الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني: الحسن
32-
قوله (ص) : "قال الخطابي1
…
الخ".
نازعه الشيخ تقي الدين بن تيمية فقال: "إنما هذا اصطلاح/ (ي74) للترمذي، وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح، ثم قد يكون متروكا وهو أن يكون راويه متهما أو كثير الغلط، وقد يكون حسنا بأن لا يتهم بالكذب"، قال:"وهذا معنى قول أحمد العمل بالضعيف أولى من القياس".
قال: "وهذا كضعف المريض فقد يكون ضعفه قاطعا فيكون صاحب فراش عطاياه من الثلث، وقد يكون ضعف غير قاطع له فيكون عطاؤه من رأس المال/ (?43/ب) كوجع الضرس والعين. ونحو ذلك2
…
" انتهى.
1 هو الأمام العلامة المفيد المحدث الرحالة أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي صاحب التصانيف، من تصانيفه (معالم السنن) في شرح سنن أبي داود، مات سنة 388. تذكرة الحفاظ 3/1018، والنجوم الزاهرة 4/199، ومعجم المؤلفين 2/61. وكلام ابن الصلاح "روينا عن أبي سليمان الخطابي رحمه الله أنه قال بعد حكايته إن الحديث عند أهله ينقسم إلى الأقسام الثلاثة التي قدمنا ذكرها" مقدمة ابن الصلاح ص26.
2 المجلد الثامن عشر من فتاوى ابن تيمية ص23، 25 قسم الحديث.
ويؤيده قول البيهقي1 - في رسالته إلى أبي محمد الجويني2 -: "الأحاديث المروية ثلاثة أنواع:
1-
نوع اتفق أهل العلم على صحته.
2-
ونوع اتفقوا على ضعفه.
3-
ونوع اختلفوا في/ (ر ل43/أ) ثبوته، فبعضهم صححه وبعضهم يضعفه لعلة تظهر له بها إما3 أن يكون خفيت العلة على من صححه، وإما أن يكون لا يراها معتبرة قادحة"4
قلت: وأبو الحسن ابن القطان5 في الوهم والإيهام يقصر نوع الحسن على هذا كما سيأتي/ (ب88) البحث فيه في قول المصنف أن الحسن يحتج به6.
33-
قوله (ص) : "وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل7
…
الخ".
1 الإمام الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن الحسين بن على بن موسى البيهقي صاحب التصانيف منها (الأسماء والصفات) ، و (السنن الكبرى) مات سنة 458. تذكرة الحفاظ 3/1134، وطبقات الشافعية للأسنوي 1/198، والنجوم الزاهرة 5/77.
2 هو الإمام العلامة عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني أبو محمد من علماء التفسير والفقه واللغة وهو والد إمام الحرمين، له مؤلفات منها (إثبات الاستواء) ، و (التفسير الكبير) ، و (التبصرة والتذكرة في الفقه) ، مات سنة 438.
طبقات الأسنوي 1/338، والأعلام 4/290.
3 كلمة "إما" ليست في كل النسخ وفي هامش (?) ، "ظ أما".
4 المجلد الأول من مجموع الرسائل المنيرية، ص 287.
5 هو الحافظ العلامة الناقد أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الكتامي الفاسي له مصنفات منها (بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام) لعبد الحق الإشبيلي. مات سنة 628. تذكرة الحفاظ 4/1407، والأعلام 5/152.
6 ص 401.
7 مقدمة ابن الصلاح، ص 28.
أقول بين الترمذي والخطابي في ذلك فرق، وذلك أن الخطابي قصد تعريف الأنواع الثلاثة عند أهل الحديث، فذكر الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف.
وأما الذي سكت عنه وهو: حديث المستور إذا أتى من غير وجه فإنما سكت عنه لأنه ليس عنده من قبيل الحسن.
فقد صرح بأن رواية المجهول من قسم الضعيف وأطلق ذلك ولم يفصل، والمستور1 قسم من المجهول2.
وأما الترمذي فلم يقصد التعريف بالأنواع المذكورة عند أهل الحديث، بدليل أنه لم يعرف بالصحيح ولا بالضعيف بل ولا بالحسن المتفق على كونه حسنا/ (ي75) بل المعرف به عنده وهو حديث المستور - على ما فهمه المصنف - لا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن3 وليس هو في التحقيق عند الترمذي مقصورا على رواية المستور، بل يشترك/ (?44/أ) معه الضعيف بسبب سوء الحفظ والموصوف بالغلط والخطأ وحديث المختلط بعد اختلاطه والمدلس إذا عنعن وما في إسناده انقطاع خفيف، فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهي:
1-
أن لا يكون فيهم من يتهم4 بالكذب.
2-
ولا يكون الإسناد شاذا.
3-
وأن يروى مثل ذلك الحدي أو نحوه من وجه آخر فصاعدا5 وليس كلها في المرتبة على حد السواء بل بعضها أقوى من بعض.
1 المستور هو من روى عنه أكثر من اثنين ولم يوثق.
2 والمجهول: من لم يرو عنه غير واحد ولم يوثق. تقريب 1/5.
3 نقل الصنعاني هذا النص من قول الحافظ، "أقول: بين الخطابي والترمذي فرق" إلى هنا. توضيح الأفكار 1/167.
4 في (?)"من لا يتهم" وهو خطأ.
5 انظر هذه الشروط في كتاب العلل 5/758 من الجامع للترمذي.
ومما يقوي/ (ر43/ب) هذا ويعضده أنه لم يتعرض لمشروطية اتصال الإسناد أصلا، بل أطلق ذلك فلهذا وصف كثيرا من الأحاديث المنقطعة بكونها حسانا.
[أمثلة لما يحسنه الترمذي:]
ولنذكر لكل نوع من ذلك مثلا من كلامه، يؤيد ما قلناه. فأما أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية المستور فكثير لا نحتاج إلى الإطالة بها، وإنما نذكر أمثلة لما زدناه على ما عند المصنف رحمه الله.
1-
فمن أمثلة ما وصف بالحسن وهو من رواية الضعيف السيئ الحفظ ما رواه من طريق شعبة عن عاصم بن عبيد الله1 عن عبد الله بن عامر بن ربيعة2 عن أبيه3 قال: "إن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ " قالت: نعم. قال: فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم". قال الترمذي: هذا حديث حسن4.
1 عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ضعيف من الرابعة مات أول خلافة بني العباس سنة 132/ عخ د ت س ق. تقريب 1/384.
2 عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي المدني وثقه العجلي مات سنة بضع وثمانين/ع. تقريب 1/425، والكاشف 2/99.
3 هو عامر بن ربيعة العنزي حليف آل الخطاب من البدريين أسلم قديما وهاجر، مات ليالي قتل عثمان. الكاشف 2/54، والإصابة 2/240.
4 ت 9 - كتاب النكاح 22 - حديث 1113، لكن قال الترمذي: حديث حسن صحيح فلم يقتصر على وصفه بالحسن وجدته كذلك في عدد من نسخ الترمذي وانظر الترمذي ط الفجر الجديد - حمص 4: 170؛ والهندية 1/152، والترمذي مع تحفة الأحوذي 4/250. وانظر تحفة الأشراف 4: 222؛ فإنه نقل عن الترمذي أنه نقل عن الترمذي أنه قال: "حسن صحيح".
وفي الباب عن عمر1 وأبي هريرة2 وعائشة3 وأبي حدرد4 رضي الله عنهم.
وذكر جماعة غيرهم. وعاصم بن عبيد الله ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وعاب ابن عيينة على شعبة الرواية عنه.
وقد حسن الترمذي/ (ي76) حديثه/ (?44/ب) هذا لمجيئه من غير وجه كما شرط والله أعلم.
2-
ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية الضعيف الموصوف بالغلط والخطأ ما أخرجه من طريق عيسى بن يونس5 عن مجالد6 عن أبي
1 في د 6 - كتاب النكاح - 29 - باب الصداق حديث 2106، ت 9كتاب النكاح حديث 1114، ن 6: 96، جه 9 - كتاب النكاح - 1887، دي 2: 65 حديث 2206، حم 1:41، 48 ولفظه قال عمر: "لا تغالوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم وأحقكم بها محمد صلى الله عليه وسلم ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية
…
".
2 حديث أبي هريرة في م 16 - كتاب النكاح - 12- باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها حديث 75 ومنه "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إني تزوجت امرأة من الأنصار
…
قال: "على كم تزوجتها؟ قال: على أربع أواق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل
…
".
3 حديث عائشة في حم 6:82، 145 بلفظ:"إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة".
4 حديث أبي حدرد في حم 3: 448 ولفظه عن أبي حدرد الأسلمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في مهر امرأة فقال: كم أمهرتها؟ قال: مائتي درهم فقال: "لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم".
5 عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي - بفتح المهملة وكسر الموحدة - أخو إسرائيل كوفي نزل الشام مرابطا ثقة مأمون من الثامنة مات سنة 187/ ع. تقريب (2: 103) ؛ (الكاشف 2: 373) .
6 مجالد - بضم أوله وتخفيف الجيم - ابن سعيد بن عمير الهمداني بسكون الميم - أبو عمرو الكوفي ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره، من صغار السادسة مات سنة 144/ م 4. تقريب (2: 229) ؛ تهذيب التهذيب (10: 39) .
الوداك1، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:"كان عندنا خمر ليتيم، فلمّا نزلت المائدة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: "إنه ليتيم"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهريقوه". قال: هذا حديث حسن2.
قلت: ومجالد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس3 وغيره رضي الله عنهم. وأشد من هذا ما رواه من طريق الأعمش/ (ر/44/أ) عن إسماعيل بن مسلم4 عن الحسن5 عن عبد الله بن المغفل6 رضي الله عنه في الأمر بقتل
1 هو جبر بن نوف - بفتح النون وآخره فاء - الهمداني البكالي - بكسر الموحدة وتخفيف الكاف - كوفي صدوق يهم من الرابعة/م د ت س ق. تقريب (1/125)، الكاشف (1/ 179) وقال: ثقة.
2 ت 12 كتاب البيوع باب ما جاء في نهي المسلم أن يدفع الخمر إلى الذمي يبيعها. حديث 1263 وقال الترمذي عقبه حسن صحيح، وهذا في النسخة التي حققها محمد فؤاد عبد الباقي والنسخة التي حققها الدعاس (2/554) ، أما النسخة التي مع تحفة الأحوذي ط السلفية وكذا تحفة الأشراف ففيهما حسن فقط. انظر تحفة الأشراف (3/339) حديث 3991.
3 حديث أنس في ت 12 كتاب البيوع 59 باب النهي أن يتخذ الخمر خلا. ولفظه: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيتخذ الخمر خلا؟ فقال: لا". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي م36 - كتاب الأشربة حديث 11.
4 إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق، كان من البصرة، ثم سكن مكة، كان فقيها ضعيف الحديث من الخامسة/تق. تقريب 1/74، ميزان الاعتدال 1/248.
5 الحسن بن أبي حسن البصري الأنصاري، مولاهم، ثقة، فقيه فاضل مشهور، كان يرسل كثيرا، ويدلس، وهو رأس الطبقة الثالثة مات سنة 110/ع. تقريب 1/165، تذكرة الحفاظ 1/71.
6 عبد الله بن المغفل - بمعجمة وفاء كمعظم - بن عبد نهم، المزني أبو زياد، بايع تحت الشجرة، كان من نقباء الصحابة، مات سنة 57. الخلاصة ص215، الإصابة 2/364.
الكلاب وغير ذلك. قال: "هذا حديث حسن"1.
قلت: "وإسماعيل اتفقوا على تضعيفه ووصفه بالغلط وكثرة الخطأ لكنه عضده بأن قال: "روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن مثله".
يعني لمتابعة إسماعيل بن مسلم عن الحسن2.
ومثله ما رواه من طريق علي بن مسهر3 عن عبيد بن معتب4 عن إبراهيم عن الأسود5 عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نطهر فيأمرنا
1 ت 19 - كتاب الأحكام والفوائد 4 - باب ما جاء من أمسك كلبا ما ينقص من أجره حديث 1489 ولفظه: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم
…
" وقال بعده: "حديث حسن" وهذا في عدد من نسخ الترمذي وكذا تحفة الأشراف 7/174.
2 من المتابعات التي أشار إليها ما رواه الترمذي 19 - كتاب الأحكام والفوائد 3 - باب ما جاء في قتل الكلاب حديث 1486 من طريق منصور بن زاذان ويونس بن عبيد، د 11 - كتاب الصيد باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره حديث 2845، ن 7/163، جه 28 - كتاب الصيد - باب النهي عن اقتناء الكلاب إلا كلب صيد حديث 3205، حم 4/85 كلهم من طريق يونس عن الحسن به، دي 2/18 حديث 2014 من طريق عوف عن الحسن به وقال الترمذي عقبه:"حديث عبد الله بن المغفل حديث حسن صحيح".
3 علي بن مسهر - بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء - القرشي الكوفي قاضي الموصل، ثقة له غرائب بعدما أضر. من الثامنة مات سنة 189. تقريب 2/44، الكاشف 2/295.
4 عبيدة بن معتب - بكسر المثناة الثقيلة بعدها موحدة - الضبي أبو عبد الرحيم الكوفي الضرير ضعيف واختلط بآخره، من الثامنة خت د ت ق. تقريب 1/548، الكاشف 2/242 وفيه قال أحمد: تركوا حديثه.
5 وفي كل النسخ إبراهيم بن الأسود وهو خطأ والصواب عن الأسود.
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء الصيام، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة"1. قال "هذا حديث حسن".
قلت: "وعبيدة ضعيف جدا قد اتفق أئمة النقل على تضعيفه إلا أنهم لم يتهموه بالكذب"./ (?45/أ)
ولحديثه أصل من حديث معاذة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - مخرج في الصحيح2، فلهذا وصفه بالحسن.
ويؤيد هذا ما رويناه عن أبي زرعة الرازي أنه سئل عن أبي صالح3 كاتب الليث، فقال:"لم يكن ممن يتعمد الكذب، ولكنه كان يغلط وهو عندي حسن الحديث"4.
1 ت 6 -كتاب الصيام 68 - حديث 787 وقال الترمذي عقبه: "حديث حسن" وقد روي عن معاذة عن عائشة" وهو كذلك في كثير من النسخ، انظر تحفة الأحوذي 3/498، وعارضة الأحوذي 3/312 وهنا ملاحظة وهي: إذا كان حكم الترمذي لهذا الحديث بالحسن ليس استنادا إلى إسناد معتب بل بالنظر إلى حديث معاذة وهو في الصحيحين وغيرهما فلماذا لم يحكم له بالصحة؟
2 خ 6 - كتاب الحيض 20 - باب لا تقضي الحائض الصلاة حديث 222، م 3 - كتاب الحيض 15 - باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة حديث 67 - 69، د 1 - كتاب الطهارة 105 باب في الحائض لا تقضي الصلاة حديث 262، ت - أبواب الطهارة 97 - باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة حديث 130، 1: 157، جه 1- كتاب الظهارة 119- باب الحائض لا تقضي الصلاة حديث 631 ولفظه من مسلم قالت:"كانت يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
3 هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة، من العاشرة مات سنة 222. خت د ت ق.
تقريب 1/423، الكاشف 2/96.
4 هذا يتوقف على معرفة مذهب أبي زرعة هل يريد بالحسن الحسن اللغوي أو الاصطلاحي الذي يستعمله الترمذي، وذلك أن بعض الأئمة يطلق الحسن على روايات بعض الضعفاء ويرى عدم الاحتجاج بها كابي حاتم قرين أبي زرعة.
انظر فتح المغيث 1/68.
3-
ومن/ (ي77) أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية من سمع من مختلط بعد اختلاطه، ما رواه من طريق يزيد بن هارون1 عن المسعودي2 عن زياد بن علاقة3 قل:"صلى بنا المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - فلما صلى ركعتين قام فلم يجلس فسبح به من خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم".
وقال: "هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم –". قال: هذا حديث حسن4.
قلت: "والمسعودي اسمه: عبد الرحمن وهو ممن وصف بالاختلاط وكان سماع يزيد منه بعد أن اختلط.
1 يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد من التاسعة مات سنة 206/ع.
تقريب 2/372، تذكرة الحفاظ 1/317.
2 عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي المسعودي، صدوق اختلط قبل موته، وضابطه أنه من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، من السابعة مات سنة 160/خت4. تقريب 1/487، ميزان الاعتدال 2/574.
3 زياد بن علاقة - بكسر المهملة وبالقاف - الثعلبي - بالمثلثة والمهملة - أبو مالك الكوفي ثقة رمي بالنصب، من الثالثة، مات سنة 135 وقد جاوز المائة/ع. تقريب 1/269، الخلاصة ص125 وقال توفي سنة 125.
4 ت أبواب الصلاة 269 - باب ما جاء في الإمام ينهض في ركعتين ناسيا، حديث 365 وقال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن صحيح، كذا في النسخة التي حققها أحمد شاكر والنسخة الهندية 1/68، والنسخة التي حققها الدعاس طبعة حمص 2/39، وأشار أحمد شاكر إلى اختلاف النسخ فقال: كلمة صحيح لم تذكر في م والحديث صحيح ت 2/201. علما بأن أحمد شاكر قد اعتمد في تحقيقه لسنن الترمذي سبع نسخ وعلى هذا فست نسخ منها فيها كلمة صحيح.
وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من أوجه أخر بعضها عند المصنف1 أيضا - رحمة الله تعالى عليه - والله أعلم./ (ر44/ب) ".
4-
ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية مدلس قد عنعن ما رواه من طريق يحيى بن سعيد عن المثنى بن سعيد2 عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن يموت بعرق الجبين". قال: "هذا حديث حسن"3.
وقد قال بعض أهل العلم: "لم يسمع قتادة من عبد الله بن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قلت: وهو عصريه وبلديه كلاهما من أهل/ (?45/ب) البصرة ولو صح أنه سمع منه فقتادة مدلس معروف بالتدليس وقد روى هذا بصيغة العنعنة،
1 ت في نفس الباب حديث 364 من طريق ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة وقال عقبه: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة - رواه سفيان عن جابر عن المغيرة بن شبيل عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة. وجابر الجعفي قد ضعفه بعض أهل العلم، تركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهما.
2 المثنى بن سعيد الضبعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة - أبو سعيد البصري القسام القصير ثقة م السادسة/ع. تقريب 2/228، تهذيب التهذيب 10/35-34.
3 ت 8 - كتاب الجنائز 10 - باب ما جاء أن المؤمن يموت بعرق الجبين حديث 972 وقال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن وانظر تحفة الأشراف 2/88- 89، حديث 1992 ونقل عن الترمذي أنه قال: حسن والنسخة مع عارضة الأحوذي 4/205 وقال حسن والنسخة الهندية 1/137 وقال: حسن. وقد قال بعض أهل العلم لا نعرف لقتادة سماعا من عبد الله بن بريدة، وأخرج هذا الحديث ابن ماجه 6- كتاب الجنائز 5- باب ما جاء في المؤمن يؤجر بالنزع حديث 1452 من طريق المثنى بن سعيد به والنسائي 4/6 من طريق المثنى أيضا به ومن طريق محمد بن معمر حدثنا يوسف بن يعقوب قال: حدثنا كهمس عن ابن بريدة عن أبيه به ومحمد بن معمر ويوسف كلاهما صدوق ورواه أحمد 5/350، 357، 360 من طريق المثنى به.
وإنما وصفه بالحسن لأن له شواهد من حديث عبد الله بن مسعود1 وغيره رضي الله عنهم.
ومن ذلك ما رواه من طريق هشيم2 عن يزيد عن أبي زياد3 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن/ (ب92) البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن حقا على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة وليمس أحدهم من طيب أهله فإن لم يجد فالماء له طيب". قال: "هذا حديث حسن"4.
قلت: "وهشيم موصوف بالتدليس، لكن تابعه عنده أبو يحيى التيمي"5.
وللمتن شواهد من حديث أبي سعيد الخدري6 وغيره - رضي الله تعالى عنهم -.
1 حديث ابن مسعود في مجمع الزوائد 2/325 وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات.
2 هشيم بالتصغير - بن بشير - بوزن عظيم - بن القاسم بن دينار السلمي الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي من السابعة مات سنة 183.
تقريب 2/320، الكاشف 3/224.
3 يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي ضعيف، كبر فتغير صار يتلقن وكان شيعيا من الخامسة مات سنة 136/خت م 4. تقريب 2/365، الكاشف 3/278.
4 ت أبواب الصلاة باب 381 حديث 529، وانظر تحفة الأشراف 2/29 وقال:"حسن".
5 حديث أبي يحيى التيمي عن يزيد عن أبي زياد به في ت 381 باب ما جاء في السواك والطيب حديث 528 ورواه أحمد 4/283 من طريق عبد العزيز بن مسلم عن يزيد بن أبي زياد، وأبو يحيى التيمي هو إسماعيل بن إبراهيم الأحول الكوفي ضعيف من الثامنة ت ق. تقريب 1/66 ورواية عبد العزيز بن مسلم تعتبر متابعة أخرى لهشيم.
6 حديث أبي سعيد الخدري في خ - كتاب الجمعة 3 باب الطيب للجمعة حديث 880 ولفظه: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن ويمس طيبا إن وجد" فحديث أبي سعيد شاهد لحديث الراء إلا في قوله "فالماء له طيب" وعلى هذا فكان الصواب أن يقال حسن صحيح.
5-
ومن/ (ي78) أمثلة ما وصفه بالحسن وهو منقطع الإسناد - ما رواه من طريق عمرو بن مرة1 عن أبي البختري عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر في العباس - رضي الله تعالى عنه -: "إن عم الرجل صنو أبيه". وكان عمر رضي الله عنه تكلم في صدقته. وقال: هذا حديث حسن2.
قلت: "أبو البختري: اسمه سعيد بن فيروز3 ولم يسمع من علي - رضي الله تعالى عنه –".
فالإسناد منقطع ووصفه بالحسن لأن له شواهد مشهورة من حديث أبي هريرة4 وغيره/ (ر45/أ) وأمثلة ذلك عنده كثيرة.
وقد صرح هو ببعضها.
1 عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملي - بفتح الجيم والميم - المرادي أبو عبد الله الكوفي الأعمى ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء، من الخامسة مات سنة 118 وقيل قبلها/ع. تقريب 2/78، الكاشف 2/343 وقال مات سنة 116.
2 ت 50 - كتاب المناقب 29 - باب مناقب العباس حديث 3760. وقال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن صحيح. وهذا في طبعة الحلبي تحقيق إبراهيم عطوة والنسخة مع عارضة الأحوذي نشر مكتبة المعارف 13/188. أما النسخة الهندية 2/219 والنسخة طبعة المدني مع تحفة الأحوذي 10/266 - مع عدم الوثوق بالأخيرة - ففيهما "حسن" فقط.
3 سعيد بن فيروز أبو البختري - بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة - ابن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت فيه تشيع قليل، كثير الإرسال، من الثالثة/ع مات سنة 83.
تقريب 1/303، الكاشف 1/371.
4 حديث أبي هريرة في م 12 - كتاب الزكاة 3 - باب في تقديم الزكاة حديث 11، ت 50 - المناقب 29 - باب مناقب العباس حديث 3761 وقال عقبة:"هذا حديث حسن صحيح غريب"، د 3 كتاب الزكاة 21 - باب في تعجيل الزكاة حديث 1623، حم 1/94.
فمن ذلك ما رواه من طريق الليث عن خالد بن يزيد1 عن سعيد بن أبي هلال2 عن إسحاق بن عمر3 عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: "ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لوقتها الآخر مرتين4/ (?46/أ) حتى قبضه الله عز وجل".
قال: "هذا حديث حسن"5 وليس إسناده بمتصل.
1 خالد بن يزيد أبو عبد الرحيم المصري، فقيه ثقة، عن عطاء والزهري وعنه الليث، توفي سنة 139/ع.
الكاشف 1/276، التقريب 1/220.
2 سعيد بن أبي هلال الليثي مولاهم أبو العلاء المصري، صدوق إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط، من السادسة مات سنة 135. تقريب 1/307، الكاشف 1/374.
3 إسحاق بن عمر عن عائشة وعنه سعيد بن أبي هلال مجهول.
الكاشف 1/112، التقريب 1/59، ميزان الاعتدال 1/195 وقال:"تركه الدارقطني" وقال الذهبي: "روي عنها (يعني عائشة) : "ما صلى رسول الله صلى اله عليه وسلم صلاة لوقتها الآخر إلا مرتين".
4 كذا في جميع النسخ، وقد علق أحمد شاكر في سنن الترمذي على هذا الموضع فقال: اختلفت نسخ الترمذي في هذه الجملة اختلافا كثيرا، فما هنا هو الذي في (ب) و (?) و (ك) وهو الموافق لرواية الحاكم من طريق قتيبة، ولرواية البيهقي عن الحاكم. وفي م كلمة مرتين وهو خطأ من الناسخ فيما أظن وفي ن "لوقتها الآخر إلى مرتين" بزيادة "إلا" وهو يوافق ما نقله الزيلعي في نصب الراية 1/127 وصاحب جمع الفوائد 1/60 كلاهما عن الترمذي وفي ع "لوقتها الآخر إلا مرتين من عذرين" وكلمة من عذرين لم أجد لها ما يؤيدها. هامش الجزء الأول من سنن الترمذي تحقيق شاكر ص328.
5 ت أبواب الصلاة 127 - باب ما جاء في الوقت الأول من االفصل حديث 174، وقال عقبة "هذا حديث (حسن) غريب" وقد وضع أحمد شاكر كلمة "حسن" بين قوسين وقال: الزيادة من ن، ع، ب ولم يذكرها الزيلعي في نصب الراية ولا ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة إسحاق بن عمر عندما نقلا كلام الترمذي والأمر كما قال أحمد شاكر فإن الزيلعي أورد الحديث في نصب الراية 1/244 وعزاه إلى الترمذي ونقل عنه أنه قال:"غريب" وليس إسناده بمتصل. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب 1/244 في ترجمة إسحاق ابن عمر: "هو مجهول روى له الترمذي حديثا واحدا في مواقيت الصلاة وقال: غريب وليس إسناده بمتصل".
وإنما وصفه بالحسن لما عضده من الشواهد من حديث أبي برزة الأسلمي1 وغيره.
وقد حسن عدة أحاديث من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود2 عن أبيه وهو لم يسمع منه عند الجمهور3. وحديثاً من رواية أبي قلابة الجرمي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - وقال بعده: "لم يسمع أبو قلابة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها –".
ورأيت لأبي عبد الرحمن النسائي نحو ذلك، فإنه روى حديثا من رواية أبي عبيدة عن أبيه، ثم قال: أبو عبيدة لم يسمع/ (ب93) من أبيه إلا4 أن هذا الحديث جيد5.
1 هو صحابي جليل نضلة بن عبيد الأسلمي مشهور بكنيته أسلم قبل الفتح وغزا سبع غزوات مات سنة 65 على الصحيح. تقريب 2/302، الإصابة 3/526.
2 أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته، والأشهر أن لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي ثقة من كبار الثالثة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه مات بعد 80/4. تقريب 2/448.
3 من الأحاديث التي رواها الترمذي عن أبي عبيدة عن أبيه حديث يتضمن استشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أسارى بدر 24 كتاب الجهاد 34 باب ما جاء في المشورة حديث 1714 وقال: "عقبه هذا حديث حسن وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه".
4 في كل النسخ "لأن هذا الحديث جيد" وأنت ترى أن الكلام غير مستقيم والصواب ما أثبتناه.
5 وجدت في سنن النسائي 3/86 عقب حديث خطبة الحاجة الذي رواه النسائي من طريق أبي عبيدة عن أبيه هذا الكلام: "قال أبو عبد الرحمن: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئا ولا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ولا عبد الجبار بن وائل بن حجر" ولم أجد قوله إلا أن هذا الحديث جيد" وقد بحثت عنه في سنن النسائي في ضوء تحفة الأشراف فلم أضفر به، ولعله في الكبرى أو في نسخة وقف عليها الحافظ من الصغرى.
وكذا قال - في حديث رواه من رواية عبد الجبار بن وائل بن حجر1: عبد الجبار لم يسمع من أبيه لكن الحديث في نفسه جيد.
إلى غير ذلك من الأمثلة.
وذلك مصير منهم إلى أن الصورة الاجتماعية لها تأثير في التقوية.
وإذا تقرر ذلك كان من رأيه - أي الترمذي - أن جميع ذلك إذا اعتضد لمجيئه من وجه آخر أو أكثر نزل منزلة الحسن احتمل ألا يوافقه/ (ي79) غيره على هذا الرأي أو يبادر للإنكار عليه إذا وصف حديث الراوي الضعيف أو ما إسناده منقطع بكونه حسنا فاحتاج إلى التنبيه على اجتهاده في ذلك وأفصح عن مقصده2 فيه ولهذا أطلق الحسن لما عرف به فلم يقيده بغرابة ولا غيرها ونسبه إلى نفسه ومن يرى رأيه فقال: "عندنا كل حديث" إلى آخر كلامه الذي ساقه شيخنا/ (ر45/ب) بلفظه3.
1 عبد الجبار بن وائل بن حجر - بضم المهملة وسكون الجيم - ثقة لكنه أرسل عن أبيه من الثالثة مات سنة 112/ م4. تقريب 1/466.
2 في جميع النسخ "عن مصلحة" والتصحيح من توضيح الأفكار (1/166) وقد نقل هذا النص من قول الحافظ: "وذلك مصير منهم" إلى هنا.
3 التقييد والإيضاح (ص44) ، العلل للترمذي (ص22)(5/758) تحقيق إبراهيم عطوة طبعة الحلبي.
ملاحظة: هذه الأمثلة التي ساقها الحافظ رحمه الله لبيان اصطلاح الترمذي فيما سماه بالحسن فيها نظر، ولا يصح أن يؤخذ منها قاعدة في اصطلاح الترمذي في هذا اللفظ، وبيان ذلك:
1-
أن عاصم بن عبيد الله العمري ضعيف سيء الحفظ، وقد روى حديث عن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين.
قال الحافظ: "إن الحافظ وصف حديثه بالحسن لمجيئه من غير وجه".
لكن الترمذي لم يقتصر على وصفه بالحسن كما قال الحافظ، بل وصفه بأنه حسن صحيح وذلك شيء اتفقت عليه كل النسخ التي وصلت إليها يدي ليس في أي واحدة منها ما حكاه الحافظ.
2-
أن مجالد بن سعيد روى حديث أبي سعيد: "كان عندنا خمر ليتيم
…
"الحديث.
قال الحافظ: "ومجالد ضعفوه ووصفوه بالغلط والخطأ، وإنما وصفه (أي حديثه) بالحسن لمجيئه من غير وجه من حديث أنس وغيره".
لكن وجدنا نسخ الترمذي قد اختلفت فيه فنسختان منها فيها لفظ "حسن" فقط وهما الهندية وطبعة المدني مع عدم الوثوق بالأخيرة.
ونسختان فيهما "حسن صحيح" وهما تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي طبعة الحلبي وطبعة حمص تحقيق الدعاس، ويظهر أن ما فيهما هو الراجح؛ لأن شاهده وهو حديث أنس قد صححه الترمذي، وهو في صحيح مسلم، وما كان كذلك فحقه التصحيح لا التحسين فحسب.
3-
ذكر الحافظ أن الترمذي روى عن يزيد بن هارون عن المسعودي بعد أن اختلط حديث المغيرة أنه صل ركعتين فقام ولم يجلس
…
الحديث، ووصفه بالحسن قال: وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من وجوه أخر.
لكن وجدنا في كل النسخ التي لدينا أن الترمذي قال: "حسن صحيح" إلا أن أحمد شاكر أشار إلى نسخة واحدة من نسخ سبع اعتمد عليها في تحقيق سنن الترمذي فقال: "كلمة "صحيح" لم تذكر في م وعلى هذا فست نسخ منها فيها "حسن صحيح".
4-
قال الحافظ: "إن رواية أبي البختري عن علي منقطعة وقد روى عنه حديث: "إن عم الرجل صنو أبيه". قال: "إن الترمذي وصفه بالحسن لأن له شواهد مشهورة من حديث أبي هريرة وغيره".
إلا أنا وجدنا نسخ الترمذي قد اختلفت فيه، فبعضها فيه "حسن" فقط الهندية وطبعة المدني، وبعضها فيه "حسن صحيح" طبعة الحلبي تحقيق إبراهيم عطوة والنسخة التي مع عارضة الأحوذي.
ولكن شاهده من حديث أبي هريرة قد صححه الترمذي، وهو في صحيح مسلم وغيره وذلك يقتضي أن يحكم له الترمذي بالصحة، وهو من مرجحات النسخ التي فيها "حسن صحيح".
5-
أن إسحاق بن عمر أحد الرواة المجهولين، وقد روى عن عائشة حديث "ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لوقتها الآخر مرتين" قال الحافظ: إن الترمذي وصفه بالحسن غير نسخ الترمذي اختلفت في ذلك فبعضها فيه حسن غريب وهو طبعة المدني مع تحفة الأحوذي، والنسخة التي حققها أحمد شاكر وقد وضع كلمة "حسن" بين قوسين وقال: زيادة من (م) ، (ع) ، (ب) ومعنى هذا أن أربعا من النسخ التي اعتمد عليها في التحقيق قد اقتصرت على كلمة "غريب" وكذا في النسخة التي مع عارضة الأحوذي "حسن غريب" وبعضها فيه كلمة "غريب" فقط وهي النسخة الهندية.
والظاهر أن الترمذي قد اقتصر على كلمة "غريب" يؤيده أن الحافظ نفسه قد نقل عن الترمذي في ترجمة إسحاق بن عمر أنه قال في هذا الحديث: "غريب وليس بمتصل". وأن الزيلعي لم ينقل عن الترمذي إلا كلمة "غريب".
وأخيرا فقد يقال: إن النسخة التي اعتمد عليها الحافظ في هذه الأمثلة الأمر فيها كما قال الحافظ في هذه الأحاديث.
والجواب:
أ- أن الحافظ يعلم أن بين نسخ جامع الترمذي اختلافا، وفي اعتقادي أنه لو قارن نسخه بعدد من النسخ لظهر الاختلاف بينها ولما مثل بهذه الأمثلة، بل كان يلتمس غيرها في هذا الموضع الهام
ب- أن بعض هذه الأمثلة قد رواها مسلم في بعض صحيحه، وبعضها قد حكم عليه الترمذي في جامعه بأنه صحيح، فلو استحضر الحافظ ذلك لما مثل بها ولو كانت في نسخته كذلك، وكيف يمثل بها وهو القائل:"على أن الحديث إذا كان مخرجا في الصحيحين فإن الترمذي يقول فيه "حسن صحيح" غالبا" انظر ص271.
ج- أن بعض الأمثلة قد حكم عليه الحافظ نفسه بالغرابة في كتابه تهذيب التهذيب وحكم عليها الزيلعي بهذا الحكم فلو استحضر هذا لما مثل به.
وإذا تقرر ذلك بقي وراءه أمر آخر.
وذلك أن المصنف وغير واحد نقلوا الاتفاق على/ (?46/ب) أن الحديث الحسن يحتج به كما يحتج بالصحيح وإن كان دونه في المرتبة.
فما المراد على هذا بالحديث الحسن الذي اتفقوا فيه على ذلك هل هو القسم الذي حرره المصنف وقال: إن كلام الخطابي ينزل عليه. وهو رواية الصدوق المشهور بالأمانة1
…
إلى آخر كلامه، أو القسم الذي ذكرناه آنفا عن الترمذي مع مجموع أنواعه التي ذكرنا أمثلتها، أو ما هو أعم من ذلك؟
لم أر من تعرض لتحرير هذا، والذي يظهر لي أن دعوى الاتفاق إنما تصح على الأول دون الثاني وعليه أيضا يتنزل قول المصنف أن كثيرا من أهل
1 مقدمة ابن الصلاح ص28.
الحديث لا يفرق/ (ب94) بين الصحيح والحسن1 كالحاكم كما سيأتي وكذا قول المصنف2: "إن الحسن إذا جاء من طرق ارتقى إلى الصحة" كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
فأما ما حررناه عن الترمذي أنه يطلق عليه اسم الحسن من الضعيف والمنقطع إذا اعتضد، فلا يتجه إطلاق الاتفاق على الاحتجاج به جميعه ولا دعوى الصحة3 فيه إذا أتى4 من طرق.
ويؤيد هذا قول الخطيب5: "أجمع أهل العلم أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به".
وقد صرح أبو الحسن ابن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتابه "بيان الوهم والإيهام" بأن هذا القسم لا يحتج به كله، بل يعمل به في فضائل الأعمال، ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه وعضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح/ (ي80) أو ظاهر القرآن.
وهذا حسن قوي رايق ما أظن منصفا/ (?47/أ) يأباه والله الموفق. ويدل/ (ر46/أ) على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم [عنده] 6 أن يحتج به؛ لأنه أخرج حديثا من طريق خثيمة البصري عن الحسن عن عمران بن حصين - رضي
1 مقدمة ابن الصلاح ص36.
2 مقدمة ابن الصلاح ص31.
3 هنا إشكال وهو أن الأمثلة التي سبق أن ذكرها الحافظ وأشار إليها هنا لأكثرها شواهد صحيحة ومنها ما هو في الصحيحين أو أحدهما فماذا يسمى هذا النوع.
4 كلمة "أتى" من (ي) وقد اختلفت النسخ هنا ففي ر/ب وفي (ب)"جاء" وفي ر/أ "كان" وفي (?)"ادعاء" وهذا الأخير خطأ واضح.
5 الكفاية ص83.
6 الزيادة من (ي) .
الله تعالى عنه - وقال بعده هذا حديث حسن وليس إسناده بذاك1.
وقال في كتاب العلم بعده: بعد أن أخرج حديثا في فضل العلم: "هذا حديث حسن2 قال: وإنما لم نقل لهذا الحديث: صحيح، لأنه يقال: أن الأعمش دلس فيه فرواه بعضهم عنه، قال: "حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه –" انتهى.
فحكم له بالحسن للتردد الواقع فيه، وامتنع عن الحكم عليه بالصحة لذلك، لكن في كل المثالين نظر، لاحتمال أن يكون سبب تحسينه لهما كونهما جاءا3 من وجه4 آخر كما تقدم تقريره.
لكن محل بحثنا هنا هل يلزم5 من الوصف بالحسن الحكم له بالحجة أم لا؟.
(هذا الذي يتوقف فيه والقلب إلى ما حرره ابن قطان أميل) 6 - والله أعلم -.
1 الحديث في ت46 - كتاب فضائل القرآن 20 - باب - حديث 2917 من طريق الأعمش عن خيثمة عن الحسن عن عمران بن حصين أنه مر على قاص يقرأ ثم سأل، فاسترجع، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ القرآن فليسأل الله به
…
" الحديث. قال الترمذي: هذا حديث حسن ليس إسناده بذاك.
2 الحديث المشار إليه في ت 42 - كتاب العلم 2 - باب فضل طلب العلم حديث 2646 رواه من طريق أبي أسامة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة" وقال عقبه: "هذا حديث حسن ولم أجد فيه ما حكاه الحافظ من أنه قال وإنما لم نقل لهذا الحديث صحيح"
…
إلخ، وقد بحثت عنه في عدد من النسخ.
3 من (ر) وفي (?) و (ب) جاء بإسناد الفعل إلى الواحد.
4 في (ب) من أوجه.
5 في (?) و (ب) يلتزم.
6 ما بين القوسين ارتبكت فيه النسخ فكلمة "هذا" في (ي) وحدها وكلمة "القلب" في جميعها بلفظ التغلب وتصحيحها من توضيح الأفكار والسياق يقتضيها، وكلمة "أميل" سقطت من نسختي (ر) وهي في (?) الميل أو المعل. ونقل الصنعاني هذا الكلام عن الحافظ من أول كلام ابن قطان إلى هنا. توضيح الأفكار 1/180.
16-
قوله (ع) : حكاية عن أبي الفتح القشيري أنه قال: "ليس في عبارة الخطابي كثير تلخيص، والصحيح - أيضا - قد عرف مخرجه واشتهر رجاله"1.
أقول: "أجاب الحافظ أبو سعيد العلائي عن ذلك فقال: "إنما يتوجه الاعتراض على الخطابي أن لو كان عرف بالحسن فقط، أما وقد عرف بالصحيح أولا ثم عرف بالحسن فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله "ما لم يبلغ درجة الصحيح، ويعرف هذا من مجموع كلامه".
قلت: "وعلى تقدير تسليم هذا الجواب فهذا القدر غير منضبط كما/ (?47/أ) أن القرب الذي في كلام ابن الجوزي2 - رحمه الله تعالى - غير منضبط فيصح ما قال القشيري أنه على غير صناعة الحدود والتعريفات. وقد رأيت لبعض المتأخرين في الحسن كلاما يقتضي أنه الحديث الذي في رواته مقال، لكن لم يظهر فيه مقتضى الرد/ (ر46/أ) فيحكم/ (ي81) على حديثه بالضعف ولا يسلم من غوائل الطعن، فيحكم لحديثه بالصحة".
وقال ابن دحية: "الحديث الحسن هو: ما دون الصحيح مما فيه ضعف قريب محتمل عن راو لا3 ينتهي إلى درجة العدالة ولا ينحط إلى درجة الفسق".
قلت: "وهو جيد بالنسبة إلى النظر في الراوي لكن صحة الحديث وحسنه ليس تابعا لحال الراوي فقط، بل لأمور تنضم إلى ذلك من المتابعات والشواهد وعدم الشذوذ والنكارة، فإذا اعتبر في مثل هذا سلامة راويه الموصوف بذلك من
1 التقييد والإيضاح ص44.
2 قال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات 1/35: "القسم الرابع ما فيه ضعف قريب محتمل وهذا هو الحسن ويصلح البناء عليه والعمل به" وانظر مقدمة ابن الصلاح ص26.
3 في كل النسخ "ولا" ما عدا (ي) وقد ضرب على الواو في ر/أ.
الشذوذ والإنكار كان من أحسن ما عرف به الحديث الحسن الذاتي لا المجبور على رأي الترمذي - والله أعلم.
تنبيه:
فسر القاضي أبو بكر بن العربي مخرج الحديث بأن يكون من رواية راو قد اشتهر برواية حديث أهل بلده، كقتادة في البصريين، وأبي إسحاق السبيعي في الكوفيين، وعطاء في المكيين وأمثالهم1. فإن حديث البصريين مثلا إذا جاء عن قتادة ونحوه كان مخرجه معروفا، وإذا جاء عن غير قتادة ونحوه كان شاذا - والله أعلم -.
17-
قوله (ع) - حكاية عن التاج التبريزي: أنه تعقب على ابن دقيق العيد قوله: "إن الصحيح أخص من الحسن، فإن من لازم ذلك أن يدخل الصحيح في حد2 الحسن/ (ل48/أ) ، لأن دخول الخاص في حد العام ضروري3.
أقول: بين الصحيح والحسن خصوص وعموم من وجه، وذلك بين واضح لمن تدبره، فلا يرد اعتراض التبريزي إذ لا يلزم من كون الصحيح أخص من الحسن من وجه أن يكون أخص منه مطلقا حتى يدخل الصحيح في الحسن4.
وقد سألت شيخنا إمام الأئمة5 عنه - والله الموفق.
1 عارضة الأحوذي 1/14- 15 وفيه والمدنيين عن ابن شهاب.
2 كلمة "حد" من (ر) و (ي) وليست في (?) و (ب) .
3 التقييد والإيضاح ص44.
4 سبق للحافظ كلام حول قيد عدم الشذوذ في حد الصحيح يفيد أن بين الصحيح والحسن عموم مطلق قال: "فنسبة الشاذ من المنكر نسبة الحسن من الصحيح فكما يلزم من انتفاء الحسن عن الإسناد انتفاء الصحة كذا يلزم من انتفاء الشذوذ عنه انتفاء النكارة" ص20.
5 الظاهر أنه يريد به البلقيني.
18-
قوله (ع) : حكاية عن بعض المتأخرين أنه زعم أن قول الترمذي: ولا يكون/ (ر47/أ) شاذا "زيادة لا حاجة إليها، لأن قوله يروي من غير وجه يغني عنه، ثم قال: فكأنه كرره بلفظ/ (ي82) مباين"1.
أقول: ليس في كلامه تكرار بل الشاذ عنده ما خالف فيه الراوي من هو أحفظ منه أو أكثر سواء انفرد به أو لمن ينفرد، كما صرح به الشافعي رضي الله عنه.
وقوله: يروى من غير وجه شرط زايد على ذلك. وإنما يتمشى ذلك على رأي من يزعم أن الشاذ ما تفرد به الراوي مطلقا. وحمل/ (ب97) كلام الترمذي على الأول أليق، لأن الحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد، ولا سيما في التعاريف - والله أعلم.
19-
قوله (ع) 2: حكاية عن بعض المتأخرين أنه يرد على ابن الصلاح في القسم الأول (بعني الذي نزل كلام الترمذي عليه) المنقطع والمرسل الذي في3 رجاله مستور وروي مثله أو نحوه من وجه آخر.
أقول: المتأخر المذكور هو القاضي بدر الدين بن جماعة، كذلك قال في مختصره وأقر شيخنا كلامه، وهو غير وارد لما قدمنا ذكره أن الترمذي يحكم للمنقطع إذا روي من وجه آخر بالحسن.
[تعريف ابن جماعة للحسن:]
وأما قول/ (?48/ب) ابن جماعة: "الأحسن في حد الحسن أن يقال: هو ما في إسناده المتصل مستور، له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان، وخلا من العلة والشذوذ"4
1 التقييد والإيضاح ص44.
2 التقييد والإيضاح ص47. وانظر مختصر ابن جماعة ل5 ب 6/أ.
3 كلمة "في" سقطت من (ر) وقوله "الذي في رجاله مستور" لعله سقطت منه الواو.
4 مختصر ابن الجماعة ل6/أ.
[رد الحافظ على ابن جماعة:]
فليس يحسن في حد الحسن فضلا1عن أن يكون أحسن2، لأوجه:
أحدها: أن قيد الاتصال إنما يشترط في رواية الصدوق الذي لم يوصف بتمام الضبط والإتقان، وهذا هو الحسن لذاته، وهو الذي لم يتعرض الترمذي لوصفه. بخلاف القسم الثاني الذي وصفه، فلا يشترط الاتصال في جميع أقسامه كما قررناه.
ثانيهما: اقتصاره على رواية المستور مشعر بأن رواية الضعيف السيئ الحفظ ومن وذكرنا معه من الأمثلة المتقدمة ليست تعد حسانا إذا/ (ر47/ب) تعددت طرقها، وليس الأمر في تصرف الترمذي كذلك، فلا يكون الحد الذي ذكره جامعا.
ثالثها: اشتراط نفي العلة3 لا يصلح هنا؛ لأن الضعف في/ (ي83) الراوي علة في الخبر والانقطاع في الإسناد علة الخبر/ (ب98) ، وعنعنة المدلس علة في الخبر، وجهالة حال4 الراوي علة5 في الخبر، ومع ذلك فالترمذي يحكم على ذلك كله بالحسن إذا جمع الشروط الثلاثة التي ذكرها، فالتقييد بعدم العلة يناقض ذلك والله أعلم.
1 كلمة "فضلا" من (ي) وهامش (ر) استظهارا من أحد المطالعين.
2 كلمة "أحسن" لم تذكر في تعريف ابن جماعة وعبارته: "لو قيل: الحسن كل حديث خال من العلل وفي سنده المتصل مستور له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان لكان أجمع لما حددوه وقريبا مما حاولوه وأخصر منه".
3 هذا الوجه غير وارد في نظري على ابن الجماعة، لأنه - والله أعلم - إنما اشترط نفي العلة المصطلح عليها بين أهل الحديث وهي عندهم "عبارة عن أسباب خفية قادحة في الإسناد أو المتن" فالحديث المعل هو الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها. وما اعترض به الحافظ كله ليس من هذا القبيل.
4 كلمة "حال" سقطت من (ب) .
5 كلمة "علة" سقطت من (ب) .
(رابعها: القصور1 الذي ذكر غير منضبط، فيرد عليه ما يرد على ابن الجوزي) 2 - والله أعلم -.
34-
قوله (ص) : "وإذا استبعد ذلك3 من الفقهاء الشافعية مستبعد ذكرنا له نص الشافعي رضي الله عنه في قبول مراسيل التابعين"
…
إلى آخره4.
أقول إنما اقتصر على الشافعية دون غيرهم، لأنهم هم الذين يردون المؤسل دون غيرهم من الفقهاء، ومع ذلك فالشافعي - رضي الله تعالى عنه - لا يرده مطلقا/ (?49/أ) ولكن اقتصاره على الفقهاء في استبعاد ذلك عجيب، فإن جمهور المحدثين لا يقبلون رواية المستور، وهو قسم من المجهول فروايته بمفردها ليست بحجة عندهم وإنما يحتج بها عند بعضهم بالشروط التي ذكرها الترمذي، فلا معنى لتخصيص ذلك بالفقهاء.
35-
قوله (ص) : "ومن ذلك ضعف لا يزول بمجيئه من وجه آخر لقوة الضعف وتقاعد الجابر عن جبره ومقاومته، كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا، وهذه جملة يدرك تفاصيلها بالمباشرة"5.
1 في كل النسخ "المقصور" والصواب ما أثبتناه.
2 ما بين القوسين سقط من ر/ب.
3 كلمة "ذلك" إشارة إلى أنه لا يشترط في الحسن ما يشترط في الصحيح من العدالة وتمام الضبط والإتقان.
4 وتمامه: "أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه مرسل آخر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول في كلام ذكر فيه وجوها من الاستدلال على صحة مخرج المرسل لمجيئه من وجه آخر". مقدمة ابن الصلاح ص29.
5 مقدمة ابن الصلاح ص31، حيث قسم ابن الصلاح الضعيف إلى قسمين: قسم يزول ضعفه إذا وجد له جابر من متابع أو شاهد وقسم لا يزول ضعفه لشدة ضعفه وتقاعد الجابر عن جبره.
أقول لم يذكر للجابر ضابطا يعلم منه ما يصلح أن يكون جابرا أو لا، والتحرير فيه أن يقال: إنه يرجع إلى الاحتمال في طرفي القبول والرد، فحيث يستوي الاحتمال فيهما فهو الذي يصلح لأن ينجبر وحيث يقوى جانب الرد فهو الذي لا ينجبر.
وأما إذا رجح جانب القبول/ (ر48/أ) فليس من هذا، بل ذاك في الحسن الذاتي - والله أعلم -.
وقوله قبل ذلك: "إنا نجد أحاديث محكوما/ (ب99) بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد/ (ي48) كثيرة1.
ثم مثل ذلك بحديث الأذنان من الرأس"2.
وقد تعقب ذلك عليه الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد في شرح الإلمام فقال: "هذا الذي ذكره قد لا يوافق عليه، فقد ذكرنا رواية ابن ماجه وأن رواتها ثقات، ورواية الدارقطني وأن ابن القطان حكم لها بالصحة، وعلى الجملة فإن كان الحكم له بالقبول متوقفا على طريق لا علة لها ولا كلام في أحد من رواتها، فقد يتوقف ذلك هنا، لكن اعتبار ذلك صعب ينتقض عليهم في كثير مما صححوه أو حسنوه. ولو شرط ذلك لما/ (?49/ب) كان لهم حاجة إلى الحكم بالحسن فمقتضى3 المتابعة والمجيء من طرق للإسناد الضعيف؛ لأن الضعف علة - والله أعلم.
وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: "في التمثيل بذلك نظر، لأن الحديث المشار إليه ربما ينتهي ببعض طرقه إلى درجة الحسن".
1 مقدمة ابن الصلاح ص30.
2 مقدمة ابن الصلاح ص30 ويأتي تخريج الحديث في الصفحات التالية.
3 كلمة "فمقتضى" هي كذا في جميع النسخ ولعل الصواب "بمقتضى" وبه يستقيم الكلام.
وذكر شيخنا - في كلامه على هذا الموضع - أن أبا الفرج ابن الجوزي ذكر طرقه في العلل المتناهية وضعفها كلها1.
قلت: وقد راجعت "كتاب العلل المتناهية" لابن الجوزي، فلم أره تعرض لهذا الحديث، بل رأيته في كتاب التحقيق له2 قد احتج به وقواه فينظر في هذا.
وقد جمعت طرقه فيما كتبته على جامع الترمذي، فرأيت في الحاشية: أمثلها حديث عبد الله بن زيد وحديث عبد الله بن عباس وحديث عبد الله بن عمر وأبي أمامة - رضي الله تعالى عنهم - وفي كل واحد منها مع ذلك مقال - والله أعلم.
أما حديث عبد الله بن زيد3 رضي الله عنه/ (ب100) - فرواه ابن ماجه4 قال: ثنا سويد بن سعيد. ثنا يحيى بن زكريا5 بن أبي زائدة عن/ (ر48/ب) شعبة عن حبيب بن زيد6 عن عباد بن تميم7 عن عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس".
1 التقييد والإيضاح ص51.
2 1/92- 97 مطبعة السنة المحمدية سنة 1373 ذكر ابن الجوزي الحديث عن عدد من الصحابة ودافع عنه.
3 عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري المازني أبو محمد صحابي شهير روى صفة الوضوء وغير ذلك ويقال: إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب واستشهد بالحرة سنة 63/ع. تقريب 1/41، والإصابة 2/305.
4 كتاب الطهارة 53 - باب الأذنان من الرأس حديث 443.
5 يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الهمداني، بسكون الميم، أبو سعيد الكوفي ثقة متقن من كبار التاسعة، مات سنة 183.
تقريب 2/347، والكاشف 3/255.
6 حبيب بن زيد بن خلاد الأنصاري المدني وقد ينسب إلى جده ثقة من السابعة. /4. تقريب 1/149، والكاشف 1/202 وقال فيه عن عباد بن تميم ورمز له ب (ع) .
7 عباد بن تميم بن غزية الأنصاري المازني المدني ثقة من الثالثة/ع. تقريب 1/391، والكاشف 2/60.
قال المنذري: "هذا الإسناد متصل ورواته محتج بهم وهو أمثل إسناد في هذا الباب [قلت هذا الإسناد] 1 رجاله رجال مسلم، إلا/ (ي85) أن له علة فإنه من رواية سويد بن سعيد كما ترى، وقد وهم فيه، وذكر الترمذي في العلل الكبير أنه سأل البخاري عن هذا الحديث فضعف سويدا.
قلت: وهو وإن أخرج له مسلم في صحيحه فقد ضعفه الأئمة/ (?50/أ) واعتذر مسلم عن تخريج حديثه، بأنه ما أخرج له إلا ما له أصل من رواية غيره. وقد كان مسلم لقيه وسمع منه قبل أن يعمى ويتلقن ما ليس من حديثه، وإنما كثرت المناكير في روايته بعد عماه.
وقد حدث بهذا الحديث في حال صحته فأتى به على الصواب. فرواه البيهقي2 من رواية عمران بن موسى السختياني عن سويد بسنده إلى عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد وجعل يدلك. قال: "والأذنان من الرأس"، انتهى.
وقوله: قال والأذنان من الرأس هو من قول عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - والمرفوع منه ذكر الوضوء بثلثي مد والدلك.
وكذا أخرجه ابن خزيمة3 وابن حبان في صحيحهما، والحاكم4 من حديث أبي كريب عن ابن أبي زائدة دون الموقوف.
1 الزيادة من (ي) .
2 الحديث في سنن البيهقي 1/196، وفي كتاب المعرفة 1/454 ولكنه من طرق أخرى غير طريق عمران بن موسى عن سويد فرواه من طريق إبراهيم بن موسى الرازي عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن شعبة به ومن طريق سليمان بن داود عن أبي خالد الأحمر عن شعبة به ولم يذكر والأذنان من الرأس، هذا في السنن، أما في المعرفة فرواه بإسناده إلى أم عمارة ثم قال وقيل عن عبد الله بن زيد الأنصاري وليس فيه:"والأذنان من الرأس".
3 في الصحيح 1/62.
4 في المستدرك 1/161 المدرج.
وقد أوضحت ذلك بدلائله وطرقه في الكتاب الذي جمعته في المدرج1.
وأما حديث/ (ب/101) عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فرواه أبو بكر البزار في مسنده، والحسن بن علي المعمري2 في "اليوم والليلة"، كلاهما عن أبي كامل الجحدري قال: ثنا غندر ثنا ابن جريج/ (ر49/أ) عن عطاء عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأذنان من الرأس".
ومن هذا الوجه رواه الدارقطني3 وهذا رجاله رجال مسلم أيضا - إلا أن له علة، فإن أبا كامل تفرد به عن غندر وتفرد به غندر عن ابن جريج. وخالفه من هو أحفظ منه وأكثر عددا4.
فرووه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى5 عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلا - والعلة فيه/ (?50/ب) من جهتين:
1 رجعت إلى المدرج إلى السيوطي فلم أجد الرواية التي أشار إليها الحافظ.
2 الحسن بن علي بن شبيب المعمري أبو يعلى: قاض من حفاظ الحديث، قال الخطيب: كان في الحديث وجمعه وتصنيفه إماما ربانيا، توفي سنة 295. تذكرة الحفاظ 2/667، والأعلام 2/216.
3 في السنن 1/98 - 99 من طريق أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار (أبو بكر) ثنا أبو كامل الجحدري نا غندر محمد بن جعفر عن ابن جريج به ثم قال عقبه تفرد به أبو كامل عن غندر ووهم عليه فيه تابعه الربيع بن بدر - وهو متروك - عن ابن جريج والصواب عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا".
4 من الذين خالفوا غندرا وكيع وعبد الرزاق وسفيان الثوري وصلة بن سليمان وعبد الوهاب (أظنه الثقفي) كلهم رووه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو معضل كما قال الحافظ، انظر روايات هؤلاء في سنن الدارقطني 1/99.
5 سليمان بن موسى الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق، صدوق فقيه في حديثه لين وخلط قبل موته بقليل من الخامسة./م 4. تقريب 1/331، وتهذيب التهذيب 4/226.
إحداهما: أن/ (ي86) سماع غندر عن ابن جريج كان بالبصرة وابن جريج لما حدث بالبصرة حدث بأحاديث وهم فيها1، وسماع من سمع منه بمكة أصح.
ثانيهما: أن أبا كامل قال - فيما رواه أحمد بن عدي عنه -: "لم أكتب عن غندر إلا هذا الحديث أفادنيه2 عنه عبد الله بن سلمة الأفطس"3 انتهى.
والأفطس ضعيف جدا، فلعله أدخله على أبي كامل4.
وقد مال أبو الحسن ابن القطان إلى الحكم بصحته لثقة رجاله واتصاله5 وقال ابن دقيق العيد: لعله أمثل إسناد في هذا الباب.
قلت: وليس بجيد، لأن فيه العلة التي وصفناها، والشذوذ، فلا يحكم له بالصحة. كم تقرر - والله أعلم -.
وأما حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - فرواه البيهقي في الخلافيات من طريق ضمرة بن ربيعة6 عن إسماعيل بن عياش7 عن
1 في (?) وسمع.
2 في (ب)"قال فيه" والصواب ما أثبتناه.
3 عبد الله بن سلمة البصري الأفطس قال يحيى بن سعيد ليس بثقة وقال النسائي وغيره "متروك". ميزان الاعتدال 2/431.
4 أما الدارقطني فقد نسب الوهم إلى أبي كامل قال: تفرد به أبو كامل عن غندر ووهم عليه" ولعل الصواب ما نقله الحافظ عن ابن عدي.
5 انظر نصب الراية 1/19.
6 ضمرة بن ربيعة الفلسطيني، أصله دمشقي، صدوق يهم قليلا، من التاسعة مات سنة 202./بخ 4. تقريب 1/374، وتهذيب التهذيب 4/460.
7 إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي - بالنون - أبو عتبة الحمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم، من الثامنة، مات سنة 182/ب4. تقريب 1/73، وانظر الكاشف 1/127.
يحيى بن سعيد1 عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -/ (ب102) ورجاله ثقات، إلا أن رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين فيها مقال وهذا منها، والمحفوظ من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما من قوله.
وكذا رواه عبد الرزاق2 وأبو بكر بن أبي شيبة3 من طرق عنه.
وكذا رواه ابن أبي شيبة - أيضا - من رواية سعيد بن مرجانة4 وهلال بن أسامة5 كلاهما عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - موقوفا.
وأما حديث: أبي أمامة6 - رضي الله تعالى عنه - فقد أشار إليه (ر49/ب) شيخنا7 وقوله: إن ابن حبان أخرجه في صحيحه من رواية شهر عن أبي أمامة رضي الله عنه فيه نظر، بل ليس هو في صحيح ابن حبان البتة، لا من
1 يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الإمام أبو سعيد الأنصاري، حافظ فقيه حجة، مات سنة 143. الكاشف 3/256، وتهذيب التهذيب 11/221.
2 في المصنف 1/11 رواه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى معضلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: "الأذنان من الرأس". وعن الثوري عن أبي النضر عن سعيد بن مرجانة عن ابن عمر مثله وانظر سنن الدارقطني 1/98.
3 في المصنف 1/17 من طريق أسامة بن هلال عن ابن عمر، ومن طريق محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر موقوفا. وأبو بكر بن أبي شيبة هو الحافظ الثبت النحرير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي صاحب المسند والمصنف وغيرهما، مات سنة 235، من العاشرة/خ م د س ق. تقريب 1/445، تذكرة الحفاظ 2/432.
4 سعيد بن مرجانة وهو ابن عبد الله على الصحيح، ومرجانة أمه، أبو عثمان الحجازي، وزعم الذهلي أنه ابن يسار، ثقة فاضل، من الثالثة، مات قبل المائة بثلاث سنين. /خ م خد ت س. تقريب 1/304، والكاشف 1/372.
5 هلال بن أسامة الفهري المدني عن ابن عمر لا يعرف، تفرد عنه أسامة بن زيد الليثي. ميزان الاعتدال 4/311، والتقريب 2/322.
6 هو الصحابي الجليل صدي بن عجلان أبو أمامة الباهلي صحابي مشهور سكن الشام ومات بها سنة 86/ ع. تقريب 1/366 وانظر الإصابة 2/175.
7 التقييد والإيضاح، ص151.
طريق أبي أمامة ولا من طريق غيره، بل/ (?51/أ) لم يخرج ابن حبان في صحيحه لشهر شيئا.
وقد ذكرت طرق حديث شهر هذا في "كتاب المدرج"1 بدلائله وكيفية الإدراج فيه بحمد الله تعالى.
/ (ي87) وإذا نظر المنصف2 إلى مجموع هذه الطرق علم أن للحديث أصلا، وأنه ليس مما يطرح، وقد حسنوا أحاديث كثيرة باعتبار طرق لها دون هذه - والله أعلم -.
تنبيهان:
الأول: معنى هذا المتن أن الأذنين حكمهما حكم الرأس في المسح لا أنهما جزء من الرأس، بدليل أنه لا يجزئ المسح على ما عليهما من شعر عند من يجتزئ بمسح بعض الرأس بالاتفاق. وكذلك لا يجزئ المحرم أن يقصر مما عليهما من شعر بالإجماع - والله الموفق -.
الثاني: ينبغي أن يمثل في هذا المقام بحديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا.
فقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه مع كثرة طرقه3 - والله أعلم -.
1 لم أجده في المدرج إلى المدرج والحديث في د - كتاب الطهارة - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم حديث 134 من طريق سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة. قال أبو داود: "قال قتيبة قال حماد: لا أدري هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم (يعني الأذنان من الرأس) أو من أبي أمامة؟ " وفي ت كتاب الطهارة 29 - باب ما جاء في أن الأذنين من الرأس حديث 37 ونقل كلام قتيبة. وفي جه - كتاب الطهارة 53 - باب الأذنان من الرأس حديث 444 من طريق سنان بن ربيعة به، وحم 5/268 وانظر نصب الراية 1/18 وسنن الدارقطني 1/103.
2 كلمة "المنصف" من (ي) وفي باقي النسخ "المصنف" وهو خطأ.
3 انظر شرح الأربعين للنووي ص6.
36-
قوله (ص) : "إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة/ أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين (بالصدق والستر) 1، وروي حديثه من غير وجه، فقد اجتمعت له القوة من الجهتين، وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح.
مثاله: حديث (محمد بن عمرو بن علقمة) 2 عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه"
…
إلى آخر كلامه3.
وفيه أمور:
أحدها: أن ظاهر كلامه أن شرط الصحيح أن يكون راويه حافظا متقنا وقد بينا ما فيه فيما سبق4.
وثانيها: أن وصف الحديث بالصحة إذا قصر عن رتبة الصحيح وكان
1 في جميع النسخ "بالعدالة" والتصويب من مقدمة ابن الصلاح.
2 في (ر/ب) محمد بن علقمة أن أبي عمر وهو خطأ.
3 مقدمة ابن الصلاح (ص31) وبقية كلامه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" فمحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة، لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته، فحديثه من هذه الحيثية حسن، فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح والله اعلم".
والحديث أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة 18 - باب ما جاء في السواك حديث 22.
وقال عقبه: "وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم كلاهما عندي صحيح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم".
4 انظر ص266.
على شرط الحسن إذا روي من وجه آخر لا يدخل في التعريف الذي عرف به الصحيح أولا1.
فإما أن يزيد في حد الصحيح ما يعطي أن هذا أيضا يسمى صحيحا، وإما أن لا يسمى/ (?51/ب) هذا صحيحا، والحق أنه من طريق النظر أنه يسمى صحيحا، وينبغي أن يزاد في التعريف بالصحيح فيقال: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل [التام] 2 الضبط أو القاصر عنه إذا اعتضد عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا3.
وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيرا من أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم الحكم عليها بالصحة/ (ي88) إلا بذلك.
ومن ذلك حديث أبي بن العباس بن سهل بن سعد4 عن أبيه5 عن
1 عرف ابن الصلاح الحديث الصحيح فقال: "أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا". مقدمة ابن الصلاح ص10.
2 كلمة "التام" من (ي) وقد سقطت من جميع النسخ.
3 أنت ترى أن الحافظ قد اعترض هنا على ابن الصلاح في تعريف الصحيح، ورأى أنه ينبغي أن يزاد في التعريف ما ذكره، ولكن الحافظ قد عرف الصحيح في نخبة الفكر وشرحها ص29، 32 بما يوافق تعريف ابن الصلاح، وغاير بين الصحيح لذاته والصحيح لغيره فقال: "وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معل ولا شاذ هو الصحيح لذاته
…
فإن خف الضبط فالحسن لذاته وبكثرة طرقه يصحح".
والظاهر أن الحافظ غير رأيه لأن تأليفه للنخبة كان بعد تأليف النكت بدليل إحالته في النخبة وشرحها على ما في النكت. انظر نزهة النظر ص41.
4 أبي بن العباس بن سهل بن سعد الأنصاري الساعدي فيه ضعف من السابعة، ما له في البخاري غير حديث واحد/خ ت ق. تقريب 1/48، الكاشف 1/98.
5 هو عباس بن سهل بن سعد الساعدي ثقة من الرابعة، مات في حدود عشرين ومائة/خ م د ت ق. تقريب 1/397، الكاشف 2/66.
جده1 رضي الله تعالى عنه في ذكر خيل2 النبي صلى الله عليه وسلم.
وأبي هذا قد ضعفه لسوء حفظه أحمد بن حنبل ويحي بن معين والنسائي، ولكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن العباس3؛ أخرجه ابن ماجه4 من طريقه. وعبد المهيمن أيضا فيه ضعف5، فاعتضد.
وانضاف إلى ذلك أنه ليس من أحاديث الأحكام، فلهذه الصورة المجموعية حكم البخاري بصحته6.
1 هو سهل بن سعد الساعدي أبو العباس صحابي، عنه ابنه عباس والزهري وأبو حازم مات سنة 88 أو 91/ع. الكاشف (1/407) ، الإصابة (2/87) .
2 الحديث المشار إليه في خ 56 كتاب الجهاد 46 باب اسم الفرس والحمار حديث 2755، من طريق أبي بن العباس بن سهل عن أبيه عن جده قال:"كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له اللحيف" قال أبو عبد الله وقال بعضهم: "اللخيف". قال الحافظ في الفتح (6/59) : "بالخاء المعجمة وحكوا فيه الوجهين". وفي إطلاق الخيل على الفرس غفلة من الحافظ؛ فالخيل يطلق على الخيول ومنه قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ} ويطلق على الفرسان ومنه قوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِك} ، انظر مختار الصحاح، ص251 ولقد تعبت كثيرا في البحث عن هذا الحديث باللفظ الذي ذكره الحافظ فلم أجده ثم تبين لي أنه يريد الحديث الذي سجلته هنا.
3 عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري مدني ضعيف من الثامنة، مات بعد السبعين ومائة/ ت ق. التقريب 1/225، الكاشف 2/217 وقال:"واه".
4 ليس الحديث في ابن ماجه وإنما هو عند ابن منده كما قال الحافظ نفسه في الفتح 6/59.
5 قول الحافظ في عبد المهيمن فيه ضعف فيه تساهل والصواب أن يقال ضعيف، والفرق بين العبارتين واضح، وقد وصفه الحافظ في التقريب بضعيف ووصفه الذهبي بواه فمن هذا حاله لا يقال في وصفه فيه ضعف.
6 في الحكم لهذا الحديث بالصحة - ومداره على أبي بن العباس وأخيه عبد المهيمن وهما ضعيفان - نظر وهو خلاف المقرر في علوم الحديث؛ لأن ما هذا حاله يحكم له بالحسن إن كان هناك تسامح لأن عبد المهيمن في هذا الحديث شديد الضعف حيث قال الذهبي: "إنه واه"، وعلى هذا فمن يتحرى الدقة لا يعتبر بمثله ولا يعضد به غيره.
وكذا حكم بصحة حديث معاوية بن إسحاق بن طلحة1 عن عمته عائشة بنت طلحة2 عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم: "جهادكن الحج والعمرة"3.
ومعاوية ضعفه أبو زرعة ووثقه أحمد والنسائي.
وقد تابعه عليه عنده حبيب ابن أبي عمرة4 فاعتضد.
في أمثلة كثيرة قد ذكرت الكثير منها في مقدمة شرح البخاري5.
ويوجد في كتاب مسلم منها أضعاف ما في البخاري. والله أعلم
[الحسن قسمان:]
وقياس ما ذكر ابن الصلاح أن الحسن قسمان:
أحدهما ما هو لذاته. والآخر ما هو لغيره.
وكون الصحيح كذلك. ويكون القسم الذي هو صحيح أو حسن لذاته أقوى من الآخر، وتظهر فائدة ذلك عند/ (?52/أ) التعارض وكذلك أقول في الضعيف
1 معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التيمي أبو الأزهر صدوق ربما وهم من السادسة/خ قد س ق. تقريب 2/258، الكاشف 3/156.
2 عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية أم عمران ثقة من الثالثة/ع. تقريب 2/606.
3 الحديث في خ 56 - كتاب الجهاد 62 - باب جهاد النساء حديث 2875 وليس فيه كلمة "والعمرة" وهي موجودة في كل نسخ النكت، ولعله سبق قلم من الحافظ أو من النساخ.
4 متابعة حبيب في خ 56 - كتاب الجهاد 62 - باب جهاد النساء حديث 2876 وليس فيه "والعمرة" وحبيب بن أبي عمرة هو القصاب أبو عبد الله الحماني - بكسر المهملة - الكوفي ثقة من السادسة مات سنة 142/خ م خد ت س ق. تقريب 1/150، الكاشف 1/203.
5 ذكر البخاري هذا النوع في المقدمة في الفصل التاسع منها من ص384 - 460.
إذا روي بأسانيد كلها قاصرة عن/ (ر50/ب) درجة الاعتبار حيث لا يجبر بعضها ببعض أنه أمثل من ضعيف روي بإسناد واحد كذلك، وتظهر فائدة ذلك في جواز العمل به أو منعه مطلقا - والله أعلم -.
ثالثها: أنه اعترض عليه في المثال الذي مثل به وهو حديث: "لولا أن أشق
…
" من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة1 عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - بأن الحكم بصحته إنما جاء من جهة أنه روي من طريق2 أخرى صحيحة لا مطعن فيها. منها في الصحيحين من طريق الأعرج عن أبي/ (ي89) هريرة - رضي الله تعالى عنه - والمثال اللائق هنا أن يذكر حديث له أسانيد كل منها لا يرتقي عن درجة الحسن قد حكم له بالصحة باعتبار مجموع تلك الطرق.
والجواب عن المصنف أن المثال الذي أورده مستقيم والذي طولب به قسم من المسألة.
وذلك أن الحديث الذي يروى بإسناد حسن لا يخلو إما أن يكون فردا أو له متابع.
الثاني لا يخلو المتابع إما أن يكون دونه أو مثله أو فوقه فإن كان دونه فإنه لا يرقيه عن درجته.
1 من (ر) و (ي) وفي (?) و (ب) أسامة وهو خطأ.
2 كذا في جميع النسخ "من طريق" والصواب في نظري "من طرق" لأن واقع الحديث كذلك، فله عدد من الطرق. وهي 1- من طريق الأعرج عن أبي هريرة في خ 11- كتاب الجمعة، 8- باب السواك يوم الجمعة حديث 887، وم 2- كتاب الطهارة 15- باب السواك حديث42، د طهارة حديث 46، ن 1/16، ط2- كتاب الطهارة 32- باب ما جاء في السواك حديث 114، حم 2/245، 2- من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة ط2- كتاب الطهارة 32- باب ما جاء في السواك حديث 115، 3- ومن طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، جه كتاب الطهارة 7- باب السواك حديث 287.
قلت1: "قد يفيده إذا كان عن غير متهم بالكذب قوة ما يرجح بها لو عارضه حسن آخر بإسناد غريب".
وإن كان مثله أو فوقه فكل منهما يرقيه إلى درجة الصحة.
فذكر المصنف مثالا لما فوقه ولم يذكر مثالا لما هو مثله.
وإذا كانت الحاجة ماسة إليه فلنذكره نيابة2 عنه وأمثلة كثيرة قد ذكرنا منها الحديثين اللذين أوردناهما من الصحيح قبل هذا3.
ومنها: ما رواه الترمذي من طريق إسرائيل4 عن عامر بن/ (?52/ ب) شقيق5 عن أبي وائل6 عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته".
تفرد به عامر بن شقيق، وقد قواه البخاري والنسائي7/ (ر51/أ) وابن حبان ولينه ابن معين8 وأبو حاتم9 وحكم البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل
1 في (ي)"نعم" بدل "قلت".
2 كلمة "نيابة" سقطت من (ب) .
3 يريد بهما حديث أبي بن العباس في فرس النبي صلى الله عليه وسلم وحديث معاوية بن إسحاق "جهادكن الحج والعمرة". انظر ص215، 216.
4 إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني أبو يوسف الكوفي ثقة تكلم فيه بلا حجة من السابعة مات سنة 160 وقيل بعدها/ع. تقريب 1/64، الخلاصة ص31.
5 عامر بن شقيق بن جمزة - بالجيم والزاي - الأسدي الكوفي، لين الحديث من السادسة/د ت ق. تقريب 1/387، الميزان 2/359 وقال اسم جده جمرة بالجيم.
6 شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي، ثقة، مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة/ع. تقريب 1/354، تذكرة الحفاظ 1/60.
7 انظر ميزان الاعتدال 2/359 حيث قال في عامر: "لا بأس به".
8 انظر قوله في ميزان الاعتدال 2/359.
9 انظر قوله في ميزان الاعتدال 2/359.
بأن حديثه هذا حسن1، وكذا قال أحمد فيما حكاه عنه أبو داود: أحسن شيء في هذا الباب حديث عثمان2 - رضي الله تعالى عنه -.
وصححه مطلقا الترمذي3 والدارقطني4 وابن خزيمة5 والحاكم6 وغيرهم7.
وذلك لما عضده من الشواهد، كحديث أبي المليح الرقي8 عن الوليد بن زوران9 عن أنس رضي الله عنه.
1 ت أبواب الطهارة 23- باب ما جاء في تخليل اللحية حديث 31 وقال قبله - في الكلام على حديث عمار رقم 30 في تخليل اللحية "وقال محمد بن إسماعيل أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان" 1/45. وفي نصب الراية 1/24 وقال الترمذي في علله الكبير قال محمد بن إسماعيل: أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان وهو حديث حسن.
2 لم أجده في سنن أبي داود ونقل الحافظ في التلخيص الحبير 1/87 عن عبد الله بن أحمد عن أبيه أنه قال: "ليس في تخليل اللحية شيء صحيح".
3 قال الترمذي عقب حديث عثمان "هذا حديث حسن صحيح". (1/46) .
4 في السنن 1/91 ولم يتكلم عليه لا بتصحيح ولا بتضعيف.
5 الصحيح 1/78.
6 المستدرك 1/149 رواه مطولا وقال عقبه: وهذا إسناد صحيح قد احتجا بجميع رواته ولا أعلم في عامر بن شقيق ضعفا بوجه من الوجوه.
7 كابن ماجه 1- كتاب الطهارة 50- باب ما جاء في تخليل اللحية حديث 430 وابن الجارود في المنتقى ص34 حديث 72، كلاهما عن عامر بن شقيق به.
8 هو الحسن بن عمر أو عمرو بن يحيى الفزاري مولاهم أبو المليح الرقي ثقة من الثامنة مات سنة 181/خ د س ق. تقريب (1/169) ، الكاشف (1/225)
9 الوليد بن زوران - بزاي ثم واو ثم راء وقيل بتأخير الواو - السلمي الرقي لين الحديث من الخامسة /د. تقريب (2/332) ، الكاشف (3/238)، وفي ميزان الاعتدال (4/338) . قال أبو داود:" لا يدرى سمع من أنس أم لا؟ وعنه أبو المليح الرقي وغيره ماذا بحجة" مع أن ابن حبان وثقه.
أخرجه أبو داود1 وإسناده حسن، لأن الوليد وثقه ابن حبان ولم يضعفه أحد وتابعه عليه ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه.
أخرجه الطبراني2 في الكبير/ (ب106) من رواية عمر بن إبراهيم العبدي3 عنه، وعمر لا بأس به.
ورواه الذهلي في/ (ي90) الزهريات من طريق الزبيدي عن الزهري عن أنس رضي الله عنه إلا أن له علة غير قادحة، كما قال ابن القطان.
ورواه الترمذي4 والحاكم5 من طريق قتادة عن حسان بن بلال عن عمار بن ياسر وهو معلول وله شواهد أخرى6 دون ما ذكر في المرتبة، وبمجموع
1 1 كتاب الطهارة 56 باب تخليل اللحية حديث 145.
2 هو الحافظ الإمام العلامة الحجة أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني مسند الدنيا له مصنفات منها المعاجم الثلاث الكبير والأوسط والصغير مات سنة 360. تذكرة الحفاظ (3/912) ، وفيات الأعيان (2/407) .
3 عمر بن إبراهيم العبدي البصري صاحب الهروي - بفتح الهاء والراء - صدوق في حديثه عن قتادة ضعف من السابعة /قد ت س ق. تقريب (2/51) ، الكاشف (2/304)، ثم قال:"وثق" وقال أبو حاتم: "لا يحتج به" وتابعه أيضا يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه في جه 1- كتاب الطهارة 50- باب ما جاء في تخليل اللحية حديث 431 وفي إسناده يحيى بن كثير صاحب البصري وهو ضعيف. وقد راجعت مسند أنس في المعجم الكبير للطبراني فلم أجده.
4 أبواب الطهارة 23- باب ما جاء في تخليل اللحية حديث 29، 30.
5 المستدرك 1/149.
6 منها حديث عائشة وأم سلمة وابن أبي أوفى وأبي أيوب. انظر سنن الترمذي 1/45 ومنها: حديث ابن عباس وابن عمر وأبي أمامة وأبي الدرداء وكعب بن عمرو وجابر بن عبد الله ذكرها الزيلعي في نصب الراية وقال وكلها مدخولة وأمثلها حديث عثمان. نصب الراية 1/23 ثم فصلها وناقشها حديثا حديثا ثم انتهى به المطاف إلى النقل عن أبي حاتم في كتاب العلل قال: سمعت أبي يقول: لا يثبت في تخليل اللحية حديث. نصب الراية 1/26. وانظر العلل لابن أبي حاتم 1/45 ونقل الحافظ كلام ابن أبي حاتم في التلخيص 1/87.
ذلك حكموا على أصل الحديث بالصحة وكل طريق منها بمفردها لا يبلغ درجة الصحيح - والله أعلم -.
[إطلاق لفظ الحسن قبل شيوخ الترمذي:]
20-
قوله (ع) : "وقد وجد التعبير بالحسن في كلام شيوخ الطبقة التي قبل الترمذي كالشافعي"1.
أقول قد وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي.
قال إبراهيم النخعي/ (?53/أ) : "كانوا إذا اجتمعوا كره الرجل أن يخرج حسان حديثه"2.
وقيل لشعبة كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟
قال: "من حسنها فررت"3.
ووجد "هذا من أحسن الأحاديث إسنادا" في كلام علي بن المديني وأبي زرعة الرازي4/ (ر51/ب) وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة5 وجماعة.
لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي.
ومنهم من لا يريده. فأما ما وجد في ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك.
1 التقييد والإيضاح ص52.
2 تذكرة الحفاظ 1/74 ولكن بلفظ "أحسن ما عنده".
3 الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/367.
4 قال البيهقي في السنن الكبرى 1/130 وبلغني عن أبي عيسى الترمذي قال: "سألت أبا زرعة عن حديث أم حبيبة (يعني نقض الوضوء بمس الذكر) فاستحسنه".
5 يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عصفور السدوسي البصري نزيل بغداد العلامة الحافظ صاحب المسند الكبير المعلل وثقه الخطيب وغيره مات سنة 262. تذكرة الحفاظ 2/577 هدية العارفين 2/537، تاريخ بغداد 14/281.
فإن حكم الشافعي على حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في استقبال بيت المقدس حال قضاء الحاجة بكونه حسنا1 خلاف الاصطلاح، بل هو صحيح متفق على صحته. وكذا قال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - في حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - في السهو.
وأما أحمد: فإنه سئل فيما حكاه الخلال عن أحاديث نقض الوضوء بمس الذكر فقال: "أصح ما فيها حديث أم حبيبة2 - رضي الله تعالى عنها –".
قال: "وسئل عن حديث بسرة3 رضي الله عنها –" فقال: "صحيح".
قال الخلال4: حدثنا أحمد بن أصرم5 أنه سأل أحمد عن حديث أم حبيبة رضي الله عنها في مس/ (ي91) الذكر فقال: "هو حديث حسن".
1 حديث ابن عمر هذا في هامش الأم 1/24 نقلا عن كتاب الاختلاف للشافعي قال وحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مسند حسن.
2 في المغني لابن قدامة 1/132 قال أحمد حديث بسرة وحديث أم حبيبة صحيحان، وأم حبيبة هي رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية، أم المؤمنين مشهورة بكنيتها ماتت سنة اثنتين أو أربع وقيل تسع وأربعين قيل خمسين/ع.
تقريب 2/599، الإصابة 4/298.
3 بسرة - بضم أولها وسكون المهملة - بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى الأسدية صحابية لها سابقة وهجرة عاشت إلى ولاية معاوية/4. تقريب 2/591، الإصابة 4/245.
4 هو الفقيه العلامة المحدث أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي المشهور بالخلال مؤلف علم أحمد بن حنبل وجامعه ومرتبه له كتاب السنة في ثلاثة مجلدات وكتاب العلل في عدة مجلدات وكتاب الجامع وهو كبير جدا مات سنة 311. تذكرة الحفاظ 3/785، تاريخ بغداد 5/112.
5 أحمد بن أصرم بن خزيمة بن عباد بن عبد الله بنت مغفل المزني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع من الإمام أحمد مات سنة 285. طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/22.
فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي، لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح.
وأما أبو حاتم، فذكر ابنه في كتاب الجرح والتعديل1 في باب من اسمه عمرو من حرف العين:"عمرو بن محمد - روى عن سعيد بن جبير وأبي زرعة بن عمرو بن جرير - روى عنه إبراهيم/ (?53/ب) بن طهمان سألت أبي عنه فقال: هو مجهول، والحديث الذي رواه عن سعيد بن جبير حسن".
قلت: وكلام أبي حاتم هذا محتمل، فإنه يطلق المجهول على ما هو أعم من المستور وغيره، فيحتمل أن يكون حكم على الحديث بالحسن لأنه روي من وجه آخر، فيوافق كلام/ (ر52/أ) الترمذي، ويحتمل أن يكون حكم بالحسن وأراد المعنى اللغوي [أي] 2 أن متنه حسن - والله أعلم -.
وأما علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في مسنده وفي علله3، فظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي، وكأنه الإمام السابق لهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد.
وعن البخاري أخذ الترمذي.
فمن ذلك: ما ذكر الترمذي4 في العلل الكبير أنه سأل البخاري عن
1 6/262.
2 الزيادة من (ي) .
3 قال ابن المديني في كتاب العلل ص102 عقب حديث ابن عمر: "أني ممسك بحجزكم عن النار": هذا حديث حسن الإسناد ولم أجد في العلل غير هذه العبارة فيما يتعلق بالتحسين.
4 في ت 1/161 قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال، قال هذا الكلام في أبواب الطهارة 71- باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم عقب حديث صفوان بن عسال برقم 96. وقد نقل البيهقي 1/276 في السنن الكبرى والزيلعي في نصب الراية 1/168 عن الترمذي في العلل الكبير قال: سألت محمدا (يعني البخاري) قلت: "وأي حديث عندك أصح في التوقيت في المسح على الخفين؟ " قال: حديث صفوان بن عسال. وحديث أبي بكرة حسن. وانظر هامش الترمذي 1/161 كلام أحمد شاكر.
أحاديث التوقيت في المسح على الخفين، فقال: "حديث صفوان بن عسال صحيح، وحديث أبي بكرة رضي الله عنه حسن/ (ب108) وحديث صفوان الذي أشار إليه موجود في شرائط الصحة1.
وحديث أبي بكرة الذي أشار إليه - رواه ابن ماجة2 من رواية المهاجر3 أبي مخلد4 عن عبد الرحمن بن أبي بكرة5 عن أبيه6 رضي الله عنه به والمهاجر قال وهيب7: إنه كان غير حافظ.
1 حديث صفوان في إسناده عاصم بن أبي النجود صدوق له أوهام ولعل الحافظ يقصد بقوله فيه شرائط الصحة أن لعاصم متابعات ترقيه إلى درجة الصحيح لغيره. فقد نقل في التلخيص عن ابن منده أنه تابع عاصما عبد الوهاب بن بخت وإسماعيل بن أبي خالد وطلحة بن مصرف والمنهال بن عمرو ومحمد بن سوقة وغيرهم، قال الحافظ:"ومراده أصل الحديث لأنه في الأصل طويل مشتمل على التوبة والمرء مع من أحب وغير ذلك". التلخيص الحبير 1/157.
2 كتاب الطهارة 87- باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم والمسافر حديث 556.
3 المهاجر بن مخلد أبو مخلد مولى البكرات - بفتح الموحدة والكاف - مقبول من السادسة/ت س ق. تقريب 2/278، الكاشف 3/178.
4 في النسخ كلها "مجلز" بالجيم والزاي - والتصحيح من ابن ماجه والكاشف والتقريب.
5 عبد الرحمن بن أبي بكرة: نفيع بن الحارث الثقفي وقيل: اسمه مسروح كناه النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة من الثانية، مات سنة 96/ع. تقريب 1/474، الخلاصة ص224.
6 هو الصحابي الجليل نفيع بن الحارث بن كلدة أبو بكرة الثقفي وقيل اسمه مسروح كناه النبي صلى الله عليه وسلم لتدليه ببكرة من الطائف عنه أولاده والحسن وعدة، توفي سنة 51. الكاشف 3/208، والإصابة 3/542.
7 وهيب بالتصغير بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة ثبت، لكنه تغير قليلا بآخره، من السابعة، مات سنة 165/ع. تقريب 2/339، الكاشف 3/246.
وقال ابن معين: "صالح". وقال الساجي1: "صدوق".
وقال أبو حاتم: "لين الحديث يكتب حديثه".
فهذا على شرط الحسن لذاته2. كما تقرر.
وإن كان ابن حبان أخرجه في "صحيحه"3، فذاك جري على قاعدته في عدم التفرقة بين الصحيح والحسن، فلا يعترض به. وذكر الترمذي - أيضا - في "الجامع"4/ (?54/أ) أنه سأله5 عن حديث شريك بن عبد الله النخعي6، عن أبي إسحاق، عن/ (ي92) عطاء بن أبي رباح عن رافع بن خديج7 رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
1 هو الإمام الحافظ محدث البصرة أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن البصري الساجي - بالسين المهملة والجيم - نسبة إلى الساج وهو نوع جيد من الخشب، سمع عبيد الله بن معاذ العنبري وهدبة بن خالد وطبقتهما وعنه ابن عدي وأبو الحسن الأشعري وعنه أخذ تحرير مقالة أهل الحديث، مات سنة 307. تذكرة الحفاظ 2/709، طبقات الشافعية للأسنوي 2/22.
2 كيف يكون على شرط الحسن لذاته وفي إسناده المهاجر أبو مخلد؟ وقد قال الحافظ فيه إنه مقبول، وقد قرر في مقدمة التقريب أن من يصفه بلفظ مقبول فذلك حيث يتابع وإلا فلين ومن هذا حاله فبالمتابعة يكون حديثة حسنا لغيره لا لذاته.
3 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 2: 272/ب.
4 13- كتاب الأحكام 29- باب ما جاء فيمن زرع بأرض قوم بغير إذنهم حديث 1366 وذكر عقبه كلام البخاري وفي د كتاب البيوع 33- باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها حديث 3403، جه 16- كتاب 13- باب من زرع في أرض قوم بغير إذنهم حديث 2466، كلهم من حديث شريك عن أبي إسحاق به.
5 الضمير في سأله عائد إلى البخاري وقد سقط من (?) و (ر/أ) ، ب.
6 شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة وكان عادلا فاضلا عابدا شديدا على أهل البدع، من الثامنة، مات سنة 177/خت م 4. تقريب 1/351، الكاشف 2/10، وقال فيه: "وثقه ابن معين"، وقال غيره: "سيء الحفظ"، وقال س: "ليس به بأس هو أعلم بحديث الكوفيين من الثوري قاله ابن المبارك".
7 هو الصحابي الجليل رافع بن خديج بن عدي الحارثي الأوسي الأنصاري أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة 73 أو 74 وقيل قبل ذلك/ع. تقريب 1/241، الإصابة 1/483.
"من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته".
وهو من أفراد شريك عن أبي إسحاق، قال البخاري: هو حديث حسن، انتهى.
وتفرد شريك بمثل هذا الأصل عن أبي إسحاق (مع كثرة الرواة) 1 عن/ (ر52/ب) أبي إسحاق مما يوجب التوقف عن الاحتجاج به، لكنه اعتضد بما رواه الترمذي - أيضا - من طريق عقبة بن الأصم2، عن عطاء بن رافع رضي الله عنه فوصفه بالحسن لهذا. وهذا على شرط القسم الثاني فبان أن استمداد الترمذي لذلك إنما هو من البخاري ولكن الترمذي أكثر منه وأشاد بذكره وأظهر الاصطلاح فيه فصار أشهر به3 من غيره - والله أعلم -.
21-
قوله (ع) : "ويعقوب بن شيبة وأبو علي إنما صنفا كتابيهما بعد الترمذي"4.
أقول: فيه نظر بالنسبة إلى يعقوب/ (ب109) بن شيبة (فقط) 5 فإنه من طبقة شيوخ الترمذي وهو أقدم سنا6 وسماعا وأعلى رجالا من البخاري إمام الترمذي وإن تأخرت وفاته بعده ست سنين.
1 ما بين القوسين سقط من (?) .
2 13- كتاب الأحكام 29- باب ما جاء فيمن زرع بأرض قوم بغير إذنهم عقب حديث 1366. عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي البصري ضعيف من الرابعة وربما دلس، ووهم من فرق بين الأصم والرفاعي كابن حبان/ت. تقريب 2/27، والمجروحون لابن حبان 2/199 وقال وكان ممن ينفرد بالمناكير عن الثقات المشاهير حتى إذا سمعها من الحديث صناعته شهد لها بالوضع ومثل هذا لا يعتبر به والظاهر أن البخاري حسن حديث شريك ذاته.
3 كلمة "به" من (ي) و (?) وقد سقطت من (ر/أ) وفي (ر/ب) به أشهر.
4 التقييد والإيضاح ص52.
5 لزيادة من (ي) .
6 من (ر) وفي (ي) و (ب) يقينا وأما (?) ففيها كلمة لم تتضح.
وذكر الخطيب1 أنه أقام في تصنيف مسنده مدة طويلة وأنه لم يكمله مع ذلك ومات قبل الترمذي بنحو عشرين سنة.
فكيف يقال إنه صنف كتابه بعد الترمذي؟
ظاهر الحال يأبى ذلك.
وأما قوله حكاية عن المعترض على ابن الصلاح بأن أبا علي الطوسي كان شيخا لأبي حاتم الرازي، فقد رأيت ذلك في كتاب العلامة علاء الدين2 مغلطاي في مواضع كثيرة/ (?54/ب) من شرح البخاري وغيره فلا يذكر أبا علي الطوسي إلا ويصفه بأنه3 شيخ أبي حاتم الرازي وليس ذلك بوصف صحيح بل الصواب العكس. وأبو حاتم شيخ أبي علي وإن كان أبو حاتم حكى عن أبي علي شيئا، فذلك من باب رواية الأكابر عن الأصاغر فقد قال الخليلي في الإرشاد4: روى عنه أبو حاتم الرازي أحد شيوخه حكايات. وهذا كرواية البخاري عن الترمذي فإن أبا حاتم والبخاري من طبقة واحدة كما أن الترمذي وأبا علي من طبقة واحدة/ (ر53/أ) وهذا بين من معرفة شيوخهم ووقت وفاتهم، فسماع أبي حاتم قبل أبي علي بنحو من ثلاثين سنة. ومات أبو حاتم5 قبل أبي علي بنحو من هذا القدر.
وكانت رحلة أبي علي الطوسي بعد رحلة الترمذي، فلم يلق عوالي شيوخه كقتيبة، ولكنه شاركه في أكثر مشايخه واستخرج على كتابه كما قال شيخنا وسمى كتابه كتاب الأحكام6.
1 تاريخ بغداد 14/281.
2 في (ر) جلال الدين وهو خطأ.
3 من (ر) وفي (ب) و (?) و (ي) بكونه.
4 2/ل128.
5 إذا كان وفاته سنة 277 بينما كانت وفاة أبي علي الطوسي سنة 312 فبين وفاتيهما خمس وثلاثون سنة.
6 هو موجود مخطوط في دار لكتب الظاهرية بدمشق من الأول إلى الحادي عشر وينتهي بـ (باب ما جاء في توريث المرأة من دية زوجها) تحت رقم 293 حديث (ق1 - 169) وقد رأيته بعيني في المكتبة المذكورة. وانظر فهرس المخطوطات الظاهرية للشيخ الألباني ص181 وسماه مختصر الأحكام.
والدليل على صحة كون كتابه مستخرجا/ (ب110) على الترمذي أنه يحكم على كل حديث بنظير1 ما يحكم عليه الترمذي سواء إلا أنه يعبر بقوله: يقال: (هذا حديث حسن) 2 يقال: حديث حسن صحيح لا يجزم بشيء من ذلك.
وهذا مما يقوي أنه نقل كلام غيره فيه وهو الترمذي، لأنها عبارته بعينها.
وإذا تقرر ذلك، فقول ابن الصلاح: إن "كتاب الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن" لا اعتراض عليه فيه، لأنه نبه مع ذلك على أنه يوجد في متفرقات كلام من تقدمه. وهو كما قال - والله أعلم -.
تنبيه:
أبو علي الطوسي المذكور: اسمه الحسن بن علي بن نصر الحافظ له تصانيف ورحلة ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور/ (?55/أ) وأثنى عليه، وأبو علي الخليلي في الإرشاد وقال: سمعت من عشرة من أصحابه3 وله تصانيف تدل على معرفته.
وأبو أحمد الحاكم في الكنى وقال: "إنه سمع منه وغيرهم"4.
وكانت وفاته سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة - والله أعلم -.
37-
قوله (ص) : "ومن مظانه"5:
أي من مظان الحسن والمظان جمع مظنة - بكسر الظاء وهي مفعلة من الظن.
1 في النسخ جميعا بنظر والصواب ما أثبتناه وهو من هامش (ر) .
2 ما بين القوسين سقط من (ر) .
3 نقل هذا النص الذهبي في تذكرة الحفاظ 3/787.
4 منهم الذهبي في تذكرة الحفاظ 3/787.
5 مقدمة ابن الصلاح ص33 قال: ومن مظانه سنن أبي داود السجستاني رحمه الله.
وقال المطرزي1: "المظنة العلم من ظن2 بمعنى علم".
22-
قوله (ع) : "ولم ينقل لنا عن أبي داود هل يقول بذلك (يعني الحسن الاصطلاحي) أم لا3"؟.
أقول: حكى ابن كثير في مختصره4 أنه رأى في بعض النسخ من رسالة أبي داود ما/ (ي49) نصه: "وما سكت عليه فهو حسن وبعضها أصح/ (ر53/ب) من بعض".
فهذه النسخة إن كانت معتمدة فهو نص في موضع النزاع، فيتعين المصير إليه، ولكن نسخة روايتنا والنسخ المعتمدة التي وقفنا عليها ليس فيها هذا. - والله الموفق -.
23-
قوله (ع) 5: "في/ (ب111) الجواب من اعتراض أبي الفتح اليعمري؛ إذ زعم أن شرط أبي داود كشرط مسلم إلا في الأحاديث التي بين أبو داود ضعفها6 - بأن مسلما شرط الصحيح - فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه بأنه حسن وأبو داود إنما قال:
"ما سكت عنه فهو صالح". والصالح يجوز أن يكون صحيحا وأن يكون حسنا فالاحتياط أن يحكم عليه بالحسن".
1 هو المسمى عبد السيد بن علي المطرزي ناصر الدين، لغوي من آثاره شرح المقامات للحريري ولخص إصلاح المنطق لابن السكيت مات سنة 610. معجم المؤلفين 5/232.
2 في (ب) الظن وفي (ر) و (?) أظن والصواب ما أثبتناه.
3 التقييد والإيضاح ص54.
4 في مختصر ابن كثير ص41 "قلت ويروى عنه أنه قال: "وما سكت عنه فهو حسن" فليس فيه أنه رأى بعض النسخ، ولعل الحافظ رأى هذا الكلام في بعض نسخ المختصر المذكور.
5 التقييد والإيضاح ص54.
6 شرح ابن أبي سيد الناس للترمذي 1/ل7.
أقول: أجاب الحافظ صلاح الدين العلائي عن كلام أبي الفتح اليعمري بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه:
"هذا الذي قاله ضعيف، وقول ابن الصلاح أقوى؛ لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت (فلا نعني بالحسن إلا) 1 الدرجة الدنيا منها.
والدرجة الدنيا منها لم يخرج مسلم منها شيئا في الأصول وإنما يخرجها في المتابعات والشواهد.
[الرواة عند مسلم ثلاثة أقسام:]
قلت: وهو تعقب صحيح وهو مبني على أمر اختلف نظر الأئمة فيه وهو قول مسلم ما معناه أن الرواة ثلاثة أقسام:
الأول: كمالك وشعبة وأنظارهما.
الثاني: مثل عطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وأمثالهما.
وكل من القسمين مقبول، (لما يشمل الكل) 2 من اسم الصدق.
والطبقة الثالثة: أحاديث المتروكين.
فقال القاضي عياض وتبعه النووي وغيره: "إن مسلما أخرج أحاديث القسمين الأولين ولم يخرج شيئا من أحاديث القسم الثالث"3.
وقال الحاكم والبيهقي وغيرهما: "لم يخرج مسلم إلا أحاديث القسم الأول فقط فلما حدث به اخترمته المنية قبل إخراج القسمين الآخرين"4.
1 في كل النسخ "فلا معنى إلى" والتصحيح من توضيح الأفكار 1/203.
2 من (ي) وفي باقي النسخ "لما يشتمل الكل عليه" وعبارة (ي) أقوم.
3 انظر إكمال المعلم 1: ق3/1، ومقدمة شرح مسلم للنووي ص23- 24.
4 انظر مقدمة شرح مسلم للنووي ص23.
ويؤيد هذا/ (ر54/أ) ما رواه البيهقي بسند صحيح عن إبراهيم بن محمد بن سفيان صاحب مسلم1 قال: "صنف مسلم ثلاثة كتب أحدها/ (ي95) هذا الذي قرأه على الناس (يعني الصحيح) والثاني يدخل فيه عكرمة وابن إسحاق وأمثالهما والثالث يدخل فيه الضعفاء.
قلت: وإنما اشتبه الأمر على القاضي عياض ومن تبعه بأن الرواية عن أهل القسم الثاني موجودة في صحيحه لكن فرض2 المسألة هل احتج (بهم كما احتج) 3 بأهل القسم الأول أم لا؟
والحق: أنه لم يخرج شيئا مما انفرد به الواحد منهم وإنما احتج بأهل القسم الأول سواء تفردوا أم لا؟
ويخرج من أحاديث أهل القسم الثاني ما يرفع به التفرد عن أحاديث أهل القسم الأول. وكذلك إذا كان لحديث أهل القسم الثاني طرق كثيرة يعضد بعضها بعضا فإنه قد يخرج ذلك.
وهذا ظاهر بين في كتابه ولو/ (?56/أ) كان يخرج جميع أحاديث أهل القسم الثاني في الأصول بل وفي المتابعات لكان كتابه أضعاف ما هو عليه.
ألا تراه أخرج لعطاء بن السائب4 في المتابعات وهو من المكثرين، فما له عنده سوى مواضيع يسيرة.
1 إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري الفقيه الزاهد المجتهد العابد صاحب مسلم وراوية صحيحه مات سنة 308. مقدمة شرح مسلم (ص10) .
2 في نسختي (ر)(ي)"حرف" وفي (?)"حرق" بالحاء والراء والقاف وفي (ب) طرف والتصحيح من هامش (ر) ولعله الصواب.
3 مابين قوسين ساقط من (ب) .
4 عطاء بن السائب أبو محمد ويقال أبو السائب الثقفي الكوفي صدوق من الخامسة مات سنة 136/خ 4. تقريب (2/22) ، الكاشف (2/265) .
وكذا محمد بن إسحاق وهو من بحور1 الحديث وليس له عنده في المتابعات إلا ستة أو سبعة.
ولم يخرج لليث بن أبي سليم2 ولا ليزيد بن أبي زياد ولا لمجالد بن سعيد إلا مقرونا.
وهذا بخلاف أبي داود، فإنه يخرج أحاديث هؤلاء في الأصول محتجا بها، ولأجل ذا تخلف كتابه عن شرط الصحة وفي/ (ر54/ب) قول أبي داود:"وما كان فيه وهن شديد بينته"(ما يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد) 3 أنه لا يبينه.
ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن4 الاصطلاحي. بل هو على أقسام:
1-
منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة.
2-
ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته.
3-
ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد.
وهذان القسمان كثير في كتابه جدا.
4-
ومنه ما هو ضعيف، لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا. وكل هذه الأقسام عنده/ (ي96) تصلح للاحتجاج بها5.
1 من (ر) وفي (?) و (ب)"ممن يجوز" وهو خطأ.
2 الليث بن أبي سليم بن زنيم - بالزاي والنون مصغرا - واسمه أيمن وقيل غير ذلك صدوق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك، من السادسة مات سنة 148/ خت م 4. تقريب (2/138) ، الكاشف (3/14) ، وقال: م مقرونا.
3 ما بين قوسين سقط من (ب) .
4 نقل الصنعاني هذا النص من قوله: "وفي قول أبي داود" إلى هنا. توضيح الأفكار (1/197) .
5 ونقل الصنعاني هذا النص من قوله: "وهذان القسمان كثير في كتابه " توضيح الأفكار (1/197) . وكأنه سقط عليه ذكر الأقسام الثلاثة الآنفة الذكر. وذكره محمود خطاب السبكي في مقدمة المنهل العذب المورود (ص18) نقلا عن القاضي حسين بن محسن اليماني في التحفة المرضية.
كما نقل ابن منده1 عنه أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وأنه أقوى من رأي الرجال2.
وكذلك قال ابن عبد البر3: "كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده لاسيما إن كان لم يذكر في الباب غيره".ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد بن حنبل فيما نقله ابن المنذر4 عنه أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره5.
1 هو الإمام الحافظ الجوال محدث العصر أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي (نسبة إلى عبد القيس ولاء) من المكثرين في التصنيف منها: معرفة الصحابة وكتاب الإيمان، وكتاب التوحيد مات سنة 395. تذكرة الحفاظ (3/1031) ، طبقات الحنابلة (2/167) .
2 مقدمة ابن الصلاح (ص34) .
3 هو الإمام الحافظ يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي المالكي أبو عمر من حفاظ الحديث المورخ أديب بحاثة له مؤلفات منها: التمهيد الاستيعاب والاستذكار. مات سنة 463. وفيات الأعيان (7/66) ، تذكرة الحفاظ (3/1128) .
4 هو الحافظ العلامة الفقيه محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري أبو بكر شيخ الحرم وصاحب الكتب التي لم يصنف مثلها ككتاب المبسوط في الفقه وكتاب الإشراف في اختلاف العلماء وكتاب الإجماع وكان غاية في معرفة الاختلاف والدليل وكان مجتهدا لا يقلد أحدا. مات سنة 318. تذكرة الحفاظ (3/782) ، وفيات الأعيان (4/207) .
5 في ميزان الاعتدال (3/265) وقال الأثرم سئل أحمد عن عمرو بن شعيب فقال: "ربما احتججنا بحديثه وربما وجس في القلب منه". وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/238) وشرح علل الترمذي لابن رجب (ص241) .
وأصرح من هذا ما رويناه عنه فيما حكاه أبو العز بن كادش1/ (?56/ب) أنه قال -لابنه-2: "لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، لكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث أني لا أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه"3.
ومن هذا ما روينا من طريق عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل بالإسناد الصحيح إليه قال: "سمعت أبي يقول: "لا تكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه دغل والحديث الضعيف أحب إلي من الرأي"4.
[موقف أحمد من الرأي:]
قال: "فسألته عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيها إلا صاحب حديث لا يدري صحيحه من سقيمه وصاحب رأي فمن يسأل؟
قال: "سأل صاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأي".
فهذا نحو مما حكي عن أبي داود. ولا عجب، فإنه كان من تلامذة الأمام أحمد فغير مستنكر أن يقول بقوله.
1 هو أحمد بن عبيد الله بن كادش (أبو العز) محدث من شيوخ ابن عساكر خرج وألّف توفي سنة 556. لسان الميزان (1/218) ، معجم المؤلفين (1/308) . هذا وفي (ب)"ابن كاوس" بالواو بعد الكاف وهو خطأ.
2 في (ي)"لأبيه" وهو خطأ.
3 حكى أبو موسى المديني المتوفى سنة 581 هذه الرواية في خصائص المسند (ص27) من الجزء الأول من مسند أحمد تحقيق أحمد محمد شاكر ثم ردها ثم قال: "فلعله كان أولا ثم أخرج منه ما ضعف".
4 انظر جامع بيان العلم (2/170) .
بل حكى النجم الطوفي1 عن العلامة تقي الدين ابن تيمية أنه قال: "اعتبرت مسند أحمد، فوجدته موافقا لشرط أبي داود"2.
وقد أشار شيخنا في النوع الثالث والعشرين إلى شيء من هذا/ (ب114) ومن هنا ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها مثل: ابن لهيعة، وصالح مولى التوأمة3، وعبد الله بن محمد بن عقيل4،
1 هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي البغدادي رافضي ويدعي أنه حنبلي له مؤلفات منها مختصر الروضة للموفق ثم شرحها. مات سنة 716. شذرات الذهب (6/38) ، الدر الكامنة (2/249) .
2 بل إن ابن تيمية يرى أن شرط أحمد في مسنده أجود من شرط أبي داود قال في لتوسل والوسيلة (ص82) طبعة دار العروبة: لا "ولهذا نزه أحمد مسنده عن أحاديث جماعة يروي عنهم أهل السنن كأبي داود والترمذي مثل مشيخة كثير بن عبد الله بن عمرو العوفي المزني عن أبيه عن جده وإن كان أبو داود يروي في سننه منها، فشرط أحمد أجود من شرط أبي داود في سننه". هذا وقد نقل الصنعاني هذا الأقوال قول ابن منده وابن عبد البر وأبي العز ابن كادش والنجم الطوفي. انظر توضيح الأفكار (1/197- 198) .
3 هو صالح بن نبهان المدني مولى التوأمة - بفتح المثناة وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة - صدوق اختلط بآخره فقال ابن عدي لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج. من الرابعة مات 125/دتق. تقريب /363) ، الكاشف (2/24) .
4 عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي أبو محمد المدني أمه زينب بنت علي. صدوق في حديثه لين ويقال تغير بآخره من الرابعة مات بعد أربعين ومائة/ بخ د ت ق. تقريب (1/448)، ميزان الاعتدال (2/484) . وقال بعد أن ساق أقوال العلماء فيه؛ "قلت: حديثه في مرتبة الحسن".
وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل1، ودلهم بن صالح2 وغيرهم.
فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على/ (ي97) أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به أو غريب فيتوقف فيه؟
ولا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه، فإنه ينحط إلى قبيل المنكر وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن وجيه3 وصدقه الدقيقي4 وعثمان بن واقد العمري5 ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني6 وأبي
1 سلمة بن الفضل الأبرشي - بالمعجمة - مولى الأنصار قاضي الري صدوق كثير الخطأ من التاسعة مات بعد التسعين ومائة/ د ت فق. تقريب (1/318) ، الكاشف (1/386) .
2 دلهم بن صالح الكندي الكوفي ضعيف من السادسة/ د ت ق. تقريب (1/236)، الكاشف (1/294) وقال "فيه ضعف" وقال (د) :"ليس به بأس".
3 الحارث بن وجيه - بوزن فعيل - وقيل بفتح الواو وسكون الجيم بعدها موحدة - الراسبي ضعيف من الثامنة/ د ت ق. تقريب (1/145) ، ميزان الاعتدال (1/445) .لا هذا وفي (ب) الحارث بن دحية بالدال وهو خطأ.
4 صدقة بن موسى الدقيقي أبو المغيرة أو أبو محمد السلمي البصري صدوق له أوهام من السابعة/ بخ د ت. تقريب (1/366) ، كتاب المجروحين لابن حبان (1/273) ، وفيه كان شيخا صالحا إلا أن الحديث ليس من صناعته، فكان إذا روى قلب الأخبار حتى خرج عن حد الاحتجاج به.
5 عثمان بن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر العمري المدني، نزيل البصرة صدوق ربما وهم من السابعة/ د ت. تقريب (2/15)، الكاشف (2/257) وقال:"وثقه ابن معين، وضعفه أبو داود". لقد خلط الحافظ هنا بين المتروكين وغيرهم فما ينبغي أن يعد فيهم عثمان ابن واقد وقد قال الحافظ فيه أنه صدوق له أوهام وقال الذهبي وثقه:"ابن معين".
6 محمد بن عبد الرحمن البيلماني - بفتح الموحدة واللام بينهما تحتانية ساكنة - ضعيف وقد اتهمه ابن حبان وابن عدي، من السابعة/ د ق. تقريب (2/182)، كتاب المجروحين لابن أبي حاتم (2/264) وقال ابن حبان عن ابن البيلماني هذا:"حدث عن أبيه بنسخة شبيهة بمائتي حديث كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به ولا ذكره في الكتب إلا على جهة التعجب".
جناب الكلبي1 وسليمان بن أرقم2 وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة3 وأمثالهم من المتروكين.
وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين بالعنعنة والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك/ (ر55/ب) الراوي في نفس كتابه وتارة يكون لذهول منه.
وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته4.
كأبي الحويرث5 ويحيى بن العلاء6 وغيرهم.
1 هو يحيى بن أبي حية - بمهملة وتحتانية - الكلبي أبو جناب - بجيم ونون خفيفتين وآخره موحدة - مشهور بها ضعفوه لكثرة تدليسه، من السادسة مات سنة 150 أو قبلها/ د ت ق. تقريب (2/346) ، المغني للذهبي (2/733) .
2 سليمان بن أرقم البصري أبو معاذ ضعيف من السابعة/د ت س. تقريب (1/321)، الكاشف وقال:"متروك"(1/390) .
3 إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي مولاهم، المدني متروك من الرابعة مات سنة 144. تقريب (1/59) ، الكاشف (1/111) وقال: "تركوه".
4 نقل الصنعاني هذا الكلام من قوله: "ومن هنا يظهر لك" إلى هنا. توضيح الأفكار (1/198) وكذلك نقله محمود خطاب السبكي في مقدمة المنهل العذب المورود (ص18) نقلا عن التحفة المرضية للقاضي حسين اليماني.
5 عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث - بالتصغير - الأنصاري الزرقي أبو الحويرث المدني مشهور بكنيته، صدوق سيء الحفظ رمي بالإرجاء من السادسة مات سنة 130 وقيل بعدها/د ق. تقريب (1/498) ، ميزان الاعتدال (2/591) .
6 يحيى بن العلاء البجلي أبو عمرو أو أبو سلمة الرازي رمي بالوضع من الثامنة مات قرب 160/د ق. تقريب (2/355) ، المغني (2/741) .
وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر.
فإن في رواية أبي الحسن ابن العبد1 عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي2 وإن كانت روايته3 أشهر.
ومن أمثلة ذلك ما رواه من طريق الحارث بن وجيه4 عن مالك بن دينار5 عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - حديث: "إن تحت كل شعرة جنابة
…
" الحديث6.
فإنه تكلم عليه في بعض الروايات فقال: "هذا حديث ضعيف والحارث حديثه منكر" وفي بعضها اقتصر على بعض هذا الكلام.
وفي بعضها لم يتكلم فيه وقد يتكلم7 على الحديث بالتضعيف البالغ خارج السنن ويسكت8 عنه فيها.
1 هو علي بن الحسن بن العبد أبو الحسن الوراق. سمع أبا داود السجستاني وعثمان بن حرزاد الأنطاكي، روى عنه الدارقطني وغيره مات سنة 328. تاريخ بغداد (11/382) .
2 هو أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي صاحب أبي داود مات سنة 333. تذكرة الحفاظ (3/845) .
3 في (ي)"رواته" وهو خطأ.
4 من (ر) وفي (?) و (ب)"دحية" وهو خطأ.
5 مالك بن دينار البصري الزاهد أبو يحيى صدوق عابد من الخامسة مات سنة 130/خت4. تقريب (2/224) ، الكاشف وقال مات سنة 123 (3/113) .
6 د 1- كتاب الطهارة 98- باب في الغسل من الجنابة حديث 248 وقال بعده: "الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف"، ت أبواب الطهارة 78- باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة حديث 106 وقال بعده:"حديث الحارث بن وجيه غريب لا نعرفه إلا من حديثه"، جه كتاب الطهارة 106- باب تحت كل شعرة جنابة حديث 597.
7 في كل النسخ "تكلم" بلفظ الماضي والصواب ما أثبتناه لأن السياق يستدعيه.
8 في (ر)"سكت" بصيغة الماضي.
ومن أمثلته1: ما رواه في السنن من طريق محمد بن ثابت العبدي2 عن نافع قال: "انطلقت مع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في حاجة إلى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -/ (?57/ب) فذكر الحديث في الذي سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فلم/ (ي98) يرد عليه حتى تيمم، ثم رد السلام وقال: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن على طهر"3.
لم يتكلم عليه في السنن، ولما ذكره في "كتاب التفرد" قال:"لم يتابع أحد محمد بن ثابت على هذا".
ثم حكى عن أحمد بن حنبل أنه قال: "هو حديث منكر"4.
1 في (?)"أمثلة" من دون هاء الضمير.
2 محمد بن ثابت العبدي أبو عبد الله البصري صدوق لين الحديث.
تقريب 2/149، الكاشف 3/27.
3 د 1- الطهارة 124- باب التيمم في الحضر حديث 330 من طريق محمد بن ثابت به وقال بعده: قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثا منكرا في التيمم. وقال ابن داسة: قال أبو داود: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ورووه من فعل ابن عمر. وذكر الحافظ هذا الحديث في التلخيص الحبير 1/151 ونقل تضعيف محمد بن ثابت عن ابن معين وأبي حاتم وأحمد والبخاري ثم قال: وقال أبو داود: لم يتابع أحد محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم ورووه من فعل ابن عمر.
4 قد عرفت أن أبا داود قد تكلم على هذا الحديث في سننه ونقل هذا لكلام عن أحمد فلعل النسخة التي كانت عند الحافظ من سنن أبي داود ليس فيها هذا الكلام الذي نفى الحافظ وجوده في السنن ويحتمل أنه ظن عدم وجوده في السنن بينما هو في الواقع موجود فيها، ويرجح هذا الاحتمال ما نقله في التلخيص من هذا الكلام عن أبي داود نقلا مطلقا ولم يعزه إلى التفرد ولا إلى غيره من مصنفات أبي داود والذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق النقل عن أبي داود إنما هو السنن.
[كثرة الانقطاع والإبهام في سنن أبي داود:]
وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة.
منها: وهو ثالث حديث في كتابه - ما رواه من طريق أبي التياح1 قال: حدثني شيخ قال: لما قدم ابن عباس البصرة كان يُحدث2 عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - فذكر حديث "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله"3.
لم يتكلم عليه في جميع الروايات، وفيه هذا الشيخ المبهم.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي يمنع من الاحتجاج بها ما فيها من العلل.
فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته لما/ (ب116) وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة، ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه.
والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج4 بذلك فكيف يقلده فيه؟
1 هو يزيد بن حميد الضبعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة - أبو التياح - بمثناة ثم بتحتانية ثقيلة وآخره مهملة - بصري مشهور بكنيته، ثقة ثبت من الخامسة مات سنة 128/ع. تقريب 2/363، الكاشف 3/276.
2 "يحدث" بالبناء للمجهول أي كان ابن عباس يحدثه أهل البصرة عن أبي موسى بأحاديث، ففي رواية البيهقي سمع أهل البصرة يحدثون عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث.
3 أي ليطلب مكانا لينا لئلا يرجع عليه رشاش بوله. النهاية لابن الأثير 2/276. 1- كتاب الطهارة 2- باب الرجل يتبوأ لبوله حديث 3.
4 كلمة الاحتجاج من هامش (ر) استظهارا من المصحح وقد سقطت من جميع النسخ.
وهذا جميعه إن حملنا قوله: "وما لم أقل فيه شيئل فهو صالح". على أن مراده أنه صالح للحجة. وهو الظاهر.
وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك - وهو الصلاحية للحجة أو للاستشهاد أو للمتابعة - فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف.
ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة هل فيها إفراد أم لا؟
إن وجد فيها إفراد تعين الحمل على الأول وإلا حمل على الثاني، وعلى كل تقدير فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقا/ (?58/أ) .
وقد نبه على ذلك الشيخ محيي الدين النووي - رحمه الله تعالى - فقال/ (ر56/أ) : "في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها مع أنه متفق على ضعفها، فلا بد من تأويل كلامه".
ثم قال: "والحق أن ما وجدناه في سننه ما لم يبينه، ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن1، وإن نص على ضعفه من يعتمد أو رأى العارف في سنده ما يقتضي/ (ي99) الضعف ولا جابر له، حكم بضعفه ولم يلتفت إلى سكوت أبي داود".
قلت: "وهذا هو التحقيق، لكنه خالف ذلك في مواضع من شرح المهذب
1 عبارة النووي في التقريب ص96 "ومن مظانه (يعني الحسن) سنن أبي داود فقد جاء عنه أنه يذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما كان فيه وهن شديد بينه وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مطلقا ولم يصححه غيره من المعتمدين ولا ضعفه فهو حسن عند أبي داود".
وغيره من تصانيفه، فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها فلا يغتر بذلك1 - والله أعلم –".
38-
قوله (ص) : "ما صار إليه صاحب المصابيح من تقسيم أحاديثه إلى نوعين: الصحاح والحسان/ (ب117) إلى أن قال: فهذا اصطلاح غير معروف"2. وتبعه الشيخ محيي الدين في مختصره فقال: "هذا الكلام من البغوي ليس بصواب"3.
وقد تعقب العلامة تاج الدين التبريزي في مختصره هذا الكلام فقال: "ليس من العادة المشاحة في الاصطلاح والتخطئة عليه مع نص الجمهور على أن من اصطلح في أول الكتاب فليس ببعيد عن الصواب.
والبغوي4 قد نص في ابتداء المصابيح بهذه العبارة: "وأعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان
…
إلى آخره".
1 من الأحاديث التي أشار إليها الحافظ حديث المسور - بضم الميم وفتح السين وتشديد الواو - بن يزيد المالكي الصحابي رضي الله عنه قال: "شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة فترك شيئا لم يقرأه فقال رجل: "يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا" فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم:"هلا أذكرتنيها". قال النووي رحمه الله عقبه: "رواه أبو داود بإسناد جيد ومذهبه أن ما لم يضعفه فهو عنده حسن". المجموع 4/138.
والحديث في د 2- كتاب الصلاة 163- باب الفتح على الإمام في الصلاة حديث 907 وسكت عنه أبو داود، وفي إسناده يحيى بن كثير الكاهلي، قال الحافظ فيه لين الحديث. تقريب 2/356.
2 مقدمة ابن الصلاح ص34.
3 التقريب مع تدريب الراوي ص94.
4 هو الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود المعروف بالفراء البغوي فقيه محدث مفسر له مصنفات منها: معالم التنزيل في التفسير، والتهذيب في الفقه وشرح السنة، والمصابيح في الحديث، مات سنة 516. وفيات الأعيان 2/136، وطبقات الشافعية للأسنوي 1/206، وقال: والبغوي منسوب إلى بغا - بفتخ الباء - وهي قرية بخراسان.
ثم قال: "وأعني بالحسان ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما من الأئمة
…
إلى آخره"1.
ثم قال: "وما كان من ضعيف أو غريب أشرت إليه وأعرضت عما كان/ (?58/ب) منكرا أو موضوعا". هذه عبارته ولم يذكر قط أن مراد الأئمة بالصحاح كذا وبالحسان كذا. قال: "ومع هذا فلا يعرف لتخطئة الشيخين (يعني ابن الصلاح والنووي) إياه وجه".
قلت: ومما يشهد لصحة كونه أراد بقوله الحسان اصطلاحا خاصا له أن يقول في مواضع من قسم الحسان: هذا صحيح تارة، وهذا ضعيف تارة بحسب ما يظهر له من ذلك.
ولو كان أراد بالحسان الاصطلاح العام ما نوَّعه في كتابه إلى الأنواع الثلاثة وحتى لو كان عليه في بعض ذلك مناقشة بالنسبة إلى الإطلاق، فذلك يكون لأمر خارجي حتى يرجع إلى الذهول ولا يضر فيما نحن فيه - والله أعلم -.
39-
قوله (ص) : "كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة وما جرى مجراها في الاحتجاج/ (ي100) بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا كمسند أحمد وغيره
…
" إلى أن قال: "فهذه عادتهم أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به أم لا"2.
قلت: هذا هو الأصل في وضع هذين الصنفين، فإن ظاهر حال من يصنف على الأبواب أنه3 ادعى/ (ر56/ب) على أن الحكم في المسألة التي بوب عليها
1 رجعت إلى مشكاة المصابيح فلم أجد هذا الكلام لكني في مقدمة زهير الشاويش لمشكاة المصابيح ص د. ولم يذكر مصدره.
2 مقدمة ابن الصلاح ص34، ثم ذكر من أسماء المسانيد مسند إسحاق ومسند عبد بن حميد ومسند الطيالسي ومسند عبيد الله بن موسى ومسند أبي يعلى ومسند الحسن بن سفيان.
3 في (?)"على أنه"
ما بوب به فيحتاج إلى مستدل لصحة دعواه1 والاستدلال إنما ينبغي أن يكون بما يصلح أن يحتج به، وأما من يصنف على المسانيد فإن ظاهر قصده جمع حديث كل صحابي على حدة سواء أكان يصلح للاحتجاج به أم لا.
وهذا هو ظاهر من أصل الوضع بلا شك، لكن جماعة من المصنفين في كل من الصنفين خالف أصل موضوعه فانحط وارتفع، فإن/ (?59/أ) بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة إما لذهول عن ضعفها وإما2 لقلة معرفة بالنقد.
وبعض من صنف على المسانيد انتقى أحاديث كل صحابي فأخرج أصح ما وجد من حديثه. كما روينا عن إسحاق بن راهويه أنه انتقى في مسنده أصح ما وجده من حديث كل صحابي إلا أن لا يجد ذلك المتن إلا من تلك الطريق، فإنه يخرجه. ونحى بقي بن مخلد في مسنده نحو ذلك. وكذلك صنع أبو بكر البزار قريبا من ذلك وقد صرح ببعض ذلك في عدة مواضع من مسنده فيخرج الإسناد الذي فيه مقال ويذكر علته، ويعتذر عن تخريجه بأنه لم يعرفه إلا من ذلك الوجه.
وأما الإمام أحمد، فقد صنف أبو موسى المديني3/ (ب119) جزءا كبيرا ذكر فيه أدلة كثيرة تقتضي أن أحمد انتقى مسنده وأنه كله صحيح عنده وأن ما أخرجه فيه عن الضعفاء إنما هو في المتابعات، وإن/ (ي101) كان أبو موسى قد ينازع في بعض ذلك، لكنه لا يشك منصف أن مسنده أنقى أحاديثا وأتقن رجالا من غيره.
وهذا يدل على أنه انتخبه.
1 لفظة "الواو" من (ر) .
2 في (ب)"أو" بدل "إما".
3 هو العلامة الحافظ: محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني (نسبة إلى مدينة أصبهان) له مصنفات منها: الأخبار الطوال، وخصائص مسند أحمد، مات سنة 581. الأعلام 7/202، وفيات الأعيان 4/286.
ويؤيد هذا ما يحكيه ابنه عنه أنه كان يضرب على بعض الأحاديث التي يستنكرها1.
وروى أبو موسى في هذا الكتاب من طريق حنبل بن إسحاق قال: "جمعنا أحمد أنا وابناه عبد الله وصالح وقال: انتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه، وإلا فليس بحجة"2.
فهذا صريح فيما قلناه إنه انتقاه ولو وقعت فيه الأحاديث الضعيفة والمنكرة، فلا يمنع ذلك صحة هذه الدعوى، لأن هذه الأمور نسبية بل هذا كاف فيما3 قلناه أنه لم يكتف بمطلق جمع حديث كل صحابي.
وظاهر كلام المصنف أن الأحاديث التي في الكتب الخمسة وغيرها/ (?59/ب) يحتج بها جميعها، وليس كذلك؛ فإن فيها شيئا كثيرا لا يصلح للاحتجاج به بل وفيها ما لا يصلح للاستشهاد به4 من حديث/ (ر57/أ) المتروكين وليست الأحاديث الزايدة في مسند أحمد على ما في الصحيحين بأكثر ضعفا من الأحاديث الزائدة على الصحيحين من سنن أبي داود وجامع الترمذي.
1 في خصائص المسند لأبي موسى المديني ص25 قال - يعني عبد الله بن أحمد -: وكان في كتاب أبي عن عبد الصمد عن أبيه عن الحسن (يعني ابن ذكوان) عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمشي في خف واحد أو نعل واحد" وفي الحديث كلام كثير غير هذا فلم يحدثنا به ضرب عليه في كتابه فظننت أنه ترك حديثه من أجل أنه روى عن عمرو بن خالد الذي يحدث عن زيد بن علي وعمرو بن خالد لا يسوى شيئا.
2 خصائص المسند ص23.
3 من (ر) وفي (?) و (ب)"فلما"
4 كلمة "به" ليست في (ب) .
وإذا تقرر هذا فسبيل من أراد أن يحتج بحديث من السنن أو بأحاديث1 من المسانيد واحد؛ إذ جميع ذلك لم يشترط من جمعه الصحة ولا الحسن خاصة، فهذا المحتج إن كان متأهلا لمعرفة الصحيح من غيره، فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده وحال رواته كما أنه ليس له أن يحتج بحديث من المسانيد حتى يحيط علما بذلك.
وإن كان غير متأهل لدرك ذلك فسبيله أن ينظر في الحديث إن كان خرج في الصحيحين أو صرح أحد من الأئمة بصحته، فله أن يقلد في ذلك.
وإن لم يجد أحدا صححه ولا حسنه فما له أن يقدم على الاحتجاج به فيكون كحاطب ليل فلعله يحتج بالباطل/ (ي102) وهو لا يشعر.
ولم أر للمصنف سلفا في أن جميع ما صنف على الأبواب يحتج به مطلقا، ولو كان اقتصر على الكتب الخمسة لكان أقرب من حيث الأغلب، لكنه قال مع ذلك:"وما جرى مجراها".
فيدخل في عبارته غيرها من الكتب المصنفة على الأبواب كسنن ابن ماجه بل ومصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهم، فعليه في إطلاق ذلك من التعقب ما أوردناه - والله أعلم -.
24-
قوله (ع) : "لا نسلم أن أحمدا اشترط الصحة في كتابه"2.
أقول: حرف3 الجواب أن المراد بصحة ماذا؟
إن قيل باعتبار الشرائط التي تقدم ذكرها، فلا يمكن دعوى ذلك في المسند مع ما فيه من الأحاديث المعللة والمضعفة.
1 في (ي)"بحديث".
2 التقييد والإيضاح ص56.
3 كذا في جميع النسخ. ومن معاني الحرف الوجه.
وإن قيل باعتبار ما يراه أحمد من التمسك بالأحاديث ولو كانت ضعيفة ما لم يكن ضعفها/ (ب121) شديدا. كما تقدم في الكلام على أبي داود فهذا يمكن دعواه.
25-
قوله (ع) : "على أن ثمة1 أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح وليست في مسند أحمد"2.
أقول: أجاب بعضهم عن هذا بأن الأحاديث الصحيحة التي خلا عنها المسند لا بد أن يكون لها فيه أصول أو نظائر أو شواهد أو ما يقوم مقامها3.
قلت: فعلى هذا إنما يتم النقض أن لو وجد حديث محكوم بصحته سالم من التعليل ليس هو4 في المسند وإلا فلا - والله أعلم.
[أحاديث منتقدة في مسند أحمد:]
26-
قوله (ع) : "بل فيه (أي المسند) أحاديث موضوعة، وقد جمعتها في جزء"5.
أقول: ذكر الشيخ تقي الدين بن تيمية6 أن أصل هذه القصة أن الحافظين أبا العلاء الهمذاني وأبا الفرج ابن الجوزي سئلا هل في المسند أحاديث موضوعة أم لا؟.
فأنكر ذلك أبو العلاء أشد الإنكار.
1 في (ي) و (ر/ب)"ثم".
2 التقييد والإيضاح ص56.
3 في المصعد الأحمد للحافظ ابن الجزري ص31 من مقدمات مسند أحمد لأحمد شاكر: "فإنه ما من حديث غالبا إلا وله أصل في هذا المسند" ونقل عن شيخه اليونيني مثل ذلك ص32.
4 في (ر)"ليس هو إلا في المسند".
5 التقييد والإيضاح ص57.
6 انظر التوسل والوسيلة ص81.
وأثبت ذلك أبو الفرج وبين ما فيه من ذلك بحسب/ (ي103) ما ظهر له.
قلت: ثم انتدب أبو موسى المديني فانتصر لشيخه أبي العلاء الهمذاني1 وصنف الجزء الذي أشار إليه شيخنا.
وأما الجزء المذكور فهو مشتمل على تسعة أحاديث وهي الستة التي ساقها الشيخ هنا من المسند2 والحديثان المساقان من زيادات عبد الله والتاسع حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - مثل حديث أنس رضي الله عنه فيمن عُمِّر أربعين سنة.
1 هو الحافظ العلامة المقرئ شيخ الإسلام: الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل العطار شيخ همذان، قال أبو سعد السمعاني: حافظ متقن ومقرئ فاضل حسن السيرة، مات سنة 569.
تذكرة الحفاظ 4/1324، والأعلام 2/195، شذرات الذهب 4/231.
2 الأحاديث الستة المشار إليها في التقييد والإيضاح ص57 وهي:
أ- حديث عائشة رضي الله عنها: "رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا" قال العراقي: وفي إسناده عمارة بن زاذان، قال الإمام أحمد: هذا الحديث كذب منكر.
ب- حديث عمر: "ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد". وسيتكلم عليه الحافظ فيما يأتي.
ج- وحديث أنس: "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء والجنون والجذام والبرص".
د- وحديث أنس: "عسقلان أحد العروسين يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم".
?- وحديث ابن عمر: "من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله" قال العراقي: "وفي الحكم بوضعه نظر وقد صححه الحاكم".
و قال العراقي: "ومما فيه من المناكير حديث بريدة: "كونوا في بعث خراسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين".
ز ح ط- ثم ذكر العراقي من زيادات عبد الله بن أحمد حديث سعد بن مالك وحديث ابن عمر أيضا "في سد الأبواب إلا باب علي" قال: ذكرهما ابن الجوزي في الموضوعات وقال: "إنهما من وضع الرافضة".
والحكم على الأحاديث التسعة بكونها موضوعة محل نظر وتأمل ثم إنها كلها في الفضائل أو الترغيب والترهيب.
ومن عادة المحدثين التساهل في مثل ذلك.
وفي الجملة لا يتأتى الحكم على جميعها بالوضع.
1-
فمن ذلك: حديث ابن عمر رضي الله عنهما في احتكار الطعام1
…
الحديث.
فقد ذكر شيخنا أن في الحكم بوضعه نظرا وأن الحاكم صححه وهو كما قال شيخنا.
فقد رواه الإمام أحمد قال: حدثنا يزيد بن هارون ثنا أصبغ بن زيد2 ثنا أبو بشر3 عن أبي الزاهرية4 عن كثير بن مرة5، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى"6.
1 حم: 2/32.
2 أصبغ - آخره معجمة - ابن زيد بن علي الجهني الوراق أبو عبد الله الواسطي كاتب المصحف صدوق يغرب، من السادسة، مات سنة 157.
تقريب (1/81)، كتاب المجروحين (1/174) وقال ابن حبان:"يخطئ كثيرا لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. هذا وفي جميع النسخ إلا (ي) أصبغ بن يزيد والتصحيح من التقريب وغيره وفي (ي) "عن زيد".
3 "أبو بشر عن أبي الزاهرية لا شيء"، قاله يحيى بن معين حدث عنه أصبغ، ميزان الاعتدال (4/495) وانظر تعجيل المنفعة (ص308) وقال:"وهاه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم لا أعرفه".
4 هو حدير - مصغر - آخره راء - الحضرمي أبو الزاهرية الحمصي صدوق من الثالثة، مات على رأس المائة/ ل م د س ق.
تقريب (1/156)، الكاشف (1/210) وقال:"حدير بن كريب" وقال: " ثقة".
5 كثير بن مرة الحضرمي، ثقة من الثانية ووهم من عده في الصحابة/ د 4.
تقريب (2/133) ، الكاشف (3/7) .
6 حم: 2/33. وقد دافع عنه الحافظ في القول المسدد (ص26- 29) .
وهكذا رواه أبو يعلى في مسنده1 عن أبي خيثمة زهير بن حرب2 عن يزيد به.
ومن طريقهما أخرجه الحافظ الضياء في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين.
وأما الحاكم3 فإنه أخرجه من طريق عمرو بن الحصين عن أصبغ، وعمرو بن حصين4 أحد المتروكين المتهمين، فالمعتمد عليه فيه هو يزيد بن هارون ولم يعله ابن الجوزي5 إلا بأصبغ بن زيد6، وقد ساق ابن عدي له ثلاثة أحاديث هذا منها. وقال: إنها غير محفوظة وأنه لم يرو عنه غير يزيد بن هارون7.
(5/ل 527/أ) مصور من الجامعة الإسلامية عن نسخة في استنبول بتركيا.
2 زهير بن حرب بن شداد أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد ثقة ثبت روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث، من العاشرة، مات سنة 234/ خ م د س ق.
تقريب (1/264) ، تذكرة الحفاظ (2/447) .
3 المستدرك (2/11) من طريق أصبغ به وتعقبه الذهبي وقال أصبغ فيه لين.
4 عمرو بن حصين العقيلي - بضم أوله - البصري ثم الجزري متروك، من العاشرة، مات بعد ثلاثين ومائتين/ ق.
تقريب (2/68) ، وانظر ميزان الاعتدال (3/252) .
5 أورده ابن الجوزي في كتابه الموضوعات (2/242- 243) من طريقين ثم قال: "وأما حديث ابن عمر ففي الطريقين أصبغ بن زيد، قال ابن عدي أحاديث أصبغ غير محفوظة، وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد".
6 في كل النسخ "أصبغ بن يزيد" والتصحيح من التقريب والميزان والموضوعات ومسند أحمد.
7 الكامل (1/ ل 144/أ) مصور في مكتبة عبد الرحيم صديق بمنى. ساق هذا الحديث عن ابن عمر والثاني بإسناده إلى أبي هريرة من طريق أصبغ بن يزيد: "الصلاة كفارات الخطايا واقرأوا إن شئتم إن الحسنات يذهبن السيئات". والثالث من حديث عائشة من طريق أصبغ المذكور إلى خالد بن معدان حدثني ربيعة قال: سألت عائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام يصلي من الليل وبم كان يستفتح
…
" الحديث ثم عقب ابن عدي هذه الأحاديث بما نقله عنه الحافظ.
وقد وهم ابن عدي في ذلك فإنه روى عنه عشرة أنفس ووثقه يحيى بن معين وأبو داود وغيرهما.
وقال النسائي: "ليس به بأس". وكذا قال أحمد وزاد "ما أحسن رواية يزيد عنه" وقال الدارقطني: "تكلموا فيه وهو ثقة عندي"1.
قلت لم أر للمتقدمين2 فيه كلاما سوى لابن سعد/ (ي104) وهو محجوج بما تقدم. - والله أعلم -.
وللمتن شواهد تدل على صحته.
فإن قيل: إنما حكم عليه بالوضع نظرا إلى لفظ المتن وكون/ (?61/أ) ظاهره مخالفا للقواعد.
قلنا: ليست هذه وظيفة المحدث3، وعلى التنزل، فالجواب عنه أنه من جملة الأحاديث التي سيقت في معنى الزجر الشديد والتغليظ ولفظ البراءة وإن كان مستشكلا فقد صحت بمثله أحاديث أخر. ففي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا بريء ممن سلق وحلق وخرق"4. فمهما أجيب عنه فهو جوابنا.
1 انظر ميزان الاعتدال (1/270) فإنه قال: "قلت روى عنه عشرة أنفس". وذكر توثيق الذين سماهم الحافظ وساق حديثه هذا بإسناد أحمد من طريق أصبغ به.
2 من (ي) وفي جميع النسخ "لمتكلمين".
3 كيف لا يكون هذا من وظيفة المحدث وقد وضعوا قواعد لنقد الحديث حيث قالوا: "إن من جملة دلائل الوضع أن يكون الحديث مخالفا للعقل بحيث لا يقبل التأويل ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة أو يكون منافيا لدلالة الكتاب القطعية أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي".
4 م 1- كتاب الإيمان 44- باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب حديث 167، د 15- الجنائز 29- باب في النوح حديث 3130، جه 6- كتاب الجنائز 52- باب ما جاء في النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب 1586، حم 4/396، 397، وجملة "أنا بريء" سقطت من جميع النسخ والتصحيح من مسلم.
2-
ومنها حديث عمر - رضي الله تعالى عنه -: "ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد
…
" الحديث.
رواه أحمد قال: حدثنا أبو المغيرة1، ثنا إسماعيل بن عياش ثنا الأوزاعي وغيره عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: ولد لأخي أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: "سميتموه بأسماء فراعنتكم؟ ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو شر على2 هذه الأمة من فرعون لقومه"3.
ورجال إسناده ثقات، وإسماعيل بن عياش، صدوق؛ إنما تكلموا4 في/ (ر58/أ) حديثه عن غير الشاميين، ولم يعله ابن الجوزي5 إلا بقول ابن حبان: "هذا خبر باطل، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ولا عمر رضي الله عنه ولا سعيد ولا الزهري حدث به ولا هو من حديث الأوزاعي [قال] 6: وكان إسماعيل من الحفاظ المتقنين في حداثته، فلما كبر تغير حفظه
1 هو: عبد القدوس بن الحجاج الخولاني أبو المغيرة الحمصي، ثقة من التاسعة، مات سنة 212.
تقريب 1/515، تهذيب التهذيب 6/369.
2 في كل النسخ "لهذه" باللام بدل "على" والتصويب من مسند أحمد.
3 حم 1/202 حديث 109 تحقيق أحمد شاكر وقال عقبه: "إسناده ضعيف لانقطاعه، سعيد بن المسيب لم يدرك عمر إلا صغيرا فروايته عنه مرسلة". ويؤيده قول ابن معين وأبي حاتم: "سعيد بن المسيب عن عمر مرسل". انظر المراسيل لابن أبي حاتم ص50- 51، وانظر القول المسدد.
4 في كل النسخ "تكلموا فيه في حديثه" ولا داعي لكلمة "فيه".
5 أورد ابن الجوزي هذا لحديث في كتابه الموضوعات 2/46 ونقل عقبه كلام ابن حبان ثم قال بعده: "قلت: فلعل هذا دخل عليه في كبره وقد رواه وهو مختلط" قال أحمد بن حنبل: "كان إسماعيل بن عياش يروي عن كل ضرب".
6 الزيادة من (ي) .
فما حفظه في/ (ب124) صباه حدث به على جهته، وما حفظ به1 على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه2.
قلت: وليس هذا الحديث مما حفظه إسماعيل من حديث الغرباء بل هو من حديثه عن الشاميين/ (?61/ب) وقد قال جمع من الأئمة: إن حديث إسماعيل عن الشاميين قوي وصحح الترمذي3 وغيره من/ (ي105) ذلك عدة أحاديث.
على أنه لم ينفرد بهذا.
فقد رواه يعقوب بن سفيان في تاريخه4 عن محمد بن خالد بن العباس السكسكي5 قال: ثنا الوليد بن مسلم. ثنا أبو عمرو الأوزاعي، فذكره إلا أنه لم يذكر عمر في إسناده. وزاد قال الأوزاعي: فكانوا يرون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقاتلوه، فانفتحت الفتن على الأمة والهرج.
1 في (ي)"وما حفظه".
2 ذكر ابن حبان هذا الكلام في كتاب المجروحين 1/125 في ترجمة إسماعيل بن عياش قبل رواية الحديث المذكور ثم قال: وما حفظ على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه وأدخل الإسناد في الإسناد وألزق المتن بالمتن وهو لا يعلم، ومن كان هذا نعته حتى صار الخطأ في حديثه يكثر خرج عن الاحتجاج به في ما لم يخلط فيه.
3 روى له في 31- كتاب الوصية 5- باب ما جاء لا وصية لوارث حديث2120 حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث
…
" الحديث، وقال بعده: قال أبو عيسى: "وفي الباب عن عمرو بن خارجة وأنس وهو حديث حسن صحيح وقد روي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه".
4 3/349 من طريق محمد بن خالد السكسكي كما قال الحافظ، وهذا النص مما اقتبسه ابن كثير من تاريخ يعقوب بن سفيان في البداية والنهاية 6/241- 242 قاله محقق التأريخ المذكور.
5 لم أقف له على ترجمة بعد بحث كثير وإنما وجدت ترجمة لمحمد بن خالد الدمشقي، روى عن الوليد ابن مسلم وهو كذاب. ميزان الاعتدال 3/534.
قلت: وتابع الوليد على إرساله بشر بن بكر1، أخرجه البيهقي في الدلائل عن الحاكم وغيره عن أبي العباس (وهو الأصم) 2 عن سعيد بن عثمان التنوخي3 عن (بشر بن بكر) 4 قال حدثني الزهري فذكره وزاد في المتن غيروا اسمه فسموه عبد الله.
وزاد - أيضا - أنه ولد لأخي أم سلمة رضي الله عنها من أمها. قال البيهقي: "هذا مرسل حسن" وهو كما قال، بل هو على شرط الصحيح لولا إرساله.
وكذا أرسله معمر عن الزهري بسنده في الجزء الثاني من أمالي عبد الرزاق عن معمر5.
1 بشر بن بكر التنيسي عن الأوزاعي وحريز وعنه الشافعي والربيع وابن عبد الحكم، ثقة، توفي سنة 205. الكاشف 1/154، والتقريب 1/98 وقال من التاسعة ثقة يغرب/خ د س ق. هذا وقد جاء في كل النسخ "بسر" - بالسين - بن بكير - مصغرا - وهو خطأ.
2 هو محمد بن يعقوب بن يوسف الأموي مولاهم كان إماما ثقة حافظا، مات سنة 346. تذكرة الحفاظ 3/860، وطبقات الأسنوي 1/76.
3 سعيد بن عثمان التنوخي أبو عثمان الحمصي، روى عن بشر بن بكر وأبي المغيرة وأسد بن موسى، سمعنا منه بحمص محله الصدق. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، ولم يذكر سنة وفاته ولم أقف له على ترجمة في غيره، وجاء في كل النسخ "بن سعيد عن عثمان" وهو خطأ. ثم وجدت في (ي) عن سعيد ابن عثمان على الصواب.
4 في كل النسخ (بسر بن بكير) . والصواب ما أثبتناه كما تقدم.
5 الأمالي لعبد الرزاق ضمن مجموع 3 بدار الكتب الظاهرية (ق52/أ) حديث. وقال ابن كثير: قال الحافظ ابن عساكر: "وقد رواه الوليد بن مسلم ومعقل بن زياد ومحمد بن كثير وبشر بن بكر عن الأوزاعي، فلم يذكروا عمر في إسناده وأرسلوه
…
وحكي عن البيهقي أنه قال: هو مرسل حسن".
البداية والنهاية 10/6.
فبان بهذا أن قول ابن حبان: "إن ابن المسيب ما حدث به قط ولا ابن شهاب ما حدث به - أيضا - ولا الأوزاعي" لا يخلو من مجازفة.
وقد صرحت (رواية بشر بن بكر) 1 بسماع الأوزاعي له من الزهري فأمن ما يخشى/ (ب125) من أن الوليد بن مسلم دلس فيه تدليس التسوية2.
على أن الأوزاعي لم ينفرد به، فقد رواه الزبيدي عن الزهري مثله. وفي الباب عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -.
رواه ابن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء3، عن زينب بنت أم سلمة4 عن أمها - رضي الله تعالى عنها - قالت/ (?62/أ) :"دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد، فقال صلى الله عليه وسلم: "من هذا؟ " قلت: "الوليد". قال صلى الله عليه وسلم: "قد اتخذتم الوليد حنانا 5 غيروا اسمه، فإنه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له الوليد" 6.
1 جاء أيضا في النسخ كلها "بسر بن بكير" وهو خطأ كما تقدم.
2 تدليس التسوية هو أن يروي المدلس حديثا عن شيخ ثقة بسند فيه راو ضعيف فيحذفه المدلس من بين الثقتين اللذين لقي أحدهما الآخر ولم يذكر أولهما بالتدليس ويأتي بلفظ محتمل فيستوي الإسناد كله ثقات. فتح المغيث 1/182.
3 محمد بن عمرو بن عطاء القرشي العامري المدني، ثقة من الثالثة، مات سنة 120/ع. تقريب 2/196، الكاشف 3/84.
4 زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، ماتت سنة 73/ع. تقريب 4/310.
5 أي تتعطفون على هذا الإسم وتحبونه. النهاية لابن الأثير 1/452.
6 البداية والنهاية لابن كثير 10/6 وهذا إسناد حسن إن سلم من تدليس ابن إسحاق.
وانظر القول المسدد في الذب عن مسند أحمد للحافظ ابن حجر ص14- 19.
ورواه محمد بن سلام الجمحي1 عن حماد بن سلمة فذكر نحوه منقطعا.
3-
ومنها: حديث أنس - رضي الله تعالى عنه -: "ما من معمر يعمر في الإسلام/ (ي106) أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء: الجنون والجذام
…
" الحديث.
قال الإمام أحمد2: ثنا أنس بن عياض3، قال: ثنا يوسف بن أبي ذرة4 عن جعفر بن عمرو بن أمية5 عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: قال/ (ر58/ب) رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عن ثلاثة أنواع
1 محمد بن سلام الجمحي أبو عبد الله البصري مولى قدامة بن مظعون، كان من أئمة الأدب، ألف طبقات الشعراء، روى عن حماد بن سلمة ومبارك بن فضالة وجماعة. قال صالح جزرة صدوق. وقال أبو خيثمة:"لا يكتب عنه الحديث، رجل رمي بالقدر إنما يكتب عنه الشعر".
ميزان الاعتدال 3/567.
2 كلمة "أحمد" سقطت من جميع النسخ والتصويب من مسند أحمد.
3 أنس بن عياض أبو ضمرة: أو عبد الرحمن الليثي المدني، ثقة من الثامنة، مات سنة 20/ع. تقريب 1/84، الكاشف 1/140 وقال فيه:"عنه أحمد وأحمد بن صالح وأمم".
4 يوسف بن أبي ذرة الأنصاري، روى عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أنس حديث التعمير. روى عنه أبو ضمرة أنس بن عياض، قال فيه ابن معين:"لا شيء" وقال ابن حبان في الضعفاء: "منكر الحديث جدا
…
لا يجوز الاحتجاج به بحال". ميزان الاعتدال 4/464، كتاب المجروحين 3/131، تعجيل المنفعة ص300، وأبو ذرة: بالذال المعجمة المفتوحة ثم الراء المشددة.
5 جعفر بن عمرو بن أمية الضمري المدني ثقة من الثالثة، مات سنة 95/خ م د ت س. تقريب 1/131، الكاشف 1/185
من البلاء: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين لين الله عليه الحساب
…
" الحديث1.
ورواه أبو يعلى2 وغيره من حديث أبي ضمرة أنس بن عياض به.
ورواه أحمد3 - أيضا - عن أبي النضر، عن فرج بن فضالة4 عن محمد بن عامر عن محمد بن عبد الله عن عمرو بن جعفر عن أنس رضي الله عنه موقوفا5. وهو معروف بيوسف بن أبي ذرة.
ورواه عنه - أيضا - الحارث بن أبي الزبير النوفلي6، ويوسف ضعفه يحيى بن معين7 ولم ينفرد به.
فقد رواه محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان8، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري.
كما رويناه في مسند أبي يعلى9 رواية ابن المقري/ (ب126) .
وفي تفسير ابن مردويه - أيضا - من طريق عبد الرحمن بن أبي الموالي عن
1 حم 3/218، ميزان الاعتدال 4/465.
2 في مسنده (2/ل30) .
3 في المسند 2/89.
4 فرج بن فضالة بن النعمان التنوخي الشامي، ضعيف من الثامنة، مات سنة 179/د ق. تقريب 2/108، كتاب المجروحين 2/206 وفيه:"كان ممن يقلب الأسانيد ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة، لا يحل للاحتجاج به".
5 أشار الهيثمي في مجمع الزوائد 10/205 إلى هذه الرواية الموقوفة في مسند أحمد وقال: "وفي إسناد أنس الموقوف من لم أعرفه".
6 الحارث بن أبي الزبير النوفلي. قال الأزدي: "ذهب علمه". ميزان الاعتدال 1/433.
7 وضعفه ابن حبان أيضا وتقدم قوله قريبا.
8 محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان الأموي المدني يلقب بالديباج، وهو أخو عبد الله بن الحسن بن الحسن لأمه. صدوق من السابعة، قتل سنة 145.
تقريب 2/179، تهذيب التهذيب 9/268.
9 2/ل30.
محمد بن موسى بن أبي عبيدة الزمعي عن محمد بن/ (?62/ب) عبد الله بن عمرو بن عثمان به.
وما وقع في رواية أحمد الموقوفة عن عمرو بن جعفر وهم من فرج بن فضالة، انقلب اسمه وإنما هو جعفر بن عمرو.
ولم ينفرد به جعفر بن عمرو، فقد رويناه من طريق عبد الواحد بن راشد1 وأبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم2 وعبيد الله بن أنس3 وزيد بن أسلم وغيرهم كلهم عن أنس رضي الله عنه –، وفي الباب عن عثمان بن عفان وعبد الله بن أبي بكر الصديق وأبي هريرة رضي الله عنهم -4.
وأجودها إسنادا طريق زيد بن أسلم5 وقد أوردها البيهقي في كتاب
1 عبد الواحد بن راشد عن أنس وعنه عباد بن عباد، ليس بعمدة، روىحديث:"من بلغ التسعين سمي أسير الله في أرضه". ميزان الاعتدال 2/104.
2 أبو طوالة الأنصاري المدني قاضي المدينة، ثقة من الخامسة، مات سنة 134. تقريب 1/429، الكاشف 2/104.
3 عبيد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري كذا في الأدب، والصواب عبيد الله بن أبي بكر عن جده قاله الترمذي/بخ. تقريب 1/531.
أما الذهبي فلم يذكر إلا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن جده. الكاشف 2/224، وبهامشه قال أحمد وأبو داود والنسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات.
4 قال الحافظ في الخصال المكفرة ص264 من مجموعة الرسائل المنيرية "وقع لنا (يعني حديث التعمير) من حديث عبد الله بن أبي بكر الصديق، ومن حديث عثمان بن عفان، ومن حديث شداد بن أوس، ومن حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث عبد الله بن عمر، ومن حديث أنس رضي الله عنهم أجمعين". وانظر مجمع الزوائد 10/203- 206 فقد ساق عددا من الأحاديث في هذا الباب.
5 زيد بن أسلم العدوي مولى عمر، أبو عبد الله أو أبو أسامة المدني، ثقة عالم كان يرسل، من الثالثة مات سنة 136/ع. تقريب 1/272، الكاشف 1/326.
الزهد له عن الحاكم عن الأصم عن بكر بن سهل عن عبد الله بن محمد بن رمح1 عن عبد الله بن وهب عن حفص بن ميسرة عنه به.
وليس في إسناده من ينظر في أمره إلا بكر بن سهل2، فقد ضعفه النسائي وقواه غيره. ولم يتهمه/ (ي107) أحد بالكذب. وقد رويناه من وجه آخر عن حفص بن ميسرة.
وفي الجملة فالحكم على هذا الحديث بالوضع مردود، وقد جمعت أسانيده بطرقها وعللها في الجزء3 الذي جمعته فيما ورد في غفران ما تقدم وما تأخر من الذنوب - غفر الله ذنوبنا كلها بمنه وكرمه.
4-
ومنها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما في سد الأبواب إلا باب علي - رضي الله تعالى عنه - وهو في المسند من رواية الإمام أحمد، عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن عمرو بن أسيد4 عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال:
1 عبد الله بن محمد بن رمح بن المهاجر التجيبي المصري صدوق من الحادية عشرة، مات قبل أبيه/ق. تقريب 1/446، الكاشف 2/125 وقال: مات سنة 225.
2 بكر بن سهل الدمياطي أبو محمد مولى بني هاشم عن عبد الله بن يوسف وكاتب الليث وطائفة وعنه الطحاوي والأصم والطبراني وخلق، حمل الناس عنه وهو مقارب الحال، قال النسائي ضعيف، توفي سنة 289.
ميزان الاعتدال 1/345.
3 انظره في المجلد الأول من مجموعة الرسائل المنيرية ص264- 266، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/205 بعد أن ساق حديث أنس من طرق:"رواه البزار بإسنادين رجال أحدهما ثقات". وانظر القول المسدد ص29- 32.
4 عمرو بن أبي سفيان بن أسيد - بفتح أوله - ابن جارية - بالجيم - الثقفي المدني حليف بني زهرة وقد ينسب إلى جده، ويقال عمر ثقة من الثالثة/خ م د س.
تقريب 2/71، تهذيب التهذيب 8/41.
وذكر فيه اختلافا في تسميته ثم قال: "ووقع لأحمد من طريق إبراهيم (ولعله هشام) بن سعد عن عمر بن أسيد" هذا وفي كل النسخ "عمر بن راشد" وهو خطأ والتصحيح من مسند أحمد والتقريب والتهذيب.
"كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر - رضي الله تعالى عنهما - ولقد أوتي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ثلاث خصال/ (?63/أ) لأن يكون لي واحدة منهن1 أحب إلي من حمر النعم:
زوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته/ (ر59/أ) ، وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر"2.
1 من (ر/أ) وفي سائر النسخ "منهم" وهو خطأ.
2 حم 2/26، ومسند أبي يعلى 2/ل262 مصورة في مكتبة الصديق بمنى.
قال البخاري رحمه الله في 62- كتاب الفضائل 4- باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم حديث 3655: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا سليمان عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان. وانظر تحفة الأشراف 6/451 ولم يعزه لغير البخاري.
وقال البخاري في 62- كتاب فضائل الصحابة 7- باب مناقب عثمان حديث 3698: حدثني محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا شاذان حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
"كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم".
وانظر تحفة الأشراف 7/156 وعزاه أيضا لأبي داود.
وقال رحمه الله في 62- كتاب فضائل الصحابة 9- باب مناقب علي حديث 3704 حدثنا محمد بن رافع حدثنا حسين عن زائدة عن حصين عن سعد بن عبيدة قال:
جاء رجل إلى عمر فسأله عن عثمان فذكر من محاسن عمله قال: "لعل ذلك يسوءك؟ " قال: "نعم" قال: "فأرغم الله بأنفك" ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله قال: "هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم" ثم قال: "لعل ذلك يسوءك" قال: "أجل" قال: "فأرغم الله بأنفكن انطلق فأجهد علي جهدك" ذكره في تحفة الأشراف ج5 ولم يعزه لغير البخاري.
ورواته ثقات إلا أن هشام بن سعد1 قد ضعف من قبل حفظه وأخرج له مسلم فحديثه في رتبة الحسن لاسيما مع ما له من الشواهد وقد تبين أنه من رواية أحمد لا من رواية ابنه2.
وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أيضا، أورده النسائي في الخصائص3 بسند صحيح عن أبي إسحاق عن العلاء بن عرار قال: قلت لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أخبرني عن علي وعثمان - رضي الله تعالى عنهما - فقال: "أما علي رضي الله عنه فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه".
والعلاء4 وثقه ابن معين.
1 هشام بن سعد المدني أبو عباد أو أبو سعد صدوق له أوهام ورمي بالتشيع، من كبار السابعة مات سنة 160 أو قبلها/خت م 4. تقريب 2/318، الكاشف 3/232. وقال أحمد: "لم يكن بالحافظ وكان يحيى القطان لا يحدث عنه" وقال ابن معين: "ليس بذاك القوي وليس بمتروك" الميزان 4/298 وفيه كلام كثير، انظر تهذيب التهذيب.
2 وقد دافع الحافظ عن هذا الحديث في القول المسدد ص19- 26.
3 ص28 بالإسناد المذكور بلفظ: "أما علي فهذا بيته" وبإسناد آخر فيه مجهول: "ولكن انظر إلى بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم" وليس فيه سد الأبواب. وحديثه في سد الأبواب في مسند أبي يعلى 5/ل514 مصورة بالجامعة الإسلامية.
4 العلاء بن عرار - بمهملات - الخارقي - بمعجمة وراء مكسورة ثم فاء - الكوفي ثقة من الرابعة/ص. تقريب 2/93، تهذيب التهذيب 8/189.
ورواه ابن أبي عاصم1 من2 طريق عبيد الله بن عمرو3 عن زيد بن أبي أنيسة4 عن أبي إسحاق سألت ابن عمر رضي الله عنهما فذكره.
وأما حديث سعد بن مالك في ذلك فهو من رواية أحمد5 أيضا لا من رواية ابنه، وإسناده حسن - أيضا -.
1 في السنة 2/ل13 مصورة في الجامعة الإسلامية عن نسخة في مكتبة المدينة المنورة، وابن أبي عاصم هو: الحافظ الكبير الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو النبيل أبي عاصم الشيباني الزاهد، قاضي أصبهان له الرحلة الواسعة والتصانيف النافعة، مات سنة 287. تذكرة الحفاظ 2/640، البداية والنهاية 11/84، الأعلام 1/181
2 في جميع النسخ "و" بدل "من" وقد صوب كل من ناسخ (ر) و (?) فجعلا كلمة "من" فوق الواو وهو الصواب.
3 عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الرقي أبو وهب الأسدي ثقة فقيه، ربما وهم من الثالثة (كذا) والصواب الثامنة، مات سنة 180. تقريب 1/537، الكاشف 2/232.
4 زيد بن أبي أنيسة الجزري أبو أسامة، أصله من الكوفة ثم سكن الرها، ثقة له أفراد من السادسة، مات سنة 124. تقريب 1/272، الكاشف 2/336.
5 في المسند 1/175 قال: ثنا حجاج. ثنا فطر عن عبد الله بن شريك عن عبد الله بن الرقيم الكناني قال: "خرجنا إلى المدينة فلقينا سعد بن مالك بها فقال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي رضي الله عنه" وفي هذا الإسناد فطر بن خليفة وهو شيعي غال. انظر ميزان الاعتدال 3/363- 364، وقال الحافظ في التقريب: "صدوق رمي بالتشيع".
وفيه عبد الله بن شريك العامري الكوفي صدوق يتشيع، وأفرط الجوزاني فكذبه، من الثالثة/س. تقريب 1/422. وحديث سعد في مسلم فضائل الصحابة حديث 32- "أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهم أحب إلي من حمر النعم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له حين خلفه في بعض مغازيه
…
"أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي"، وسمعته يقول يوم خيبر "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
…
" ولما نزلت هذه الآية {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: "اللهم هؤلاء أهلي" وليس فيه سد الأبواب.
وقال ابن حبان: "كان - يعني عبد الله بن شريك - غاليا في التشيع يروي عن الأثبات ما لا يشبه حديث الثقات
…
وكان مع ذلك مختاريا". كتاب المجروحين (2/26) . وفيه عبد الله بن الرقيم الكناني مجهول من الثالثة. تقريب (1/415) . وميزان الاعتدال (2/422) . فكيف بعد هذا يقول الحافظ وإسناده حسن، ثم أليس هذا مما يروي المبتدع ما يوافق بدعته؟
وأما ادعاء ابن الجوزي أنهما من وضع الرافضة1، فكلامه في/ (ي108) ذلك دعوة عرية عن البرهان.
وقد أخرج النسائي في خصائص2 علي رضي الله عنه حديث سعد رضي الله عنه، وأخرج فيه أيضا حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه بإسناد صحيح3.
1 قال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات (1/366) بعد أن ساق حديث سعد وابن عمر وابن عباس وغيرهم وبعد أن بين عللها والمطاعن التي فيها:
"فهذه الأحاديث كلها من وضع الرافضة قابلوا بها الحديث المتفق على صحته في "سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر". وما أقرب قول ابن الجوزي إلى الحق.
(ص13) .
3 الخصائص (ص13) .
وحديث زيد بن أرقم هذا أورده ابن الجوزي في المضوعات بإسناده إلى النسائي:
"قال: أنبأنا محمد بن جعفر قال حدثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب إلى المسجد، فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "سدوا هذه الأبواب إلا باب علي"، فتكلم الناس في ذلك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم والله ما سددت ولا فتحت ولكن أمرت بشيء فاتبعته". الموضوعات 1/365 ثم قال في (ص366) :
"وأما حديث زيد بن أرقم ففيه ميمون مولى عبد الرحمن بن سمرة قال يحيى بن سعيد هو لا شيء".
وقال الحافظ: ميمون أبو عبد الله البصري مولى ابن سمرة ضعيف من الرابعة/ ت س ق. تقريب (2/292) . وقال الذهبي: "كان يحيى القطان لا يحدث عن ميمون. وقال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال ابن معين: لا شيء. وزعم شعبة فيما نقل عنه أنه كان فسلا. ثم ساق الذهبي هذا الحديث من طريقه". ميزان الاعتدال 4/235.
قلت وأخرج أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: وسد أبواب المسجد غير باب علي رضي الله عنه قال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره، في حديث طويل وقد أخرج أحمد في مسنده أيضا هذين الحديثين1.
وكذا أخرجهما الترمذي2، لكنه قال حديث ابن عباس رضي الله عنهما بعد أن أخرجه عن محمد بن حميد3 عن إبراهيم بن المختار4 عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عنه: غريب لا نعرفه عن شعبة إلا من هذا الوجه.
1 أما حديث ابن عباس فقد أخرجه أحمد في المسند 1/331 وهو حديث طويل وفيه وقال: "سدوا أبواب المسجد غير باب علي. فقال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره". وفي إسناده أبو بلج يحيى بن سليم وبه أعل ابن الجوزي هذا الحديث؛ وقال: قال أحمد روى أبو بلج حديثا منكرا "سدوا الأبواب" وقال ابن حبان: "كان أبو بلج يخطئ". وذكر الذهبي في الميزان أقوال المجرحين والمعدلين 4/384 ثم قال: "ومن مناكيره
…
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب إلا باب علي رضي الله عنه ومن بلاياه
…
عن عبد الله بن عمرو: ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد". وهو في الخصائص ص13- 14 مختصر وأما حديث زيد بن أرقم ففي المسند 4/369 وفيه ميمون ضعيف وتقدم الكلام عليه كما ترى.
2 أما حديث ابن عباس ففي الترمذي 50- كتاب المناقب 21- مناقب علي رضي الله عنه حديث 3732 ثم تعقبه بما نقله عنه الحافظ، وانظر تحفة الأشراف 5/190 حديث 6314. وأما حديث زيد بن أرقم فما هو في الترمذي، وقد رجعت بعد مراجعة الترمذي تحفة الأشراف في مسند زيد بن أرقم فلم أجده.
3 محمد بن حميد الرازي حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه، من العاشرة مات سنة 240. الكاشف 3/35 وقال:"وثقه جماعة والأولى تركه". تقريب 2/156/د ت ف.
4 إبراهيم بن المختار التميمي أبو إسماعيل الرازي صدوق ضعيف الحفظ من الثامنة، يقال مات سنة 182/بخ ت ق.
وتعقبه الحافظ الضياء في المختارة بأن الحاكم1 والطبراني روياه من طريق مسكين بن بكير عن شعبة وهي أصح2 من طريق الترمذي، ورواية أحمد هي من طريق أبي عوانة عن أبي بلج.
وأبو بلج3 وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم.
وقال البخاري فيه نظر. انتهى.
والحديث الذي أشار إليه من رواية الحاكم رويناه أيضا
…
في المجلس الرابع من أمالي أبي جعفر محمد بن عمرو بن البختري4.
قال ثنا أبو الأصبع القرقساني5 ثنا أبو جعفر
1 الموجود في المستدرك للحاكم إنما هو حديث زيد بن أرقم من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم كما هو في المسند. ولم أجد فيه حديث ابن عباس لا من طريق مسكين ولا من طريق غيره.
2 لو كانت أصح في شعبة فإن مدارها على أبي بلج وحديثه منكر أعني هذا الحديث.
3 في (ي)"أبو بلخ" بالخاء المعجمة وهو خطأ والصواب بالجيم كما هو في باقي النسخ وتقريب التهذيب 2/402
4 محمد بن عمرو بن البختري - بالباء الموحدة والخاء المعجمة والمثناة من فوق - ابن مدرك أبو جعفر الرزاز سمع من العباس بن محمد الدوري وطبقته وعنه أبو حفص ابن شاهين وجماعة من طبقته وكان ثقة ثبتا. مات سنة 339. تاريخ بغداد للخطيب 3/132
5 هو محمد بن عبد الرحمن بن كامل بن موسى بن صفوان الأسدي القرقساني حدث عن أبي جعفر النفيلي وأقرانه وروى عنه ابن صاعد وإسماعيل الصفار وطبقتهما وكان ثقة حسن الحديث وتوفي سنة 287. تاريخ بغداد للخطيب 2/316. وفي اللباب لابن الأثير: "القرقساني - بفتح القافين بينهما راء ساكنة وبعدها سين مهملة مفتوحة وبعد الألف نون - وهي مدينة على الفرات والخابور بالقرب من الرقة وهي قرقيسيا. انتهى. لكن جاء في كل النسخ "الفرفساني" بفاءين وهو خطأ.
النفيلي1، ثنا مسكين2 بن بكير، ثنا شعبة به.
ويشهد له حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك". رواه الترمذي3.
ذلك / (ر59/أ) أن بيت علي رضي الله عنه كان مع بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يحتج إلى استطراق المسجد. وشاهد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن4 قال:
1 الحافظ الثبت المسند الإمام العلامة عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل القضاعي الحراني أخذ عن مالك وزهير بن معاوية وعفير بن معدان وخلق نحوهم، وعنه ابن معين وأحمد والذهلي وخلق آحرون. مات سنة 234. تذكرة الحفاظ 2/440، التقريب 1/448 وقال: "من كبار العاشرة/ خ4".
2 مسكين بن بكير الحراني أبو عبد الرحمن الحذاء، صدوق يخطئ، وكان صاحب حديث، من التاسعة مات سنة 198/ خ م د س. تقريب (2/244) ، الكاشف 3/138.
3 50 كتاب المناقب 21 باب حديث 3728 قال الترمذي بعده: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث فاستغربه وفي إسناده سالم بن أبي حفص أبو يونس الكوفي". قال الحافظ: "صدوق في حديثه إلا أنه شيعي غال". من الرابعة/ بخ ت.
تقريب 1/279. وقال الذهبي: "شيعي لا يحتج به". الكاشف 1/343. وفيه عطية بن سعد بن جناد العوفي الكوفي صدوق يخطئ كثيرا كان شيعيا مدلسا من الثالثة مات سنة 111/ بخ د ت ق. تقريب 2/24.
وقال بن الجوزي في الموضوعات: "أما عطية فاجتمعوا على تضعيفه". وقال ابن حبان: "كان يجالس الكلبي فيقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيري ذلك عنه ويكنيه أبا سعيد فيظن أنه أراد الخذري لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب. الموضوعات 1/368، كتاب المجروحين لابن حبان 2/176 والمبتدع إذا روى ما يقوي بدعته لا تقبل روايته وقد رجح ذلك الحافظ. نزهة النظر ص51.
4 هو شيخ الإسلام الإمام أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل، ابن محدث البصرة حماد بن زيد الأزدي مولاهم البصري ثم البغدادي المالكي الحافظ صاحب التصانيف، وشيخ مالكية العراق وعالمهم من مؤلفاته "كتاب أحكام القرآن" لم يسبق إلى مثله. أخذ عن علي بن المديني وغيره. مات سنة 282. تذكرة الحفاظ 2/625، الأعلام 1/305.
ثنا إبراهيم بن حمزة1 ثنا سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم- لم يكن أذن لأحد أن يمر بالمسجد ولا يجلس فيه وهو جنب إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لأن بيته كان في المسجد وهذا/ (ي109) مرسل قوي.
وإذا تقرر ذلك، فهذا هو السبب في استثنائه، ودعوى كون هذا المتن يعارض حديث أبي سعيد:"لا يبقين في/ (ب129) المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر" المخرج في الصحيحين2 ممنوعة.
وبيانه أن الجمع ممكن؛ لأن أحدهما فيما يتعلق بالأبواب، وقد بينا سببه، والآخر فيما يتعلق بالخوخ3، ولا سبب له إلا الاختصاص المحض.
فلا تعارض ولا وضع.
ولو فتح الناس هذا الباب لرد الأحاديث لادعي في [كثير من] 4 أحاديث الصحيحين البطلان5، ولكن يأبى الله تعالى ذلك والمؤمنون.
1 إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني أبو إسحاق صدوق. من العاشرة مات سنة 232/ خ د س. تقريب 1/34، الكاشف 1/79.
2 في (خ) 8 كتاب الصلاة. 8 باب الخوخة والممر في المسجد، حديث 467 حديث ابن عباس وحديث 466 حديث أبي سعيد 13 كتاب مناقب الأنصار 45 باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة حديث 3904، م 44 كتاب فضائل الصحابة حديث 2، حم 1/270، ت 50 كتاب المناقب 15 باب حديث 3660.
3 الخوخ جمع خوخة - بخاءين معجمتين مفتوحتين بينهما واو - وهي باب صغير كالنافذة الكبيرة وتكون بين بيتين ينصب عليها باب. النهاية لابن الأثير.
4 الزيادة من (ي) ، وهي ساقطة في باقي النسخ.
5 إن نقد هذه الأحاديث ليس قائما على دعوى التعارض فحسب، بل هو قائم على مطاعن وقوادح في الرواة الذين جاءت هذه الأحاديث عن طريقهم، ومدارها عليها، فهم رواة قد أنهكم التشيع الغالي، ففضحهم وكشف عوراتهم لا يضر بأحاديث الصحيحين لا من قريب ولا من بعيد، وهذا العمل إنما هو من باب النصيحة في الدين والقيام بالواجب، وعلي رضي الله عنه، قد ثبت له من الفضائل والمناقب ما يغنيه عن مثل هذه الأحاديث الواهية الهزيلة. ثم إن هذا الجمع الذي رآه الحافظ غير سليم لأن هذه الأحاديث التي دار الكلام حولها إنما هي إثبات خصوصية لعلي رضي الله عنه انظر الحديث المنسوب إلى ابن عمر رضي الله عنهما حيث يقول: "ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم
…
" وإحداهن سد الأبواب إلا بابه. ألا ترى الخصوصية فيها واضحة وقد خرجت في الخصائص والمناقب.
5-
ومنها: حديث بريدة بن الحصيب في فضل مرو1.
وهو حديث تفرد به حفيده سهل بن عبد الله بن بريدة2.
وتكلم الناس فيه بسببه، ولا يتبين فيه صحة الحكم بالوضع. ثم إنه ليس من أحاديث الأحكام فيطلب المبالغة في التنقيب عنه.
1 الحديث في حم 5/357 قال الإمام أحمد رحمه الله ثنا الحسن بن يحيى من أهل مرو ثنا أوس بن عبد الله بن بريدة قال أخبرني أخي سهل بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده بريدة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون بعدي بعوث كثيرة فكونوا في بعث خرسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ودعا لها بالبركة ولا يضر أهلها سوء". وانظر القول المسدد ص38. فيه أوس بن عبد الله بن بريدة قال البخاري: "فيه نظر" وقال الدارقطني: "متروك". ميزان الاعتدال 1/278. ثم ساق الذهبي هذا الحديث بعد ترجمته.
2 سهل بن عبد الله بن بريدة المروزي، روى عنه أخوه أوس فذكر خبرا منكرا، قلت بل باطلا عن أخيه عن أبيه عبد الله عن أبيه مرفوعا: "ستبعث بعدي بعوث
…
" الحديث. ميزان الاعتدال 2/241. وقال الحافظ في تعجيل المنفعة في ترجمة سهل: "
…
عن أبيه عن جده وعنه أخوه بخبر منكر في فضل مرو قال ابن حبان: منكر الحديث يروي عن أبيه ما لا أصل له لا نحب أن يشتغل بحديثه" قلت: وقال الحاكم: "روى عن أبيه أحاديث موضوعة في فضل مرو". تعجيل المنفعة ص114-115.
6-
وكذا حديث أنس رضي الله عنه "في فضل عسقلان"1 مشتمل على ترغيب في المرابطة، وليس فيه ولا [في] 2 الذي قبله ما يحيله الشرع ولا العقل.
وما بقي من الجزء كله سوى حديث عائشة في قصة عبد الرحمن بن عوف3 - رضي الله تعالى عنه -، والجواب عنه ممكن، لكن كفانا المؤنة شهادة
1 الحديث في حم 3/225 من طريق أبي عقال عن أنس قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "عسقلان أحد العروسين يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم
…
" الحديث قال ابن الجوزي في الموضوعات: "أما حديث أنس فجميع طرقه تدور على أبي عقال واسمه هلال بن يزيد بن يسار، قال ابن حبان يروي عن أنس أشياء موضوعة ما حدث بها قط، لا يجوز الاحتجاج به بحال". كتاب المجروحين (3/86) وقال الحافظ في التقريب 2/323:"متروك" وقد دافع عنه الحافظ في القول المسدد ص36- 37.
2 الزيادة من (ي) .
3 الحديث في حم 6/115 قال الإمام أحمد: ثنا عبد الصمد بن حسان قال: أنا عمارة عن ثابت عن أنس قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا في المدينة، فقالت: ما هذا؟ قالوا عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء. قال فكانت سبعمائة بعير، قال: فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الحنة حبوا" فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال: إن استطعت لأدخلنها قائما. فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل.
ولم أجد الكلام والتعليل الذي ذكره الحافظ ولعله يوجد في بعض نسخ المسند دون بعض. وفي إسناده عبد الصمد بن حسان؛ قال أبو حاتم: "صالح الحديث صدوق". وقال ابن سعد: "ثقة ". وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره الذهبي في الميزان وقال:"صدوق إن شاء الله".
تعجيل المنفعة ص183، ميزان الاعتدال 2/620. وعمارة بن زاذان الصيدلاني أبو سلمة البصري صدوق كثير الخطأ، من السابعة/ بخ د ت ق. تقريب 2/49. وإذا كان أحمد قد استنكر وشهد بأنه كذب مع أنه ليس في إسناده كذاب ولا متهم بالكذب فأحاديث "سد الأبواب" المتعلقة بعلي رضي الله عنه أولى بهذا الحكم وأولى بأن يأمر بالضرب عليها وأحسن الأعذار في نظري القول بأن أحمد رحمه الله اخترمته المنية قبل أن يهذب المسند. وانظر المصعد لشمس الدين ابن الجوزي ص31 من الجزء الأول تحقيق أحمد شاكر.
أحمد بكونه كذباً فقد أبان علته، فلا حرج عليه في إيراده مع بيان علته ولعله مما أمر بالضرب عليه؛ لأن هذه عادته في الأحاديث التي تكون شديدة النكارة يأمر بالضرب عليها من المسند وغيره.
أو يكون مما غفل عنه وذهل؛ لأن الإنسان محل السهو والنسيان والكمال لله تعالى.
وإذا انتهى القول إلى هذا المقام ينبغي أن ينشد هذا الإمام/ (?64/ب)
شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ
من شر أعينهم بعيب واحد
وقد روينا عن العلامة تقي الدين ابن تيمية قال:
"ليس في المسند عن الكذابين المتعمدين شيء/ (ي109) بل ليس فيه من الدعاة إلى البدع شيء، فإن أريد بالموضوع، ما يتعمد صاحبه الكذب، فأحمد لا يعتمد رواية هؤلاء في "المسند" ومتى وقع منه شيء فيه ذهول أمر بالضرب عليه حال القراءة.
وإن أريد بالموضوع ما يستدل1 على بطلانه/ (ر60/أ) بدليل منفصل فيجوز2 والله أعلم.
قلت ما حررنا من الكلام على الأحاديث المتقدمة يؤيد صحة هذا التفصيل ولله الحمد.
وقد تحرر من مجموع [ما ذكر] 3 أن المسند مشتمل على أنواع الحديث لكنه مع مزيد انتقاء وتحرير بالنسبة إلى غيره من الكتب التي لم يلتزم الصحة في جميعها - والله أعلم -.
1 كلمة "يستدل" من (ي) وفي باقي النسخ "يدل" وهو خطأ لا يستقيم معه الكلام.
2 انظر التوسل والوسيلة لابن تيمية (ص81) ، والمصعد لمسند أحمد لابن الجوزي ص34- 35 تحقيق أحمد شاكر مقدمة الجزء الأول.
3 الزيادة من (ي) ومن هامش (ر/أ) .
40-
قوله (ص) 1: "السابع: قولهم2: هذا حديث صحيح الإسناد دون قولهم حديث صحيح؛ لأنه قد يقال: صحيح الإسناد ولا يصح [أي] 3 المتن لكونه أي الإسناد شاذا أو معللا
…
قال: غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على ذلك ولم يقدح فيه، فالظاهر منه الحكم بأنه صحيح؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل".
قلت: لا نسلم أن عدم العلة هو الأصل، إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرط الصحيح، فإذا كان قولهم: صحيح الإسناد يحتمل أن يكون مع وجود العلة لم يتحقق عدم العلة، فكيف يحكم بالصحة؟
وقوله: إن المصنف المعتمد إذا اقتصر
…
الخ يوهم أن التفرقة التي فرقها أولا مختصة4 بغير المعتمد، وهو كلام ينبو5 عنه السمع؛ لأن المعتمد هو قول المعتمد وغير المعتمد لا يعتمد.
والذي يظهر لي أن الصواب التفرقة بين/ (?65/أ) من يفرق في وصفه الحديث بالصحة بين التقييد والإطلاق وبين من لا يفرق.
فمن عرف من حاله بالاستقراء6 التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك ويحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معا/ (ي110) وتقييده على الإسناد فقط، ومن عرف من حاله أنه لا يصف الحديث دائما وغالبا إلا بالتقييد فيحتمل أن يقال في حقه ما قال المصنف آخرا. والله أعلم.
1 مقدمة ابن الصلاح ص35.
2 في النسخ جميعها "قوله" والتصويب من مقدمة ابن الصلاح.
3 الزيادة من (ي) و (ر/أ) .
4 في (ي)"مختص" وهو خطأ.
5 كلمة "ينبو" سقطت من (ب) .
6 في (?)"الاستقراء" بدون باء الجر.
41-
قوله (ص) : "الثامن في قول الترمذي وغيره"1. عنى بالغير البخاري فقد وقع ذلك في كلامه.
27-
قوله (ع) : "ورد ابن دقيق العيد الجواب الثاني".
(يعني قوله أنه غير مستنكر أن بعض من قال ذلك أراد معناه اللغوي)
بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ بأنه حسن. وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا جروا على اصطلاحهم2
…
إلى آخر الفصل.
قلت: وهذا الإلزام3 عجيب؛ لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل حسن صحيح، فحكمه عليه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا.
وأما قول الشيخ بعد ذلك: "أن بعض المحدثين أطلق الحسن وأراد به معناه اللغوي دون الاصطلاحي". ثم أورد الحديث الذي ذكره/ (ر60/ب) ابن عبد البر
…
إلى آخر كلامه4 عليه وهو عجيب، فإن ابن دقيق العيد قد/ (ب132) قيد كلامه بقوله إذا جروا على اصطلاحهم، وهنا لم يجر ابن عبد البر في ذلك الحكم على اصطلاح المحدثين باعترافه بعدم قوة إسناده، فكيف يحسن التعقب5 بذلك على ابن دقيق العيد.
1 مقدمة ابن الصلاح ص35. قال: "الثامن في قول الترمذي وغيره حسن صحيح إشكال
…
".
2 التقييد والإيضاح ص60 وما بين قوسين نقله الحافظ من كلام ابن الصلاح توضيحا للكلام.
3 انظر الاقتراح لابن دقيق العيد (ل4) .
4 التقييد والإيضاح ص60 وأما الحديث فأورده ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/65، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح
…
" الحديث. قال بعده وهو حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوي ورويناه من طرق شتى موقوفا.
5 وفي (?) و (ب)"التعقيب".
وأما قول ابن المواق1: "إن الترمذي لم يخص الحسن بصفة تميزه عن الصحيح" وما اعترض به أبو الفتح اليعمري2 من/ (?65/ب) أنه اشترط في الحسن أن يجيء من غير وجه ولم يشترط ذلك في الصحيح.
قلت: وهو تعقب وارد [ورد] 3 واضح على زاعم التداخل بين النوعين وكأن ابن المواق فهم التداخل من قول الترمذي: "وأن يكون راويه متهما بالكذب". وذلك ليس بلازم للتداخل فإن الصحيح لا يشترط فيه أن لا يكون متهما بالكذب فقط، بل بانضمام أمر آخر وهو/ (ي111) : ثبوت العدالة والضبط بخلاف قسم الحسن الذي عرف به الترمذي.
فبان التباين بينهما.
وأما جواب الشيخ عماد الدين ابن كثير4 وقول شيخنا أنه تحكم لا دليل عليه. فقد استدل هو عليه فيما وجدته عنه بما حاصله: أن بين الحسن والصحة رتبة متوسطة.
1 هو الحافظ أبو عبد الله ابن المواق المغربي محدث حافظ أصولي من آثاره بغية النقاد في أصول الحديث، مات سنة 897. كذا في معجم المؤلفين 6/197، كشف الظنون 1/251. وقد وقع فيهما خطآن؛ في تاريخ وفاته وفي تسميته عبد الله، أما تاريخ وفاته فإن العراقي ذكر أنه سبق ابن دقيق العيد إلى مناقشة تعريف الترمذي وأن ابن سيد الناس المتوفى سنة 734 قد تعقبه في هذه المناقشة هذا وقد بحثت كثيرا لأعرف تاريخ وفاته فلم أجد. وأما اسمه فإن العراقي كناه بأبي عبد الله ولم يذكر اسمه.
2 هو العلامة الحافظ المحدث الأديب البارع فتح الدين أبو الفتح اليعمري الأندلسي الأصل المصري صاحب التصانيف منها: عيون الأثر في السيرة شرح قطعة من جامع الترمذي، توفي سنة 734. تذكرة الحفاظ 4/1503، شذرات الذهب 5/108.
3 الزيادة من (?) و (ب) و (ي) .
4 هو الإمام المحدث البارع الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن ضوء بن كثير البصروي ثم الدمشقي الفقيه الشافعي أخذ عن ابن تيمية والمزي وغيرهما. له مصنفات نافعة منها التفسير وجامع المسانيد في الحديث والبداية والنهاية في التاريخ والباعث الحثيث في علوم الحديث، مات سنة 774. شذرات الذهب (6/231، الدرر الكامنة 1/399) .
فللقبول ثلاث مراتب:
الصحيح أعلاها، والحسن أدناها.
والثالثة ما يتشرب من كل منهما، فإن كل ما كان فيه شبه1 من شيئين ولم يتمحض لأحدهما اختص برتبة مفردة2 كقولهم للمز وهو: ما فيه حلاوة وحموضة: هذا حلو حامض.
قلت لكن هذا يقتضي إثبات قسم ثالث ولا قائل به. ثم إنه يلزم عليه أن يكون في/ (ب133) كتاب الترمذي حديث صحيح إلا النادر؛ لأنه قل ما يعبر إلا بقوله حسن صحيح.
وإذا أردت تحقيق ذلك، فانظر إلى ما حكم به على الأحاديث المخرجة من الصحيحين كيف يقول فيها حسن صحيح غالبا.
وأجاب بعض المتأخرين عن أصل الإشكال بأنه باعتبار صدق الوصفين على الحديث بالنسبة إلى أحوال رواته عند أئمة الحديث، فإذا كان فيهم من يكون حديثه صحيحا عند قوم وحسنا عند قوم يقال فيه ذلك.
ويتعقب هذا/ (?66/أ) بأنه لو أراد ذلك لأتى بالواو التي للجمع فيقول: حسن وصحيح أو أتى بأو التي هي للتخيير أو التردد فقال حسن أو صحيح، ثم إن الذي يتبادر إلى/ (ر61/أ) الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده لا بالنسبة إلى غيره، فهذا يقدح في الجواب، ويتوقف أيضا على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين، فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته، فيقدح في الجواب - أيضا - لكن لو سلم هذا
1 في كل النسخ "شبهة"ولعل الصواب ما أثبتناه.
2 انظر الباعث الحثيث ص43- 44 فإنه ذكر قريبا من هذا الكلام الذي قاله الحافظ ونقله عنه العراقي. وانظر التقييد والإيضاح ص62.
الجواب من التعقيب لكان أقرب إلى المراد من غيره، وإني لأميل إليه وأرتضيه1.
والجواب عما يرد عليه ممكن والله أعلم.
وقيل: يجوز أن يكون مراده أن ذلك باعتبار وصفين مختلفين وهما الإسناد والحكم، فيجوز أن يكون قوله حسن أي باعتبار إسناده، صحيح أي باعتبار حكمه2، لأنه قبيل المقبول يجوز أن يطلق عليه اسم الصحة.
وهذا يمشي على قول من لا يفرد الحسن من الصحيح، بل يسمي الكل صحيحا، لكن يرد عليه ما أوردناه أولا من أن الترمذي أكثر من الحكم بذلك على الأحاديث الصحيحة الإسناد.
واختار بعض من أدركنا أن اللفظين عنده مترادفان، ويكون إتيانه باللفظ الثاني بعد الأول على سبيل التأكيد. كما يقال صحيح ثابت أو جيد قوي أو غير ذلك.
وهذا قد يقدح فيه القاعدة بأن الحمل على التأسيس خير من الحمل على التأكيد؛ لأن الأصل عدم التأكيد، لكن قد يندفع القدح بوجود القرينة الدالة على ذلك.
وقد وجدنا في عبارة غير واحد كالدارقطني: هذا حديث صحيح ثابت.
وفي الجملة أقوى الأجوبة ما أجاب به ابن/ (?66/ب) دقيق العيد3، والله أعلم.
1 كيف يميل إليه الحافظ ويرتضيه مع أنه يرد عليه ما ذكر، ومع أنه يتوقف على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين
…
الخ كما يقول، فهذه المبادرة إلى ارتضاء هذا الرأي مع ما يرد عليه وقبل الاعتبار المذكور غريبة من الحافظ.
2 كلمة "حكمه" من (ي) وفي باقي النسخ "كونه" وهو خطأ يفسد الكلام. وقد نقل هذا الكلام الصنعاني في توضيح الأفكار 1/242.
3 يعني قوله: "أن قصور الحسن عن الصحيح إنما يجيء إذا اقتصر على الحسن أما إذا جمع بينهما فلا قصور حينئذ وبيان ذلك أن للرواة صفات تقتضي قبول روايتهم، وتلك الصفات متفاوتة كالتيقظ والحفظ والإتقان مثلا ودونها الصدق وعدم التهمة بالكذب. فوجود الدرجة الدنيا كالصدق مثلا، لا ينافيه وجود ما هو أعلا منه كالحفظ والإتقان، وكذلك إذا وجدت الدرجة العليا لم يناف ذلك وجود الدنيا مع الصدق، فصح أن يقال: حسن باعتبار الصفة الدنيا صحيح باعتبار الصفة العليا. ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنا، ويلتزمه ويؤيده ورود قول المتقدمين: هذا حديث حسن في الأحاديث الصحيحة". محاسن الاصطلاح ص114- 115 بهامش مقدمة ابن الصلاح، والتقييد والإيضاح ص61.
42-
قوله (ص) : "من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن"1.
هذا ينبغي أن يقيد به إطلاقه في أول الكلام على نوع الصحيح، وهو قوله:"الحديث ينقسم عند أهله إلى صحيح وحسن وضعيف"2.
43-
قوله (ص) : "وهو الظاهر من تصرف الحاكم، وإليه يومئ في تسميته كتاب الترمذي بالجامع الصحيح"3.
إنما جعله يومئ إليه؛ لأن ذلك مقتضاه، وذلك أن كتاب الترمذي مشتمل على الأنواع الثلاثة، لكن المقبول فيه هو الصحيح والحسن أكثر من المردود، فحكم للجميع بالصحة بمقتضى الغلبة.
فلو كان ممن يرى التفرقة بين/ (ي113) الصحيح والحسن لكان في حكمه ذلك مخالفا للواقع؛ لأن الصحيح الذي فيه أقل من مجموع الحسن والضعيف/ (ب135) فلا يعتذر عنه بأنه أراد الغالب، فاقتضى توجيه كلامه أن يقال: إنه لا يرى (ر61/ب) التفرقة بين الصحيح والحسن، ليصح ما ادعاه من التسمية.
وقد وجدت في "المستدرك" له إثر حديث أخرجه قال: "أخرجه أبو داود في كتاب السنن الذي هو صحيح على شرطه".
1 مقدمة ابن الصلاح ص36.
2 مقدمة ابن الصلاح ص10.
3 مقدمة ابن الصلاح ص36 ويعني به اندراج الحسن في أنواع الصحيح.
وهذا أيضا محمول على أنه أراد به عدم التفرقة بين الصحيح والحسن، ولم يعتبر الضعيف1 الذي فيه لقلته بالنسبة إلى النوعين.
ومن هنا أجاب بعض المتأخرين عن الإشكال الماضي وهو قول الترمذي "حسن صحيح"، أنه أراد حسن على طريقة من يفرق بين النوعين لقصور رتبة راويه عن درجة الصحة المصطلحة، صحيح على طريقة من لا يفرق. ويرد عليه ما أوردناه فيما سبق2.
[أكثر أهل الحديث لا يفرقون بين الحسن والصحيح:]
واعلم أن أكثر أهل الحديث لا يفردون الحسن من الصحيح، فمن ذلك ما رويناه عن الحميدي شيخ البخاري قال:"الحديث/ (?67/أ) الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وهو) 3 أن يكون متصلا غير مقطوع معروف الرجال"4.
وروينا عن محمد بن يحيى الذهلي قال: "ولا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث المتصل غير المنقطع الذي ليس فيه رجل مجهول ولا رجل مجروح"5. فهذا التعريف يشمل الصحيح والحسن معا.
1 في كل النسخ "المصنف" وفي هامش (ر/أ)"الضعيف" وهو الصواب.
2 يقصد ما أورده على ابن كثير في ص271 من أنه يلزم على قوله أن لا يكون في كتاب الترمذي صحيح إلا نادر
…
إلخ.
3 الزيادة من (ي) .
4 انظر الكفاية ص24.
5 الكفاية للخطيب ص20 وقال الذهلي أيضا "لا يكتب الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يرويه الثقة عن الثقة حتى يتناهى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة ولا يكون فيهم رجل مجروح ولا رجل مجهول". الكفاية ص20.
وكذا شرط ابن خزيمة1 وابن حبان2 في صحيحهما لم يتعرضا فيه لمزيد أمر آخر على ما ذكره الذهلي.
44-
قوله (ص) 3: "أطلق الخطيب والسلفي4 الصحة على كتاب النسائي".
قلت: وقد أطلق عليه - أيضا - اسم الصحة أبو علي النيسابوري/ (ب136)5. وأبو أحمد بن عدي6 وأبو الحسن الدارقطني وابن منده وعبد الغني بن سعيد وأبو يعلى الخليلي وغيرهم.
وأطلق الحاكم اسم الصحة عليه وعلى كتابي أبي داود والترمذي7 كما سبق.
1 انظر صحيح ابن خزيمة 1/3 حيث قال: "المختصر من المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن العدل موصولا إليه صلى الله عليه وسلم من غير قطع في أثناء الإسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار".
2 انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/112 تحقيق أحمد شاكر وفيها شروط ابن حبان وقد ذكرها الحافظ فيما تقدم من هذا الكتاب ص291.
3 مقدمة ابن الصلاح ص36.
4 هو الحافظ العلامة شيخ الإسلام أبو طاهر عماد الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني من آثاره ثلاثة معاجم: معجم لمشيخة أصبهان ومعجم لمشيخة بغداد ومعجم السفر، مات سنة 576. تذكرة الحفاظ 4/1298، وفيات الأعيان 1/105.
5 هو الإمام محدث الإسلام الحسين بن علي بن يزيد بن داود النيسابوري أحد جهابذة الحديث حافظ متقن ورع، مات سنة 349. الأعلام 2/266، تذكرة الحفاظ 3/906.
6 هو الإمام الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد الجرجاني ويعرف - أيضا - بابن القطان صاحب كتاب الكامل في الجرح والتعديل كان أحد الأعلام، مات سنة 365. تذكرة الحفاظ 3/942، طبقات الشافعية للسبكي 315/3.
7 انظر شرح ابن سيد الناس لجامع الترمذي ل6.
وقال أبو/ (ي114) عبد الله بن مندة: "الذين خرجوا الصحيح أربعة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي".
وأشار إلى مثل ذلك أبو علي ابن السكن1.
وما حكاه ابن الصلاح2 عن الباوردي أن النسائي يخرج أحاديث من لم يجمع على تركه، فإنما أراد بذلك إجماعا خاصا.
[طبقات النقاد:]
وذلك أن كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط.
فمن الأولى: شعبة وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه.
ومن الثانية: يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبد الرحمن.
ومن الثالثة: يحيى بن معين وأحمد، ويحيى أشد من أحمد.
ومن الرابعة: أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري.
وقال النسائي: "لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه".
فأما إذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى القطان/ (ر62/أ) مثلا/ (?67/ب) فإنه لا يترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد. وإذا تقرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه. كالرجال الذين ذكرنا قبل أن أبا داود
1 هو الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي نزيل مصر توفي سنة 353، من آتاره كتابه الصحيح المنتقى. تذكرة الحفاظ 3/937، الأعلام 3/151.
2 مقدمة ابن الصلاح ص33.
يخرج أحاديثهم1 وأمثال من ذكرنا، بل تجنب النسائي إخراج حديث جماعة من رجال الصحيحين.
وحكى أبو الفضل بن طاهر/ (ب137) قال: "سألت سعد بن علي الزنجاني2 عن رجل فوثقه فقلت له: إن النسائي لم يحتج به فقال: يا بني! إن لأبي عبد الرحمن شرط في الرجال شرط أشد من شرط البخاري ومسلم"3.
وقال أبو بكر البرقاني الحافظ في جزء له معروف: "هذه أسماء رجال تكلم فيهم النسائي ممن أخرج له الشيخان في صحيحيهما سألت عنهم أبا الحسن الدارقطني فدون كلامه في ذلك"
قال أحمد بن محجوب الرملي: "سمعت النسائي يقول: لما عزمت على جمع السنن استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء، فوقعت الخيرة على تركهم فنزلت في جملة من الحديث كنت/ (ي115) أعلو فيها عنهم"4.
وقال الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر5 شيخ الدارقطني: "من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة فما حدث منها بشيء"6.
1 انظر ص234- 235.
2 هو الإمام الثبت الحافظ القدوة أبو القاسم سعد بن علي بن محمد بن علي شيخ الحرم الشريف، قال أبو الفضل ابن طاهر:"ما رأيت مثل الزنجاني، كان من رؤوس أهل السنة وأئمة الأثر ممن يعادي الكلام وأهله ويذم الآراء والأهواء" مات سنة 471.
تذكرة الحفاظ 3/1174، طبقات الحفاظ للسيوطي ص440.
3 شروط الأئمة الستة لابن طاهر المقدسي ص18.
4 شروط الأئمة الستة لابن طاهر المقدسي ص18.
5 هو الإمام الحافظ الثبت أحمد بن نصر بن طالب البغدادي سمع العباس بن محمد الدوري وطبقته وعنه الدارقطني، مات سنة 323. تذكرة الحفاظ 3/832.
6 شروط الأئمة الستة ص18.
قلت وكان عنده عاليا عن قتيبة1 عنه ولم يحدث به لا في السنن ولا في غيرها.
وقال محمد بن معاوية الأحمر2 الراوي عن النسائي ما معناه قال النسائي: "كتاب السنن كله صحيح وبعضه معلول" إلا أنه لم يبين علته والمنتخب منه المسمى بالمجتبى صحيح/ (?68/أ) كله.
وقال أبو الحسن المعافري3: "إذا نظرت إلى ما يخرجه أهل الحديث فما خرجه النسائي أقرب إلى الصحة مما خرجه غيره".
وقال ابن رشيد4: "كتاب النسائي أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفا وأحسنها ترصيفا5 وكأن كتابه جامع بين طريقتي البخاري ومسلم مع حظ كبير من بيان العلل"6.
وفي الجملة فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين (حديثا) 7 ضعيفا ورجلا مجروحا، ويقاربه كتاب أبي داود وكتاب الترمذي ويقابله في
1 قتيبة بن سعيد بن جميل- بفتح الجيم - بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني - بفتح الموحدة وسكون المعجمة - ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة 240/ع. تقريب (2/123) ، الكاشف 2/397.
2 محمد بن معاوية بن عبد الرحمن من نسل هشام بن عبد الملك بن مروان أبو بكر المعروف بابن الأحمر محدث أندلسي، وهو أول من أدخل سنن النسائي إلى الأندلس وحدث به وانتشر عنه، مات سنة 365. الأعلام 7/325.
3 من (?) وفي (ب) و (ر)"المغافري" بالغين المعجمة.
4 وهو محمد بن عمر بن محمد بن عمر أبو عبد الله الفهري السبتي، له كتاب السنن الأبين في المحاكمة بين البخاري ومسلم، مطبوع في تونس وله الرحلة المشرقية في ست مجلدات، توفي سنة 721.
5 في (ب)"توصيفا".
6 انظر هذا النص في زهر الربى على المجتبى 1/10.
7 كلمة "حديثا" سقطت من (ر) .
الطرف الآخر كتاب ابن ماجه فإنه تفرد فيه1 بإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث وبعض تلك الأحاديث لا تعرف إلا من جهتهم مثل حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك2 والعلاء بن زيدل3 وداود بن المحبر4 وعبد الوهاب بن الضحاك5 وإسماعيل بن زياد السكوني6 وعبد السلام بن أبي الجنوب7 وغيرهم.
1 كلمة "فيه" من (ي) وفي باقي النسخ "به".
2 حبيب بن أبي حبيب المصري، كاتب مالك يكنى أبا محمد متروك، كذبه أبو داود وجماعة، مات سنة 218/ق. تقريب (1/149) ، الكاشف 1/202.
3 العلاء بن زيد ويقال زيدل - بزيادة لام - الثقفي أبو محمد البصري متروك ورماه أبو الوليد بالكذب، من الخامسة. تقريب (2/92) ، الكاشف 2/360.
4 داود بن المحبر - بمهملة وموحدة مفتوحة - ابن قحذم - بفتح القاف وسكون المهملة وفتح المعجمة - الثقفي البكراوي أبو سليمان البصري نزيل بغداد متروك، وأكثر كتاب العقل الذي صنفه موضوعات، من التاسعة، مات سنة 206. تقريب (1/234) ، الكاشف 1/291 ورمز له بـ (ق) .
5 عبد الوهاب بن الضحاك بن أبان العرضي - بضم المهملة وسكون الراء بعدها معجمة - أبو الحارث الحمصي نزيل سلمية، متروك كذبه أبو حاتم، من العاشرة، مات سنة245/ ق. تقريب (1/527)، الكاشف 2/220. وقال:
قال أبو داود: "يضع الحديث" وكتاب المجروحين 2/148 وقال: "كان يسرق الحديث
…
لا يحل الاحتجاج به"
6 إسماعيل بن زياد ويقال ابن أبي زياد السكوني قاضي الموصل متروك كذبوه، من الثامنة/ ق. تقريب (1/96)، الكاشف 1/123 وقال:"واه".
7 عبد السلام بن أبي الجنوب - بفتح الجيم وتخفيف النون المضمومة وآخره موحدة - المدني ضعيف لا يغتر بذكر ابن حبان له في الثقات فإنه ذكره في الضعفاء، من الثامنة/ ق. تقريب 1/505، كتاب المجروحين لابن حبان 2/150. وقال:"يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات".
وأما ما حكاه ابن طاهر عن أبي زرعة الرازي أنه نظر فيه1 فقال لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما فيه ضعف2.
فهي حكاية لا تصح لانقطاع إسنادها3، وإن كانت محفوظة فلعله أراد ما فيه من الأحاديث الساقطة إلى الغاية أو كان ما رأى من الكتاب إلا جزءا منه فيه هذا القدر.
وقد حكم أبو زرعة على أحاديث كثيرة منه بكونها باطلة أو ساقطة أو منكرة، ذلك محكي في/ (ي116) كتاب العلل لابن أبي حاتم وكان الحافظ صلاح الدين العلائي يقول: "ينبغي أن يعد كتاب الدارمي سادسا للكتب الخمسة بدل كتاب ابن ماجه فإن قليل الرجال الضعفاء نادر الأحاديث المنكرة والشاذة وإن كانت فيه أحاديث مرسلة وموقوفة فهو/ (?68/ب) مع ذلك أولى من كتاب ابن ماجه.
قلت: وبعض أهل العلم لا يعد السادس إلا الموطأ؛ كما صنع رزين السرقسطي4 وتبعه المجد ابن الأثير5 في جامع الأصول.
1 من (ي) وباقي النسخ "إليه".
2 شروط الأئمة الستة لابن طاهر المقدسي (ص16) وفيه "بضعة عشر أو كلاما هذا معناه".
3 في (?) سندها.
4 رزين بن معاوية بن عمار العبدي السرقسطي الأندلسي أبو الحسن إمام الحرمين نسبته إلى سرقسطة من بلاد الأندلس له تصانيف منها تجريد الصحاح الستة، مات سنة 535. الأعلام (3/46) ، شذرات الذهب 4/106.
5 هو المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري أبو السعادات مجد الدين المحدث اللغوي الأصولي له تصانيف منها جامع الأصول جمع فيه بين الكتب الستة، والنهاية في غريب الحديث، مات سنة 606. الأعلام 6/152، وفيات الأعيان 4/141.
[أول من أضاف ابن ماجه إلى الأصول:]
وكذا غيره. وحكى ابن عساكر1 أن أول من أضاف كتاب ابن ماجه إلى الأصول أبو الفضل ابن طاهر، وهو كما قال؛ فإنه عمل أطرافه معها وصنف جزء آخر في شروط الأئمة الستة فعده منهم، ثم عمل الحافظ عبد الغني2 كتاب الكمال في أسماء الرجال الذي هذبه الحافظ أبو الحجاج المزي فذكره فيهم.
وإنما عدل ابن طاهر ومن تبعه عن عد الموطأ إلى عد ابن ماجه لكون زيادات الموطأ على الكتب الخمسة من الأحاديث المرفوعة يسيرة جدا بخلاف ابن ماجه، فإن زياداته أضعاف زيادات الموطأ فأرادوا بضمّ كتاب ابن ماجه الخمسة تكثير الأحاديث المرفوعة والله أعلم.
ومن هنا يتبين ضعف طريقة من صنف في الأحكام بحذف الأسانيد المذكورة، كأبي البركات ابن تيمية3، فإنهم يخرجون الحديث منها ويعزونه إليها من غير بيان صحته أو ضعفه.
وأعجب من ذلك أن الحديث يكون في الترمذي وقد ذكر علته فيخرجونه
1 هو الحافظ الكبير محدث الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الدمشقي الشافعي صاحب التصانيف والتاريخ الكبير، مات سنة 571.
تذكرة الحفاظ 4/1328، طبقات الشافيعة 2/216.
2 عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور الحافظ الإمام محدث الإسلام تقي الدين أبو محمد المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الحنبلي صاحب التصانيف منها الكمال عشر مجلدات والصفات جزآن والمصباح في ثمانين جزءا، توفيي سنة 600. تذكرة الحفاظ 4/1372، شذرات الذهب 4/345.
3 هو شيخ الإسلام عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية الحراني الحنبلي إمام حافظ مقرئ محدث أصولي مفسر، من مؤلفاته المنتقى من أحاديث الأحكام والأحكام الكبرى في عدة مجلدات، مات سنة 652. شذرات الذهب 5/257، الأعلام 4/129.
منه مقتصرين على قولهم رواه الترمذي، معرضين عما ذكر من علته. وقد تبع أبو الحسن ابن القطان1 الأحاديث التي/ (ر63/أ) سكت عبد الحق2 في أحكامه عن ذكر عللها بما فيه مقنع. وهو وإن كان قد تعنت في كثير منه فهو مع ذلك جم الفائدة والله سبحانه الموفق.
28-
قوله (ع) / (ي117) : "وإنما قال السلفي: "والحكم بصحة أصولها ولا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون هو صحيحا"3.
قلت:/ (?69/أ) وحاصله توهيم ابن الصلاح في نقله لكلام السلفي وهو في ذلك تابع للعلامة مغلطاي، وما تضمنه من الإنكار ليس بجيد إذ العبارتان جميعا موجودتان في الكلام السلفي، لكن ما نقله مغلطاي وتبعه شيخنا سابق"4.
ثم عاد السلفي وقال: "ما نقله ابن الصلاح عنه بزيادة"، ولفظه "وأما السنن" فكتاب له صدر في الآفاق ولا نرى مثله على الإطلاق وهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب والمخالفين5 لهم كالمتخلفين عنهم بدار الحرب إذ كل من رد ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتلقه بالقبول قد ضل وغوى إذ كان صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى6.
1 هو: الحافظ العلامة الناقد قاضي الجماعة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى الحميري الكتامي الفاسي الشهير بابن القطان، له مصنفات منها: بيان الوهم والإيهام الذي وضعه على الأحكام الكبرى لعبد الحق، مات سنة 628. تذكرة الحفاظ (4/1407) ، شذرات الذهب 5/128.
2 عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو محمد الأزدي الأشبيلي الحافظ أحد الأعلام مؤلف الأحكام الكبرى والصغرى والجمع بين الصحيحين، توفي سنة 581. تذكرة الحفاظ 4/268، الرسالة المستطرفة ص142.
3 التقييد والإيضاح (ص62) .
4 كلمة "سابق" سقطت من (ر/ب) .
5 كذا في جميع النسخ ولعل الصواب "والمخالفون".
6 انظر شرح ابن سيد الناس لجامع الترمذي (ل6) .
وإذا تقرر هذا ينبغي حمل كلام السلفي على نحو ما حملنا عليه كلام الحاكم1. وقد سبق إلى نحو ذلك الشيخ محي الدين فقال إثر كلام السلفي: "مراده بهذا أن معظم الكتب الثلاثة يحتج به أي صالح لأن يحتج به لئلا يرد على إطلاق عبارته المنسوخ أو المرجوح عند المعارضة والله أعلم.
تنبيه:
السلفي بكسر السين نسبة إلى جده وهو لقب له.
قال منصور بن سليم الحافظ2: "كانت إحدى شفتيه عريضة مفروقة فكان له ثلاث شفاه، فقيل له بالفارسية "سي لبه" أي ثلاث شفات3، ثم عرب فقيل له: سلفة. ووهم أبو محمد بن حوط الله4 وهما شنيعا فقال في فهرسته: هو منسوب إلى سلفة قرية من قرى أصبهان".
وكذا رأيته في فهرست ابن باشكوال5 نقلا عن بعض مشايخه رحمه الله عليهم.
1 انظر ص479.
2 الإمام الحافظ الرحال وجيه الدين أبو المظفر بن سليم بن منصور بن فتوح الهمداني الشافعي محتسب الثغر، له مؤلفات منها المعجم والأربعين البلدانية، مات سنة 677. تذكرة الحفاظ 4/1467، طبقات الحفاظ للسيوطي ص509.
3 كذا في جميع النسخ والصواب جمعه على شفاه وشفهات وشفوات. انظر لسان العرب 2/337.
4 هو: عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندلسي أبو محمد محدث حافظ مقرئ منشئ خطيب شاعر نحوي من آثاره كتاب في تسمية شيوخ البخاري ومسلم، مات سنة 612. معجم المؤلفين 6/61، شذرات الذهب 5/50.
5 هو: الحافظ الإمام المتقن أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن باشكوال الأنصاري الأندلسي محدث الأندلس ومؤرخها كان حجة متسع الراواية حافظا تاريخيا، من مؤلفات الصلة وغوامض الأسماء في عشرة أجزاء، مات سنة 578. تذكرة الحفاظ 4/1339، شذرات الذهب 4/261.
خاتمة:
للكلام على الحديث الصحيح والحسن.
قد قررنا أنهما في حيز القبول، وقد وجدنا في عبارة جماعة من أهل/ (?69/ب) الحديث ألفاظا يوردونها في مقام القبول ينبغي الكلام عليها وهي:
الثابت والجيد والقوي والمقبول والصالح وسنستوفي الكلام على/ (ي118) هذه الأنواع في آخر الكتاب إن شاء الله كما وعدنا في الخطبة -والله أعلم -1.
1 لم يقدر الحافظ رحمه الله أن يكمل هذا الكتاب وللفائدة أنقل معاني هذه الألفاظ من تدريب الراوي للسيوطي. فالثابت: بمعنى الصحيح.
والجودة: يعبر بها عن الصحة، فلا مغايرة بين جيد وصحيح عندهم إلا أن الجهبذ لا يعدل عن الصحيح إلى جيد إلا لنكتة كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته ويتردد في بلوغه الصحيح فالوصف به أنزل رتبة عن الوصف بصحيح.
وكذا القوي. والصالح: يشمل الصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج ويستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار. تدريب الراوي ص 104- 105.
ولم يتكلم السيوطي على المقبول، والظاهر أنه أعم من هذه الألفاظ كلها ما عدا الصالح.
والصالح: يشمل الصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج ويستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار. تدريب الراوي ص 104- 105.
ولم يتكلم السيوطي على المقبول، والظاهر أنه أعم من هذه الألفاظ كلها ما عدا الصالح.