المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كيفية معاشرة الكافر الذي له حق واجب في المعاشرة: - الولاء والبراء والعداء في الإسلام

[أبو فيصل البدراني]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌شروط لا إله إلا الله:

- ‌الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله:

- ‌حقيقة الإسلام والكفر:

- ‌نواقض الإسلام:

- ‌ خلاصة مذهب أهل السنة والجماعة في فقه الإيمان والكفر وضوابط تكفير المعين

- ‌فقه تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله:

- ‌فقه التفسيق:

- ‌تعريف الكبيرة

- ‌تعداد جملة من كبائر الذنوب:

- ‌الموقف من الذنوب المختلف في تصنيفها بين الكبائر والصغائر:

- ‌تعريف الصغيرة

- ‌تعداد جملة من صغائر الذنوب

- ‌تعريف الإصرار

- ‌ضابط الإصرار على الصغيرة المفسق:

- ‌حقيقة القول بأنه لا صغيرة مع الإصرار:

- ‌أقسام المكلفين وتصنيفهم من حيث الشرع:

- ‌المفهوم اللغوي للموالاة والتولي:

- ‌المفهوم اللغوي للمعاداة:

- ‌المفهوم اللغوي للبراءة:

- ‌المفهوم الشرعي للموالاة والبراءة والمعاداة:

- ‌الفرق بين الموالاة والتولي في المفهوم الشرعي ومناط التكفير فيهما:

- ‌حقيقة قول من يقول أن تحقيق الولاء والبراء قد يؤدي إلى نفور الكفار من الإسلام:

- ‌اختلاف موقف الشرع من مجموع الكفار وآحادهم:

- ‌محل مشروعية البراءة من المعصية دون العاصي:

- ‌فقه المحبة إجمالاً:

- ‌حكم المحبة الطبيعية لغير المكلفين:

- ‌فقه الحب والبغض:

- ‌حقيقة الحب في الله والبغض في الله:

- ‌الناس في ميزان الحب والبغض في الله:

- ‌حكم العدل في المحبة الشرعية:

- ‌حق المسلم على المسلم:

- ‌من مظاهر الولاء للمؤمنين:

- ‌عدم تعارض البغض في الله مع سلامة الصدر المحمودة:

- ‌حكم مودة أطفال المشركين وكل من هو غير مكلف منهم:

- ‌حكم مودة الكافر للمؤمن:

- ‌حكم طلب مودة الكفار غير المحاربين:

- ‌من مظاهر الولاء المحرم للكفار:

- ‌من مظاهر البراء من الكفار:

- ‌منهج التعامل مع أهل البدع المسلمين:

- ‌حكم مضاحكة وممازحة الفاسق المسلم:

- ‌حكم صحبة الفاسق ومصادقته:

- ‌حكم إظهار البغض للفساق

- ‌مختصر منهج التعامل مع الكفار عموماً:

- ‌ضابط اللطف المشروع بلا خلاف مع الكفار غير المحاربين:

- ‌بعض المسائل التي لا تنافي العداوة من المشركين المحاربين:

- ‌حكم حسن التعامل وصلة القريب المشرك المحارب للدين وأهله:

- ‌حكم البر والإحسان لآحاد الكفار المقيمين بدار الحرب:

- ‌حكم مُطلق البر والإحسان للكافر المعين المحارب للدين وأهله:

- ‌كيفية تعامل المجاهد المسلم مع أرحامه إذا كانوا في صف الكفار المحاربين للإسلام وأهله:

- ‌هل للمسلم أن يعمد لقتل أبيه الباغي أم لا

- ‌حكم قتل المسلم بالكافر:

- ‌حكم مساكنة الكفار والفجار على وجه العموم:

- ‌حكم تقبيل رأس الكافر المحارب وتقبيل غير المحارب:

- ‌حكم بر الأقارب المشركين المسالمين للدين وأهله:

- ‌حكم السفر لبلاد الكفر والشرك:

- ‌حكم إعطاء الزكاة للكافر:

- ‌حكم خيانة العهد مع الكفار:

- ‌حكم العمل عند المشركين:

- ‌حكم إطلاق كلمة أخ على الكافر:

- ‌حكم مؤاكلة ومشاربة الكافر:

- ‌حكم تغسيل الكافر ودفنه:

- ‌شروط تشييع جنازة الكافر القريب:

- ‌حكم الالتزام بقوانين بلاد غير المسلمين:

- ‌أحكام غير المسلمين في القصاص والحدود والتعزيرات:

- ‌حكم الاستعانة بالمشركين في الحرب والاستعانة بسلاحهم:

- ‌حكم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم الدينية أو الدنيوية:

- ‌ما بين التشبه والولاء من علاقة:

- ‌حكم تزويج المرأة المسلمة بالرجل الكافر:

- ‌حكم الدعاء وقول جزاك الله خير للكافر:

- ‌حكم السلام على الكافر:

- ‌حكم الثناء على الكفار ومدحهم:

- ‌حكم مشاركة الكافر في التجارة:

- ‌محل مشروعية إظهار العداوة والبغضاء والهجر للكفار المسالمين:

- ‌الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم:

- ‌أنواع القتال في الإسلام والحكمة منه:

- ‌تعريف الجزية وحكمها:

- ‌المقاطعة الاقتصادية:

- ‌الإعانة على الإثم والعدوان حدوده وضوابطه:

- ‌حكم إعانة الكافر على المعصية:

- ‌كيفية معاشرة الكافر الذي له حق واجب في المعاشرة:

- ‌خلاصة حكم مودة المؤمن للكافر:

- ‌ حكم مودة المؤمن للكافر

- ‌شبهات وإشكالات:

- ‌الإشكال الثالث:

- ‌الإشكال الرابع:

- ‌الإشكال السابع:

- ‌الإشكال الثامن:

- ‌الخاتمة:

الفصل: ‌كيفية معاشرة الكافر الذي له حق واجب في المعاشرة:

يلبسونها وكذلك بيع العصير لمن يتخذه خمرا. اهـ.

‌كيفية معاشرة الكافر الذي له حق واجب في المعاشرة:

اعلم أن معاشرة الكافر والفاسق المسلم ممن لهم حق واجب في الصلة والعشرة تختلف عن معاشرة غيرهم ويُغتفر فيها مالا يُغتفر في غيرها ويدلك على هذا أن بعض أهل العلم ذكر أنه إذا طلب أحد الوالدين الكافرين من ولدهما إيصالهما إلى الكنيسة لعجزه عن الوصول إليها، فالواجب على الولد إيصاله إليها، نص على هذا فقهاء المالكية ، وقال ابن عاشور قال فقهاؤنا: (إذا أنفق الولد على أبويه الكافرين الفقيرين وكان عادتهما شرب الخمر اشترى لهما الخمر لأن شرب الخمر ليس بمنكر للكافر، فإن كان الفعل منكراً في الدينين فلا يحل للمسلم أن يُشايع أحد أبويه عليه

انتهى. قلتُ وهذا لا يجوز لمخالفته الآية الكريمة "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " لكني أوردته لبيان التقرير أعلاه ، وذكر أهل العلم أن الزواج بالكتابية يستلزم أيضاً السماح لها بالبقاء على دينها إن شاءت وعدم الوقوف في وجه أدائها لشعائر هذا الدين إن أرادت وأن لا تُجبر على الإسلام ولا تدخل فيه إلا برضاها وهذا من المعلوم من الدين ضرورة لا يماري فيه إلا جاهل ، وقرر أهل العلم بأن الوالدين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس الأب كالأجنبي وكذلك ألحقوا بهما الأزواج وقالوا إذا رأى الولد مُنكراً من والديه يأمرهما فإن قبلا فبها وإن كرها سكت عنهما ، وأقوال أهل العلم في هذا الباب كثيرة وهي إن دلت على شيء فهي تدل على ما قررناه ابتداءً من أن معاشرة الكافر والفاسق المسلم ممن له حق واجب في الصلة والعشرة تختلف عن معاشرة غيرهم ويُغتفر فيها مالا يُغتفر في غيرها.

المنهج التفصيلي للتعامل مع الكفار المُسالمين المُحايدين (غير المحاربين):

إذا وُجد من الكفار من يرغب التعامل مع المسلمين على أساس السلم وتبادل المنافع والاحترام المتبادل وإطلاق حرية الدعوة إلى الله بين أفرادهم وداخل مجتمعاتهم وأن يقفوا موقف الحياد في قتال المسلمين عدواً ذا شوكة فيجب مسالمتهم، ومسالمة من يقف مع المسلمين موقف الحياد واجبة فلا يُحاربهم ولا يُعين عليهم محارباً ويجب الكف عن أذاهم وحسن معاملتهم ولا ينبغي معاداتهم وفي ذات الوقت لا تصح موالاتهم على الوجه المحرم وإنما يُعاملون بالعدل والإحسان والبر فلا يُعادون عداوة المحاربين ولا يوالون موالاة المؤمنين وإنما يجوز معهم التعامل على أساس العدل والصلة بالمعروف وكف الأذى والعدوان عنهم بل ويُشرع في حقهم برهم من غير مودة باطنة لهم وأهل العلم قد اتفقوا على أن كل صلة وبر وإحسان لا يستلزم التحابب والتوادد للكفار مشروع بإجماع من يُعتد برأيه من أهل العلم.

قال تعالى:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [والبر: هو أعلى أنواع المعاملة، وهو الذي وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (البرَ حسن الخلق (فيشملّ جميع أنواع الإحسان، من إيصال الخير المعنوي، والحسيَ إليهم ما داموا بهذا الوصف.

وهذا العدل والإحسان يشمل حتى الحرَبي الأسير، لقوله تعالى في وصف الأبرار} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا

ص: 79

نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (9) {قال قتادة رحمه الله: لقد أمر الله بالأسرى أن يحسن إليهم، وأن أسراهم يومئذ لأهل الشَرك.

وقال ابن جرير الطّبري: وأسيراً: هو الحربي من أهل دار الحرب، يؤخذ قهراً بالغلبة، أومن أهل القبلة يؤخذ فيحبس بحق، فأثنى الله على هؤلاء الأبرار بإطعامهم هؤلاء تقرباً بذلك إلى الله، وطلب رضاه، ورحمة منهم لهم

انتهى.

وبالجملة فإن فقه التعامل مع الكفار المُسالمين (غير المحاربين) شأنه كشأن كثير من أبواب الفقه الإسلامي فيه مسائل مُحكمة ومتفق عليها بين أهل العلم المحققين وفيه مسائل مُختلف فيها، وبناءً على ذلك سنشرع ببيان بعض أحكام التعامل مع الكفار المُسالمين المتفق عليها والذي ينبغي أن لا يُختلف فيها.

فإليك بعض أحكام التعامل معهم المتفق عليها:

الأول: العمل على دعوتهم إلى الله –سبحانه- بالوسائل المشروعة، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإنقاذهم من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة قال رسول الله عليه الصلاة والسلام " فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيٌُر لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري، ومسلم من حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه. وقال تعالى:} ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {فالبراءة من غير المسلّم، وعدم مودته لا تعني حجب دعوة الإسلام عنه، وتركه في الضلال، بل يجب على المسلم أن يدعوا الناس إلى الخير، وأن يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحرص على هدايتهم ، وهل هناك خير أحسن وأعظم للكافر من هدايته

للإسلام؟ وعليه فمن أعظم أنواع البر والإحسان إليه؛ دعوتهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومن الموعظة الحسنة ما قاله تعالى للأسرى المشركين} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {وهذا غاية الملاينة والملاطفة في دعوتهم إلى الإسلام، وأنّ الله سيعوضهم عن الفدية التي أخذت منهم إن هم أذعنوا للإسلام وآبوا إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

الثاني: الحذر من ظلمهم؛ لأن الظلم حرام مُطلقاً، فلا يجوز أن يُظلم أحد منهم في نفس أو مال أو عرض، فالذمي والمستأمن والمعاهد في دولة الإسلام وظل شريعة الرحمن يُؤدى إليه حقه، فلا يُظلم مثلاً في عرضه بغيبة أو نميمة، ولا في ماله بسرقة أو غش أو خيانة، ولا في بدنه بضرب أو قتل؛ لأن كونه معاهداً أو ذمياً في البلد أو مستأمناً يعصمه، قال تعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {قال ابن جرير في تفسيرها:

لا يحملنكم عداوة قوم على أن لا تعدلوا في حكمكم فيهم، وسيرتكم بينهم؛ فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة .. انتهى. والآيات التي فيها الأمر بوجوب العدل مع الناس جميعهم كثيرة، منها: قوله تعالى:} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}. وقال تعالى:} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا

ص: 80

حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}.

والسنة فيها الكثير من الشواهد على الإحسان والعدل مع غير المسلّمين، والتحذير من عاقبة الظلم خاصة ظلم أهل الذمة، وتوعد من ظلمهم يوم القيامة، ولهذا شهد عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين ومن بعدهم صوراً كثيرة من السماحة والعدل في معاملة غير المسلّمين، منها قوله صلى الله عليه وسلم:(ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلَفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة). والخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لمّا طُلب منه أن يوصي الخليفة من بعده، أوصاه بعدة وصايا، ومما جاء فيها: وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يوفّي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلّفوا إلا طاقتهم. وكان يقول: أوصيكم بذمة الله، فإنه ذمة نبيكم، ورزق عيالكم. ومر هشام بن حكيم بن حزام على أناس من الأنباط بالشام قد أقيموا في الشمس، فقال: ما شأنهم؟ قالوا: حُبسوا في الجزية، فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) قال: وأميرهم يومئذ عمير بن سعد على فلسطين، فدخل عليه، فحدثه، فأمر بهم فخلُّوا. وعندما أمر عمر بن عبد العزيز مناديه أن ينادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها، وقام إليه رجل ذمي من أهل حمص، فقال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله، قال: وما ذلك؟ قال: العباس بن الوليد اغتصبني أرضي، والعباس جالس، فقال عمر: يا عباس ما تقول؟ قال: نعم، أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد، وكتب لي بها سجلاً، فقال عمر: ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله تعالى، فقال عمر: نعم كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد، قم يا عباس فاردد عليه ضيعته، فردها عليه.

وكان العلماء والقضاة يسيرون على هذا النهج من النصح للخلفاء بأن يرفقوا بأهل الذمة، قال القاضي أبويوسف وهو يوصي أمير المؤمنين هارون الرشيد بأهل الذمة

(وينبغي يا أمير المؤمنين - أيدك الله- أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك، وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم، والتفقد لهم حتى لا يظلموا، ولا يؤذوا، ولا يكلّفوا فوق طاقتهم، ولا يؤخذ شيء من أموالهم، إلا بحق يجب عليهم-ثم ذكر جملة من الأحاديث والآثار الّتي فيها الوصية بأهل الذمة، والتحذير من الإساءة إليهم .. ).

ومن ذلك قصة القبطي مع عمرو بن العاص والي مصر وابنه، فقد اقتص الخليفة عمر للقبطي في مظلمته، وقال مقولته المشهورة:" يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا ".وكذلك تجلى العدل مع غير المسلمين حتى في خصومهم مع الخلفاء ومن ذلك "خصومة الخليفة علي رضي الله عنه مع يهودي في درعه التي فقدها، ثم وجدها عند يهودي، فاحتكما إلى شريح القاضي فحكم بها لليهودي، فأسلم اليهودي وقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يدنيني إلى قاضيه، فيقضي لي عليه، أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين، اتبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين فخرجت من

بعيرك الأورق، فقال علي كرم الله وجهه، أما إذا أسلمت فهي لك".

ص: 81

وها هو علي رضي الله عنه يأمر عماله بالعدل التام مع غير المسلمين، حيث كتب إلى عماله على الخراج "إذا قدمت عليهم فلا تبيعنّ لهم كسوة شتاءً ولا صيفًا، ولا رزقًا يأكلونه، ولا دابة يعملوا عليها ولا تضربنّ أحدًا منهم سوطًا واحدًا في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عرضا في شيء من الخراج، فإنا إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو، فإن أنت خالفت ما أمرتك به، يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلت".

وهذه الوثيقة العمرية حيث أعطى عمر بن الخطاب أهل إيلياء أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، وأنهم لا يظلمون بسبب نصرانيتهم ولا يضار أحد منهم ".

الثالث: يجوز الحديث مع الكفار والتحدث إليهم في الأمور المباحة والتعامل معهم في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك، فقد صح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم أنه اشترى من الكفار عُبَاد الأوثان، واشترى من اليهود، وهذه معاملة، وقد توفي –صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله. قالت عائشة –رضي الله عنها:"اشترى النبي –صلى الله عليه وسلم طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد". رواه البخاري ومسلم. وقد كان –صلى الله عليه وسلم يتعامل في أمور التجارة مع الكفار، وعامل أهل خيبر في المساقاة، كما روى البخاري أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر لليهود على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها" رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما. قال ابن القيم –رحمه الله: (ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم أنه اشترى من يهودي سلعة إلى الميسرة، وثبت عنه أنه أخذ من يهودي ثلاثين وسقاً من شعير ورهنه درعه، وفيه دليل على جواز معاملتهم، ورهنهم السلاح، وعلى الرهن في الحضر، وثبت عنه أنه زارعهم وساقاهم

انتهى). وعن عبد الرحمن بن أبي بكر – رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم ثم جاء رجل مشرك مشعانٌُ طويلٌُُ بغنم يسوقها فقال –صلى الله عليه وسلم:"أبيعاً أم عطية؟ " أو قال: "أم هبة" قال: لا، بل بيع فاشترى منه شاةً. أخرجه البخاري ومسلم ، وفي البخاري عن عائشة –رضي الله عنها قالت: استأجر رسول الله –صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل هادياً خِرِّيتاً وهو على دين كفار قريش .... الحديث.

الرابع: لا يجوز بدؤهم بالسلام لغير حاجة أو مصلحة شرعية راجحة وخاصةً إذا كان الكافر مُظهراً لعادات الكفر متلبساً بأفعال الكفار بين المسلمين، لقول النبي –صلى الله عليه وسلم:"لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام" رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه. والنهي الوارد في الحديث هو إذا كان لغير سبب يدعوك إلى أن تبدأهم من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لك قبلهم أو حق صحبة أو جوار أو سفر، وينبغي إذا سلم أحد الكفار أن يُقال له: وعليكم؛ وهذا عند الشك وعدم تحقيق السامع من نطق السلام أما إذا قال الكافر السلام عليكم فيُقال له من باب العدل وعليكم السلام، قال – صلى الله عليه وسلم:"إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم". متفق عليه عند البخاري، ومسلم، من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 82

الخامس: وجوب حفظ عهدهم، وحرمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم.

والأصل في هذا قول الله تعالى:} إِلَاّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ {

وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل معاهداً لم يرِح رائحة الجنة، وإنَ ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً (. وعصمة النفس تستتبع الحفاظ على العرض، فلا يجوز الاعتداء على أعراض أهل الذمة، ومن شتم ذمياً أو قذفه فحقه كحق المسلم في هذا.

السادس: مشروعية الرفق واللين لهم ومعاملتهم بالحسنى فالمعاملة الحسنة والمداراة فيما يتعلق بأمور الدنيا ليست من الموالاة أصلاً، فلا تدخل في الممنوع، بشرط ألا تؤدي إلى المداهنة في دين الله، والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداهنة هي معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير نكير عليه، والمداراة: هي حسن التعامل والترفق والتلطف بالقول والفعل في بيان الحق له والتعامل معه، وأصل الفرق بينهما أن المداراة بذل الدنيا لصالح الدنيا أو الدين أو هما معاً، والمداهنة: ترك الدين لصالح الدنيا.

ففي باب الآداب والمجالس والمُجاملات يحسن بالمسلم أن يعامل جلساءه بطلاقة الوجه وحسن القول ونحوهما، مما لا يؤدي إلى مداهنة أو نفاق أو تعظيم على النحو المنهي عنه. ولا شك أن الكفار عند وقت جهادهم وقتالهم لا حظ لهم من حسن التعامل بل يتعين ويجب الإغلاظ عليهم والشدة، وأما إن لم يكونوا مقاتلين بأن كانوا مُعاهدين فيُشرع البر والإحسان إليهم، ومن البر طلاقة الوجه ولين الكلام، ولا يلزم من البغض لهم في الله أن لا يكلمهم أو يكلح في وجوههم، بل ينبغي أن يخاطبهم بالقول اللين الحسن ويحسن معاملتهم والمداراة مع الناس والبعد عن الغلظة والفظاظة، مطلوبة دائماً لا سيما في باب الدعوة والمسلم ينبغي أن يكون داعياً إلى الله بقوله وفعله وفي كل أحواله، والتبسم للكافر المُسالم لسبب معتبر كتأليفه للدخول في الإسلام أو صلته لكونه ذا قرابة ورحم أمر جائز لا حرج فيه، ولكن يحذر من متابعته أو إقراره على شيء من باطله.

أما الموالاة المنهي عنها فهي موالاتهم في دينهم، أو مناصرتهم على المسلمين.

ويقول تعالى (وقولوا للناس حسنا) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: عليكم السام واللعنة، قالت: فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله. فقلت: يا رسول الله، ألم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قلت: وعليكم). وفي رواية: (يا عائشة عليك بالرفق، وإياك والفحش.

والرفق: هو لين الجانب في القول والفعل، بشرط ألا يُفهم منه علو الكافر على المسلم.

السابع: مشروعية المداراة والمصاحبة بالمعروف لمن ليس لك بُد من معاشرته فمن كان من الكفار لا تستطيع هجره لأي سببٍ كان فعاشره بالمعروف وداره حتى

ص: 83

يجعل الله لك منه فرجاً ومخرجاً لقوله تعالى في معاملة الوالدين الكافرين:} أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ {وتتأكد المصاحبة بالمعروف مع من يصحبك ويُبادرك الصحبة والصلة كأصحاب العمل والسفر ونحوهم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن أبي بن سلول " بل نرفق به ونُحسن صحبته ما بقي معنا ".

الثامن: مشروعية البر بالوالدين المشركين ، ومصاحبتهم في الدنيا معروفاً ولو كانوا دعاة إلى الشرك من غير موالاتهم ، والله سبحانه أوجب بر الوالدين الكافرين بالمعروف والإحسان الدنيوي وأما في الدين فأنت تتبع الدين الحق ولو خالف دين آبائك مع الإحسان للوالدين من باب المكافأة فأنت تُحسن إليهما وتُكافئهما على معروفهما ولو كانا كافرين، ويُشرع صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق ، قال تعالى (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). قال ابن كثير رحمه الله في بيان معنى المصاحبة في الدنيا معروفاً، وصاحبهما في الدنيا معروفاً أي بالمعروف وهو البر والصلة والعشرة الجميلة

انتهى) ، فالبر بالوالدين والمصاحبة بالمعروف كالقول اللين وعدم التعنيف، وعدم التأفف وعدم الزجر، والإحسان إليهما بالمال والإعانة والخدمة مشروعة كما قال تعالى:(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، وفي الصحيحين عن أسماء رضي الله عنها قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: (نعم صلي أمك.). قال الخطابي: فيه أنّ الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه، كما توصل المسلمة

انتهى. ولهذا بوب البخاري لهذا الحديث بباب الهدية للمشركين، وباب صلة الوالد المشرك، وقال ابن حجر قولها راغبة: أي في شيء تأخذه وهي على شركها، ولهذا استأذنت أسماءُ أن تصلها، ولو كانت راغبة في الإسلام لم تحتج إلى إذن، وقيل معناه: راغبة عن ديني أو راغبة في القرب مني ومجاورتي والتودد إلىّ، لأنها ابتدأت أسماءَ بالهدية التي أحضرتها، ورغبت منها في المكافأة، ولو حُمل قولها راغبة أي في الإسلام لم يستلزم إسلامها. وقال النووي: وفيه جواز صلة القريب المشرك.

وعن أبي هريرة قال: مر رسول صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي بن سلول وهو في ظل فقال: قد غبر علينا ابن أبي كبشة، فقال ابنه عبد الله: والذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب لئن شئت لأتيتك برأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا، ولكن بر أباك وأحسن صحبته ". رواه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به زيد بن بشر الحضرمي، قال أبو السعادات الشيباني في جامع الأصول في أحاديث الرسول عن زيد بن بشر وثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات.

ص: 84

وعلى هذا فالبر بالوالدين فرض عين، ولا يختص بكونهما مسلمين، بل حتى لو كانا كافرين يجب برهما والإحسان إليهما ما لم يأمرا ابنهما بشرك أو ارتكاب معصية، ففي هذه الحال عليه أن يقول لهما قولاً ليناً لطيفاً دالاً على الرفق بهما والمحبة لهما، ويجتنب غليظ القول الموجب لنفرتهما، ويناديهما بأحب الألفاظ إليهما، وليقل لهما ما ينفعهما في أمر دينهما ودنياهما، ولا يتبرم بهما بالضجر والملل والتأفف، ولا ينهرهما، وليقل لهما قولاً كريماً، ومن العجيب في هذا الباب أن بعض الفقهاء قال إذا طلب أحد الوالدين الكافرين من ولدهما إيصالهما إلى الكنيسة لعجزه عن الوصول إليها، فالواجب على الولد إيصاله إليها، ووجوب البر بهما في هذا الأمر مقيد بحال الطلب ووجود العجز، وإلا لم يجب نص على هذا فقهاء المالكية.

وقال ابن عاشور (قال فقهاؤنا: إذا أنفق الولد على أبويه الكافرين الفقيرين وكان عادتهما شرب الخمر اشترى لهما الخمر لأن شرب الخمر ليس بمنكر للكافر، فإن كان الفعل منكراً في الدينين فلا يحل للمسلم أن يُشايع أحد أبويه عليه .... انتهى) واعلم أني أورد هذه الأقوال لا لترجيحها بل لحكايتها بياناً لأهمية بر الوالدين ، واعلم أخي القارىء أن الأقارب الكفار الغير محاربين يُلحقون بالوالدين الكافرين من المصاحبة في الدنيا بالمعروف وخاصة إذا كان يعسر التحرز من هجرهم لسببٍ ما ، فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الخالة بمنزلة الأم) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، إلا أنه ينبغي أن يُعلم بأن مشروعية التعامل بالإحسان والبر بالوالدين الكافرين وصحبتهما بالمعروف وصلة الرحم الكافرة يكون دون موالاتهم وطاعتهم فيما يريدون من الشرك ومعصية الله تعالى.

التاسع: جواز صلة القريب منهم دون موالاته ، وإدخال الرحم الكافرة البيت لا إثم فيه ، فيجوز للمسلم أن يصل قريبه غير المسلم، بل ويستحب له إذا كان على الوجه الشرعي لقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

يقول ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات (ولما نزلت هذه الآيات الكريمات-يقصد أول سورة الممتحنة- المهيجة على عداوة الكافرين، وقعت من المؤمنين كل موقع، وقاموا بها أتم القيام، وتأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين، وظنوا أن ذلك داخل فيما نهى الله عنه. فأخبرهم الله أن ذلك لا يدخل في المحرم فقال:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلماً:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} ، [وقوله:] {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ

ص: 85

الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} أي: لأجل دينكم، عداوة لدين الله ولمن قام به، {وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا} أي: عاونوا غيرهم {عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} نهاكم الله {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} بالمودة والنصرة، بالقول والفعل، وأما بركم وإحسانكم، الذي ليس بتول للمشركين، فلم ينهكم الله عنه، بل ذلك داخل في عموم الأمر بالإحسان إلى الأقارب وغيرهم من الآدميين، وغيرهم

انتهى)

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر بن الخطَّاب حلَّة سيراء - أي حرير - عند باب المسجِد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريْتها فلبسْتَها يوم الجمعة وللوفد، قال:((إنَّما يلبسها مَن لا خَلاق له في الآخِرة))، ثمَّ جاءت حلل فأعْطى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عُمَر - منها حُلَّة، وقال: أكسوْتَنيها وقلت في حلَّة عُطَارِد ما قُلْت؟! فقال: ((إنِّي لم أكسُكها لتلبسها))، فكساها عمر أخًا له بمكَّة مشركًا؛ رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم ستفتحون أرضاً يُذكر فيها القيراط وفي رواية ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً وفي رواية فإذا افتتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحماً أو قال ذمة وصهراً رواه مسلم قال العلماء الرحم التي لهم كون هاجر أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم منهم والصهر كون مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية «وأنذر عشيرتك الأقربين» دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا فعم وخص وقال يا بني عبد شمس يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها رواه مسلم ، والبلال الماء ومعنى الحديث سأصلها شبه قطيعتها بالحرارة تطفأ بالماء وهذه تبرد بالصلة، والشاهد قوله عليه الصلاة والسلام لعشيرته الكفار (غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها) ، والنبي عليه الصلاة والسلام وصل أقاربه الكفار، وصل عمه أبا طالب، وكان يأتيه ويدعوه إلى الإسلام، وغير ذلك، وإذا تقرر جواز صلة الرحم الكافرة فجواز صلة الرحم الفاجرة الفاسقة التي لا تزال مسلمة من باب أولى، ولتعلم أن الصلة بالمعنى العام يدخل فيها الأرحام الكفار والفساق وإن كانت صلتهم عموماً تكون دون صلة الأرحام المسلمين الصالحين، والذي ينبغي من جهة الكمال والاستحباب أن تكون صلة الرحم الكافرة -غير الوالدين -من أجل التأليف على الإسلام أو مراعاة وجود من تحت ولايته من الأبناء المسلمين كما قال ابن حجر:"إن صلةَ الرحم الكافر ينبغي تقييدها بما إذا آنس منه رجوعاً عن الكفر، أو رجا أن يخرج من صلبه مسلم كما في الصورة التي استدلّ بها وهي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لقريش بالخصب وعلّل بنحو ذلك، فيحتاج من يترخّص في صلة رحمه الكافر أن يقصد إلى شيء من ذلك"انتهى.

ص: 86

العاشر: تحرم موالاة الكفار كموالاة المسلمين أي مولاة مطلقة شاملة لجميع مفردات الولاية بل يجب البراءة منهم على الوجه الذي أراده الله والبراءة من أعمالهم المخالفة للشرع وتتأكد البراءة في حق من كان مُتلبساً بكفره وتحرم مودتهم مودة دينية أي مودة على الدين ولما حرم الله الكفر والشرك حرم الله كل طريق يؤدي إليها من طاعات الشيطان واتخاذ الكافرين والمشركين أولياء ويحرم تعظيمهم ويحرم متابعتهم على معاصيهم أو إقرارهم على شيء من باطلهم ويحرم إعانتهم على الإثم والعدوان ويحرم شهودهم حال خوضهم في منكراتهم ، قال تعالى في تحريم موالاتهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وأما الدليل على وجوب البراءة منهم ما رواه الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعه على أن (تنصح لكل مسلم، وتبرأ من الكافر)، وأما الدليل على تحريم مودتهم مودة على الدين قال تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) وأما الدليل على تحريم تعظيمهم فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقولوا للمنافق سَيِّد. فإنه إِن يَكُ سيدا فقد أسخطتم الله» . أخرجه أبو داود. وقال تعالى في حق الوالدين المشركين وبيان تحريم متابعتهم على معاصيهم (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) والشاهد قوله (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) فدل بمفهوم المخالفة: أي لا تتبع والديك في معاصيهم وأما الدليل على حرمة إعانتهم على الإثم والعدوان قال تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وأما الدليل على حرمة شهودهم حال خوضهم في منكراتهم قال تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

الحادي عشر: لا يجوز للمسلم أن يتخذ الكافر غير المسلم صديقاً يُصافيه ويتخذه خليلاً ويواليه كالمؤمن التقي ويحب كل ما هو عليه بل ينبغي الابتعاد عن الكفار وعن معاشرتهم وصداقتهم والميل إليهم والركون إليهم وهذا في حق مجموعهم وعدم اتخاذ الكافر صديقاً لا يعني عدم الإحسان إليه أو النفقة عليه إن كان من ذوي الرحم ، وبالجملة على المسلم في تعامله مع غير المسلم أن يكون قائم على التأثير دون التأثر وإن لم يمكن التأثير فلا تأثر وهذا بخصوص الدين فقط.

الثاني عشر: تحرم محبة عموم الكفار ولو كانت هذه المحبة لغير دينهم بل يجب بغض عموم الكفار في الله ويُجزيء عن بغضهم عدم مودتهم على الأقل وأما بغض آحادهم فلا يجب وإن كان مُستحباً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله).

الثالث عشر: لا يجوز أن يُولَى كافر ولاية من ولايات المسلمين التي فيها تسلط على المسلمين أو فيها خطر عليهم ، فالوظائف العامة والخاصة ذات المساس

ص: 87

بمصالح الأمة وقوتها في دولة الإسلام لا يتولاها إلا المسلمين لأن غيرهم لا تؤمن خيانتهم.

الرابع عشر: لا يجوز مُباسطة الكفار إلى حد يجعلهم يظهرون ما هم فيه من منكرات.

الخامس عشر: مشروعية عيادة المرضى منهم ، لفعله صلى الله عليه وسلم مع المشركين واليهود. حيث روى البخاري عن أنس رضي الله عنه، أنّ غلاماً يهودياً كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده: فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم) فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:(الحمد الله الذي أنقذه من النار).

وروي البخاري من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لمّا حضرت

أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله).

ففي هذه الأحاديث الصحيحة دليل على مشروعية عيادة المريض غير المسلم، وخاصة إذا كان يطمع في تأليف قلبه على الإسلام، أو تحصل بعيادته مصالح أخر.

السادس عشر: مشروعية تعزيتهم في موتاهم ، فالصحيح من قوليّ أهل العلم أنه يجوز للمسلّم أنّ يعزي الكافر إذا مات له ميت، وخاصة عند وجود المصلحة الشرعية وقد سُئل الشيخ ابن باز عن صيغة تعزية غير المسلم، فقال: يقول: جبر الله مصيبتك، أو أحسن لك الخلف بخير، وما أشبه ذلك من الكلام الطيب، ولا يقول غفر الله له، ولا يقول: رحمه الله إذا كان كافراً أي لا يدعو للميت، وإنما يدعو للحي بالهداية وبالعوض الصالح ونحو ذلك .. انتهى. قلتُ لا يجوز الدعاء له بالمغفرة لنهي الله عن ذلك قال تعالى.

السابع عشر: جواز تبادل الهدايا معهم إذا لم تؤدي إلى موالاتهم، فالهدية تدخل في عموم البر والإحسان، ولهذا استدل الإمام البخاري –رحمه الله – في صحيحه على جواز الهدية للمشركين بالآية السابقة، حيث قال باب الهدية للمشركين، وقول الله تعالى:} لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {ثم ساق في الباب حديثين، حديث أسماء السابق، وقبله حديث ابن عمر رضي الله عنهم، أنّ عمر رضي الله عنه-رأى حّلة سيراء عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله: لو اشتريت هذه فلبستها للناس يوم الجمعة، وللوفود إذا قدموا عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة. ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلل، فأعطى عمر منها حّلة. فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها، وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أني لم أكسكها لتلبسها. فكساها عمر أخاً له مشركاً بمكة ففيه دليل على جواز الإهداء للكفار، ولو كان لا يحل لبسه للمسلمين كالحرير.

وقد قبل –صلى الله عليه وسلم الهدية من بعض الكفار؛ كقبوله من اليهودية التي أهدت إليه الشاة المسمومة فيما رواه البخاري، ومسلم، من حديث أنس – رضي

ص: 88

الله عنه- وقد روى البخاري عن أبي حميد – رضي الله عنه قال: وأهدى ملك أيلة للنبي –صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بُرداً. ولهذا بوب البخاري في صحيحه لهذه الأحاديث باب: قبول الهدية من المشركين.

وكتب له ببحرهم أي: ببلدهم الذي كان بساحل البحر في طريق المصريين إلى مكة، وروى البخاري، ومسلم، واللفظ من حديث علي – رضي الله عنه أن أكيدر بن عبد الله الكندي وكان نصرانياً وكان ملكاً لبلدة دومة أهدى للنبي –صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه علياً، فقال:"شَقِّقْهُ خٌمٌراً بين الفواطم، وفي الترمذي عن علي –رضي الله عنه: أن كسرى أهدى له –صلى الله عليه وسلم فقبل الهدية، وأن الملوك أهدوا إليه فقبل منهم. قال الترمذي: وفي الباب عن جابر – رضي الله عنه وزاد أحمد في مسنده:"وأهدى له قيصر فقبل منه".

وأخرج البخاري ومسلّم من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر – رضي الله عنهما كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي صلّى

الله عليه وسلّم: هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان أي ثائر الشعر طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبيع أم عطية؟، أو قال: أم هبة؟ قال: لا بل بيع

الحديث) وهذا يدل على جواز قبول الهدية من المشرك؛ لأنها بمثابة الهبة والعطية.

وقد روى أبو داود في سننه أن النبي –صلى الله عليه وسلم اشترى حُلَّةً ببضعة وعشرين قلوصاً (ناقة) فأهداها إلى ذي يزن، وكان ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً، أو ثلاث وثلاثين ناقة فقبلها. رواه أبو داود من حديث أنس – رضي الله عنه.

الثامن عشر: مشروعية مكافأتهم على المعروف ومن أدلة ذلك ما رواه أبو داود في سننه أن النبي –صلى الله عليه وسلم اشترى حُلَّةً ببضعة وعشرين قلوصاً (ناقة) فأهداها إلى ذي يزن، وكان ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً، أو ثلاث وثلاثين ناقة فقبلها. رواه أبو داود من حديث أنس – رضي الله عنه. وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: قال: لمَّا تُوُفِّيَ عبدُ الله يعني: ابنَ أُبَيّ بن سَلُولَ جاء ابنُه عبد الله إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أنْ يُعْطِيَهُ قميصَهُ يُكَفِّنُ فيه أباه؟ فأعطاه وقد صنع عبدالله بن ابنَ أُبَيّ بن سَلُولَ معروفاً بعمه العباس فأحب رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يكافئه. وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه: قال: «لما أَسَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَن أَسَر يوم بدر من المشركين قال: لو كان المطعِم بنُ عَدِيّ حيّا، ثم كلَّمني في هؤلاء النَّتْنَى، لتركتهم له» . أخرجه البخاري، وأبو داود. وقد كان لجبير بن مطعم معروفاً على الرسول عليه الصلاة والسلام قبل هجرته للمدينة. وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم-في الحديث الذي أخرجه أبو داود، والنسائي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما -وفيه. (وَمَنْ صَنَعَ إِليكم معروفا فكافئوه) وقال تعالى في حق الوالدين المشركين (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) وذلك لمكافأتهما على صنيعهما ومعروفهما بابنهما.

ص: 89

التاسع عشر: مشروعية حسن الجوار معهم لعموم قوله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) والجار الجنب: يشمل الجار الغريب البعيد مسلماً كان أو مشركاً، يهودياً كان أو نصرانياً.

قال القرطبي: الوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلماً كان أو كافراً وهو الصحيح

انتهى. والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة، وكف الأذى والمحاماة عنه، ويشمل الجوار الجار في العمل وفي السفر ونحو ذلك، روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).

وعن أبي شريح أنّ النبي-صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه). وهذا عام في كل جار، وقد أكّد عليه الصلاة والسلام ترك أذيته بقسمه ثلاث مرات، وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذى جاره، فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى الجار بغير حق، وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه وحضَا عليه.

وهذا العموم في الإحسان إلى الجار هو ما فهمه صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم وطبقوه مع غير المسلمين.

أخرج أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنه ذُبحت شاةٌ، فقال لأهله: أهديتم لجارنا اليهودي؟ قالوا: لا، قال: ابعثوا إليه منها، فإني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم يقول): ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)

انتهى.

وعن مجاهد قال: كنت عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وغلامه يسلخ شاة، فقال: يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، فقال رجل من القوم: اليهودي أصلحك الله؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار حتى خشينا أنه سيورثه

انتهى.

العشرون: مشروعية الصدقة على مساكينهم ، بل ويجوز للحاكم أن يعطي أهل الذمة والعهد من المال لمصلحة شرعية أو لحاجتهم ، وعليه فيجوز للمسلم أن يتصدق على غير المسلّم من غير المحاربين، ومن غير الزكاة، لعموم قوله تعالى:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [والقسط يشمل العدل، ويشمل الصَلة، قال ابن العربي قوله تعالى (وتقْسِطُوا ِإلَيهِم) أيَ تعطوهم قسطاً من أموالكم على وجه الصلة، وليس يريد به من العدل، فإنّ العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل

انتهى.

ولقوله تعالى: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) فقد جاء في سبب نزولها أنّ ناساً من المسلمين كرهوا أن يرضخوا

ص: 90

لأنسابهم من المشركين، فسألوا فرخص لهم، فنزلت هذه الآية، فأمروا بالصدقة بعدها على كل من سأل من كلِّ دين.

قال ابن جريرفي تفسيره: يعني -تعالى ذكره- بذلك: ليس عليك يا محمد هدى المشركين إلى الإسلام فتمنعهم صدقة التطوع، ولا تعطهم منها ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها، ولكن الله هو يهدي من يشاء من خلقه إلى الإسلام فيوفقهم، فلا تمنعهم الصدقة .... انتهى.

والصدقة تدخل في عموم قول الله تعالى (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)).

وبهذا يتبين أن الصدقة على غير المسلمين مستحبة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (في كل كبد رطبة أجر) متفق عليه.

وهذا التعامل هو ما سار عليه الخلفاء الراشدون في صدر الإسلام، ومن بعدهم في معاملتهم لأهل الذمة، ففي خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه لأهل الحيرة بالعراق- وكانوا نصارى- كتاباً مطولاً في بيان ما عليهم من الواجبات، وما لهم من الحقوق، ومما جاء فيه: وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله.

وفي خلافة عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة رسالة مطولة في الوصية بأهل الذمة، جاء فيها: وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولّت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه

وذلك أنه بلغني أنّ أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذّمة يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثمّ ضيعناك في كبرك، قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه.

الحادي والعشرون: يجوز استخدام الكفار المحايدين للدعاية لصالح المسلمين وإيقاع الرعب والهزيمة المعنوية في الكفار المحاربين وقد دل على ذلك سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

الثاني والعشرون: يجوز أكل ذبائح أهل الكتاب ما لم يعلم أنها ذُبحت على غير الوجه الشرعي كالخنق؛ لقوله تعالى:"الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ". وهذا ما أجمع عليه أهل العلم أن ذبائح أهل الكتاب حلال، وفي البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي –صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم". وفي البخاري، ومسلم من حديث أنس – رضي الله عنه:"أن امرأة يهودية أتت رسول الله –صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها

" الحديث. قال ابن حجر: (ومن أحكام قصة خيبر جواز الأكل من طعام أهل الكتاب، وقبول هديتهم. (

الثالث والعشرون: يجوز نكاح نساء أهل الكتاب عند جمهور أهل العلم؛ لقوله –سبحانه-"والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم".

ص: 91

قال ابن قدامة: (ليس بين أهل العلم اختلاف في حل نساء أهل الكتاب، ولكن ترك نكاحهن والاستغناء بالمحصنات من المؤمنات أولى وأفضل) ويجوز محبة الزوجة الكتابية بمقتضى الطبع أي لغير دينها.

الرابع والعشرون: يجوز التعاون والتحالف مع الكفار في كل أمر يكون فيه بر وتقوى بشرط أن لا يؤدي إلى موالاتهم، فإذا حالف المسلمون أمة غير مسلمة على أمة مثلها ; لاتفاق مصلحة المسلمين مع مصلحتها، فهذه المحالفة لا تدخل في عموم المنهي عنه قال تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن حلف الفضول الذي كان قبل مبعثه وكان حلفاً مع المشركين (لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً لو دعيت به في الإسلام لأجبت) وسبب هذا الحلف أن قريشًا كانت تتظالم في الحرم فقام عبد الله بن جدعان والزبير بن عبد المطلب فدعوا إلى التحالف على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم فأجابوهما وتحالفوا في دار ابن جدعان.

الخامس والعشرون: يجوز استخدام الكفار واستعمالهم في الوظائف بشرطين الأول تعذر من يحل محل الكفار من المسلمين، الثاني أن يؤمن جانبهم على الإسلام والمسلمين، ويجوز للمسلم الاستعانة بالكافر غير المحارب في الأمور الدنيوية التي لا تتصل بالدين ، وعموماً ينبغي التفريق بين استخدام الكافر كشخص بمفرده في أمر من الأمور وبين استخدامه كصاحب سلطة ونفوذ في أمر من أمور الدولة الإسلامية فالأول جائز والثاني لا يجوز.

السادس والعشرون: جواز تهنئتهم بالأمور الدنيوية التي لا صلة لها بالدين والعقيدة إذا اقتضت المصلحة الشرعية ذلك؛ وإنما المنهي عنه تهنئتهم بأعيادهم الدينية ، كالتهنئة بالولد، أو بسلامة الوصول من السفر، أو نحو ذلك، فالأصل الجواز؛ لعموم قوله تعالى:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} .

السابع والعشرون: استحباب الدعاء لهم بالهداية ، فالدعاء لغير المسلمين بالهداية جائز بل هو مستحب، حتى لو كانوا محاربين، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لطوائف كثيرة من الكفار بالهداية، فمن ذلك: ماروه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً، فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله تعالى أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اللهم اهد أم أبي هريرة).

وقَدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنّ دوساً قد عصت وأبت، فادع الله عليها، فظن الناس أنه يدعو عليهم، فقال صلى الله عليه وسلم:(اللهم اهد دوساً وائت بهم).

وعن جابر رضي الله عنه أنّ الصحابة قالوا: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم، فقال:(اللهم اهد ثقيفاً).، فأسلموا وقدموا المدينة.

ص: 92

وهذا الهدي قد يجهله بعض المسلمين، فتدفعهم الغيرة والحمية للدين إلى أن يدعو على عموم الكافرين بالهلاك والدمار، وهذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.

الثامن والعشرون: تُشرع محبة الخير والهداية للناس جميعاً مؤمنهم وكافرهم والرحمة والشفقة عليهم ولا علاقة لهذه المحبة بالبراء الشرعي من المشركين ، بل إن شفقة المؤمن على الكافر لقرابته أو لإحسانه وكذلك خوف المؤمن على قومه وعشيرته من عاقبة ما هم فيه من الكفر ورحمتهم لا تُنافي كمال الإيمان المستحب ناهيك عن الواجب فهذا نوح قال الله عنه يوم الطوفان} وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {وقوله لقومه بعد أمرهم بتوحيد الله} إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {فنوح يُشفق على ابنه الكافر وعلى قومه الكفار ومنه قول إبراهيم لأبيه} يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا {، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: " إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر، فإذا هو بذيخ ملتطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار " فإبراهيم يُشفق على أبيه الكافر ، ومن ذلك قول شعيب لقومه بعد نصحه لهم} َإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ {، ومن ذلك أيضاً قول هود لقومه بعد وعظهم} إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {، ومن ذلك أيضاً قول مؤمن آل فرعون لقومه بعد تذكيرهم بالله} وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ {، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي) ومن المعلوم أن البكاء والشفقة لا يكونان إلا من ميل قلبي جبلي لا يُؤاخذ عليه الإنسان.

التاسع والعشرون: اتفق أهل العلم على أن من تخشى على نفسك الافتتان به وأن يضرك في دينك فيجب عليك هجره ولو كان قريباً لك ولو لم يتبين لك كفره أي بمعنى لو كان فاسقاً مسلماً ويستثنى من وجوب هجره هجراً جميلاً وعدم صلته ما كان على سبيل المداراة وصلته بما لا يُدخل عليك ضرر في دينك كصلته بالمال ونحوه.

الثلاثون: جواز مصاحبة الكفار المسالمون ومؤاكلتهم ومشاربتهم لحاجة كعمل بينك وبينهم أو كان ذلك لمصلحة شرعية راجحة كدعوة أوصلة للرحم وضيافتهم إذا كانوا ضيوفاً فلا بأس بذلك ما لم يصل إلى حد موالاتهم.

الحادي والثلاثون: يجوز الدعاء للكافر بالشفاء من مرض والعافية منه للمصلحة كرجاء إسلامه وتأليف قلبه ونحوه.

الثاني والثلاثون: تجوز الاستجارة بالكافر لحماية الدعوة.

ص: 93