الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المكر وصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وبر الوالدين، فأي عبد اتخذ في هذه الدار مفتاحاً صالحاً من التوحيد وركب فيه أسناناً من الأوامر جاء يوم القيامة إلى باب الجنة ومعه مفتاحها الذي لا يفتح إلا به فلم يعقه عن الفتح عائق، اللهم إلا أن تكون له ذنوب وخطايا وأوزار لم يذهب عنه أثرها في هذه الدار بالتوبة والاستغفار، فإنه يحبس عن الجنة حتى يتطهر منها، وان لم يطهره الموقف وأهواله وشدائده فلا بد من دخول النار ليخرج خبثة فيها ويتطهر من درنه ووسخه، ثم يخرج منها فيدخل الجنة فإنها دار الطيبين لا يدخلها إلا طيب.
قال سبحانه وتعالى {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة} وقال تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} فعقب دخولها على الطيب بحرف الفاء الذي يؤذن بأنه سبب للدخول أي بسبب طيبكم قيل لكم ادخلوها.
وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشئ لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث.
ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبيث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقي إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض.
الالتفات في الصلاة
وقوله في الحديث «وأمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت» الالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان.
(احدهما) التفات القلب عن الله عز وجل إلى غير الله تعالى (الثاني) التفات البصر وكلاهما منهي عنه.
ولا يزال الله مقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته، فإذا التفت بقلبه أو بصره أعرض الله تعالى عنه.
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في صلاته فقال «
اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» وفي أثر يقول الله تعالى: (إلى خير مني، إلى خير مني؟) ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه أو مثل رجل قد استدعاه السلطان فأوقفه بين يديه وأقبل يناديه ويخاطبه، وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يميناً وشمالاً وقد انصرف قلبه عن السلطان فلا يفهم ما يخاطبه به، لأن قلبه ليس حاضراً معه، فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان؟ أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتاً مبعداً قد سقط من عينيه؟
فهذا المصلي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله تعالى في صلاته الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه فامتلأ قلبه من هيبته، وذلت عنقه له، واستحى من ربه تعالى أن يقبل على غيره أو يلتفت عنه.
وبين صلاتيهما كما قال حسان عطية: إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة وأن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض، وذلك أن أحدهما مقبل على الله عز وجل والآخر ساه غافل.
فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله وبينه حجاب لم يكن إقبالاً ولا تقريباً، فما الظن بالخالق عز وجل؟ وإذا أقبل على الخالق عز وجل وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس والنفس مشغوفة بها ملأى منها فكيف يكون ذلك إقبالاً وقد ألهته الوساوس والأفكار وذهبت به كل مذهب؟ والعبد إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه، فإنه قد قام في أعظم مقام وأقربه وأغيظه للشيطان وأشده عليه، فهو يحرص ويجتهد أن لا يقيمه فيه، بل لا يزال به يعده ويمنيه وينسيه ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يهون عليه شأن الصلاة فيتهاون بها فيتركها.
فإن عجز عن ذلك منه وعصاه العبد وقام في ذلك المقام أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويحول بينه وبين قلبه، فيذكره في الصلاة ما لم يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان قد نسي شئ والحاجة وأيس منها فيذكره إياها في الصلاة ليشغل قلبه بها ويأخذه عن الله عز وجل، فيقوم فيها بلا قلب، فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل الحاضر بقلبه في صلاته، فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله لم تخف عنه بالصلاة، فإن الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها، وأكمل خشوعها، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقابله.
فهذا إذا انصرف منها وجد