الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ، فَقَالَ: بَعْدَ ذِكْرِهِ وَجْهَ كَوْنِهَا لِلتَّنْبِيهِ مَا نَصُّهُ: الْأَصْلُ " هَاأَنْتُمْ "، " هَا " دَخَلَتْ عَلَى " أَنْتُمْ " كَمَا دَخَلَتْ عَلَى أُولَاءِ فِي قَوْلِهِ (هَؤُلَاءِ) فَهِيَ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَلِمَتَانِ مُنْفَصِلَتَانِ يُسْكَتُ عَلَى إِحْدَاهُمَا وَيُبْتَدَأُ بِالثَّانِيَةِ. انْتَهَى. وَهُوَ مُشْكِلٌ سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ الْوَقْفِ عَلَى مَرْسُومِ الْخَطِّ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(الرَّابِعُ) إِذَا قُصِدَ الْوَقْفُ عَلَى (اللَّايْ) فِي مَذْهَبِ مَنْ يُسَهِّلُ الْهَمْزَةَ بَيْنَ بَيْنَ إِنْ وَقَفَ بِالرَّوْمِ وَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. وَإِنْ وَقَفَ بِالسُّكُونِ وَقَفَ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى (أَأَنْتَ، وَأَرَأَيْتَ) عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَوَى الْبَدَلَ عَنِ الْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ، فَإِنَّهُ يُوقِفُ عَلَيْهِ بِتَسْهِيلٍ بَيْنَ بَيْنَ عَكْسِ مَا تَقَدَّمَ فِي (اللَّايْ) وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ اجْتِمَاعِ ثَلَاثِ سَوَاكِنَ ظَوَاهِرٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ هَذَا كَالْوَقْفِ عَلَى الْمُشَدَّدِ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ بَابِ الْوَقْفِ عَلَى أَوَاخِرِ الْكَلِمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ نَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إِلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا
وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ تَخْفِيفِ الْهَمْزِ الْمُفْرَدِ لُغَةً لِبَعْضِ الْعَرَبِ، اخْتَصَّ بِرِوَايَتِهِ وَرْشٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ كَلِمَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ حَرْفِ مَدٍّ، وَأَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ أَوَّلَ الْكَلِمَةِ الْأُخْرَى، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ السَّاكِنُ تَنْوِينًا، أَوْ لَامَ تَعْرِيفٍ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَيَتَحَرَّكُ ذَلِكَ السَّاكِنُ بِحَرَكَةِ الْهَمْزَةِ، وَتَسْقُطُ هِيَ مِنَ اللَّفْظِ؛ لِسُكُونِهَا وَتَقْدِيرِ سُكُونِهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ (وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ، وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ، وَخَبِيرٍ أَنْ لَا تَعْبُدُوا، وَبِعَادٍ إِرَمَ، وَلِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ، وَحَامِيَةً أَلْهَاكُمُ) وَنَحْوُ (الْآخِرَةُ، وَالْآخِرِ، وَالْأَرْضِ، وَالْأَسْمَاءَ، وَالْإِنْسَانُ، وَالْإِيمَانِ، وَالْأُولَى، وَالْأُخْرَى، وَالْأُنْثَى) وَنَحْوُ (مَنْ آمَنَ، وَمَنْ إِلَهٌ، وَمِنْ إِسْتَبْرَقٍ، وَمَنْ أُوتِيَ، وَلَقَدْ آتَيْنَا، وَالم أَحَسِبَ النَّاسُ، وَفَحَدِّثْ أَلَمْ نَشْرَحْ، وَخَلَوْا إِلَى، وَابْنَيْ آدَمَ) وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَإِنَّ
كَانَ السَّاكِنُ حَرْفَ مَدٍّ تَرَكَهُ عَلَى أَصْلِهِ الْمُقَرَّرِ فِي بَابِ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ نَحْوُ (يَايُّهَا، وَانَّا انْ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ، وَقَالُوا آمَنَّا) وَاخْتُلِفَ، عَنْ وَرْشٍ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنَ السَّاكِنِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي الْحَاقَّةِ (كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ) فَرَوَى الْجُمْهُورُ عَنْهُ إِسْكَانَ الْهَاءِ وَتَحْقِيقَ الْهَمْزَةِ عَلَى مُرَادِ الْقَطْعِ وَالِاسْتِئْنَافِ مِنْ أَجْلِ إِنْهَاءِ هَاءِ السَّكْتِ، وَهَذَا الَّذِي قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي " التَّيْسِيرِ " غَيْرَهُ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَرَأَ بِالتَّحْقِيقِ مِنْ طَرِيقَيْهِ عَلَى الْخَاقَانِيِّ وَأَبِي الْفَتْحِ، وَابْنِ غَلْبُونَ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ " التَّجْرِيدِ " مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ، عَنِ ابْنِ نَفِيسٍ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْهُ، وَعَلَى عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ ابْنِ عِرَاكٍ، عَنْهُ، وَمِنْ طَرِيقِ الْأَصْبَهَانِيِّ أَيْضًا بِغَيْرٍ خُلْفٍ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّاطِبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَوَى النَّقْلَ فِيهِ كَسَائِرِ الْبَابِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَبِهِ قَطَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الْعِرَاقِيِّينَ لَهُ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْأَزْرَقِ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ " التَّجْرِيدِ " عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أَبِيهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هِلَالٍ عَنْهُ. وَأَشَارَ إِلَى ضَعْفِهِ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ، وَقَالَ مَكِّيٌّ: أَخَذَ قَوْمٌ بِتَرْكِ النَّقْلِ فِي هَذَا، وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ وَأَقْوَى، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ فِي هِدَايَتِهِ وَعَنْهُ (كِتَابِيَهْ إِنِّي) النَّقْلُ وَالتَّحْقِيقُ، فَسَوَّى بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ.
(قُلْتُ) : وَتَرْكُ النَّقْلِ فِيهِ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، وَالْأَصَحُّ لَدَيْنَا، وَالْأَقْوَى فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْهَاءَ هَاءُ سَكْتٍ، وَحُكْمُهَا السُّكُونُ، فَلَا تُحَرَّكُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ قُبْحٍ، وَأَيْضًا فَلَا تُثْبَتُ إِلَّا فِي الْوَقْفِ، فَإِذَا خُولِفَ الْأَصْلُ فَأُثْبِتَتْ فِي الْوَصْلِ إِجْرَاءً لَهُ مَجْرَى الْوَقْفِ لِأَجْلِ إِثْبَاتِهَا فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَالَفَ الْأَصْلُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ تَحْرِيكُهَا، فَيَجْتَمِعُ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ مُخَالَفَتَانِ، وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ الْهَاشِمِيِّ، عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ بِالنَّقْلِ كَمَذْهَبِ وَرْشٍ فِيمَا يُنْقَلُ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْعُمَرِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَوَافَقَهُ عَلَى النَّقْلِ فِي (مِنِ اسْتَبْرَقٍ) فَقَطْ فِي الرَّحْمَنِ رُوَيْسٌ وَوَافَقَهُ عَلَى (آلْآنَ) فِي مَوْضِعَيْ يُونُسَ وَهُمَا
(آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ، آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ) قَالُونُ وَابْنُ وَرْدَانَ، وَانْفَرَدَ الْحَمَّامِيُّ عَنِ النَّقَّاشِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْجَمَّالِ، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ قَالُونَ بِالتَّحْقِيقِ فِيهَا كَالْجَمَاعَةِ، وَكَذَلِكَ انْفَرَدَ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ لِحِكَايَتِهِ فِي وَجْهٍ لِأَبِي نَشِيطٍ، وَقَدْ خَالَفَا فِي ذَلِكَ جَمِيعَ أَصْحَابِ قَالُونَ وَجَمِيعَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْفَرَدَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْعَلَّافِ أَيْضًا، عَنْ أَصْحَابِهِ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ بِالتَّحْقِيقِ فِي الْحَرْفَيْنِ، فَخَالَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ فِي (آلْآنَ) فِي بَاقِي الْقُرْآنِ فَرَوَى النَّهْرَوَانِيُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَابْنُ هَارُونَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ هِبَةِ اللَّهِ، وَغَيْرُهُمَا النَّقْلَ فِيهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَهْوَازِيِّ، وَالرَّهَاوِيِّ، وَغَيْرِهِمَا عَنْهُ، وَرَوَاهُ هِبَةُ اللَّهِ، وَابْنُ مِهْرَانَ وَالْوَرَّاقُ وَابْنُ الْعَلَّافِ، عَنْ أَصْحَابِهِمْ، عَنْهُ، بِالتَّحْقِيقِ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِمَا لَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْهَاشِمِيُّ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ النَّقْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاتَّفَقَ وَرْشٌ وَقَالُونُ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ فِي:(عَادًا الْأُولَى) فِي النَّجْمِ عَلَى نَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَ اللَّامِ وَإِدْغَامِ التَّنْوِينِ قَبْلَهَا فِي حَالَةِ الْوَصْلِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَاخْتُلِفَ عَنْ قَالُونَ فِي هَمْزِ الْوَاوِ الَّتِي بَعْدَ اللَّامِ، فَرَوَى عَنْهُ هَمْزَهَا جُمْهُورُ الْمَغَارِبَةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الدَّانِيُّ عَنْهُ وَلَا ابْنُ مِهْرَانَ وَلَا الْهُذَلِيُّ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ سِوَاهُ، وَبِهِ قَطَعَ فِي " الْهَادِي " وَ " الْهِدَايَةِ " وَ " التَّبْصِرَةِ " وَ " الْكَافِي " وَ " التَّذْكِرَةِ " وَ " التَّلْخِيصِ " وَ " الْعُنْوَانِ " وَغَيْرِهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ " التَّجْرِيدِ " عَلَى ابْنِ نَفِيسٍ وَعَبْدِ الْبَاقِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ، وَرَوَاهُ عَنْهُ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ، وَبِهِ قَطَعَ لَهُ ابْنُ سَوَّارٍ وَأَبُو الْعِزِّ وَأَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، وَسِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي مُؤَلَّفَاتِهِ، وَرَوَى عَنْهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَهْلُ الْعِرَاقِ قَاطِبَةً مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ كَصَاحِبِ " التَّذْكَارِ "، وَ " الْمُسْتَنِيرِ "، وَ " الْكِفَايَةِ "، وَ " الْإِرْشَادِ " وَ " غَايَةِ الِاخْتِصَارِ "، وَ " الْمُبْهِجِ "، وَ " الْكِفَايَةِ " فِي السِّتِّ وَالْمِصْبَاحِ وَغَيْرِهِمْ، وَرَوَاهُ صَاحِبُ " التَّجْرِيدِ " عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ، غَيْرَ أَنَّ الْهَمْزَ أَشْهَرُ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَعَدَمَهُ أَشْهَرُ عَنْ أَبِي نَشِيطٍ، وَلَيْسَ الْهَمْزُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ
قَالُونُ كَمَا ظَنَّ مَنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى الرِّوَايَاتِ وَمَشْهُورِ الطُّرُقِ وَالْقِرَاءَاتِ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ أَيْضًا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَابْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ نَافِعٍ وَابْنِ ذَكْوَانَ وَابْنِ سَعْدَانَ، عَنِ الْمُسَيَّبِيِّ، عَنْهُ. وَانْفَرَدَ بِهِ الْحَنْبَلِيُّ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَرْدَانَ، وَاخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِ الْهَمْزِ، فَقِيلَ وَجْهُهُ ضَمَّةُ اللَّامِ قَبْلَهَا، فَهُمِزَتْ لِمُجَاوَرَةِ الضَّمِّ كَمَا هُمِزَتْ فِي: سُؤْقٍ وَيُؤْقِنُ، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ.
أَحَبُّ الْمُؤْقِدِينَ إِلَيَّ مُوسَى
ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْحُجَّةِ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: الْأَصْلُ فِي الْوَاوِ الْهَمْزُ، وَأُبْدِلَتْ لِسُكُونِهِ بَعْدَ هَمْزٍ مَضْمُومٍ وَاوًا كَـ " أُوتِيَ "، فَلَمَّا حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ الْأُولَى بَعْدَ النَّقْلِ زَالَ اجْتِمَاعُ الْهَمْزَتَيْنِ، فَرَجَعَتْ لَكَ الْهَمْزَةُ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ لَهُ: قَدْ كَانَ بَعْضُ الْمُنْتَحِلِينَ لِمَذْهَبِ الْقُرَّاءِ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقِرَاءَةِ قَالُونَ بِحِيلَةٍ وَجَهْلِ الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ أُولَى وَزْنُهَا فُعْلَى؛ لِأَنَّهَا تَأْنِيثُ أَوَّلٍ، كَمَا أَنَّ أُخَرَ تَأْنِيثُ أُخْرَى، هَذَا فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَهْمِزِ الْوَاوَ فَمَعْنَاهَا عَلَى هَذَا الْمُتَقَدِّمَةُ ; لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّيْءِ مُتَقَدِّمُهُ، فَأَمَّا فِي قَوْلِ قَالُونَ فَهِيَ عِنْدِي مُشْتَقَّةٌ مِنْ (وَأَلَ) . أَيْ: لَجَا، وَيُقَالُ: نَجَا. فَالْمَعْنَى أَنَّهَا نَجَتْ بِالسَّبْقِ لِغَيْرِهَا، فَهَذَا وَجْهٌ بَيِّنٌ مِنَ اللُّغَةِ وَالْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَبْيَنَ فَلَيْسَ سَبِيلُ ذَلِكَ أَنْ يُدْفَعَ وَيُطْلَقَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ ; لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ إِنَّمَا تَأْخُذُ بِالْأَثْبَتِ عِنْدَهَا فِي الْأَثَرِ دُونَ الْقِيَاسِ إِذَا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ سُنَّةً. فَالْأَصْلُ فِيهَا عَلَى قَوْلِهِ:(وُءْلَى) بِوَاوٍ مَضْمُومَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً لِانْضِمَامِهِمَا كَمَا أُبْدِلَتْ فِي: أُقِّتَتْ، وَهِيَ مِنَ الْوَقْتِ، فَاجْتَمَعَتْ هَمْزَتَانِ: الثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ، وَالْعَرَبُ لَا تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَأُبْدِلَتِ الثَّانِيَةُ وَاوًا لِسُكُونِهَا وَانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا، كَمَا أُبْدِلَتْ فِي يُومِنُ وَيُوتَى وَشِبْهِهِمَا، ثُمَّ أُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ، فَقِيلَ:" الْأُولَى " بِلَامٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ، فَلَمَّا أَتَى التَّنْوِينُ قَبْلَ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ (عَادًا) الْتَقَى سَاكِنَانِ، فَأُلْقِيَتْ حِينَئِذٍ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ وَحَرَّكْتَهَا بِهَا لِئَلَّا يَلْتَقِيَ سَاكِنَانِ.
وَلَوْ كَسَرْتَ التَّنْوِينَ وَلَمْ تُدْغِمْهُ لَكَانَ الْقِيَاسُ، وَلَكِنْ هَذَا وَجْهُ الرِّوَايَةِ، فَلَمَّا عَدِمَتِ الْمَضْمُومَةُ وَهِيَ الْمُوجِبَةُ لِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ وَاوًا لَفْظًا رَدَّ قَالُونُ تِلْكَ الْهَمْزَةَ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِإِبْدَالِهَا. فَعَامَلَ اللَّفْظَ. قَالَ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ (لِقَاءَنَا، ايْتِ، وَقَالَ ايْتُونِي) وَشِبْهُهُ مِمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَلِفُ الْوَصْلِ عَلَى الْهَمْزَةِ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا وَصَلْتَ حَقَّقْتَ الْهَمْزَةَ لِعَدَمِ وُجُودِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ابْتَدَأْتَ كَسَرْتَ أَلِفَ الْوَصْلِ، وَأَبْدَلْتَ الْهَمْزَةَ، فَكَذَلِكَ هُنَا. فَعَلَهُ قَالُونَ وَقَالَ: أَصْلُ (أُولَى) عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ " وُولَى " بِوَاوَيْنِ - تَأْنِيثُ أَوَّلٍ - قُلِبَتِ الْوَاوُ الْأُولَى هَمْزَةً وُجُوبًا حَمْلًا عَلَى جَمْعِهِ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ (وُءْلَى) بِوَاوٍ وَهَمْزَةٍ مِنْ وَأَلَ، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً عَلَى حَدِّ (وُجُوهٍ) فَاجْتَمَعَ هَمْزَتَانِ، فَأُبْدِلَتِ الثَّانِيَةُ وَاوًا عَلَى حَدِّ (أُوتِيَ) انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ (الْأُولَى) فِي الْقِرَاءَتَيْنِ بِمَعْنًى، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَالْكُوفِيُّونَ بِكَسْرِ التَّنْوِينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا. هَذَا حُكْمُ الْوَصْلِ، وَأَمَّا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيَجُوزُ فِي مَذْهَبِ أَبِي عَمْرٍو، وَيَعْقُوبَ، وَقَالُونَ إِذَا لَمْ يَهْمِزِ الْوَاوَ،، وَأَبِي جَعْفَرٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْهَاشِمِيِّ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ، وَمِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْحَنْبَلِيِّ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) الْأُولَى بِإِثْبَاتِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَضَمِّ اللَّامِ بَعْدَهَا، وَهَذَا الَّذِي لَمْ يَنُصَّ ابْنُ سَوَّارٍ عَلَى سِوَاهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ عِبَارَةِ أَكْثَرِ الْمُؤَلِّفِينَ غَيْرُهُ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ فِي " التَّيْسِيرِ "، وَ " التَّذْكِرَةِ "، وَغَايَةِ أَبِي الْعَلَاءِ، وَكِفَايَةِ أَبِي الْعِزِّ، وَ " الْإِعْلَانِ "، وَ " الشَّاطِبِيَّةِ "، وَغَيْرِهَا، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي " التَّبْصِرَةِ " وَ " التَّجْرِيدِ "، وَ " الْكَافِي "، وَ " الْإِرْشَادِ "، وَ " الْمُبْهِجِ "، وَ " الْكِفَايَةِ ".
(الثَّانِي)(لُولَى) بِضَمِّ اللَّامِ وَحَذْفِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ قَبْلَهَا اكْتِفَاءً عَنْهَا بِتِلْكَ الْحَرَكَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ ثَانِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَالتَّيْسِيرِ، وَ " التَّذْكِرَةِ " وَ " الْغَايَةِ "، وَ " الْكِفَايَةِ "، وَ " الْإِعْلَانِ "، وَ " الشَّاطِبِيَّةِ "، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي " الْكَافِي "، وَ " الْإِرْشَادِ "، وَ " الْمُبْهِجِ "، وَكِفَايَتِهِ، وَغَيْرِهَا، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ جَائِزَانِ فِي ذَلِكَ، وَشِبْهُهُ فِي مَذْهَبِ وَرْشٍ وَطَرِيقِ الْهَاشِمِيِّ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ كَمَا سَيَأْتِي.
(الثَّالِثُ)(الْأُولَى) تُرَدُّ الْكَلِمَةُ إِلَى أَصْلِهَا فَتَأْتِي بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ
وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي " التَّيْسِيرِ "، وَ " التَّذْكِرَةِ "، وَ " الْغَايَةِ "، وَ " الْكِفَايَةِ "، وَ " الْإِعْلَانِ "، وَ " الشَّاطِبِيَّةِ "، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَ " التَّجْرِيدِ "،. قَالَ مَكِّيٌّ: وَهُوَ أَحْسَنُ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ: وَهَذَا أَجْوَدُ الْوُجُوهِ، وَقَالَ فِي " التَّيْسِيرِ ": وَهُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ الْوُجُوهِ وَأَقْيَسُهَا؛ لِمَا بَيَّنْتُهُ مِنَ الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ " التَّمْهِيدِ "، وَقَالَ فِي " التَّمْهِيدِ ": وَهَذَا الْوَجْهُ عِنْدِي أَوْجَهُ الثَّلَاثَةِ، وَأَلْيَقُ وَأَقْيَسُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي دَعَتْ إِلَى مُنَاقَضَةِ الْأَصْلِ فِي الْوَصْلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ - خَاصَّةً مَعَ صِحَّةِ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ - هِيَ التَّنْوِينُ فِي كَلِمَةِ " عَادٍ " لِسُكُونِهِ وَسُكُونِ لَامِ الْمَعْرِفَةِ بَعْدُ، فَحَرَّكَ اللَّامَ حِينَئِذٍ بِحَرَكَةِ الْهَمْزَةِ؛ لِئَلَّا يَلْتَقِيَ سَاكِنَانِ وَيَتَمَكَّنَ إِدْغَامُ التَّنْوِينِ فِيهَا إِيثَارًا لِلْمَرْوِيِّ عَنِ الْعَرَبِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَالْتِقَاءُ السَّاكِنَيْنِ وَالْإِدْغَامُ فِي الِابْتِدَاءِ مَعْدُومٌ بِافْتِرَاقِ الْكَلِمَتَيْنِ حِينَئِذٍ بِالْوَقْفِ عَلَى إِحْدَاهُمَا وَالِابْتِدَاءِ بِالثَّانِيَةِ، فَلَمَّا زَالَتِ الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِإِلْقَاءِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا فِي الِابْتِدَاءِ - وَجَبَ رَدُّ الْهَمْزِ لِيُوَافِقَ بِذَلِكَ - يَعْنِي أَصْلَ مَذْهَبِهِمْ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ. انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ فِي الِابْتِدَاءِ بِهَا لِقَالُونَ فِي وَجْهِ هَمْزِ الْوَاوِ، وَلِلْحَنْبَلِيِّ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهِ (أَحَدُهَا)(الُاؤْلَى) بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ وَضَمِّ اللَّامِ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ عَلَى الْوَاوِ (ثَانِيهَا)(لُولَى) بِضَمِّ اللَّامِ وَحَذْفِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَهَمْزَةِ الْوَاوِ (ثَالِثُهَا)(الْأُولَى) كَوَجْهِ أَبِي عَمْرٍو الثَّالِثِ. وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ هِيَ أَيْضًا فِي الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، إِلَّا أَنَّ صَاحِبَ " الْكَافِي " لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الثَّالِثَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَذَكَرَهُ لِقَالُونَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الثَّانِي لِقَالُونَ صَاحِبُ " التَّبْصِرَةِ "، وَذَكَرَ لَهُ الثَّالِثَ بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ، فَقَالَ: وَقِيلَ إِنَّهُ يُبْتَدَأُ لِقَالُونَ بِالْقَطْعِ وَهَمْزَةٍ كَالْجَمَاعَةِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ أَبِي الْعَلَاءِ الْحَافِظِ جَوَازُ الثَّالِثِ عَنْ وَرْشٍ أَيْضًا، وَهُوَ سَهْوٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ السَّاكِنُ وَالْهَمْزُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُنْقَلُ إِلَيْهِ إِلَّا فِي كَلِمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ (رِدْءًا، وَمِلْءُ، وَالْقُرْآنِ، وَاسْأَلِ) أَمَّا (رِدْءًا) مِنْ قَوْلِهِ:
(رِدْءًا يُصَدِّقُنِي) فِي الْقَصَصِ فَقَرَأَهُ بِالنَّقْلِ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ، إِلَّا أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَبْدَلَ مِنَ التَّنْوِينِ أَلِفًا فِي الْحَالَيْنِ، وَوَافَقَهُ نَافِعٌ فِي الْوَقْفِ، وَأَمَّا (مِلْءُ) مِنْ قَوْلِهِ:(مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا) فِي آلِ عِمْرَانَ. فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ وَالْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ وَرْشٍ، فَرَوَاهُ بِالنَّقْلِ النَّهْرَوَانِيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ، وَبِهِ قَطَعَ لِابْنِ وَرْدَانَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَرَوَاهُ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ أَبُو الْعِزِّ فِي " الْإِرْشَادِ "، وَ " الْكِفَايَةِ "، وَابْنُ سَوَّارٍ، فِي " الْمُسْتَنِيرِ "، وَهُوَ رِوَايَةُ الْعُمَرِيِّ عَنْهُ، وَرَوَاهُ سَائِرُ الرُّوَاةِ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ بِغَيْرِ نَقْلٍ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْهُ، وَقَطَعَ لِلْأَصْبَهَانِيِّ فِيهِ بِالنَّقْلِ أَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي نَصْرِ بْنِ مَسْرُورٍ وَأَبِي الْفَرَجِ النَّهْرَوَانِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِمَا، عَنْهُ، وَهُوَ نَصُّ ابْنِ سَوَّارٍ، عَنِ النَّهْرَوَانِيِّ، عَنْهُ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ نَصًّا، عَنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَرَوَاهُ سَائِرُ الرُّوَاةِ عَنْهُ بِغَيْرِ نَقْلٍ، وَالْوَجْهَانِ عَنْهُ صَحِيحَانِ، قَرَأْتُ بِهِمَا جَمِيعًا عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ وَرْدَانَ، وَبِهِمَا آخُذُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْقُرْآنُ وَمَا جَاءَ مِنْهُ نَحْوُ (قُرْآنَ الْفَجْرِ، وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ، فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) فَقَرَأَ بِالنَّقْلِ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَمَّا (وَاسْأَلِ) وَمَا جَاءَ مِنْ لَفْظِهِ نَحْوُ (وَاسْأَلُوا اللَّهَ) ، (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)(فَاسْأَلِ الَّذِينَ)(وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ)(فَاسْأَلُوهُنَّ) إِذَا كَانَ فِعْلُ أَمْرٍ وَقَبْلَ السِّينِ وَاوًا أَوْ فَاءً. فَقَرَأَهُ بِالنَّقْلِ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعَ بِغَيْرِ نَقْلٍ.
تَنْبِيهَاتٌ
(الْأَوَّلُ) لَامُ التَّعْرِيفُ وَإِنِ اشْتَدَّ اتِّصَالُهَا بِمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَكُتِبَتْ مَعَهُ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ الَّذِي يُنْقَلُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُوجِبِ اتِّصَالُهَا خَطًّا أَنْ تَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ مِنْ نَفْسِ الْبِنْيَةِ ; لِأَنَّهَا إِذَا أَسْقَطْتَهَا لَمْ يَخْتَلَّ مَعْنَى الْكَلِمَةِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ بِزَوَالِهَا الْمَعْنَى الَّذِي دَخَلَتْ بِسَبَبِهِ خَاصَّةً وَهُوَ التَّعْرِيفُ، وَنَظِيرُ هَذَا النَّقْلِ إِلَى هَذِهِ اللَّامِ إِبْقَاءً لِحُكْمِ الِانْفِصَالِ عَلَيْهَا - وَإِنِ اتَّصَلَتْ
خَطًّا - سَكْتُ حَمْزَةَ وَغَيْرِهِ عَلَيْهَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَهَا هَمْزٌ، كَمَا يَسْكُتُونَ عَلَى السَّوَاكِنِ الْمُنْفَصِلَةِ حَسْبَمَا يَجِيءُ فِي الْبَابِ الْآتِي (فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ) فَاعْلَمْ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ هِيَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنْ حُرُوفِ التَّهَجِّي، وَهُوَ اللَّامُ وَحْدَهَا، وَبِهَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ، وَإِنَّمَا الْأَلِفُ قَبْلَهَا أَلِفُ وَصْلٍ؛ وَلِهَذَا تَسْقُطُ فِي الدَّرَجِ، فَهِيَ إِذًا بِمَنْزِلَةِ بَاءِ الْجَرِّ وَكَافِ التَّشْبِيهِ مِمَّا هُوَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ؛ وَلِهَذَا كُتِبَتْ مَوْصُولَةً فِي الْخَطِّ بِمَا بَعْدَهَا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ أَدَاةَ التَّعْرِيفِ هِيَ: الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَأَنَّ الْهَمْزَةَ تُحْذَفُ فِي الدَّرَجِ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ: مِنْهَا ثُبُوتُهَا مَعَ تَحْرِيكِ اللَّامِ حَالَةَ النَّقْلِ نَحْوُ (الَحْمَرُ، الَرْضُ) وَأَنَّهَا تُبْدَلُ أَوْ تُسَهَّلُ بَيْنَ بَيْنَ مَعَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ نَحْوَ (آلذَّكَرَيْنِ) ، وَأَنَّهَا تُقْطَعُ فِي الِاسْمِ الْعَظِيمِ فِي النِّدَاءِ نَحْوَ (يَا أَللَّهُ) وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ ذِكْرِ ذَلِكَ بِأَدِلَّتِهِ، وَالْقَصْدُ ذِكْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَاتِ مِنْ ذَلِكَ.
وَهُوَ التَّنْبِيهُ (الثَّانِي) فَنَقُولُ: إِذَا نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى لَامِ التَّعْرِيفِ فِي نَحْوِ (الْأَرْضِ، الْآخِرَةُ، الْآنَ، الْإِيمَانِ، الْأُولَى، الْأَبْرَارِ) وَقُصِدَ الِابْتِدَاءُ عَلَى مَذْهَبِ النَّاقِلِ، فَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ حَرْفُ التَّعْرِيفِ " أَلْ "، أَوِ اللَّامَ فَقَطْ؛ فَإِنْ جُعِلَتْ " أَلْ " ابْتَدَأَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ وَبَعْدَهَا اللَّامُ الْمُحَرَّكَةُ بِحَرَكَةِ هَمْزَةِ الْقَطْعِ، فَتَقُولُ:(الَرْضُ، الَاخِرَةُ، الِايمَانُ، الَبْرَارُ) لَيْسَ إِلَّا، وَإِنْ جُعِلَتِ اللَّامُ فَقَطْ فَإِمَّا أَنْ يُعْتَدَّ بِالْعَارِضِ - وَهُوَ حَرَكَةُ اللَّامِ بَعْدَ النَّقْلِ - أَوْ لَا يُعْتَدَّ بِذَلِكَ وَيُعْتَبَرَ الْأَصْلُ. فَإِذَا اعْتَدَدْنَا بِالْعَارِضِ حَذَفْنَا هَمْزَةَ الْوَصْلِ، وَقُلْنَا:(لَرْضُ، لَاخِرَةُ، لِيمَانُ، لَانَ، لَبْرَارُ) لَيْسَ إِلَّا، وَإِنْ لَمْ نَعْتَدَّ بِالْعَارِضِ وَاعْتَبَرْنَا الْأَصْلَ جَعَلْنَا هَمْزَةَ الْوَصْلِ عَلَى حَالِهَا وَقُلْنَا (الَرْضُ، الَاخِرَةُ) كَمَا قُلْنَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ حَرْفَ التَّعْرِيفِ " أَلْ "، وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ جَائِزَانِ فِي كُلِّ مَا يُنْقَلُ إِلَيْهِ مِنْ لَامَاتِ التَّعْرِيفِ لِكُلِّ مَنْ يَنْقُلُ ; وَلِذَلِكَ جَازَ لِنَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَأَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ فِي (الْأُولَى) مِنْ (عَادًا الْأُولَى) كَمَا تَقَدَّمَ وَجَازَ فِي (الَانَ) لِابْنِ وَرْدَانَ فِي وَجْهِ النَّقْلِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ حَالَةَ الِابْتِدَاءِ مُطْلَقًا الْحَافِظَانِ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَأَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ
وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ بَلِّيمَةَ وَأَبُو الْعِزِّ الْقَلَانِسِيُّ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْبَاذِشِ وَأَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَبِهِمَا قَرَأْنَا لِوَرْشٍ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، وَبِهِمَا نَأْخُذُ لَهُ وَلِلْهَاشِمِيِّ، عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، مِنْ طَرِيقِ الْهُذَلِيِّ، وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: بِئْسَ الِاسْمُ فَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: وَإِذَا ابْتَدَأْتَ (الِاسْمَ) فَالَّتِي بَعْدَ اللَّامِ عَلَى حَذْفِهَا لِلْكُلِّ، وَالَّتِي قَبْلَهَا فَقِيَاسُهَا جَوَازُ الْإِثْبَاتِ وَالْحَذْفِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِرُجْحَانِ الْعَارِضِ الدَّائِمِ عَلَى الْعَارِضِ الْمُفَارِقِ، وَلَكِنِّي سَأَلْتُ بَعْضَ شُيُوخِي فَقَالَ: الِابْتِدَاءُ بِالْهَمْزِ وَعَلَيْهِ الرَّسْمُ. انْتَهَى.
(قُلْتُ) : الْوَجْهَانِ جَائِزَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّعْرِيفِ، وَالْأَوْلَى الْهَمْزُ فِي الْوَصْلِ وَالنَّقْلِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِعَارِضٍ دَائِمٍ وَلَا مُفَارِقٍ، بَلِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ بِالْأَصْلِ الْأَصْلُ، وَكَذَلِكَ رُسِمَتْ. نَعَمْ، الْحَذْفُ جَائِزٌ وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ حَذْفَهَا مِنَ (الْأُولَى) فِي النَّجْمِ أَوْلَى لِلْحَذْفِ لَسَاغَ، وَلَكِنْ فِي الرِّوَايَةِ تَفْصِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَبْلَ لَامِ التَّعْرِيفِ الْمَنْقُولِ إِلَيْهَا حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمَدِّ، أَوْ سَاكِنٌ غَيْرُهُنَّ لَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُ حَرْفِ الْمَدِّ، وَلَا رَدُّ سُكُونِ السَّاكِنِ مَعَ تَحْرِيكِ اللَّامِ ; لِأَنَّ التَّحْرِيكَ فِي ذَلِكَ عَارِضٌ، فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَقُدِّرَ السُّكُونُ؛ إِذْ هُوَ الْأَصْلُ، وَلِذَلِكَ حُذِفَ حَرْفُ الْمَدِّ، وَحُرِّكَ السَّاكِنُ حَالَةَ الْوَصْلِ، وَذَلِكَ نَحْوُ (وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ) ، وَ (سِيرَتَهَا الْأُولَى) ، وَ (إِذَا الَارْضُ) ، وَ (أُولِي الْأَمْرِ) ، وَ (فِي الَانْعَامِ) ، وَ (يُحْيِي الَارْضَ) ، وَ (قَالُوا الَانَ) ، وَ (أَنْكِحُوا الَايَامَى) ، وَ (أَنْ تُؤَدُّوا الَامَانَاتِ) وَنَحْوُ (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الَانَ) ، وَ (بَلِ الِانْسَانُ) ، (وَأَلَمْ نُهْلِكِ الَاوَّلِينَ) ، وَ (عَنِ الَاخِرَةِ) ، وَ (مِنَ الَارْضِ) ، وَ (مِنَ الُاولَى) ، وَ (أَشْرَقَتِ الَارْضُ) ، وَ (فَلْيَنْظُرِ الِانْسَانُ) وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ صِلَةً، أَوْ مِيمَ جَمْعٍ نَحْوُ (وَبِدَارِهِ الَارْضَ) ، وَ (لَا تُدْرِكُهُ الَابْصَارُ) ، وَ (هَذِهِ الَانْهَارُ) ، وَ (هَذِهِ الَانْعَامُ) ، (وَيُلْهِهِمُ الَامَلُ) ، (وَأَنْتُمُ الَاعْلَوْنَ) وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، كَالْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الْخَيَّاطِ وَأَبِي الْحَسَنِ السَّخَاوِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي اللُّغَةِ وَعِنْدَ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ
الْوَجْهَانِ: الِاعْتِدَادُ بِحَرَكَةِ النَّقْلِ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهَا، وَأَجْرَوْا عَلَى كُلِّ وَجْهٍ مَا يَقْتَضِي مِنَ الْأَحْكَامِ، وَلَمْ يَخُصُّوا بِذَلِكَ وَصْلًا وَلَا ابْتِدَاءً، وَلَا دُخُولَ هَمْزَةٍ وَلَا عَدَمَ دُخُولِهَا، بَلْ قَالُوا: إِنِ اعْتَدَدْنَا بِالْعَارِضِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى حَذْفِ حَرْفٍ مِنْ (فِي الَارْضِ) وَلَا إِلَى تَحْرِيكِ النُّونِ (مِنْ لَانَ) وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ ثَعْلَبٌ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الْفَرَّاءِ:
لَقَدْ كُنْتَ تُخْفِي حَبَّ سَمْرَاءَ خِيفَةً
…
فَبُحْ لَانَ مِنْهَا بِالَّذِي أَنْتَ بَائِحُ
وَعَلَى ذَلِكَ قَرَأْنَا لِابْنِ مُحَيْصِنٍ (يَسْأَلُونَكَ عَنْ لَهِلَّةِ) ، وَ (عَنْ لَانْفَالِ) ، وَ (مِنْ لَاثِمِينَ) وَشِبْهَهُ بِالْإِسْكَانِ فِي النُّونِ وَإِدْغَامِهَا، وَهُوَ وَجْهُ قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَمَنْ مَعَهُ (عَادًا لُولَى) فِي النَّجْمِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَلَمَّا رَأَى أَبُو شَامَةَ إِطْلَاقَ النُّحَاةِ وَوَقَفَ عَلَى تَقْيِيدِ الْقُرَّاءِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ، فَتَوَسَّطَ وَقَالَ مَا نَصُّهُ: جَمِيعُ مَا نَقَلَ فِيهِ وَرْشٌ الْحَرَكَةَ إِلَى لَامِ الْمَعْرِفَةِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ غَيْرَ (عَادًا لُولَى) هُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا ظَهَرَتْ فِيهِ أَمَارَةُ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الَارْضِ زِينَةً)(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ)(وَيَدْعُ الِانْسَانُ)(قَالُوا الَانَ) ، (أَزِفَتِ الَازِفَةُ) وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَعْدَ نَقْلِ الْحَرَكَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَرُدَّ حُرُوفَ الْمَدِّ الَّتِي حُذِفَتْ لِأَجْلِ سُكُونِ اللَّامِ، وَلَمْ تُسَكَّنْ تَاءُ التَّأْنِيثِ الَّتِي كُسِرَتْ لِسُكُونِ (لَازِفَةُ) فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَا اعْتَدَّ بِالْحَرَكَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، فَيَنْبَغِي إِذَا ابْتَدَأَ الْقَارِئُ لَهُ فِيهَا أَنْ يَأْتِيَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ ; لِأَنَّ اللَّامَ، وَإِنْ تَحَرَّكَتْ فَكَأَنَّهَا بَعْدُ سَاكِنَةٌ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَمَارَةٌ نَحْوُ (وَقَالَ الِانْسَانُ مَا لَهَا) فَإِذَا ابْتَدَأَ الْقَارِئُ لِوَرْشٍ هُنَا اتَّجَهَ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ. انْتَهَى.
وَهُوَ حَسَنٌ لَوْ سَاعَدَهُ النَّقْلُ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ الْجَعْبَرِيُّ فَقَالَ: وَهَذَا فِيهِ عُدُولٌ عَنِ النَّقْلِ إِلَى النَّظَرِ، وَفِيهِ حَظْرٌ.
(قُلْتُ) : صِحَّةُ الرِّوَايَةِ بِالْوَجْهَيْنِ حَالَةَ الِابْتِدَاءِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بِنَصِّ مَنْ يُحْتَجُّ بِنَقْلِهِ، فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اعْتَدَّ بِالْعَارِضِ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْوَصْلِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا رِوَايَةً مَعَ الْجَوَازِ فِيهِمَا لُغَةً؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ حَذْفَ حَرْفِ الْمَدِّ لِلسَّاكِنِ وَالْحَرَكَةِ لِأَجْلِهِ فِي الْوَصْلِ سَابِقٌ لِلنَّقْلِ، وَالنَّقْلُ طَارِئٌ عَلَيْهِ،
فَأُبْقِيَ عَلَى حَالِهِ لِطَرَآنِ النَّقْلِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْتَدَّ فِيهِ بِالْحَرَكَةِ، وَأَمَّا حَالَةُ الِابْتِدَاءِ، فَإِنَّ النَّقْلَ سَابِقٌ لِلِابْتِدَاءِ، وَالِابْتِدَاءُ طَارِئٌ عَلَيْهِ، فَحَسُنَ الِاعْتِدَادُ فِيهِ، أَلَا تَرَاهُ لَمَّا قَصَدَ الِابْتِدَاءَ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ فِيهَا إِلَى اللَّامِ لَمْ تَكُنِ اللَّامُ إِلَّا مُحَرَّكَةً، وَنَظِيرُ ذَلِكَ حَذْفُهُمْ حَرْفَ الْمَدِّ مِنْ نَحْوِ (وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ وَأَفِي اللَّهِ شَكٌّ) وَإِثْبَاتُهُمْ لَهُ فِي (وَلَا تَوَلَّوْا، وَكُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ) لِطَرَآنِ الْإِدْغَامِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَذَلِكَ وَاضِحٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) مِيمُ الْجَمْعِ، أَمَّا لِوَرْشٍ فَوَاضِحٌ ; لِأَنَّ مَذْهَبَهُ عِنْدَ الْهَمْزَةِ صِلَتُهَا بِوَاوٍ، فَلَمْ تَقَعِ الْهَمْزَةُ بَعْدَهَا فِي مَذْهَبِهِ إِلَّا بَعْدَ حَرْفِ مَدٍّ مِنْ أَجْلِ الصِّلَةِ، وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْهَاشِمِيِّ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ، فَإِنَّ الْهُذَلِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ عَدَمُ الصِّلَةِ مُطْلَقًا، وَمُقْتَضَى هَذَا الْإِطْلَاقِ عَدَمُ صِلَتِهَا عِنْدَ الْهَمْزَةِ، وَنَصَّ أَيْضًا عَلَى النَّقْلِ مُطْلَقًا، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ النَّقْلُ إِلَى مِيمِ الْجَمْعِ. وَهَذَا مِنَ الْمُشْكَلِ تَحْقِيقُهُ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمَ لَهُ نَصًّا فِي مِيمِ الْجَمْعِ بِخُصُوصِيَّتِهَا بِشَيْءٍ، فَأَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَالَّذِي أُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ عَدَمُ النَّقْلِ فِيهَا بِخُصُوصِيَّتِهَا وَالْأَخْذُ فِيهَا بِالصِّلَةِ، وَحُجَّتِي فِي ذَلِكَ أَنِّي لَمَّا لَمْ أَجِدْ لَهُ فِيهَا نَصًّا رَجَعْتُ إِلَى أُصُولِهِ وَمَذَاهِبِ أَصْحَابِهِ، وَمَنِ اشْتَرَكَ مَعَهُ عَلَى الْأَخْذِ بِتِلْكَ الْقِرَاءَةِ، وَوَافَقَهُ عَلَى النَّقْلِ فِي الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الزُّبَيْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ أَحَدُ الرُّوَاةِ الْمَشْهُورِينَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَرْدَانَ، فَوَجَدْتُهُ يَرْوِي النَّقْلَ نَصًّا وَأَدَاءً، وَخَصَّ مِيمَ الْجَمْعِ بِالصِّلَةِ لَيْسَ إِلَّا. وَكَذَلِكَ وَرْشٌ وَغَيْرُهُ مِنْ رُوَاةِ النَّقْلِ عَنْ نَافِعٍ، كُلُّهُمْ لَمْ يَقْرَأْ فِي مِيم الْجَمْعِ بِغَيْرِ صِلَةٍ، وَوَجَدْتُ نَصَّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ صَرِيحًا فِي عَدَمِ جَوَازِ النَّقْلِ فِي مِيمِ الْجَمْعِ. فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى عَدَمِ النَّقْلِ فِيهَا، وَحَسُنَ الْمَصِيرُ إِلَى الصِّلَةِ دُونَ عَدَمِهَا جَمْعًا بَيْنَ النَّصِّ لِمَنْعِ النَّقْلِ فِيهَا وَبَيْنَ الْقِيَاسِ فِي الْأَخْذِ بِالصِّلَةِ فِيهَا دُونَ الْإِسْكَانِ، وَذَلِكَ أَنِّي لَمَّا لَمْ أَرَ أَحَدًا نَقَلَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَلَا عَنْ نَافِعٍ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَصْحَابِ أَبِي جَعْفَرٍ النَّقْلَ فِي غَيْرِ مِيمِ الْجَمْعِ وَخَصَّصَهَا بِالْإِسْكَانِ، كَمَا أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ نَصَّ عَلَى النَّقْلِ فِيهَا، وَحَمَلَ رِوَايَةَ الرَّاوِي عَلَى مَنْ شَارَكَهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ، أَوْ وَافَقَهُ فِي أَصْلِ تِلْكَ الْقِرَاءَةِ أَصْلٌ مُعْتَمَدٌ عَلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ