المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب مسح الخف - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ١

[الدميري]

الفصل: ‌باب مسح الخف

‌بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ

ــ

باب مسح الخف

لما كان الواجب في الرجل الغسل، والمسح بدل عنه .. عقب به باب الوضوء، ولم يبوب له في (المحرر).

وذكره الرافعي عقب التيمم؛ لأنهما مسحان يبيحان الصلاة.

ولو عبر بالخفين .. كان أولى؛ فإنه لا يجوز مسحه من رجل وغسل الأخرى، ولكنه أراد الجنس لا التوحيد.

والأصل في مشروعيته ما رواه الشيخان [خ 387 - م 272] عن جرير بن عبد الله البجلي أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه)، ورواه الترمذي [94] بإسناد فيه إبراهيم بن أدهم، وليس في الكتب الستة رواية عن إبراهيم سواه.

زاد الترمذي [93]: قال إبراهيم بن يزيد النخعي: وكان يعجبهم - يعني: أصحاب عبد الله - حديث جرير؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة - لأنها نزلت سنة ست -

ص: 360

يَجُوزُ فِي الْوُضُوءِ.

ــ

فلا يكون الأمر الوارد فيها بغسل الرجلين ناسخا للمسح كما صار إليه بعض الصحابة.

وروى ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال: حدثني سبعون من الصحابة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخف).

ولأن الحاجة إلى دفع الحر والبرد تدعو إليه، ونزعه لكل وضوء يشق، ولم ينكره إلا الشيعة والرافضة والإمامية والخوارج.

قال: (يجوز في الوضوء)؛ للأدلة السابقة.

واحترز بذلك عن الغسل، فلا يجوز فيه، ولا في إزالة النجاسة.

فلو أجنب أو دميت رجله، فأراد أن يمسح على الخف ليقوم مقام غسل الرجل .. لم يجز بل لا بد من الغسل.

ويدل لمنع المسح في الجنابة ما رواه ابن خزيمة [17] والترمذي [96] – بإسناد صحيح – عن صفوان بن عسال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم).

والفرق بين الوضوء والغسل من جهة المعنى: أن الوضوء يتكرر والحاجة إلى لبس الخف عامة، فلو كلف نزعه في كل وضوء .. لشق، بخلاف الجنابة؛ فإنها لا تتكرر كتكرره.

وأما باقي الأغسال وغسل النجاسة .. فبالقياس على الجنابة للمعنى المذكور.

وأشار بقوله: (يجوز) أنه لا يجب ولا يندب، ولا يمتنع ولا يكره، ولكن غسل الرجل أفضل من المسح، كما قاله في آخر (صلاة المسافر) من (الروضة)، إلا أن يتركه رغبة عن السنة، أو شكا في جوازه، أو خاف فوت عرفة واستنقاذ أسير، ونحو ذلك .. فالمسح أفضل، كذا قالوه.

وفي تصوير جوازه عند الشك في جوازه نظر، فضلا عن كونه أفضل.

واختار ابن المنذر: أن الغسل والمسح سواء.

ولو كان المحدث لابس خف بشرطه ودخل الوقت، ووجد ما يكفيه لو مسح الخف ولا يكفيه إن غسل .. قال ابن الرفعة: الذي يظهر وجوب المسح لقدرته على

ص: 361

لِلْمُقِيمِ يَوْماً وَلَيْلَةً، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةً بِلَيَالِيهَا،

ــ

الطهارة الكاملة، وبذلك صرح الروياني في (البحر) في (باب التيمم).

وقال الشيخ أبو محمد: المنصوص أن من أرهقه الحدث ومعه ما لا يكفيه ولو تخفف لكفاه .. أنه يلزمه لبس الخف ليحصل الوضوء، وصحح الشيخان خلافه.

ولا يكره المسح على الخف، لكن حكى في (الكفاية) عن القاضي أبي الطيب: أنه مكروه، وهو وهم؛ فإن ذلك مذهب مالك.

وكلام المصنف يقتضي: أنه لا يجوز المسح للمتيمم، وهو كذلك إذا كان تيممه لاعواز الماء؛ لأنه عند رؤيته يعود حكم حدثه.

وقال ابن سريج: يمسح؛ لأن التيمم عنده يرفع الحدث.

لكن يستثنى التيمم المضموم للوضوء لجرح ونحوه، فإنه كطهارة المستحاضة ومن في معناها من دائمي الحدث، فقيل: لا يمسح على الخفين أصلا.

وقيل: إنه كالسليم سفرا وحضرا.

والثالث: الأصح المنصوص: يجوز له المسح في حق فريضة واحدة إذا لم يكن قد صلى بوضوئه فريضة ولم يشف، فإن شفي .. لزمه الاستئناف وغسل الرجلين.

وفهم من كلام الشيخين أن المتيمم لبرد ونحوه يمسح الخف، ولا يعرف لغيرهما.

وأما المتحيرة .. فلا نقل فيها، ويحتمل أن لا تمسح؛ لأنها تغتسل لكل فريضة، ويحتمل أن يقال: إن اغتسلت ولبست الخف .. فهي كغيرها، وإن كانت لابسة قبل الغسل .. لم تمسح.

قال: (للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة بلياليها)؛ لقول أبي بكرة نفيع بن الحارث: (أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما) رواه ابنا خزيمة [192] وحبان [1324]. وقال الخطابي: إنه صحيح الإسناد.

وشرط جواز الثلاثة للمسافر: أن يكون سفره طويلا، مباحا، وأن يكون له قصد معلوم.

ص: 362

مِنَ الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسٍ.

ــ

فما لا يقصر فيه لقصره أو تحريمه .. يمسح فيه كمقيم.

وقيل: لا يمسح في سفر المعصية البتة.

وفي القديم: لا يتأقت، لكن صح أنه رجع عنه.

تنبهان:

أحدهما: ليلة اليوم هي المتقدمة عليه لا المتأخرة، فالمسافر يمسح ثلاثة أيام وثلاث ليال مطلقا، كما يمسح المقيم يوما وليلة، ولا يؤخذ ذلك من التعبير (بلياليها)، إلا على تقدير وقوع ابتداء المدة عند الغروب دون ما إذا كانت عند الفجر.

الثاني: رخص السفر ثمان:

أربع تختص بالطويل، وهي: المسح ثلاثا، والقصر، والجمع، والفطر.

وأربع تجوز في القصير والطويل: أكل الميتة، والتنفل على الراحلة، وإسقاط الصلاة بالتيمم، وترك الجمعة.

وفي (المهمات) زيادة على ذلك.

والأصل في مطلق الرخص ما روى مسلم [2356] عن عائشة قالت: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فتنزه عنه ناس فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضب حتى بان الغضب في وجهه، ثم قال:(ما بال أقوام يرغبون عما رخص الله لهم فيه؟! فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية).

قال: (من الحدث بعد لبس) أي: إكمال اللبس، وذلك باستقرار القدم. فلو أحدث ورجله في ساق الخف .. لم يمسح في الأصح؛ لأنها عبادة مقدرة بوقت، فكان أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة.

قال ابن الرفعة: وهذا يدل على امتناع تجديد الوضوء المشتمل على لبس الخف، ولا شك في أنه مكروه.

والمجزوم به في (شرح المهذب): أنه مستحب، وفي (شرح الوسيط) نحوه.

ص: 363

فَإِنْ مَسَحَ حَضَراً ثُمَّ سَافَرَ أَوْ عَكَسَ .. لَمْ يَسْتَوْفِ مُدَّةَ سَفَرٍ. وَشَرْطُهُ: أَنْ يُلْبَسَ بَعْدَ كَمَالِ طُهْرٍ،

ــ

وذهب الأوزاعي وأبو ثور وابن المنذر إلى أن ابتداء المدة: من المسح، واختاره في (شرح المهذب).

واعتبرها الحسن البصري من اللبس، واختاره الشيخ؛ لأنه وقت جواز الرخصة.

قال: (فإن مسح حضرا ثم سافر أو عكس .. لم يستوف مدة سفر)؛ تغليبا لحكم الحضر، كما لو أحرم بصلاة في سفينة في البلد، فسارت وهو في الصلاة .. فإنه يتمها صلاة حضر بالإجماع.

وشملت عبارته ما إذا مسح في الحضر أحد خفيه، ثم سافر ومسح الآخر في السفر .. فيمسح مسح مقيم عند المصنف.

وجزم الرافعي بأنه يتم مدة مسافر.

واحترز بقوله: (مسح حضرا) عما إذا أحدث حضرا، ثم ابتدأ المسح في السفر .. فإنه يتم مدة السفر على الصحيح.

وقال أبو إسحاق: يمسح مسح مقيم.

وقوله: (لم يستوف مدة سفر) يشمل ما لو بقي من مدة الإقامة شيء .. فيتمه، وأما إذا لم يبق شيء .. فيجب النزع، وأما إذا كان قد استوفي في السفر أكثر من يوم وليلة .. فلا يقضي صلوات ما زاد عليه، بل تنقضي المدة من وقت القدوم.

وقال المزني: يمسح ثلث ما بقي من ثلاثة أيام ولياليهن.

قال: (وشركه: أن يلبس بعد كمال طهر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة: (إذا تطهر فلبس خفيه).

وقوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة حين رام نزع خفي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين).

فلو لبسهما قبل غسل الرجلين .. لم يجز قطعا.

ص: 364

سَاتِرَ مَحَلِّ فَرْضِهِ،

ــ

ولو غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف .. لم يجز أيضا.

قال الشيخ: وفي دلالة حديث المغيرة على الصورة الثانية نظر؛ لأنه يصح إذا أدخل كل واحدة طاهرة أن يقال: أدخلهما طاهرتين، كما تقول: ضربت الزيدين مجردين، فهي حال من كل واحد.

ولكنا نقول: إنه إذا احتمل والمسح رخصة لا تناط بالشك .. فيرجع إلى الأصل، لا جرم قال المزني وأبو ثور وأبو حنيفة: لا حاجة إلى النزع في الصورتين، وهو القياس؛ لأن استدامة اللبس ليس كما ذكروه في (كتاب الأيمان).

وعبارة (المحرر): بعد تمام طهر، ولو حذفها وحذف المصنف لفظة (كمال) لما ضرهما؛ لأن حقيقة الطهر أن يكون كاملا، لكن المصنف ذكره؛ لنفي توهم التجوز به عن البعض.

ولم يحترز بـ (الكمال) عن طهر المتيمم ودائم الحدث، كما وهم فيه بعضهم؛ فإن طهارتهما كاملة ضعيفة لا ناقصة، والضعيف ضد القوي [و] دون الكامل والتام.

وأيضا المذهب: أن دائم الحدث، والمتيمم لا لفقد الماء إذا تطهر ولبس ثم أحدث .. مسح لما كان يصليه بطهارة لبسه لو بقيت، فلا يصح الاحتراز عنه.

قال: (ساتر محل فرضه)، وهو القدم؛ لأن فرض الظاهر الغسل وفرض المستور المسح، فإذا اجتمعا .. غلب حكم الأصل وهو الغسل، فلا يجوز المسح على المخرق في محل الفرض على الجديد، سواء كان التخرق قليلا أو كثيرا.

والقديم: يجوز إن كان يتماسك في الرجل.

ولو تخرقت الظهارة وحدها .. جاز إن كان الباقي قويا، وإن تخرقا من موضعين غير متحاذيين .. جاز.

ص: 365

طَاهِراً،

ــ

والمراد: الستر من الجوانب والأسفل، لا من العلو على الأصح – ضد ستر العورة؛ فإن المعتبر فيها الستر من الجوانب والعلو لا من الأسفل – يكن يستثنى ما لا يستر إذا كان واسع الرأس، بحيث يرى منه بعض القدم .. فالأصح: جواز المسح عليه.

وإذا كان شفافا يرى معه بشرة القدم كالزجاج .. فإنه يجوز المسح عليه إذا أمكن متابعة المشي عليه؛ لأن المراد بالستر ما يمنع نفوذ الماء.

وادعى في (الروضة) و (شرح المهذب) الاتفاق عليه، وليس كذلك بل جزم البندنيجي فيه بالمنع؛ لعدم ستره القدم.

ومن نظائر هذه المسألة رؤية المبيع من وراء زجاج وهو لا يكفي؛ لأن المطلوب نفي الغرر وهو لا يحصل؛ لأن رؤية الشيء من وراء زجاج يرى غالبا على خلاف ما هو عليه.

قال: (طاهرا)، فلا يجوز على نجس العين، ولو كان يتيمم لمس المصحف ونحوه، وكذلك المتنجس لا يمسحه إلا بعد غسله.

وقائدة المسح – وإن لم تنحصر – في الصلاة، فالمقصود الأصلي هو الصلاة وما عداها تابع، ولأن الخف بدل عن الرجل وهي لا تطهر مع بقاء النجاسة عليها.

فرع:

لا يجوز المسح على خف خرز بالهلب – وهو شعر الخنزير – ولا الصلاة فيه وإن غسله سبعا إحداهن بالتراب؛ لأن الماء والتراب لا يصلان إلى مواضع الخرز، فإذا غسله سبعا .. طهر ظاهره دون موضع الخرز.

ولو عرقت رجله .. لا يحكم بنجاستها، ولو أدخل رجله فيه وهي رطبة .. لم تنجس.

وكان أبو زيد المروزي يصلي فيه النوافل دون الفرائض، فراجعه القفال فقال: الأمر إذا ضاق اتسع.

ص: 366

يُمْكِنُ تِبَاعُ الُمَشْيِ فِيهِ لِتَرَدٌّدِ مُسَافِرٍ لِحَاجَاتِهِ. قِيلَ: وَحَلَالاً.

ــ

قال الرافعي: أشار إلى كثرة النوافل.

وقال المصنف: بل الظاهر أنه أشار إلى عموم البلوى فعفي عنه مطلقا.

ويدل له من السنة ما روى الترمذي الحكيم: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخرازة بشعر الخنزير، فقال:(لا بأس بذلك).

وحكى الدارمي وجهين في جواز خرز الخف به إذا كان رطبا؛ للضرورة الداعية إليه.

قال: (يمكن تباع المشي فيه) ولو كان لابسه مقعدا؛ لأن المسح عليه إنما شرع لحاجة اللابس إلى الاستدامة، وهي لا تتأتى إلا فيما هذا شأنه.

فلو تعذر المشي عليه لثقله كالحديد، أو غلظه كالخشب .. امتنع المسح عليه، وكذا لسعته أو ضيقه على الأصح.

فإن كان الضيق يتسع بالمشي .. جاز بلا خلاف، كذا في (شرح المهذب).

وقيده في (الكافي) بالاتساع عن قرب.

ولو أمكن فيه المشي، ولكن تعذر التتابع كالخرقة والجلد الرقيقين .. لم يجز.

قال: (لتردد مسافر لحاجاته)، فلا يعتبر أن يمشي عليه فراسخ، ولا يكفي المشي اليسير، بل تردد المسافر لحاجته – عند النزول والرحيل – من الاحتطاب والاحتشاش والحط والتحميل.

وفي (الرونق) و (اللباب) ضبط بثلاثة أميال، وضبطه الشيخ أبو محمد بقدر مسافة القصر وهو المعتمد.

وهل المراد المشي فيه بمداس أو لا؟ لم يتعرضوا لذلك.

وسبب اشتراط هذه الأمور أن ما سوى ذلك لا تدعو الحاجة إليه.

قال: (قيل: وحلالا)، هو قول ابن القاص.

وأشار ابن الصباغ والغزالي إلى ترجيحه؛ لأن المسح رخصه وهي لا تناط بالمعاصي.

ص: 367

وَلَا يُجْزِئُ مَنْسُوجٌ لَا يَمْنَعُ مَاءً فِي الأَصَحِّ، وَلَا جُرْمُوقَانِ فِي الأَظْهَرِ،

ــ

وذهب الأكثرون إلى الجواز، وقاسوه على الوضوء بالماء المغصوب، والصلاة في الأماكن المغصوبة.

قال: (ولا يجزئ منسوج لا يمنع ماء في الأصح)؛ لأن الغالب في الخفاف أن تمنع نفوذ الماء، فتنصرف نصوص المسح إليها ويبقى الغسل واجبا فيما عداها.

والثاني: يجوز كما لو تخرقت بطانة الخف وظهارته من موضعين غير متوازيين .. يجوز المسح عليه مع نفوذ الماء، واختاره الإمام والغزالي.

لكن تستثنى مواضع الخرز، فإنه لا يضر نفوذ الماء منها كما نقله في (شرح المهذب) عن القاضي وغيره.

والمراد بـ (الماء): ماء المسح كما عبر به الماوردي.

وقال الإمام: أن يمنع الماء إذا صب عليه.

ويشترط في الممسوح أن يسمى خفا، فلو لف على قدميه قطعتي أدم وأحكمهما بالشد، وأمكنه متابعة المشي عليهما .. لا يجوز المسح عليهما؛ لعسر إزالة ذلك وأعادته على هيئته.

قال: (ولا جرموقان في الأظهر)؛ لأن الحاجة إليه نادرة فلا تتعلق به هذه الرخصة العامة، كالجبيرة فإنه لا تتعلق بها الرخصة إلا في حق الكسير خاصة.

و (الجرموق) بالضم فارسي معرب، وهو: خف كبير يلبس فوق الخف، سواء كان له ساق أم لا.

والقول الثاني: يجوز كالخف، ولأن الحاجة تدعو إليه للبرد والوحل، واختاره المزني وأبو الطيب والروياني في (الحلية)، ونقله أبو حامد عن كافة العلماء.

ونقل ابن الصلاح عن والده: أنه يجوز في البلاد الباردة قولا واحدا، ثم رده.

ومحل القولين إذا كان الأعلى والأسفل قويين، فإن كانا ضعيفين .. لم يجز المحس عليهما قولا واحدا.

فإن أدخل يده في صورة القولين ومسح الأسفل .. صح، وإلا فلا.

ص: 368

وَيَجُوزُ مَشْقُوقُ قَدَمٍ شُدَّ فِي الأَصَحِّ. وَيُسَنُّ مَسْحُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ.

ــ

فإن كان الأعلى قويا بحيث يجوز مسحه لو انفرد، والأسفل ضعيفا .. صح مسح الأعلى على الصحيح.

فإنا كانا بالعكس .. صح مسح الأسفل، وإن اقتصر على مسح الأعلى .. لم يصح إلا أن يصل منه البلل إلى الأسفل، فيصح إن قصده بمسح الأعلى واتصل البلل إلى الأسفل لعلمه بذلك، وكذا إن قصدهما أو لم يقصد شيئا في الأصح.

فرع:

لو لبس الخف على الجبيرة .. لم يجز المسح عليه على الأصح في زوائد (الروضة)؛ لأنه ملبوس فوق ممسوح، فأشبه المسح على العمامة.

قال: (ويجوز مشقوق قدم شد في الأصح)؛ لحصول الارتفاق به.

والمراد: ما شد بالسرج، وهي العرى.

والثاني: لان كما لو لف على القدم قطعة أدم وأحكم شدها كما تقدم.

وشرطه أن لا يبقى شيء من الرجل أو اللفافة على عقبيه يتبين في حالة المشي.

قال: (ويسن مسح أعلاه وأسفله) أما مسح الأعلى .. فلا خلاف فيه.

وأما الأسفل .. فلما روى ابن ماجه [550] عن المغيرة بن شعبة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله)، وكان ابن عمر يفعله، لكن الحديث ضعيف، لا جرم قال ابن المنذر: لا يستحب مسح الأسفل. وكان أحمد لا يفعله.

فلو كان أسفله متنجسا بنجاسة معفو عنها .. اقتصر على الأعلى؛ لأنه لو مسح الأسفل زاد التلويث، ولزمه حينئذ غسل اليد وأسفل الخف.

ولو غسل الخف بدل مسحه .. جاز على الصحيح، ويكره كما تقدم في غسل الرأس.

ص: 369

خُطُوطاً، ويَكْفِي مُسَمَّى مَسْحٍ يُحَاذِي الْفَرْضَ، إِلَاّ أَسْفَلَ الرِّجْلِ وَعَقِبَهَا .. فَلَا عَلَى المَذْهَبِ.

ــ

ويكره تكرار المسح، بل يقتصر على مسحة واحدة.

قال: (خطوطا)؛ لقول الحسن البصري: من السنة أن يمسح على الخف خطوطا.

والأولى في كيفيته: أن يضع أصابع كفه اليسرى تحت العقب، واليمنى على ظهور الأصابع، ويمر باليسرى إلى أطراف الأصابع من أسفل واليمنى إلى الساق.

وقد سكت المصنف عن الساق، والمذهب: استحباب مسحه أيضا، فيجعل راحة اليسرى على العقب، وأصابعه تحته ويفعل ما سبق.

قال: (ويكفي مسمى مسح)؛ لأن الشارع علقه باسم المسح، والتعميم غير واجب بالاتفاق، والتقدير لا يهتدى إليه إلا بتوقيق ولم يرد، فكان الواجب ما ينطلق عليه الاسم، كمسح الرأس فيكفي وضع يد وغيرها عليه بلا مد، إلا أن يكون عليه شعر فلا يكفي الاقتصار على مسح الشعر جزما.

والمراد: مسح ظاهره؛ فإنه لو مسح باطن أعلاه .. لم يجزه.

وقد رأى أبو حنيفة المسح بثلاثة أصابع، ومالك وأحمد بالأكثر.

قال: (يحاذي الفرض)؛ لأنه بدل عن الغسل.

و (المحاذاة) بالذال المعجمة: المقابلة.

قال: (إلا أسفل الرجل وعقبها .. فلا على المذهب)؛ لأن الاقتصار عليهما لم يرد، وثبت الاقتصار على الأعلى، والرخصة يجب فيها الاتباع.

وعن علي رضي الله عنه: (لو كان الدين بالرأي .. لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) رواه أبو داوود [163].

ص: 370

قُلْتُ: حَرْفُهُ كَأَسْفَلِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَا مَسْحَ لِشَاكٍّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ.

ــ

ولأنه موضع لا يرى غالبا، فلم يجز الاقتصار على مسحه كباطن الخف الداخل.

والثاني: يكفي لأنهما يحاذيان محل الفرض، فأشبه المحاذي لمشط الرجل.

وقال ابن سريج: لا خلاف بين المسلمين أنه لا يجوز الاقتصار على مسح أسفل الخف.

وقيل: قولان.

وجعل الرافعي محل الخلاف فيما يحاذي أخمص القدمين.

و (العقب): مؤخر الرجل، وهي مؤنثة، وجمعها أعقاب، قال عليه الصلاة والسلام:(ويل للأعقاب من النار)، خصه بالعذاب؛ لأنه العضو الذي لم يغسل.

قال: (قلت: حرفه كأسفله والله اعلم) فلا يجوز الاقتصار عليه؛ لاشتراكهما في عدم الرؤية غالبا.

قال: (ولا مسح لشاك في بقاء المدة)؛ لأن الأصل الغسل والمسح رخصة جوزت بشرط، فإذا لم يتيقن شرط الرخصة .. رجع إلى الأصل.

وقال المزني: يجوز المسح؛ لأن الأصل بقاء مدته.

والأصحاب نظروا إلى الأصل الأول، وألغوا الثاني كما إذا شك المسافر: هل وصل إلى بلده أو لا؟ وهل نوى الإقامة أو لا؟ لا يترخص.

وإذا رمى صيدا ثم غاب عنه فوجده ميتا، وشك: هل أصابته رمية أخرى؟ لم يحل.

وإذا شكوا في انقضاء وقت الجمعة .. لم يصلوها.

هذه كلها ترك فيها الأصل الثاني المشكوك فيه للأصل الأول.

فلو مسح على الخف في صورة الشك وصلى، ثم بان أنه مسح في غير المدة .. أعاد الصلاة والمسح، ولو زال شكه وتحقق بقاء المدة .. جاز المسح.

ص: 371

فَإِنْ أَجْنَبَ .. وَجَبَ تَجْدِيدُ لُبْسٍ، وَمَنْ نَزَعَ وَهُوَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ .. غَسَلَ قَدَمَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ: يَتَوَضَّأُ.

ــ

قال: (فإن أجنب .. وجب تجديد لبس)، وكذا إذا حاضت أو نفست أو ولدت؛ لحديث صفوان المتقدم، وعللوه بأن هذه الأمور لا تتكرر فلا يشق النزع لها، بخلاف الحدث الأصغر، وللشيخ فيه بحث طويل.

قال: (ومن نزع) أي: الخفين أو أحدهما، وفي معناه ما لو انقضت المدة، أو شك في بقائها، أو ظهر بعض الرجل بتخرق أو غيره، أو خرج عن الصلاحية لضعفه، أو دميت رجله ولم يمكن غسلها فيه.

قال: (وهو بطهر المسح) احترز به عما إذا نزع وهو بطهارة الغسل، بأن كان بعد اللبس والحدث توضأ وغسل رجليه داخل الخف، فإنه هنا لا يلزمه شيء.

قال: (.. غسل قدميه)؛ لأنه الأصل والمسح بدل، فإذا زال .. وجب الرجوع إلى الأصل.

قال: (وفي قول: يتوضأ)؛ لأنها عبادة يبطلها الحدث، فإذا بطل بعضها .. بطل كلها كالصلاة، ولأن ذلك كالحدث بالنسبة إلى طهارة القدمين، والحدث لا يتبعض عوده حكما.

وفي موضع القولين ست طرق، لا تصحيح فيها في (الشرح) ولا في (الروضة).

والأصح في زوائدها: أنه يرتفع الحدث عن الرجل قياسا على مسح الرأس، ويجوز الجمع به بين فرضين.

ص: 372

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تتمة:

إذا انقضت مدة المسح .. ليس له أن يصلي بعد ذلك بحكم المسح.

ونقل المتولي وغيره عن الحسن البصري: أن له أن يصلي ما لم يحدث؛ لأن طهره قد صح فلا يبطل إلا بحدث، واختاره ابن المنذر والمنصنف في (شرح المهذب)، ويقال: إن الأستاذ أبا إسحاق حكاه وجها لبعض أصحابنا.

* * *

خاتمة

ختم الله لكاتبه بالحسنى

قال في (الإحياء) في (باب ما لا بد للمسافر من تعلمه):

يستحب لمن أراد أن يلبس الخف أن ينفضه؛ لئلا يكون فيه حية أو عقرب أو شوكة، واستدل لذلك بما رواه الطبراني [طب 7620] عن أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما).

* * *

ص: 373