المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الهوى لا يشم لا هذا ولا هذا، بل زكامه يحمله - الوابل الصيب - ط دار الحديث

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌السعادة بثلاث: شكر النعمة، والصبر على البلاء، والتوبة من الذنب

- ‌استقامة القلب

- ‌(دلائل تعظيم الأمر والنهي)

- ‌الالتفات في الصلاة

- ‌والمقبول من العمل قسمان

- ‌والناس في الصلاة على مراتب خمسة:

- ‌(أنواع القلوب)

- ‌(خلوف فم الصائم)

- ‌(الصدقة وآثارها)

- ‌ذكر الله وفوائده

- ‌وفي الذكر أكثر من مائة فائدة:

- ‌(إحداها)

- ‌(الثانية)

- ‌(الثالثة)

- ‌(الرابعة)

- ‌(الخامسة)

- ‌(السادسة)

- ‌(السابعة)

- ‌(الثامنة)

- ‌(التاسعة)

- ‌(العاشرة)

- ‌(الحادية عشرة)

- ‌(الثانية عشرة)

- ‌(الثالثة عشرة)

- ‌(الرابعة عشرة)

- ‌(الخامسة عشرة)

- ‌(السادسة عشرة)

- ‌(السابعة عشرة)

- ‌(الثامنة عشرة)

- ‌(التاسعة عشرة)

- ‌(العشرون)

- ‌(الحادية والعشرون)

- ‌(الثانية والعشرون)

- ‌(الثالثة والعشرون)

- ‌(الرابعة والعشرون)

- ‌(الخامسة والعشرون)

- ‌(السادسة والعشرون)

- ‌(السابعة والعشرون)

- ‌(الثامنة والعشرون)

- ‌(التاسعة والعشرون)

- ‌(الثلاثون)

- ‌(الحادية والثلاثون)

- ‌(الثانية والثلاثون)

- ‌(الثالثة والثلاثون)

- ‌(الرابعة والثلاثون)

- ‌(الخامسة والثلاثون)

- ‌الذكر وحقيقة النور الإلهي

- ‌(السادسة والثلاثون)

- ‌(السابعة والثلاثون)

- ‌(الثامنة والثلاثون)

- ‌(التاسعة والثلاثون)

- ‌(الأربعون)

- ‌(الحادية والأربعون)

- ‌(الثانية والأربعون)

- ‌(الثالثة والأربعون)

- ‌(الرابعة والأربعون)

- ‌(الخامسة والأربعون)

- ‌(السادسة والأربعون)

- ‌(السابعة والأربعون)

- ‌(الثامنة والأربعون)

- ‌(التاسعة والأربعون)

- ‌(الخمسون)

- ‌(الحادية والخمسون)

- ‌(الثانية والخمسون)

- ‌(الثالثة والخمسون)

- ‌(الرابعة والخمسون)

- ‌(الخامسة والخمسون)

- ‌(السادسة والخمسون)

- ‌(السابعة والخمسون)

- ‌(الثامنة والخمسون)

- ‌(التاسعة والخمسون)

- ‌(الستون)

- ‌(الحادية والستون)

- ‌(الثانية والستون)

- ‌(الثالثة والستون)

- ‌(الرابعة والستون)

- ‌(الخامسة والستون)

- ‌(السادسة والستون)

- ‌(السابعة والستون)

- ‌(الثامنة والستون)

- ‌(التاسعة والستون)

- ‌(السبعون)

- ‌(الحادية والسبعون)

- ‌(الثانية والسبعون)

- ‌(الثالثة والسبعون)

- ‌ولنذكر فصولاً نافعة تتعلق بالذكر تكميلاً للفائدة:

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني الذكر أفضل من الدعاء

- ‌الفصل الثالث في قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء

- ‌الفصل الأول في ذكر طرفي النهار

- ‌الفصل الثاني في أذكار النوم

- ‌الفصل الثالث في أذكار الانتباه من النوم

- ‌الفصل الرابع في أذكار الفزع في النوم والفكر

- ‌الفصل الخامس في أذكار من رأى رؤيا يكرهها أو يحبها

- ‌الفصل السادس في أذكار الخروج من المنزل

- ‌الفصل السابع في أذكار دخول المنزل

- ‌الفصل الثامن في أذكار دخول المسجد والخروج منه

- ‌الفصل التاسع في أذكار الأذان

- ‌الفصل العاشر في أذكار الاستفتاح

- ‌الفصل الحادي عشر في ذكر الركوع والسجود والفصل بين السجدتين

- ‌الفصل الثاني عشر في أدعية الصلاة بعد التشهد

- ‌الفصل الثالث عشر في الأذكار المشروعة بعد السلام وهو أدبار السجود

- ‌الفصل الرابع عشر في ذكر التشهد

- ‌الفصل الخامس عشر في ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل السادس عشر في الاستخارة

- ‌الفصل السابع عشر في أذكار الكرب والغم والحزن والهم

- ‌الفصل الثامن عشر في الأذكار الجالبة للرزق الدافع للضيق والأذى

- ‌الفصل التاسع عشر في الذكر عند لقاء العدو ومن يخاف سلطاناً وغيره

- ‌الفصل العشرون في الأذكار التي تطرد الشيطان

- ‌الفصل الحادي والعشرون في الذكر الذي تحفظ به النعم وما يقال عند تجردها

- ‌الفصل الثاني والعشرون في الذكر عند المصيبة

- ‌الفصل الثالث والعشرون في الذكر الذي يدفع به الدين ويرجى قضاؤه

- ‌الفصل الرابع والعشرون في الذكر الذي يرقى به من اللسعة واللدغة وغيرهما

- ‌الفصل الخامس والعشرون في ذكر دخول المقابر

- ‌الفصل السادس والعشرون في ذكر الاستسقاء

- ‌الفصل السابع والعشرون في أذكار الرياح إذا هاجت

- ‌الفصل الثامن والعشرون في الذكر عند الرعد

- ‌الفصل التاسع والعشرون في الذكر عند نزول الغيث

- ‌الفصل الثلاثون في الذكر والدعاء عند زيادة المطر وكثرة المياه والخوف منها

- ‌الفصل الحادي والثلاثون في الذكر عند رؤية الهلال

- ‌الفصل الثاني والثلاثون في الذكر للصائم وعند فطره

- ‌الفصل الثالث والثلاثون في أذكار السفر

- ‌الفصل الرابع والثلاثون في ركوب الدابة والذكر عنده

- ‌الفصل الخامس والثلاثون في ذكر الرجوع من السفر

- ‌الفصل السادس والثلاثون في الذكر على الدابة إذا استصعبت

- ‌الفصل السابع والثلاثون في الدابة إذا انفلتت وما يذكر عند ذلك

- ‌الفصل الثامن والثلاثون في الذكر عند القرية أو البلدة إذا أراد دخولها

- ‌الفصل التاسع والثلاثون في ذكر المنزل يريد نزوله

- ‌الفصل الأربعون في ذكر الطعام والشراب

- ‌الفصل الحادي والأربعون في ذكر الضيف إذا نزل بقوم

- ‌الفصل الثاني والأربعون في السلام

- ‌الفصل الثالث والأربعون في الذكر عند العطاس

- ‌الفصل الرابع والأربعون في ذكر النكاح والتهنئة به وذكر الدخول بالزوجة

- ‌الفصل الخامس والأربعون في الذكر عند الولادة والذكر المتعلق بالولد

- ‌الفصل السادس والأربعون في صياح الديكة والنهيق والنباح

- ‌الفصل السابع والأربعون في الذكر يُطفأ به الحريق

- ‌الفصل الثامن والأربعون في كفارة المجلس

- ‌الفصل التاسع والأربعون فيما يقال ويفعل عند الغضب

- ‌الفصل الخمسون فيما يقال عند رؤية أهل البلاء

- ‌الفصل الحادي والخمسون في الذكر عند دخول السوق

- ‌الفصل الثاني والخمسون في الرجل إذا خدرت رجله

- ‌الفصل الثالث والخمسون في الدابة إذا عثرت

- ‌الفصل الرابع والخمسون في من أهدى هدية أو تصدق بصدقة فدعا له، ماذا يقول

- ‌الفصل الخامس والخمسون فيمن أميط عنه أذى

- ‌الفصل السادس والخمسون في رؤية باكورة الثمرة

- ‌الفصل السابع والخمسون في الشيء يراه ويعجبه ويخاف عليه العين

- ‌الفصل الثامن والخمسون في الفأل والطيرة

- ‌الفصل التاسع والخمسون في الحمام

- ‌الفصل الستون في الذكر عند دخول الخلاء والخروج منه

- ‌الفصل الحادي والستون في الذكر عند إرادة الوضوء

- ‌الفصل الثاني والستون في الذكر بعد الفراغ من الوضوء

- ‌الفصل الثالث والستون في ذكر صلاة الجنازة

- ‌الفصل الرابع والستون في الذاكر إذا قال هجراً أو جرى على لسانه ما يسخط ربه عز وجل

- ‌الفصل الخامس والستون فيما يقول من اغتاب أخاه المسلم

- ‌الفصل السادس والستون فيما يقال ويفعل عند كسوف الشمس وخسوف القمر

- ‌الفصل السابع والستون فيما يقول من ضاع له شيء ويدعو به

- ‌الفصل الثامن والستون في عقد التسبيح بالأصابع وأنه أفضل من السبحة

- ‌الفصل التاسع والستون في أحب الكلام إلى الله عز وجل بعد القرآن

- ‌الفصل السبعون في الذكر المضاعف

- ‌الفصل الحادي والسبعون فيما يقال لمن حصل له وحشة

- ‌الفصل الثاني والسبعون في الذكر الذي يقوله أو يقال له إذا لبس ثوباً جديداً

- ‌الفصل الثالث والسبعون فيما يقال عند رؤية الفجر

- ‌الفصل الرابع والسبعون في التسليم للقضاء والقدر، بعد بذل الجهد في تعاطي ما أمر به من الأسباب

- ‌الفصل الخامس والسبعون في جوامع أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذاته لا غنى للمرء عنها

الفصل: الهوى لا يشم لا هذا ولا هذا، بل زكامه يحمله

الهوى لا يشم لا هذا ولا هذا، بل زكامه يحمله على الإنكار.

فهذا فصل الخطاب في هذه المسألة.

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

(الصدقة وآثارها)

(فصل) وأمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده منه هذا أيضاً من الكلام الذي برهانه وجوده، ودليله ووقوعه، فإن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه.

وقد روى الترمذي في جامعه من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء» وكما أنها تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى فهي تطفئ الذنوب والخطايا كما تطفئ الماء النار.

وفي الترمذي عن معاذ بن جبل قال: «كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير فقال ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين، ثم تلا {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون} » وفي بعض الآثار: باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة وفي تمثيل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 31

ذلك بمن قدم ليضرب عنقه فافتدى نفسه منهم بماله كفاية، فإن الصدقة تفدي العبد من عذاب الله تعالى، فإن ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه فتجئ الصدقة تفديه من العذاب وتفكه منه.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما خطب النساء يوم العيد «يا معاشر النساء تصدقن ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار» وكأنه حثهن ورغبهن على ما يفدين به أنفسهن من النار.

وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة» .

وفي حديث أبي ذر أنه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينجي العبد من النار؟ قال الإيمان بالله قلت: يا نبي الله، مع الإيمان عمل؟ قال أن ترضخ مما خولك الله أو: ترضخ مما رزق الله قلت: يا نبي الله، فإن كان فقيراً لا يجد ما يرضخ؟ قال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

قلت: إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال فليعن الأخرق.

قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع؟ قال فليعن مظلوماً قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مظلوماً؟ قال ما تريد أن تترك في صاحبك من خير؟ ليمسك أذاه عن الناس قلت: يا رسول الله، أرأيت إن فعل هذا يدخل الجنة؟ قال ما من مؤمن يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى أدخلته الجنة» ذكره البيهقي في كتاب شعب الإيمان.

قال عمر بن الخطاب: ذكر لي أن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكم.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: «ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد أو جنتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثدييهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة أنبسطت عنه حتى تغشى أنامله، وتعفو أثره.

وجعل البخيل

ص: 32

كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة مكانها» .

قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جبته، فرأيته يوسعها ولا تسع.

ولما كان البخيل محبوساً عن الإحسان ممنوعاً عن البر والخير وكان جزاؤه من جنس عمله، فهو ضيق الصدر ممنوع من الانشراح ضيق العطن صغير النفس قليل الفرح كثير الهم والغم والحزن لا يكاد تقضى له حاجة ولا يعان على مطلوب.

فهو كرجل عليه جبة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها، وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها.

وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو.

والمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه وانفسح بها صدره فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه، فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح وقوي فرحه وعظم سروره، ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقاً بالاستكثار منها والمبادرة إليها.

وقد قال تعالى {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} ، كان عبد الرحمن بن عوف ـ أو سعد بن أبي وقاص ـ يطوف بالبيت وليس له دأب إلا هذه الدعوة: رب قني شح نفسي، رب قني شح نفسي.

فقيل له: أما تدعو بغير هذه الدعوة، فقال: إذا وقيت شح نفسي فقد أفلحت.

والفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والاحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه، والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله بخيل بعد حصوله، فالبخل تمرة الشح والشح يدعو إلى البخل والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه ومن لم يبخل فقد عصي شحه ووقي شره، وذلك هو المفلح {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} .

ص: 33

والسخي قريب من الله تعالى ومن خلقه ومن أهله، وقريب من الجنة وبعيد من النار، والبخيل بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار، فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده:

ويظهر عيب المرء في الناس بخله ويستره عنهم جميعاً سخاؤه

تغط بأثواب السخاء فإنني أرى كل عيب فالسخاء غطاؤه

وقارن إذا قارنت حراً فإنما يزين ويزري بالفتى قرناؤه

وأقلل إذا ما اسطعت قولاً فإنه إذا قل قول المرء قل خطاؤه

إذا قل مال المرء قل صديقه وضاقت عليه أرضه وسماؤه

وأصبح لا يدري وأن كان حازماً أقدامه خير له أم وراؤه

إذا المرء لم يختر صديقاً لنفسه فناد به في الناس هذا جزاؤه

وحد السخاء بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة، وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة، وليس ـ كما قال البعض من نقص عمله ـ حد الجود بذل الموجود.

ولو كان كما قال هذا القائل لارتفع اسم السرف والتبذير، وقد ورد الكتاب بذمهما، وجاءت السنة بالنهي عنهما.

وإذا كان السخاء محموداً فمن وقف على حده سمي كريماً وكان للحمد مستوجباً، ومن قصر عنه كان بخيلاً وكان للذم مستوجباً، وقد روي في أثر: إن الله عز وجل أقسم بعزته ألا يجاوزه بخيل.

والسخاء نوعان: فأشرفهما سخاؤك عما بيد غيرك، والثاني سخاؤك ببذل ما في يدك.

فقد يكون الرجل من أسخى الناس وهو لا يعطيهم شيئاً، لأنه سخا عما في أيديهم.

وهذا معنى قول بعضهم: السخاء أن تكون بمالك متبرعاً، وعن مال غيرك متورعاً.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: أوحى الله إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم أتدري لم اتخذتك خليلاً؟ قال: لا.

قال لأني رأيت العطاء أحب إليك من الأخذ.

وهذه صفة من صفات الرب جل جلاله فإنه يعطي ولا يأخذ ويطعم ولا يطعم، وهو أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، وأحب الخلق إليه من اتصف بمقتضيات صفاته، فإنه كريم يحب الكريم من عباده، وعالم يحب العلماء، وقادر يحب الشجعان، وجميل يحب الجمال.

وروى الترمذي في جامعه قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر أخبرنا خالد بن الياس عن صالح بن أبي

ص: 34

حسان قال سمعت سعيد بن المسيب يقول: إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود.

فنظفوا أخبيتكم ولا تشبهوا باليهود قال فذكرت للمهاجر بن مسمار فقال: حدثنيه عامر بن سعد عن أبيه رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه قال فنظفوا أفنيتكم هذا حديث غريب، خالد بن الياس يضعف.

وفي الترمذي أيضاً في كتاب البر قال: حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا سعيد بن محمد الوراق عن يحي بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل» .

وفي الصحيح «إن الله تعالى يحب الوتر» .

وهو سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء، وإنما يرحم من عباده الرحماء، وهو ستير يحب من يستر على عباده، وعفو يحب من يعفو عنهم، وغفور يحب من يغفر لهم، ولطيف يحب اللطيف من عباده، ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ، ورفيق يحب الرفق، وحليم يحب الحلم، وبر يحب البر وأهله، وعدل يحب العدل، وقابل المعاذير يحب من يقبل معاذير عباده، ويجازي عبده بحسب هذه الصفات فيه وجوداً وعدماً، فمن عفا عفا عنه ومن غفر غفر له ومن سامح سامحه ومن حاقق حاققه، ومن رفق بعباده رفق به، ومن رحم خلقه رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن صفح عنهم صفح عنه، ومن تتبع عورتهم تتبع عورته، ومن هتكهم هتكه وفضحه، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن شاق شاق الله تعالى به، ومن مكر مكر به، ومن خادع خادعه، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة.

فالله تعالى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه، ولهذا جاء في الحديث «من ستر مسلماً ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة، ومن نفس عن مؤمن

ص: 35