الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنصاف الدعوة وآثارها خارج الجزيرة العربية
…
إنصاف الدعوة
جعل الأستاذ أحمد أمين الشيخ محمد بن عبد الوهاب، في الصدارة من العشرة الذين اختارهم في دراسته حول زعماء الإصلاح فيِ العصر الحديث، وبين الأسباب التي دفعت المصلح الشيخ محمدا للقيام بدعوته الإِصلاحية في نجد.
لكنه أخطأ فيما ذكره عن الشيخ، من أنه زعيم الفرقة التي تسمى الوهابية، وأن الحكومة الحاضرة في الحجاز تعتنق مذهبه1.
فليس الشيخ محمد زعيم فرقة، وليست هناك فرقة تسمى الوهابية، وإِنما أطلق أعداء الشيخ عليه، وعلى دعوته هذه الأقوال، إِثارة للعامة ضدها، وتشويها لصورتها، وليس للشيخ مذهب خاص به، بل هو مجتهد في إِطار مذهب الإِمام أحمد بن حنبل، كما أن المملكة العربية السعودية لا تعتنق مذهباً اسمه المذهب الوهابي، بل ولا تعتنق المذهب الحنبلي إِلى درجة العقيدة التي تعتنق، وإِنما هو فقه من الفقه، واجتهادٌ من الاجتهاد، ومذهب من المذاهب الفقهية التي يؤخذ منها ويُرد، ولم يرغم الملك عبد العزيز، رحمه الله، كما لم تُرغم المملكة العربية السعودية أحداً على مذهب من المذاهب الفقهية المعتبرة.
1 أحمد أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، ص10، طبع مكتبة النهضة المصرية سنة 1949م.
فشأن الإِمام أحمد بن حنبل، رحمه الله، شأن الإِمام مالك، والإِمام أبي حنيفة، والإِمام الشافعي، والأوزاعي، والليث بن سعد، وغيرهم، رحمهم الله أجمعين.
ومع ذلك فإن تلامذة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والمتأثرين به لم يعودوا يأبهون كثيراً عند نعتهم بالوهابية من بعض الناس، ولا يريدون أن يحققوا أهداف خصومهم الذين يريدون لهم أن ينشغلوا بالدفاع عن أنفسهم، فليس الانتساب للشيخ محمد بن عبد الوهاب تهمة يدافع عنها، كما أن الانتساب للإِمام أحمد بن حنبل، والإِمام الشافعي، أو الإِمام مالك، ليس تهمة أيضاً.
وكل ما يسعى السلفيون لتوضيحه، هو أن يبينوا للناس حقائق الأشياء المتصلة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأنه متبع لا مبتدع، وأنه داعٍ إِلى الإِصلاح، لا صاحب مذهب، وأنه ليس زعيم فرقة موجودة في نجد فقط.
بل هو صاحب دعوة تدعو الناس في كل العالم، إِلى أن يعودوا إِلى التوحيد الخالص لله بمعناه الكامل بلا شريك، ولا وسيط، وأن ينبذوا ما يناقض التوحيد، وأن يزيلوا كل شائبة تلحق بعقيدة التوحيد الصافية، التي هي الميزة الكبرى لدعوة الإِسلام، التي قدرت الله حق قدره، ودافعت عن حق الأنبياء، ووضعت الأنبياء في مكانهم الصحيح
رسلاً لله، وقدوة للبشرية، ونماذج رفيعة، وأيضاً عبيداً مخلصين لله، أزكى، وأطهر، وأعلى ما تكون العبودية.
وهذا الفهم لطبيعة الدعوة السلفية قد أفاض توضيحه السلفيون، بل إِن الملك عبد العزيز، رحمه الله، أوضحه في خطب رسمية معلنة، فما كان يجوز لأحمد أمين أن يختل الميزان في يديه، وأن يتحدث عن الدعوة الوهابية حديثا متأرجحا يجنح للصواب حينا، وللخطأ حينا.
يقول الملك عبد العزيز رحمه الله في خطابه في موسم الحج، في غرة ذي الحجة 1347هـ (11 / 5 / 1929م) موضحا المعنى الحقيقي للتقيد بمنهاج السلف في العقيدة:
((يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا الوهابي باعتبار أنه مذهب خاص نحن لسنا أصحاب مذهب جديد، أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا، هي: عقيدة السلف الصالح، التي جاءت في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا، إِننا لا نبغي التجديد الذي يفقدنا ديننا، وعقيدتنا.
وقد خطب الملك عبد العزيز في موسم حج سنة 1352هـ (1934م) فزاد أمر العقيدة السلفية، والتسامح المذهبي توضيحا، فقال:
وقد جعلنا الله مبشرين بالكتاب، والسنة، وما كان عليه السلف الصالح، لا نتقيد بمذهب دون آخر، ومتى وجدنا الدليل القوي في أي مذهب من المذاهب الأربعة رجعنا إِليه، وتمسكنا به، أما إِذا لم نجد دليلا قويا، فنأخذ بقول الإمام أحمد)) 1.
وجدير بالذكر -كما بسطنا القول في هذا البحث- أن دعوة الشيخٍ محمد بن عبد الوهاب دعوة متبعة، لا مبتدعة، فليست مذهباً جديداً، وصاحبها لم يقل بذلك، وليس من حق أحد أن يفرض عليه ما لم يقل به، ولا أن يلبس الدعوة ثوباً غير ثوبها.
لقد كان الشيخ محمد يسير على خط من سبقه من أئمة السلف، كالإِمام أحمد بن حنبل، وأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، وغيرهما، ساعياً إِلى عودة المسلمين إِلى المبادئ الإِسلامية الصحيحة التي لعبت بها الأهواء والبدع والخرافات في كثير من بلاد المسلمين، فجاهد في سبيل الكشف عن حقيقة الشريعة الصافية، وتنقية العقيدة الإِسلامية من تأويلات المتأولين وأباطيل المبطلين، على النحو الذي كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين.
لكن الناس لما طال عليهم العهد مع الأباطيل والبدع والخرافات، أصبحوا ينظرون إِلى مستوى التوحيد الصافي العالي الرفيع البعيد عن الشوائب على أنه شيء جديد غريب على النفوس، وذلك بتأثير ضغط الاعتقادات الفاسدة، والأوضاع التي اختلط فيها الحق بالباطل.
1 عبد الحليم الجندي، الإمام محمد بن عبد الوهاب، أو انتصار المذهب السلفي، طبع دار المعارف المصرية، ص183.
لقد تصدّت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بلا مساومة، ولا انهزامية لكل المظاهر، والأشكال التي تسيء إِلى جوهر الإِسلام النقيّ، وإِلى طبيعته الصافية، وحاربت كل ما دخل على الإِسلام من شوائب، مطالبة كل المسلمين بالاحتكام إِلى الكتاب، والسنّة الصحيحة، فهما المنبعان الصافيان اللذان يجب أن يعود إِليهما المسلمون كلما ضلّت بهم السبل في التاريخ، وكلما تاهوا عن حقائق الإِسلام الحقيقية النقية، بعيداً عن ضغط الانحرافات العقلية، والتأويلات الباطنية، وضغوط الانحرافات السلوكية والفكرية.
وإِذا كانت الشهادتان هما أساس الإِسلام، ولا إِسلام بدون توحيد العبودية والربوبية، فإِنه من الطبيعي أن تنصبّ جهود الشيخ محمد -بالدرجة الأولى- على تنقية عقيدة التوحيد من كل صور الوثنية، فالشهادتان هما الأساس الذي تقف فوقه كل أركان الإِسلام، وشعب الإِيمان وبهذا الفهم انطلقت الدعوة الإصلاحية التي نذر الشيخ لها نفسه، رحمه الله.
وقد يظن البعض أن التركيز على عقيدة التوحيد من شأنه أن يكون على حساب الشريعة، أو العبادات، أو الأخلاق، أو الجوانب التربوية الحضارية ولكننا إِذا نظرنا إِلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
الإِصلاحية نجد أنها لم تغفل هذه الجوانب، لكنها لم تقع فيما وقعت فيه بعض الحركات الإِصلاحية، التي بدأت فى دعوِتها من الأغصان، وتركت الجذور، أو على الأقل أعطت للجذور مرتبةَ متأخرة، مع أن الأغصان ثمرة ونتيجة للجذور، والفطرة تقتضي أن تكون البدايةُ بالجذور، لأن صلاح الجذر يرشح على كل السيقان، والأغصان، والأوراق.
ونرى أن هذه الحركات الإِصلاحية التي ركزت على الجوانب السياسية أو الاقتصادية، لم تستطع أن تمضي في طريقها لبناء دولة للدعوة، تترسَّم الخطوات العقلية الحكيمة المنسجمة مع طبيعة الإِسلام، وتجربة بناء دولة الإِسلام الأولى بمراحلها المختلفة، بالإِضافة إِلى أن في صلاح العقيدة صلاحا لبقية الجوانب، شريعةً كانت، أو أخلاقا، أو بناء مؤسسات حضارية، سياسية كانت، أو اقتصادية، أو اجتماعية.
إِن الدعوة الإِصلاحية حلقة في سلسلة طويلة من الدعوات الإِصلاحية، بل إِن الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه كان ثمرة من ثمرات مدارس إِصلاحية، أخذت بيده إِلى هذا الطريق الذي خدم به دينه، فالشيخ ابن عبد الوهاب كان ينتمي إِلى مدرسة الإِمامين: أحمد بن حنبل، وأحمد بن تيمية، كما أن البيت الذي نشأ فيه كان بيت علم موصول بالكتاب والسنة، فجدّه سليمان بن علي كان من كبار علماء نجد، وعمّه إِبراهيم كان عالماً وفقيهاً، وابن عمه عبد الرحمن بن
إِبراهيم كان كذلك عالماً فقيها، وكان والده قاضياً للعيينة، وكان من الشيوخ الذين تأثر بهم في اتجاهه الإِصلاحي السلفيّ الشيخ عبد الله بن سيف الذي التقاه في المدينة النبوية، وكان من أكبر عوامل توثيق الروابط بينهما، وتمكين المحبة، توافق أفكارهما في عقيدة التوحيد، والتألم مما عليه أهل نجد، وغيرهم من عقائد باطلة1.
والعالم الثاني هو المحدث محمد حياة السندي، وكان هذا على وفاق مع الشيخ محمد في بطلان الاستغاثة بالقبور، فقد ذكر أن الشيخ محمداً وقف يوما عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فرأى أناساً يتصرفون في أقوالهم وأفعالهم، تصرفات غير مشروعة، فرآه محمد حياة السندي فأتى إِليه، فقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: ما تقول في هؤلاء؟ قال: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 139] . وهذا الوفاق كان سبباً قويّاً في تلقي الشيخ محمد منه كثيراً من المعارف والعلوم، وقد وصف بعضُ الباحثين أثر الشيخ محمد حياة السندي في شخصية الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه شعلةٌ أنارت له الطريق2.ونحن واثقون من أنه لم يخل قرن من القرون، ولا عقد من العقود منذ ظهر الإِسلام إِلى اليوم من داعية من دعاة التوحيد الصافي، ينفي عن الإِسلام، وعقيدته الصحيحة انحرافات المنحرفين، ويبين أباطيل أصحاب الأهواء وهؤلاء الأعلام قد تأثَّر بهم وبسيرتهم وبأعمالهم، الشيخ
1 أحمد أبو طامي، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص18، 19، ولافي خليفة، المنهج التربوي في دعوات الإصلاح ص22، رسالة ماجستير، كلية دار علوم القاهرة، عام 1994م.
2 أحمد أبو طامي، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص23.
محمد بن عبد الوهاب، فكان، رحمه الله، حلقة في سلسلة طويلة كريمة، جزاهم الله جميعاً خيرا.
إِن هذه الدعوة دعوة الإِسلام التوحيدية، هي آخر ما بقي للبشرية من معالم النبوة والوحي، فإِله اليهود -اليوم- إِله خاص بهم، يؤثرهم على غيرهم، ويعمل لحسابهم وحدهم، وإِله النصارى -اليوم-، إِله مثلث الأضلاع، يشترك معه في الحكم أقنومان مساعدان، هما: الابن، والروح القدس (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) .
فإِذا أصيبت دعوة التوحيد الإِسلامية النقية، كما جاءت في القرآن الكريم، وكما طبقها، وعاش لها وبها رسول الله خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم فمعنى ذلك أن تندرس معالم التوحيد.
ومن هنا كانت أهمية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإِصلاحية التي قاومت بكل وضوح وقوة وشجاعة، كل مظاهر الشرك، وكل أدران الوثنية، وكل ما يمكن أن يتطور، فيصبح شركاً.
إِن هذه الدعوة -بهذا- لم تنقذ المسلمين وحدهم، وإِنما قدمت للإِنسانية أجلّ خدمة، وقدمت للدين أعظم صورة من صور الجهاد الديني الإِصلاحي:
{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال من الآية: 42] .
{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر} [الكهف من الآية: 29]
ولربما تساءل بعض الناس: لماذا ركّز الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا التركيز الشديد على العقيدة؟
ولعلّ الإِجابة أصبحت واضحة، بعد أن أشرنا إِلى أهمية الحفاظ على عقيدة التوحيد في الإِسلام، فسلامة عقيدة التوحيد في الإِسلام إِنقاذ للمسلمين، وللبشرية كلها، لأن الإِسلام هو الدين الذي يستحق كلمة "دين التوحيد" بعد أن فسدت الرسالات السابقة كلها بتأثير أهواء البشر، وبالتالي، ففي ضياع عقيدة التوحيد الإِسلامية إِفساد للبشرية كلها. ومن هنا كان تركيز الشيخ الكبير، وكانت غيرته الشديدة.
وليس أحمد أمين إِلا نموذجا واحدا من نماذج كثيرة تسرعت في الحكم على الشيخ، ولعلّ كثيرا من المناوئين للشيخ لم يقرأ للشيخ أصلا، وإِنما قرأ عنه من أعدائه، وقد كان للسياسة أثرها الكبير في هذا، ولا سيما السياسة الإِنجليزية التي كانت ترقب بواعث النهضة في الأمة الإِسلامية، وتحاول الإِجهاز عليها قبل أن تؤتي ثمارها، كما أن الدولة العثمانية التي انتشرت فيها طرق صوفية مغالية، انطلقت في هجومها على الدعوة السلفية، لمخالفتها لها في المنهاج وما يتعلق بأمور العقيدة، كالتوسل والاستعانة بالموتى، ولم تحاول الدولة العثمانية، والطرق
الصوفية فيها أن تعرف الإِطار العام للدعوة السلفية الإِصلاحية، فكان الأمر أشبه -عند هؤلاء الغلاة من الصوفية- بعقيدة توسلية يدافعون عنها، ويرون وجودهم فيها، فلم يتبين هؤلاء خطورة رفضهم للدعوة الإِصلاحية، وحربهم عليها. فإِذا وجَدْتَ من يهاجمُ هذه الدعوة، فاعلم أنه إِنما أتي من قبل هذين الأمرين، أو أحدهما:
إما الخضوع للدعاية السياسية التي أبصرت خطر الانبعاث الإِسلامي القائم على التوحيد الصافي، على مصالحها ووجودها. وإِما غلاة الصوفية الذين رفضوا الدعوة السلفية بالجملة لمخالفتها لأصل من أصولهم، كالتوسل بالموتى، وهي مخالفة رأوا فيها -كذلك- قضاءً على مصالحهم، ومنافعهم فالعامل المصلحي مشترك بين الرافضين جميعا.
وينضم إِلى هؤلاء وأولئك من ينالون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أعلام أهل السنة، ويرون في الاستعانة بالموتى والتوسل بهم، أصلا من أصول الدين.
آثار الدعوة خارج الجزيرة العربية
أما المادحون للدعوة والداعون لها فكثيرون، وهم أكثر من أن يحصروا في مكان، بل إِن المتأثرين بها، السائرين على نهجها، قد انتشروا في العالم الإِسلامي، وقدموا لمجتمعهم، وجماعاتهم، خيرا كثيرا.
فإِذا ذهبنا إِلىِ تأثير الدعوة في القيادات العلمية في العالم الإِسلامي وجدنا لها تأثيرا كبيرا، يكاد يمتد إِلى كثير من المصلحين في مختلف البلاد الإِسلامية.
ويعدّ الشيخ محمد بن علي الشوكاني (1173- 1252هـ) من أهم الذين تأثروا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقد ولي القضاء بصنعاء اليمن حيث كان الحكام زيدية، لكن لم يحصر نفسه في دائرة المذهب الزيدي، وقد التقىِ هو والشيخ محمد بن عبد الوهاب في منبعهما العلمي، فنهلا معا من علم ابن تيمية ومدرسته، ومن مؤلفاته الكبيرة كتابه (نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار) ومن كتبه أيضا:(قطر الولي في معرفة الولي)، وكتابه:(الدواء العاجل لدفع العدو الصائل) ، وقد كتب كثيرا في مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما كتب شعرا في رثائه، وفي مدح آل سعود الذين نصروا الدعوة السلفية يقول في بعضه:
لقد مات طود العلم قطب الرحى العلا
…
ومركز أدوار الفحول الأفاضل
أفق يا معيب الشيخ ماذا تعيبه؟
…
لقد عبت حقا واتحلت بباطل
أفيقوا أفيقوا إنه ليس داعيا
…
إلى دين آباء له وقبائل
دعا لكتاب الله والسنة التي
…
أتانا بها طه النبي خير قائل
ويقول في آل سعود:
هم الناس أهل الفضل يعرف فضلهم
…
جميع بني الدنيا فما للمجادل؟!
لقد جاهدوا في الله حق جهاده
…
إلى أن أقاموا بالظبي كل مائل
وممن استفاد من الدعوة الإِصلاحية السلفية، وتأثر بها في جهوده الشيخ محمد رشيد رضا، صاحب المنار:(المجلة والتفسير) .
ويمكن القول بأن رجال جمعية أنصار السنة المحمدية التي رأسها الشيخ حامد الفقي قد استفادوا بدرجة كبيرة من الدعوة الإِصلاحية السلفية.
وفي العراق تأثر محمود شكري الألوسي بالدعوة تأثرا كبيرا ظهر في كتابه: فتح المنان، وفي كتابه: كنْز السعادة في شرح كلمة الشهادة.
وفي الهند تأثر بالدعوة الأمير صديق حسن خان، المتوفي سنة (1890م) وناصر حسين، المتوفى سنة (1902م) ، كما تأثر بالدعوة أهل الحديث في الهند. وأيضا استفاد من الشيخ محمد بن عبد الوهاب أحمد بن عرفان الشهيد، المعروف باسم (السيد أحمد) ، المتوفي سنة 1831م.
وفي أنحاء من العالم استفاد من الدعوة كثيرون، وقد ذُكِرَ منهم أحمد بن عبد اللطيف الخطيب من أندونيسيا، ومحمد نور الفطاني، والحاج عبد الكريم أمر الله، والشيخ أحمد السوراكتي، وهم من أندونيسيا. ومن التركستان قيل: إِن جهاد إِيشان إِيش محمد كول ممن استفاد من الدعوة.
ومن الجزائر ذكر أن الشيخ عبد الحميد بن باديس قد استفاد من دعوة الشيخ محمد.
وغيرهم كثيرون.
أما تأثير الدعوة في المجال الفكري والإِنساني العام، فهو تأثير يمتد إِلى آفاق العالم، بالإِضافة إِلى مستوى تأثيرها في الأفراد الذين ذكرنا نماذج منهم، وحسبنا أن نشير إِلى المرئيات والتحليلات التالية، تاركين لمن أراد تتبّع التفاصيل العودة إِلى هذه المصادر التي نشير إِليها نفسها. ففي بحثه حول استفادة الدعوات الإِصلاحية الإِسلامية من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بيّن الدكتور/ وهبة الزحيلي، ذلك في المجالات التالية:
أثرها في الجزيرة العربية.
أثرها في الهند.
أثرها في سومطرة.
أثرها في المغرب والجزائر.
أثرها في تونس.
أثرها في ليبيا.
أثرها في زنجبار وأفريقيا.
أثرها في السودان.
أثرها في مصر.
أثرها في الشام.
أثرها في العراق.
أثرها في تركيا.
أثرها في اليمن.
أثرها في عقلية المثقف.
أما الأستاذ/ عبد الفتاح الغنيمي، فقد قدم دراسة حول أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في غرب أفريقيا.
وقد كتب الشيخ/ إِسماعيل أحمد بحثا عن تأثير دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تايلند.
وفي الوقت نفسه كتب الأستاذ/ نجيح عبد الله بحثا حول تأثير دعوة
الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حركات الإِصلاح في إِندونيسيا.
وكتب الدكتور/ عبد الحليم عويس بحثا حول أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الفكر الإِسلامي في الجزائر، وهو يقصد تأثيرها في جمعية العلماء التي قادها: الشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ البشير الإِبراهيمي1.
أما كتاب الأستاذ/ محمد جمال جمعة: (انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية) فهو سجل حافل، يتتبع تأثير دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، في الدول والجماعات والأشخاص، بطريقة ضافية وافية، وذلك فيما يزيد على ثلاثمائة صفحة، شملت الحديث عن مجالات تأثير الدعوة الإِصلاحية في العالم، في الهند، وأندونيسيا، وغرب إِفريقيا، والشام، ومصر، والعراق، وليبيا، والسودان، والمغرب الأقصى، والجزائر، وغيرها.
ومن أهم الجهود التي كتبت في بيان أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإِصلاحية ما كتبه الدكتور/ صالح بن عبد الله بن عبد الرحمن العبود في كتابه القيم: (عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وأثرها في العالم الإِسلامي) .
1 تنظر هذه البحوث كلها في الأعمال الكاملة لبحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب -الجزء الثاني- طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وفي ضوء هذا الامتداد العالمي يصعب أن نستقصي أثر هذه الدعوة، أو أن نقدم بعض الشهادات المادحة التي وردت في دوائر المعارف، أو في الموسوعات التاريخية، أو بأقلام مؤرخين كبار، أو أدباء مشهورين، مثل عباس العقاد، وطه حسين، وأبي الحسن الندوي، ورشيد رضا، والدكتور أحمد شلبي، وتوماس أرنولد، واستودارد لوثروب، وحسن إِبراهيم حسن، وعبد الكريم الخطيب، وعبد الحليم الجندي، وأحمد حسين، وأكوبرت الألماني، ومحمد عبد الله ماضي، وغيرهم، فأمر الدعوة عالمي، لا يكفي معه مثل هذه الشهادات التي قد يستدل بها في أمر صغير أو عابر، لكنها -مع دلالتها الكبيرة- مجرد مؤشر من مؤشرات كثيرة، تزكي هذه الدعوة، وتظهر معدنها الأصيل، وتدلّ على أنها دعوة عالمية إِسلامية، وليست مجرد دعوة محصورة في إطار قومي أو وطني.
وقد كان حسنا ما فعله الأستاذ/ أمين سعيد في كتابه: (سيرة الإِمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب) حين ألمح إِلى هذه العالمية في التأثير عند ذكره لآراء العلماء في دعوة الشيخ، فقد قسمهم قسمين:
- رأي علماء الشرق.
- آراء العلماء الغربيين.
فمن الشرق، نقل رأي الشيخ محمد عبده، ورأي علماء الشام،
ورأي عالم عراقي، ورأي الأستاذ أحمد أمين، ورأي الدكتور طه حسين، ورأي الأستاذ العقاد، ورأي أحمد حسين، ورأي الأستاذ فيليب حتّي.
ومن الغرب نقل أقوال لوثروب ستودارد، ورأي مستشرق ألماني كبير، ورأي مؤرخ ألماني، ورأي جماعة من المشترقين، ورأي عالم فرنسي، ورأي مستشرق نمساوي، ورأي المستشرق سريو، ورأي المستشرق جب الإِنجليزي، وقول دائرة المعارف البريطانية.
والحق أن تأثير الدعوة كان عالميا يمتد شرقا، ويمتد غربا.
لقد كان تياراً لبعث إِسلامي رشيد، ولنهضة حضارية عقدية وتشريعية وأخلاقية واعية.
وسيبقى هذا التيار الذي يدعو إِلى العودة إِلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح سيبقى هذا التيار هو الطريق الأقوم والناجح ما بقيت في المسلمين روح فاعلة، وقلوب نابضة بالحب لله ورسوله، تحقيقا لقوله عليه الصلاة والسلام:" تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي "1.
وصدق الله الذي أنزل في كتابه الكريم:
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التّوبة: 33] .
1 رواه الحاكم برقم 78002، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
لقد بقيت هذه الدعوة في ظل دولة إِسلامية حديثة ناهضة: (المملكة العربية السعودية) ثابتة على أصولها، محكمة شريعة ربها، منفتحة على العالم، تريد الخير والتعاون، والرحمة للبشرية كلها، تلك الرحمة المتمثلة في شريعة الإِسلام، التي أرسل بها خاتم البشر وأفضلهم:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] .
كانت الدولة وأئمتها، أوفياء للإِسلام، ولدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مختلف العهود، والعصور.
وكان الاهتمام قد بلغ الذروة في عهد موحد المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله، حيث أقام المملكة على الإِسلام، عقيدة وشريعة، وفق كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما كان عليه سلف الأمة الصالح، متخذاً من نهج جده الإِمام محمد بن سعود رحمه الله، ومؤازرته للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، قدوة يحتذيها.
واستمر الاهتمام بالدعوة، والعناية بها، باعتبارها تجديداً للإسلام في حياة الناس، ممن خلف الملك عبد العزيز من أبنائه. وهي في العهد الحاضر، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، في الصدارة من حيث الاهتمام والعناية.
فالدعوة إِلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطبيق شرع الله، والتضامن بين المسلمين، ونشر كتاب الله وسنة رسوله، وكتب علماء السلف، وتعليم أبناء المسلمين، وبعث الوفود والدعاة، وبناء المراكز والمساجد والمدارس في مختلف أنحاء الدنيا، كل ذلك من أسس المملكة العربية السعودية، ومن ثوابت المنهاج الذي تسير عليه.
وستظل بإِذن الله على ذات المنهاج، قادة وعلماء، وشعبا، اختارهم الله لنصر دينه، وخدمة الحرمين الشريفين، والحجاج والعمار، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد من الآية: 21، والجمعة، من الآية: 4] .
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد الله بن عبد المحسن التركي