المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع التاسع: المرسل - النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر - جـ ٢

[ابن حجر العسقلاني]

الفصل: ‌النوع التاسع: المرسل

‌النوع التاسع: المرسل

63-

قوله (ص) : "تعريف المرسل وصورته التي لا خلاف فيها (حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم، كعبيد الله بن عدي بن الخيار ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما إذا قال) 1: قال - رسول الله صلى الله عليه وسلم.... إلى آخره"2.

ليس المراد حصر ذلك في القول بل لو ذكر الفعل أو التقرير بأي صيغة كان داخلا فيه.

وإنما/ (ي 138) خص القول، لكونه أكثر.

والأولى- فيما أرى - التعبير بالإضافة، لكونها أشمل. والله الموفق.

30-

قوله (ع) : "لأن عبيد الله بن عدي ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم –"3.

قلت: عدي بن الخيار مات قبل فتح مكة بمدة وابنه عبيد الله4 كان بمكة لما دخلها النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجد في منقولات كثيرة/ (? 81/ب) الصحابة من النساء والرجال كانوا يحضرون أولادهم إلى النبي - صلى الله عليه

1 ما بين القوسين من (ر /أ) وقد سقط من باقي النسخ.

2 مقدمة ابن الصلاح ص 47 وبقية الكلام "والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين".

3 التقييد والإيضاح ص 71.

4 عبيد الله بن عدي بن الخيار - بكسر المعجمة وتخفيف التحتانية- ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي المدني - قتل أبوه ببدر، وكان هو في الفتح مميزا فعد في الصحابة لذلك، وعده العجلي وغيره في ثقات التابعين مات في آخر خلافة الوليد بن عبد الله الملك /خ م د س (تقريب 1/537، الكاشف 1/230، الإصابة 3/75.

ص: 540

وسلم - يتبركون بذلك وهذا منهم1، لكن هل يلزم من ثبوت الرؤية له الموجبة لبلوغه شريف الرتبة بدخوله في حد الصحبة، أن يكون ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعد مرسلا؟

هذا محل نظر وتأمل. والحق الذي جزم به أبو حاتم الرازي 2 وغيره من الأئمة أن مرسله كمرسل غيره، وأن قولهم: مراسيل الصحابة رضي الله عنهم مقبولة بالاتفاق إلا عند بعض من شذ، إنما يعنون بذلك من أمكنه التحمل والسماع، أما من لا يمكنه ذلك فحكم حديثه حكم غيره من المخضرمين الذين لم يسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم -.

وبالجملة فتمثيل ابن الصلاح بعبيد الله بن عدي معترض، لأنه كان يمكنه أن يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو/ (ر72/أ) تابع في ذلك لابن عبد البر فإنه قال- لما ذكر المرسل -: "هذا الاسم واقع بالإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي/ (ب167) صلى الله عليه وسلم مثل أن يقول عبيد الله بن عدي بن الخيار أو أبو أمامة بن سهل ومن كان مثلهما قال 3 رسول الله صلى الله عليه وسلم -4.

وكذلك من دون هؤلاء كسعيد بن المسيب

"5 إلى آخر كلامه.

قلت: ولو مثل بمحمد بن أبي بكر الصديق 6 رضي الله عنهما الذي

1 هذا الدليل - في نظري - أعم من الدعوى، فلا بد من نقل خاص يثبت رؤية عبيد الله بن عدي للنبي صلى الله عليه وسلم- إذ يجوز أنه لم يحضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم -لسبب من الأسباب.

2 راجعت المراسيل لابن أبي حاتم فلم أجد له نصا في هذا الموضوع.

3 في جميع النسخ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتصحيح من التمهيد.

4 التمهيد 1/19-20.

5 التمهيد 1/20.

6 محمد بن أبي بكر الصديق، أبو القاسم له رؤية وقتل سنة 38 وكان علي يثني عليه /س ق. تقريب 2/148، الكاشف 3/25.

ص: 541

ما أدرك من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أشهر لكان أولى وقول شيخنا: "لكونهم عاصروه على القول الضعيف في حد الصحابة - رضي الله تعالى عنهم-"1. سيأتي لنا إن شاء الله تعالى في معرفة الصحابة رضي الله عنهم قدح/ (ي 139) في ثبوت هذا القول عن أحد من الأئمة مطلقا - إن شاء الله تعالى -.

64-

قوله (ص) : "والمشهور التسوية بين التابعين"2.

أقول: لم يمعن المؤلف في الكلام على المرسل في حكاية الخلاف في حده والتفريع عليه.

[جمع الحافظ لأقوال أهل العلم في المراسيل] :

وقد جمعت كثيرا من أقوال أهل العلم فيه يحتاج إليها المحدث وغيره.

أما أصله: فقيل مأخوذ من الإطلاق وعدم المنع كقوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِين} 3.

فكأن المرسل أطلق الإسناد.

وقيل: مأخوذ من قولهم: "جاء القوم أرسالا" أي متفرقين؛ لأن بعض الإسناد منقطع عن بقيته.

وقيل: مأخوذ من قولهم: "ناقة رسل" أي سريعة السير كأن المرسل للحديث أسرع فيه فحذف بعض إسناده4.

1 التقييد والإيضاح ص 71. وفي (ي) في حد الصحابي رضي الله عنه.

2 مقدمة ابن الصلاح ص 47.

3 الآية 82 من سورة مريم {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} .

4 انظر هذه المآخذ في جامع التحصيل للعلائي (ص 14-15) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.

ص: 542

[حد المرسل اصطلاحا:]

وأما حده: فاختلف عباراتهم فيه على أربعة أوجه:

الأول: هو ما أضافه التابعي الكبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج بذلك ما أضافه صغار التابعين ومن بعدهم.

والثاني/ (ب168) : هو إضافة لتابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير تقييد بالكبير.

وهذا الذي عليه جمهور المحدثين، ولم أر تقييده بالكبير صريحا عن أحد، لكن نقله ابن عبد البر عن قوم1، بخلاف ما يوهمه كلام المصنف. نعم قيد الشافعي المرسل الذي يقبل - إذا اعتضد - بأن يكون من رواية التابعي الكبير.

ولا يلزم من ذلك، أنه لا يسمى ما رواه التابعي الصغير مرسلا.

والشافعي مصرح بتسمية رواية من دون كبار التابعين مرسلة وذلك في قوله: "ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة"2.

والثالث: ما سقط منه رجل وهو على هذا هو والمنقطع سواء/ (? 82/ب) وهذا مذهب أكثر الأصوليين3.

قال الأستاذ أبو منصور: "والمرسل: ما سقط من إسناده واحد، فإن سقط أكثر من واحد فهو معضل".

1 انظر التمهيد (1/20-21.

2 الرسالة ص 467، الفقرة 1248.

3 انظر الخلاصة في أصول الحديث للطيبي ص 66، مقدمة ابن الصلاح ص48.

ص: 543

وقال أبو الحسين ابن القطان1: "المرسل: أن/ (ي 140) يروي بعض التابعين عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا أو يروي رجل عمن لم يره"2.

قلت: وهذا اختيار أبي داود في مراسيله3، والخطيب4 وجماعة، لكن الذي قبله أكثر/ (ر72 /ب) في الاستعمال.

والرابع: قول غير الصحابي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا التعريف أطلق ابن الحاجب5 وقبله الآمدي6 والشيخ الموفق7 وغيرهم، فيدخل في عمومه كل من لم تصح له صحبة ولو تأخر عصره.

وقال الغزالي: "وصورة المرسل: أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- من لم يعاصره"8.

وهذا أخص قليلا من الذي قبله، لأنه يدخل فيه من سمع النبي صلى الله عليه وسلم- في حال الكفر، ثم استمر كافرا فلم يسلم إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم-فإن هذا لا تصح له صحبة وهو على تعريف الغزالي لا يكون حديثه مرسلا.

1 ابن القطان هو أحمد بن محمد بن القطان البغدادي الشافعي فقيه أصولي درس ببغداد وأخذ عنه العلماء مات سنة 359. معجم المؤلفين 2/75، تاريخ بغداد 4/365 ووفيات الأعيان 1/70.

2 جامع التحصيل ص10.

3 لم ينص أبو دأود في المراسيل على تعريف المرسل وكأن الحافظ فهم ذلك من تصرفه.

4 الكفاية 21.

5 مختصر منتهى السول (ق/24/2) .

6 الإحكام في أصول الأحكام 2/123.

7 الروضة ص14.

8 انظر جامع التحصيل ص 23 تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.

ص: 544

وقال الحافظ العلائي: "إطلاق ابن الحاجب وغيره، يظهر عند التأمل في أثناء استدلالهم أنهم لا يريدونه، بل إنما مرادهم ما سقط منه التابعي مع الصحابي أو ما سقط منه اثنان بعد الصحابي ونحو ذلك، ويدل عليه قول إمام الحرمين في "البرهان": مثاله: أن يقول الشافعي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا1.

قال: ولم أر من صرح بحمله على إطلاقه إلا بعض المتأخرين من غلاة الحنفية 2. وهو اتساع غير مرضي، لأنه يلزم منه بطلان اعتبار الإسناد الذي هو من خصائص هذه الأمة، وترك النظر في أحوال الرواة، والإجماع في كل عصر على خلاف ذلك فظهور فساده (غني) 3 عن الإطالة فيه".

قلت: ويؤيد قول الأستاذ أبي إسحاق الأسفرائيني - في كتابه [في الأصول]-4: "المرسل رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو تابع التابعي (عن الصحابي) 5، فأما إذا قال تابع التابعي أو واحد منا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعد شيئا، ولا يقع به ترجيح [فضلا] 6 عن الاحتجاج به".

وهذا ظاهر كلام ابن برهان - أيضا -.

وممن قيد الإطلاق الأستاذ/ (ي 141) أبو بكر ابن فورك، فقال:

1 انظر البرهان ص 177 مصورة بمركز البحث بجامعة الملك عبد العزيز بمكة مصورة عن نسخة بدار الكتب المصرية عن نسخة بالأناضول. وانظر جامع التحصيل 1/19.

2 انظر أصول السرخسي 1/363 نشر دار المعرفة ببيروت، وجامع التحصيل (ص 22، 24، 27) تحقيق حمدي السلفي.

3 ما بين القوسين سقط من (ب) .

4 الزيادة من (ي) .

5 ما بين القوسين سقط من (ب) .

6 الزيادة من (ي) وهي في (ر/أ) إلحاقا من المصحح.

ص: 545

"المرسل: قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا"1. نقله عنه المازري.

فإن قيل ما احترز به الغزالي - رحمه الله تعالى - كما قدمته، قد ينقدح2 منه قدح في صحة التعريف الذي أخبرت أنه قول الجمهور، وذلك لأن قولهم: المرسل ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدخل/ (ر73/أ) فيه ما سمعه بعض الناس في حال كفره من النبي صلى الله عليه وسلم (ثم أسلم) 3 بعده وحدث عنه بما سمعه منه، فإن هذا والحالة4 هذه تابعي قطعا وسماعه منه صحيح متصل وهو داخل في حد المرسل الذي ذكرته.

[تعريف الحافظ للمرسل] :

قلت: وهذا عندي نقض صحيح واعتراض وارد لا محيد عنه ولا انفصال منه إلا أن يزاد في الحد ما يخرجه، وهو: أن يقول: المرسل: ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما سمعه من غيره.

[أقوال العلماء في حكم المرسل] :

وأما حكم المرسل:

فاختلفوا في الاحتجاج به على أقوال:

أحدها: الرد مطلقا حتى لمراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وحكي ذلك عن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني.

1 جامع التحصيل ص 18.

2 في (ب) يقدح.

3 ما بين القوسين سقط من (ب) .

4 من (?) و (ب) و (ي) وفي (ر) والحال.

ص: 546

وظن قوم أنه تفرد بذلك، واحتجوا عليه بالإجماع، وليس بجيد لأن القاضي أبا بكر/ (?83/ب) الباقلاني قد صرح في التقريب بأن المرسل لا يقبل مطلقا حتى مراسيل الصحابة رضي الله عنهم لا لأجل الشك في عدالتهم، بل لأجل أنهم قد يروون عن التابعين. قال: إلا أن يخبر عن نفسه بأنه لا يروي إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي فحينئذ يجب العمل بمرسله1.

قلت: نقل عنه الغزالي في المنخول أن المختار عنده، أن الإمام العدل إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أخبرني الثقة قبل. فأما الفقهاء والمتوسعون في كلامهم فقد يقولونه لا عن تثبت فلا يقبل منهم، لأن الرواية قد كثر وطال البحث واتسعت الطرق، فلا بد من ذكر اسم الرجل2.

قال الغزالي: "والأمر كما ذكر، لكن لو صادفنا في زماننا متقنا في نقل الأحاديث مثل مالك قبلنا قوله ولا يختلف ذلك بالأعصار (يعني أن الحكم/ (ي 142) لا يختلف جوازا) وأن الواقع أن أهل / (ب 171) الأعصار المتأخرة ليس فيهم من هو بتلك المثابة. وقد قال القاضي عبد الجبار: مذهب الشافعي - رضي الله تعالى عنه - أن الصحابي - رضي الله تعالى عنه - إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا قبل إلا أن علم أنه أرسله"3.

وهذا النقل مخالف للمشهور من مذهب الشافعي.

فقد قال ابن برهان في الوجيز: "مذهب الشافعي: أن المراسيل/ (ر73/ب) لا يجوز الاحتجاج بها إلا مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنه - ومراسيل سعيد بن المسيب، وما انعقد الإجماع على العمل به.

1 رد الباقلاني للمرسل نقله عنه الغزالي في المستصفى 1/107 وابن السبكي في الإبتهاج 2/232 نقلا عن حسن هيتو هامش المنخول ص 274.

2 المنخول ص 274-275.

3 المنخول ص 275.

ص: 547

وكذا ما نقله ابن بطال في أوائل شرح البخاري عن الشافعي أن المرسل عنده ليس بحجة حتى مرسل الصحابة.

ثم أغرب ابن برهان فقال في الأوسط: "إن الصحيح أنه لا فرق بين مراسيل الصحابة رضي الله عنهم ومراسيل/ (? 84/أ) غيرهم".

فتلخص من هذا أن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني لم ينفرد برد مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنه - وأن1 مأخذه في ذلك احتمال كون الصحابي - رضي الله تعالى عنه - أخذه عن تابعي.

وجوابه: أن الظاهر فيما رووه أنهم سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما روايتهم عن2 التابعي فقليلة نادرة، فقد تتبعت وجمعت لقلتها.

قلت: وقدر سردها شيخنا- رحمه الله في النكت3 فأفاد وأجاد4.

ثانيها: القبول مطلقا في جميع الأعصار والأمصار. كما قدمنا حكايته ورده5.

ثالثها: قبول مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - فقط ورد ما عداها6 مطلقا حكاه القاضي عبد الجبار في شرح كتاب العمدة.

قلت: وهو الذي عليه عمل أئمة الحديث.

1 من (ر) وفي (هـ) و (ب) فإن.

2 من (ي) و (هـ) وفي نسختي (ر) من.

3 انظر التقييد والإيضاح ص 76-79.

4 في (ب) وأجاب وهو خطأ.

5 جامع التحصيل ص27 تحقيق حمدي السلفي.

6 جامع التحصيل ص27 تحقيق حمدي السلفي.

ص: 548

واحتجوا بأن العلماء قد أجمعوا على طلب عدالة المخبر.

وإذا روى التابعي عمن لم يلقه لم يكن بد من معرفة الواسطة.

ولم يتقيد التابعون بروايتهم عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - بل رووا عن الصحابة وغيرهم.

(ولم/ (ي143) يتقيدوا) 1 بروايتهم عن ثقات التابعين/ (ب 172) بل رووا عن الثقات والضعفاء.

فهذه النكتة في رد المرسل قاله بمعناه ابن عبد البر 2.

وقال صاحب المحصول: "الحجة في رد المرسل أن عدالة الأصل غير معلومة، لأنه لم يوجد إلا من رواية الفرع عنه. ورواية الفرع عنه لا تكون بمجردها تعديلا، لأنهم قد أرسلوا عمن سئلوا عنه فجرحوه أو توقفوا فيه.

قال: وعلى تقدير أن يكون تعديلا، فلا يقضي أن يكون عدلا في نفس الأمر، لاحتمال أنه لو سماه لعرف بالجرح/ (? 84/ب) فتبين/ (ر74/أ) أن العدالة غير معلومة"3.

فإن قيل: إن أردتم نفي العلم القطعي، فالعلم القطعي بثبوت عدالة الراوي غير مشروط، بل يكفي غلبة الظن وهي حاصلة لأن ظاهر حال الراوي أنه لما روى عنه سكت كان عدلا عنده وإلا كان ذلك قدحا فيه. وإذا كان معتقدا عدالة من أرسل عنه فالظاهر أنه كذلك في نفس الأمر.

والجواب: المنع بأنه إذا اعتقد عدالته يكون عدلا في نفس الأمر وسنده عدم التلازم بينهما، بل الواقع خلافه.

قال القاضي أبو بكر: "من المعلوم المشاهد أن المحدثين لم يتطابقوا على أن لا يحدثوا إلا عن عدل. بل نجد الكثير منهم يحدثون عن رجال، فإذا سئل

1 في جميع النسخ (ولم يتقيد) فأثبتنا ما نرى أنه الصواب لتستقيم العبارة.

2 التمهيد 1/6.

3 جامع التحصيل ص 62.

ص: 549

الواحد منهم عن ذلك الرجل قال: لا أعرف حاله بل ربما جزم بكذبه فمن أين يصح الحكم على الراوي أنه لا يرسل إلا عن ثقة عنده"1. انتهى كلامه.

فقد اختار رد المرسل مع كونه مالكيا، لكن تعليله يقتضي أن من عرف من عادته أو صريح عبارته أنه لا يرسل إلا عن ثقة أنه يقبل 2. وسيأتي تقرير هذا المذهب آخرا.

وما قاله القاضي صحيح فإن كثيرا من الأئمة وثقوا3 خلقا من الرواة بحسب اعتقادهم/ (ب/173) فيهم4 وظهر لغيرهم فيهم5 الجرح المعتبر، وهذا بيّن واضح في كتب6 الجرح والتعديل.

فإذا كان مع7 التصريح بالعدالة فكيف مع السكوت عنها.

وق فتشت كثيرا من المراسيل فوجدت عن غير العدول.

بل سئل كثير منهم عن مشايخهم، فذكروهم/ (ي144) بالجرح كقول أبي حنيفة:"ما رأيت أكذب من جابر الجعفي8 وحديثه عنه موجود".

وقول الشعبي: "حدثني الحارث الأعور وكان كذابا9/ (?85/أ) وحديثه عنه موجود".

فمن أين يصح حكم (على) 10 الراوي أنه لا يرسل إلا عن ثقة عنده على الإطلاق 11.

1 انظر جامع التحصيل ص80. وفي تحقيق حمدي السلفي ص66.

2 من (ر) وفي (?) و (ب) لا يقبل وهو خطأ.

3 في (ي) نفوا وهو خطأ.

4 في (?) فيه وهو خطأ.

5 في (?) أيضا فيه.

6 في (ب) كتاب وهو خطأ.

7 هكذا في جميع النسخ ولعل في الكلام سقطا ولعله: فإذا كان هذا مع

إلخ.

8 انظر كتاب المجروحين لابن حبان 1/209.

9 انظر كتاب المجروحين لابن حبان 1/222.

10 في جميع النسخ (عن) والصواب ما أثبتناه.

11 لكن يقال: يبعد من هؤلاء الأئمة أن يرسلوا عن الكذابين، أما روايتهم عنهم مع التصريح بذكر أسمائهم في الإسناد فيكفي أنهم قد بينوا كذبهم.

ص: 550

رابعها: قبول مراسيل الصحابة وكبار التابعين.

ويقال: إنه مذهب أكثر المتقدمين. وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه لكن شرط في مرسل كبار التابعين أن يعتضد بأحد الأوجه المشهورة1.

خامسها: كالرابع لكن من غير قيد بالكبار وهو قول مالك وأصحابه وإحدى الروايتين عن أحمد2.

سادسها: كالخامس، ولكن بشرط (/34/ب) أن يعتضد، ونقله الخطيب عن أكثر الفقهاء.

سابعها: إن كان الذي أرسل من أئمة النقل المرجوع3 إليهم في التعديل والتجريح قبل مرسله وإلا فلا. وهو قول عيسى بن أبان4 من الحنفية، واختاره أبو بكر الرازي منهم، وكثير من متأخريهم، والقاضي عبد الواهب من المالكية، بل جعله أبو الوليد الباجي شرطا عند من يقبل المرسل مطلقا5.

ثامنها: قبول مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وبقية القرون الفاضلة دون غيرهم وهو محكي عن محمد بن الحسن ويشير إليه تمثيل إمام الحرمين بما قال - فيه - الشافعي/ (ب 174) : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -6.

تاسعها: كالثامن بزيادة من كان من أئمة النقل –أيضا-.

1 انظر الرسالة ص 462-464.

2 انظر جامع التحصيل ص36 وفي تحقيق حمدي السلفي ص66 حيث عزاه لجماعة من الأصوليين وإمام الحرمين وابن الحاجب وغيرهما.

3 في (?) المرجوح وهو خطأ.

4 انظر رأي عيسى بن أبان المسودة لآل تيمية ص251.

5 المسودة لآل تيمية 251.

6 انظر جامع التحصيل للعلائي ص 19 وفيه قال إمام الحرمين: من صور المرسل أن يقول الشافعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه إضافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع السكوت عن ذكر الناقل

ص: 551

عاشرها: يقبل مراسيل من عرف منه النظر في أحوال شيوخه والتحري في الرواية عنهم دون من لم يعرف منه ذلك.

حادي عشرها: لا يقبل المرسل إلا إذا وافقه الإجماع فحينئذ يحصل الاستغناء عن السند ويقبل المرسل قاله ابن حزم في الإحكام1.

ثاني عشرها: إن كان المرسل موافقا في الجرح/ (?87/ب) والتعديل قبل مرسله كان مخالفا في شروطهما لم يقبل.

قاله ابن برهان وهو غريب2.

ثالث عشرها: إن كان المرسل عرف من عادته أو صريح عبارته أنه لا يرسل إلا عن ثقة قبل وإلا فلا.

قال/ (ي 145) الحافظ صلاح الدين العلائي في مقدمة كتاب الأحكام3 ما حاصله: "إن هذا المذهب الأخير اعدل المذاهب في هذه المسألة، فإن قبول السلف للمراسيل مشهور إذا كان المرسل لا يرسل إلا عن عدل. وقد بالغ ابن عبد البر فنقل اتفاقهم على ذلك فقال: لم يزل الأئمة يحتجون بالمرسل إذا تقارب عصر المرسل والمرسل عنه ولم يعرف المرسل بالرواية عن الضعفاء".

ونقل أبو الوليد الباجي4 الاتفاق في الشق الآخر فقال: "لا خلاف أنه لا يجوز العمل بالمرسل إذا كان مرسله غير متحرز يرسل عن الثقات وعن غير الثقات"5.

1 الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ص 192.

2 انظر جامع التحصيل ص 36 نقلا عن الغزالي.

3 انظر جامع التحصيل ص 36 وعن مخطوطة منه بالظاهرية دمشق (ق8) .

4 هو: الحافظ العلامة ذو الفنون أبو الوليد: سليمان بن خلف بن سعيد القرطبي الباجي صاحب التصانيف منها: "كتاب المعاني" و"شرح الموطأ" و"كتاب الإيماء" في الفقه. مات سنة 474، تذكرة الحفاظ 3/1182، شذرات الذهب 3/344.

5 انظر جامع التحصيل ص 44.

ص: 552

وهذا وإن كان في صحة نقل الاتفاق من الطرفين نظر فإن قبول مثل ذلك عن جمهورهم مشهور، وكذا مقابله ر 75/أففي مقدمة صحيح مسلم عن محمد بن سيرين قال:"كانوا لا يسألون عن الإسناد فلما ب 175 وقعت الفتنة سألوا عنه 1 ليجتنبوا رواية أهل البدع"2.

وفيها3 - أيضا - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه أنكر على بشير بن كعب4 أحد التابعين أحاديث أرسلها وقال:

"كنا نقبل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل أحد، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نقبل منه5 إلا ما نعرف".

كذا أنكر الزهري على ابن إسحاق بن أبي وفرة6 أحاديث أرسلها فقال: "تأتينا بأحاديث لا خطم لها ولا أزمة ألا تسند حديثك؟ "7.

ونقل إمام/ (?86/أ) الحرمين أن ذلك مذهب الشافعي - رضي الله تعالى عنه - أعني التفصيل السابق فقال:

1 في (?) عنها.

2 مقدمة صحيح مسلم ص 15.

3 أي مقدمة صحيح مسلم 13.

4 بشير بن كعب بن أبي الحميري العدوي أبو أيوب البصري ثقة مخضرم فق خ ع. تقريب (1/104) ، الكاشف 1/160.

5 في (ي) عنه وفي مقدمة مسلم ص13 "ولم نأخذ من الناس إلا ما نعرف".

6 إسحاق بن أبي وفرة المدني أبو سليمان. كاتب مصعب بن الزبي، ر وقيل إنه مولى عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل وكان أحمد بن حنبل ينهى عن حديثه مات سنة 144. كتاب المجروحين 1/131.

7 كتاب المجروحين لابن حبان 1/131-132، معرفة علوم الحديث للحاكم ص 6.

ص: 553

"إذا كان المرسل من كبار التابعين وعادته الرواية عن العدل وغيره فليس بحجة، وإن لم يرو إلا عن العدل فحجة.

قال: "ولذلك قبل الشافعي مراسيل سعيد بن المسيب، لأنه انفرد بهذه المزية".

قلت: وهذا مقتضى ما علل1 به الشافعي قبوله لمراسيل2 سعيد فإنه قال - في جواب سائل سأله3 - فقال له: "كيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا ولم تقبلوه عن غيره؟ فقال: "لأنا لا نحفظ لسعيد/ (ي 146) منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده ولا أثره عن أحد عرفنا عنه إلا عن ثقة معروف، فمن كان بمثل حاله أحببنا قبول مرسله"4.

فهذا يدل على أنه قبل مراسيل سعيد بن المسيب، لكونه كان لا يسمي إلا (عن) 5 ثقة، وأما غيره، فلم يتبين له ذلك منه، فلم يقبله مطلقا وأحال الأمر في قبوله على وجود الشرط المذكور.

وقال الغزالي في "المستصفى"6: "المختار على قياس رد المرسل أن التابعي إذا عرف بصريح خبره أو عادته أنه لا يروي إلا عن صحابي قبل مرسله وإلا فلا، لأنهم قد يروون عن غير/ (ب176) الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -".

1 من هامش (ر) وفي كل النسخ عدل.

2 سقطت كلمة "سأله" من (ب) .

3 في كل النسخ كمراسيل والصواب ما أثبتناه.

4 بحثت عن هذا النص في الرسالة فلم أجده.

5 كلمة عن ليست في (ي) و (ب) .

(1/171) وانظر جامع التحصيل ص34.

ص: 554

قلت: (ويؤيد) 1 ذلك نقل ابن حبان الاتفاق على قبوله عنعنة سفيان بن عيينة، مع أنه كان يدلس، لكنه كان مع ذلك لا يدلس إلا عن ثقة، فقبلوا عنعنته لذلك.

وقد تقدم عن القاضي أبي بكر وغيره ما يعضده ذلك - والله أعلم -.

وبهذا المذاهب يحصل الجمع بين الأدلة (لطرفي) 2 القبول والرد - والله أعلم -.

[أسباب الإرسال] :

فإن قيل/ (? 86/ب) : فما الحامل لمن كان لا يرسل إلا عن ثقة على الإرسال؟

قلنا: إن لذلك أسباباً منها:

أن يكون سمع الحديث عن جماعة ثقات وصح عنده، فيرسله اعتمادا على صحته عن شيوخه.

كما صح عن إبراهيم النخعي أنه قال: "ما حدثتكم عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - فقد سمعته من غير واحد وما حدثتكم فسميت فهو من سميت"3.

ومنها: أن يكون نسي من حدثه به وعرف المتن، فذكره مرسلا لأن أصل طريقته أنه لا يحمل إلا عن ثقة.

ومنها: أن لا يقصد التحديث بأن يذكر الحديث على وجه المذاكرة أو على جهة الفتوى، فيذكر المتن، لأنه المقصود في تلك الحالة دون السند، ولا سيما إن كان السامع عارفا بمن طوى ذكره لشهرته أو غير ذلك من الأسباب.

وهذا كله في حق من لا يرسل إلا عن ثقة.

1 في (ب) ويزيد وهو خطأ.

2 كلمة لطرفي من (ي) وهي الصواب وفي نسختي (ر) لغلو وفي (ب) نقلوا وكلاهما خطأ.

3 التمهيد (1/34) والعلل للترمذي في الجزء الخامس ص 755.

ص: 555

وأما من كان يرسل عن كل أحد فربما كان الباعث له على الإرسال ضعف من حدثه، لكن هذا يقضي القدح في فاعله لما تترتب عليه من الخيانة - والله أعلم –

فإن/ (ي 147) قيل: فهل1 عرف أحد غير ابن المسيب كان لا يرسل إلا عن/ (ب ص 177) ثقة.

قلنا: نعم، فقد صحح الإمام أحمد مراسيل إبراهيم النخعي لكن خصه غيره بحديثه عن ابن مسعود2 - رضي الله تعالى عنه - كما تقدم3.

وأما مراسيله عن غيره، فقال يحيى القطان:"كان شعبة يضعف مرسل إبراهيم النخعي عن علي4 - رضي الله تعالى عنه –".

وقال يحيى بن معين: "مراسيل إبراهيم النخعي صحيحة إلا حديث تاجر البحرين وحديث القهقهة".

قلت: وحديث القهقهة مشهور رواه الدارقطني5 وغيره من طريقه.

وقد أطنب البيهقي في الخلافيات في ذكر طرقه وعلله6.

1 كلمة فهل من (ي) وفي باقي النسخ فقد.

2 لكن قال الذهبي: "قلت الذي استقر عليه الأمر أن إبراهيم حجة، وأنه إذا أرسل عن ابن مسعود وغيره فليس ذلك حجة". ميزان العتدال 1/75.

3 انظر ص 344.

4 المراسيل لابن أبي حاتم 12.

5 السنن 1/171 حديث 43-44 من باب أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها وكان الدارقطني قد خرج الحديث من عدة طرق مدارها على أبي العالية وغيره، وبين عللها ثم قال بعد أن أخرجه من طريق إبراهيم النخعي: قال أبو الحسن: "رجعت هذه الأحاديث كلها التي قدمت ذكرها في الباب إلى أبي العالية الرياحي، وأبو العالية فأرسل هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم ولم يسم بينه وبينه رجلا سمعه منه عنه، وقد روى عاصم الأحول عن محمد بن سيرين وكان عالما بأبي العالية وبالحسن، فقال: "لا تأخذوا بمراسيل الحسن ولا أبي العالية فإنهما لا يباليان عمن أخذا".

6 تكلم البيهقي في معرفة السنن (1/ل50) على حديث الوضوء من الكلام والضحك في الصلاة من طريق أبي العالية وابن سيرين وإبراهيم النخعي، وبين أنه لا يثبت متصلا وإنما هو مرسل.

ص: 556

وأما حديث تاجر البحرين، فأشار به إلى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"1 عن وكيع عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي قال:"إن رجلا قال يا رسول الله! إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين فأمره أن يصلى ركعتين".

وقال البيهقي: "من المعلوم أن إبراهيم ما سمع من أحد من الصحابة، فإذا حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يكون بينه وبينه اثنان أو أكثر فيتوقف في قبوله من هذه الحيثية، وأما إذا حدث عن الصحابة، فإن كان ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه - فقد صرح هو بثقة شيوخه عنه وأما عن غيره فلا - والله أعلم –".

وصحح ابن عبد البر مراسيل محمد بن سيرين قال: "لأنه كان يتشدد في الأخذ ولا يسمع إلا من ثقة"2.

وقى يحيى القطان مراسيل سعيد بن جبير/ (ر76/أ) ومراسيل عمرو بن دينار.

والمحفوظ عن كثير من الأئمة في مقابل ذلك شيء كثير لا يسعه هذا المختصر ومن أراد التبحر فليراجع مختصري لتهذيب الكمال/ (ب 178) - والله الموفق -.

[هل يجوز تعمد الإرسال] :

فإن قيل: هل يجوز تعمد الإرسال أو يمنع3؟

قلنا: لا يخلو المرسل أن يكون شيخ من أرسل الذي حدث به:

أ- عدلا عنده وعند غيره.

1 2/445 عن إبراهيم النخعي مرسلا، وانظر شرح علل الترمذي ص 231.

2 في التمهيد 1/30 قال: "فمراسيل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي عندهم صحاح".

3 كلمة أو يمنع سقطت من (ب) .

ص: 557

ب- أو غير عدل عنده وعند غيره1.

ج- أو عدلا عنده لا عند غيره.

د- أو غير عدل عنده عدلا عند غيره.

هذه أربعة أقسام:

الأول: جائزة بلا خلاف.

والثاني: ممنوع بلا خلاف.

وكل من الثالث والرابع يحتمل/ (ي 148) الجواز وعدمه.

وتردد2 بينهما بحسب الأسباب الحاملة عليه - والله سبحانه وتعالى أعلم -.

31-

قوله (ع) : "وما ذكر في حق من سمى من صغار التابعين أنهم لم يقلبوا من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - إلا الواحد والاثنين ليس بصحيح بالنسبة إلى الزهري"3.

قلت: تمثيله بالزهري في صغار التابعين صحيح.

فإنه لا يلزم من كونه لقي كثيرا من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - أن يكون من لقيهم من كبار الصحابة حتى يكون هو من كبار التابعين فإن جميع من سموه من مشايخ الزهري من الصحابة كلهم من صغار الصحابة أو ممن لم يلقهم الزهري وإن كان روى عنهم أو ممن لم تثبت له صحبة، وإن ذكر في الصحابة أو من ذكر فيهم بمقتضى مجرد الرؤية مجرد الرؤية ولم يثبت4 له سماع، فهذا

1 هذه الفقرة سقطت من (هـ) و (ب) .

2 كذا في جميع النسخ ولعله: وتردده.

3 التقييد والإيضاح ص72 وقد عد العراقي سبعة عشر صحابيا ممن سمع منهم الزهري ثم قال: فهؤلاء سبعة عشر ما بين صحابي ومختلف في صحبته وقد تنبه المصنف لهذا الاعتراض فأملى حاشية على هذا المكان من كتابه فقال: "قوله الواحد والاثنين كالمثال وإلا فالزهري قد قيل إنه رأى عشرة من الصحابة وسمع منهم

".

4 في (هـ) وما ثبت.

ص: 558

حكم1 جميع من ذكر من الصحابة في مشايخ الزهري إلا أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - وإن كان من المكثرين فإنما لقيه، لأنه عُمّر وتأخرت وفاته.

ومع ذلك فليس الزهري من المكثرين عنه، ولا أكثر - أيضا - عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله تعالى عنه -/ (76/ب) فتبين أن الزهري ليس من كبار التابعين.

وكيف يكون منهم وإنما جل روايته/ (ب 179) عن كبار التابعين لا كله؛ لأن أكثرهم مات قبل أن يطلب هو العلم.

وهذا بيّن لمن نظر في أحوال الرجال2 - والله الموفق -.

65-

قوله: "وأبي حازم"3.

اعترض عليه مغلطاي وتبعه شيخنا شيخ الإسلام في "محاسن الاصطلاح"4 بأنه ليس من صغار التابعين، فإنه سمع من الحسن بن علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر وغيرهم- رضي الله عنهم.

قلت: وهو اعتراض فيه نظر، لأن ان الصلاح إنما أراد أبا حازم سلمة بن دينار المدني5، وهو لم يلق من الصحابة سوى سهل بن سعد وأبي أمامة ابن سهل رضي الله عنهما فقط، وأرسل عن من لم يلقه من الصحابة، وجل روايته عن التابعين وأما الذي سمع من الحسن بن علي

1 من (ر) وفي باقي النسخ فهذا حكم حكم. والصواب ما في (ر) .

2 نقل الصنعاني هذا النص في توضيح الأفكار 1/286 من قوله تمثيله بالزهري إلى هنا.

3 مقدمة ابن الصلاح ص48.

4 ص 135 بهامش مقدمة ابن الصلاح.

5 سلمة ابن دينار: الإمام أبو حزم المدني الأعرج أحد الأعلام عن سهل بن سعد وابن المسيب وعنه مالك وأبو ضمرة قال أبن خزيمة: "ثقة لو يكن في زمانه مثله، توفي سنة/ (130/ع) ، وقيل سنة 132. الكاشف 1/383، تقريب 1/316.

ص: 559

- رضي الله عنهما فهو أبو حزم الأشجعي/ (ي 149) مولى عزة واسمه: سلمان1. وهو من مشايخ الزهري، وإنما حصل الاشتباه لأن المصنف لم يذكر أبا حازم سلمة بصفة تميز عن أبي حازم سلمان لكن قرائن الحال (تقضي) 2 أنه إنما عناه ولو لم يكن إلا في تقديمه الزهري عليه في الذكر، فإن أبا حازم الأشجعي في منزلة شيوخ الزهري في الطبقة - والله أعلم -.

66-

قوله (ص) : "وهذا المذهب فرع لمذهب من لا يسمى المنقطع مرسلا"3.

لا يعني مذهب من يعد رواية صغار التابعين منقطعة.

اعترض عليه شيخنا الإسلام فقال: "هذا فيه نظر بل هو أصل يتفرع ما ذكر انه يتفرع منه"4.

وأقول: وهذا من (مشترك الإلزام)5.

ويظهر لي أن ابن الصلاح لما رأى كثرة القائلين/ (ب 180) من المحدثين/ (ر 77/أ) بأن المنقطع لا يسمى مرسلا، لأن المرسل يختص عندهم بما ظن منه السقوط الصحابي فقط جعل قول من قال منهم: إن رواية التابعي الصغير إنما تسمى منقطعة لا مرسلة مفرعا 6 عنه، لأنه مما يظن (أنه سقط) 7 منه الصحابي والتابعي - أيضا -.

1 سلمان أبو حزم الأشجعي مولى عزة جالس أبا هريرة خمس سنين وعنه محمد بن عجلان والأعمش، توفي سنة 101/ع. الكاشف 1/382، تهذيب التهذيب 4/140 وفيه روى عن الحسن والحسين رضي الله عنهما.

2 في كل النسخ يتبغي وفي هامش (ر) تقضي فأثبتناه لأنه الصواب.

3 مقدمة ابن الصلاح ص 48.

4 محاسن الاصطلاح ص 135.

5 ما بين القوسين كذا في جميع النسخ.

6 في (ب) تفرعا.

7 في (ر)"أنه مما سقط".

ص: 560

فإن قيل: فعلى هذا كان ينبغي لهم تسميته معضلا لا منقطعا كما سيأتي في تعريف المعضل أنه الذي سقط منه اثنان فصاعدا.

قلنا1: ذاك حيث يتحقق ذلك أم مع الاحتمال فلا يسمى معضلا.

والتحرير أنه لا يسمى منقطعا - أيضا - فرجع إلى قول جمهورهم أنه لا فرق بين التابعي الكبير والصغير في إطلاق اسم الإرسال على مروي كل منهما- والله أعلم -.

[هل سمي الإسناد منقطعا إذا كان فيه مبهم] :

67-

قوله (ص) : "إذا قيل في الإسناد عن رجل أو عن شيخ ونحوه، فالذي ذكره الحاكم أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا"2.

فيه أمران:

أحدهما: أنه لم ينقل كلام الحاكم على وجهه بل أخل منه بقيد/ (88/ب) وذلك أن كلام الحاكم يشير إلى تفصيل فيه وهو: إن كان لا يروى إلا من طريق واحدة مبهمة فهو يسمى منقطعا، وإن روي من طريق مبهمة وطريق مفسرة/ (ي150) ، فلا تسمى منقطعة 3 لمكان الطريق المفسرة.

وذلك لأنه قال في نوع المنقطع4: "وقد يروى الحديث وفي إسناده رجل ليس بمسمى5 فلا يدخل في المنقطع مثاله: رواية سفيان الثوري عن داود بن أبي هند قال: حدثنا شيخ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 كلمة "قلنا" من (ر /أ) وفي باقي النسخ "فأما".

2 مقدمة ابن الصلاح ص 49.

3 في (ي) فلا يسمى منقطعا.

4 معرفة علوم الحديث ص 28.

5 في (ب)(بمبهم) وهو خطأ.

ص: 561

"يأتي على الناس زمان يخير الرجل فيه بين العجز والفجور فمن أدرك ذلك الزمان/ (ب181) 1 فليختر العجز".

قال رواه وهب بن خالد2 وعلي بن عاصم3 عن داود بن أبي هند قال: حدثني رجل من جديلة/ (ر77/ب) يقال له: أبو عمرو عن أبي هريرة رضي الله عنه به".

قال الحاكم: "فهذا النوع الوقوف4 عليه متعذر إلا على الحفاظ المتبحرين".

قلت: فتبين بهذه الرواية المفسرة أنه لا انقطاع في رواية سفيان، وأما إذا جاء في رواية واحدة مبهمة فلم يتردد الحاكم في تسميته منقطعا وهو قضية صنيع أبي داود في "كتاب المراسيل" وغيره.

الثاني: لا يخفى أن صورة المسألة أن يقع ذلك من غير التابعي، أما لو قال التابعي عن رجل، فلا يخلو إما أن يصفه بالصحبة أم لا، إن لم يصفه بالصحبة فلا يكون ذلك متصلا لاحتمال أن يكون تابعيا آخر، بل هو مرسل على بابه.

وإن وصفه بالصحبة، فقد حكى شيخنا كلام أبي بكر الصيرفي في ذلك وأقره5. وفيه نظر؛ لأن التابعي إذا كان سالما من التدليس حملت عنعنته على

1 كلمة الزمان ليست في (ب) .

2 وهب بن خالد ليس له ذكر في هذا الإسناد في معرفة علوم الحديث وقد روى الحافظ هذا النص بشيء من التصرف.

3 علي بن عاصم بن صهيب الواسيطي التميمي مولاهم صدوق يخطئ ويصر، ورمي بالتشيع من التاسعة، مات سنة 201 /دتق. تقريب (2/39) ، تهذيب التهذيب 7/344.

4 في (هـ) و (ب) الموقوف وهو خطأ.

5 التقييد والإيضاح ص 74 قال العراقي: "فرق أبو بكر الصيرفي من الشافعية في "كتاب الدلائل" بين أن يرويه التابعي عن الصحابي معنعنا أو مع التصريح بالسماع فقال: وإذا قال في الحديث بعض التابعين عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل لأني لا اعلم سمع التابعي من ذلك الرجل إذ قد يحدث التابعي عن رجل وعن رجلين عن الصحابي ولا أدري هل أمكن لقاء ذلك الرجل أم لا؟ فلو علمت إمكانه مكنه لجعلته كمدرك العصر قال: وإذا قال: سمعت رجلا من أصحاب صلى الله عليه وسلم قبل لأن الكل عدول، - قال العراقي -: "انتهى كلام الصيرفي وهو حسن متجه".

ص: 562

السماع وإن قلت هذا إنما يتأتى في [حق] 1 كبار التابعين الذين جل روايتهم عن الصحابة بلا واسطة، وأما صغار التابعين الذين جل روايتهم عن التابعين، فلا بد من تحقق إدراكه لذلك الصحابي والفرض أنه لم يسمع حتى يعلم هل أدركه أم لا 2؟

فينقدح3 صحة ما قال الصيرفي.

قلت: سلامته من التدليس كافية في ذلك إذ مدار هذا على قوة الظن به وهي حاصلة في هذا المقام - والله أعلم -32- قوله/ (ي 151)(ع) 4: "بل زاد البيهقي، فجعل ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة لم يسم مرسل/ (ب182) وليس هذا بجيد منه، اللهم إلا إن كان يسميه مرسلا، ويجعله حجة كمراسيل الصحابة رضي الله عنهم فهو قريب".

قلت: يريد شيخنا أن يجعل الخلاف من البيهقي لفظيا، وهو توجيه جيد وقد صرح البيهقي بذلك في "كتاب المعرفة"5 في الكلام على القراءة خلف

1 الزيادة من (ي) .

2 كلمة (لا) سقطت من (ر) .

3 في (ب) فيقدح.

4 التقييد والإيضاح ص 74.

5 يريد الحافظ كلام البيهقي على حديث محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلكم تقرؤون والإمام يقرأ

" الحديث، ثم قال البيهقي: "إسناده صحيح، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم ثقات، فترك ذكر أسمائهم لا يضر إذا لم يعارضه ما هو أصح منه".

نقلا عن الجوهر النقي (1/191) بهامش السنن الكبرى للبيهقي ثم وجدت هذا الكلام في "كتاب المعرفة" للبيهقي (1/ل 121) .

ص: 563

الإمام، لكنه خالف ذلك في "كتاب السنن"1 فقال:

- في حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري - حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الوضوء بفضل المرأة. "وهذا حديث مرسل".

أورد ذلك في معرض رده معتذرا عن الأخذ به ولم يعلله إلا بذلك وهذا مصير منه2 إلى أن عدم تسمية الصحابي يضر في اتصال الإسناد.

فإن قيل: هذا خاص فكيف يستنبط منه العموم في كل ما هذا سبيله؟

قلت: لأنه لم يذكر للحديث علة سوى ذلك ولو كان له علة غير هذا لبينها، لأنه في مقام البيان3.

وقد بالغ صاحب الجوهر4 النقي في الإنكار على البيهقي بسبب ذلك، وهو إنكار متجه5 - والله أعلم -.

(1/190) ولفظ الحديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم

أو تغتسل المرأة بفضل الرجل، والرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعا". قال البيهقي- عقبه -: "هذا الحديث رواته ثقات إلا أن حميدا لم يسم الصحابي الذي حدثه فهو بمعنى المرسل إلا أنه مرسل جيد لولا مخالفته للأحاديث الثابتة الموصولة قبله، وداود بن عبد الله الأودي لم يحتج به الشيخان - رحمهما الله تعالى -.

2 كلمة منه سقطت من (ب) .

3 بل علله البيهقي بعلتين أخريين:

1-

بمخالفته للأحاديث الثابتة الموصولة قبله.

2-

وبكون داود بن عبد الله الأودي لم يحتج به الشيخان. السنن 1/190 وانظر الصفحة السابقة لهذه الصفحة.

4 في جميع النسخ "الدر النقي" والصواب ما أثبتناه، والكتاب مشهور.

5 خلاصة رد ابن التركماني صاحب الجوهر النقي في الرد على البيهقي متناقض في الحكم على هذا النوع (وهو قول التابعي حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كذا) فتارة يقول البيهقي: إنه بمعنى المرسل وتارة يسميه منقطعا وتارة يقول: إسناد صحيح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم ثقات فترك ذكر أسمائهم في الإسناد لا يضر إذا لم يعارضه ما هو أصح منه. الجوهر النقي بهامش سنن البيهقي الكبرى 1/191.

ص: 564

68-

قوله (ص) : "حكم المرسل حكم الحديث الضعيف".

اعترض عليه بأنه قرر في النوع الأول أن البخاري إذا علق/ (89/ب) الحديث جازما1 على2 من علقه عنه دل ذلك على صحة الإسناد بينه وبين من علقه عنه.

وقضية ذلك أن من يجزم من أئمة التابعين عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث يستلزم صحة ما بينه وبينه، فكيف أطلق الحكم بالضعف على جميع المراسيل؟

والجواب: أن يقال: إنما اختص البخاري بذلك، لأنه التزم الصحة في كتابه بخلاف غيره من أئمة التابعين فإنهم لم يلتزموا ذلك، فلا3 بقال: لم يطرد المصنف ذلك في حق البخاري، لأنه قال-فيما أورده في/ (ي152) كتابه بصيغة التمريض أن ليس فيه حكم بالصحة على من علقه عنه 4، لأنا لا5 نسلم ذلك له6، بل كل ما أورده البخاري في كتابه مقبول إلا أن درجاته متفاوتة في الصحة، ولتفاوتها خالف بين العبارتين/ (ر78/ب) في الجزم والتمريض إلا في مواضع يسيرة جدا أوردها وتعقبها بالتضعيف أو التوقف في صحتها كما سبق موضحا - والله اعلم -.

1 في (ب)(جزما) .

2 في (ي)(عن) .

3 في (هـ)(ولا) .

4 كلمة (عنه) من (ي) وفي باقي النسخ (منه) وهو خطأ.

5 في (هـ) و (ر)(لم) .

6 كلمة (له) سقطت من (ب) .

ص: 565

69-

قوله (ص) : "إلا أن يصح مخرجة بمجيئه من وجه آخ" 1

إلى آخره.

قد استنكر هذا جماعة من الحنفية ومال معهم طائفة من الأصويين كالقاضي أبي بكر وطائفة من الشافعية.

وحجتهم أن الذي يأتي من وجه إما أن يكون مرسلا أو مسندا. إن كان مرسلا فيكون ضعيف انضم إلى ضعيفا فيزداد ضعفا2.

وجواب هذا ظاهر على قواعد المحدثين على ما مهدناه في الكلام على الحديث الحسن.

وحاصله: أن المجموع حجة لا مجرد المرسل وحده ولا المنضم وحده، فإن حالة الاجتماع تثير ظنا غالبا وهذا شأن لكل 3 ضعيفين اجتمعا كما تقدم.

ونظيره خبر الواحد إذا احتفت به القرائن يفيد العلم عند/ (90/أ) قوم كما تقدم.

ومع أنه لا يفيد ذلك بمجرده ولا القرائن بمجردها. قالوا: وإن كان مسندا فالاعتماد عليه، فيقع المرسل لغوا، وقد قوى ابن الحاجب الإيراد الثاني.

وقد أجاب عنه المصنف بقوله: إنه بالمسند يتبين صحة الإسناد الذي فيه الإرسال حتى يحكم له مع إرساله بكونه صحيحا/ (ب184)4.

وأجاب عنه الشيخ محي الدين بجواب آخر5 ذكره شيخنا، وهو أنه يفيد [قوة] 6 عند التعارض.

1 مقدمة ابن الصلاح (ص 49) يعني المرسل وقبله قوله: "ثم اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف".

2 انظر جامع التحصيل 1/42.

3 في (ي) كل.

4 مقدمة ابن الصلاح ص49.

5 التقريب للنووي مع تدريب الراوي ص120.

6 الزيادة من ر/أ.

ص: 566

قلت: وظهر لي جواب آخر وهو: أن المراد بالمسند الذي يأتي من وجه آخر ليعضد المرسل ليس هو المسند الذي يحتج به على انفراده بل هو الذي يكون فيه مانع من الاحتجاج به على انفراده مع صلاحيته للمتابعة.

فإذا وافقه مرسل لم يمنع من الاحتجاج به إلا إرساله عضد كل منهما الآخر 1، تبين/ (ي 153) بهذا أن فائدة مجيء هذا المسند لا يستلزم أن يقع المرسل لغوا - والله الموفق -.

وقد كنت أتبجح بهذا الجواب وأظن أنني لم أسبق إلى تحريره حتى وجدت نحوه في المحصول للإمام فخر الدين. فإنه ذكر هذه المسألة ثم قال: "هذا في سند لم تقم به الحجة في إسناده"2.

قلت: فازددت لله شكرا على هذا الوارد - والله الموفق -.

70-

قوله (ص) : "وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ أهل الحديث"

إلى آخره 3

اعترض عليه مغلطاي بأن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري ذكر أن التابعين أجمعوا بأسرهم على قبول المرسل، ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين.

قال ابن عبد البر: "يشير أبو جعفر بذلك إلى الشافعي4 رضي الله عنه –" انتهى.

وكذا نقل ابن الحاجب في مختصره إجماع التابعين/ (? 90/ب) على قبول المرسل

1 ولكن يقال: إن القائلين بأن المرسل يعتضد إذا جاء من وجه آخر مسندا لم يشترطوا هذا الشرط.

2 انظر شرح الأسنوي للمنهاج 2/267 فإنه نقل معناه عن المحصول ثم وجدته في المحصول (2/ل 78) مصورة في الجامعة الإسلامية عن مخطوطة بدار الكتب برقم 130 أصول الفقه.

3 مقدمة ابن الصلاح ص49، وتمامه:"ونقاد الأثر وقد تداولوه في تصانيفهم".

4 التمهيد (1/4) .

ص: 567

لكنه مردود على مدعيه، فقد قال سعيد بن المسيب - وهو من كبار التابعين-: إن المرسل ليس بحجة.

نقله عنه الحاكم، وكذا تقدم نقله عن محمد بن سيرين وعن الزهري وكذا كان يعيبه شعبة وأقرانه والآخذون عنه كيحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وغير واحد1 وكل هؤلاء قبل الشافعي.

ونقله الترمذي2 عن أكثر أهل الحديث.

وكذا ما وقع في رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصف السنن قال: "وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه تابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره"3.

قلت: فبان أن دعوى الإجماع مطلقا أو إجماع التابعين مردودة. وغايته أن الاختلاف كان من التابعين ومن بعدهم.

وما نقله أبو داود عن/ (ر79/ب) مالك ومن معه معارض بما نقلناه عن / (ي154) شعبة ومن معه، ولم يزل الخلاف موجودا، لكن المشهور عن أهل الحديث خاصة عدم القول بالمرسل- والله أعلم -.

تنبيه:

تقدم النقل عن ابن عبد البر وغيره4 أن من قال بالمرسل لا يقول به على الإطلاق، بل شرطه أن يكون المرسل ممن يحترز في الرواية، أما من كان يكثر

1 انظر جامع التحصيل 1/95.

2 العلل للترمذي آخر الجزء الخامس من السنن ص 752.

3 الرسالة لأبي داود ضمن مجموع بالمكتبة الظاهرية بدمشق رقم 348، وهذا النص في ورقة 189، وفي المطبوعة بتحقيق الصباغ ص 24.

4 انظر ص 552.

ص: 568

الرواية عن الضعفاء أو عرف من شأنه أنه يرسل عن الثقات والضعفاء، فلا يقبل مرسله مطلقا.

وممن حكاه - أيضا- أبو بكر الرازي من الحنفية.

وهذا وارد على إطلاق المصنف النقل عن المالكية والحنفية أنهم يقبلون المرسل مطلقا، وكذا نقل الحاكم عن مالك أن المرسل عنده ليس بحجة1، وهو نقلم (?91/أ) مستغرب، والمشهور خلافه 2 - والله أعلم -.

ثم لا يخفى أن محل قبول المرسل عند من يقبله إنما هو حيث يصح باقي الإسناد، أما إذا أشتمل على علة أخرى فلا يقبل، فهذا واضح ولم يذكر المصنف مذهب أحمد بن حنبل في المرسل، والمشهور عنه الاحتجاج به3 لأنه4 في رسالة أبي داود كما ترى أن أحمد وافق الشافعي على عدم الاحتجاج به. واقتضى إطلاق المصنف النقل عن المالكية والحنفية أنهم (يقبلونه) 5 مطلقا وليس كذلك، فإن عيسى بن أبان وابن الساعاتي وغيرهما من الحنفية وابن الحاجب ومن تبعه من المالكية لا يقبلون منه إلا ما أرسله إمام من أئمة النقل، بل رده القاضي الباقلاني6 مطلقا ونازع في قبوله إذا اعتضد - أيضا -.

وقال: الصواب رده مطلقا وهو من أئمة المالكية- والله أعلم -.

33-

قوله (ع) : "بل الصواب أن يقال: لأن أكثر رواياتهم- يعني/ (ر80/أ)

1 لم أجده في معرفة علوم الحديث.

2 انظر التمهيد لابن عبد البر 1/2.

3 انظر المسودة لآل تيمية ص250.

4 كذا في (ر) وفي باقي النسخ "ولأنه" والظاهر إلا أنه.

5 في جميع النسخ يردونه والصواب يقبلونه لأن عبارة المصنف ص50: "والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما رحمهم الله في طائفة" وهو المعروف الواضح من مذهب الإمامين ومن تبعهما إلا من استثناهم الحافظ فإنهم لا يقبلونه إلا بشرط.

6 المستصفى 1/107.

ص: 569

الصحابة - عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - إذ قد سمع جماعة من الصحابة من بعد التابعين"1.

قلت: وهو تعقب صحيح، لكن ألزم بعض الحنفية من يرد المرسل بأنه يلزم على أصلهم عدم قبول مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -.

وتقرير ذلك أنه إذا لم/ (ي155) يعلم أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم احتمل أن يكون سمعه منه، أو من صحابي آخر، أو من تابعي ثقة، أو من تابعي ضعيف، فكيف يجعل حجة والاحتمال قائم؟

والانفصال عن ذلك أن يقال: قول الصحابي: قال2 - رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر في أنه سمعه منه أو من صحابي آخر، فالاحتمال أن يكون سمعه من تابعي ضعيف نادرا جدا لا يؤثر في الظاهر، بل حيث رووا عن من هذا سبيله بينوه 3 وأوضحوه.

وقد تتبعت روايات الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - عن التابعين/ (91/ب) وليس فيها من رواية صحابي عن تابعي ضعيف في الأحكام شيء يثبت. فهذا يدل على ندور أخذهم عن من يضعف من التابعين - والله أعلم -.

34-

قوله (ع) : "فإن المحدثين وإن ذكروا مراسيل الصحابة- رضي الله عنهم فإنهم/ (ب187) لم يختلفوا في الاحتجاج بها"4.

1 التقيد والإيضاح ص75 قال العراقي هذا الكلام تعقبا على قول ابن الصلاح: "ثم أنا لم نعد في أنواع المراسيل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابي مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه؛ لأن ذلك في حكم الموصول المسند؛ لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة، لأن الصحابة كلهم عدول - والله اعلم -".

2 في كل النسخ قول والصواب ما أثبتناه.

3 كلمة بينوه سقطت من (ب) و (هـ) .

4 التقييد والإيضاح ص 80 وقبله: "وفي بعض شروح المنار في الأصول الحنفية دعوى الاتفاق على الاحتجاج بها" ونقل الاتفاق مردود..الخ.

ص: 570

قلت: في إطلاق هذا النفي عن المحدثين نظر، فإن أبا الحسن ابن القطان صاحب "بيان الوهم والإيهام" منهم وقد رد أحاديث من مراسيل عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - ليست لها علة إلا ذلك.

منها: حديث جابر في صلاة جبريل عليه الصلاة والسلام بالنبي صلى الله عليه وسلم -1 وغير ذلك - والله أعلم -.

35-

قوله (ع) : "ودعوى الاتفاق مردود بقول الأستاذ أبي إسحاق رحمه الله –"2.

قلت: قد صرح غيره بأن الاتفاق ر80/ب كان حاصلاً قبل الأستاذ فجعل الأستاذ محجوبا بذلك.

وفي ذلك نظر، فقد قدمنا قبل3 في الكلام على المرسل عن جماعة من أئمة الأصول بما يقتضي موافقة الأستاذ وفيهم من هو قبله، فلم ينفرد بذلك في الجملة - والله أعلم -.

1 بيان الوهم والإيهام قسم 2/ج2، ورقة 249.

2 التقييد والإيضاح ص80.

3 كلمة قبل سقطت من (ب) .

ص: 571