَانَكَ، اَلْحَمْدُ للهِ اَلَّذِي أَذْهَبَ عَنَّي اَلأَذَى وَعَافَانِي)
…
ــ
قال: ((اللهم؛ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث))؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله، متفق عليه [خ 142 – و 375].
و (الخبث) بضم الباء وإسكانها جمع خبيث، وهم: ذكور الشياطين.
و (الخبائث) جمع خبيثة، وهن: إناثهم.
وقيل: بالإسكان: الشر، وقيل: الكفر، و (الخبائث): المعاصي.
ولا فرق في ذلك بين الصحراء والبنيان.
قال: (وخروجه: (غفرانك)) بنصب النون، أي: أسألك غفرانك، أو اغفر غفرانك.
روى أبو داوود [31] والترمذي [7] وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الغائط .. قال ذلك.
و (الغفران): الستر.
وفي معنى تعقيب الخروج بالاستغفار قولان:
أحدهما: أنه يسأله المسامحة لترك الذكر في تلك الحالة.
والثاني: معناه طلب استمرار نعمائه عليه، بتسهيل خروج الأذى، وأن لا يحبسه؛ لئلا يفضى إلى شهرته وانكشافه.
وقال القاضي حسين والمحاملي والشيخ نصر وسليم: يستحب تكرار (غفرانك) مرتين.
قال: ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني))، كذا رواه ابن ماجه [301] عنه صلى الله عليه وسلم.
و (الأذى): لفظ جامع لأشياء تؤذي؛ لأنه قذر منتن، ومن سبيل مكروه.
و (العافية): دفاع الله عن العبد، فمعنى عافاني: أي من احتباسه، أو من نزول الأمعاء معه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: (سلوا الله العفو والعافية والمعافاة).
فـ (العفو): محو الذنوب.
و (العافية): السلامة من الأسقام والبلايا، وهي الصحة وضدها المرض.
و (المعافاة): أن يعافيك الله من الناس، ويعافيهم منك، أي: يغنيك عنهم ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم.
وقال الشيخ محب الدين الطبري: يستحب تكرار هذا الذكر ثلاثاً.
وفي مصنفي (ابن أبي شيبة)[1/ 12] و (عبد الرزاق): أن نوحاً عليه السلام كان يقول: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في منفعته، وأذهب عني أذاه.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكل .. قال: الحمد لله، وإذا شرب .. قال: الحمد لله، وإذا ركب .. قال: الحمد لله، وإذا اكتسى .. قال: الحمد لله، وإذا احتذى .. قال: الحمد لله، فوصفه الله بالشكر فقال تعالى:{إنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} .
تتمة:
من الآداب: أن يتطلب موضعاً ليناً، فإن كانت الأرض صلبة .. حكها بشيء أو ضربها برجله حتى تلين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، رواه أبو داوود [3].
وأن يعد النبل؛ لما روى أحمد [6/ 133] وأبو داوود [41] والنسائي [1/ 41] والدارقطني [1/ 54] عن عائشة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا
وَيَجِبُ اَلِاسْتِنْجَاءُ
ــ
ذهب أحدكم إلى الغائط .. فليذهب معه بثلاثة أحجار).
وأن لا يبصق على الخارج منه، ولا ينظر إليه، ولا إلى فرجه.
وأغرب الماوردي فحكى في (باب ستر العورة) وجهاً: أنه يحرم أن ينظر إلى فرج نفسه بلا حاجة.
وأن لا يدخل الخلاء حافياً، ولا مكشوف الرأس، ولا يأكل ولا يشرب، ولا ينظر إلى السماء ولا يلتفت، ولا يعبث بيده ولا يستاك؛ فإن ذلك يورث النسيان.
ونقل في (البحر) عن بعض الأصحاب: أنه يكره أن يقال: أهرقت الماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقل أحدكم: أهرقت الماء، ولكن ليقل: بلت). والحديث رأيته مسنداً في (تاريخ ابن النجار) وغيره.
قال: (ويجب الاستنجاء)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم: إذا أتيتم الغائط .. فلا يستقبل أحدكم القبلة ولا يستدبرها، ولا يستنجي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها روث ولا رمة ولا عظم) رواه ابن خزيمة [1/ 44].
وروى الشافعي [شم/13] وغيره: (وليستنج بثلاثة أحجار).
وأصله من نجوت الشجرة وأنجيتها، أي: قطعتها، كأنه يقطع الأذى عنه.
وقيل: من النجوة وهي: المرتفع من الأرض؛ لأنه يستتر عن الناس بنجوة.
ويلحق بالبول والغائط الرطوبات النجسة الخارجة من السبيلين.
وضابط ما يستنجى منه: كل عين ملوثة خارجة من أحد السبيلين أو ما قام مقامهما.
بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ،
ــ
وأبعد المزني حيث صار إلى عدم وجوبه، قياساً على عدم وجوب إزالة الأثر الباقي بعد الاستجمار.
ويرد عليه صلى الله عليه وسلم: (تنزهوا من البول).
قال: (بماء أو حجر)؛ للحديث السابق.
وروى أحمد في (مسنده)[3/ 17]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستنجي بالماء)، والماء أولى؛ لأنه يزيل العين والأثر، ويشترط فيه أن يكون طهوراً.
والمراد بـ (الحجر): الجنس، ويجزئ الحجر مع وجود الماء، خلافاً لابن حبيب من المالكية.
ولا يجب الاستنجاء على الفور، بل يجوز تأخيره عن الوضوء في الأصح، بشرط أن لا يمس شيئاً ناقضاً.
والأفضل تقديمه على الوضوء؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وللخروج من الخلاف؛ فإن بعض العلماء اشترط تقديمه.
وأما تأخيره عن التيمم .. فلا يجوز على الأصح؛ لأن التيمم موضوع لاستباحة الصلاة، ولا استباحة مع وجود النجاسة.
وقد أورد على هذا: ما إذا تيمم وهو مكشوف العورة .. فإنه يصح وإن كان كشف العورة مانعاً من صحة الصلاة.
ويستثنى وضوء دائم الحدث؛ فإنه كالتيمم.
تنبيهان:
أحدهما: دخل على إطلاقه: ماء زمزم، وقد تقدم في جوازه بذلك ثلاثة
وَجَمْعُهُمَا أَفْضَلُ.
ــ
أوجه، لكن لو استنجى به .. أجزأه بالإجماع، ودخل حجارة الذهب والفضة.
وجزم الماوردي بالتحريم بالمطبوع منهما، وكذلك حجارة الحرم على الأصح في (شرح المهذب)، ويسقط الفرض بكل ذلك.
الثاني: إنما يجوز الاستنجاء بالحجر في المخرج المعتاد، أما القائم مقامه عند انسداده – إذا حكمنا بالنقض بالخارج منه – فلا يكفي فيه الحجر على الأصح.
وكذلك ليس للخنثى المشكل الاقتصار على الحجر إذا بال من السبيلين أو أحدهما؛ لالتباس الأصلي بالزائد.
ويجوز للمرأة ذلك إذا كانت بكراً، وأما الثيب: فإن مجرى بولها فوق مدخل الذكر، والغالب أنها إذا بالت نزل البول إليه، فإن تحققت ذلك: تعين الماء لانتشاره، وإن لم تتحقق .. جاز الحجر؛ نظراً إلى الأصل، وقيل: لا؛ نظراً إلى الغالب.
وإذا استنجت المرأة بالماء .. وجب عليها غسل ما يظهر إذا جلست على القدمين، ومقداره من الثيب يزيد على مقداره من البكر.
وقيل: يجب على الثيب غسل باطن فرجها، كما تخلل أصابع رجليها؛ لأنه صار ظاهراً بالثيابة.
قال: (وجمعهما أفضل)؛ لأن عائشة رضي الله عنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله.
ويقدم الحجر ليذهب عين النجاسة، ثم الماء ليزيل الأثر، وما يروى: أن أهل قباء كانوا يتبعون الماء الحجر، وأن الله تعالى أثنى عليهم بسبب ذلك .. فرواه البزار [1/ 130] وهو حديث ضعيف، وقال في (شرح المهذب): لا أصل له.
وَفِي مَعْنَى اَلْحَجَرِ: كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ،
ــ
وإن أراد الاقتصار على أحدهما .. فالماء أفضل.
وقال في (محاسن الشريعة): إنما يستحب الجمع بينهما في الغائط.
وصرح في (المهذب) باستحباب الجمع في السبيلين.
فإن قيل: ينبغي أن يكتفى في هذا المستحب بدون ثلاثة أحجار إذا حصلت الإزالة به .. قلنا: لا، كما في غسل اليدين إذا قام من النوم، لكن يشكل عليه ما سيأتي في المسألة بعدها من عدم اشتراط طهارة الحجر عند إرادة الجمع.
قال: (وفي معنى الحجر: كل جامد طاهر قالع غير محترم)؛ لحصول الغرض به سواء كان من خشب أو خزف أو حشيش أو ثياب أو غيرها؛ لأن التنصيص على الحجر خرج مخرج الغالب.
واحترز بـ (الجامد): عن المائع.
وبـ (الطاهر): عن النجس والمتنجس؛ لأن المقصود من الاستنجاء إزالة النجاسة أو تخفيفها والنجس يزيدها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الحجرين وألقى الروثة وقال:(هذا ركس) رواه البخاري [156] عن ابن مسعود.
هذا عند الاقتصار على الحجر، وأما عند إرادة الجمع .. فنقل الجيلي في (الإعجاز) عن بعض كتب الغزالي: أنه لا يشترط طهارته، لكن يرد عليه ما إذا استنجى بحجر مبلول، فإنه لا يصح على الأصح؛ لأنه ينجس بنجاسة المحل فيتعين الماء.
وإذا أزيلت النجاسة بحجر، ثم استعمل ثانياً وثالثاً ولم يتلوثا .. جاز استعمالهما من غير غسل.
والفرق بينه وبين التيمم بالتراب المستعمل عسر.
فإن استنجى بنجس .. فالأصح: تعين الماء بعده.
واحترز بـ (القالع): عن نحو الزجاج والقصب الأملسين؛ فإنه يبسط النجاسة وعند ذلك يتعين الماء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و (بغير المحترم) عما له حرمة وهو أنواع:
منها: ما كتب عليه شيء من العلم أو اسم معظم كما في (الكفاية).
وقال القاضي حسين: أوراق التوراة والإنجيل مما لا حرمة له؛ لأنهما مبدلان.
ومنها: المطعومات؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالعظم، وقال:(إنه طعام إخوانكم الجن)، وإذا نهينا عن مطعوم الجن .. فمطعوم الإنس أولى.
ولفظه في (صحيح مسلم)[450]: أنهم سألوه الزاد فقال: (كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في يد أحدكم أوفر ما كان لحماً).
وفي (أبي داوود): كل عظم لم يذكر اسم الله عليه.
وأكثر الأحاديث تدل على معنى رواية أبي داوود، وحمل بعض العلماء رواية مسلم على الجن المؤمنين، والرواية الأخرى على الشياطين منهم، وصححه السهيلي.
وروى أبو داوود [36] والنسائي [5067] – بإسناد جيد -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرويفع بن ثابت الأنصاري: (يا رويفع؛ ستطول بك الحياة فأخبر الناس: أن من استنجى برجيع دابة أو بعظم .. فإن محمداً بريء منه).
وقيل: إن أحرق العظم .. جاز الاستنجاء به.
وما يؤكل من الفواكه رطباً لا يابساً كاليقطين .. لا يجوز الاستنجاء برطبه، وكذلك كل ما يأكله الآدميون خصوصاً.
وَجِلْدٍ دُبِغَ دُونَ غَيْرِهِ
ــ
وما يشترك معهم فيه البهائم، فإن كان أكل البهائم له أكثر .. جاز، وإن كان بالعكس .. فلا، وإن استويا .. فوجهان.
ومنها: جزء الحيوان المتصل، يمتنع الاستنجاء به؛ لحرمته، وجوز الشيخان الاستنجاء بخشن الديباج مع الإثم، لكن في تأثيم المرأة بذلك نظر، إلا أن يكون من جهة السرف.
فرع:
الاستنجاء بالتراب والفحم نص الشافعي فيهما على الإجزاء وعدمه، فقيل: قولان مطلقاً.
والمذهب: إن كان التراب منعقداً كالمدر والفحم .. صح، وإلا .. فلا.
قال القاضي حسين: فإن جوزناه بالتراب .. احتاج أن يستنجي أربع مرات؛ لأن التراب في الأولى التصق بالمحل، وفي الثانية تناثر عنه، وفي الثالثة يلتصق بالمحل، فيحتاج إلى رابعة، ويندب خامسة للإيتار، وإن معناه به ففعل .. تعين الماء، وكذلك الفحم المفتت.
قال: (وجلد دبغ)؛ لأنه كالخرق، وليس بمأكول عادة، ولا يقصد بالأكل؛ بدليل جواز بيع جلدين بجلد، لكن يستثنى جلد المصحف إذا نزع عنه .. فإنه لا يجوز الاستنجاء به، كما ذكره الغزالي في (عقود المختصر).
قال: ومن فعل ذلك .. وجب عليه الزجر، ويستغفر الله تعالى.
و (الجلد) جمعه: أجلاد وجلود، قال الله تعالى:{وقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} .
قيل: معناه لفروجهم، حكاه ابن سيده.
قال: (دون غيره)؛ لأن فيه دسومة تمنع التنشيف، ومعدود من المطعومات أيضاً، ولهذا يؤكل مع الرؤوس والأكارع وغيرهما. وأما المدبوغ .. فزالت
فِي اَلأَظْهَرِ. وَشَرْطُ اَلْحَجَرِ: أَنْ لَا يَجِفَّ اَلنَّجَسُ، وَلَا يَنْتَقِلَ، وَلَا يَطْرَأَ أَجْنَبِيٌّ، فَلَوْ نَدَرَ أَوِ اَنْتَشَرَ فَوْقَ اَلْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ صَفْحَتَهُ وَحَشَفَتَهُ .. جَازَ اَلْحَجَرُ فِي اَلأَظْهَرِ.
ــ
دسومته، وانقلب عن طبع اللحوم إلى طبع الثياب.
قال: (في الأظهر)، هو نصه في (الأم)، وقال في (البويطي): يجوز بهما. وقال في (حرملة): لا يجوز بهما.
قال: (وشرط الحجر: أن لا يجف النجس)؛ لأنه إذا جف لا يزيله إلا الماء، وأفتى القفال والقاضي بأنه إن قلعه .. كفى، واختاره الروياني.
قال: (ولا ينتقل) أي: النجس عن الموضع الذي أصابه عند الخروج؛ لأنه بذلك يصير نادراً كسائر النجاسات، ولذلك قال المتولي وغيره: شرط الاستنجاء بالحجر من الغائط أن لا يقوم من موضعه؛ لأنه بالقيام تنطبق إليتاه فتنتقل النجاسة.
قال: (ولا يطرأ أجنبي) أي: نجس أجنبي كما لو استنجى بشيء نجس، فإن استنجى بحجر ثم غسله وجف واستنجى به ثانياً .. جاز.
قال: (فلو ندر أو انتشر فوق العادة) المراد: عادة غالب الناس، وقيل: عادة نفسه.
قال: (ولم يجاوز صفحته) إن كان غائطاً (وحشفته) إن كان بولاً (.. جاز الحجر في الأظهر).
أما النادر .. فلأن الحاجة تدعو إليه غالباً.
وأما المنتشر .. فلأن المهاجرين رضي الله عنهم لما قدموا المدينة أكلوا التمر ولم يكن ذلك من عادتهم، فرقت بذلك أجوافهم، ولم يؤمروا بالاستنجاء بالماء، وذلك صحيح مشهور.
والقول الثاني: لا يجوز إلا الماء للندور فيهما.
وفي المسألة طريقان آخران:
أحدهما: القطع بالأول. والثاني: القطع بالثاني.
وَيَجِبُ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ
ــ
وقال ابن الرفعة: إذا كان الانتشار منقطعاً .. وجب غسل ما انقطع وانفصل عن حلقة الدبر على الأظهر، فتستثنى هذه الصورة من كلام المصنف.
والمراد بـ (باطن الصفحة): ما ينطبق عند القيام.
مهمة:
المذي معتاد على المشهور، وما وقع في (الشرح) و (الروضة) من كونه نادراً .. خلاف المشهور.
وأما الودي: فلم يذكره الرافعي، وجزم المصنف بأنه نادر.
والوجه: عده من المعتاد، كما جزم به في (البيان)؛ لأنه جزء من البول يخرج عقبه.
وأما الدم، فإن كان معتاداً كدم الحيض والنفاس .. فصرح صاحب (الحاوي) وغيره بجواز الاستنجاء بالحجر فيهما.
وفائدته: فيمن انقطع حيضها واستنجت بالحجر، ثم تيممت لسفر أو مرض .. فإنها تصلي ولا إعادة عليها.
وأما دم الاستحاضة والباسور الذي هو داخل الدبر .. فإنهما نادران.
قال: (ويجب ثلاث مسحات)؛ لما روى مسلم [262] عن سلمان قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار).
ويفارق الغسل بالماء؛ لأن الغسل بالماء يفيد حقيقة الطهارة فلم يعتبر فيه العدد، والحجر لا يفيد ذلك وإنما يخفف فاعتبر العدد. كما أن الاعتداد إن كان بوضع الحمل .. لم يعتبر فيه العدد؛ لأن خروج الولد يدل على حقيقة براءة الرحم والاعتداد بالأقراء معتبر بالعدد؛ لأن الأقراء تدل على البراءة من حيث الظاهر لا من حيث الحقيقة.
ولما ظهر المعنى في الحجر .. ألحقنا به ما في معناه.
وقيل: إذا حصل الإنقاء بما دون الثلاث .. كفى.
وَلَوْ بِأَطْرَافِ حَجَرٍ، فَإِنْ لَمْ يُنْقِ .. وَجَبَ اَلإِنْقَاءُ، وَسُنَّ اَلإِيتَارُ
ــ
واشترط إبراهيم بن جابر – ووفاته سنة عشر وثلاث مئة – وابن المنذر ثلاثة أحجار، وهي ظاهرية محضة وبين الوجهين تباعد، والصحيح متوسط بينهما.
ويحتاج المستجمر في القبل والدبر إلى ستة أحجار أو حجر له ستة جوانب وما في معناها.
ولو مسح ذكره مرتين ثم خرجت منه قطرة .. وجب استئناف الثلاث.
قال: (ولو بأطراف حجر)؛ لأن المقصود عدد المسحات، بخلاف ما إذا رمى الحاج بحجر له ثلاثة أحرف فإنه لا يحسب له إلا رمية واحدة؛ لأن المقصود تعدد الرمي.
قال: (فإن لم ينق .. وجب الإنقاء) برابع وأكثر؛ لأنه المقصود من الاستنجاء، وللزائد حكم الحجر الثالث في الكيفية.
والثاني: لا يجب، ورجحه الروياني؛ لأنه مأمور بثلاثة أحجار وقد استنجى بها.
وفي (الحاوي) وجه: أنه إذا بقي ما لا يزول بالحجر ويزول بصغار الخزف .. لا يجب إزالته؛ لأن الواجب الإزالة بالأحجار ولم يكلفه الشرع غيرها.
قال الشيخ: وهذا الوجه وإن كان بعيداً من حيث المذهب، فقد رجحه الروياني وصوبه المصنف.
وصورته: أن ترق النجاسة وتغوص في تلك المعاطف، ولأجل هذا كره علي ابن أبي طالب رضي الله عنه الاقتصار على الأحجار، إلا في حالة الضرورة.
قال: (وسن الإيتار)؛ لما روى الشيخان [خ 161 – م 237] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استجمر أحدكم .. فليستجمر وتراً).
وفي (أبي داوود)[36]: (من استجمر .. فليوتر، من فعل .. فقد أحسن، ومن لا .. فلا حرج).
وقيل: إن الإيتار واجب؛ لظاهر الخبر الأول، وهو شاذ.
وَكُلُّ حَجَرٍ لِكُلَّ مَحَلَّهِ، وَقِيلَ: يُوَزَّعْنَ لِجَانِبَيْهِ وَاَلْوَسَطِ. وَيُسَنُّ بِيَسَارِهِ. وَلَا اَسْتِنْجَاءَ لِدُودٍ وَبَعْرٍ بِلَا لَوْثٍ فِي اَلأَظْهَرِ.
ــ
وفي (شرح المهذب) و (الكفاية) نسبة هذا الوجه إلى ابن خيران ووهما في ذلك؛ فإن ابن خيران أوجب ثلاث مسحات أخرى.
قال: (وكل حجر لكل محله)، فيبدأ بأول الصفحة اليمنى ويديرها عليها إلى آخرها، ثم على اليسرى حتى يصل إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم الحجر الثاني بعكس ذلك، ثم يمر الثالث على الصفحتين والمسربة، وهذا قول ابن أبي هريرة وعليه الجمهور؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(وليستنج بثلاثة أحجار)، يقبل بواحد، ويدبر بواحد، ويحلق بالثالث.
وقال الرافعي: إنه حديث ثابت، وأنكره عليه المصنف وابن الصلاح وقالا: إنه غير معروف.
قال: (وقيل: يوزعن لجانبيه والوسط)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار .. حجرين للصفحتين، وحجراً للمسربة) رواه الدارقطني [1/ 56] والبيهقي [1/ 114] عن سهل بن سعد الساعدي.
والخلاف الذي ذكره المصنف: في الاستحباب، وقيل: في الوجوب.
أما البول .. فيمسح ذكره على ثلاثة مواضع، فإن مسح على موضع أو موضعين. تعين الماء.
قال: (ويسن بيساره)؛ لما روى مسلم عن سلمان الفارسي قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي باليمين).
وفي (المهذب) و (الكافي): أنه لا يجوز الاستنجاء باليمين، للنهي الصريح فيه.
وأوله المصنف بأن الاستنجاء يقع بما في اليمين لا باليد، فلا معصية في الرخصة.
قال: (ولا استنجاء لدود وبعر بلا لوث في الأظهر)؛ لأن المقصود من الاستنجاء إزالة النجاسة أو تخفيفها، فإذا لم تلوث .. فلا معنى للاستنجاء؛ لأنه خارج بلا رطوبة فأشبه الريح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثاني: يجب؛ لأنه لا يخلو عن رطوبة ولكن قد تخفى، وعبر في (المحرر) أيضاً بالحصاة، فأبدلها المصنف بالبعرة؛ لينبه على أن المعتاد إذا خرج بلا رطوبة .. كان حكمه حكم الدود والحصاة، وهو حسن والخلاف مشبه بما إذا ولدت ولم تر بللاً.
وعلى الثاني، هل يكفي الحجر؟ فيه طريقان، قال في (الروضة): المذهب الإجزاء.
تتمة:
نقل المتولي وغيره الإجماع على أنه: لا يجب الاستنجاء من النوم والريح.
قال ابن الرفعة: ولم يفرق الأصحاب بين أن يكون المحل رطباً أو يابساً، ولو قيل بوجوبه إذا كان المحل رطباً .. لم يبعد، كما قيل به في دخان النجاسة.
والصواب: عدم الوجوب، بل عدم الاستحباب، بل قال الجرجاني: إن ذلك مكروه.
وصرح الشيخ نصر المقدسي بتأثيم فاعله؛ لأنه تنطع وغلو.
* * *
خاتمة
يعتمد المستنجي في اليد الإصبع الوسطى، وفي استحباب شم اليد بعد الاستنجاء وجهان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال الماوردي: ينبني ذلك على ما لو شمها فأدرك فيها رائحة النجاسة، هل يكون ذلك دليلاً على نجاسة المحل؟
وقد صرح في زوائد (الروضة) بنجاسة اليد دون المحل، وهو مشكل.
ويسن أن ينضح فرجه وداخل سراويله وإزاره بعد الاستنجاء دفعاً للوسواس.
وقال في (الإحياء): يقول بعد فراغ الاستنجاء: اللهم؛ طهر قلبي من النفاق، وحصن فرجي من الفواحش.
* * *