الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال:} وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}.
وإن كان المقصود باعتزال الوالدين هجرهما، فإن هجرهما لا يجوز بحال، وما وقع من إبراهيم عليه السلام هو أنه أولاً ترك ما عليه قومه من الباطل والتزم الحق، ولذلك قال فيما حكى الله عنه:} وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}.
قال ابن كثير في تفسيره وهو يبين معنى هذه الآية: أي: أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله،} وَأَدْعُو رَبِّي {أي: وأعبد ربي وحده لا شريك له. اهـ.
ثم إن إبراهيم عليه السلام بعد أن رأى أباه يتوعده بقوله فيما ذكر الله عنه في كتابه:} قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}.
فأجابه إبراهيم عليه السلام بقوله:} قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا}.
وقرر بعد ذلك أن يُهاجر بدينه لا أن يهجر والديه، كما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتركوا الآباء والأمهات، قال ابن كثير في تفسيره عند كلامه عن قول الله تعالى من سورة العنكبوت:} وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
قال: يحتمل عود الضمير في قوله: وقال ـ على لوط، لأنه أقرب المذكورين، ويحتمل عوده إلى إبراهيم - قال ابن عباس، والضحاك: وهو المكنى عنه بقوله:} فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ}. أي: من قومه.
ثم أخبر عنه بأنه اختار المهاجرة من بين أظهرهم، ابتغاء إظهار الدين والتمكن من ذلك. اهـ. والله أعلم.
الإشكال الرابع:
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: قال: «أَمَا بعدُ، فإِن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ جَامَعَ المُشْرِكَ وسكنَ معه فَإِنَّهُ مثْلُهُ» .وفي رواية قال: «لا تُساكِنوا المشركين، ولا تجامِعُوهم، فَمَن ساكَنَهُم أو جَامَعَهُم فهو منهم» . هل المساكنة الواردة في الحديث تشمل مساكنة الأهل كالزوجة الكتابية وكمن يسكن مع والديه الكافرين؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى هذا الحديث يظهر بمعرفة سببه، فعن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر لهم بنصف العقل الدية وقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين.
وفي رواية "لا تُساكِنوا المشركين، ولا تجامِعُوهم، فَمَن ساكَنَهُم أو جَامَعَهُم فهو منهم." رواه الترمذي وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني.
فظهر بذلك أن المراد هو الإقامة في ديار المشركين، ولذلك بوب عليه الترمذي باب:(ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين) وأما مساكنة الوالدين الكافرين
في ديار المسلمين فلا يدخل في هذا، وبرهما والإحسان إليهما مع كفرهما فرض عين والله أعلم.
الإشكال الخامس: رجل له والدان فاسقان، وإخوة فساق هل يجوز له مساكنتهم ومجامعتهم في البيت؛ علماً أنهم لا يجاهرون أمامه بالمعاصي، ووجوده في البيت له أثر من حيث تقليل المعاصي؟ وما معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم). هل النهي محمول على التحريم أو الكراهه خاصة إذا كانت السلطة والكلمة للمسلم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بر الوالدين والإحسان إليهما من الحقوق الواجبة على الأولاد، لا فرق في ذلك بين أن يكونا طائعين لله تعالى أو عاصيين له، وعليه فإن سكنى هذا الرجل مع والديه لا حرج فيه، بل هو أمر حسن؛ لما يترتب عليه من إدخال السرور عليهما، فإن حضور الولد مع والديه وملازمته لهما من نعم الله العظيمة على الوالدين، وقد امتن الله سبحانه على الوليد بن المغيرة بأن جعل له بنين شهودا، قال سبحانه
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا ، وَبَنِينَ شُهُودًا (قال الألوسي: حضوراً معه بمكة يتمتع بمشاهدتهم. انتهى.
وأما هذا الحديث المذكور فقد أخرجه أبو داود والترمذي، ولكنه لا يشمل الحالة المسئول عنها، فإنه نص في مساكنة المشركين وليس الفساق، ومساكنة الفساق المسلمين الذين ليس لهم حق في الصحبة بالمعروف كالوالدين غير محرمة وإن كانت مكروهة ما لم يعسر التحرز من منكراتهم فإنه في هذه الحال يجب مفارقتهم في السكن.
وعلى كل حال فمعنى الحديث كما أفاده الشراح: وجوب الهجرة من ديار الكفر لمن عجز عن إقامة شعائر دينه.
جاء في فيض القدير عند شرح هذا الحديث " وأفاد الخبر وجوب الهجرة أي على من عجز عن إظهار دينه وأمكنته بغير ضرر" انتهى.
والله أعلم.
الإشكال السادس: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ»
هل نهي النبي صلى الله عليه وسلم هنا محمول على التحريم أم على الكراهة؟ خاصة إذا كانت المصاحبة للفاسق المسلم الذي يحب الله ورسوله ولا تتضمن المشاركة في الحرام، أو الإقرار عليه. وما المقصود بالمؤمن؟ هل هو من معه أصل الإيمان وعُلم من حاله أنه يحب الله ورسوله؟ أم هو المؤمن العدل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حذر الشرع من مصاحبة أهل الشر، ومثل لذلك بمثل يوجب التنفير منهم، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة.