الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس هذا كقولك: "اخترتُ فرسًا الخيلَ"؛ لأن الفرس اسم جنس فقد يتبعَّض مثله ويُخْتار منه، و"زيدٌ" من حيث كان جسمًا يتبعَّض، ومن حيث كان عَلَمًا على شيءٍ بعينه لا يتبعَّض، فتأمل هذا الموضع.
فائدة بديعة
(1)
قولهم: "استغفر زيدٌ ربَّه ذنْبَه" فيه ثلاثة أوجه
. أحدها: هذا. والثاني: "استغفره من ذنبه". والثالث: "استغفره لذنبه"، وهذا موضع يحتاج إلى تدقيق نظر، وأنه هل الأصل حرف الجر وسقوطه داخل عليه، أو الأصل سقوطه وتعديه بنفسه وتعديته بالحرف مضمن؛ هذا مما ينبغي تحقيقه؛ فقال السهيلي:"الأصل فيه سقوط حرف الجر، وأن يكون "الذنب" نفسه مفعولاً بـ "استغفر" غير مُتعدٍّ بحرف الجر؛ لأنه من غفرتَ الشيءَ إذا غطيتَه وسترتَه، مع أن الاسم الأول هو فاعل بالحقيقة وهو الغافر".
ثم أورد على (ظ/84 ب) نفسه سؤالاً فقال: "فإن قيل: فإن كان سقوط [حرف]
(2)
الجر هو الأصل فيلزمكم أن تكون "مِن" زائدة كما قال الكسائي. وقد قال سيبويه
(3)
والزجاجي
(4)
: إن الأصل حرف الجر يم حُذِف فنُصِبَ الفعل".
وأجاب: "بأن سقوط حرف الجر أصل في الفعل المشتق منه
(1)
"نتائج الفكر": (ص/ 332).
(2)
من (د).
(3)
انظر: "الكتاب": (1/ 17).
(4)
في "الجمل": (ص/ 40).
نحو: "غفر". وأما "استغفر" ففي ضمن الكلام ما لا بد [له] من
(1)
حرف الجر، لأنك لا تطلب غَفْرًا مجردًا من معنى التوبة والخروج من الذنب، (ق/ 111 أ) وإنما تريد بالاستغفار خروجًا من الذنب وتطهيرًا منه، فلزمت "من" في هذا الكلام لهذا المعنى، فهي متعلقة بالمعنى لا بنفس اللفظ، فإن حذفتها تعدى الفعلُ فنصبَ، وكان بمنزلة:"أمرتك الخيرَ".
فإن قيل: فما قولكم في نحو قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ} [نوح: 4]، و [{يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ}]
(2)
[الأحقاف: 31]؟.
قلنا: هي متعلقة بمعنى الإنقاذ والإخراج من الذنوب، فدخلت "من" لتُؤذِن بهذا المعنى، ولكن لا يكون ذلك في القرآن إلا حيثُ يُذْكَر الفاعلُ
(3)
الذي هو المذنب، نحو قوله:{لَكُم} ؛ لأنه المُنْقَذ المُخْرَج من الذنوب بالإيمان، ولو قلت:"يغفر من ذنوبكم" دون أن تذكر الاسم المجرور لم يَحْسُن إلا على معنى التبعيض؛ لأن الفعل الذي كان في ضمن
(4)
الكلام وهو الإنقاذ، قد ذَهَب بِذَهاب الاسم الذي هو واقع عليه.
فإن قلت: فقد قال {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [البقرة: 147] وفي سورة الصف: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الصف: 12] فما
(1)
(ق): "ما لابد منه حرف"، و (ظ ود): "ما لابد منه من
…
" والمثبت من "النتائج".
(2)
ما بين المعكوفين من "النتائج"، ومكانه في النسخ:"يغفر لكم خطاياكم" ولا دلالة فيها.
(3)
في الأصول: "الفاعل والمفعول"! والمثبت من "النتائج".
(4)
(ق): "ضمير".
الحكمة في سقوطها هنا؟ وما الفرق؟.
قلت: هذا إخبارٌ عن المؤمنين الدين قد سَبق لهم الإنقاذ من ذنوب الكفر بإيمانهم
(1)
ثم وُعِدُوا على الجهاد بغفران ما اكتسبوا في الإسلام من الذنوب، وهي غير محيطة بهم كإحاطة
(2)
الكفر المهلك للكافر، فلم يتضمَّن الغفران معنى الاستنقاذ؛ إذ ليس ثَمَّ إحاطةٌ من الذنب بالمذنب، وإنما يتضمَّن معنى الإذهاب والإبطال للذنوب؛ لأن الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات، بخلاف الآيتين المتقدمتين فإنهما خطابٌ للمشركين وأمرٌ لهم بما ينقذهم ويخلصهم مما أحاط بهم من الذنوب، وهو الكفر، ففي ضمن ذلك الإعلام والإشارة بأنهم واقعون في مَهْلَكة قد أحاطت بهم، وأنه لا ينقذهم منها إلا المغفرة المتضمنة للإنقاذ الذي هو أخص من الإبطال والإذهاب، وأما المؤمنون فقد أنقدوا.
وأما قوله تعالى: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة: 271] فهي في موضع "من" التي للتبعيض؛ لأن الآية في سياق ثواب الصدقة، فإنه قال:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة: 271] والصدقة لا تُذْهِب جميع الذنوب.
ومن هذا النحو قوله صلى الله عليه وسلم: "فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يمينِهِ وَلْيأْتِ الذي هُوَ خَيْر"
(3)
فأدخل "عن" في الكلام إيْذانًا بمعنى الخروج عن اليمين،
(1)
سقطت من (ق).
(2)
في الأصول: محبطة كإحباط، والمثبت من "النتائج".
(3)
أخرجه مسلم برقم (1650) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
لما ذكر الفاعل وهو الخارج، فكأنه قال: فليخرج بالكفارة عن يمينه، ولما لم يذكر الفاعل المكفر في قوله:{ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] لم يذكر "عن" وأضافَ "الكفارةَ" إلى "الأيمان" إضافةَ المصدر إلى المفعول، وإن كانت "الأيمان" لا تكفر وإنما يكفر الحنث والإثم، ولكن الكفارة (ق / 111 ب) حَلٌّ لعقد اليمين، فمن هنالك أُضيفت إلى اليمين كما يضاف الحل إلى العقد؛ إذ اليمين عقد والكفارة حل له، والله أعلم.
فائدة
(1)
قولك: "ألبست زيدًا الثوب"، ليس الثوب منتصبًا بـ "ألبست"، كما هو السابق إلى الأوهام، لما تقدَّم من أنك لا تنقل الفعل عن (ظ/85 أ) الفاعل ويصير الفاعل مفعولاً، حتى يكون الفعل حاصلاً في الفاعل
(2)
، ولكن المفعول الثانى منتصب بما تضمنه "ألبست" من معنى لبس، فهو منتصب بما كان منتصبًا به قبل دخول الهمزة والنقل، وذلك أنهم اعتقدوا طرحَها حين كانت زائدة، كما فعلوا في تصغير "حُمَيد وزُهَير"
(3)
. ومنه قولهم: "أحببت حبًّا"، فجاؤوا بـ "حبيب" على اعتقاد طرح الهمزة وهي لُغَيَّة. ومنه "أورسَ النبتُ فهو وارسٌ"
(4)
على تقدير "وَرَسْته". ومنه: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)} [نوح: 17]} فجاء المصدر على "نبَت".
ومما يوضح هذا أنهم أعلوا الفعل فقالوا: "أطال الصلاة وأقامها"،
(1)
"نتائج الفكر": (ص / 334).
(2)
من قوله: "ويصير الفاعل
…
" إلى هنا ساقط من (ق).
(3)
تصغير: "أحمد وأزهر".
(4)
تحرّفت العبارة في الأصول، والتصويب من "النتائج".
مراعاةً لإعلاله قبل دخول الهمزة، ولهذا حيث نقلوه في التعجب فاعتقدوا إثبات الهمزة لم يُعَدُّوه إلى مفعول ثان، بل قالوا:"ما أضرب زيدًا لعمرو"، باللام؛ لأن التعجب تعظيم لصفة المتعجب [منه]
(1)
، وإذا كان الفعل صفة في الفاعل لم يُنْقل
(2)
، ومن ثَمَّ صحَّحوه في التعجب، فقالوا:"ما أقومه وأطوله"! حيث لم يعتقدوا سقوط "الهمزة"، كما صححوا الفعل من "استحوذ"، و"اسْتَنْوَق الجمل" حيث كانت الهمزة والزوائد لازمة غير عارضة، والله أعلم.
فائدة
(3)
حذف "الياء" من "أمرتك الخير"، ونحوه إنما يكون بشرطين:
أحدهما: اتصال الفحل بالمجرور، فإن تباعد منه لم يكن بُد من "الياء"، نحو:"أمرت الرجل يوم الجمعة بالخير"
(4)
؛ لأن المغنى الذي من أجله حُذِفت "الباء" معنًى وليس بلفظ وهو تضمُّنها معني "كلفتك"، فلم يقوَ على الحذف إلا مع القرب من الاسم، كما كان ذلك في "اخترت". ألا ترى إلى قوله تعالى:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف: 75] كيف أعاد حرف الجر في البدل لما طال بالصِّلة، وكذلك:{يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا (ظ/ 85 ب) تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا} [البقرة: 61] على أحد القولين، أي: يُخرج لنا من بقل الأرض وقثائها. وقوله: {مِمَّا تُنْبِتُ} توطئة وتمهيد. والقول الثاني: أنها متعلقة بقوله: {تُنْبِت} أي مما تنبت
(1)
من "النتائج" و"المنيرية".
(2)
"النتائج": "لم يتعد".
(3)
"نتائج الفكر": (ص/ 336).
(4)
في الأصول: "الخير".