الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُمْكِنَةً، فَإِنْ جَاءَ بَعْدَهَا وَاوٌ أُخْرَى وَجَبَ إِظْهَارُهُمَا وَاللَّفْظُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا نَحْوَ: آمَنُوا وَعَمِلُوا، قَالُوا وَهُمْ.
وَالْيَاءُ: فَلْيَعْتَنِ بِإِخْرَاجِهَا مُحَرَّكَةً بِلُطْفٍ وَيُسْرٍ خَفِيفَةً نَحْوَ: تَرَيِنَّ وَ (لَاشِيَةَ) ، وَمَعَايِشَ، وَلْيَحْتَرِزْ مِنْ قَلْبِهَا فِيهِمَا هَمْزَةً وَلِيُحْسِنْ فِي تَمْكِينِهَا إِذَا جَاءَتْ حَرْفَ مَدٍّ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَهَا يَاءٌ مُحَرَّكَةٌ نَحْوَ فِي يَوْمٍ، الَّذِي يُوَسْوِسُ، وَإِذَا أَتَتْ مُشَدَّدَةً فَلْيَتَحَفَّظْ مِنْ لَوْكِهَا وَمَطِّهَا نَحْوَ: إِيَّاكَ، وَعِتِيًّا، وَبِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا، فَكَثِيرًا مَا يَتَوَاهَنُ فِي تَشْدِيدِهَا وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ أُخْتِهَا فَيَلْفِظُ بِهِمَا لَيِّنَتَيْنِ مَمْضُوغَتَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْبُوَ اللِّسَانُ بِهِمَا نَبْوَةً وَاحِدَةً، وَبَعْضُ الْقُرَّاءِ يُبَالِغُ فِي تَشْدِيدِهَا فَيُحَصْرِمُهَا وَلَيْتَهُ لَوْ يُخَضْرِمُهَا.
(فَهَذَا) مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى تَجْوِيدِ الْحُرُوفِ مُرَكَّبَةً، وَالْمُشَافَهَةُ تَكْشِفُ حَقِيقَةَ ذَلِكَ، وَالرِّيَاضَةُ تُوَصِّلُ إِلَيْهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تبارك وتعالى.
وَأَمَّا
الْوُقُوفُ وَالِابْتِدَاءُ
فَلَهُمَا حَالَتَانِ: (الْأُولَى) مَعْرِفَةُ مَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَمَا يُبْتَدَأُ بِهِ (وَالثَّانِيَةُ) كَيْفَ يُوقَفُ وَكَيْفَ يُبْتَدَأُ، وَهَذِهِ تَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَاتِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْوَقْفِ عَلَى أَوَاخِرِ الْكَلِمِ وَمَرْسُومِ الْخَطِّ.
وَالْكَلَامُ هُنَا عَلَى مَعْرِفَةِ مَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَيُبْتَدَأُ بِهِ، وَقَدْ أَلَّفَ الْأَئِمَّةُ فِيهَا كُتُبًا قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَمُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا أَتَيْتُ عَلَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتَقْصَيْتُهُ فِي كِتَابِ (الِاهْتِدَا إِلَى مَعْرِفَةِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَا) وَذَكَرْتُ فِي أَوَّلِهِ مُقَدِّمَتَيْنِ جَمَعْتُ بِهِمَا أَنْوَاعًا مِنَ الْفَوَائِدِ. ثُمَّ اسْتَوْعَبْتُ أَوْقَافَ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً، وَهَا أَنَا أُشِيرُ إِلَى زُبَدِ مَا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فَأَقُولُ.
لَمَّا لَمْ يُمْكِنِ لِلْقَارِئِ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ، أَوِ الْقِصَّةَ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَجْرِ التَّنَفُّسُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ حَالَةَ الْوَصْلِ، بَلْ ذَلِكَ كَالتَّنَفُّسِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلِمَةِ وَجَبَ حِينَئِذٍ اخْتِيَارُ وَقْفٍ لِلتَّنَفُّسِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَتَعَيَّنَ ارْتِضَاءُ ابْتِدَاءٍ بَعْدَ التَّنَفُّسِ وَالِاسْتِرَاحَةِ،
وَتَحَتَّمَ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى وَلَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ، إِذْ بِذَلِكَ يَظْهَرُ الْإِعْجَازُ وَيَحْصُلُ الْقَصْدُ ; وَلِذَلِكَ حَضَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ مَا قَدَّمْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَوْلُهُ: التَّرْتِيلُ مَعْرِفَةُ الْوُقُوفِ وَتَجْوِيدُ الْحُرُوفِ، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: قَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا، وَإِنَّ أَحَدَنَا لِيُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا وَأَمْرَهَا وَزَاجِرَهَا وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا. فَفِي كَلَامِ عَلِيٍّ رضي الله عنه دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَعَلُّمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَصَحَّ، بَلْ تَوَاتَرَ عِنْدَنَا تَعَلُّمُهُ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ كَأَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ إِمَامِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْيَانِ التَّابِعِينَ وَصَاحِبِهِ الْإِمَامِ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَيَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ وَعَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَكَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ، وَنُصُوصُهُمْ عَلَيْهِ مَشْهُورَةٌ فِي الْكُتُبِ، وَمِنْ ثَمَّ اشْتَرَطَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْخَلَفِ عَلَى الْمُجِيزِ أَنْ لَا يُجِيزَ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ الْوَقْفَ وَالِابْتِدَاءَ، وَكَانَ أَئِمَّتُنَا يُوقِفُونَنَا عِنْدَ كُلِّ حَرْفٍ وَيُشِيرُونَ إِلَيْنَا فِيهِ بِالْأَصَابِعِ سُنَّةً أَخَذُوهَا كَذَلِكَ عَنْ شُيُوخِهِمُ الْأَوَّلِينَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وَصَحَّ عِنْدَنَا عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ عِلْمًا وَفِقْهًا وَمُقْتَدًى أَنَّهُ قَالَ: إِذَا قَرَأْتَ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ فَلَا تَسْكُتْ حَتَّى تَقْرَأَ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
وَقَدِ اصْطَلَحَ الْأَئِمَّةُ لِأَنْوَاعِ أَقْسَامِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ أَسْمَاءَ، وَأَكْثَرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ طَيْفُورٍ السَّنْجَاوَنْدِيُّ، وَخَرَجَ فِي مَوَاضِعَ عَنْ حَدِّ مَا اصْطَلَحَهُ وَاخْتَارَهُ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِي: الِاهْتِدَاءُ، وَأَكْثَرُ مَا ذَكَرَ النَّاسُ فِي أَقْسَامِهِ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ وَلَا مُنْحَصِرٍ.
وَأَقْرَبُ مَا قُلْتُهُ فِي ضَبْطِهِ أَنَّ الْوَقْفَ يَنْقَسِمُ إِلَى اخْتِيَارِيٍّ وَاضْطِرَارِيِّ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ إِمَّا أَنْ يَتِمَّ أَوَّلًا، فَإِنْ تَمَّ كَانَ اخْتِيَارِيًّا، وَكَوْنُهُ تَامًّا لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ لَا
يَكُونَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا بَعْدَهُ الْبَتَّةَ -، أَيْ: لَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى - فَهُوَ الْوَقْفُ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ (بِالتَّامِّ) لِتَمَامِهِ الْمُطْلَقِ، يُوقَفُ عَلَيْهِ وَيُبْتَدَأُ بِمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ فَلَا يَخْلُو هَذَا التَّعَلُّقُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَقَطْ، وَهُوَ الْوَقْفُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ (بِالْكَافِي) لِلِاكْتِفَاءِ بِهِ عَمَّا بَعْدَهُ، وَاسْتِغْنَاءِ مَا بَعْدَهُ عَنْهُ، وَهُوَ كَالتَّامِّ فِي جَوَازِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءِ بِمَا بَعْدَهُ. وَإِنْ كَانَ التَّعَلُّقُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَهُوَ الْوَقْفُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ (بِالْحَسَنِ) ; لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ مُفِيدٌ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ دُونَ الِابْتِدَاءِ بِمَا بَعْدَهُ لِلتَّعَلُّقِ اللَّفْظِيِّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسَ آيَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي اخْتِيَارِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَدَاءِ لِمَجِيئِهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَرَأَ قَطَّعَ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ يَقِفُ، ثُمَّ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ يَقِفُ، ثُمَّ يَقُولُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ سَاكِتًا عَلَيْهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَكَذَلِكَ عَدَّ بَعْضُهُمُ الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ فِي ذَلِكَ سُنَّةً، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا: الْأَفْضَلُ الْوُقُوفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيَاتِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا. قَالُوا: وَاتِّبَاعُ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَّتِهِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ اضْطِرَارِيًّا، وَهُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ (بِالْقَبِيحِ) لَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ مِنَ انْقِطَاعِ نَفَسٍ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، أَوْ لِفَسَادِ الْمَعْنَى.
(فَالْوَقْفُ التَّامُّ) أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي رُءُوسِ الْآيِ وَانْقِضَاءِ الْقَصَصِ نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالِابْتِدَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَنَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَالِابْتِدَاءِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وَنَحْوَ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالِابْتِدَاءِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَنَحْوَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَالِابْتِدَاءِ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَنَحْوَ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
وَالِابْتِدَاءِ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ وَنَحْوَ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَالِابْتِدَاءِ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ، وَقَدْ تَكُونُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْفَاصِلَةِ نَحْوَ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً هَذَا انْقِضَاءُ حِكَايَةِ كَلَامِ بِلْقِيسَ، ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى -: وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ رَأْسُ آيَةٍ. وَقَدْ يَكُونُ وَسَطَ الْآيَةِ نَحْوَ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي هُوَ تَمَامُ حِكَايَةِ قَوْلِ الظَّالِمِ وَهُوَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى (وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا)، وَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْآيَةِ بِكَلِمَةٍ نَحْوَ:(لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا) آخِرَ الْآيَةِ. أَوْ كَذَلِكَ كَانَ خَبَرُهُمْ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَقْدِيرِهِ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ التَّمَامُ، وَنَحْوَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ، وَهُوَ آخِرُ الْآيَةِ التَّمَامِ وَبِاللَّيْلِ، أَيْ: مُصْبِحِينَ وَمُلَيَّلِينَ وَنَحْوَهُ وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ آخَرَ الْآيَةِ، وَالتَّمَامُ وَزُخْرُفًا، وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ تَامًّا عَلَى التَّفْسِيرِ، أَوْ إِعْرَابٍ وَيَكُونُ غَيْرَ تَامٍّ عَلَى آخَرَ نَحْوَ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَقْفٌ تَامٌّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِهِ وَقَالَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وَالْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَسِوَاهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ عُرْوَةُ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ لَا يَعْلَمُونَ التَّأْوِيلَ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ تَامٍّ عِنْدَ آخَرِينَ وَالتَّمَامُ عِنْدَهُمْ عَلَى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فَهُوَ عِنْدُهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ، وَنَحْوَ الم وَنَحْوَهُ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ فَوَاتِحِ السُّوَرِ الْوَقْفُ عَلَيْهَا تَامٌّ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ، أَوِ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا، أَيْ: هَذَا ألم، أَوْ ألم هَذَا، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ: قُلْ ألم عَلَى اسْتِئْنَافِ مَا بَعْدَهَا، وَغَيْرُ تَامٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا هُوَ الْخَبَرَ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ تَامًّا عَلَى قِرَاءَةٍ وَغَيْرَ تَامٍّ عَلَى أُخْرَى نَحْوَ: مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ خَاءَ وَاتَّخِذُوا وَكَافِيًا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ فَتَحَهَا، وَنَحْوَ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ الِاسْمَ الْجَلِيلَ بَعْدَهَا، وَحَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ خَفَضَ.
وَقَدْ يَتَفَاضَلُ التَّامُّ فِي التَّمَامِ نَحْوَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَإِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
كِلَاهُمَا تَامٌّ، إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَتَمُّ مِنَ الثَّانِي لِاشْتِرَاكِ الثَّانِي فِيمَا بَعْدَهُ فِي مَعْنَى الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
(وَالْوَقْفُ الْكَافِي) يُكْثِرُ مِنَ الْفَوَاصِلِ وَغَيْرِهَا نَحْوَ (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَعَلَى: مِنْ قَبْلِكَ، وَعَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ، وَكَذَا: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَكَذَا: إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، وَكَذَا: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) هَذَا كُلُّهُ كَلَامٌ مَفْهُومٌ، وَالَّذِي بَعْدَهُ كَلَامٌ مُسْتَغْنٍ عَمَّا قَبْلَهُ لَفْظًا، وَإِنِ اتَّصَلَ مَعْنًى.
وَقَدْ يَتَفَاضَلُ فِي الْكِفَايَةِ كَتَفَاضُلِ التَّامِّ نَحْوَهُ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ كَافٍ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا أَكْفَى مِنْهُ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ أَكْفَى مِنْهُمَا وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ التَّفَاضُلُ فِي رُءُوسِ الْآيِ نَحْوَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ كَافٍ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ أَكْفَى. نَحْوَ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ كَافٍ وَكُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أَكْفَى، وَنَحْوَ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا كَافٍ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أَكْفَى. وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ كَافِيًا عَلَى تَفْسِيرٍ، أَوْ إِعْرَابٍ وَيَكُونُ غَيْرَ كَافٍ عَلَى آخَرَ نَحْوَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ كَافٍ: إِذَا جَعَلْتَ - مَا - بَعْدَهُ نَافِيَةً. فَإِنْ جُعِلَتْ مَوْصُولَةً كَانَ حَسَنًا فَلَا يُبْتَدَأُ بِهَا، وَنَحْوَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ كَافٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَحَسَنٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ خَبَرًا الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ أَوْ خَبَرٌ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ، وَقَدْ يَكُونُ كَافِيًا عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ كَافٍ عَلَى قِرَاءَةٍ أُخْرَى نَحْوَ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ أَمْ تَقُولُونَ بِالْخِطَابِ وَتَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْغَيْبِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَدَّمْنَا فِي التَّامِّ، وَنَحْوَ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ فَيَغْفِرُ وَيُعَذِّبُ وَحَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ جَزَمَ، وَنَحْوَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ (وَأَنَّ) وَحَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَتْحِ.
وَالْوَقْفُ الْحَسَنُ نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى الْحَمْدُ لِلَّهِ وَعَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَعَلَى (الرَّحْمَنِ، وَعَلَى: الرَّحِيمِ، وَالصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) الْوَقْفُ عَلَى
ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ حَسَنٌ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ يُفْهَمُ، وَلَكِنَّ الِابْتِدَاءَ بِ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَصِرَاطَ الَّذِينَ، وَغَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) لَا يَحْسُنُ لِتَعَلُّقِهِ لَفْظًا، فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِمَا قَبْلَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ رَأْسَ آيَةٍ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنَّهُ سُنَّةٌ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ حَسَنًا عَلَى تَقْدِيرٍ، وَكَافِيًا عَلَى آخَرَ، وَتَامًّا عَلَى غَيْرِهِمَا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا إِذَا جَعَلَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ نَعْتًا لِلْمُتَّقِينَ، وَأَنْ يَكُونَ كَافِيًا إِذَا جَعَلَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ رَفَعًا بِمَعْنَى: هُمُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، أَوْ نَصْبًا بِتَقْدِيرِ أَعْنِي الَّذِينَ. وَأَنْ يَكُونَ تَامًّا إِذَا جَعَلَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ مُبْتَدَأً، وَخَبَرُهُ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ.
(وَالْوَقْفُ الْقَبِيحُ) نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى: بِسْمِ، وَعَلَى: الْحَمْدُ، وَعَلَى: رَبِّ، وَمَلَكَ يَوْمَ، وَإِيَّاكَ، وَصِرَاطَ الَّذِينَ، وَغَيْرِ الْمَغْضُوبِ. فَكُلُّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَيْهِ كَلَامٌ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى.
وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ أَقْبَحَ مِنْ بَعْضٍ كَالْوَقْفِ عَلَى مَا يُحِيلُ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ فَإِنَّ الْمَعْنَى بِهَذَا الْوَقْفِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْبِنْتَ مُشْتَرِكَةٌ فِي النِّصْفِ مَعَ أَبَوَيْهِ. وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ النِّصْفَ لِلْبِنْتِ دُونَ الْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْأَبَوَيْنِ بِمَا يَجِبُ لَهُمَا مَعَ الْوَلَدِ. وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى إِذِ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَوْتَى يَسْتَجِيبُونَ مَعَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَوْتَى لَا يَسْتَجِيبُونَ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُبْعَثُونَ مُسْتَأْنِفًا بِهِمْ، وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا مَا يُحِيلُ الْمَعْنَى وَيُؤَدِّي إِلَى مَا لَا يَلِيقُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي، وَلَا يَبْعَثُ اللَّهُ، وَلِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ، وَفَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) فَالْوَقْفُ
عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ لَا يَجُوزُ إِلَّا اضْطِرَارًا لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ عَارِضٍ لَا يُمْكِنُهُ الْوَصْلُ مَعَهُ، فَهَذَا حُكْمُ الْوَقْفِ اخْتِيَارِيًّا وَاضْطِرَارِيًّا.
(وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ) فَلَا يَكُونُ إِلَّا اخْتِيَارِيًّا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْوَقْفِ تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِمُسْتَقِلٍّ بِالْمَعْنَى مُوفٍ بِالْمَقْصُودِ، وَهُوَ فِي أَقْسَامِهِ كَأَقْسَامِ الْوَقْفِ الْأَرْبَعَةِ، وَيَتَفَاوَتُ تَمَامًا وَكِفَايَةً وَحُسْنًا وَقُبْحًا بِحَسَبِ التَّمَامِ وَعَدَمِهِ وَفَسَادِ الْمَعْنَى إِحَالَتِهِ نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى وَمِنَ النَّاسِ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ بِالنَّاسِ قَبِيحٌ، وَيُؤْمِنُ تَامٌّ. فَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقُولُ: كَانَ الِابْتِدَاءُ بِ " يَقُولُ " أَحْسَنُ مِنَ ابْتِدَائِهِ بِمَنْ، وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى خَتَمَ اللَّهُ قَبِيحٌ وَالِابْتِدَاءُ بِاللَّهِ أَقْبَحُ، وَبِخَتَمَ كَافٍ وَالْوَقْفُ عَلَى عُزَيْرٌ ابْنُ، وَالْمَسِيحُ ابْنُ قَبِيحٌ، وَالِابْتِدَاءُ بِ ابْنِ أَقْبَحُ، وَالِابْتِدَاءُ بِ عَزِيزٌ وَالْمَسِيحُ أَقْبَحُ مِنْهُمَا. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَا وَعَدَنَا اللَّهُ ضَرُورَةً كَانَ الِابْتِدَاءُ بِالْجَلَالَةِ قَبِيحًا، وَبِوَعَدَنَا أَقْبَحَ مِنْهُ، وَبِمَا أَقْبَحُ مِنْهُمَا، وَالْوَقْفُ عَلَى بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ لِلضَّرُورَةِ وَالِابْتِدَاءِ بِمَا بَعْدَهُ قَبِيحٌ. وَكَذَا بِمَا قَبْلَهُ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ.
وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ حَسَنًا وَالِابْتِدَاءُ بِهِ قَبِيحًا نَحْوَ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ الْوَقْفُ عَلَيْهِ حَسَنٌ لِتَمَامِ الْكَلَامِ، وَالِابْتِدَاءُ بِهِ قَبِيحٌ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، إِذْ يَصِيرُ تَحْذِيرًا مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ قَبِيحًا وَالِابْتِدَاءُ بِهِ جَيِّدًا نَحْوَ (مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا) فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَى هَذَا قَبِيحٌ عِنْدَنَا لِفَصْلِهِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ، وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى مَرْقَدِنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ، وَالِابْتِدَاءُ بِ (هَذَا) كَافٍ أَوْ تَامٌّ ; لِأَنَّهُ وَمَا بَعْدَهُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ رَدَّ بِهَا قَوْلَهُمْ.
تَنْبِيهَاتٌ
(أَوَّلُهَا) قَوْلُ الْأَئِمَّةِ: لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْفِعْلِ دُونَ الْفَاعِلِ، وَلَا عَلَى الْفَاعِلِ دُونَ الْمَفْعُولِ، وَلَا عَلَى الْمُبْتَدَأِ دُونَ الْخَبَرِ،
وَلَا عَلَى نَحْوِ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا، وَإِنَّ وَأَخَوَاتِهَا دُونَ أَسْمَائِهَا، وَلَا عَلَى النَّعْتِ دُونَ الْمَنْعُوتِ، وَلَا عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَعْطُوفِ، وَلَا عَلَى الْقَسَمِ دُونَ جَوَابِهِ، وَلَا عَلَى حَرْفٍ دُونَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوهُ وَبَسَطُوهُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْجَوَازَ الْأَدَائِيَّ، وَهُوَ الَّذِي يَحْسُنُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَيَرُوقُ فِي التِّلَاوَةِ، وَلَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَلَا مَكْرُوهٌ، وَلَا مَا يُؤَثِّمُ، بَلْ أَرَادُوا بِذَلِكَ الْوَقْفَ الِاخْتِيَارِيَّ الَّذِي يُبْتَدَأُ بِمَا بَعْدَهُ. وَكَذَلِكَ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ حَيْثُ اضْطَرَّ الْقَارِئُ إِلَى الْوَقْفِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ قَطْعِ نَفَسٍ، أَوْ نَحْوِهِ مِنْ تَعْلِيمٍ، أَوِ اخْتِبَارٍ جَازَ لَهُ الْوَقْفُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَعْتَمِدُ فِي الِابْتِدَاءِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعَوْدَةِ إِلَى مَا قَبْلُ فَيَبْتَدِئُ بِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا مَنْ يَقْصِدُ بِذَلِكَ تَحْرِيفَ الْمَعْنَى عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَخِلَافَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَجِبُ رَدْعُهُ بِحَسَبِهِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(ثَانِيهَا) لَيْسَ كُلُّ مَا يَتَعَسَّفُهُ بَعْضُ الْمُعْرِبِينَ أَوْ يَتَكَلَّفُهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ، أَوْ يَتَأَوَّلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِمَّا يَقْتَضِي وَقْفًا وَابْتِدَاءً يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَمَّدَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ، بَلْ يَنْبَغِي تَحَرِّي الْمَعْنَى الْأَتَمِّ وَالْوَقْفِ الْأَوْجَهِ، وَذَلِكَ نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى وَارْحَمْنَا أَنْتَ، وَالِابْتِدَاءِ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى مَعْنَى النِّدَاءِ وَنَحْوَ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ ثُمَّ الِابْتِدَاءُ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا وَنَحْوَ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ ثُمَّ الِابْتِدَاءُ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ عَلَى مَعْنَى الْقَسَمِ، وَنَحْوَ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ وَنَحْوَ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا وَيُبْتَدَأُ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا، وَعَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَعْنَى وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ، وَنَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى وَهُوَ اللَّهُ وَالِابْتِدَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ وَأَشَدُّ قُبْحًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالِابْتِدَاءُ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَنَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مَعَ وَصْلِهِ بِقَوْلِهِ: وَيَخْتَارُ عَلَى أَنَّ: " مَا " مَوْصُولَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا
أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى تُسَمَّى أَيْ: عَيْنًا مُسَمَّاةً مَعْرُوفَةً، وَالِابْتِدَاءُ (سَلْ سَبِيلًا) هَذِهِ جُمْلَةٌ أَمْرِيَةٌ، أَيِ: اسْأَلْ طَرِيقًا مُوَصِّلَةً إِلَيْهَا، وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّحْرِيفِ يُبْطِلُهُ إِجْمَاعُ الْمَصَاحِفِ عَلَى أَنَّهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى لَا رَيْبَ وَالِابْتِدَاءُ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ تَعَسُّفُ بَعْضِهِمْ، إِذْ وَقَفَ عَلَى وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ وَيَبْتَدِئَ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَيُبْقِي " يَشَاءُ " بِغَيْرِ فَاعِلٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ تَمَحُّلٌ وَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ يُعْرَفُ أَكْثَرُهُ بِالسِّبَاقِ وَالسِّيَاقِ.
(ثَالِثُهَا) مِنَ الْأَوْقَافِ مَا يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ لِبَيَانِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ مَا لَوْ وَصَلَ طَرَفَاهُ لَأَوْهَمَ مَعْنًى غَيْرَ الْمُرَادِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ السَّجَاوَنْدِيُّ لَازِمٌ وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِالْوَاجِبِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْوَاجِبَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ وَيَجِيءُ هَذَا فِي قِسْمِ التَّامِّ وَالْكَافِي، وَرُبَّمَا يَجِيءُ فِي الْحَسَنِ.
فَمِنَ التَّامِّ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ وَالِابْتِدَاءُ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَقَوْلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعَلَى الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مَعَ وَصْلِهِ بِمَا قَبْلَهُ عِنْدَ الْآخَرِينَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلِهِ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ وَالِابْتِدَاءُ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ لِئَلَّا يُوهِمَ الْعَطْفَ، وَنَحْوَ قَوْلِهِ أَصْحَابُ النَّارِ وَالِابْتِدَاءُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ لِئَلَّا يُوهِمَ النَّعْتَ، وَقَوْلُهُ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَالِابْتِدَاءُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لِئَلَّا يُوهِمَ وَصْلَ " مَا " وَعَطْفَهَا.
وَمِنَ الْكَافِي الْوَقْفُ عَلَى نَحْوِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ وَالِابْتِدَاءُ يُخَادِعُونَ اللَّهَ لِئَلَّا يُوهِمَ الْوَصْفِيَّةَ حَالًا، وَنَحْوِ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالِابْتِدَاءُ (وَالَّذِين اتَّقُوا) لِئَلَّا يُوهِمَ الظَّرْفِيَّةَ بِيَسْخَرُونَ، وَنَحْوِ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ لِئَلَّا يُوهِمَ التَّبْعِيضَ لِلْمُفَضَّلِ عَلَيْهِمْ، وَالصَّوَابُ جَعْلُهَا جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً فَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ
وَنَحْوِ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَالِابْتِدَاءُ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ مِنْ مَقُولِهِمْ، وَنَحْوِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَالِابْتِدَاءُ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ لِئَلَّا يُوهِمَ الْحَالِّيَّةَ، أَوِ الْوَصْفِيَّةَ، وَنَحْوِ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَالِابْتِدَاءُ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ، أَيْ: وَلَا هُمْ يَسْتَقْدِمُونَ لِئَلَّا يُوهِمَ الْعَطْفَ عَلَى جَوَابَ الشَّرْطَ، وَنَحْوِ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا وَالِابْتِدَاءُ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ لِئَلَّا يُوهِمَ الْحَالَ، وَنَحْوِ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَالِابْتِدَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لِئَلَّا يُوهِمَ الْوَصْفِيَّةَ، وَنَحْوِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ وَالِابْتِدَاءُ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ مُسْتَأْنَفًا لِئَلَّا يُوهِمَ النَّعْتَ، وَنَحْوِ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَالِابْتِدَاءُ سُبْحَانَهُ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَقَدْ مَنَعَ السَّجَاوَنْدِيُّ الْوَقْفَ دُونَهُ وَعَلَّلَهُ بِتَعْجِيلِ التَّنْزِيهِ وَأَلْزَمَ بِالْوَقْفِ عَلَى ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ لِإِيهَامِ كَوْنِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يُوصِلْ لِتَعْجِيلِ التَّنْزِيهِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ رحمه الله يَخْتَارُ الْوَقْفَ عَلَى أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا وَالِابْتِدَاءُ لَا يَسْتَوُونَ أَيْ: لَا يَسْتَوِي الْمُؤْمِنُ وَالْفَاسِقُ.
وَمِنَ الْحَسَنِ: الْوَقْفُ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى وَالِابْتِدَاءُ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ أَلَمْ تَرَ وَنَحْوِ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ وَالِابْتِدَاءُ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا وَنَحْوِ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ وَالِابْتِدَاءُ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ كُلُّ ذَلِكَ أَلْزَمَ السَّجَاوَنْدِيُّ بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْعَامِلَ فِي " إِذْ " الْفِعْلُ الْمُتَقَدِّمُ. وَكَذَا ذَكَرُوا الْوَقْفَ عَلَى وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَيُبْتَدَأُ وَتُسَبِّحُوهُ لِئَلَّا يُوهِمَ اشْتِرَاكَ عَوْدِ الضَّمَائِرِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي الْأَوَّلَيْنِ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ عز وجل، وَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمُ الْوَقْفَ عَلَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ قِيلَ: لِأَنَّ ضَمِيرَ عَلَيْهِ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " وَأَيَّدَهُ " لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَنُقِلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَمِنْ ذَلِكَ اخْتَارَ بَعْضَ الْوَقْفِ عَلَى وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ
وَالِابْتِدَاءُ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ إِشْعَارًا بِأَنَّ يُوسُفَ عليه السلام مِنَ الصَّادِقِينَ فِي دَعْوَاهُ.
(رَابِعُهَا) قَوْلُ أَئِمَّةِ الْوَقْفِ: لَا يُوقَفُ عَلَى كَذَا مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُبْتَدَأُ بِمَا بَعْدَهُ، إِذْ كُلَّمَا أَجَازُوا الْوَقْفَ عَلَيْهِ أَجَازُوا الِابْتِدَاءَ بِمَا بَعْدَهُ. وَقَدْ أَكْثَرَ السَّجَاوَنْدِيُّ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَبَالَغَ فِي كِتَابِهِ (لَا) وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ لَا تَقِفْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُ يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ وَأَكْثَرُهُ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَوَهَّمَ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ مِنْ مُقَلِّدِي السَّجَاوَنْدِيِّ أَنَّ مَنْعَهُ مِنَ الْوَقْفِ عَلَى ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ قَبِيحٌ، أَيْ: لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَلَا الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مِنَ الْحَسَنِ يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ فَصَارُوا إِذَا اضْطَرَّهُمُ النَّفَسُ يَتْرُكُونَ الْوَقْفَ الْحَسَنَ الْجَائِزَ وَيَتَعَمَّدُونَ الْوَقْفَ عَلَى الْقَبِيحِ الْمَمْنُوعِ، فَتَرَاهُمْ يَقُولُونَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ثُمَّ يَقُولُونَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَيَقُولُونَ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ ثُمَّ يَبْتَدِئُونَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ فَيَتْرُكُونَ الْوَقْفَ عَلَى (عَلَيْهِمْ، وَعَلَى الْمُتَّقِينَ) الْجَائِزَيْنِ قَطْعًا وَيَقِفُونَ عَلَى (غَيْرِ، وَالَّذِينَ) اللَّذَيْنِ تَعَمُّدُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا قَبِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُضَافٌ وَالثَّانِي مَوْصُولٌ وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ مِنْ تَعَمُّدِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ السَّجَاوَنْدِيِّ (لَا) فَلَيْتَ شِعْرِي، إِذْ مَنَعَ مِنَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ هَلْ أَجَازَ الْوَقْفَ عَلَى: غَيْرِ أَوِ: الَّذِينَ؟ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ السَّجَاوَنْدِيِّ بِقَوْلِهِ: (لَا)، أَيْ: لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يُبْتَدَأَ بِمَا بَعْدَهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَوْقَافِ.
وَمِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي مَنَعَ السَّجَاوَنْدِيُّ الْوَقْفَ عَلَيْهَا، وَهُوَ مِنَ الْكَافِي الَّذِي يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ مَعَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ. قَالَ: لِأَنَّ الَّذِينَ صِفَتُهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَازُ كَوْنُهُ تَامًّا وَكَافِيًا وَحَسَنًا، وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا كَوْنَهُ كَافِيًا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ صِفَةً لِلْمُتَّقِينَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنَ الْحَسَنِ وَسَوَّغَ ذَلِكَ كَوْنُهُ رَأْسَ آيَةٍ، وَكَذَلِكَ مَنَعَ الْوَقْفَ عَلَى يُنْفِقُونَ لِلْعَطْفِ وَجَوَازُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ
ذَكَرْنَا فِي (الِاهْتِدَاءِ) رِوَايَةَ أَبِي الْفَضْلِ الْخُزَاعِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ صَلَّى الْغَدَاةَ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبِ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ثُمَّ سَلَّمَ، وَأَيُّ مُقْتَدًى بِهِ أَعْظَمُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ تَرْجُمَانِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ ذَلِكَ: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَنَعَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْجَزَاءِ، فَكَانَ تَأْكِيدًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَلَوْ عَكَسَ فَجَعَلَهُ مِنَ الْوَقْفِ اللَّازِمِ لَكَانَ ظَاهِرًا، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ دُعَاءً عَلَيْهِمْ بِزِيَادَةِ الْمَرَضِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُعْرِبِينَ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ خَبَرٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى هَذَا كَافِيًا لِلتَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ فَقَطْ، فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَمْتَنِعُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ ; وَلِذَلِكَ قَطَعَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ بِكَوْنِهِ كَافِيًا وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ مَنَعَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ لِلْعَطْفِ بَأَوْ، وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ، قَالَ: وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ لَا يَبْقَى مَعَ الْفَصْلِ، وَقَدْ جَعَلَهُ الدَّانِيُّ وَغَيْرُهُ كَافِيًا أَوْ تَامًّا.
(قُلْتُ) : وَكَوْنُهُ كَافِيًا أَظْهَرُوا " أَوْ " هُنَا لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ كَمَا قَالَ السَّجَاوَنْدِيُّ ; لِأَنَّ " أَوْ " إِنَّمَا تَكُونُ لِلتَّخْيِيرِ فِي الْأَمْرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ لَا فِي الْخَبَرِ، بَلْ هِيَ لِلتَّفْصِيلِ، أَيْ: مِنَ النَّاظِرَيْنِ مَنْ يُشْبِهُهُمْ بِحَالِ ذَوِي صَيِّبٍ وَالْكَافُ مِنْ كَصَيِّبٍ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لِأَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ صَيِّبٍ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، أَيْ: كَأَصْحَابِ صَيِّبٍ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى مَا مَوْضِعُهُ رَفْعٌ وَهُوَ كَمَثَلِ الَّذِي، وَكَذَا قَوْلُهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: أَوْ كَظُلُمَاتٍ وَقَطَعَ الدَّانِيُّ بِأَنَّهُ تَامٌّ وَمِنْ ذَلِكَ: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ مَنَعَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ " الَّذِي " صِفَةُ الرَّبِّ تَعَالَى وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلرَّبِّ كَمَا ذَكَرَ بَلْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُوَ الَّذِي وَحَسُنَ الْقَطْعُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ صِفَةُ مَدْحٍ، وَجَوَّزَ مَكِّيٌّ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارٍ أَعْنِي وَأَجَازَ أَيْضًا نَصْبَهُ مَفْعُولًا بِ " تَتَّقُونَ " وَكِلَاهُمَا بَعِيدٌ، وَمِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْفَاسِقِينَ مَنَعَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ " الَّذِينَ " صِفَتُهُمْ، وَهُوَ كَ
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ سَوَاءٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي وُقُوفُ السَّجَاوَنْدِيِّ فَلَا يَغْتَرُّ بِكُلِّ مَا فِيهِ، بَلْ يَتْبَعُ فِيهِ الْأَصْوَبَ وَيَخْتَارُ مِنْهُ الْأَقْرَبَ.
(خِامِسُهَا) يُغْتَفَرُ فِي طُولِ الْفَوَاصِلِ وَالْقَصَصِ وَالْجُمَلِ الْمُعْتَرِضَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي حَالَةِ جَمْعِ الْقِرَاءَاتِ وَقِرَاءَةِ التَّحْقِيقِ وَالتَّرْتِيلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَرُبَّمَا أُجِيزَ الْوَقْفُ وَالِابْتِدَاءُ لِبَعْضِ مَا ذَكَرَ، وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ، وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ السَّجَاوَنْدِيُّ الْمُرَخَّصَ ضَرُورَةً وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَالْأَحْسَنُ تَمْثِيلُهُ بِنَحْوِ وَالنَّبِيِّينَ وَبِنَحْوِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَبِنَحْوِ عَاهَدُوا وَنَحْوِ كُلٍّ مِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ إِلَى آخِرِهِ، وَهُوَ إِلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، إِلَّا أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى آخِرِ الْفَاصِلَةِ قَبْلَهُ أَكْفَى، وَنَحْوِ كُلِّ فَوَاصِلَ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ وَهُوَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَنَحْوِ فَوَاصِلِ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ إِلَى جَوَابِ الْقَسَمِ عِنْدَ الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّينَ وَالزَّجَّاجِ وَهُوَ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ، وَقِيلَ: الْجَوَابُ كَمْ أَهْلَكْنَا، أَيْ: لَكُمْ وَحُذِفَتِ اللَّامُ. وَقِيلَ: الْجَوَابُ ص عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ صَدَقَ اللَّهُ، أَوْ مُحَمَّدٌ. وَقِيلَ: الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَقَدْ جَاءَكُمْ، أَوْ أَنَّهُ لَمُعْجِزٌ، أَوْ مَا الْأَمْرُ كَمَا تَزْعُمُونَ أَوْ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى فَوَاصِلِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا إِلَى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ; وَلِذَلِكَ أُجِيزَ الْوَقْفُ عَلَى لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ دُونَ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَعَلَى اللَّهُ الصَّمَدُ دُونَ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعْمُولَ " قُلْ "، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُحَقِّقُونَ يُقَدِّرُونَ إِعَادَةَ الْعَامِلِ، أَوْ عَامِلًا آخَرَ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِيمَا طَالَ.
(سَادِسُهَا) كَمَا اغْتُفِرَ الْوَقْفُ لِمَا ذُكِرَ قَدْ لَا يُغْتَفَرُ، وَلَا يَحْسُنُ فِيمَا قَصُرَ مِنَ الْجُمَلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ التَّعَلُّقُ لَفْظِيًّا نَحْوَ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ لِقُرْبِ الْوَقْفِ عَلَى: بِالرُّسُلِ، وَعَلَى: الْقُدُسِ، وَنَحْوَ مَالِكَ الْمُلْكِ لَمْ يَغْتَفِرُوا
الْقَطْعَ عَلَيْهِ لِقُرْبِهِ مِنْ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَذْكُرْ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ لِقُرْبِهِ مِنْ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَكَذَا لَمْ يَغْتَفِرْ كَثِيرٌ مِنْهُمُ الْوَقْفَ عَلَى وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ لِقُرْبِهِ مِنْ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَرْضَ الْوَقْفَ عَلَى وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ لِقُرْبِهِ مِنْ بِيَدِكَ الْخَيْرُ، وَكَذَا لَمْ يَرْضَوُا الْوَقْفَ عَلَى تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَعَلَى وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ لِقُرْبِهِ مِنْ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَمِنْ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَقَدْ يُغْتَفَرُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الْجَمْعِ وَطُولِ الْمَدِّ وَزِيَادَةِ التَّحْقِيقِ وَقَصْدِ التَّعْلِيمِ فَيَلْحَقُ بِمَا قَبْلُ لِمَا ذَكَرْنَا، بَلْ قَدْ يَحْسُنُ كَمَا أَنَّهُ إِذَا عَرَضَ مَا يَقْتَضِي الْوَقْفَ مِنْ بَيَانِ مَعْنًى أَوْ تَنْبِيهٍ عَلَى خَفِيٍّ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصُرَ، بَلْ وَلَوْ كَانَ كَلِمَةً وَاحِدَةً ابْتُدِئَ بِهَا كَمَا نَصُّوا عَلَى الْوَقْفِ عَلَى (بَلَى، وَكُلًّا) وَنَحْوِهِمَا مَعَ الِابْتِدَاءِ بِهِمَا لِقِيَامِ الْكَلِمَةِ مَقَامَ الْجُمْلَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.
(سَابِعُهَا) رُبَّمَا يُرَاعَى فِي الْوَقْفِ الِازْدِوَاجُ فَيُوَصَلُ مَا يُوقَفُ عَلَى نَظِيرِهِ مِمَّا يُوجَدُ التَّمَامُ عَلَيْهِ وَانْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ بِمَا بَعْدَهُ لَفْظًا، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ ازْدِوَاجِهِ نَحْوَ (لَهَا مَا كَسَبَتْ مَعَ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ) وَنَحْوَ (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ مَعَ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) وَنَحْوَ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ وَنَحْوَ (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ مَعَ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ مَعَ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) وَنَحْوَ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ مَعَ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) ، وَهَذَا اخْتِيَارُ نُصَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْوَقْفِ.
(ثَامِنُهَا) قَدْ يُجِيزُونَ الْوَقْفَ عَلَى حَرْفٍ، وَيُجِيزُ آخَرُونَ الْوَقْفَ عَلَى آخَرَ وَيَكُونُ بَيْنَ الْوَقْفَيْنِ مُرَاقَبَةٌ عَلَى التَّضَادِّ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَى أَحَدِهِمَا امْتَنَعَ الْوَقْفُ الْآخَرُ كَمَنْ أَجَازَ الْوَقْفَ عَلَى لَا رَيْبَ فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهُ عَلَى فِيهِ وَالَّذِي يُجِيزُهُ عَلَى فِيهِ لَا يُجِيزُهُ عَلَى لَا رَيْبَ وَكَالْوَقْفِ عَلَى (مَثَلًا) يُرَاقِبُ الْوَقْفَ عَلَى (مَا) مِنْ قَوْلِهِ (مَثَلًا مَا بَعُوضَةً) وَكَالْوَقْفِ عَلَى (مَا إِذَا) يُرَاقِبُ (مَثَلًا) وَكَالْوَقْفِ عَلَى وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ مُرَاقَبَةً وَكَالْوَقْفِ عَلَى وَقُودُ النَّارِ فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مُرَاقَبَةٌ، وَكَالْوَقْفِ عَلَى مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يُرَاقِبُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى مِنَ النَّادِمِينَ يُرَاقِبُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ نَبَّهَ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ فِي الْوَقْفِ الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَخَذَهُ مِنَ الْمُرَاقِبَةِ فِي الْعَرُوضِ.
(تَاسِعُهَا) لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أُصُولِ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ فِي الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ لِيُعْتَمَدَ فِي قِرَاءَةِ كُلِّ مَذْهَبِهِ، فَنَافِعٌ كَانَ يُرَاعِي مَحَاسِنَ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ بِحَسَبِ الْمَعْنَى كَمَا وَرَدَ عَنْهُ النَّصُّ بِذَلِكَ، وَابْنُ كَثِيرٍ رُوِّينَا عَنْهُ نَصًّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا وَقَفْتُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَا يُشْعِرُكُمْ، وَعَلَى إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) لَمْ أُبَالِ بَعْدَهَا وَقَفْتُ أَمْ لَمْ أَقِفْ. وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ يَقِفُ حَيْثُ يَنْقَطِعُ نَفَسُهُ، وَرَوَى عَنْهُ الْإِمَامُ الصَّالِحُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَنَّهُ كَانَ يُرَاعِي الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ مُطْلَقًا، وَلَا يَتَعَمَّدُ فِي أَوْسَاطِ الْآيِ وَقْفًا سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَبُو عَمْرٍو فَرُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَمَّدُ الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ وَيَقُولُ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَذَكَرَ عَنْهُ الْخُزَاعِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ حُسْنَ الِابْتِدَاءِ، وَذَكَرَ عَنْهُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ: أَنَّهُ يُرَاعِي حُسْنَ الْوَقْفِ، وَعَاصِمٌ ذَكَرَ عَنْهُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَنَّهُ كَانَ يُرَاعِي حُسْنَ الِابْتِدَاءِ، وَذَكَرَ الْخُزَاعِيُّ أَنَّ عَاصِمًا وَالْكِسَائِيَّ كَانَا يَطْلُبَانِ الْوَقْفَ مِنْ حَيْثُ يَتِمُّ الْكَلَامُ، وَحَمْزَةُ اتَّفَقَتِ الرُّوَاةُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ بَعْدَ انْقِطَاعِ النَّفَسِ، فَقِيلَ ; لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ التَّحْقِيقُ وَالْمَدُّ الطَّوِيلُ فَلَا يَبْلُغُ نَفَسُ الْقَارِئِ إِلَى وَقْفِ التَّمَامِ، وَلَا إِلَى الْكَافِي وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَمْ يَكُنْ يَتَعَمَّدُ وَقْفًا مُعَيَّنًا ; وَلِذَلِكَ آثَرَ وَصْلَ السُّورَةِ بِالسُّورَةِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ أَجْلِ التَّحْقِيقِ لَآثَرَ الْقَطْعَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَالْبَاقُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ كَانُوا يُرَاعُونَ حُسْنَ الْحَالَتَيْنِ وَقْفًا وَابْتِدَاءً، وَكَذَا حَكَى عَنْهُمْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْإِمَامَانِ أَبُو الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ وَالرَّازِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
(عَاشِرُهَا) فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْقَطْعِ وَالسَّكْتِ
هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جَرَتْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مُرَادًا بِهَا الْوَقْفُ غَالِبًا، وَلَا يُرِيدُونَ بِهَا غَيْرَ الْوَقْفِ إِلَّا مُقَيَّدَةً، وَأَمَّا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ فَإِنَّ الْقَطْعَ عِنْدَهُمْ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ رَأْسًا، فَهُوَ كَالِانْتِهَاءِ فَالْقَارِئُ بِهِ كَالْمُعْرِضِ عَنِ الْقِرَاءَةِ، وَالْمُنْتَقِلُ مِنْهَا إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى سِوَى الْقِرَاءَةِ كَالَّذِي يَقْطَعُ عَلَى حِزْبٍ، أَوْ وِرْدٍ، أَوْ عُشْرٍ، أَوْ فِي رَكْعَةٍ، ثُمَّ يَرْكَعُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْذِنُ بِانْقِضَاءِ الْقِرَاءَةِ وَالِانْتِقَالِ مِنْهَا إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ الَّذِي يُسْتَعَاذُ بَعْدَهُ لِلْقِرَاءَةِ الْمُسْتَأْنَفَةِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى رَأْسِ آيَةٍ ; لِأَنَّ رُءُوسَ الْآيِ فِي نَفْسِهَا مَقَاطِعُ.
(أَخْبَرَنَا) أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْفَيْرُوزَابَادِيُّ فِي آخَرِينَ مُشَافَهَةً عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ السَّعْدِيِّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَدَّادِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ حَيُّوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُنَادِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا خَلَفٌ عَنْ أَبِي سِنَانٍ هُوَ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا افْتَتَحَ أَحَدُكُمْ آيَةً يَقْرَؤُهَا فَلَا يَقْطَعُهَا حَتَّى يُتِمَّهَا، وَأَخْبَرَتْنَا بِهِ أُمُّ مُحَمَّدِ بِنْتُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيَّةُ إِذْنًا، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ جَدِّي، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ: إِذَا قَرَأَ أَحَدُكُمُ الْآيَةَ فَلَا يَقْطَعْهَا حَتَّى يُتِمَّهَا. قَالَ الْخُزَاعِيُّ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِرَاءَةُ بَعْضِ الْآيَةِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُتِمَّهَا فَيَرْكَعَ حِينَئِذٍ - قَالَ - فَأَمَّا جَوَازُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُصَلِّي فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ. قُلْتُ: كَلَامُ ابْنِ الْهُذَيْلِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَدَعْوَى الْخُزَاعِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْجَوَازِ لِغَيْرِ الْمُصَلِّي فِيهَا نَظَرٌ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَقَدْ) أَخْبَرَتْنِي بِهِ أَسْنَدَ مِنْ هَذَا الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ أُمُّ مُحَمَّدٍ سِتُّ الْعَرَبِ ابْنَةُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - فِيمَا شَافَهَتْنِي بِهِ بِمَنْزِلِهَا مِنَ الزَّاوِيَةِ الْأَرْمَوِيَّةِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ الْمَذْكُورُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرَةٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الصَّفَّارِ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَقْرَءُوا بَعْضَ الْآيَةِ وَيَدَعُوا بَعْضَهَا. وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ خَارِجَهَا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ هَذَا تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، وَقَوْلُهُ كَانُوا: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَالْوَقْفُ: عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الصَّوْتِ عَلَى الْكَلِمَةِ زَمَنًا يَتَنَفَّسُ فِيهِ عَادَةً بِنِيَّةِ اسْتِئْنَافِ الْقِرَاءَةِ إِمَّا بِمَا يَلِي الْحَرْفَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، أَوْ بِمَا قَبْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ جَوَازُهُ فِي أَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ لَا بِنِيَّةِ الْإِعْرَاضِ، وَتَنْبَغِي الْبَسْمَلَةُ مَعَهُ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَأْتِي فِي رُءُوسِ الْآيِ وَأَوْسَاطِهَا، وَلَا يَأْتِي فِي وَسَطِ كَلِمَةٍ، وَلَا فِيمَا اتَّصَلَ رَسْمًا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا بُدَّ مِنَ التَّنَفُّسِ مَعَهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ.
وَالسَّكْتُ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الصَّوْتِ زَمَنًا هُوَ دُونَ زَمَنِ الْوَقْفِ عَادَةً مِنْ غَيْرِ تَنَفُّسٍ، وَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَلِفَاظُ أَئِمَّتِنَا فِي التَّأْدِيَةِ عَنْهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى طُولِ السَّكْتِ وَقِصَرِهِ فَقَالَ: أَصْحَابُ سُلَيْمٍ عَنْهُ عَنْ حَمْزَةَ فِي السَّكْتِ عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَ الْهَمْزِ: سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ، وَقَالَ جَعْفَرٌ الْوَزَّانُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ خَلَّادٍ: لَمْ يَكُنْ يَسْكُتُ عَلَى السَّوَاكِنِ كَثِيرًا، وَقَالَ الْأُشْنَانِيُّ: سَكْتَةٌ قَصِيرَةٌ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ عَنِ الْكِسَائِيِّ: سَكَتَ سَكْتَةً مُخْتَلَسَةً مِنْ غَيْرِ إِشْبَاعٍ، وَقَالَ النَّقَّارُ عَنِ الْخَيَّاطِ: يَعْنِي الشُّمُونِيَّ عَنِ الْأَعْشَى تَسْكُتُ حَتَّى تَظُنَّ أَنَّكَ نَسِيتَ مَا بَعْدَ الْحَرْفِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ: وَقْفَةٌ يَسِيرَةٌ، وَقَالَ مَكِّيٌّ: وَقْفَةٌ خَفِيفَةٌ، وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ: وُقَيْفَةٌ، وَقَالَ أَبُو الْعِزِّ: بِسَكْتَةٍ يَسِيرَةٍ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَكْتِ الْقَاضِي عَنْ رُوَيْسٍ وَقَالَ الْحَافِظُ
أَبُو الْعَلَاءِ: يَسْكُتُ حَمْزَةُ وَالْأَعْشَى وَابْنُ ذَكْوَانَ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَوِيِّ وَالنَّهَاوَنْدِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ نَفَسٍ وَأَتَمُّهُمْ سَكْتَةً حَمْزَةُ وَالْأَعْشَى، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الْخَيَّاطِ: حَمْزَةُ وَقُتَيْبَةُ يَقِفَانِ وَقْفَةً يَسِيرَةً مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ سَكْتًا مُقَلَّلًا، وَقَالَ الدَّانِيُّ: سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، وَهَذَا لَفْظُهُ أَيْضًا فِي السَّكْتِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مِنْ جَامِعِ الْبَيَانِ قَالَ فِيهِ ابْنُ شُرَيْحٍ بِسَكْتَةٍ خَفِيفَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْفَحَّامِ: سَكْتَةٌ خَفِيفَةٌ. وَقَالَ أَبُو الْعِزِّ: مَعَ سَكْتَةٍ يَسِيرَةٍ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُبْهِجِ: وَقْفَةٌ تُؤْذِنُ بِإِسْرَارِهَا، أَيْ: بِإِسْرَارِ الْبَسْمَلَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُهْلَةِ وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ:
وَسَكْتُهُمُ الْمُخْتَارُ دُونَ تَنَفُّسٍ
وَقَالَ أَيْضًا
وَسَكْتَةُ حَفْصٍ دُونَ قَطْعٍ لَطِيفَةٌ
. وَقَالَ الدَّانِيُّ فِي ذَلِكَ بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ. وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ وُقَيْفَةٌ، وَقَالَ أَبُو الْعَلَاءِ وُقَيْفَةٌ. وَقَالَ ابْنُ غَلْبُونَ بِوَقْفَةٍ خَفِيفَةٍ، وَكَذَا قَالَ الْمَهْدَوِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْفَحَّامِ: سَكْتَةٌ خَفِيفَةٌ، وَقَالَ الْقَلَانِسِيُّ: فِي سَكْتِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ: يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا بِسَكْتَةٍ يَسِيرَةٍ، وَكَذَا قَالَ الْهَمَذَانِيُّ، وَقَالَ أَبُو الْعِزِّ: وَيَقِفُ عَلَى: ص، وَ " ق "، وَ " ن " وَقْفَةً يَسِيرَةً، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي الْجَامِعِ: وَاخْتِيَارِي فِيمَنْ تَرَكَ الْفَصْلَ سِوَى حَمْزَةَ أَنْ يَسْكُتَ الْقَارِئُ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ بِسَكْتَةٍ خَفِيفَةٍ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ شَدِيدَةٍ. فَقَدِ اجْتَمَعَتْ أَلْفَاظُهُمْ عَلَى أَنَّ السَّكْتَ زَمَنُهُ دُونَ زَمَنِ الْوَقْفِ عَادَةً وَهُمْ فِي مِقْدَارِهِ بِحَسَبِ مَذَاهِبِهِمْ فِي التَّحْقِيقِ وَالْحَدَرِ وَالتَّوَسُّطِ حَسْبَمَا تَحْكُمُ الْمُشَافَهَةُ، وَأَمَّا تَقْيِيدُهُمْ بِكَوْنِهِ دُونَ تَنَفُّسٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَيْضًا فِي الْمُرَادِ بِهِ آرَاءُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو شَامَةَ: الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِمْ دُونَ تَنَفُّسٍ إِلَى عَدَمِ الْإِطَالَةِ الْمُؤْذِنَةِ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْقِرَاءَةِ، وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: قَطْعُ الصَّوْتِ زَمَانًا قَلِيلًا أَقْصَرُ مِنْ زَمَنِ إِخْرَاجِ النَّفَسِ ; لِأَنَّهُ إِنْ طَالَ صَارَ وَقْفًا يُوجِبُ الْبَسْمَلَةَ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ ابْنُ بُصْخَانَ: أَيْ دُونَ مُهْلَةٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّنَفُّسِ هُنَا إِخْرَاجَ النَّفَسِ بِدَلِيلٍ أَنَّ الْقَارِئَ إِذَا أَخْرَجَ نَفَسَهُ مَعَ السَّكْتِ بِدُونِ مُهْلَةٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّنَفُّسَ هُنَا بِمَعْنَى الْمُهْلَةِ. وَقَالَ ابْنُ جُبَارَةَ: دُونَ تَنَفُّسٍ يُحْتَمَلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا سُكُوتٌ يُقْصَدُ بِهِ الْفَصْلُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ
لَا السُّكُوتُ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْقَارِئُ التَّنَفُّسَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ سُكُوتٌ دُونَ السُّكُوتِ لِأَجْلِ التَّنَفُّسِ، أَيْ: أَقْصَرُ مِنْهُ، أَيْ: دُونَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْقِصَرِ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إِذَا حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَعْلَمَ مِقْدَارَ السُّكُوتِ لِأَجْلِ التَّنَفُّسِ حَتَّى يَجْعَلَ هَذَا دُونَهُ فِي الْقِصَرِ. قَالَ: وَيَعْلَمُ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ وَعُرْفِ الْقُرَّاءِ.
(قُلْتُ) : الصَّوَابُ حَمْلُ دُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: دُونَ تَنَفُّسٍ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى غَيْرٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَدَاءِ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ السَّكْتَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ عَدَمِ التَّنَفُّسِ سَوَاءٌ قَلَّ زَمَنُهُ أَوْ كَثُرَ، وَإِنَّ حَمْلَهُ عَلَى مَعْنًى أَقَلَّ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا صَوَابًا لِوُجُودِهِ (أَحَدُهَا) مَا تَقَدَّمَ مِنَ النَّصِّ عَنِ الْأَعْشَى تَسْكُتُ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّكَ قَدْ نَسِيتَ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ زَمَنَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَمَنِ إِخْرَاجِ النَّفَسِ وَغَيْرِهِ، (وَثَانِيهَا) قَوْلُ صَاحِبِ الْمُبْهِجِ: سَكْتَةٌ تُؤْذِنُ بِإِسْرَارِهَا. أَيْ: بِإِسْرَارِ الْبَسْمَلَةِ، وَالزَّمَنُ الَّذِي يُؤْذِنُ بِإِسْرَارِ الْبَسْمَلَةِ أَكْثَرُ مِنْ إِخْرَاجِ النَّفَسِ بِلَا نَظَرٍ، (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ إِذَا جُعِلَ بِمَعْنًى أَقَلَّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ كَمَا قَدَّرُوهُ بِقَوْلِهِمْ: أَقَلُّ مِنْ زَمَانِ إِخْرَاجِ النَّفَسِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ وَعَدَمُ التَّقْدِيرِ أَوْلَى، (رَابِعُهَا) أَنَّ تَقْدِيرَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ زَمَنَ إِخْرَاجِ النَّفَسِ، وَإِنْ قَلَّ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ زَمَنٍ قَلِيلِ السَّكْتِ وَالِاخْتِيَارُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ، (خَامِسُهَا) أَنَّ التَّنَفُّسَ عَلَى السَّاكِنِ فِي نَحْوِ: الْأَرْضُ، وَالْآخِرَةُ، وَقُرْآنٌ، وَ (مَسْئُولًا) مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا كَمَا لَا يَجُوزُ التَّنَفُّسُ عَلَى السَّاكِنِ فِي نَحْوِ: وَالْبَارِئُ، وَفُرْقَانٌ، وَ (مَسْحُورًا) ، إِذِ التَّنَفُّسُ فِي وَسَطِ الْكَلِمَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ سُكُونٍ وَحَرَكَةٍ، أَوْ بَيْنَ حَرَكَتَيْنِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ ابْنِ بُصْخَانَ بِأَنَّ الْقَارِئَ إِذَا أَخْرَجَ نَفَسَهُ مَعَ السَّكْتِ بِدُونِ مُهْلَةٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ مُطْلَقَ السَّكْتِ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إِجْمَاعًا، إِذْ لَا يَجُوزُ التَّنَفُّسُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلِمِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَإِنْ أَرَادَ السَّكْتَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ كَلَامَهُ فِيهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَوَاخِرَ السُّورِ فِي نَفْسِهَا تَمَامٌ يَجُوزُ الْقَطْعُ عَلَيْهَا وَالْوَقْفُ. فَلَا مَحْذُورَ مِنَ التَّنَفُّسِ عَلَيْهَا