المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم إعانة الكافر على المعصية: - الولاء والبراء والعداء في الإسلام

[أبو فيصل البدراني]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌شروط لا إله إلا الله:

- ‌الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله:

- ‌حقيقة الإسلام والكفر:

- ‌نواقض الإسلام:

- ‌ خلاصة مذهب أهل السنة والجماعة في فقه الإيمان والكفر وضوابط تكفير المعين

- ‌فقه تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله:

- ‌فقه التفسيق:

- ‌تعريف الكبيرة

- ‌تعداد جملة من كبائر الذنوب:

- ‌الموقف من الذنوب المختلف في تصنيفها بين الكبائر والصغائر:

- ‌تعريف الصغيرة

- ‌تعداد جملة من صغائر الذنوب

- ‌تعريف الإصرار

- ‌ضابط الإصرار على الصغيرة المفسق:

- ‌حقيقة القول بأنه لا صغيرة مع الإصرار:

- ‌أقسام المكلفين وتصنيفهم من حيث الشرع:

- ‌المفهوم اللغوي للموالاة والتولي:

- ‌المفهوم اللغوي للمعاداة:

- ‌المفهوم اللغوي للبراءة:

- ‌المفهوم الشرعي للموالاة والبراءة والمعاداة:

- ‌الفرق بين الموالاة والتولي في المفهوم الشرعي ومناط التكفير فيهما:

- ‌حقيقة قول من يقول أن تحقيق الولاء والبراء قد يؤدي إلى نفور الكفار من الإسلام:

- ‌اختلاف موقف الشرع من مجموع الكفار وآحادهم:

- ‌محل مشروعية البراءة من المعصية دون العاصي:

- ‌فقه المحبة إجمالاً:

- ‌حكم المحبة الطبيعية لغير المكلفين:

- ‌فقه الحب والبغض:

- ‌حقيقة الحب في الله والبغض في الله:

- ‌الناس في ميزان الحب والبغض في الله:

- ‌حكم العدل في المحبة الشرعية:

- ‌حق المسلم على المسلم:

- ‌من مظاهر الولاء للمؤمنين:

- ‌عدم تعارض البغض في الله مع سلامة الصدر المحمودة:

- ‌حكم مودة أطفال المشركين وكل من هو غير مكلف منهم:

- ‌حكم مودة الكافر للمؤمن:

- ‌حكم طلب مودة الكفار غير المحاربين:

- ‌من مظاهر الولاء المحرم للكفار:

- ‌من مظاهر البراء من الكفار:

- ‌منهج التعامل مع أهل البدع المسلمين:

- ‌حكم مضاحكة وممازحة الفاسق المسلم:

- ‌حكم صحبة الفاسق ومصادقته:

- ‌حكم إظهار البغض للفساق

- ‌مختصر منهج التعامل مع الكفار عموماً:

- ‌ضابط اللطف المشروع بلا خلاف مع الكفار غير المحاربين:

- ‌بعض المسائل التي لا تنافي العداوة من المشركين المحاربين:

- ‌حكم حسن التعامل وصلة القريب المشرك المحارب للدين وأهله:

- ‌حكم البر والإحسان لآحاد الكفار المقيمين بدار الحرب:

- ‌حكم مُطلق البر والإحسان للكافر المعين المحارب للدين وأهله:

- ‌كيفية تعامل المجاهد المسلم مع أرحامه إذا كانوا في صف الكفار المحاربين للإسلام وأهله:

- ‌هل للمسلم أن يعمد لقتل أبيه الباغي أم لا

- ‌حكم قتل المسلم بالكافر:

- ‌حكم مساكنة الكفار والفجار على وجه العموم:

- ‌حكم تقبيل رأس الكافر المحارب وتقبيل غير المحارب:

- ‌حكم بر الأقارب المشركين المسالمين للدين وأهله:

- ‌حكم السفر لبلاد الكفر والشرك:

- ‌حكم إعطاء الزكاة للكافر:

- ‌حكم خيانة العهد مع الكفار:

- ‌حكم العمل عند المشركين:

- ‌حكم إطلاق كلمة أخ على الكافر:

- ‌حكم مؤاكلة ومشاربة الكافر:

- ‌حكم تغسيل الكافر ودفنه:

- ‌شروط تشييع جنازة الكافر القريب:

- ‌حكم الالتزام بقوانين بلاد غير المسلمين:

- ‌أحكام غير المسلمين في القصاص والحدود والتعزيرات:

- ‌حكم الاستعانة بالمشركين في الحرب والاستعانة بسلاحهم:

- ‌حكم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم الدينية أو الدنيوية:

- ‌ما بين التشبه والولاء من علاقة:

- ‌حكم تزويج المرأة المسلمة بالرجل الكافر:

- ‌حكم الدعاء وقول جزاك الله خير للكافر:

- ‌حكم السلام على الكافر:

- ‌حكم الثناء على الكفار ومدحهم:

- ‌حكم مشاركة الكافر في التجارة:

- ‌محل مشروعية إظهار العداوة والبغضاء والهجر للكفار المسالمين:

- ‌الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم:

- ‌أنواع القتال في الإسلام والحكمة منه:

- ‌تعريف الجزية وحكمها:

- ‌المقاطعة الاقتصادية:

- ‌الإعانة على الإثم والعدوان حدوده وضوابطه:

- ‌حكم إعانة الكافر على المعصية:

- ‌كيفية معاشرة الكافر الذي له حق واجب في المعاشرة:

- ‌خلاصة حكم مودة المؤمن للكافر:

- ‌ حكم مودة المؤمن للكافر

- ‌شبهات وإشكالات:

- ‌الإشكال الثالث:

- ‌الإشكال الرابع:

- ‌الإشكال السابع:

- ‌الإشكال الثامن:

- ‌الخاتمة:

الفصل: ‌حكم إعانة الكافر على المعصية:

ابن عمر مرفوعا:"لعن الله الخمر، وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها" رواه أبوداود. ووسعه آخرون

حتى حرموا ما أحل الله، وتنزهو عما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد سأل خياطٌ بعضهم، فقال: أنا ممن يخيط للظلمة؛ فهل أُعّدُّ من أعوانهم؟

فقال: لا! أنت منهم، والذي يبيعك الإبرة من أعوانهم. ذكره الآلوسي في "روح المعاني".

فعليه كل ما كانت العادة فيه جارية أن العقلاء المحبون يجيزونه لمتبوعيهم

مما قد يُظن أنه ذريعة إلى معصيتهم فمثله في الشريعة مباح، وكل ما يمقتونه

من أسباب غضب أولئك المتبوعين فمنع مثله في الشريعة أولى ، وإذا أخذت

بهذا الضابط تجلى لك الأمر، وكنت وسطاً بين الغالين والجافين بغير برهان.

ثم ما يقع ـ بعد ذلك ـ بين الواضح في حرمته، وبين الواضح في إباحته فهو من

مسائل الشبهات التي تُكره عند عامة أهل العلم، ويتحول حكمها إلى الإباحة

إذا وجدت حاجة إليها ، ومع عدم الحاجة فإن هذا الموضع المشكل محلٌ للورع

والاحتياط عند ذوي الديانة والله أعلم.

‌حكم إعانة الكافر على المعصية:

قبل بيان حكم هذه المسألة لا بد من تحرير القول في مسألة وهي هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟

أقول لا شك أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهو قول الجمهور، قال ابن النجار في شرح الكوكب المنير: والكفار مخاطبون بالفروع -أي بفروع الإسلام- كالصلاة والزكاة والصوم ونحوها، عند الإمام أحمد والشافعي والأشعرية وأبي بكر الرازي والكرخي وظاهر مذهب مالك، فيما حكاه القاضي عبد الوهاب وأبو الوليد الباجي، وذلك لورود الآيات الشاملة لهم، مثل قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا). وقوله تعالى: (يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ). وقوله عز وجل: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ). وقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ). وقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ). وقوله عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ). وقوله أيضاً: (يَا أُولِي الْأَبْصَارِ). ا. هـ

والمقصود بخطابه بها، أنه يعاقب عليها في الآخرة، لا أنه يُطالب بفعلها في الدنيا.

قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: فالكافر الأصلي مخاطب بها خطاب عقاب عليها في الآخرة، لتمكنه من فعلها بالإسلام، لا خطاب مطالبة بها في الدنيا لعدم صحتها منه. ا. هـ

وقال في شرح الكوكب المنير: والفائدة أي: فائدة القول بأنهم مخاطبون بفروع الإسلام كثرة عقابهم في الآخرة، لا المطالبة بفعل الفروع في الدنيا، ولا قضاء ما فات منها. ا. هـ

ونقل ابن النجار عن النووي قوله: ومرادهم في كتب الأصول: أنهم يعذبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب الكفر، فيعذبون عليها وعلى الكفر جميعاً، لا على الكفر وحده. ا. هـ

ومما استدل به جمهور العلماء على ما ذهبوا إليه:

1 -

قول الله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ)[النحل:88].

قال ابن النجار: أي فوق عذاب الكفر، وذلك إنما هو على بقية عبادات الشرع. ا. هـ

2 -

قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)[آل عمران:97].

وجه الدلالة أن لفظ (الناس) اسم جنس معرف بأل الاستغراقية، فيشمل جميع الناس، والكفار

ص: 77

من جملة الناس، ولا يوجد مانع عقلي من دخول الكفار في هذا الخطاب، والمانع العقلي هنا هو فقد التحكم من الفعل، والكافر يمكنه أن يحج بأن يقدم قبله الإيمان، كما أن المسلم المحدث يوصف بالتمكن من الصلاة بأن يقدِّم عليها الطهارة، ولا يوجد مانع شرعي كذلك، لأنه لو وجد لعرفناه.

3 -

قوله تعالى عن أهل النار: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ)[المدثر:42 - 46].

وجه الدلالة: أن الله تعالى أخبر عنهم أنهم إنما عاقبهم يوم القيامة، وسئلوا عما عاقبهم لأجله فاعترفوا بأنهم عوقبوا على ترك إقامة الصلاة، وإطعام الطعام، فدل على أن الخطاب متوجه إليهم بالعبادات.

4 -

قوله تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ* الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)[فصلت:6 - 7].

وجه الدلالة: أن الله تعالى توعد المشركين على شركهم، وعلى ترك إيتاء الزكاة، فدل ذلك على أنهم مخاطبون بالاثنين معاً، لأنه لا يتوعد على ترك الصلاة ما لا يجب على الإنسان.

5 -

قوله تعالى: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى)[القيامة:31 - 32].

وجه الدلالة: أن الله تعالى ذم -هنا- الكفار لتركهم الصلاة، وهي من فروع الشريعة، مما يدل على أن الكفار مكلفون بالفروع.

وغير ذلك من الأدلة على قوة مذهب الجمهور مع العلم بأن العلماء قد أجمعوا على خطاب الكفار بأصل الإيمان، والعقوبات كالحدود والقصاص، والمعاملات كالبيع والشراء.

قال في التوضيح: ذكر الإمام السرخسي لا خلاف في أن الكفار يخاطبون بالإيمان، والعقوبات والمعاملات، وبالعبادات في حق المؤاخذة في الآخرة لقوله تعالى:(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ).

وقال ابن النجار في شرح الكوكب المنير: كما أنهم مخاطبون بالإيمان والإسلام إجماعاً لإمكان تحصيل الشرط، وهو الإيمان. ا. هـ

يقصد أن تحصيل الإيمان شرط لصحة العبادات منهم، فوجب عليهم.

والسبب في تكليف الكفار بالمعاملات أن المعاملات قُصِد بها الحياة الدنيا، فالكفار بها أنسب، لأنهم آثروا الحياة الدنيا على الآخرة.

والسبب في تكليفهم بالعقوبات: أن العقوبات قصد بها الزجر عن ارتكاب أسبابها، والكفار أحق بالزجر وأولى به من المؤمنين.

وبناءً على ما تقدم، فلا يجوز للمسلم أن يعين أحد من الكفار على شيء من المحرمات في ديننا ولو كان أحد والديه الكافرين أو زوجته الكتابية، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان وهو منهي عنه شرعا بقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2} .

وجاء في أحكام أهل الذمة لابن القيم: وقال في رواية محمد بن يحيى الكحال في الرجل تكون له امرأة أو أمة نصرانية تقول اشتر لي زنارا فلا يشتري لها تخرج هي تشتري، فقيل له جاريته تعمل الزنانير قال: لا، قال القاضي: أما قوله لا يشتري هو الزنار، لأنه يراد لإظهار شعائر الكفر فلذلك منعه من شرائه وأن يمكن جاريته من عمله، لأن العوض الذي يحصل لها صائر إليه وملك له وقد منع من بيع ثياب الحرير من الرجال إذا علم أنهم

ص: 78