الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثاني
تابع الباب الرابع (النص المحقق)
النوع الثامن: المقطوع
…
النوع الثامن: المقطوع
55-
قوله (ص) : "يقال- في جمعه -: المقاطيع والمقاطع"1.
(يعني كالمسانيد والمساند) .
والمنقول عن جمهور البصريين من النحاة إثبات الياء جزما وعن الكوفيين والجرمي من البصريين تجويز إسقاطها واختاره ابن مالك.
وذكر الخطيب أن الفائدة في كتابة المقاطيع ليختير المجتهد من أقوالهم ولا يخرج عن جملتهم - والله أعلم -.
56-
قوله (ص) : "وغيرهما"2 عنى به الدارقطني والحميدي.
فقد وجد التعبير في كلاهما بالمقطوع/ (ي127) في مقام المنقطع3.
وأفاد شيخنا في منظومته 4 أنه وجد التعبير بالمنقطع (في كلام البرديجي) 5 في مقام المقطوع على عكس الأول، وسيأتي نقل المصنف لذلك مبها لقائله - والله أعلم -.
1 مقدمة ابن صلاح ص 42.
2 مقدمة ابن الصلاح 43 حيث قال: وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام الإمام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما.
3 انظر التبصرة شرح ألفية العراقي له 1/124.
4 قال العراقي في ألفيته ص 26:
وسم بالمقطوع قول التابعي
وفعله وقد رأى للشافعي
تعبيره به عن المنقطع
قلت وعكسه اصطلاح البردعي5 ما بين القوسين من إصلاحي لأن استقامة الكلام متوقفة عليه إذ الوارد في كل النسخ "وجد التعبير بالمنقطع في مقام البرديجي في مقام المقطوع".
57-
قوله (ص) : "قول الصحابي رضي الله عنه: كنا نفعل"1 إلى آخره.
حاصل كلام حكاية قولين:
أحدهما: أنه موقفا جزما.
وثانيهما: التفصيل بين أن يضيفه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون/ (?75/أ) مرفوعا. وبه صرح الجمهور 2
ويدل عليه احتجاج أبي سعيد الخدري رضي الله عنه على جواز العزل بفعلهم له في زمن نزول الوحي فقال: "كنا نعزل والقرآن ينزل لو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن"3.
وهو الاستدلال واضح، لأن الزمان كان زمان التشريع.
وإن لم يضفه إلى زمنه فموقوف.
[مذاهب العلماء في قول الصحابي كنا نفعل كذا:]
وأهمل المصنف مذاهب:
الأول: أنه مرفوع مطلقا وقد حكاه شيخنا 4 وهو الذي اعتمده الشيخان في صحيحيهما وأكثر منه البخاري.
1 مقدمة ابن الصلاح ص 43 وتمام الكلام " أو كنا نقول: كذا إن لم يضفه إلى زمان النبي صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف، وإن أضافه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فالذي قطع أبو عبد الله ابن البيع الحافظ وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك من قبيل المرفوع.
2 انظر مقدمة النووي لشرح مسلم 1/20.
3 في كتاب النكاح 96- باب العزل حديث 5208، 5209، م 16 كتب 22 - باب حكم العزل حديث 136، جه 9- كتاب النكاح 30 - باب العزل حديث 1927، ت 9 - كتاب النكاح 39 باب ما جاء في العزل حديث 1136، حم 3/309.
4 التقيد والإيضاح ص 67 ونسبه إلى الحاكم والرازي والآمدي.
الثاني: التفصيل بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا فيكون مرفوعا أو يخفى فيكون موقوفا.
وبه 1 قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي 2.
وزاد ابن السمعاني في كتب القواطع 3 فقال: "إذا قال الصحابي: كانوا يفعلون كذا وأضافه إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم وكان مما لا يخفى مثله، فيحمل على تقرير النبي صلى الله عليه وسلم ويكونا شرعا".
وإن كان مثله يخفى فإن تكرر منهم حمل أيضا - على تقريره لأن الأغلب فيما يكثر أنه لا يخفى - والله أعلم -.
الثالث: إن أورده الصحابي في معرض الحجة حمل على الرفع وإلا فموقوف حكاه القرطبي 4.
قلت: وينقدح أن يقال إن كان قائل "كنا نفعل"/ (ب154) أهل الاجتهاد احتمل أن يكون موقوفا وإلا فهو مرفوعا ولم أر من صرح بنقله.
قلت: ومع كونه موقوفا فهل هو من قبيل نقل الإجماع أو لا؟ فيه خلاف مذكور في الأصول جزم بعضهم بأنه إن كان في اللفظ ما يشعر به مثل: كان الناس يفعلون كذا فمن قبيل نقل الإجماع وإلا فلا.
1 في (ر/ب)"ومنه" وهو خطأ.
2 انظر المجموع للنووي 1/98.
3 هو منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي المروزي أبو المظفر محدث مفسر أصولي من تصانيفه القواطع في أصول الفقه في الحديث مات سنة 489.
معجم المؤلفين 13/20، والنجوم الزاهرة 5/160.
4 نقل الصنعاني هذا النص من وقوله: وأهمل المصنف مذاهب إلى هنا لكن بقوله بقي مذاهب.
تنبيهات:
الأول: قول الصحابي رضي الله عنه كنا/ (ي128) نرى كذا - ينقدح فيها1 من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قوله/ (?75/ب) كنا نقول أو نفعل لأنها2 من الرأي ومستنده قد يكون تنصيصا 3 أو استنباطا.
الثاني: قوله: كان يقال: كذا.
قال الحافظ المنذري: اختلفوا هل يلتحق بالمرفوع أو الموقوف؟
قال: والجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم يكون مرفوعا.
قلت: ومما يؤيد أن حكمها الرفع مطلقا ما رواه النسائي 4 من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال:
"كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر".
فإن5 ابن ماجه 6 رواه من الوجه الذي أخرجه منه النسائي بلفظ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم".
1 في (و)"فيه".
2 أنث الضمير باعتبار قوله " كنا نرى " صيغة من صيغ النقل.
3 من " ر " وفي " ب " تبعيضا وهو خطأ.
4 السنن 4/154.
5 كلمة فإن من " ي " وفي باقي النسخ وابن ماجه.
6 السنن 7 - كتاب الصيام 11 - باب ما جاء في الإفطار في السفر حديث 1666، أما النسائي فأخرجه من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه، ثم عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف؛ لأن أبا سلمة وحميدا لم يدركا أباهما عبد الرحمن بن عوف. انظر ترجمة أبي سلمة في تهذيب التهذيب 12/115، 118 وترجمة حميد في تهذيب التهذيب - أيضا - (3/45 - 46. وأما ابن ماجه فأخرجه من طريق أسامة بن زيد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبيه عبد الرحمن بن عوف مرفوعا، ثم قال بعده
…
قال أبو إسحاق هذا الحديث ليس بشيء، وأبو سلمة ابن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئا وأسامة متفق على ضعفه. قاله الهيثمي مجمع الزوائد، كما نقله محقق الكتاب. هذا ومما ينبغي أن ينبه عليه أنه ليس في النسائي كان يقال وإنما فيه من طريق واحدة يقال: الصيام في السفر
…
ومن طريقتين أخريين عن عبد الرحمن بن عوف قال: الصيام في السفر.. الحديث، فهو صريح من هذين الطريقين أنه موقوف على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. ففي استدلال الحافظ نظر من جهتين: الأولى أن الحديث في النسائي واضح من طريقين أن موقوف ومن طريق واحدة قال يقال وليس فيها كان يقال وفرق بين العبارتين.
الثانية: أن الرفع في رواية ابن ماجه لم يأت في نظري بناء على هذه الصيغة من صيغ الرفع، وإنما منشأ هذا هو وهم أسامة ابن زيد على الزهري حيث رفع عنه حديثا المعروف عنه وقفه، فهي رواية منكرة لاتفاق المحدثين على ضعف أسامة، وقد خالف ابن أبي ذئب الثقة الفقيه الذي رواه عن الزهري موقوفة.
فدل على أنها عندهم من صيغ الرفع - والله أعلم -.
الثالث: لا يختص جميع ما تقدم بالإثبات، بل يلتحق به النفي كقولهم: كانوا لا يفعلون كذا. ومنه قول عائشة رضي الله عنها "كانوا لا يقطعون اليد في الشيء التافه" - والله أعلم -.
58-
قوله (ص) 1: "وذكر الخطيب نحو ذلك في جامعه (يعني حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه) كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم / (ب 155) يقرعون بابه بالأظافير".
اعترض عليه مغلطاي، بأن الخطيب، إنما رواه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
قلت: وهو اعتراض ساقط، لأن المصنف إنما قصد أن الحاكم2 والخطيب 3 ذكرا أن ذلك من قبيل الموقوف، وإن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه/ (ر 68/أ) .
1 مقدمة ابن الصلاح ص 44.
2 أما الحاكم فأخرج حديث المغيرة المذكورة في معرفة علوم الحديث ص 19.
3 وأما الخطيب، فذكر حديث أنس في الجامع (ل 26) . فقال ابن الصلاح:" وذكر الحاكم أبو عبد الله فيما رويناه عن المغيرة بن شعبة قال: " وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير " إن هذا يتوهمه من ليس من اهل الصنعة مسندا (يعني مرفوعا) لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وليس بمسند، بل هو موقوف. وذكر الخطيب نحو ذلك في جامعه " هذا كلام ابن الصلاح فاعترض مغلطاي بما ذكره الحافظ والحق أن مغلطاي معذور وأن له الحق أن يعترض، لأن كلام ابن الصلاح يوهم أن الخطيب ذكر حديث المغيرة وتكلم عليه بنحو كلام الحاكم، وقد فهم البلقيني كما فهم مغلطاي، فقال: فائدة: ما ذكر الخطيب أنه ذكر في جامعه نحو كلام الحاكم لم أقف عليه في جامع الخطيب فلينظر، نعم وجدت في جامع الخطيب حديث القرع بالأظافير من حديث أنس ولم يتعرض لقوله موقوفا". محاسن الاصطلاح بهامش مقدمة ابن الصلاح ص 127.
وقد حقق المصنف المناط فيه بما حاصله: أن له جهتين:
أ - جهة الفعل وهو صادر من الصحابة رضي الله عنهم فيكون موقوفا.
ب - وجهة التقرير وهي مضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث أن فائدة قرع هـ 76/أبابه أنه يعلم أنه قرع.
ومن لازم علمه بكونه قرع مع عدم إنكار ذلك على فاعله - التقرير على ذلك الفعل فيكون مرفوعا.
لكن يخدش في كلام المصنف أنه/ (ي 129) يلزمه أن يكون جميع قسم التقرير أن يسمى موقوفا، لأن فاعله غير النبي صلى الله عليه وسلم قطعا وإلا فما اختصاص حديث القرع بهذا الإطلاق1؟
تنبيه:
الظاهر أنهم إنما كانوا يقرعونه بالأظافير تأدبا وإجلالا.
1 قد التزم هذا ابن الصلاح ولم يخصه بحديث القرع قال: "
…
بل هو موقوف لفظا وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظا وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى والله أعلم "، مقدمة ابن الصلاح ص 44.
وقيل: إن بابه لم يكن له حلق يطرق بها قاله السهيلي1. والأول أولى - والله أعلم -.
59-
قوله (ص) 2: "وخالف في ذلك فريق منهم: الإسماعيلي"(يعني في كون قول الصحابي رضي الله عنه أمرنا بكذا ونحوه مرفوعا) .
قلت: من الفريق المذكور أبو الحسن الكرخي 3 من الحنفية.
وعلل ذلك بأنه متردد بين كونه مضافا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أمر القرآن أو الأمة أو بعض الأئمة أو القياس أو الاستنباط 4 وسوغ5 إضافته إلى صاحب الشرع بناء على أن القياس مأمور باتباعه/ (ب 156) من الشارع. قال: وهذه الاحتمالات تمنع كونه مرفوعا.
وأجيب بأن هذه الاحتمالات بعيدة، لأن أمر الكتاب ظاهر للكل فلا يختص بمعرفته الواحد دون غيره.
وعلى التقدير التنزل فهو مرفوع، لأن الصحابي وغيره إنما تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم.
1 هو: الحافظ العلامة البارع أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الأندلسي المالقي الضرير له مؤلفات منها: الروض الأنف، كتاب الفرائض، وكان إماما في لسان العرب مات سنة 581. تذكرة الحفاظ 4/1348، ومعجم المؤلفين 50/147) .
2 مقدمة ابن الصلاح ص 45.
3 هو عبيد الله بن الحسين بن دلال الكرخي الحنفي أبو الحسن فقيه أديب من تصانيفه: المختصر وشرح الجامع الكبير. مات سنة 340. معجم المؤلفين 6/239، كشف الظنون 1/563.
4 انظر حاشية السعد على شرح العضد لمختصر المنتهى لابن الحاجب 2/68،69، المجموع للنووي 1/97.
5 من (ي) وفي (ر)(وثبوت) وفي (?) ، (وسوى) وفي (ب) و (من) .
وأمر الامة لا يمكن الحمل عليه لأنهم لا يأمرون أنفسهم.
وبعض الأئمة إن أراد الصحابة فبعيد، لأن قوله ليس بحجة 1 على غيره منهم2.
وإن أراد من الخلفاء فكذلك، لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع بهذا الكلام فيجب/ (? 76/ب) حمله على من صدر عنه الشرع.
قلت: إلا أن يكون قائل ذلك ليس مجتهدي الصحابة فيحتمل أن يريد بالأمر أحد المجتهدين/ (ر 68/ب) منهم - والله أعلم -.
وأما حمله على القياس والاستنباط فبعيد، لأن قوله: أمرنا بكذا يفهم منه حقيقة الأمر (لا خصوص الأمر باتباع القياس)3.
تنبيهات:
الأول: قيل: محل الخلاف في هذه المسألة فيما إذا كان قائل ذلك من الصحاية غير/ (ي 130) أبي بكر رضي الله عنه وعنهم.
أما إذا قال أبو بكر رضي الله عنه فيكون مرفوعا قطعا.
لأن غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمره ولا ينهاه، لأنه تأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ووجب على غيره امتثال أمره.
حكى هذا المذهب أبو السعادات ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول 4. وهو مقبول.
1 من (ر) وفي (ب) و (?) حجة.
2 من (ر) وفي (?) و (ب) فيهم خطأ.
3 ما بين قوسين في فتح المغيث 1/110 لأن في كل النسخ لأن الأمر مطلق باتباع حكم القياس وهو كلام غير صحيح المعنى ولا مستقيمه.
(94:1) .
الثاني: لا اختصاص لذلك بقوله: أمرنا أو نهينا.
بل يلحق به ما إذا قال: أمر فلان بكذا أو نهى فلان عن 1 كذا أو أمر أو نهي بلا إضافة وكذا ب 157 مثل قول عائشة رضي الله عنها "كنا نؤمر بقضاء الصوم
…
"2 الحديث.
وأما إذا قال الصحابي رضي الله عنه أوجب علينا كذا أو حرم علينا كذا أو أبيح لنا كذا، فهو مرفوع. ويبعد تطرق الاحتمالات المتقدمة إليه بعدا قويا جدا.
الثالث: إذا قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أو سمعته يأمر بكذا، فهو مرفوع بلا خلاف، لانتفاء الاحتمال المتقدم. لكن حكى القاضي أبو الطيب وغيره عن داود وبعض المتكلمين أنه لا حجة حتى ينقل لفظه لاختلاف الناس في صيغ الأمر والنهي فيحتمل أن يكون صيغة ظنها أمرا أو نهيا وليس كذلك في نفس الأمر 3.
وأجيب بأن الظاهر/ (77/أ) من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته بأوضاع اللغة أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي من غير شك نفيا للتلبيس عنه بنقل ما يوجب على سامعه اعتقاد الأمر والنهي فيما ليس هو أمر ولا نهي.
الرابع: نفي الخلاف المذكور عن أهل الحديث، فقال البيهقي: "لا خلاف
1 كلمة (عن) ليست في جميع النسخ وألحقت في (ر/أ) استظهارا.
2 م 3 -كتاب الحيض 15- باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة حديث 69، د1- كتاب الطهارة 105 - باب في الحائض لا تقضي الصلاة حديث 263، حم 6/232.
3 انظر مقدمة ابن الأثير لجامع الأصول 1/92 فقد عزاه لبعض أهل الظاهر وانظر أحكام الأحكام لابن حزم 1/194 فما بعدها والمسودة لآل تيمية ص 293 وعزاه لداود والمتكلمين حكاية عن أبي الطيب الشافعي.
بين أهل النقل أن الصحابي رضي الله عنه إذا قال: أمرنا أو نهينا أو السنة كذا أنه يكون حديثا مسندا - والله أعلم".
[قول الصحابي من السنة كذا:]
60-
قوله (ص) : "وهكذا قول الصحابي رضي الله عنه "من السنة كذا فالأصح أنه مرفوع
…
"1 إلى آخره.
قال القاضي أبو الطيب: "هو ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه لأنه/ (ي131) اجتمع على قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بصلاة ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - على جنازة وقراءته بها وجهره".
وقال: "إنما فعلت لتعلموا أنها سنة"2.
وكذا جزم السمعاني بأنه مذهب الشافعي - رضي الله تعالى عنه.
وقال ابن عبد البر: "إذا أطلق الصحابي - رضي الله تعالى عنه - السنة فالمراد بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يضفها إلى صاحبها كقولهم: سنة العمرين".
ومقابل الأصح خلاف الصيرفي 3 من الشافعية والكرخي 4 والرازي من الحنفية وابن حزم الظاهري 5. بل حكاه إمام الحرمين في البرهان عن المحققين.
1 مقدمة ابن الصلاح ص 45.
2 الأم (1/271) .
3 هو: أبو بكر: محمد بن عبد الله البغدادي المعروف بالصيرفي كان إمام في الفقه والأصول له تصانيف منها: شرح الرسالة وله كتاب في الشروط مات سنة 330. الأسنوي طبقات الشافعية 2/122، اللباب 2/254.
4 انظر حاشية السعد على شرح العضد للمنتهى الأصولي (2/69) ، شرح الألفية للعراقي (1/126) ، المسودة لآل تيمية ص 294.
5 انظر إحكام الأحكام 1/194.
وجرى عليه ابن القشريري1، وجزم ابن فورك وسليم الرازي وأبو الحسين بن القطان والصيدلاني 2 من الشافعية - بأنه الجديد من مذهب الشافعي رضي الله عنه.
وكذا حكاه المازري في شرح البرهان.
وحكوا كلهم أن الشافعي رضي الله عنه كان في القديم يراه مرفوعا وحكوا تردده في ذلك [في] 3 الجديد، لكن نص الشافعي رضي الله عنه في الأم 4 وهو من الكتب الجديدة على ذلك.
فقال - في باب عدد الكفن بعد ذكر ابن عباس والضحاك بن قيس رضي الله عنهما: "رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم-: لا يقولون السنة إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم-".
وروى في الأم عن سفيان عن أي الزناد قال:
سئل سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته؟
قال: يفرق بينهما.
قال أبو الزناد: "فقلت: سنة؟ ".
فقال سعيد: "سنة".
1 هو أبو نصر عبد الرحيم ابن الأستاذ عبد الكريم القشيري أصولي مفسر له مقامات والآداب توفي سنة 514.
الأسنوي طبقات الشافعية 2/302، الأعلام 4/120.
2 هو: محمد بن داود بن محمد المروزي المعروف بالصيدلاني نسبة إلى بيع العطر وبالداودي نسبة إلى أبيه له شرح على مختصر وشرح فروع ابن الحداد. الأسنوي طبقات الشافعية 2/229 ولم يذكر الأسنوي وفاته فقال المحقق لكتابه قال ابن هداية الله: توفي في حدود 427هـ.
3 كلمة (في) ليست في جميع النسخ ولكن المقام بقتضيها.
4 1/271 باب الصلاة على الجنازة والتكبير فيها وليس - كما قال الحافظ- في باب عدد الكفن.
قال الشافعي: "الذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون أراد سنة النبي صلى الله عليه وسلم-"1. انتهى.
وحينئذ فله في الجديد قولان. وبه جزم الرافعي2.
ومستندهم أن اسم السنة متردد بين سنة النبي صلى الله عليه وسلم- وسنة غيره. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة ب159 الخلفاء الراشدين"3.
وأجيب بأن احتمال إرادة النبي صلى الله عليه وسلم- أظهر لوجهين:
1-
أحدهما ي 132: أن إسناد ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم هو المتبادر إلى الفهم، فكان الحمل عليه أولى.
2-
الثاني: أن السنة النبي صلى الله عليه وسلم أصل.
وسنة الخلفاء الراشدين تبع لسنته.
والظاهر من مقصود الصحابي رضي الله عنه إنما هو بيان الشريعة ونقلها، فكان إسناد ما قصد بيانه إلى/ (ر69/ب) الأصل أولى من إسناده إلى التابع - والله أعلم-.
ومما يؤيد مذهب الجمهور: ما رواه البخاري في صحيحه عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
1 الأم 5/107.
2 هو: أبو القاسم عبد الكريم بن محمد القزوني كان إمام في الفقه والتفسير والحديث والأصول وغيرها والرافعي نسبة إلى رافع بن خديج وقيل: إلى رافعان بلدة من بلاد قزوين. توفي سنة 624 الأسنوي طبقات الشافعية 1/571 تهذيب الأسماء 2/264.
3 د 34- كتاب السنة 6- باب لزوم السنة حديث 4607، جه المقدمة 6 - باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين حديث 43 دي 1/43 حديث 96.
أن الحجاج 1 عام 2 نزل بابن الزبير رضي الله عنهما سأل عبد الله (يعني ابن عمر –رضي الله تعالى عنهما) كيف/ (78 /أ) يصنع في الموقف يوم عرفة، فقال سالم - رضي الله تعالى عنه -:"إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة".
فقال ابن عمر رضي الله عنهما: "صدق".
قال الزهري: فقلت لسالم: أفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: "وهل يتبعون في ذلك (إلا سنته) 3 صلى الله عليه وسلم؟ "4.
واستدل ابن حزم على أن قول الصحابي رضي الله عنه:
من السنة كذا ليس بمرفوع بما في البخاري من حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -.
قال: أليس حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم في الحج فطاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حل من كل شيء حتى يحج قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا 5.
قال ابن حزم: "لا خلاف بين أحد من الأمة أنه صلى الله عليه وسلم إذ صد عن البيت لم يطف به ولا بالصفا والمروة، بل حل حيث كان
1 الحجاج بن يوسف الثقفي الامير المشهور الظالم المبير وقع ذكره وكلامه في الصحيحين وغيرهما وليس بأهل أن يروى عنه ولي إمرة العراق عشرين سنة مات سنة 95/ تمييز. التقريب 1/154.
2 كلمة (عام) سقطت من (ب) .
3 كلمة (إلا) سقطت من (ب) وكلمة سنته جاءت في (ب) السنة بالتعريف وهو خطأ.
4 خ 25- كتاب الحج 91 - باب الجمع بين الصلاتين بعرفة حديث 1662 معلقا: قال البخاري قال الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم، قال الحافظ:"وصله الإسماعيلي من طريق يحيى بن بكير وأبي صالح جميعا عن الليث". فتح (3/514) .
5 خ 27 كتب المحصر 2- باب الإحصار في الحج حديث 1810.
بالحديبية، وإن هذا الذي ذكره ابن عمر رضي الله عنه لم يقع/ (ب 160) منه قط 1.
قلت: إن أراد بأنه لم يقع من فعله، مسلم ولا يفيده وإن أراد أنه لم يقع من قوله فممنوع.
وما المانع منه؟ بل دائرة أوسع من القول أو الفعل وغيرهما، وبه ينتقض استدلاله ويستمر ما كان على ما كان.
تنبيهات:
أحدها: إذا أضاف الصحابي رضي الله عنه السنة إلى النبي صلى الله عليه وسلم- فمقتضى كلام الجمهور أنه/ (ي 133) يكون مرفوعا قطعا.
وفيه خلاف ابن حزم المذكور.
ونقل أبو الحسين ابن القطان عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: "قد يجوز أن يراد بذلك ما هو الحق من سنة النبي صلى الله عليه وسلم- ومثل ذلك بقول عمر رضي الله عنه للصبي2/ (78/ب) بن معبد هديت لسنة نبيك"3
وجزم شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح 4 أنها على مراتب في احتمال الوقف قربا وبعدا.
1 الإحكام في أصول الأحكام 1/194.
2 الصبي بن معبد بالتصغير - التغلبي - بالمثناة والمعجمة وكسر اللام ثقة مخضرم نزل الكوفة من الثانية /د س ق. تقريب (1/365) ، الكاشف 2/25.
3 د 5- كتاب المناسك 24- باب في الإقران حديث 1798، 1799 جه 25- كتاب المناسك 38- باب من قرن الحج والعمرة حديث 2970، حم 1/ 14، 25، 34، 37، 53.
4 ص 128 بهامش مقدمة ابن الصلاح.
قال: فأرفعها مثل قول ابن عباس رضي الله عنهما: الله أكبر سنة بأبي القاسم صلى الله عليه وسلم -1. ودونها قول عمرو بن العاص رضي الله عنه: "لا تلبسوا علينا نبينا سنة صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد كذا"2.
ودونها قول عمر رضي الله عنه لعقبة بن عامر رضي الله عنه: "أصبت السنة"3.
إذ الأول أبعد احتمالا والثاني أقرب احتمالا، والثالث لا إضافة فيه.
ثانيها: نفى البيهقي الخلاف، عن أهل النقل في ذلك كما تقدم قبل وسبقه إلى ذلك الحاكم فقال: في الجنائز من المستدرك4 أجمعوا على أن قول الصحابي رضي الله عنه سنة كذا حديث مسند.
1 م 15- كتاب الحج 31- باب جواز العمرة في أشهر الحج حديث 204.
2 د 7 - كتاب الطلاق 48 - باب في عدة أم الولد حديث 2308 وتمامه: "عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر - يعني أم الولد -". وفي إسناده مطر بن طهمان الوراق قال الحافظ: "صدوق كثير الخطأ" وقال المنذري: وقد ضعفه غير واحد. تعليق الدعاس على أبي داود 2/731، وأخرجه جه 10 - كتاب الطلاق 33- باب عدة أم الولد حديث 2083 من طريق مطر الوراق نفسه.
3 سنن الدارقطني 1/196 من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحكم البلوي، عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر
…
قال: إنه وفد على عمر قال: "وعلي خفان من تلك الخفاف الغلاظ فقال لي عمر: متى عهدك بلبسها؟ " فقال: "لبستها يوم الجمعة، فقال عمر: "أصبت السنة" قال الدارقطني فقال يونس: "ولم يقل السنة". قال العظيم آبادي: "ذكر الدارقطني في كتاب العلل أن عمرو بن الحارث ويحيى بن أيوب والليث بن سعد رووه عن يزيد فقالوا: "أصبت ولم يقولوا السنة وهو المحفوظ". هامش سنن الدارقطني 1/196.
(1/358) قاله عقب قول ابن عباس رضي الله عنهما حين صلى على جنازة فجهر بالحمد لله ثم قال: إنما جهرت لتعلموا أنها سنة.
[حكم ما ينسب الصحابي فاعله إلى الكفر والعصيان] :
ثالثها: لم يتعرض ابن الصلاح إلى بيان حكم ما ينسب ر70/أالصحابي فاعله إلى الكفر أو العصيان، كقول ابن مسعود رضي الله عنه:"من أتى عرافا أو كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما انزل على [قلب] 1 محمد صلى الله عليه وسلم"2.
وفي رواية: "بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم".
وكقول أبي هريرة رضي الله عنه: "ومن لم يجب الدعوة، فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم"3.
وقوله- في الخارج من المسجد بعد الأذان: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"4.
1 الزيادة من (ي) .
2 أخرجه أبو يعلى. انظر فتح المجيد شرح كتب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن ص 290، معرفة علوم الحديث ص 22، الترغيب والترهيب للمنذري 5/247، وعزاه للبزار وأبي يعلى والطبراني وقال: رواته ثقات.
3 خ 67- كتاب النكاح 72 - باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله حديث 5177، م 16- كتاب النكاح 16- باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة الحديث 109،108،107 موقوفا 110 والأخير مرفوع من طريق ابن أبي عمر حدثنا سفيان قال سمعت زياد بن سعد قال: سمعت ثابتا الأعرج يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها.. ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله"، ود 21- كتاب الأطعمة 1- باب ما جاء في إجابة الدعوة حديث 3742، جه 19- كتاب النكاح 25- باب إجابة الداعي حديث 1913 كلاهما أخرجه موقوفا حم 2/267،241.
4 م 5 - كتاب المساجد الصلاة 45 - باب النهي عن الخروج من المسجد إذا أذن حديث 259،258، د 2 -كتاب الصلاة 43- كتاب الخروج من المسجد بعد الأذان حديث ت أبواب الصلاة 150- باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان حديث 204.
وقول عمار بن ياسر رضي الله عنه: "من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"1.
فهذا ظاهره أن له حكم الرفع، ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز إحالة الإثم على ما ظهر/ (79/أ) من القواعد.
والأول أظهر بل حكى ابن عبد البر الإجماع على أنه مسند.
وبذلك جزم الحاكم في علوم ي 134 الحديث2 والغمام فخر الدين في المحصول3.
[ما يعد مسندا من تفسير الصحابي:]
61-
قوله (ص) : "ما قيل من أن تفسير الصحابي رضي الله عنه مسند إنما هو في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحو ذلك"4.
قلت: تبع المصنف في ذلك الخطيب، كذا قال الأستاذ أبو منصور البغدادي:"إذا اخبر الصحابي رضي الله عنه عن سبب وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم- أو أخبر عن نزول آية له بذلك - مسند".
1 خ 30 - كتاب الصوم 11- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا". بعد الترجمة مباشر، د 8- كتاب الصوم 10- باب كراهية صوم يوم الشك حديث 2334، ت 6- كتاب الصيام 3- باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك حديث 666، ن 4/126، جه 7- كتاب الصيام 3 - باب ما جاء في صيام يوم الشك حديث 1645، دي 4- كتاب الصوم حديث 1689.
2 معرفة علوم الحديث ص 30.
3 في هامش (ر) و (?) بياض هنا في الأصل وكتب المؤلف بخطه وذكر كلامه وكلام الحاكم.
4 مقدمة ابن الصلاح ص 45.
لكن أطلق الحاكم النقل عن البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي رضي الله عنه الذي شهد الوحي والتنزيل حديث مسند1.
والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي رضي الله عنه إن كان مما لا مجال للاجتهاد [فيه] 2 ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا، فلا كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية:
كالملاحم3 والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والأخبار عن عمل يحصل به ثواب نخصوص أو عقاب مخصوص، فهذه الأشياء لا مجال للإجتهاد [فيها] 4 فيحكم لها بالرفع.
قال أبو عمرو الداني: "قد يحكى الصحابي رضي الله عنه قولا يوقفه، فيخرجه أهل الحديث في المسند، لامتناع أن يكون الصحابي رضي الله عنه قاله إلا بتوفيق. كما روى أبو صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يجدن عرف الجنة
…
"5.الحديث. لأن مثل هذا لا يقال: بالرأي، فيكون من جملة المسند".
1 نقل العراقي هذا النص عن الحاكم في شرح ألفيته 1/132 وقال إن الحاكم ذكره في المستدرك 1/27-123-542.
2 كلمة "فيه" من (ر) وليست في باقي النسخ.
3 الملاحم جمع ملحمة وهي: الوقعة العظيمة القتل. القاموس 4/174.
4 كلمة "فيها" من (ر) وليست في باقي النسخ.
5 الحديث في م 37- كتاب اللباس 34- باب النساء الكاسيات العاريات حديث 125، 51- كتاب الجنة 13- باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء حديث 52، حم 2/356-440 كلاهما من طريق أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم- مرفوعا، ط 48- كتاب اللباس 4- باب ما يكره للنساء لبسه من الثياب حديث 7- من طريق مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا.
وأما إذا فسر/ (79/ب) آية تتعلق بحكم شرعي فيحتمل أن يكون ذلك مستفادا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعند القواعد، فلا يجزم برقعه وكذا إذا فسر مفردا فهذا نقل عن اللسان خاصة فلا يجزم برفع وهذا التحرير الذي حررناه هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصحابي الصحيح والإمام الشافعي وأبي جعفر الطبري1 وأبي جعفر الطحأوي2 وأبي بكر ابن مردويه3 في تفسير المسند والبيهقي وابن/ (ي 135) عبد البر في آخرين.
[إذا كان الصحابي ينظر في الإسرائيليات فلا يعطى حكم الرفع:]
إلا أنه يستثنى من ذلك ما كان المفسر له من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم- من عرف بالنظر في الإسرائيليات، كمسلمة أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام4 وغيره.
وكعبد الله بن عمرو بن العاص5.
1 هو العالم الإمام الحافظ إمام المفسرين: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري نسبة إلى طبرستان صاحب التصانيف منها: التفسير المشهور والتاريخ، مات سنة 310.
تذكرة الحفاظ 2/710؛ تاريخ بغداد 02/164 معجم المؤلفين 9/147.
2 هو الإمام الحافظ الفقيه أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك الطحاوي - نسبة إلى طحا قرية من قرى مصر له مصنفات منها شرح معاني الآثار، وأحكام القرآن مات سنة 321. وفيات الأعيان 01/71) ؛ النجوم الزاهرة 3/240، معجم المؤلفين 2/107.
3 هو الإمام الحافظ المفسر المؤرخ أبو بكر: أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الأصبهاني، له مؤلفات منها: التفسير الكبير في سبع مجلدات، والمستخرج على صحيح البخاري، مات سنة 410. معجم المؤلفين (2/1909؛ شذرات الذهب لابن العماد 3/190.
4 عبد الله بن سلام - بالتخفيف - الإسرائيلي أبو يوسف صحابي مشهور له أحاديث وفضل، مات سنة 43/ع. تقريب0 1/4229 الإصابة 2/312.
5 عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد - بالتصغير - السهمي أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة ليالي الحرة سنة 68/ع. تقرييب 1/436؛ الكاشف 2/436؛ الإصابة 2/343.
فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثير من (كتب) 1 أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة حتى كان بعض أصحابه ربما قال له: حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحدثنا عن الصحيفة، فمثل هذا لا يكون حكم ما يخبر (به) 2 من الأمور التي قدمنا ذكرها الرفع، لقوة الاحتمال - والله أعلم -.
تنبيه: / (ب163)
إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حكما يحتاج إلى شرح، فشرحه الصحابي رضي الله عنه سواء كان من روايته أو من3 رواية غيره هل يكون ذلك مرفوعا أم لا؟
ذهب الحاكم إلى أنه مرفوع، فقال:(عقب) 4 حديث أورده عن عائشة رضي الله عنها في تفسير التميمة: "هذا ليس بموقوف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر التميمة في أحاديث كثيرة، فإذا فسرتها عائشة رضي الله عنها كان ذلك حديثا مسندا"5.
1 كلمة "كتب" ليست في (ب) .
2 كلمة "به" سقطت من (ب) .
3 كلمة "من" ليست (ر/ب) .
4 كلمة "عقب" سقطت من (ب) .
5 في المستدرك 4/217 من طريق القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ليست التميمة ما تعلق به بعد البلاء إنما التميمة ما تعلق به قبل البلاء. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولعل متوهما يتوهم أنها من الموقوفات على عائشة وليس كذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم- قد ذكر التمائم في أخبار كثيرة، ووافقه الذهبي. ولكن تفسير ابن مسعود يعارض تفسير عائشة فإن الحاكم روى من طريق عمرو بن قيس بن السكن الأسدي قال: دخل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على امرأة فرأى عليها حرزا من الحمرة، فقطعه قطعا عنيفا، ثم قال: إن آل عبد الله عن الشرك أغنياء وقال: "كان مما حفظنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرقى والتمائم والتولة من الشرك"، ثم قال الحاكم: "هذا صحيح ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي المستدرك 4/217 فنرى ابن مسعود ينكر التعلق بعد نزول البلاء، لأنه يرى شمول الحديث للحالين قبل البلاء ويعده.
والتحقيق أنه لا يجزم بكون جميع ذلك يحكم برفعه.
بل الاحتمال فيه واقع، فيحكم برفع ما قامت القرائن الدالة على رفعه وإلا فلا/ (80/أ) - والله أعلم -.
وهكذا إذا كان للفظ معنيان فحمله الصحابي رضي الله عنه على أحدهما كتفسير ابن عمر- رضي الله عنه التفرق بالأبدان1 دون الأقوال.
وقال القاضي أبو الطيب: "يجب قبوله على المذهب".
وكذا حمل عمر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء"2 على القبض في المجلس.
1 يعني تفسير ابن عمر لحديث البيعان بالخيار ما لم يفرتقا. أخرجه خ 34- كتاب البيوع 42- باب كم يجوز الخيار حديث 2107، وقال عقبه قال نافع: وكان ابن عمر إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه، حديث 2109-2111- م 21 - كتاب البيوع 10- باب ثبوت الخيار حديث 43-44-45 وقال مسلم عقب الأخير زاد ابن أبي عمر في روايته قال نافع فكان إذا بايع رجلا فأراد أن يقيله قام فمشى هنية (أي شيئا يسيرا) ثم رجع إليه، ت 12- كتاب البيوع 26- باب ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا حديث 1245 وقال فكان ابن عمر إذا ابتاع بيعا وهو قاعد قام ليجب له البيع، ثم قال الترمذي: وروى عنه انه كان إذا أراد أن يوجب البيع مشى ليجب له.
2 هاء هاء- بالمد فيهما وفتح الهمزة وقيل بالكسر وقيل بالسكون والحديث أخرجه خ 34- كتاب البيوع حديث 2174 وفيه فقال عمر: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ثم ساق الحديث، م22- كتاب المساقات 15- باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا حديث 79 وفيه فقال عمر بن الخطاب (يعني لطلحة) كلا والله لتعطنيه ورقة أو لتردن عليه ذهبه، د 17- كتاب البيوع 12 - باب في الصرف حديث 3348- ت 12- كتاب البيوع 24- باب ما جاء في الصرف حديث 1243- 2/240 حم 1/24-35-45- 40 - جه 12- كتاب التجارات 50- باب صرف الذهب بالورق حديث 2259 ونقل كلام عمر السابق.
وتردد في ذلك الشيخ أبو إسحاق - والله أعلم.
62-
قوله (ص) : "من قبيل المرفوع (ما قيل) 1 عند ذكر الصحابي رضي الله عنه يرفعه أو يبلغ به أو ينميه أو رواية"2
قلت: وكذا قوله يرويه أو رفعه أو مرفوعا أو يسنده.
وكذا/ (ي 136) قوله رواه.
روينا في أمالي3 المحاملي من طريق ابن عيينة عن ابن جدعان عن أبي نضرة4 عن أبي سعيد رضي الله عنه رواه قال: "قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} 5 في كذباته الثلاث6.
ورواه أبو يعلى في مسنده/ (ب 164) من هذا الوجه، فقال عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذكره.
1 في (ب)"ما دل" والصواب ما أثبناه من (ر) و (?) .
2 مقدمة ابن الصلاح (ص 46) .
3 موجود منه في المكتبة الظاهرية بدمشق تسعة أجزاء في المجموع 23 راجعته في 1/9/1397 فلم أجد فيه هذا النص، ولعله فيما بقي من الكتاب، والمحاملي هو: القاضي الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد ومحدثها أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي البغدادي له "الأجزاء المحامليات" في الحديث ويقال لها "أمالي المحاملي" في ستة عشر جزءا، مات سنة 330. تذكرة الحفاظ 3/824، الرسالة المستطرفة ص 79؛ الأعلام 2/251.
4 هو المنذر بن مالك بن قطعة - بضم القاف وفتح المهملة - العبدي العوقي - بفتح المهملة والواو ثم قاف - البصري أو نضرة بنون ومعجمة ساكنة مشهور بكنيته ثقة من الثالثة، مات سنة 108 أو 109 / خت م 4.
تقريب (2/275) ؛ الكاشف 3/175.
5 الآية 82 من سورة الشعراء.
6 غير واضح عد هذا في لثلاث فينظر ثم أنه في جميع النسخ الثلاثة.
وأمثلة باقي ما ذكرنا/ (ر71/أ) مشهورة، فلا نطيل بذكرها1.
ومن أغرب ذلك سقوط الصيغة مع الحكم بالرفع بالقرينة كالحديث الذي رويناه من طريق الأعمش عن أبي ظبيان 2 عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: احفظوا عني ولا تقولوا: قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أيما عبد حج به أهله، ثم أعتق فعليه حجة اخرى.." الحديث. رواه ابن أبي شيبة3 من هذا الوجه فزعم أبو الحسن ابن القطان أن ظاهره الرفع وأخذه من نهي ابن عباس رضي الله عنهما لهم عن/ (80/ب) إضافة القول إليه4.
فكأنه قال لهم: لا تضيفوه إلي وأضيفوه إلى الشارع.
لكن يعكر5 عليه أن البخاري رواه من طريق أبي السفر سعيد بن يحمد قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "يا أيها الناس اسمعوا مني أقول لكم واسمعوني ما تقولون، ولا تذهبوا فتقولوا: قال ابن عباس قال ابن عباس"، فذكر الحديث 6.
وظاهر هذا أنه إنما طلب منهم أن يعرضوا عليه قوله ليصححه لهم خشية أن يزيدوا فيه أو ينقصوا7 - والله أعلم -.
1 من (ر) و (ي) وفي (ب) و (?) لذلك بذكرها.
2 هو: حصين بن جندب بن الحارث الجنبي - بفتح الجيم وسكون النون ثم موحدة - أبو ظبيان - بفتح المعجمة وسكون الموحدة - الكوفي ثقة من الثانية، مات سنة 90 وقيل غير ذلك /ع. تقريب (1/182) ؛ الكاشف 1/236.
3 المصنف (ج1/قسم 2/ل 206/ب) مصورة في مكتبة الحرم المكي.
4 من (ي) وفي باقي النسخ له.
5 في (ب) ينكر وهوالخطأ.
6 خ 63- كتاب مناقب الأنصار 27- باب القسامة في الجاهلية حديث 3848، تحفة الأشراف 4/466 حديث 5668.
7 نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 1/257 من قوله: "ومن أغرب ذلك
…
" إلى هنا. ثم تعقب الحافظ فقال: "قلت بل والظاهر مع ابن القطان إذ ليس من طريقة ابن عباس المألوفة أن يطلب عرض ما حدث به مع كثرة تحديثه، ويزيد كلام ابن القطان قوة أن هذا الحكم الذي ذكره ابن عباس ليس للاجتهاد فيه مسرح فهو من قرائن الرفع وفي تعقبه نظر، وما ذهب إليه الحافظ أقوى".
تنبيهان:
أحدهما: قد يقال: ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي رضي الله عنه "سمعت رسول الله" صلى الله عليه وسلم ونحوها إلى "يرفعه" وما ذكر معها.
قال الحافظ المنذري: "يشبه أن يكون التابعي مع تحققه بأن الصحابي رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم- شك في الصيغة بعينها فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ على رفع الحديث".
قلت: وإنما ذكر الصحابي رضي الله عنه كالمثال وإلا / (ي 137) فهو جار في حق/ (ب165) من بعده ولا فرق، ويحتمل أن يكون من صنع ذلك صنعه طلبا للتخفيف وإيثارا للإختصار.
ويحتمل - أيضا - أن يكون شك في ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم- فلم يجزم1 بلفظ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- كذا" بل كنى عنه تحرزا 2 وسياتي إن شاء الله تعالى في النوع الحادي والعشرين.
وما أجاب به المنذري انتزعه من قول أبي قلابة الجرمي/ (71/ب) لما روى عن أنس رضي الله عنه قال: "من السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا"3.
1 في كل النسخ فلم يحرر والصواب ما أثبتناه والتصحيح من توضيح الأفكار.
2 نقل الصنعاني هذا النص من قوله تنبيهان.. إلى هنا في توضيح الأفكار 1/257.
3 الحديث في خ 67- كتاب النكاح 101- باب إذا تزوج الثيب على البكر حديث 5214، م17- كتاب الرضاع 12- باب ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها حديث 44، د6- كتاب النكاح 35- باب في المقام عند البكر حديث 2124، جه 9- كتاب النكاح 26- باب الإقامة على البكر والثيب حديث 1916.
قال/ (81/أ) أبو قلابة: "لو شئت لقلت: أنسا رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم"1.
(فإن معنى ذلك أنني لو قلت رفعه) 2 لكنت صادقا، بناء على الرواية بالمعنى لكنه تحرز عن ذلك، لأن قوله: من السنة إنما يحكم له بالرفع بطريق نظري. كما تقدم. وقوله رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو محتمل إلى ما هو نص غير محتمل.
ثانيهما3: ذكر المصنف ما إذا قال التابعي عن الصحابي رضي الله عنه يرفعه ولم يذكر ما إذا4 قال الصحابي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يرفعه وهو في الحكم قوله (عن الله) 5 عز وجل.
ومثاله: الحديث الذي رواه الدراوردي6 عن عمرو بن أبي عمرو 7 عن سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه.
1 مابين القوسين سقط من (ب) . ملاحظة: هذا القول عزاه في البخاري لأبي قلابة ثم قال: قال عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن أيوب وخالد، قال خالد "ولو شئت.. إلخ.
أما مسلم فقال قال خالد "ولو شئت.." إلخ ولم ينسبه لأبي قلابة. وأما أبو داود وابن ماجه فلم يذكراه.
2 ما بين قوسين سقط من (?) .
3 سقطت من جميع النسخ واستظهرت في هامش (ر/أ) .
4 كلمة إذا سقط من (ب) .
5 ما بين القوسين سقط من (?) .
6 هو: عبد العزيز بن محمد بن عبيد أبو محمد الجهني، مولاهم المدني صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر، من الثامنة مات سنة 187/ع. تقريب (1/512) ، الكاشف 2/201.
7 عمرو بن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب المدني أبو عثمان ثقة ربما وهم، من الخامسة مات بعد 150/ع.
تقريب 02/75؛ تهذيب التهذيب 8/82.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعه: "إن المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه".
حديث حسن رواته من أهل الصدق. أخرجه البزار في مسنده وهو من الأحاديث الإلهية، وقد أفردها جمع بالجمع - والله الموفق -.