الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إن القصد هو توحيد المعبود في توحيد الوجهة، ودرء الفرقة كما قال تعالى:
{أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} .
إن الإسلام لابد فيه من الاستسلام لله وحده، وترك الاستسلام لما سواه وهذا حقيقة (لا إله إلا الله) فمن أسلم لله ولغير الله فهو مشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { .. انتهى).
الشرط السابع: المحبة لهذه الكلمة، ولما اقتضته ودلت عليه، ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها، المنافية لضدها، قال تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} .وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} .وفي الحديث: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله: (وعلامة حب العبد ربه: تقديم محابه وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله ومعاداة من عاداه واتباع رسوله، واقتفاء أثره وقبول هداه
…
انتهى).
ويقول ابن القيم في النونية:
شرط المحبة أن توافق من تحب
…
على محبته بلا عصيان
فإذا ادعيت له المحبة مع خلافك
…
ما يحب فأنت ذو بهتان
أتحب أعداء الحبيب وتدعي
…
حباً له ما ذاك في إمكان
وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين
…
المحبة يا أخا الشيطان
ليس العبادة غير توحيد المحبة
…
مع خضوع القلب والأركان
إلى أن يقول:
ولقد رأينا من فريق يدعي
…
الإسلام شركاً ظاهر التبيان
جعلوا له شركاء والوهم
…
وسووهم به في الحب لا السلطان
الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله:
إن أصل الدين وكماله، أن يكون الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله، والعبادة لله، والاستعانة بالله، والخوف من الله ،والرجاء لله، والإعطاء لله، والمنع لله، وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمره لله، ونهيه لله، وصاحب الهوى يُعميه الهوى ويُضله عن سبيل الله، فلا يستحضر ما لله، وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ولا يطلبه فالذي لا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضبهما، وإنما يرضى لشهواته وهواه، ويغضب لذلك فهو ممن قال الله فيهم:(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى).
ولما كان أصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد، والهجرة، ونحو ذلك، فإن الولاء والبراء من لوازم
لا إله إلا الله ، وأدلة ذلك كثيرة من الكتاب والسنة.
أما الكتاب فمن ذلك قوله تعالى: {لَاّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ} .ويقول تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {31} قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإن تَوَلَّوْاْ فإن اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}. ويقول تباركت أسماؤه {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ} .ويقول كذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فإنهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} . ويقول تعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
ثم إن من الولاء والبراء ما هو شطر العقيدة وركنها الثاني الذي لا تتم إلا به وهو الكفر بالطاغوت، قال تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} .فلا يكون مؤمناً من لا يكفر بالطاغوت، وهو كل متبوع أو مرغوب أو مرهوب من دون الله ، فقبول الإيمان والاستمساك بالعروة الوثقى مستلزم للكفر بالطاغوت كما نصت على ذلك الآية الكريمة.
أما الأحاديث والآثار: فكثيرة وأذكر منها:-
(1)
ما رواه الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعه على أن (تنصح لكل مسلم، وتبرأ من الكافر).
(2)
روي أبي شيبة بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله).
(3)
روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعادة في الله، والحب في الله والبغض في الله).
(4)
أخرج ابن جرير ومحمد بن نصر المروزي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئاً).
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في شرح قول ابن عباس هذا: (قوله: (ووالى في الله) هذا بيان للازم المحبة في الله، وهو الموالاة فيه، إشارة إلى أنه لا يكفي في ذلك مجرد الحب، بل لا بد مع ذلك من الموالاة التي هي لازم الحب وهي النصرة والإكرام، والاحترام والكون مع المحبوبين باطناً وظاهراً.
وقوله (وعادى في الله) هذا بيان للازم البغض في الله، وهو المعاداة فيه. أي إظهار العداوة بالفعل كالجهاد لأعداء الله، والبراءة منهم، والبعد عنهم باطناً وظاهراً، وإشارة إلى أنه لا يكفي مجرد بغض القلب، بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه كما قال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} .وعلى ذلك جاءت تسمية الشارع الحكيم للفريق الأول بـ: (أولياء الله)، والفريق الثاني بـ:(أولياء الشيطان) قال تعالى: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} .
واعلم أن الله سبحانه لم يبعث نبياً بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء، كما قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا {
…
انتهى).وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة، وكتب وحجج كما قال تعالى:{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} .والواجب على المسلم أن يتعلم من دين الله ما يصير له سلاحاً يقاتل به هؤلاء الشياطين، ومن ثم لا خوف عليه ولا حزن لأن:{كيد الشيطان كان ضعيفاً} .والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء المشركين كما قال تعالى {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} .فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان.
وبهذا يتبين لك أخي المسلم أن المسلم المؤمن المخلص في عقيدته هو من أخلص توحيده الله، وتبرأ من المشركين ، ولتعلم أن الولاء والبراء يضعف بسبب ضعف العبودية والمحبة لله وكلما كان الشخص أكمل عبودية لله ومحبة كان أكثر تحقيقاً للولاء والبراء ، وكما أن الإيمان يزيد وينقص فكذلك تحقيق الناس لهذا الأصل العظيم (الولاء والبراء) يزيد وينقص وأما هدم هذا الأصل كلياً في قلب العبد وترك ما يوجبه على المؤمن من الأعمال والتروك فهو هدم للإيمان كله.
وعلى هذا فيجب على المسلم بعدَ محبةِ اللهِ ورسولهِ أن يحب أولياءه ويعادي أعدائِه المحاربين للدين وأهله ويبغض عموم الكفار وذلك أن من أصولِ العقيدةِ الإسلاميةِ أنَّه يَجبُ على كلِ مسلمٍ يَدينُ بهذه العقيدةِ أنْ يوالىَ أهلهَا ويعادىَ أعداءَها الصادين عن دين الله فيحبُ أهلَ التوحيدِ والإخلاصِ ويواليهِم، ويُبغِضُ أهلَ الإشراكِ لا سيما المحاربين لدينه ويعاديهِم فهذا أصل.
وها هنا أصل آخر وهو أن من استقام على منهج الله وتوحيده جاءه الولاء والبراء تباعاً من غير تكلف ، ومن أحب الله المحبة الواجبة لابد أن يُبغض أعداءه ولابد أن يحب أولياءه ، وكما أن الله قطع الموالاة بين المسلمين والكافرين شرعاً فإنه أمر بموالاته وموالاة رسوله والمؤمنين وذلك من لوازم التوحيد.