المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[تفسيرُ المُعَوِّذتيْن] روى مسلم في "صحيحه" (1) من حديث قيس بن أبي - بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

الفصل: ‌ ‌[تفسيرُ المُعَوِّذتيْن] روى مسلم في "صحيحه" (1) من حديث قيس بن أبي

[تفسيرُ المُعَوِّذتيْن]

روى مسلم في "صحيحه"

(1)

من حديث قيس بن أبي حازم، عن عُقْبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم تَرَ آيات أنزِلتِ الليلةَ لَم يُرَ مِثلُهُنَّ قَطُّ: {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، {أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} "".

وفي لفظ آخر

(2)

من رواية محمد بن إبراهيم التيمي، عن عُقْبة

(3)

أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال له: "ألا أخْبِركَ بأَفْضَلِ ما تَعَوذ به المتعوِّذُوْن"؟ قلت: بلى، قال:" {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ".

(ظ/128 أ)، وفي الترمذي

(4)

: حدثنا قُتيبة، نا ابن لَهِيعة، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن علي بن رَبَاح، عن عُقْبة بن عامر، قال:"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أقرأ بالمعوّذَتين في دُبُر كلِّ صلاةِ" قال: "هذا حديث غريب"

(5)

.

وفي الترمذي والنسائي و"سنن أبي داود" عن عبد الله بن حبيب، قال: خَرجْنا في ليلةِ مَطَرِ وظلْمَة نطلبُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا، فأدركناه، فقال:"قل"، فلم أقل شيئًا، ثم قال:"قل"، فلم أقل شيئًا، ثم قال:

(1)

رقم (814).

(2)

أخرجه أحمد: (3/ 417، 4/ 144)، والنسائي:(8/ 251) وفي سنده من لا يُعرف، لكنه يصح بشواهده الكثيرة، وانظر "السلسلة الصحيحة" رقم (1104).

(3)

كذا هنا ومثله في الموضع الأول في "المسند"! والحديث معروف من رواية التيمي عن القاسم أبي عبد الرحمن أو أبي عبد الله عن عقبة.

(4)

رقم (2903)، وأخرجه -أيضًا- أبو داود رقم (1522)، والنسائي:(3/ 68) من غير طريق ابن لهيعة.

(5)

وكذا في "تحفة الأشراف": (7/ 312)، وفي المطبوعة:"حديث حسن غريب".

ص: 699

"قُلْ"، قلت يا رسول الله ما أقول؟ قال:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (ق / 169 ب) المعَوِّذتين حِيْنَ تُمسِي وحِيْنَ تُصْيح ثلاثَ مراتٍ تكفيكَ مِنْ كلِّ شيءٍ"

(1)

.

قال الترمذي: "حديث حسن صحيح

(2)

.

وفي الترمذي

(3)

أيضًا من حديث الجُرَيْري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذ من الجان وعَيْنِ الإنسان حتَّى نَزلتِ المعوِّذَتان، فلما نزلتا أخَذ بهما وتركَ ما سِواهما"

(4)

.

ثم قال: "وفي الباب عن أنس، وهذا حديث حسن غريب"

(5)

.

وفي "الصحيحين"

(6)

عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أَوى إلى فراشه نفثَ في كفيه بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين جميعًا، ثم يمسح بهما وجْهَه وما بلغت يداه من جسده. قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعلَ ذلكَ به".

قلت: هكذا رواه يونس، عن الزهري، عن عروة

(7)

، عن عائشة رضي الله عنها، ذكره البخاري.

ورواه مالكٌ، عن الزهري، عن عروة عنها: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان

(1)

أخرجه أبو داود رقم (5082)، والترمذي رقم (3575)، والنسائي:(8/ 250).

(2)

لفظه: "هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه" اهـ.

(3)

رقم (2058).

(4)

وأخرجه -أيضًا- النسائي: (8/ 271)، وابن ماجه رقم (3511) ْ.

(5)

في (ظ ود) و"المنيرية": "حديث غريب"، والمثبت من (ق) والترمذي و "تحفة الأشراف":(3/ 459).

(6)

البخاري رقم (5748)، ومسلم:(4/ 1723 رقم 51).

(7)

"عن عروة" سقطت من (ق).

ص: 700

إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات ويَنْفُث، فلما اشتدَّ وجَعه كنت أقرأ عليه وأمسح عليه بيده رجاء بركتها"

(1)

.

وكذلك قال مَعْمر، عن الزهري، عن عروة، عنها:"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان ينفُثُ على نفسه في مرضه الذي قُبِض فيه بالمعوِّذات، فلما ثَقلَ كنتُ أنا أنفثُ عليه بهنَّ وأمسحُ بيده نفسه لبركتها" فسألتُ ابنَ شهاب كيف كان ينفُث؟ قال: ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه. ذكره البخاري

(2)

أيضًا.

وهذا هو الصواب: أن عائشةَ كانت تفعل ذلك، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يأمرها ولم يمنعها من ذلك، وأما أن يكون استرقى وطلب منها أن ترقيه = فلا، ولعل بعض الرواة رواه بالمعنى، فظنَّ أنها لما فعلت ذلك وأقرها النبي

(3)

صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمرها، وفرْقٌ بين الأمرين، ولا يلزم من كون النبي صلى الله عليه وسلم قد أقرها على رقيته أن يكون مسترقيًا، فليس أحدهما بمعنى الآخر، ولعلَّ الذي كان يأمرها به إنما هو المسح على نفسه بيده، فيكون هو الراقي لنفسه، ويدُه لما ضَعُفت عن التنفُل على سائر بدنه أمرها أن تنقلها على بدنه، ويكون هذا غير

(4)

قراءتها هي عليه ومسحها على بدنه، فكانت تفعل هذا وهذا، والذي أمرها به إنما هو بِنَقْل يده لا رقيته، والله أعلم.

والمقصودُ الكلام على هاتين السورتين، وبيان عظيم منفعتهما، وشدَّة الحاجة بل الضرورة إليهما، وأنه لا يستغني عنهما أحدٌ قط،

(1)

رواه البخاري رقم (5016)، ومسلم:(4/ 1723).

(2)

رقم (5735 و 5751)، ومسلم:(4/ 1723).

(3)

من هنا إلى "وأقرها" الثانية ساقط من (ظ ود).

(4)

(ق): "عين" وهو خطأ.

ص: 701

وأن لهما تأثيرَاً خاصَّا في دفع السحر والعين وسائر الشرور، وأن حاجةَ العبدِ إلى الاستعاذة بهاتين (ق/ 170 أ) السورتين أعظمُ من حاجته إلى النفَس والطعام والشراب واللباس.

فنقول -والله المستعان-: قد اشتملت السورتان على ثلاثةِ أصول، وهي أصول الاستعاذة

(1)

:

أحدها: نفس الاستعاذة.

والثاني: المستعاذ به.

والثالث: المستعاذ منه.

فبمعرفة ذلك تُعْرَف شدة الحاجة والضرورة إلى هاتين السورتين، فلنعقد لهما ثلاثة فصول؛ الفصل الأول: في الاستعاذة، والثاني: في المستعاذ به، والثالث: في المستعاذ منه.

(1)

"وهي أصول الاستعاذة" ساقطة من (ق).

ص: 702

الفصل الأول

اعلم أن لفظ "عاذ" وما تصرف منها تدل على التحرُّز (ظ / 128 ب) والتحصّن والالتجاء

(1)

، وحقيقة معناها: الهروب من شيءٍ تخافه إلى من يعصمك منه، ولهذا يسمى المستعاذ به:"مَعَاذًا"، كما يسمى "ملجأ ووَزَرًا".

وفي الحديث: أن ابنةَ الجَوْن لما أدخِلت على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها، قالت: أعوذُ باللهِ منكَ، فقال لها:"لقد عذْتِ بِمَعَاذٍ الحَقِي بأهْلِكِ"

(2)

. فمعنى "أَعوذُ": ألتجئ وأعتصِم وأتحرز، وفي أصله قولان؛ أحدهما: أنه مأخوذ من الستر. والثاني: أنه مأخوذ من لزوم المجاورة.

فأما من قال: إنه مأخوذ من الستر، قال: العرب تقول للنبت الذي في أصل الشجرة التي قد استتر بها: "عُوَّذ" بضم العين وتشديد الواو وفتحها، فكأنه لما عاذ بالشجرة واستتر بأصلها وظِلها سموه "عُوَّذا"، فكذلك العائذ قد استتر من عدوه بمن استعاذ به منه، واستجنَّ به منه.

ومن قال: هو من

(3)

لزوم المجاورة، قال: العرب تقول للحْمِ إذا لَصِق بالعظم فلم يتخلص منه "عُوذ"؛ لأنه اعتصم به واستمسك به، فكذلك العائد قد استمسك بالمعَاذ

(4)

، واعتصم به ولزمه.

(1)

(ظ): "والنجاة"، (د):"التخلص والنجاة".

(2)

أخرجه البخاري رقم (5255) من حديث أبي أُسيد الساعدي رضي الله عنه.

(3)

من (ق).

(4)

كذا في الأصول: "المعاذ"، وفي "المنيرية":"المستعاذ به".

ص: 703

والقولان حق، والاستعاذة تنتظمهما معًا، فإن المستعيذ مستتر بمعَاذه متمسِّك به معتصم به، قد استمسك قلبه به ولزمه، كما يلزم الولد أباه إذا شَهَر عدوه

(1)

سيفًا [

(2)

وقصده به، فهربَ منه فعرضَ له أبوه في طريق هربه، فإنه يُلقي نفسَه عليه ويستمسك به أعظم استمساك، فكذلك العائد قد هرب من عدوه الذي يبغي هلاكَه إلى ربِّه ومالكه، وفرَّ إليه وألقى نفسه بين يديه واعتصم به واستجار به والتجأ إليه.

وبعد؛ فمعنى الاستعاذة القائم بقلبه وراء هذه العبارات، وإنما هي تمثيل وإشارة وتفهيم، وإلا فما يقوم بالقلب حينئذٍ من الالتجاء والاعتصام والانطراح بين يدي الرب، والافتقار إليه والتذلل بين يديه، أمر لا تحيط به العبارة.

ونظير هذا التعبير عن معنى محبته وخشيته وإجلاله ومهابته، فإن العبارة تَقْصُر عن وصف ذلك، ولا تُدرك إلا بالاتصاف بذلك، لا بمجرد الصفة والخبر، كما أنك إذا وصفتَ لذَّة الوقاع لِعِنينٍ لم تُخلَق له شهوةٌ أصلاً، فلو قربتها وشبَّهتها بما عساك أن تشبهها به لم تحصل حقيقة معرفتها في قلبه، فإذا وصفتها لمن خُلِقَت فيه وركبت فيه عرفها بالوجود والذوق.

وأصل هذا الفعل: "أَعْوُذ" بتسكين العين وضم الواو، ثم أُعِلَّ بنقل حركة الواو إلى العين وتسكين الواو، فقالوا:"أَعُوْذ" على أصل هذا الباب، ثم طَرَدوا إعلالَه فقالوا في اسم الفاعل:"عائذ"، وأصله:"عاوذ"، فوقعت الواو بعد ألف فاعل فقلبوها همزة، كما

(1)

(ظ ود): "عنده"، و"المنيرية":"أشهر عليه عدوه".

(2)

من هنا إلى قوله ص/ 707: "أنشأه" ساقط من (ق).

ص: 704

قالوا: "قائم وخائف"، وقالوا في المصدر "عياذًا بالله"، وأصله "عِواذًا" كـ "لِواذ"، فقلبوا الواو ياء للكسرة قبلها، ولم تحصنها حركتها؛ لأنها قد ضعفت بإعلالها في الفعل، وقالوا "مستعيذ"، وأصله:"مستعوِذ" كـ "مستخْرِج"، فنقلوا كسرة الواو إلى العين قبلَها، قلبت الواو قبلها كسرة فقلبت ياء على أصل الباب

(1)

.

فإن قلت: فلم دخلت السين والتاء في الأمر من هذا الفعل كقوله: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] ولم تدخل في الماضي والمضارع، يل الأكثر أن يقال:"أعوذ بالله"، و"عذْت بالله"، دون "أستعيد" و"استعذت"؟.

قلت: السين والتاء دالة على الطلب، فقوله:"أَسْتَعيذ بالله"، أي: أطلب العياذَ به، كما إذا قلت:"أَسْتَخير الله"، أي: أطلبُ خِيرتَه، و"أَسْتَغفره" أي: أطلب مغفرته، و"أَسْتَقِيله" أي: أطلب إقالته، فدخلت في الفعل إيذانًا لطلب هذا المعنى من المعاذ، فإذا قال المأمور:"أعوذ بالله"، فقد امتثل ما طُلِب منه؛ لأنه طَلَب منه الالتجاء والاعتصام، وفَرْق بين نفس الالتجاء والاعتصام، وبين طلب ذلك. فلما كان المستعيذ (ظ/129 أ) هاربًا ملتجئًا معتصمًا بالله أتى بالفعل الدال على ذلك دون الفعل الدال على طلب ذلك، فتأمله.

وهذا بخلاف ما إذا قيل: "اسْتَغْفِرِ الله"، فقال:"أَستَغْفر الله"، فإنه طلب منه أن يطلب المغفرةَ من الله، فإذا قال:"أسْتَغْفِر الله" كان ممتثلاً؛ لأن المعنى أطلب من الله أن يغفر لي. وحيث أراد هذا المعنى في الاستعاذة فلا ضير أن يأتي بالسين، فيقول:"أَسْتَعيد بالله"، أي: أطلب منه أن يعيذني، ولكن هذا معنى غير نفس الاعتصام

(1)

كذا العبارة وفيها اضطراب، ولعلها:"ثم قلبت الواو ياءً للكسرة قبلها".

ص: 705

والالتجاء والهرب إليه فالأول: مخبر عن حالِه وعِياذِه بربه، وخبرُه يتضمن سؤاله وطلبه أن يعيذه. والثاني: طالب سائل من ربه أن يعيذه، كأنه يقول: أطلب منك أن تعيذني، فحال الأول أكمل.

ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في امتثال هذا الأمر: "أعوذ باللهِ من الشيطان الرجيم"، و"أعُوذ بكَلِمَات اللهِ التَّامات"

(1)

- و"أعُوْذُ بعِزَّةِ اللهِ وَقدْرَتهِ"

(2)

دون "أسْتَعيذ"، بل الذي علمه الله إياه أن يقول:{أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} {أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} "أَسْتَعيذ"، فتأمل هذه الحكمة البديعة.

فإن قلت: فكيف جاء امتثال هذا الأمر بلفظ الأمر والمأمور به، فقال:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} ومعلوم أنه إذا قيل: "قل الحمد لله"، و"قل سبحان الله"، فإن امتثاله أن يقول:"الحمد لله، وسبحان الله، ولا يقول: "قل سبحان الله"؟.

قلت: هذا هو السؤال الذي أورده أُبَيُّ بن كعب على النبي صلى الله عليه وسلم بعينه وأجابه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البخاري في "صحيحه"

(3)

: حدثنا قتيبة، ثنا سفيان، عن عاصم وعَبْدَة، عن زرٍّ، قال:"سألت أُبيَّ بن كعب عن المعوذتين، فقال: سألت رسولَ اللُّه صلى الله عليه وسلم، فقال: "قِيْلَ لي فقلت"، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال

(4)

: حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، ثنا عَبْدة بن أبي لُبَابة،

(1)

أحرجه مسلم رقم (2708) من حديث خولة بت حكيم السلمية رضي الله عنها.

(2)

أخرجه مسلم رقم (2202) من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه بلفظ: "أعوذ بقدرة الله"، وأخرجه أحمد (29/ 435 رقم 17907)، وأبو داود رقم (3891)، والترمذي رقم (2080) بلفظ المؤلف.

(3)

رقم (4976).

(4)

أي: البخاري رقم (4977).

ص: 706

عن زِرِّ بن حُبَيش، وحدثنا عاصم عن زِرٍّ، قال:"سألت أُبى ابن كعب، قلت: أبا المنذر إن أخاك ابنَ مسعود يقول كذا وكذا، فقال: إني سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "قِيْلَ لي، فقلتُ: قُل"

(1)

فنحن نقول كما قال رسول الله".

قلت: مفعول القول محذوف، وتقديره:"قيل لي: قل"، أو: قيل لي هذا اللفظ، فقلت كما قيل لي.

وتحت هذا من السر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليس له في القرآن إلا بلاغه، لا أنه هو أنشأه] من قِبل نفسِه، بل هو المبلَغ له عن الله. وقد قال الله له:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} فكان مقْتضَى البلاغ التام أن يقول: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} كما قال الله. وهذا هو المعنى الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم

(2)

بقوله: "قيل لي فقلت" أي: فلستُ مبتدئًا بل أنا مبلِّغ أقولُ كما يقال لي، وأبلّغ كلامَ ربى كما أنزله إليَّ.

فصلوات الله وسلامه عليه، لقد بلَّغ الرسالةَ وأدى الأمانةَ، وقال كما قيل له، فكفانا وشفانا من المعتزلة والجهمية وإخوانهم ممن يقول: هذا القول العزيز

(3)

وهذا النظمُ كلامُه ابتدأَ هم به! ففي هذا الحديث أَبْيَن الرد لهذا القول، وأنه صلى الله عليه وسلم بلغ القولَ الذي أُمِر (ق/ 170 ب) بتبليغِه على وجهِه ولفظِه، حتى إنه لما قيل له:"قل" قال هو: "قل"؛ لأنه مبلغ محض، وما على الرسول إلا البلاغ.

(1)

كذا في (ق وظ)، وفي (د) والرواية التي شرح عليها الحافظ:"قيل لي: قل، فقلت". وكلام المؤلف يقضي بأن النص ليس فيه "قل".

(2)

(ظ ود): "أشار النبي صلى الله عليه وسلم

".

(3)

(ظ ود): "القرآن العربي".

ص: 707