الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) التوبة [84]، وأما إن لم يوجد من الكفار من يدفن الكافر دفنه المسلمون كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بقتلى بدر وبعمه أبي طالب لما توفي قال لعلي" اذهب فواره ". ولا يجوز دفنه في مقابر المسلمين، بل يدفن في مقابر مثله من غير المسلمين؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين على ذلك، إلا إذا ماتت امرأة كتابية زوجها مسلم وهي حامل منه، وقد بلغ عمر الحمل أكثر من ثلاثة أشهر فإنها تدفن في قبر المسلمين، ويكون ظهرها إلى القبلة؛ ليكون وجه حملها مستقبل القبلة؛ لأن الجنين مسلم؛ لكون أبيه مسلما، والمسلم لا يجوز دفنه في مقابر غير المسلمين، فرعاية لحقه تقدم مصلحة دفنه في مقابر المسلمين على مفسدة دفن أمه فيها.
شروط تشييع جنازة الكافر القريب:
إذا كان الكافر محارباً لا تجوز تعزيته مُطلقاً ولا تشييعه ، أما إذا كان الكافر غير مُحارب للمسلمين وكان قريباً للمسلم فيجوز أن يحضر جنازته ويشيعها مع المشيعين بشروط ثلاثة:
1 -
ألا يحضر الصلاة عليه ولا يصلي عليه وألا يقوم على قبره أثناء الدفن.
2 -
أن يسير أمام الجنازة بعيداً عنها قليلاً يقف بعيداً عن القبر وإذا أردوا الدفن رجع.
3 -
وأن يكون الكافر قريباً للمسلم قرابة مباشرة.
حكم الالتزام بقوانين بلاد غير المسلمين:
حكم الالتزام بقوانين بلاد غير المسلمين يختلف بحسب تلك القوانين التي لا تخلو من أحد أمرين:
1 -
أن تكون غير مخالفة لأحكام الشرع، كالأحكام المتعلقة بأنظمة السير، وإصدار التراخيص، واحترام حقوق الآخرين، وممتلكاتهم فهذه يجب على المسلم الالتزام بها؛ لأن عقد إقامته متضمن وجوب التزام نظام بلده وقوانينه، والله ـ جل وعلا ـ يقول:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود) ِ المائدة [1].
2 -
أن تكون مخالفة لأحكام الشريعة فإن كان يستطيع تحاشي الالتزام بها؛ لكونه لا يحتاجها، كالمعاملات المالية المحرمة، فعليه تحاشيها ولم يضره كونها موجودة في البلد الذي يعيش فيه، لقوله ـ جل وعلا ـ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) المائدة [105]، وإن كان يستطيع تحاشيها اتقى الله ما استطاع في تحاشي الوقوع في أسبابها، فما وقع فيه بعد ذلك منها فيكون من باب الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.
أحكام غير المسلمين في القصاص والحدود والتعزيرات:
أولا: إذا ارتكب غير المسلم ـ ممن له عهد وذمة ـ في بلاد المسلمين جناية يمكن القصاص منه بها خُيَر صاحب الحق بين إقامة القصاص عليه، أو دفع الدية، أو العفو، فإن كانت جناية على النفس كقتله معصوم الدم، خير أولياء المقتول، وإن كانت جناية على عضو كقطع رجل أو فقء عين خير المجني عليه، وإن كانت الجناية لا يمكن القصاص منه بها خير المجني عليه بين الدية أو العفو، فهو في هذا كالمسلم؛ لقوله ـ جل وعلا ـ (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) المائدة [45]، وقوله ـ جل وعلا ـ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) إلى قوله (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) البقرة [178].
ثانيا: إذا اعتدى المسلم على غير مسلم من ذمي أو مستأمن فقتله فقد ارتكب إثما عظيما، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قتل ذميا أو معاهدا لم يرح رائحة الجنة" رواه البخاري. وهو مستحق للعقوبة، كما عليه دفع ديته، لكن لا يقتص منه به بقتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري "لا يقتل مسلم بكافر، كما أن الذمي لو قتل حربيا فإنه لا يقام عليه القصاص، ولا يعاقب، وليس عليه دية، ولا كفارة؛ لأنه قتل غير معصوم الدم.
ثالثا: الراجح من أقوال أهل العلم أن دية الكتابي إذا كان معصوم الدم في جناية القتل أو الجراح إذا كان خطئا نصف دية المسلم، فإن كان ذكرا فديته نصف دية المسلم الذكر، وإن كان أنثى فنصف دية الأنثى المسلمة، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل الكتابي نصف عقل المسلم. رواه أحمد، والعقل هو الدية، وإن كانت الجناية عمدا والاني مسلما، فقد ذهب الإمام أحمد إلى تضعيف الدية على المسلم فتصبح مثل دية المسلم، وروى ذلك عن عثمان بن عفان، لكن رأي جمهور أهل العلم على عدم تضعيفها.
رابعا: إذا ارتكب غير مسلم من الذميين والمعاهدين في بلاد الإسلام معصية توجب الحد في شرعنا على المسلم لو ارتكبها نظرنا فإن كانت المعصية مما أقره الإسلام على فعلها خفية كشرب الخمر فلا يقام عليه الحد الواجب فيه، لكن لو جاهر بشربها جاز تعزيره بعقوبة مناسبة تردعه عن تكرار المجاهرة، وإن كانت المعصية مما لم يقره الإسلام على فعلها كالزنا وجب إقامة حد الزنا عليه وهو الرجم إن كان محصنا أو الجلد مائة جلدة إن كان غير محصن، وهذا إذا ثبت الزنا عليه باعترافه أو شهادة أربعة شهود عدول، كما يفعل بالمسلم إذا زنا، لعموم قوله ـ جل وعلا ـ (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) النور [2].
ولحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام حد الرجم على يهوديين زنيا في المدينة حين رفع اليهود أمرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. ومثله السرقة والقذف.
ويجدر التنبيه هنا أن بعض أهل العلم لا يوجب إقامة الحدود عليهم إلا إذا ترافعوا إلى محاكم المسلمين، أو كان المعتدي عليه مسلما، فإن كان الأمر فيما بينهم وليس فيه طرف مسلم ولم يترافعوا إلينا لم يلزم الحكم بينهم، ولا إقامة الحدود عليهم.
خامسا: إذا اعتدى المسلم على غير المسلم من الذميين والمعاهدين بما يوجب حدا كما لو زنى بامرأة من نسائهم، أو عمل عمل قوم لوط مع أحدهم أو سرق ماله المحترم أقيم عليه الحد الواجب في كل معصية منها كما يقام عليه لو فعل ذلك بمسلم، فإن كان الاعتداء قذفا له بالزنا أو اللواط لم تجب إقامة الحد على المسلم، ولكن يجب تأديبه، ردعا له عن الكلام في أعراضهم، وكفا له عن أذاهم.
سادسا: لا يقام القصاص ولا الحدود على من ارتكب موجبها من أفراد الجالية المسلمة في الدول غير المسلمة، سواء أكانت معادية لدول المسلمين، أو غير معادية بل بينها وبين المسلمين صلح وعهد، ولكن لا يسقطان عمن ارتكب موجبهما، بل تؤخر إقامتهما حتى يسافر إلى بلد مسلم فيقام عليه في ذلك البلد القصاص أو الحد، إذا كملت شروط إقامتهما وانتفت الموانع، وهذا على الراجح من أقوال أهل العلم، والدليل على ذلك ـ إن حصل في