الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ النَّجَاسَةِ
هِيَ: كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ،
ــ
باب النجاسة
هي في اللغة: كل مستقذر، وهو ضربان:
ضرب: يدرك بالبصر، وضرب بالبصيرة، وهو الذي وصف الله تعالى به المشركين في قوله:{إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ} .
وفي الشرع: كل عين حرم تناولها على الإطلاق في حالة الاختيار، مع إمكانه، لا لحرمتها أو استقذارها أو ضررها ببدن أو عقل.
فخرج بـ (الإطلاق): ما يباح قليله كنبات هو سم.
وبـ (الاختيار): الميتة ونحوها؛ فإنه يباح تناولها عند الاضطرار مع نجاستها في ذلك الوقت، حتى يجب على آكلها غسل فمه.
وبـ (إمكان التناول): الحجر ونحوه من الأشياء الصلبة، ولا يحتاج إلى هذا القيد؛ لأن ما لا يمكن تناوله لا يوصف بتحريم ولا تحليل.
وبقوله: (لا لحرمتها) الآدمي.
وبـ (لا ضرر) فيها: الحشيش المسكر، والسم الطاهر الذي يضر قليله وكثيره، والتراب.
وبـ (غير المستقذر): المني والمخاط.
ثم ذكر المصنف غالب أنواعها:
قال: (هي: كل مسكر مائع).
(المسكر): المغطي للعقل، المغير للحال المعهودة في الصحو، ومنه سكر المال وسكر الشباب وسكر السلطان، ومنه قوله تعالى:{لَقَالُوا إنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} .
وَكَلْبٌ،
ــ
أي: حارت كما يحار السكران. والمسكر: الخمر، سميت بالمصدر.
قال ابن عبد البر والشيخ أبو حامد: أجمعت الأمة على نجاسة الخمر؛ لأن الله تعالى سماه رجسا – وهو النجاسة – وقال: {فَاجْتَنِبُوهُ} .
فأمر باجتنابه من كل وجه، وحرم تناوله، وحكم بنجاسته تأكيدا للزجر عنها، وتغليظا لنجاسة الكلب.
وحكي عن ربيعة طهارته، ونقله المرعشي عن المزني، ولا يصح ذلك عنهما.
وقيس النبيذ عليه بجامع الشدة المطربة.
وفيه وفي الخمرة المحترمة والمثلث الذي يبيحه أبو حنيفة، والمستحيلة في باطن حبات العنقود وجه.
والتقييد بالمائع من زياداته على (المحرر)، واحترز به عن البنج ونحوه من الحشيش المسكر؛ فإنه ليس بنجس وإن كان حراما.
فإن أورد عليه الخمرة المنعقدة .. فالجواب: أن الحكم بنجاستها وهي مائعة باق، ولم يحدث ما يطهرها.
قال: (وكلب)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب، أن يغسل سبعا) رواه مسلم [279]. فدل على نجاسة سؤره.
وإذا كان فمه نجسا .. فسائر أعضائه كذلك؛ لأن لعابه أطيب فضلاته.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بإراقة ما ولغ فيه، ولو لم يكن نجسا .. ما أمر به؛ لأنه نهى عن إضاعة المال.
وروى أحمد [2/ 327] والدارقطني [1/ 63] والحاكم [1/ 183] عنه صلى الله عليه وسلم
وَخِنْزِيرٌ، وَفَرْعُهُمَا، وَمَيْتَةُ غَيْرِ الآدَمِيِّ وَالشِّمَكِ وَالْجَرَادِ،
ــ
أنه دعي إلى دار قوم فأجاب، ثم دعي إلى دار أخرى فلم يجب، فقيل له في ذلك، فقال:(إن في دار فلان كلبا)، قيل: وإن في دار فلان هرة، فقال:(الهرة ليست بنجسة).
قال: (وخنزير)؛ لقوله تعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ} .
والمراد: جملته؛ لأن لحمه داخل في عموم الميتة، ولأنه أسوأ حالا من الكلب؛ فإنه يستحب قتله، ولا يجوز اقتناؤه إجماعا، بخلاف الكلب فإنه يقتنى في مواضع.
وقال ابن المنذر: وأجمعوا على نجاسته، واعترض عليه بمخالفة مالك وأحمد.
لا جرم قال المصنف: ليس لنا دليل على نجاسته، بل مقتضى المذهب: طهارته كالأسد والذئب والفار.
و (خاء) الخنزير مكسورة، و (نونه) أصلية، وقيل: زائدة، ولم يذكر الجوهري سواه.
قال: (وفرعهما) أي: فرع كل منهما تغليبا للنجاسة؛ لأن النتيجة تتبع أخس المقدمتين.
ولو قال: وفرع كل منهما – كما قال في المني – لكان أحسن.
قال: (وميتة غير الآدمي والسمك والجراد)؛ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ والدَّمُ ولَحْمُ الخِنزِيرِ} ، وتحريم ما ليس بمحترم ولا ضرر فيه .. يدل على نجاسته.
ومراده بـ (الميتة): ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية؛ ليعم ما مات حتف أنفه، وما لا يؤكل إذا ذبح، وما يؤكل إذا اختل فيه شرط من شروط التذكية.
وفي وجه ضعيف: أن ميتة الضفدع، وما لا نفس له سائلة .. طاهرة، ووجه: أن الجلد لا ينجس بالموت، وإنما الزهومة التي فيه تنجسه، فيدبغ لإزالتها كالثوب المتنجس.
وحيث حكمنا بنجاسة الميتة .. ففي شعرها وصوفها ووبرها وريشها قولان:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أظهرهما: القطع بنجاسته.
والثاني: أنها طاهرة، إلا من الكلب والخنزير.
وفي عظمها طريقان:
أظهرهما: القطع بنجاسته.
والثاني: على القولين في الشعر.
واستثنى المصنف الآدمي؛ لأن الأظهر: طهارة ميتته، فإن الله تعالى كرم بني آدم، ومن تكريمهم أن لا يحكم بنجاستهم.
وقبل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون بعد موته، ودموعه تجري على خديه.
وفي (الصحيحين)[خ 285 – م 371]: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن لا ينجس) زاد الحاكم [1/ 385]: (حيا ولا ميتا).
والقول الثاني: أنه نجس كغيره من الميتات.
وعلى هذا، إذا نشف بعد غسله بثوب .. لم يحكم بنجاسة الثوب، كذا في (جنائز)(الروضة) عن أبي إسحاق.
ومقتضاه: أنه يطهر بالغسل – كما يقول أبو حنيفة – وبه أفتى البغوي، والمعروف خلافه.
وخص القاضي أبو بكر في (الأحوذي) الخلاف بغير الشهيد.
وميتة السمك والجراد طاهرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته).
وروى البيهقي [9/ 257] عن ابن عمر – والأصح وقفه عليه – أنه قال: (أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال)، ورفعه ابن ماجه [3314] والدارقطني [4/ 271].
وَدَمٌ،
ــ
والمراد بـ (السمك): كل ما أكل من حيوان البحر، وإن لم يسم سمكا.
و (الجراد): اسم جنس، واحدته جرادة، يطلق على الذكر والأنثى.
وأورد الرافعي على حصر المستثنى في الأنواع الثلاثة:
الجنين الذي يوجد في بطن المذكاة، فإنه طاهر حلال.
وكذلك الصيد المنضغط.
والبعير الناد والمتردي إذا ماتا بالسهم ونحوه.
والجواب: أنها مذكاة بذكاة الأم وبالضغطة والطعنة.
قال: (ودم)؛ لقوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ} .
وفي (الصحيحين)[خ 306 – م 333]: (اغسلي عنك الدم وصلي).
ولم يخالف فيه إلا بعض المتكلمين.
وقيل: الدم المتحلب من الكبد والطحال طاهر.
وقيل: لا دم للسمك، والمنفصل منه رطوبة تشبه الدم، ولهذا تبيض إذا تركت في الشمس، وبه قال أبو حنيفة.
وعلى هذا .. هي طاهرة قطعا.
ووقع في (الروضة): أن للجراد دما، والذي صرح به الأصحاب: أنه لا دم له.
ولا يستثنى إلا الدم الباقي في اللحم وعظامه؛ لمشقة الاحتراز منه، ولأنه ليس بمسفوح، كذا صرح به جماعة من العلماء، ولم يذكره من أصحابنا سوى الثعلبي في تفسيره.
ويدل له من السنة قول عائشة: (كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلوها الصفرة من الدم، فيأكل ولا ينكره).
واستثنى قوم المني إذا خرج دما، فإنه محكوم بطهارته.
والجواب: أنه مني وإن كان أحمر كما تقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان:
الأولى: قال أبو جعفر الترمذي: دم النبي صلى الله عليه وسلم طاهر؛ لأن أبا طيبة – واسمه نافع، وقيل: ميسرة، وقيل: دينار – شربه.
ومصه مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري يوم أحد وازدرده.
وفعل مثل ذلك ابن الزبير وهو غلام حزروة حين أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم دم محاجمه ليدفنه فشربه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم – كما قال لمالك -:(من خالط دمه دمي .. لم تمسه النار)، لكنه زاد لابن الزبير:(ويل لك من الناس، وويل للناس منك)، ذكره الدارقطني [1/ 228] وغيره.
و (ويل): كلمة عذاب، و (ويح): كلمة رحمة، وقال اليزيدي: هما بمعنى واحد.
وفي (شعب البيهقي)[6489] و (كامل ابن عدي)[2/ 64] عن بريه بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، وقال له:(خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير والناس)، قال: فذهبت فشربته، ثم سأني فأخبرته فضحك.
الثانية: الدم معروف، وأصله دمي عند سيبويه، وعند المبرد وعند الجوهري دمو؛ لأن بعض العرب تقول في تثنيته: دموان، لكن الأكثر: دميان.
وَقَيْحٌ، وَقَيْئٌ،
ــ
قال الشاعر:
فلو أنا على صخر ذبحنا .. .. جرى الدميان بالخبر اليقين
يزعم العرب: أن المتباغضين إذا ذبحا .. لم يختلط دمهما.
وتصغير الدم: دمي، وجمعه: دماء، والنسبة إليه: دمي، والدمة أخص من الدم.
وسيأتي (دما): اسم جبل، يقال سمي بذلك؛ لأنه ليس من يوم إلا ويسفك عليه دم، كأنهما اسمان جعلا واحدا، وأنشد سيبويه [من السريع]:
لما رأت شاتي دما استعبرت .. .. لله در اليوم من لامها
قال: (وقيح)؛ لأنه دم مستحيل لا يخالطه دم.
و (الصديد): الماء الرقيق الذي يخالطه الدم، وهو مثله في الحكم، وكذا ماء القروح والنفاطات إن تغيرت رائحته، وسيأتي في (شروط الصلاة).
قال: (وقيء) من آدمي وغيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعمار: (إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والمني والدم والقيء) رواه أحمد من حديث ثابت بن حماد والدارقطني [1/ 127] والبزار [1397]، لكن ثابت بن حماد أحاديثه مناكير.
وفي وجه بعيد: إن لم يتغير .. فهو طاهر.
فروع:
الراجع من الطعام قبل وصوله إلى المعدة ليس بنجس.
و (الجرة) – وهي: ما يخرجه البعير أو الشاة من الجوف إلى الفم للاجترار – نجسة.
وَرَوْثٌ، وَبَوْلٌ،
ــ
وكذلك المرة الصفراء وما فيها، ولا يجوز بيع خرزتها الصفراء التي توجد في بعض الأبقار.
و (البلغم): النازل من الرأس طاهر، والصاعد من المعدة نجس، والمنقطع من أعلى الحلق والصدر فيه وجهان أصحهما: أنه طاهر.
والماء الذي يسيل من فم النائم إن كن من المعدة .. فنجس ويعرف بصفرته ونتنه.
وقيل: إن كانت الرأس على مخدة .. فمنها، وإلا فمن المعدة، فإذا عمت بلوى شخص به .. فقياس المذهب: العفو عنه.
ولو أكلت البهيمة حبا وخرج من بطنها صحيحا، فإن كانت صلابته باقية بحيث لو زرع نبت .. فهو متنجس يطهر بالغسيل، وإن لم يكن كذلك .. فهو نجس.
قال: (وروث)؛ لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم ألقى الروثة، وقال:(هذا ركس). وفي رواية البخاري: (رجس)، ومعناهما النجس.
وفي روث السمك والجراد، وما ليس له نفس سائلة وجهان، الأصح: نجاسته.
وينبني على ذلك جواز أكل الأسماك المملحة التي لم ينزع جوفها، كما سيأتي في (كتاب الأطعمة).
فلو عمت البلوى بذرق الطيور، وتعذر الاحتراز عنها .. ففي (شرح المهذب): يعفى عنها.
و (الروث) بالثاء المثلثة: الخارج من الآدمي وغيره، ولذلك كان التعبير به أحسن من تعبير (المحرر) بالعذرة، و (التنبيه) بالغائط؛ لأنهما خاصتان بالآدمي.
قال: (وبول)؛ لما روى الشيخان [خ 218 – م 292]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين مر على القبرين: (أما أحدهما فكان لا يستتر من البول) أي: لا يحترز منه.
وَمَذْيٌ،
ــ
وفي (الدارقطني)[1/ 127]: (تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه).
وفي (الصحيح)[خ 220]: (أنه صلى الله عليه وسلم صب على بول الأعرابي ذنوبا من ماء).
فبول ما لا يؤكل لحمه نجس بالإجماع خلافا للأوزاعي، وكذلك بول ما يؤكل لحمه على الصحيح.
وفي قول اختاره ابن المنذر وابن خزيمة والروياني: أن روث ما يؤكل، لحمه وبوله طاهران؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل، وطاف على بعير.
والجواب: أن شرب الأبوال كان للتداوي، وهو جائز بالنجاسات غير الخمر، بل قال الشافعي: خبرهم منسوخ، وطوافه على البعير لا يدل على طهارة بوله، كما أن:(حمله أمامة في الصلاة) لا يدل على طهارة بولها.
وأما بول الصبي الذي لم يطعم غير اللبن .. فنص الشافعي على نجاسته، ونقل ابن العربي وابن عبد البر وابن بطال عنه: أنه طاهر، مردود.
والصحيح: أنه لا فرق في ذلك بين بول رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الآدميين.
وفي وجه – اختاره الشيخ وجماعة -: نعم؛ لأن بركة الحبشية شربت بوله صلى الله عليه وسلم، فقال:(لن تلج النار بطنك)، صححه الدارقطني، وحمله الأكثرون على التداوي.
قال (ومذي)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسله في حديث علي.
وَوَدْيٌ، وَكَذَا مَنِيُّ غَيْرِ الآدَمِيِّ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
ــ
وهو ماء أبيض رقيق يخرج لا بشهوة قوية، ولا دفق، ولا يعقبه فتور، وهو في الغالب يكون عند الملاعبة ونحوها، وهو بالذال المعجمة وفيه ثلاث لغات: أفصحها: إسكان الذال. وثانيها: كسرها مع تشديد الياء. وثالثها: كسرها مع تخفيف الياء كشح وعم.
قال: (وودي) بالإجماع، ولأنه يخرج من مجرى البول إذا كانت الطبيعة مستمسكة، أو عند حمل شيء ثقيل، ويخرج قطرة أو قطرتين، وهو أبيض كدر ثخين يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة، ولا رائحة له، وهو بإسكان الدال المهملة وتخفيف الياء، وقيل: بتشديد الياء، وقيل: بالمعجمة، وهما شاذان.
قال: (وكذا مني غير الآدمي في الأصح. قلت: الأصح: طهارة مني غير الكلب والخنزير وفرع أحدهما والله أعلم).
المني على ثلاثة أقسام:
مني الآدمي طاهر على المذهب، رجلا كان أو امرأة؛ لأن عائشة رضي الله عنها كانت تفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه، رواه مسلم [288]، ولو كان نجسا .. ما اكتفى فيه بالفرك، ولأنه لا يليق بالآدمي نجاسة أصله.
وقيل: نجس يكفي فيه الفرك.
ومني الكلب والخنزير وفرع أحدهما نجس بالاتفاق.
ومني غيرهما من الحيوانات الأكولة وغيرها فيه ثلاثة أوجه:
أصحها عند الرافعي: النجاسة للاستحالة، وإنما حكم بطهارته من الآدمي تكريما له، وليس غيره في معناه.
وأصحها عند المصنف وغيره: الطهارة، واختاره الشيخ؛ لأنه خارج من حيوان
وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ غَيْرَ الآدمِيِّ.
ــ
طاهر يخلق منه مثل أصله، فكان طاهرا كالبيض.
وثالثها: طاهر من المأكول، نجس من غيره، كاللبن.
قال: (ولبن ما لا يؤكل)؛ لأنه عصارته، ولبن المأكول طاهر بالنص والإجماع. ولبن الكلب والخنزير وفرع أحدهما نجس بالاتفاق.
وإذا ولدت الفرس بغلا .. فلبنها طاهر حلال، قال البغوي.
قال: (غير الآدمي) أي: الأنثى الحية فإن لبنها طاهر على المنصوص؛ إذ لا يليق بكرامته أن يكون نشوءه على الشيء النجس.
وقيل: نجس يحل شربه للضرورة، لكن يستثنى من إطلاقه لبن الميتة فالمشهور: نجاسته.
ولبن الرجل المشهور: طهارته، لكن جزم ابن الصباغ في (الشامل) في (كتاب الرضاع) بنجاسته.
وقال الصيمري: طاهر لا يجوز بيعه لامتناع شربه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي (الحاوي الصغير): لبن البشر يمكن حمله على العموم.
وقال ابن يونس وصاحب (البيان) في (الرضاع): لبن الصغيرة كبنت ثماني سنين نجس.
والمصرح به في (شرح الكفاية) للصيمري وغيره: أنه طاهر.
فروع:
بيض المأكول طاهر كلبنه، وغير المأكول نجس على الأصح.
والأصح: طهارة بزر القز، وهو أصل دوده.
ولو ماتت ذات بيض وهو في جوفها .. ففيه أوجه:
ثالثها: الأصح أن البيضة إن تصلبت قشرتها .. فهي طاهرة، وإلا فنجسة.
ولو وضعت هذه البيضة تحت طائر آخر فصارت فرخا .. كان طاهرا قطعا.
ولو ذبحت الدجاجة .. حل ما في جوفها منه، تصلب أم لا كالجنين.
وإذا مذرت البيضة واختلطت صفرتها بالبياض .. فهي طاهرة كاللحم إذا نتن، فإن استحالت وصارت دما .. فالأصح: نجاستها.
ووقع في (التنقيح) هنا: تصحيح طهارتها، وكأنه سبق قلم.
يقال: مذرت البيضة بالذل المعجمة، إذا فسدت.
وفي الحديث: (شر النساء المذرة الوذرة)، أي: الفاسدة التي لا تستحي عند الجماع.
و (الزباد) طاهر يجوز بيعه؛ لأنه عرق سنور بري.
وفي (البحر) و (الحاوي): أنه لبن سنور بحري، وهو وهم.
وينبغي الاحتراز عما فيه من شعره؛ لأن الأصح: نجاسته.
واختلفوا في العنبر:
فمنهم من قال: إنه نجس؛ لأنه مستخرج من بطن دويبة لا يؤكل لحمها.
ومنهم من قال: إنه طاهر؛ لأنه ينبت في البحر ويلفظه.
وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ مِنَ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ،
ــ
فال: (والجزء المنفصل من الحي كميتته) أي: كميتة ذلة الحي؛ لأن الحياة قد زالت منه.
وروى الترمذي [1480] وأبو داوود [2852] عن أبي واقد الليثي قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يجبون أسمنة الإبل، ويقطعون أليات الغنم، فقال:(ما يقطع من البهيمة وهي حية .. فهو ميت)، وهو حديث حسن عليه العمل عند أهل العلم.
ونقل ابن المنذر عليه الإجماع.
ومخل الخلاف في المنفصل في الحياة. أما المنفصل بعد الموت .. فحكمه حكم ميتته بلا شك.
وأفهمت عبارة المصنف: طهارة مشيمة الآدمي، والعضو المبان منه ومن السمك والجراد. قال الرافعي: وهو المذهب الصحيح.
قال في (المهمات): والذي قاله صحيح في السمك والجراد، وأما في المشيمة وجزء الآدمي .. فالمنصوص الذي عليه الجمهور: نجاسة ذلك.
وقال القاضي أبو الطيب: اليد المقطوعة في السرقة نجسه بالاتفاق.
فرعان:
أحدهما: المسك طاهر بالإجماع؛ ففي (الصحيحين)[خ 271 – م 1190] عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمله).
وفي نافجته طريقان:
أصحهما: أنها إن انفصلت بعد موتها .. فنجسة كاللبن.
وفي وجه بعيد: طاهرة كالبيض المتصلب.
وإن انفصلت في حياتها .. فطاهرة؛ لأنها تنفصل بالطبع فأشبهت الجنين، ولأنها لو كانت نجسة .. لنجست ما فيها.
وقال في (محاسن الشريعة): كون المسك فيها يفيدها معنى الجفاف كالدباغ.
إِلَاّ شَعْرَ الْمَاكُولِ؛ فَطَاهِرٌ.
ــ
واختلفوا في محلها من الظبية:
فقيل: إنها تخرج من جانبها كالسلعة، فتحتك حتى تلقيها.
وقيل: تكون في جوفها كالإنفحة، فتلقيها كالبيضة.
وقد بسطت الكلام على ذلك في كتاب (حياة الحيوان).
الثاني: الإنفحة طاهرة على الأصح، وهي: لبن يستحيل في جوف السخلة.
ولطهارتها شرطان:
أن تكون من مذكاة.
وأن يكون الحيوان الذي أخذت منه لم يطعم غير اللبن، فإن أكل غيره .. فهي نجسة قطعا، وحينئذ لا تسمى إنفحة بل كرشا، ويجيء فيها القول المتقدم في روث الحيوان المأكول.
قال: (إلا شعر المأكول؛ فطاهر)، وكذا صوفه ووبره؛ لقوله تعالى:{ومِنْ أَصْوَافِهَا وأَوْبَارِهَا وأَشْعَارِهَا أَثَاثًا ومَتَاعًا إلَى حِينٍ} .
ومحل الوفاق إذا قص في حال الحياة، فإن تناثر أو نتف .. فالأصح: طهارته أيضا، وقيل: نجس، وقيل: المتناثر طاهر، والمنتتف نجس.
والريش في معنى الشعر، واحترز المصنف عن شعر ما لا يؤكل لحمه كالحمار، فإنه إذا أبين .. نجس على المشهور.
والقرن والظفر والظلف والسن إذا انفصلت في حال الحياة .. فالأصح: نجاستها؛ لأن الحياة تحلها فتنجس بالموت.
والأصح: طهارة شعر الآدمي كميتته.
ومن رآى شعرا لم يعلم حكمه، فإن علمه من مأكول .. فطاهر، أو من غيره ..
وَلَيْسَتِ الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ بِنَجَسٍ فِي الأَصَحِّ.
ــ
فنجس، وإن شك .. فالأصح: الطهارة.
لكن يرد على المصنف الشعر الكائن على العضو المبان من الحي المأكول؛ فإنه نجس على الأصح في (الرافعي)، وأسقطه من (الروضة).
والوسخ المنفصل من الآدمي في الحمام وغيره عند المتولي والروياني كميتته؛ لأنه متولد من البشرة.
وقل في (التحقيق): قياس المذهب: أنه كعرقه.
وقال في (المطلب): الذي يظهر أن الوسخ مركب من عرق وغبار، فيكون طاهرا قطعا.
قال: (وليست العلقة والمضغة ورطوبة الفرج بنجس في الأصح).
أما العلقة والمضغة .. فلأنهما أصل الآدمي، وليسا دما مسفوحا فأشبها منيه.
وأما رطوبة الفرج – وهي: ماء أبيض يخرج من قعر الرحم متردد بين المذي والعرق – فكانت طاهرة كالعرق.
وقيل: إنها نجسة، ووجهه في العلقة: أنه دم خارج من الرحم فأشبه الحيض، وفي المضغة: أنها كميتة الآدمي وهي نجسة على مقالة سبق بيانها، وفي رطوبة الفرج: لأنها متولدة من محل نجس.
وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا جامع .. هل يلزمه غسل ذكره، وما أصابه من الرطوبة أو لا؟ وكذا غسل ظاهر البيض من الدجاج ونحوه.
وأما الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة .. فلا يجب غسله إجماعا، ولا يأتي فيه هذا الخلاف؛ لأن (المؤمن لا ينجس).
وإنما قال: (رطوبة الفرج)؛ ليشمل الآدمي وغيره، فهي أشمل من تعبير (المحرر) و (الروضة) و (التنبيه) و (المهذب) بفرج المرأة.
و (العلقة) بفتح العين واللام: القطعة اليسيرة من الدم الغليظ، سميت بذلك؛ لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه.
قال الماوردي: وإذا جفت .. لم تكن علقة.
وَلَا يَطْهُرُ نَجِسُ الْعَيْنِ إِلَاّ خَمْرٌ تَخَلَّلَتْ،
ــ
و (المضغة): العلقة تستحيل قطعة لحم. سميت بذلك لصغرها؛ لأنها بقدر ما يمضغ.
و (النجس) هنا بفتح الجيم.
فروع:
الزرع النابت على نجاسة طاهر العين، ويطهر ظاهره بالغسل وإذا سنبل .. فحبه طاهر بلا غسل، وكذا القثاء ونحوه، وأغصان شجرة سقيت بماء نجس، وثمرها.
وقال الحليمي: إذا خرج من الإنسان ريح وكانت ثوبه مبلولة .. تنجست، وإن كانت يابسة .. فلا.
قال: وكذا دخان كل نجاسة أصابت شيئا رطبا، كما إذا دخل إصطبلا راثت فيه دواب وتصاعد دخانه، فإن أصاب رطبا .. نجسه.
قال: (ولا يطهر نجس العين) أي: بالغسل، ولا بالاستحالة كالكلب ونحوه إذا وقع في الملاحة فصار ملحا، أو احترق نجس العين فصار رمادا .. لم يطهر على المذهب الصحيح.
واحترز عن المتنجس كالثوب وغيره؛ فإنه يطهر بالغسل، إلا ما سيأتي في المائع.
قال: (إلا خمر تخللت) أي: بنفسها، سواء كانت محترمة أو غير محترمة؛ لأن النجاسة والتحريم إنما كانا لأجل الإسكار وقد زال.
وروى البيهقي [6/ 37]: أن عمر رضي الله عنه خطب فقال: (لا يحل خل من خمر أفسدت، حتى يبدل الله إفسادها).
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (خير خلكم خل خمركم).
ونقل القاضي عبد الوهاب [المالكي] في ذلك بالإجماع.
وَكَذَا إِنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إِلَى ظِلٍّ وَعَكْسُهُ فِي الأَصَحِّ،
ــ
وحكى غيره عن سحنون: أنها لا تطهر، وسواء كانت لمسلم أو ذمي.
ولا بأس أن يشترى من أهل الذمة خل لم يتعمدوا إفساده؛ لقوله تعالى: {وطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} .
و (الخمر) مؤنثة، وتذكر على ضعف، ويقال في لغة قليلة: خمره بالهاء. سميت بذلك؛ لتخميرها العقل، أي: تغطيتها إياه.
وهي حقيقة في المعتصر من ماء العنب، ولا تطلق على غيره إلا مجازا.
وأفادت عبارة المصنف: أن النبيذ لا يطهر بالتخليل، وبه صرح القاضي أبو الطيب في (كتاب الرهن)، لكن ذكر البغوي: أنه لو ألقى الماء في عصير العنب حالة عصره .. لم يضر بلا خلاف، واختاره الشيخ، قال: وعلى هذا .. ليس لنا خل متفق على طهارته، إلا إذا صفي من عناقيده قبل التخمر بحيث يبقى مائعا خالصا.
وحيث طهرت الخمرة .. طهر ظرفها، حتى ما أصابه الخمر من أعاليه حال الغليان.
وقال الداركي: إن كان الظرف لا يتشرب شيئا .. طهر، وإن كان يتشرب منه .. لم يطهر.
وشرط كونها تطهر بالانقلاب: أن لا تلاقيها نجاسة غير معفو عنها، كما سيأتي بيانه.
قال: (وكذا إن نقلت من شمس إلى ظل وعكسه في الأصح) سواء قصد به التخليل أم لا، وسواء المحترمة وغيرها؛ لأن سبب التنجيس وهو الإكسار قد زال ولم يخلفه سبب آخر.
والثاني: لا؛ لأن إمساكها لذلك محرم، وسيأتي بيانه في المسألة التي بعدها.
ويجري الوجهان فيما لو فتح رأس الدن للهواء استعجالا للحموضة.
وقال الحليمي: العصير يصير خلا من غير تخمير في ثلاث صور:
إذا صب في الظرف الضاري بالخل، وإذا ملئ الظرف وشد رأسه، وإذا صب على العصير خلا.
فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ .. فَلَا. وَجِلْدٌ نَجِسَ بِالْمَوْتِ، فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ ظَاهِرُهُ،
ــ
فيصير في هذه الصور خلا من غير تخمير.
قال: (فإن خللت بطرح شيء .. فلا). أشار إلى أن تخليل الخمر بطرح شيء فيها كالبصل أو الملح أو الخبز الحار ونحوه .. حرام، والخل الحاصل منه نجس؛ لما روى مسلم [1983] عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر: تتخذ خلا؟ فقال: (لا).
وفي (سنن أبي داوود)[3667] – بإسناد صحيح – عن أبي طلحة: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يخللها، فقال:(أهرقها).
ولأنه استعجل الخل بفعل محرم فعوقب بنقيض قصده، كما لو قتل مورثه، أو نفر صيدا من الحرم إلى الحل وأراد أخذه.
وقيل: لأن المطروح ينجس بالملاقاة فيكون منجسا للخل بعد الانقلاب، وهذا أصح التعليلين، حتى لو وقع في الخمر أو العصير نجاسة .. لم تطهر.
وأفسد الإمام هذا التعليل، بأن الخمر إذا انقلبت فمن ضرورة ذلك انقلاب تلك الأجزاء التي لاقت المطروح، سواء ألقي ذلك قصدا أو اتفاقا على الأصح، فلو قال: بوقوع شيء .. كان أشمل.
ويجوز إمساك ظروف الخمر والانتفاع بها واستعمالها إذا غسلت، وإمساك المحترمة لتصير خلا، وغير المحترمة يجب إراقتها، فلو لم يرقها فتخللت .. طهرت على الصحيح.
قال: (وجلد نجس بالموت، فيطهر بدبغه ظاهره)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إيما إهاب دبغ .. فقد طهر)) رواه مسلم [366].
وفيه [363] وفي (البخاري)[1492]: (هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه فانتفعتم به).
وكَذَا بَاطِنُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ.
ــ
قال: (وكذا باطنه على المشهور)؛ لظاهر الخبرين المذكورين.
وأما حديث ابن عكيم: (لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب). فمعلول بالإرسال وغيره، وإن صح .. فمحمول على الانتفاع قبل الدباغ؛ إذ هو قبله إهاب وبعده أديم وسختيان.
والثاني: لا يطهر باطنه؛ لأن الأشياء الحريفية لا تصل إليه. وهو ضعيف؛ لأن خاصيتها تصل بواسطة الماء ورطوبة الجلد.
فعلى هذا: لا يباع، ويصلى عليه لا فيه، ويستعمل في الأشياء الجافة دون الرطبة.
وعلى المشهور .. يجوز جميع ذلك.
ويجوز أكله إن كان من مأكول اللحم دون غيره.
والقديم: المنع، ونقله في (الروضة) عن الأكثرين.
واحترز المصنف بقوله: (نجس بالموت) عن جلد الكلب والخنزير، فإنه لا يطهر بالدباغ؛ لأنه يصيره كما كان حيا، والحياة لا تفيدهما الطهارة فالدبغ أولى.
وقال أبو حنيفة: يطهرهما الدباغ؛ لعموم الأخبار. ولم يخصه بالمعنى مع اتفاقنا على جواز التخصيص به.
وإذا قلنا بتحريم أكل الجلالة .. طهر جلدها بالدباغ بلا شك، مع أنه لم ينجس بالموت.
فرع:
لو كان في الجلد شعر .. لم يطهر على الأصح المنصوص؛ لأن الشعر لا يتأثر بالدباغ.
وَالدَّبْعُ: نَزْعُ فُضُولِهِ بِحِرِّيفٍ،
ــ
وعلى هذا: يعفى عن القليل الباقي على الجلد.
والثاني: يطهر الشعر تبعا للجلد، وهذا رواية الربيع الجيزي عن الشافعي، ولم ينقل عنه في (المهذب) سوى هذه المسألة.
وصحح هذا الإستاذ أبو إسحاق الإسفراييني والروياني وابن أبي عصرون، واختاره الشيخ؛ لأن الصحابة في زمن عمر قسموا الفرى المغنومة من الفرس، وهي ذبائح مجوس.
وفي (صحيح مسلم)[366] عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني قال: رأيت على ابن وعلة السبائي فروا فمسسته، فقال: ما لك تمسه؟ قد سألت ابن عباس قلت له: إنا نكون بالمغرب ومعنا البربر والمجوس، نؤتى بالكبش قد ذبحوه، ونحن لا نأكل ذبائحهم، ويأتونا بالسقاء يجعلون فيه الودك؟ فقال ابن عباس: قد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:(دباغه طهوره).
قال الشيخ: فهذا نص في المسألة، وهذا الذي أختاره وأفتي به، والذي صححه الجمهور خلاف الحديث.
قال: (والدبغ: نزع فضوله)، وهي: مائيته ورطوباته التي يفسده بقاؤها، ويطيبه نزعها، بحيث لو نقع في الماء .. لم يعد إلى الفساد والنتن. ثم يحتمل أن يريد: مقصود الدبغ نزع الفضول، ويحتمل أن يريد: أن نفس الدبغ نزع الفضول.
قال: (بحريف) أي: طاهر أو نجس أو متنجس على الصحيح، كالشب والشث والقرظ والعفص وقشور الرمان، وذرق الحمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(أليس في الماء والقرظ ما يطهرها)، وفي رواية:(يطهرها الماء والقرظ) رواه أبو داوود [4123] وغيره بإسناد حسن.
وفي وجه: لا يجوز بالنجس.
وقيل: يختص بالشب والقرظ؛ لأنه رخصة والشارع نص عليهما.
لَا شَمْسٍ وَتُرَابٍ، وَلَا يَجِبُ الْمَاءُ فِي أَنْنَائِهِ فِي الأَصَحِّ. وَالْمَدْبُوغُ كَثَوْبٍ نَجِسٍ. وَمَا نَجِسِ بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ كَلْبٍ .. غُسِلَ سَبْعاً إِحْدَاهَا بِتُرَابٍ،
ــ
و (الشب) بالباء الموحدة: من جواهر الأرض، معروف يشبه الزاج.
وأما الشث بالثاء المثلثة .. فشجر مر الطعم، طيب الريح، يدبغ به أيضا.
قال: (لا شمس وتراب)، فلا يكفي التجفيف بهما وإن طابت رائحته؛ لأن الفضلات لم تزل وإنما جمدت، ولذلك إذا نقع في الماء .. عادت إليه العفونة، وقيل: يكفي أحدهما لحصول الطيب ظاهرأ.
وقال القاضي أبو الطيب: يرجع فيه لأهل الخبرة، فإن قالوا: إن التراب والرماد يفعلان فعل القرظ .. اكتفي بهما، وإلا فلا.
قال: (ولا يجب ماء في أثناءه في الأصح)؛ لعموم: (أيما إهاب دبغ .. فقد طهر).
والثاني: يجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (يطهرها الماء والقرظ).
وعلى هذا .. لا يضر كون الماء متغيرا بالأدوية التي لا بد منها، ولهذا أتى المصنف بـ (ماء) منكرا، وفي الاكتفاء بالماء النجس وجهان.
قال: (والمدبوغ كثوب نجس) أي: متنجس، فلا بد من غسله بماء طهور نقي من الأدوية؛ لأن أجزاء الأدوية قد تنجست بملاقاة الجلد والتصقت به.
وقيل: لا يجب غسله إذا كان الدباغ بشيء طاهر؛ لأن طهارته تتعلق بالاستحالة وقد حصلت، فطهر كالخمر إذا استحالت.
ولا يفتقر الدبغ إلى فعل، فلو وقع الجلد في المدبغة فزالت فضوله .. طهر.
قال: (وما نجس بملاقاة شيء من كلب) سواء في ذلك لعابه وبوله، وسائر رطوباته وأجزائه الجافة، إذا لاقت رطبا ..
قال: (.. غسل سبعا إحداها بالتراب)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكلب في إناء أحدكم .. فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب).
وفي رواية: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه، أن يغسل سبعا أولاهن بالتراب)، رواه مسلم [279]، وفي رواية:(وعفروه الثامنة بالتراب).
وإنما سميت ثامنة؛ لأجل استعمال التراب معها فأطلق الغسل على التعفير مجازا.
وفي رواية صحيحة: (أولاهن)، وفي أخرى:(أخراهن)، فنص على اللعاب وألحق به ما سواه؛ لأن لعابه أشرف فضلاته.
وإذا ثبتت نجاسته .. فشعره وعرقه وبوله وروثه أولى بالنجاسة.
وفي وجه: أن غير لعابه كسائر النجاسات اقتصارا على محل النص؛ لخروجه عن القياس.
وأورد بعض الحنفية علينا: أنا لم نحمل المطلق على المقيد هنا.
والجواب: أن هذا مقيد بقيدين، ومن أصلنا: أن المقيد بقيدين يبقى على إطلاقه، لكن نص الشافعي في (البويطي) على أنه: لا يجزئ التراب إلا في الأولى أو الأخيرة. وجزم به المرعشي في (ترتيب الأقسام). ويستحب أن يجعل التراب في غير الأخيرة.
فروع:
إذا ولغت كلاب في إناء .. كفى سبع للجميع.
وقيل: لكل واحد سبع.
وَالأَظْهَرُ: تَعَيُّنُ التُّرَابِ.
ــ
والثالث: إن تكرر من كلب .. كفى سبع، أو من كلاب .. فلكل سبع.
وإذا جرى الماء على العين المتنجسة سبعا .. كفى وأجزأ عن التعفير إن كان كدرا، وكذا لو حركها سبعا في الماء الراكد كما تقدم.
ولو لم تزل عين النجاسة الكلبية إلا بست .. صحح المصنف أن الجميع واحدة.
وقيل: تحسب ستا، وهو ظاهر ما في (الشرح الصغير).
ولو أكل لحم كلب .. نص الشافعي على أنه: يغسل فمه سبعا ويغفره، وأنه يكفي في قبله ودبره – من أجل البول والغائط – مرة واحدة.
ولو وقعت في الإناء بعد الولوغ نجاسة .. كفى السبع بلا خلاف، قاله ابن الرفعة.
وفيه وجه في (الشرح الصغير): أنه يغسله من تلك النجاسة، ثم يغسله من نجاسة الكلب.
وما ولغ فيه الكلب، هل تجب إراقته أو يندب؟ فيه وجهان أصحهما: الثاني، وحديث الأمر بإراقته محمول على من أراد استعماله.
وإذا أدخل الكلب رأسه في إناء فيه ماء، فإن خرج فمه جافا .. لم يحكم بنجاسته، وكذا إن خرج رطبا في أصح الوجهين، عملا بالأصل، ورطوبته يحتمل أنها لعابه.
ولو ولغ في ماء قليل، فصب عليه ما كثير حتى بلغ قلتين .. طهر الماء على المشهور، وكذا الإناء على الأصح.
قال: (والأظهر: تعين التراب)؛ لأنه تطهير نص فيه على التراب، فلا يقوم غيره مقامه كالتيمم.
والثاني: يقوم مقامه ما في معناه، كالاستنجاء والدباغ.
فعلى هذا .. يكفي الصابون والأشنان وكل مزيل.
وصححه المصنف في (رؤوس المسائل).
ورد بأنه: لا يجوز أن يستنبط من النص معنى يبطله.
- وَأَنَّ الْخِنْزِيرَ كَكَلْبٍ – وَلَا يَكْفْي تُرَابٌ نَجِسٌ، وَلَا مَمْزُوجٌ بِمَائِعٍ فِي الأَصَحِّ.
ــ
والثالث: يقوم مقامه عند عدم التراب للضرورة، ولا يقوم عند وجوده.
وقيل: يقوم مقامه فيما يفسده التراب كالثياب، دون ما لا يفسده كالأواني.
وقيل: تقوم الغسلة الثامنة مقام التراب.
قال: (وأن الخنزير ككلب)؛ لأنه حيوان نجس العين، بل الخنزير أولى بذلك؛ لأنه أسوأ حالا من الكلب كما تقدم.
والقديم – واختاره في (شرح المهذب) -: أنه يكفي غسله مرة بلا تراب كسائر النجاسات.
قال: (ولا يكفي تراب نجس)، كما لا يجوز التيمم به، ولأن النجس لا يزيل نجاسة، وهو بناء على أن العلة: الجمع بين نوعي الطهارة.
والثاني: يجوز كالدباغ بالشيء النجس، وبهذا قال أبو بكر الضبعي، واتفق له في ذلك مع أمته ما هو مشهور عنهما، فقال لها: أنت أفقه مني.
ومقتضى العلة الأولى: منعه بالمستعمل إذا منعنا التيمم به، ويكون قد روعي في ذلك اجتماع طهورين.
قال الشيخ: ولم أر من صرح به انتهى.
وقد صبح به الكمال سلار شيخ المصنف في تعليقه على (التنبيه).
ومقتضاه: جوازه بالرمل الذي له غبار إذا جوزنا التيمم به.
قال: (ولا ممزوج بمائع في الأصح)؛ لتنصيص الحديث على أنه: يغسله سبعا، والمراد: من الماء؛ بدليل أنه: لا خلاف أنه لا يجزئ الخل في غير مرة التراب.
والثاني: يكفي التراب الممزوج بالمائع؛ لأن المقصود من تلك الغسلة إنما هو التراب والاستعانة به في قلع النجاسة، فأشبه الدباغ.
واقتضى إطلاق الكتاب أنه: لو غسله سبعا بالماء، ثم بتراب مزج بمائع ..
وَمَا نَجِسَ بِبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يَطْعَمْ غَيْرَ لَبَنٍ .. نُضِحَ.
ــ
لا يكفي، وبه صرح المصنف في (شرح الوسيط).
نعم؛ لو مزج التراب بالمائع أولا، ثم استعمله مع الماء .. جاز قطعا، كما نبه عليه ابن الصلاح في (مشكله).
ويستثنى من إطلاق المصنف ما إذا أصابت نجاسة أرضا تربة.
فإن قلنا: يكفي التراب النجس .. لم يجب التعفير، وإلا وجب، لكن الأصح هنا: أنه لا يجب؛ لأنه لا معنى للتعفير، وهو مشكل على ما تقدم من اشتراط طهارة التراب.
ولا يكفي ذر التراب على المحل، بل لا بد من مزجه بالماء.
والواجب من التراب مقدار ما يكدر الماء، ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل.
وقيل: ما ينطلق عليه الاسم، حكاه الماوردي.
قال: (وما نجس ببول صبي لم يطعم غير لبن .. نضح)؛ لما روى الشيخان [خ 223 – م 287] عن أم قيس بنت محصن الأسدية: (أنها جاءت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله).
وروى الترمذي [610] والحاكم [1/ 165] عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية).
فهي والخنثى يغسل من بولهما كالكبير.
وفي قول أن الجارية ملحقة بالغلام؛ لقول الشافعي: ولا يتبين لي فرق بينهما، ومراده: لا يتبين فرق من جهة المعنى وإن فرقت السنة بينهما.
وبهذا يظهر ضعف ما فرق به الأصحاب من أن بول الصبية ثخين أصفر منتن يلتصق بالمحل، بخلاف الصبي.
وأقوى ما قيل في ذلك: أن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث فيكثر حمل
وَمَا نَجِسَ بِغَيْرِهِمَا؛ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنٌ .. كَفَى جَرْيُ الْمَاءِ،
ــ
الذكور، فناسب التخفيف الكتفاء بالنضح؛ دفعا للحرج والعسر، بخلاف الإناث فإن هذا المعنى قليل فيهن، فيجري على القياس في غسل النجاسة.
ومنهم من فرق بما رواه ابن ماجه [525] عن أبي اليمان المصري قال: سألت الشافعي عن ذلك، فقال:
إن الله لما خلق آدم .. خلقت حواء من ضلعه القصير، فصار بول الغلام من الماء والطين، وبول الجارية من اللحم والدم.
والمراد بـ (لم يطعم): لم يستقل به، بحيث يصير له غذاء كالخبز ونحوه.
وقيل: لم يطعم شيئا غير اللبن أصلا.
أما تحنيك الصبي بالتمر والعسل .. فإنه لا يمنع من النضح قطعا، وكذلك السفوف ونحوه من الأدوية والأشربة التي يداوى بها.
وشرب اللبن بعد الحولين بمنزلة الطعام والشراب، ولهذا يغسل من بول الأعراب الذين لا يتناولون إلا اللبن.
و (النضح): الرش، يقال: نصحته أنصحه بالكسر.
و (النضخ) بالخاء المعجمة أكثر منه بالمهملة.
ولا بد من النضح من إيراد الماء على جميع المحل، ويشترط مع ذلك المغالبة والمكاثرة في أصح الوجهين، ولا يشترط جريان الماء وتقاطره؛ فإن ذلك غسل.
قال: (وما نجس بغيرهما) أي: بغير نجاسة الكلب وبول الصبي (إن لم تكن عين .. كفى جري الماء). وهذه النجاسة ليست مغلظة ولا مخففة، بل هي متوسطة، وهي: حكمية وعينية.
فـ (الحكمية): التي لا تشاهد بالبصر، ولا يدرك لها طعم ولا لون ولا رائحة، كالبول إذا جف وخفي أثره.
و (العينية): نقيض ذلك، وكلاهما يطهر بجري الماء سواء كان قلتين أو أقل؛
وَإِنْ كَانَتْ .. وَجَبَ إِزَالَةُ الطَّعْمِ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ عَسُرَ زَوَالُهُ،
ــ
لأن ذا الخويصرة بال في المسجد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه، رواه البخاري [221].
فلو لم يكن مطهرا له .. لم يأمر به؛ لأن صب الماء حينئذ يزيد النجاسة.
وعبارة المصنف أحسن من قول (المحرر): إجراء الماء؛ لأنه لا فرق بين إجرائه، وجريه بنفسه كمطر أو سيل.
والمراد بـ (الجري): وصول الماء إلى المحل بحيث يسيل عنه زائدا على التضح.
نعم صرح الجرجاني في (البلغة) باستحباب كون الماء سبعة أمثال الخمر والبول.
قال: (وإن كانت .. وجب إزالة الطعم)، أي: إذا كانت النجاسة عينية .. وجب بعد إزالة العين إزالة الطعم وإن عسر وشق؛ لأنه يدل على بقاء النجاسة.
ويظهر تصوير ذلك بما إذا دميت لثته؛ لأن ذوق المحل لاختباره لا يجوز.
قال: (ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله)، كلون دم الحيض والخضاب النجس في البدن، ورائحة الخمر العتيقة، وبعض أنواع العذرة للضرورة؛ لما روي عن خولة بنت يسار قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض، فال:(اغسليه)، فقلت: أغسله فيبقى أثره، فقال:(يكفيك ولا يضرك أثره) رواه أحمد [2/ 380] وأبو داوود [365] والبيهقي [2/ 408] والطبراني [طب 24/ 241]، لكن في روايته ابن لهيعة وهو ضعيف.
وتعبير المصنف بـ (لا يضر) يفهم: أن المحل لا يطهر، بل يعفى عنه كأثر الاستنجاء ودم البراغيث، وهو الذي أبداه الرافعي احتمالا.
والذي عليه الأكثرون: القول بالطهارة؛ لأنه لو كان معفوا عنه .. لتنجس الثوب المبلول إذا أصابه، وهنا لا ينجس بإصابة البلل.
وقد روت عائشة رضي الله عنها: أن نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم سألنه عن دم الحيض يصيب الثوب ويبقى فيه لون الدم بعد الغسل، فقال:(الطخنه بزعفران)، كذا استدل به الرافعي، وهو غريب.
وَفِي الرِّيحِ قَوْلٌ. قُلْتُ: فَإِنْ بَقِيَا مَعاً .. ضَرَّ عَلَى الصَّحِيحِ، واللهُ أَعْلَمُ. ويُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ،
ــ
قال: (وفي الريح قول)، وقيل: وجه، كما لو بقي اللون الذي تسهل إزالته أو الطعم .. فإنه تجب إزالته بلا خلاف، ولأن بقاء الريح يدل على بقاء العين.
قال: (قلت: فإن بقيا معا .. ضر على الصحيح والله أعلم)؛ لقوة دلالتهما على بقاء العين.
والثاني: لا يضر؛ لأنهما مغتفران مفردين، فاغتفرا مجتمعين.
هذا إذا كانا في محل واحد، فإن بقيا متفرقين .. لم يضر.
وإذا توقفت الإزالة على الأشنان أو الحت أو القرص .. وجب كما جزم به في (التحقيق)، وإن لم يتوقف زوال الأثر عليه .. استحب فعله للخروج من خلاف داوود؛ فإنه أوجبه لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام:(حتيه).
ولو صبغ يده بصبغ نجس، أو خضب يده أو شعره بحناء نجس، بأن خلط ببول أو خمر أو دم، وغسله فزالت وبقي اللون .. فهو طاهر على الأصح.
قال: (ويشترط ورود الماء)، بأن يضع الثوب النجس في شيء ويصب عليه الماء، فلو أورد الثوب النجس على الماء القليل تنجس الماء ولم يطهر الثوب.
وقال ابن سيرج: يطهر، فلم يفرق بين الوارد والمورود.
ويدل للمذهب قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه .. فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا)، نهى عن إيرادهما على الماء، وأمر بإيراد الماء عليهما، قدل على الفرق بينهما.
ووافق ابن سريج على أنه: إذا ألقت الريح ثوبا نجسا في ماء قليل .. أن الماء ننجس ولا يطهر الثوب.
فقيل: إن ذلك لاشتراطه النية في إزالة النجاسة، ووافقه أبو سهل الصعلوكي.
لَا الْعَصْرُ فِي الأَصَحِّ. وَالأَظْهَرُ: طَهَارَةُ غُسَالَةٍ تَنْفَصِلُ بِلَا تَغَيُّرٍ وَقَدْ طَهَرَ الْمَحَلُّ.
ــ
والمذهب: أنها لا تشترط، وادعى الماوردي الإجماع عليه.
وحكى ابن الصلاح وجها ثالثا: أنها إن كانت في البدن .. اشترطت، وإلا .. فلا.
قال: (لا العصر في الأصح) أي: فيما يمكن عصره؛ لعموم الأحاديث المتقدمة، ولأن الأصح: طهارة الغسالة كما سيأتي.
والثاني: يشترط العصر، بناء على أن الغسالة نجسة.
وعلى هذا: يقوم مقامه الجفاف على الأصح.
ووجهوا وجوب العصر بأن الماء الباقي نجس.
واستشكل ابن الصلاح الحكم عليه بالنجاسة قبل الانفصال، فلو عصره وبقيت رطوبة .. فهو طاهر بلا خلاف.
قال في (المهمات): وأطلق الشيخان الخلاف في العصر.
ومحله: إذا صب الماء عليه في إجانة ونحوها وبقيا معا. فأما لو صب عليه وهو في يده فجرى عليه .. فلا حاجة إلى العصر.
قال: (والأظهر: طهارة غسالة تنفصل بلا تغير وقد طهر المحل)؛ لأن البلل الباقي في المحل بعض المنفصل فكان له حكمه.
فعلى هذا: يكون المنفصل طاهرا غير طهور؛ لأنه مستعمل في الخبث.
وإن لم يطهر المحل .. فالغسالة نجسة؛ لأنها بعض المتصل، والمتصل نجس.
والقول الثاني – وهو القديم، واختاره الشيخ -: أن الغسالة طاهرة مطلقا.
أما بعد طهارة المحل .. فلأنها لو كانت نجسة .. لكان البلل الباقي في المحل نجسا، وأدى إلى أن لا يطهر الثوب أبدا.
وأما قبل طهارة المحل .. فلأنا جعلنا للوارد قوة فلا يتأثر بالنجاسة، والبلل الباقي
وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ .. تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ، وَقِيلَ: يَطْهُرُ الدُّهْنُ بِغَسْلِهِ.
ــ
في الثوب مع النجاسة ليس بنجس وإن كان مجاورا للنجاسة.
قال: وأما جعل حكم الغسالة كحكم المحل فلا دليل عليه.
وقال الإمام والغزالي: إن زاد وزن الغسالة .. كانت نجسة.
وقضية إطلاق الجمهور: أنه لا فرق.
وإذا انفصلت الغسالة متغيرة .. فالمحل باق على نجاسته على الأصح، والغسالة نجسة قطعا.
ومحل الخلاف: في المستعمل في واجب الإزالة، أما المستعمل في مندوبها كالغسلة الثانية والثالثة .. فطاهر طهور في الأصح، والثاني: كالمستعمل في واجب.
وفيما إذا لم يزد وزنها، فإن زاد .. فالأصح: القطع بالنجاسة.
وفي الماء القليل، فلو كانت الغسالة قلتين .. فطاهرة قطعا مطهرة على المذهب.
قال: (ولو تنجس مائع .. تعذر تطهيره) أما غير الأدهان كالخل والعسل .. فبلا خلاف؛ إذ لا يمكن انفصال النجاسة عنه.
وأما الأدهان .. فلأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن، فقال:(إن كان جامدا .. فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا .. فلا تقربوه) رواه أبو داوود [3838]، وصححه ابن حبان [1392].
ولو كان تطهيره بالغسل جائزا .. لأرشدهم إليه ولم يأمر باجتناب المائع ولا بإلقاء ما حولها في الجامد، وهو: الذي إذا أخذ منه جزء لم يتراد من الباقي ما يملأ موضعه عن قرب، فإن تراد .. فمائع.
قال: (وقيل: يطهر الدهن بغسله)؛ قياسا على الثوب، وذلك بأن يجعله في إناء ويصب عليه الماء، ثم يحركه ليصل الماء إلى جميع أجزائه، فيعلو الدهن ويفتح أسفله حتى يخرج الماء.
وقيل: السمن لا يطهر، ويطهر ما عداه.
ومخل الخلاف: فيما إذا تنجس الدهن ببول أو خمر ونحوهما مما لا دهنية فيه، فإن كان المنجس له ودك كدهن الميتة .. لم يطهر بلا خلاف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تتمة:
نص الشافعي رضي الله عنه في آخر (باب صلاة الخوف) على أن: السيف إذا أحمي بالنار، ووضع عليه سم نجس، ثم غسل بالماء .. طهر؛ لأن الطهارات على ما يظهر لا على الأجواف. وللأصحاب رحمهم الله تعالى في هذه المسألة وجهان، هذا أصحهما عند المصنف.
والثاني: تتوقف طهارة باطنها على سقيا ثانيا بماء طهور، وبه أجاب القاضي والمتولي.
والمصنف صحح في الآخر: أنه إذا غسل .. طهر ظاهره وباطنه إن كان رخوا، وإن كان صلبا .. طهر ظاهره فقط إلا أن يدق حتى يصير ترابا ثم يفاض عليه الماء، ولا وجه إلا تسوية الحكمين.
ولو طبخ اللحم بماء نجس .. تنجس باطنه وظاهره، وفي كيفية طهارته وجهان:
أحدهما: يغسل ثم يعصر كالبساط.
والثاني: يشترط أن يغلى بماء طهور، واختار الشاشي الاكتفاء بالغسل، وهو المنصوص.
* * *
خاتمة
قال في (الكفاية): اتفقوا على أنه لا يمكن تطهير الزئبق، وفصل في (الروضة) بين ما ينقطع وغيره، وبهذا التفصيل قال أبو علي السنجي والمحاملي والبغوي وغيرهم.
وتطهر الأرض المتنجسة بالمكاثرة بالماء.
وقال أبو حنيفة: إذا يبست .. طهرت؛ لما رواه أبو داوود [385] عن ابن عمر أنه قال: (كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت شابا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عزبا، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك).
قال الخطابي: الحديث صحيح، ولكنه يحمل على أن الكلاب كانت تبول في مواطنها، وتقبل وتدبر في المسجد، وفي هذا التأويل نظر؛ لأن آخر الحديث يرده.
وقيل: يشترط في تطهير الأرض نضوب الماء.
وقيل: يشترط سبعة أمثال البول.
وقيل: لبول كل رجل دلو.
والوجهان منصوصان في (الأم)، فهما قولان.
وعن الشيخ أبي محمد: لا يطهر البئر إلا بالطم ثم تحفر.
وفي القديم قول: أن الأرض النجسة تطهر بزوال أثر النجاسة بالشمس والريح ومرور الزمن.
* * *