الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول الرادّ من المسلمين الرد الشرعي باللفظ الشرعي، مثل تحيته أو أحسن لعموم قوله تعالى:(وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردّوها).
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ:
" فلو تحقق السامع أن الذي قال له: سلام عليكم لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام أو يقتصر على قوله: وعليك؟ فالذي تقتضيه الأدلة وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال تعالى:(وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها). فندب إلى الفضل، وأوجب العدل، ولا ينافي هذا شيئاً من أحاديث الباب بوجه ما، فإنه صلى الله عليه وسلم، إنما أمر بالاقتصار على قول الراد: وعليكم على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم، ثم قال ابن القيم: والاعتبار وإن كان لعموم اللفظ فإنما يعتبر عمومه في نظير المذكور لا فيما يخالفه. قال الله تعالى: (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول) المجادلة / 8.
فإذا زال هذا السبب، وقال الكتابي: سلام عليكم ورحمة الله فالعدل في التحية أن يرد عليه نظير سلامه. انتهى من أحكام أهل الذمة 200/ 1.
حكم الثناء على الكفار ومدحهم:
الثناء والمدح إما أن يكون للصفات والخلال، أو أن يكون للأشخاص والأعيان.
فأما حكم الثناء والمدح للصفة فكل صفة محمودة شرعاً فلا مانع من مدحها بل يلزم ذلك أحياناً بغض النظر عمن صدرت منه ، وكل صفة مذمومة شرعاً فيحرم إقرارها والثناء عليها بغض النظر عمن صدرت منه.
ويدل على هذا بوضوح مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم لحلف الفضول أو حلف المطيبين.
وقد كان حلفا في الجاهلية بين قوم كفار، لكنه لما كان من أجل إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم ورد الحقوق إلى أهلها جاز الثناء عليه لأجل ذلك.
فقال صلى الله عليه وسلم: (شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه). وحلف المطيبين – كما في النهاية -: (اجتمع بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية وجعلوا طيبا في جفنه وغمسوا أيديهم فيه، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، فسموا مطيبين) أهـ.
والمراد بحلف المطيبين هو حلف الفضول، كما جزم بذلك الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 291).
ومن الأدلة أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة: (أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل)، وقد قال لبيد ذلك في جاهليته قبل أن يسلم، فإنه ترك الشعر بعد إسلامه ولم يقل إلا بيتاً واحداً ليس هذا هو، فلم يتحرج النبي صلى الله عليه وسلم من مدح كلمة قالها كافر حال كفره، ما دامت حقاً.
وأما حكم الثناء على أشخاص الكفار ومدحهم لأجل كفرهم فمحرم بل هو كفر بالاتفاق وأما الثناء على الكفار ومدحهم لأجل دنياهم فيختلف حكمه بحسب الباعث عليه فإن كان الثناء عليهم ومدحهم بلا سبب يقتضي ذلك شرعاً ، وكان على وجه يدعو للفتنة بهم وموالاتهم
فيحرم لا سيما وأن المدح والثناء من غير إكراه وموجب شرعي فرع عن المحبة المحرمة لهم، قال العلامة صديق حسن خان في كتابه (العبرة فيما ورد في الغزو والشهادة والهجرة)
" مدح الكفار لكفرهم ارتداد عن دين الإسلام، ومدحهم مجردا عن هذا القصد، كبيرة يعزر مرتكبها بما يكون زاجراً له ".
وقال العلامة الأهدل: " أما حكم من يمدحهم فهو فاسق، عاص مرتكب لكبيرة، يجب عليه التوبة منها، والندم عليها، هذا إذا كان مدحه لذات الكفار من غير ملاحظة صفة الكفر التي فيهم، فإن مدحهم من حيث صفة الكفر فهو كافر، كأنه مدح الكفر " من كتاب: السيف البتار على من يوالي الكفار للعلامة عبدالله بن عبدالباري الأهدل المتوفى سنة 1271 هجرية.
وعلى هذا فذكر ما عند الكفار من أخلاق محمودة على وجه الإعجاب بهم وتعظيم شأنهم والمدح لهم بلا موجب شرعي حرام لأن ذلك مناقض لحكم الله فيهم والله قد ذمهم وتوعدهم وشبههم بالأنعام كما قال تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) وقال تعالى (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) وقال تعالى: (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) وهذا شأن جميع أصناف الكفار.
وأما إن كان الثناء عليهم ومدحهم بسبب وموجب شرعي أو على الأقل يكون على وجه لا يدعو للفتنة بهم ولا موالاتهم فلا بأس بذلك ومنه ما يرويه محمد بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما اشتد أذى قريش لهم: (لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه).
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم (وَقَدْ) رَأَى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ - إنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ إنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا ، كما في سيرة ابن هشام ، ومنه ما قال المستورد القرشي، عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "تقوم الساعة والروم أكثر الناس "فقال له عمرو: أبصر ما تقول.
قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالاً أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة. وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة. وأوشكهم كرة بعد فرة. وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف. وخامسة حسنة وجميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك. رواه مسلم في صحيحه.
ومن الموجبات الشرعية لمدحهم والثناء عليهم أن يكون مدحهم على سبيل إنصافهم ودفع تهمة موجهه لهم زوراً ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: ((ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤديه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما .. )).
ومن الموجبات أيضاً أن يكون مدحهم على سبيل بث روح الاجتهاد في نفوس المسلمين ومحاولة منافستهم بما نحن أولى به منهم لإسلامنا ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه: (عجبتُ من جلَد الكافر، وعجز الثقة). يقولها تحفيزا للثقات.
ومن الموجبات أيضاً أن يكون مدحهم على سبيل الشكر والمكافأة بالمعروف ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر: (لو كان المطعم بن عدي حيّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له). رواه البخاري عن جبير بن مطعم.