المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أقسام المكلفين وتصنيفهم من حيث الشرع: - الولاء والبراء والعداء في الإسلام

[أبو فيصل البدراني]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌شروط لا إله إلا الله:

- ‌الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله:

- ‌حقيقة الإسلام والكفر:

- ‌نواقض الإسلام:

- ‌ خلاصة مذهب أهل السنة والجماعة في فقه الإيمان والكفر وضوابط تكفير المعين

- ‌فقه تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله:

- ‌فقه التفسيق:

- ‌تعريف الكبيرة

- ‌تعداد جملة من كبائر الذنوب:

- ‌الموقف من الذنوب المختلف في تصنيفها بين الكبائر والصغائر:

- ‌تعريف الصغيرة

- ‌تعداد جملة من صغائر الذنوب

- ‌تعريف الإصرار

- ‌ضابط الإصرار على الصغيرة المفسق:

- ‌حقيقة القول بأنه لا صغيرة مع الإصرار:

- ‌أقسام المكلفين وتصنيفهم من حيث الشرع:

- ‌المفهوم اللغوي للموالاة والتولي:

- ‌المفهوم اللغوي للمعاداة:

- ‌المفهوم اللغوي للبراءة:

- ‌المفهوم الشرعي للموالاة والبراءة والمعاداة:

- ‌الفرق بين الموالاة والتولي في المفهوم الشرعي ومناط التكفير فيهما:

- ‌حقيقة قول من يقول أن تحقيق الولاء والبراء قد يؤدي إلى نفور الكفار من الإسلام:

- ‌اختلاف موقف الشرع من مجموع الكفار وآحادهم:

- ‌محل مشروعية البراءة من المعصية دون العاصي:

- ‌فقه المحبة إجمالاً:

- ‌حكم المحبة الطبيعية لغير المكلفين:

- ‌فقه الحب والبغض:

- ‌حقيقة الحب في الله والبغض في الله:

- ‌الناس في ميزان الحب والبغض في الله:

- ‌حكم العدل في المحبة الشرعية:

- ‌حق المسلم على المسلم:

- ‌من مظاهر الولاء للمؤمنين:

- ‌عدم تعارض البغض في الله مع سلامة الصدر المحمودة:

- ‌حكم مودة أطفال المشركين وكل من هو غير مكلف منهم:

- ‌حكم مودة الكافر للمؤمن:

- ‌حكم طلب مودة الكفار غير المحاربين:

- ‌من مظاهر الولاء المحرم للكفار:

- ‌من مظاهر البراء من الكفار:

- ‌منهج التعامل مع أهل البدع المسلمين:

- ‌حكم مضاحكة وممازحة الفاسق المسلم:

- ‌حكم صحبة الفاسق ومصادقته:

- ‌حكم إظهار البغض للفساق

- ‌مختصر منهج التعامل مع الكفار عموماً:

- ‌ضابط اللطف المشروع بلا خلاف مع الكفار غير المحاربين:

- ‌بعض المسائل التي لا تنافي العداوة من المشركين المحاربين:

- ‌حكم حسن التعامل وصلة القريب المشرك المحارب للدين وأهله:

- ‌حكم البر والإحسان لآحاد الكفار المقيمين بدار الحرب:

- ‌حكم مُطلق البر والإحسان للكافر المعين المحارب للدين وأهله:

- ‌كيفية تعامل المجاهد المسلم مع أرحامه إذا كانوا في صف الكفار المحاربين للإسلام وأهله:

- ‌هل للمسلم أن يعمد لقتل أبيه الباغي أم لا

- ‌حكم قتل المسلم بالكافر:

- ‌حكم مساكنة الكفار والفجار على وجه العموم:

- ‌حكم تقبيل رأس الكافر المحارب وتقبيل غير المحارب:

- ‌حكم بر الأقارب المشركين المسالمين للدين وأهله:

- ‌حكم السفر لبلاد الكفر والشرك:

- ‌حكم إعطاء الزكاة للكافر:

- ‌حكم خيانة العهد مع الكفار:

- ‌حكم العمل عند المشركين:

- ‌حكم إطلاق كلمة أخ على الكافر:

- ‌حكم مؤاكلة ومشاربة الكافر:

- ‌حكم تغسيل الكافر ودفنه:

- ‌شروط تشييع جنازة الكافر القريب:

- ‌حكم الالتزام بقوانين بلاد غير المسلمين:

- ‌أحكام غير المسلمين في القصاص والحدود والتعزيرات:

- ‌حكم الاستعانة بالمشركين في الحرب والاستعانة بسلاحهم:

- ‌حكم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم الدينية أو الدنيوية:

- ‌ما بين التشبه والولاء من علاقة:

- ‌حكم تزويج المرأة المسلمة بالرجل الكافر:

- ‌حكم الدعاء وقول جزاك الله خير للكافر:

- ‌حكم السلام على الكافر:

- ‌حكم الثناء على الكفار ومدحهم:

- ‌حكم مشاركة الكافر في التجارة:

- ‌محل مشروعية إظهار العداوة والبغضاء والهجر للكفار المسالمين:

- ‌الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم:

- ‌أنواع القتال في الإسلام والحكمة منه:

- ‌تعريف الجزية وحكمها:

- ‌المقاطعة الاقتصادية:

- ‌الإعانة على الإثم والعدوان حدوده وضوابطه:

- ‌حكم إعانة الكافر على المعصية:

- ‌كيفية معاشرة الكافر الذي له حق واجب في المعاشرة:

- ‌خلاصة حكم مودة المؤمن للكافر:

- ‌ حكم مودة المؤمن للكافر

- ‌شبهات وإشكالات:

- ‌الإشكال الثالث:

- ‌الإشكال الرابع:

- ‌الإشكال السابع:

- ‌الإشكال الثامن:

- ‌الخاتمة:

الفصل: ‌أقسام المكلفين وتصنيفهم من حيث الشرع:

وخلاصة القول: الإصرار على الصغيرة يكون مؤثراً في مقياس الغلبة عندما تغلب معاصيه على طاعاتِه، ولا يكون الإصرار مؤثراً إذا غلبت طاعاته على معاصيه، فالعبرة دائماً للغلبة.

موقف المسلم من تصنيف الناس:

بدايةً ينبغي ألا يُقطع بعيب أحد لغير حاجة أو مصلحة شرعية لما يُرى عليه من صور أعمال الطاعة أو المخالفة فلعل من يحافظ على الأعمال الظاهرة يعلم الله من قلبه وصفاً مذموماً لا تصح معه تلك الأعمال ولعل من رأينا عليه تفريطاً أو معصية يعلم الله من قلبه وصفاً محموداً يغفر له بسببه فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية وعلى هذا فلا ينبغي الغلو في تعظيم من رأينا عليه أفعالاً صالحة وعدم الاحتقار المطلق لكل مسلم رأينا عليه أفعالاً سيئة ، وأما موقف المسلم من التصنيف فلا شك أن التشوَف إلى تصنيف الناس بلا حاجة مذموم ، وأن من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره ، وأن الأصل الظن بالمسلمين خيراً واعتقاد عدالتهم والعمل بعموم الإحسان إلى الناس من سلام ونحوه إلا أن هناك حالات تستوجب تصنيف بعض الأفراد من الناس ، والتصنيف مهما كان موضوعياً فإنه لا يُمكن أن يبلغ درجة اليقين وذلك أن تعامل المسلم مع نفسه مبناه على اليقين وتعامله مع غيره مبناه على غلبة الظن والمسلم يتعامل مع الناس على حسب علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله ، ولتعلم أن أحكام التفسيق والتبديع والتكفير لا بد فيها من مراعاة عوارض الأهلية من جهل أو نسيان أو إكراه أو نحو ذلك وأن تنزيلها على الأعيان لا يقدر على تحقيقه إلا العلماء الراسخون المعتبرون فينبغي التباعد عن ذلك قدر الإمكان إلا ما كان لحاجة أو مصلحة شرعية راجحة وليسدد المسلم وليقارب.

طرق تصنيف الناس:

تصنيف الناس بالعدالة أو الفسق أو الكفر يكون بالاستفاضة والشهرة، أو الإقرار، أو ظاهر حال الشخص، أو البينة العادلة أو شهادة الخبراء بالتعديل والتفسيق، أو الاختبار في الأحوال بطول الصحبة والمعاشرة والمعاملة.

‌أقسام المكلفين وتصنيفهم من حيث الشرع:

المستور عند أهل العلم:

المستور عند العلماء هو الذي لا تُعرف عدالته ولا فسقه، أي يكون حاله مجهولاً.

مستور الحال:

مستور الحال هو من يتوسم فيه العدالة، الذي لا يعلم منه عدالة ولا فسق ولم يشتهر بين المسلمين بصلاح ولا استقامة فهو مجهول الحال.

المسلم العدل الذي تجب موالاته في الله:

المسلم العدل هو من يجتنب الكبائر ويؤدي الفرائض التي تركها كبيرة وغلبت حسناته سيئاته الصغائر، والعدالة درجات كما أن الفسوق درجات.

الفاسق الملي (المسلم):

الفاسق هو مرتكب الكبيرة من غير توبة أو المصر على صغيرة بحيث تغلب على طاعاته ، وقيل هو مرتكب الكبيرة من غير توبة أو المُصر على صغيرة ولو غلبت طاعاته معاصيه.

ص: 27

فالفاسق على المذهب المختار هو (ارتكاب المكلف المختار العالم بالتحريم بلا تأول ما ثبت أنه كبيرة (غير المختلف فيه) ولم يتب منها أو ارتكابه لصغار بحيث تغلب على طاعاته ، مع السلامة من البدع الاعتقادية.

المراد بالإصرار على الصغيرة:

الإصرار هو الإقامة على الذنب والعزم على فعل مثله، وضابط الإصرار المفسق قضاءً على المذهب المختار هو غلبة الصغائر على الطاعات.

وعلى هذا فالإصرار على الصغيرة يكون مؤثراً في مقياس الغلبة عندما تغلب معاصيه على طاعاته ولا يكون الإصرار مؤثراً إذا غلبت طاعاته على معاصيه فالعبرة دائماً للغلبة وقيل بأن الإصرار على الصغيرة مفسق بإطلاق.

الفاسق المجاهر:

المجاهرون هم من يعملون المعاصي أمام الناس وهم ينظرون إليهم، ويُلحق بالمجاهرين الفساق الذين يتحدثون بمعاصيهم تفاخراً ويظهرونها ويكشفوا ما ستر الله عليهم لغير ضرورة ولا حاجة.

المبتدع:

اعلم أولاً أن البدعة ثلاثة أقسام باعتبار الكفر والإسلام:

الأولى: بدعة كفرية ناقضة لصريح دلالة الشهادتين، فيكفر صاحبها على التعيين بلا إعذار بجهل أو تأويل.

الثانية: بدعة كفرية لكنها غير ناقضة لصريح دلالة الشهادتين لكنها تُعارض أمراً مقطوعاً به في الدين فهذه يُعذر فيها بالجهل والتأويل لكن إن أقيمت الحجة على أصحابها وزالت الشبهة وأصر صاحبها فحينئذ يمكن لأهل العلم تكفيرهم.

الثالثة: بدعة غير كفرية أصلاً وهي التي لا تُعارض أمراً مقطوعاً به في الدين فهذه يفسق فيها المعاند المُصر الذي أقيمت عليه الحجة وزالت عنه الشبهة دون المتأول والجاهل بل قد يكون مأجوراً إذا استفرغ وسعه في طلب الحق وحسنت نيته ، وهذه البدع التي لا تُعارض أمراً مقطوعاً به في الدين منها كبائر وهي ما أخلت بالضروريات الخمس ومنها صغائر وهي ما كانت بخلاف الكبائر.

وعلى هذا يتبين للمسلم أن أهل البدع المسلمين لا يُفسَقون بمجرد البدعة الغير كفرية لأنه قد يكون متأولاً أو طرأت عليه شبهات، وقد يكون المبتدع المسلم المتأول المجتهد لإصابة الحق خير من العاصي المتعمد عند الله ، بل إن البدعة لا تُنافي الوصف بالعدالة الدينية أحياناً كأن تكون لا تُناقض صريح مدلول الشهادتين وهو متأول قد استفرغ وسعه لمعرفة الحق. وأما التحذير من المبتدعة الوارد عن السلف لا يعني تقديمهم المطلق للفاسق من أهل السنة عليهم لأن تقسيم الناس باعتبار الشرع هم الكفار والمنافقين والمسلمين ، وأقسام المسلمين ثلاثة ظالم لنفسه مبين ومقتصد وسابق بالخيرات ولكن جاء تحذير السلف من البدعة وأهلها تأكيداً على خطورة البدعة وخطورة الاغترار بصلاح صاحبها في تسويق بدعته وبهذا يتبين لك أن من المبتدعة من هو ظالم لنفسه وفاسق فيه جهل وظلم حتى أخطأ السنة فهو ليس بكافر ولا منافق وبعضهم فيه عدوان وظلم يكون به فاسقاً أو عاصياً لا يرقى به إلى درجة الكفر ومنهم من يكون مُخطئاً ومتأولاً مغفوراً له خطؤه وقد يكون معه

ص: 28

من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه ولا ينافي ذلك عدالته ومنهم السابق بالخيرات ، واعلم أخي أن الحكم على الفرقة البدعية لا يعني الحكم على عموم الأفراد وإن كانت البدعة واحدة إلا أن ما قررناه هذا لا يعني أنه ليس هناك من المبتدعة من هو زنديق منافق خارج عن الإسلام.

الفرق بين المبتدع والفاسق الملي:

المبتدع فسقه فسق اعتقادي سببه التعدي على المشروع ولا يقر صاحبه أنه على باطل وأما الفاسق ففسقه فسق عملي بارتكاب المحرمات وصاحبه يقر بأنه على باطل.

الكافر:

الكافر هو غير المسلم أو المرتد المرتكب لناقض من نواقض الإسلام وإن كان محسوباً على المسلمين.

أقسام الكفار إجمالاً:

ينقسم الكفار تجاه موقفهم من الإسلام وأهله إلى قسمين:

القسم الأول: الكفار المحاربون للدين وأهله ، وهؤلاء يجب جهادهم ومدافعة شرورهم وبغضهم في الله.

القسم الثاني: الكفار المسالمون للدين وأهله ، وهؤلاء لهم علينا حق البر والإحسان ، والذين يدخلون تحت عهد المسلمين ثلاثة:

الأول: المستأمن. والثاني: المعاهد. والثالث: الذمي.

والإسلام يكفل لهؤلاء الأنواع من الكفار الأمن على دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

وهنا ملاحظة مهمة: لا يجوز عقد الهدنة والذمة إلا من الإمام أو نائبه وإن هادنهم غير الإمام أو نائبه لم يصح ، وإن دخل الكفار المهادنين والمعاهدين دار الإسلام بهذا الصلح كان آمناً لأنه دخل معتقداً للأمان ويُرد إلى دار الحرب ولا يُقر في دار الإسلام لأن الأمان لم يصح.

عدو الله:

عدو الله هو الكافر المحارب للدين وأهله بلا خلاف بين أهل العلم وفي هذا الشأن يقول ابن تيمية رحمه الله (فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له-يقصد الله عز وجل فيما يحبه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه ويأمر به وينهى عنه، كان المعادي لوليه معادياً له كما قال تعالى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ}.فمن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومن عاداه فقد حاربه ولهذا جاء في الحديث (ومن عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة)

انتهى). وأما الكافر المسالم للدين وأهله فقد قيل أنه ليس بعدو لله واستدل بعضهم بقول الله عن موقف إبراهيم عليه السلام من أبيه الكافر حيث قال تعالى (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ) وقالوا قد علم إبراهيم وتبين له كفر أبيه ابتداءً، لكن عداوته لم تتبين إلا بعد إصراره، وعناده، وتهديده فدل على أنه ليس كل كافر عدو لله تعالى.

إلا أن هناك قول آخر نصره كثير من العلماء المحققين وهو أن الكافر الذي قامت عليه الحجة هو عدو لله أياً كان سواء كان مسالماً أو محارباً وإن كان الكافر المحارب أغلظ عداوة لله واستدلوا بقوله تعالى (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ

ص: 29

وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ) وبالنسبة لقوله تعالى (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ) فقد ذكر جملة من أهل التفسير المحققين بأن المراد بالتبيَن هنا هو موت أبو إبراهيم على الكفر وإياسه من هدايته للإسلام.

وعليه فعداوة الله للكافرين وعداوتهم له هي ثابتة في حق مجموعهم لا في أعيانهم وآحادهم فإن الله نص على أنه عدو لهم في قوله ((فإن الله عدو للكافرين)) وهذه العداوة متجهه للنوع أي نوع الكافرين لكن لا نجزم أن الكافر المعين عدو لله إلا بعد التحقق من تحقق شروطها وانتفاء موانعها، والدليل على ذلك حديث الله جل وعلا عن نبيه إبراهيم عليه السلام مع أبيه فمن المعلوم أن أباه رفض الإيمان وبقي إبراهيم يدعوه ولم يحكم عليه بأنه عدو لله مع أنه كافر حتى تحقق من انطباق الوصف ولهذا قال تعالى ((فلما تبين له أنه عدو لله))، فلم يحكم عليه بأنه عدو لله بمجرد الكفر، فالكفر سابق على التبيين فدل على أن مجرد الكفر لا يستلزم وصف الفرد الكافر بأنه عدو حتى تتحقق صفة العداوة، أما بالنسبة لصنف ونوع الكفار فلاشك أنهم أعداء لله.

عدو المؤمن:

عدو المؤمن هو الكافر المحارب للدين وأهله والشيطان الرجيم بلا خلاف بين أهل العلم وكل عدو للمؤمن لدينه فهو عدو لله بالضرورة وفي هذا يقول ابن تيمية رحمه الله (فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له-يقصد الله عز وجل فيما يحبه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه ويأمر به وينهى عنه، كان المعادي لوليه معادياً له. كما قال تعالى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ}.فمن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومن عاداه فقد حاربه ولهذا جاء في الحديث (ومن عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة)

انتهى). ولكن هل كل عدو لله يلزم منه أن يكون عدواً للمسلم؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة فمنهم من قال أن كل عدو لله فهو عدو للمؤمن وأن الكافر عدو للمؤمن سواءً كان مسالم أو محارب وإن اختلفت طريقة التعامل معهم ، وفي هذا يقول ابن القيم في النونية:

شرط المحبة أن توافق من تحب

على محبته بلا عصيان

فإذا ادعيت له المحبة مع

خلافك ما يحب فأنت ذو بهتان

أتحب أعداء الحبيب وتدعي

حباً له ما ذاك في إمكان

وكذا تعادي جاهداً أحبابه

أين المحبة يا أخا الشيطان

ليس العبادة غير توحيد المحبة

مع خضوع القلب والأركان

إلى أن يقول:

ولقد رأينا من فريق يدعي

الإسلام شركاً ظاهر التبيان

جعلوا له شركاء والوهم وسووهم

به في الحب لا السلطان

وقال آخرون لا يلزم من كون المشرك عدو لله أن يكون عدواً للمؤمن واستدلوا بإباحة الزواج من الكتابية المحصنة العفيفة ولم يكن الله عز وجل يشرع ويأذن

ص: 30

للمؤمن من أن يتزوج عدوةً له وإن كان إباحة تزوج نساء أهل الكتاب لا يقتضي تزكية لحالهم، ولكن ذلك تيسير على المسلمين.

تعريف وأقسام الكفار تفصيلاً:

غير المسلمين من حيث حربهم على الإسلام ومسالمتهم للإسلام وأهله قسمان:

القسم الأول: المحاربون: وهم من ليس بينهم وبين المسلمين ذمة، ولا عهد، ولا أمان، فيشرع قتالهم بحسب القدرة، فربما يكون قتالهم فرض عين، وذلك متى غزوا بلدا مسلما ليحتلوه، أو يستبيحوا دماء أهله، وأموالهم، فيلزم كل قادر من مسلمي ذلك البلد قتالهم، فإن احتاجوا إلى غيرهم من المسلمين من أهل البلاد الأخرى وجب على سائر المسلمين عونهم بالرجال والمال والسلاح حتى تحصل الكفاية؛ لقول الله ـ جل وعلا ـ (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) الأنفال [72].

وقد يكون قتالهم فرض كفاية إذا قام به من يكفي من المسلمين سقط الوجوب عن الباقين، وذلك إذا منع غير المسلمين وصول دعوة الإسلام إلى بلادهم، أو منعوا أهلها من الدخول فيه، وكان المسلمون أقوياء وجب على من يكفي منهم قتال غير المسلمين؛ لقول الله ـ جل وعلا ـ (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) البقرة [193]، وبقى حكم القتال على غيرهم من المسلمين مستحباً، لكن لا يجوز ابتداء قتالهم حتى يُدعوا إلى الإسلام، فإن رفضوا وجب دعوتهم إلى الصلح والقبول بدفع الجزية للمسلمين، فإن رفضوا جاز قتالهم.

القسم الثاني: غير المحاربين: وهم من بينهم وبين المسلمين ذمة، أو عهد، أو أمان، ولم يفعلوا ما ينقض ذلك، كقتالهم المسلمين أو الإعانة عليهم، وهذا يشمل ثلاثة أصناف:

1 -

أهل الذمة: وهم رعاية الدولة الإسلامية الذين رضوا بحكم الإسلام عليهم فأعطوا الجزية والتزموا بأحكام أهل الذمة، وبعض أهل العلم لا يرون جواز إعطاء الذمة لغير أهل الكتاب والمجوس، فلا يقبل من غيرهم ممن يعيش في بلاد المسلمين إلا الإسلام، أو السيف، ومن أهل العلم من يجيز إعطاء الذمة لغيرهم أيضا، ولعل هذا هو الأرجح؛ أخذا بقول الله ـ جل وعلا ـ (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة [256].

2 -

المعاهدون: وهم رعايا الدولة غير المسلمة، والتي بينها وبين المسلمين عهد وصلح على عدم القتال.

3 -

المستأمنون: وهم رعايا الدول غير المسلمة المحاربة للمسلمين، الذين أعطاهم إمام المسلمين، أو أحد من المسلمين الأمان على نفسه وماله إذا دخل بلاد المسلمين حتى يخرج منها، سواء أكان من أهل الكتاب أم من غيرهم.

فحكم هؤلاء واحد، وهو أنهم معصوموا الدم والمال، فلا يجوز سفك دمائهم، ولا أخذ أموالهم، لقول الله ـ جل وعلا ـ (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التوبة [29] وقوله (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) التوبة [6].

ص: 31