الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ويهيج المحبة ويثير الحياء ويبعث على المخافة ويدعو إلى المراقبة ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً منها فثمرته ضعيفة.
الفصل الثاني الذكر أفضل من الدعاء
(الفصل الثاني) الذكر أفضل من الدعاء.
الذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته.
فأين هذا من هذا؟
ولهذا جاء في الحديث «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته.
كما في حديث فضالة بن عبيد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما بشاء» رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه الحاكم في صحيحه.
وهكذا دعاء ذي النون عليه السلام قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم «دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربته: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} » وفي الترمذي «دعوة أخي ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت {لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين} فإنه لم يدع بها مسلم قط إلا استجاب له» .
وهكذا عامة الأدعية النبوية على قائلها أفضل الصلاة والسلام، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في دعاء الكرب «لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم» ومنه حديث بريدة الأسلمي الذي رواه أهل السنن وابن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو وهو يقول: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد فقال: والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا
دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» وروى أبو داود والنسائي من حديث أنس «أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، ولا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه هذا الثناء والذكر، وأنه اسم الله الأعظم فكان ذكر الله عز وجل والثناء عليه أنجح ما طلب به العبد حوائجه.
وهذه فائدة أخرى من فوائد الذكر والثناء، أنه يجعل الدعاء مستجاباً.
فالدعاء الذي تقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان أبلغ في الإجابة وأفضل، فإنه يكون قد توسل المدعو بصفات كماله وإحسانه وفضله، وعرض بل صرح بشدة حاجته وضرورته وفقره ومسكنته، فهذا المقتضى منه، وأوصاف المسئول مقتضى من الله، فاجتمع المقتضي من السائل والمقتضى من المسؤول في الدعاء، وكان أبلغ وألطف موقعاً وأتم معرفة وعبودية.
وأنت ترى في المشاهد ـ ولله المثل الأعلى ـ أن الرجل إذا توسل إلى ما يريد معروفة بكرمه وجوده وبره وذكر حاجته هو وفقره ومسكنته كان أعطف لقلب المسؤول وأقرب لقضاء حاجته.
فإذا قال له: أنت جودك قد سارت به الركبان، وفضلك كالشمس لا تنكر ونحو ذلك، وقد بلغت بي الحاجة والضرورة مبلغاً لا صبر معه ونحو ذلك، كان أبلغ في قضاء حاجته من أن يقول ابتداء أعطني كذا وكذا.
فإذا عرفت هذا فتأمل قول موسى صلى الله عليه وسلم في دعائه {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} وقول ذي النون في دعائه {لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين} وقول أبينا آدم {ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} وفي الصحيحين أن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي، فقال: «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر