الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعكس باستثناء المسلمة الزانية مع العلم أن الزواج لا بد أن توجد فيه المودة والرحمة.
فقه الحب والبغض:
حقيقة الحب في الله والبغض في الله:
فالحب لله هو الحب للمؤمن من أجل دين الله وطاعته وامتثال أوامره لا لمصلحة دنيوية أو قرابة، والبغض عكسه، فهو بغض العاصي بسبب معصيته بقدر معصيته وبغض الكافرين والبراء منهم ، والبغض في الله درجات كما أن الحب في الله درجات وأقل درجات الحب في الله هي سلامة الصدر من الغل والحسد والضغينة نحو من تحبه ، وأعلى درجات المحبة في الله هي الإيثار.
وقد ذكر ابن حجر عند شرح حديث الصحيحين: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
قال ابن حجر: وأن يحب المرء قال يحيى بن معاذ: حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء
…
انتهى. وقال المباركفوري في شرح الترمذي: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله أي لا يحبه لغرض وعرض وعوض ولا يشوب محبته حظ دنيوي ولا أمر بشري، بل محبته تكون خالصة لله تعالى، فيكون متصفاً بالحب في الله وداخلاً في المتحابين لله. اهـ.
وقال المناوي: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله: أي لا يحبه لغرض إلا لغرض رضا الله حتى تكون محبته لأبويه لكونه سبحانه أمر بالإحسان إليهما ومحبته لولده لكونه ينفعه في الدعاء الصالح له وهكذا
…
انتهى.
وقال أيضاً عند شرح حديث أبي داود: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان).قال: من أحب لله أي لأجله ولوجهه مخلصاً لا لميل قلبه وهوى نفسه، وأبغض لله لا لإيذاء من أبغضه له بل لكفره أو عصيانه.
وقال أيضاً عند شرح حديث المسند: (أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله وتعمل لسانك في ذكر الله عز وجل وأن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وأن تقول خيراً أو تصمت).
قال: (أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله لا لغيره، فيحب أهل المعروف لأجله لا لفعلهم المعروف معه، ويكره أهل الفساد والشر لأجله لا لإيذائهم له
…
انتهى).
وعلامة البغض في الله ألا يزيد البغض بالإساءة الشخصية ولا ينقص بإحسانه إليه.
الناس في ميزان الحب والبغض في الله:
أصناف الناس بحسب الحب والبغض الديني ثلاثة إجمالاً:
القسم الأول: من يُحب جملة وهو من آمن بالله ورسوله واستقام على دين الله كالرسل والأنبياء عليهم السلام ومن اتبعهم بإحسان ، وهم درجات متفاوتة علماً بأن محبة عموم المؤمنين واجبة وأما محبة أفراد المؤمنين غير رسل الله وأنبياؤه فهي مستحبة غير واجبة في أعيانهم.
القسم الثاني: من يُحب من وجه ويُبغض من وجه فهو المسلم الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فيجب أن يوالى على قدر ما معه من الخير ويُبغض على قدر ما معه من الشر ولا يُخرج من الإيمان بالكلية بمجرد الذنوب والمعاصي ولا يُجعل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون بمنزلة الفساق في الإيمان والدين والحب والبغض والموالاة والمعاداة ولا يُجعل
بغضه على ما معه من الشر قاطعاً وقاضياً على ما معه من الخير فلا يحبه ألبته ، وعلى هذا فإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير واستحق من البراءة والعقاب بحسب ما فيه من الشر ويجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة كاللص تُقطع يده لسرقته ويُعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته ، وهذا الصنف درجات فمنهم من تغلب محبته في الله ومنهم من يغلب بغضه في الله دون إهمال حقه من الولاية العامة وذلك أن عصاة المؤمنين وأهل البدع غير المكفرة صنفان الصنف الأول هم من يرجح خيرهم على شرهم فهؤلاء تترجح محبتهم ومودتهم على بغضهم والبراءة منهم ، وإن رجح شرهم على خيرهم فالعكس ، والحكم في ذلك للغالب منهما علماً بأن بغض عصاة المؤمنين وأهل البدع غير المكفرة الراجح شرهم على خيرهم واجب على جهة العموم، أما أفرادهم فبغضهم مستحب ولا يصل إلى درجة الوجوب ، وأما محبة أفرادهم في الله فمكروه ولا يصل إلى درجة التحريم وعلى هذا لا يجب وجوبًا مطلقًا قطع الموالاة بين الفساق والعصاة من المسلمين وبين بقية المسلمين كما هو الشأن مع الكفار الخارجين على الإسلام وإذا أردت الدليل على ذلك فهذا عبد الله بن حمار عبد الله، كان يلقب حماراً. قال ابن حجر: كان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويضحكه في كلامه
…
انتهى. وهو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب الخمر، فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله) مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ، وبالجملة علينا أن ننظر إلى عصاة المؤمنين بعين الرحمة والشفقة دون أن يحملنا ذلك على التعالي عليهم، أو أننا أحسن منهم؛ فلو شاء الله تعالى كنا مثلهم أو أسوأ منهم، والقلب بين أصابع الرحمن، وربما وُجد عند من يعمل بعض الفسق من العبودية لله في بعض أحواله ـ بسبب احتقاره لنفسه وعمله وبسبب ذله لله ـ أعظم ممن ظاهره الصلاح وباطن قلبه العجب والإدلال على الله بالعمل.
وبهذا يتبين للمسلم بأن الظن في أن البراءة من أصحاب المعاصي يقتضي مقاطعتهم نهائياً والمساواة بينهم وبين الكفار ظن خاطيء ، وإن على المؤمن أن يوالي في الله كما ذكرنا، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما {فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي، وأمر بالإصلاح بينهم، فليتدبر المؤمن: أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته أو البراءة منه بحسب كفره وإن أعطاك وأحسن إليك ، فإن الله سبحانه بعث الرسل، وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه، والإكرام والثواب لأوليائه والإهانة والعقاب لأعدائه.
القسم الثالث: من يُبغض جملة وهو من كفر بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وبغض الكفار درجات متفاوتة وكما يتفاوت حب أهل الإيمان بحسب رسوخهم وإمامتهم فيه فكذلك تتفاوت معاداة وبغض الكفار والبراءة منهم بحسب رسوخهم وإمامتهم فيه فالكافر المحارب للدين وأهله له أولى من بغض الكافر المسالم ، علماً بأن البغض في الله لأفراد الكفار المسالمين للدين وأهله مستحب ويُجزيء عن بغضهم في الله عدم مودتهم على الأقل والبراءة منهم ، وأما مجموع الكفار فيجب بغضهم في الله والعداوة لأهل الحرب منهم.