الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسس الدعوة
التوحيد هو الأساس
…
التوحيد الأساس الذي قامت عليه الدعوة
التوحيد الخالص، هو جوهر عقيدة الإِسلام، ومحور عباداته، وركيزة تعاليمه، والطابع المميز له، بعبودية الإِنسان لله وحده، ومن ثم كانت الغاية الكبرى في الإِسلام أن يعبد الإِنسان ربه وفق ما شرعه الله ورسوله، وعلى الدعاة والمصلحين بذل جهدهم في تحرير أمر العقيدة، وتحديد الصورة الصحيحة التي يجب أن يستقر عليها الضمير البشري في حقيقة الألوهية، وعلاقتها بالخلق، فتستقر عليها نظمهم، وأوضاعهم، وأخلاقهم، وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وما كان يمكن أن تستقر هذه الأمور كلها إِلا أن تستقر حقيقة الألوهية، وتتجلى خصائصها في النفس البشرية، ووجدانها، وعقلها.
ومن أجل ذلك، ومن خلال الوقوف على آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب، متمثلة في كتبه ومسائله ورسائله، يتضح أن الدعوة إِلى التوحيد (توحيد الله تعالى) ، والبراءة من ضروب الشرك، تحتل المساحة الأوسع، والاهتمام الأكبر، والمكانة الأولى لدى الشيخ، أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مكث في مكة ثلاث عشرة سنة، يغرس عقيدة التوحيد، ويقتلع جذور الشرك.
فالعقيدة لب الرسالات الإِلهية، وعليها تقوم الشريعة ولا شريعة بدون عقيدة صحيحة.
عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
أما العقيدة التي دعا الشيخ محمد بن عبد الوهاب الناس إِليها، وأخذ على عاتقه توضيحها لهم، والتي أخذت جانبا كبيرا من دعوته وجهاده، فهي عقيدة السلف الصالح التي وردت في الكتاب والسنة، وطبقها -فكراَ وعملا- رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، رضوان الله عليهم، ومن تبعهم بإِحسان من أهل السنة والجماعة، وهي العقيدة التي بينها الشيخ بياناً شافياً في (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) ، وهو كتاب يأتي في الصدارة بين كتب الشيخ، ولخصها في رسائله الكثيرة إِلى الأمراء، والعلماء، وعموم المسلمين. يقول الشيخ في رسالته إلى أهل القصيم -لما سألوه عن عقيدته-:
((أشهد الله، ومن حضرني من الملائكة، وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، من الإِيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره)) .
ومن الإِيمان بالله، الإِيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشّورى من الآية: 11] ، فلا أنْفي عنه
ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته -تعالى- بصفات خلقه؛ لأنه -تعالى- لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه؛ فإنه -سبحانه- أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا، وأحسن حديثا، فنَزّه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل، فقال:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصّافات الآيات: 180-182] .
وأعتقد أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإِليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إِلا بإِرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إِلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور.
وأعتقد الإِيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت؛ فأومن بفتنة القبر، ونعيمه، وعذابه، وبإِعادة الأرواح إِلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا، تدنو منهم الشمس، وتنصب
الموازين، وتوزن بها أعمال العباد، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون الآيتان: 102-103] ، وتنشر الدواوين، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله.
وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا.
وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم، يمر به الناس على قدر أعمالهم.
وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع، وأول مشفع ولكنها لا تكون إِلا من بعد الإِذن من الله، والرضى.
وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا تفنيان، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة، كما يرون القمر ليلة البدر، لا يضامون في رؤيته. وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته.
وأعتقد أن الإِيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهو بضع وسبعون شعبة، أعلاها: شهادة أن لا إِله إِلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق.
فهذه عقيدة وجيزة حررتها، وأنا مشتغل البال؛ لتطلعوا على ما عندي، والله على ما نقول وكيل)) 1.
وفي رسالة من الشيخ محمد بن عبد الوهاب إِلى (السويدي) أحد علماء العراق الذين راسلهم الشيخ - يقول له:
((وأخبرك أني -ولله الحمد- متبع ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين الله به، مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة، وأتباعهم إِلى يوم القيامة)) 2.
وعقيدة الشيخ، ودعوته ترجع إِلى التوحيد الخالص، في كل ما جاءت به من قواعد إِجمالية، وشروح تفصيلية، والتزام بالنصوص المتعلقة بالعقيدة، وما يتعلق منها بالذات الإِلهية التي لا يمكن إِدراك كنه كمالاتها العليا، أو حقيقة صفاتها المقدسة، فحسبنا -إِذ- أن نؤمن بها، كما جاءت من عند ربنا في كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دون تحريف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، فهو -سبحانه- كما وصف نفسه:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشّورى من الآية: 11] .
وكما ورد في كتابه الكريم:
{لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] .
1 مؤلفات الشيخ -القسم الخامس- الرسائل الشخصية، ص8، 11.
2 مؤلفات الشيخ 5/36.
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة من الآية: 255] .
فعقولنا، حسبها أن تؤمن بأن الله منَزه عن كل نقص، وأنه موصوف بكل كمال، له وجه، وله يد، وله عرش استوى عليه، كما أثبت لنفسه جل جلاله لكنها لا تستطيع إِدراك حقيقة وجهه، أو يده، أو عرشه، أو كيفية استوائه على هذا العرش، وليس من حقها أن تسأل عن كيفية ذلك كله؛ لأن هذه أسئلة تدخل في مجال لم يهيأ العقل له. فالمعنى معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة وهلاك محقق.
وفي القرون الأولى -ولا سيما في عصر الصحابة، والتابعين- كان أمر العقيدة مسلما به، مقدرا حق قدره، وكان الصحابة والتابعون يؤمنون بكل ما جاء في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مما وصف الله به نفسه، ومما دعا رسوله إِلى الإِيمان به، ولم يقفوا وقفات جدلية مركبة، تخالف الفطرة، وتقود إِلى الضلال.
وهكذا؛ فإِن الدعوة إِلى التوحيد الصافي، الذي مثل القضية الرئيسة والمحورية لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كانت دعوة إِلى المنهج الإِسلامي القائم على القرآن، والسنة، وعقيدة السلف الصالح، الذين كانت سيرتهم، وحياتهم خير تطبيق للقرآن والسنة، وكانوا بعيدين عن التكلف، والتأويل الباطل، والإِسقاطات الفلسفية، والآثار العقدية الوثنية.
وأيضا، فإِن هذه الدعوة -بهذا الوضوح، وبهذا الانتماء المباشر للقرآن والسنة، وعقيدة السلف الصالح- لا تعد شيئاً جديداً، ولا مذهبية جديدة تنسب إِلى من دعا إِليها.
كلا فما كان الأمر كذلك، وما زعم صاحب الدعوة ذلك، وإِنما كانت دعوته قوية واضحة، تدعو إِلى التمسك بالكتاب والسنة، وإِلى فهمهما في ضوء اللغة الواضحة، التي لا تجنح إِلى التأويل الباطل، أو الإِسقاط الفكري، ولو كان الرجل صاحب مذهب جديد لأعلن أنه ابتكر مذهبا جديدا، على عادة البشر، لكنّ الرجل في كل كتاباته وحواراته، كان يعلن أنه متبع لا مبتدع، وأنه يسعى لعودة الناس إِلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبته -رضوان الله عليهم- من فقه واضح فطري للعقيدة والشريعة دون تعقيد فلسفي، أو تركيب عقلي تأويلي، وكان يلح على أنه يدعو إِلى ما دعا إِليه السلف من الصحابه والتابعين، ومن سار على منهجهم، ممن تقيد بالكتاب والسنة، عقيدة وسلوكا، من أمثال أئمة المذاهب: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، ومن أمثال الأئمة المجاهدين للباطنية، والمؤولة المحرفة، من أمثال شيخ الإِسلام الشيخ أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية، رحم الله الجميع، وأجزل لهم المثوبة على جهادهم.
وليس من الموضوعية أن يتقول بعض المتقولين على دعوة الشيخ ما لم
يقله صاحبها، كما أنه ليس من الموضوعية رد كلامه ودعوته، والحكم عليه، انطلاقا من الشائعات التي يروجها أعداء الإِسلام، الخائفون من عودة المسلمين إِلى منابع شريعتهم الأصلية، ورسالتهم الصافية النقية، التي مكنتهم في الأرض قرونا كثيرة، وهي صالحة لتمكينهم في أي وقت يعودون فيه إِليها، ويلتزمون بها، ويبلغونها للناس، كما أنزلها الله على خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام وكما نشرها في العالم أصحابه، وتابعوهم، رضوان الله عليهم.
وسائل الشيخ في الدعوة إلى التوحيد
سلك الشيخ رحمه الله في دعوته إِلى التوحيد سبلا، ووسائل، يمكن تناولها من خلال الإِشارة إِلى:
1-
كتبه.
2-
رسائله.
أولا: كتبه، والدعوة إلى التوحيد:
كانت الكتابة في بيان حقيقة التوحيد، وبيان حقيقة الإِيمان، ومن ثم بيان خطورة الانحراف عن التوحيد، والوقوع في الشرك، كانت الكتابة في ذلك تمثل أكبر قدر من اهتمامات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حتى تعم الفائدة، ويستطيع كل راغب وطالب، الوقوف على حقيقة ما يدعو إِليه، إِن لم يكن ممن صحبه، أو التقاه.
وسنتناول فيما يلي -بإِيجاز- أهم ما كتبه الشيخ في هذا الشأن:
1-
كتاب التوحيد1:
وهو من أعظم ما ألفه في بيان حقيقة توحيد العبادة، وبيان ما ينافيه، أو ينافي كماله، وقد جعله على أبواب، بلغت ستة وستين بابا، كل باب يشتمل على العنوان، والترجمة المتضمنة للحكم، ثم
1 مؤلفات الشيخ -القسم الأول- الرسائل الشخصية، ص7-151.
الاستدلال على ذلك من الكتاب والسنة، وتذييل كل باب بمسائل عظيمة تستفاد منه.
2-
كشف الشبهات1:
وفيه يعرض الشيخ محمد بن عبد الوهاب لكثير من الشبه التي أثيرت حول توحيد العبادة، ويرد على أصحاب هذه الشبه من خلال الأدلة من الكتاب والسنة، مثل استدلال بعضهم على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركا، بأن الناس يستغيثون يوم القيامة بالأنبياء، وكقول البعض: إِن إِبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار اعترض له جبريل في الهواء، فقال له: ألك حاجة؟ فقال إِبراهيم: أما إِليك فلا. قالوا: فلو كانت الاستغاثة بجبريل شركا لم يعرضها على إِبراهيم، عليه السلام.
ويبطل رحمه الله الشبهة الأولى، وهي الاستدلال باستغاثة الناس يوم القيامة بالأنبياء، فيقول: ((إِن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، كما قال -تعالى- في قصة موسى:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص من الآية: 15] .
ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء، أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إِلا الله.
1 مؤلفات الشيخ، 1/153-181.
إذا ثبت ذلك، فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف.
وهذا جائز في الدنيا والآخرة، وذلك أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك، ويسمع كلامك، فتقول له: ادع الله لي، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه ذلك في حياته.
وأما بعد موته، فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف الصالح على من قصد دعاء الله عند قبره، فكيف بدعائه نفسه؟))
وأما شبهة استدلالهم بأن الاستغاثة لو كانت شركا لم يعرضها جبريل على إِبراهيم عليه السلام فيردها رحمه الله بأنها من جنس الشبهة الأولى؛ فإِن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه وهذا كرجل غني له مال كثير يرى رجلا محتاجا، فيعرض عليه أن يقرضه، أو أن يهبه شيئا يقضي به حاجته، فيأبى ذلك الرجل المحتاج أن يأخذ، ويصبر إِلى أن يأتيه الله برزق، لا منة فيه لأحد، فأين هذا من استغاثة العبادة، والشرك، لو كانوا يفقهون؟ 1.
3-
ثلاثة الأصول2:
وهو مؤلف صغير الحجم، كبير القيمة، يشتمل على أصول
1 مؤلفات الشيخ، 1/178.
2 مؤلفات الشيخ، 1/183-196.
ثلاثة، يجب على كل مسلم ومسلمة، تعلمها، والعمل بها؛ لأنها التي يسأل عنها حين يدفن، وهي:
أ- معرفة الله عز وجل وتوحيده.
ب- معرفة الإِسلام، والتمسك به.
ج- معرفة رسول الإِسلام محمد صلى الله عليه وسلم والاقتداء به.
4-
القواعد الأربع1:
وهي من مؤلفات الشيخ التي قرر بها توحيد العبادة، وأنه لا يكون خالصا إِلا بنفي الشرك.
5-
أصول الإِيمان2:
وقد اشتمل على اثني عشر أصلا، لا يتم إِيمان المرء إِلا بالإيمان بها، من مثل معرفة الله، والإِيمان به، والإِيمان بالملائكة، وبالقرآن، وبسائر كتب الله، والتحذير من البدع، ومثل الإِيمان بالقدر.
6-
كتاب مفيد المستفيد، في كفر تارك التوحيد3:
وهذا الكتاب ألفه الشيخ لما ارتاب بعض من يدعي العلم من أهل العيينة، ولما تراجع عن التوحيد الصحيح بعض أهل حريملاء، إِذ طلب من الشيخ أن يكتب كلاما ينفع الله به، فكان هذا الكتاب، الذي بين
1 مؤلفات الشيخ، 1/197-202.
2 مؤلفات الشيخ، 1/229-277.
3 مؤلفات الشيخ، 1/279-329.
فيه نوا قض التوحيد، مقتبسا، ومؤكدا كلامه بأقوال أهل العلم من أمثال: ابن تيمية، وابن القيم.
ثانيا: رسائله، والدعوة إلى التوحيد:
وهذه الرسائل تنقسم قسمين:
أ- رسائل مؤلفة عامة.
ب- رسائل شخصية.
أ- الرسائل العامة:
وهي مجموعة رسائل في التوحيد والإِيمان، بلغ عددها ثلاث عشرة رسالة، وهي:
1-
مسائل الجاهلية1 وفيها ذكر الشيخ مائة وعشرين مسألة، خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليه أهل الجاهلية، من الكتابيين، والأميين.
2-
شرح ستة مواضع من السيرة2:
وفيها يقول: ((تأمل -رحمك الله- ستة مواضع من السيرة، وأفهمها فهما حسنا، لعل الله أن يفهمك دين الأنبياء؛ لتتبعه، ودين المشركين؛ لتتركه؛ فإِن أكثر من يدّعي الدين، ويدعي من الموحدين لا يفهم الستة، كما ينبغي)) 3.
1 مؤلفات الشيخ، 1/333-352.
2 مؤلفات الشيخ، 1/353- 362.
3 مؤلفات الشيخ، 1/353.
3-
تفسير كلمة التوحيد1: أي بيان معنى: (لا إِله إِلا الله) .
وقد بين فيها رحمه الله أن هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفرِ والإِسلام، وهي كلمة التقوى، وهي العروة الوثقى، وأنها تتضمن نفيا وإِثباتا: نفي الإِلهية عما سوى الله -تعالى- من المرسلين حتى محمد صلى الله عليه وسلم ومن الملائكة حتى جبريل، فضلا عن غيرهما من الأنبياء والصالحين، وإِثباتها لله عز وجل.
4-
تلقين أصول العقيدة للعامة2:
وذلك ببيان معرفة الله، وتوحيده، ومعرفة أصل الإِسلام وقاعدته، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم والبعث بعد الموت، وبيان أصل الإِيمان، من إِيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
5-
ثلاث مسائل3:
وهذه المسائل يقول عنها الشيخ رحمه الله: ((اعلم -رحمك الله تعالى- أنه واجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أن الله خلقنا، ولم يخلقنا عبثا، ولم يتركنا هملا، بل أرسل إِلينا رسولا، ومعه كتاب، من أطاعه فهو في الجنة، ومن عصاه فهو في النار
1 مؤلفات الشيخ، 1/363-369.
2 مؤلفات الشيخ، 1/370-373.
3 مؤلفات الشيخ، 1/374-375.
المسألة الثانية: أن أعظم ما جاء به هذا الرسول أن لا يشرك مع الله في عبادته أحد
المسألة الثالثة: أن من وحد الله تعالى، وعبد الله تعالى، لا يجوز له موالاة {مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة من الآية: 22] )) 1.
6-
معنى الطاغوت، ورؤوس أنواعه2.
وقد بين فيها رحمه الله معنى الطاغوت، وأنه كل ما عبد من دون الله، ورضي بالعبادة من معبود، أو متبوع، أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله، ثم ذكر رحمه الله أن رؤوس الطواغيت خمسة:
أولها: الشيطان الداعي إِلى عبادة غير الله، تعالى.
الثاني: الحاكم الجائر، المغير لأحكام الله، تعالى.
الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله.
الرابع: الذي يدعي علم الغيب من دون الله.
الخامس: الذي يُعْبَدُ من دون الله، وهو راضٍ بالعبادة.
7-
الأصل الجامع لعبادة الله وحده3.
8-
بعض فوائد سورة الفاتحة -فيما يتعلق بالعقيدة-4.
1 مؤلفات الشيخ، 1/374-375.
2 مؤلفات الشيخ، 1/376 -378.
3 مؤلفات الشيخ، 1/379-381.
4 مؤلفات الشيخ، 1/382-384.
9-
نواقض الإِسلام1.
10-
مسائل مستنبطة من قول الله -تعالى-: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن: 18]2.
11-
ثماني حالات3 استنبطها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من قول الله -تعالى-:
12-
ستة أصول عظيمة مفيدة4.
13-
رسالة في توحيد العبادة5.
ب- الرسائل الشخصية:
وهذه الرسائل يمكن تقسيمها من الناحية المنهجية أربعة أقسام:
القسم الأول: بيان عقيدة الشيخ:
1 مؤلفات الشيخ، 1/385-387.
2 مؤلفات الشيخ، 1/388-389.
3 مؤلفات الشيخ، 1/390-392.
4 مؤلفات الشيخ، 1/393-397.
5 مؤلفات الشيخ، 1/398-399.
وهي ست عشرة رسالة، أرسلها الشيخ إِلى الأمراء، والعلماء، وإِلى عموم الناس، يبين فيها حقيقة الدعوة التي يدعو إِليها، كما تضمنت الإجابة عن أمور سئل عنها في العقيدة، أو توضيح أمور، رأى أن من واجب معرفتها؛ لكونها تمس جانب العقيدة الذي يمثل أساس الإِسلام.
وهذه الرسائل كما يلي:
1-
رسالة الشيخ إِلى أهل القصيم لما سألوه عن عقيدته: وفيها يقول: ((إِني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية: أهل السنة والجماعة، من الإِيمان بالله، وملائكته، ورسله، والبعث بعد الموت)) 1 وسبق ذكرها.
2-
رسالة الشيخ إِلى محمد بن عباد مطوع ثرمداء: وكان قد أرسل إِليه محمد بن عباد كتابا في تقرير التوحيد وغيره، وطلب من الشيخ أن يبين له إِن كان فيه شيء، يحتاج إِلى تنبيه.
وفيها يقول:
((من محمد بن عبد الوهاب، إِلى الأخ محمد بن عباد، وفقه الله لما يحبه، ويرضاه. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
وصلنا أوراق في التوحيد، بها كلام من أحسن الكلام -وفقك الله للصواب- وتذكر فيه أن ودك نبين لك إِن كان فيها شيء غاترك،
1 مؤلفات الشيخ -القسم الخامس- الرسائل الشخصية، ص 8-13.
فاعلم -أرشدك الله- أن فيها مسائل غلط:
الأولى: قولك: أول واجب على كل ذكر وأنثى النظر في الوجود، ثم معرفة العقيدة، ثم علم التوحيد. وهذا خطأ، وهو من علم الكلام الذي أجمع السلف على ذمه، وإِنما الذي أتت به الرسل: أول واجب هو التوحيد، ليس النظر في الوجود، ولا معرفة العقيدة، كما ذكرت أنت)) 1.
3-
رسالة إِلى محمد بن عيد من مطاوعة ثرمداء:
وفيها يرد الشيخ على استفسارات محمد بن عيد في مسائل العقيدة، التي يطلب بيان ما فيها من حق وصواب أو خطأ، فبعد أن يستعرض الشيخ كلامه، يقول:
((وما قررتم هو الصواب الذي يجب على كل مسلم اعتقاده، والتزامه، ولكن قبل الكلام، اعلم أني عرفت بأربع مسائل:
الأولى: بيان التوحيد الثانية بيان الشرك إلخ)) 2.
4-
رسالة أرسلها إلى فاضل آل مزيد رئيس بادية الشام:
وهي رسالة يجيب فيها الشيخ عما نسب إِليه من كذب وبهتان، من لمز الشيخ في عقيدته لما نهى عن دعاء غير الله من أنبياء، وصالحين، وأولياء3.
1 مؤلفات الشيخ، 5/16-21.
2 مؤلفات الشيخ، 5/24-30.
3 مؤلفات الشيخ، 5/32-33.
5-
رسالة إِلى (السويدي) من علماء العراق:
وكان قد أرسل للشيخ كتابا يسأله عما يقول الناس فيه، فأجاب:
((وأخبرك أني -ولله الحمد- متبع، ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين الله به، مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة، وأتباعهم إِلى يوم القيامة)) 1.
6-
رسالة إِلى العلماء في بلد الله الحرام:
وفيها يبين الشيخ أنه على مذهب الإِمام أحمد بن حنبل، وأن ما قام به من هدم البنيان على القبور، مما دعا إِليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هذا تنقيصا في حق الصالحين، وأن هذا الذي دعا إِليه، قال به الأئمة الأعلام، ويوجد في كتبهم، فيقول رحمه الله:
((فنحن -ولله الحمد- متبعون غير مبتدعين، على مذهب الإِمام أحمد بن حنبل، ومن البهتان الذي أشاع الأعداء، أني أدعي الاجتهاد، ولا أتبع الأئمة)) ، إِلى أن قال:((وتعلمون -أعزكم الله- أن المطاع في كثير من البلدان لو يتبين بالعمل بهاتين المسألتين أنها تكبر على العامة الذين درجوا هم وآباؤهم على ضد ذلك، فِإن كان الأمر كذلك، فهذه كتب الحنابلة عندكم بمكة شرفها الله، مثل (الإِقناع) ، و (غاية المنتهى) وكتاب (الإِنصاف) الذي عليه اعتماد المتأخرين، وهو عند
1 مؤلفات الشيخ، 5/36-38.
5-
رسالة إِلى (السويدي) من علماء العراق:
وكان قد أرسل للشيخ كتابا يسأله عما يقول الناس فيه، فأجاب:
((وأخبرك أني -ولله الحمد- متبع، ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين الله به، مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة، وأتباعهم إِلى يوم القيامة)) 1.
6-
رسالة إِلى العلماء في بلد الله الحرام:
وفيها يبين الشيخ أنه على مذهب الإِمام أحمد بن حنبل، وأن ما قام به من هدم البنيان على القبور، مما دعا إِليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هذا تنقيصا في حق الصالحين، وأن هذا الذي دعا إِليه، قال به الأئمة الأعلام، ويوجد في كتبهم، فيقول رحمه الله:
((فنحن -ولله الحمد- متبعون غير مبتدعين، على مذهب الإِمام أحمد بن حنبل، ومن البهتان الذي أشاع الأعداء، أني أدعي الاجتهاد، ولا أتبع الأئمة)) ، إِلى أن قال:((وتعلمون -أعزكم الله- أن المطاع في كثير من البلدان لو يتبين بالعمل بهاتين المسألتين أنها تكبر على العامة الذين درجوا هم وآباؤهم على ضد ذلك، فِإن كان الأمر كذلك، فهذه كتب الحنابلة عندكم بمكة شرفها الله، مثل (الإِقناع) ، و (غاية المنتهى) وكتاب (الإِنصاف) الذي عليه اعتماد المتأخرين، وهو عند
1 مؤلفات الشيخ، 5/36-38.
9-
رسالة إلى عموم المسلمين:
وفيها يبين رده لأسلوب التكفير، ويضع ضوابط للتكفير1.
10-
رسالة إلى الشيخ حمد التويجري:
وكان قد أرسل إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب رسالة يذكر فيها كلاما لأحد المنتسبين لمذهب الإمام أحمد، راجيا التعليق عليه، ببيان ما فيه من خطأ أو صواب.
يقول الشيخ في رسالته:
((وصاحبها ينتسب إلى مذهب الإمام أحمد، رحمه الله، وما تضمنته رسالته من الكلام في الصفات، مخالف لعقيدة الإمام أحمد، وما تضمنته من الشبه الباطلة في تهوين أمر الشرك، بل في إباحته، فمن أبين الأمور بطلانه)) 2.
11-
رسالة إلى عبد الله سحيم مطوع من أهل المجمعة:
وذلك لما سأله عن الكتاب الذي أرسله عدو الله سليمان بن محمد بن سحيم مطوع من أهل الرياض، إلى أهل البصرة، والأحساء، يشنع فيه على الشيخ بالكذب، والبهتان، والزور، والباطل الذي ما جرى، وما كان قصده بذلك إلا الاستنصار بكلامهم على إبطال ما أظهره الشيخ من بيان التوحيد، وإخلاص الدعوه لله، وهدم أركان الشرك.
1 مؤلفات الشيخ، 5/58.
2 مؤلفات الشيخ، 5/60.
وقد اشتملت الرسالة على بيان ما في كلام ابن سحيم من حق وباطل، وبيان عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي تتفق وعقيدة الأئمة الأربعة1.
12-
رسالة أيضا إِلى عموم المسلمين:
وهي رسالة مكملة للرسالة السابقة، يبين فيها ما في كلام سليمان بن سحيم من الكفر الصريح، وسب دين الإِسلام2.
13-
رسالة إِلى أحمد البكيلي صاحب اليمن:
وفيها يبين حقيقة الدعوة التي يدعو الناس إِليها، وأنه ما دعا إِلا للإِسلام والتوحيد، وما نهى الناس إِلا عن الشرك3.
14-
رسالة إِلى إِسماعيل الجراعي صاحب اليمن:
وفيها بيان وردّ للشبه التي أثيرت حول الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم بيان حقيقة دعوته، إِذ يقول:
((فاعلم -رحمك الله- أن الذي ندين به، وندعو الناس إِليه، إِفراد الله بالعبادة، وهو دين الرسل)) 4.
15-
رسالة إِلى عبد الله بن عبد الله الصنعاني:
1 مؤلفات الشيخ، 5/62-76.
2 مؤلفات الشيخ، 5/88-91.
3 مؤلفات الشيخ، 5/94-98.
4 مؤلفات الشيخ، 5/100-101.
وقد اشتملت على بيان حقيقة دعوة الشيخ إلى التوحيد، وقد ابتدأها بقوله:
((الذي ندين به عبادة الله وحدة لا شريك له، والكفر بعبادة غيرة، ومتابعة الرسول النبي الأمي)) 1.
16-
وقيل إنه بعث رسالة إلى أهل المغرب:
وفيها بيان حقيقة الدعوة، وما ينبغي أن يكون عليه المسلمون من الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم وترك البدع والتفرق والاختلاف، وأن مما عمت به البلوى صرف الناس أنواعا من العبادة لغير الله، كالتوجه إلى الموتى، وسؤالهم النصر على الأعداء، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله2.
القسم الثاني: بيان أنواع التوحيد:
كثيرا ما يقع الشرك؛ لعدم التفرقة بين نوعي التوحيد، أو الفهم الخاطئ لمتطلبات كل نوع، فقد يكون الفرد مقرا بتوحيد الربوبية -من حيث تفرد الله سبحانه وتعالى بالخلق والتدبير- لكنه لا يدخل في الإسلام؛ لأن الذي يدخل الرجل في الإسلام إنما هو توحيد الإلهية، وهو ألا يعبد إلا الله.
ومن هنا كان اهتمام الشيخ رحمه الله ببيان حقيقة كل نوع، وكان هذا واضحا في رسائله التالية:
1 مؤلفات الشيخ، 5/104-107.
2 مؤلفات الشيخ، 5/110-115.
1-
رسالة إِلى سائل يدعى حسنا1.
2-
رسالة إِلى كل من محمد بن عبيد، وعبد القادر العديلي وابنه، وعبد الله بن سحيم، وعبد الله بن عضيب، وحميدان بن تركي، وعلي بن زامل، ومحمد أبا الخيل، وصالح بن عبد الله2.
3-
رسالة إِلى عبد الله بن سحيم3.
4-
رسالة إِلى محمد بن سلطان4.
5-
رسالة إِلى عموم المسلمين5.
وهذه الرسائل تتحدث في جملتها عن التوحيد بنوعيه، وبيان كيف وقع الناس في الشرك.
فهو -على سبيل المثال- يقول في رسالته إِلى محمد بن سلطان:
((واعلم -أرشدك الله- أن الله سبحانه بعث الرسل، وأنزل الكتب لمسألة واحدة، هي: توحيد الله وحده، والكفر بالطاغوت وهذا يتبين بأمرين عظيمين:
الأول: توحيد الربوبية: وهو الشهادة بأنه لا يخلق، ولا يرزق، ولا يحيي، ولا يميت، ولا يدبر الأمور إِلا هو، وهذا حق.
1 مؤلفات الشيخ، 5/120-122.
2 مؤلفات الشيخ، 5/ 127-124.
3 مؤلفات الشيخ، 5/130-141.
4 مؤلفات الشيخ، 5/144-148.
5 مؤلفات الشيخ، 5/150-158.
الأمر الثاني: وهو توحيد الإِلهية: وهو أنه لا يسجد إِلا لله، ولا يركع إلا له، ولا يدعى في الرخاء والشدائد إلا هو، ولا يذبح إلا له، ولا يعبد بجميع العبادات إِلا الله، وحده لا شريك له)) 1.
القسم الثالث: بيان معنى (لا إله إلا الله) وما يناقضها:
وقد اتضح ذلك في رسائله التالية:
1-
رسالته إلى ثنيان بن سعود2.
2-
رسالته إِلى عبد الرحمن بن ربيعة، مطوع أهل ثادق3.
3-
رسالة لم يتضح من أرسلت إِليه4.
4-
رسالة إِلى علماء الإِسلام5.
5-
رسالة إِلى عموم المسلمين6.
6-
رسالة إِلى أهل الرياض ومنفوحة، وإِلى عبد الله عيسى قاضي الدرعية7.
7-
رسالة إِلى بعض البلدان (عموم المسلمين)8.
1 مؤلفات الشيخ، 5/145-147.
2 مؤلفات الشيخ، 5/162-163.
3 مؤلفات الشيخ، 5/166-167.
4 مؤلفات الشيخ، 5/170-174.
5 مؤلفات الشيخ، 5/176-180.
6 مؤلفات الشيخ، 5/182-183.
7 مؤلفات الشيخ، 5/186-190.
8 مؤلفات الشيخ، 5/196-197.
والذي يجمع بين هذه الرسائل بيان معنى: (لا إِله إِلا الله)، فمثلا يقول في رسالته إِلى ثنيان بن سعود:
((سألتم عن معنى قوله -تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ} [محمّد من الآية: 19] ، وكونها نزلت بعد الهجرة، فهذا مصداق كلامي لكم مراراَ عديدة، أن الفهم الذي يقع في القلب غير فهم اللسان، وذلك أن هذه المسألة من أكثر ما يكون تكراراَ عليكم، وهي التي بوب لها الباب الثاني في كتاب التوحيد)) 1.
القسم الرابع: بيان الأشياء التي يكفر مرتكبها، ويجب قتاله:
إِن قضية تكفير المسلم من أدق القضايا، وأخطرها، كيف لا؟ والمرء يخرج من دائرة الإِسلام إِلى دائرة الكفر، ويصبح مرتدا، هذا إِن صدق الحكم فيه، وإِلا ردت تهمة الكفر إِلى قائلها، إِن لم تصدق على من قِيلت له؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القول بالكفر إِلا بعد التيقن.
ولهذا اهتم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ببيان هذه القضية من خلال رسائله التالية:
1-
رسالة إِلى أحمد بن إِبراهيم، مطوع من بلدان الوشم:
وكان قد سأل الشيخ عن مسألة التكفير، فأجابه في هذه الرسالة، مع ذكر ضوابط لهذه المسألة2.
1 مؤلفات الشيخ 5/162.
2 مؤلفات الشيخ، 5/204-210.
2-
رساله إِلى محمد بن فارس:
وفيها تناول كلام العلماء في مسألة التكفير، ثم ختم الرسالة ببيان نواقض الإِسلام العشرة1.
3-
رسالة إلى أحمد بن عبد الكريم:
وهي جواب من الشيخ عن قضايا أشكلت على أحمد بن عبد الكريم في مسألة التكفير، طالبا من الشيخ توضيحها وبيانها2.
4-
رسالة إلى سليمان بن سحيم:
وكان سليمان بن سحيم قد كتب كتابا شنع فيه على الشيخ، وقد أرسل له الشيخ، وتلطف معه، لعل الله يهديه، ولما تبين للشيخ أنه معاند للحق والإيمان، ومن أعوان أهل الشرك والطغيان، كتب له هذه الرسالة، ثم ذكروا أمورا قد أخرجته من دائرة الإسلام3.
5-
رسالة إِلى مطاوعة أهل الدرعية (عبد الله بن عيسى، وابنه عبد الوهاب، وعبد الله بن عبد الرحمن) :
وفيها جواب الشيخ على ما أشكل عليهم من مسائل التكفير، يقول الشيخ في صدر رسالته:
((فقد ذكر لي أحمد أنه مشكل عليكم الفتيا بكفر هؤلاء
1 مؤلفات الشيخ، 5/212-214.
2 مؤلفات الشيخ، 5/216-224.
3 مؤلفات الشيخ، 5/226-237.
الطواغيت، مثل أولاد شمسان، وأولاد إِدريس، والذين يعبدونهم، مثل طالب وأمثاله)) 1.
6-
رسالة إِلى بعض أخوانه2.
1 مؤلفات الشيخ، 5/240-242.
2 مؤلفات الشيخ، 5/244-245.
موقفه من قضية التكفير
كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حريصا على هداية مخالفيه، وإِسداء النصح لهم1 وكثرة رسائله تدل على ذلك، ومن كان بهذا الوصف، كيف يشغل نفسه بتكفير مخالفيه، أو غيرهم بأقل ذنب، كما رماه مخالفوه؟، بل إِنه أعلن رأيه في أكثر من رسالة في هذه القضية بما لا يدع مجالا لمتأول، وفيما يلي مقتطفات من كلامه، لتأكيد ذلك: يقول الشيخ، رحمه الله:
((ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام)) 2. ويقول أيضا:
((وقولكم: إننا نكفر المسلمين؛ كيف تفعلون كذا؟! كيف تفعلون كذا؟!، فإنا لم نكفر المسلمين، بل ما كفرنا إلا المشركين)) 3. وأيضا:
((ومنها ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إِلا من اتبعني، وأزعم أن
a
1 ينظر رسالته إلى سليمان بن سحيم في القسم الخامس من مؤلفات الشيخ، ص226.
2 رسالته إلى أهل القصيم -القسم الخامس- مؤلفات الشيخ - ص11.
3 رسالته إلى أهل الرياض -القسم الخامس- مؤلفات الشيخ - ص189.
أنكحتهم غير صحيحة، ويا عجبا كيف يدخل هذا في عقل عاقل؟! هل يقول هذا مسلم، أو كافر، أو عارف، أو مجنون؟!)) 1. ويقول أيضا:
((أما القول: إنا نكفر بالعموم، فذلك من بهتان الأعداء، الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول:{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النّور من الآية: 16]2.
وقد بين الشيخ رحمه الله أمورا لا بد من مراعاتها في مسألة الحكم على إِنسان بالكفر، ومنها:
1-
أن نأخذ الناس بالظاهر، ونكل باطنهم إِلى الله، وهذا ما صرح به في رسالته إِلى أهل القصيم، حيث يقول:
((وأحكم عليهم -أي أهل البدع- بالظاهر، وأكل سرائرهم إِلى الله)) 3.
2-
ألا يحكم على الناس بالظن، وبمجرد الموالاة.
3-
أن يعذر المرء بجهله.
4-
لا بد من إِقامة الحجة والبرهان.
وعن هذه الأمور، يقول في رسالته إِلى محمد بن عيد: وأما ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة، أو أكفر الجاهل
1 رسالته على السويدي -القسم الخامس- مؤلفات الشيخ - ص37.
2 مؤلفات الشيح القسم الخامس - ص101.
3 مؤلفات الشيخ، 5/11.
الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله، ورسوله)) 1.
أما عن أعظم نواقض الإِسلام التي يحكم على صاحبها بالكفر، فقد ذكرها في رسالته إِلى محمد بن فارس، فقال:
((اعلم أن من أعظم نواقض الإِسلام عشرة:
الأول: الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، والدليل قوله -تعالى -:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النّساء من الآية: 48، 116] . ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن أو القباب.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، كفر إِجماعا.
الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شكّ في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر إِجماعا.
الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه، فهو كافر، وإِن عمل به.
الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر، والدليل قوله تعالى:
1 مؤلفات الشيخ 5/25.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمّد: 9] .
السادس: من استهزأ بشيء من دين الله، أو ثوابه، أو عقابه، كفر، والدليل قوله -تعالى-:
{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: من الآية: 65-66] .
السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله، أو رضي به كفر، والدليل قوله -تعالى-:
{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة من الآية102] .
الثامن: مظاهرة المشركين، ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة من الآية: 51] .
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباعه صلى الله عليه وسلم وأنه يسعه الخروج من شريعته، كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.
العاشر: الإِعراض عن دين الله، لا يتعلمه، ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السّجدة: 22] .
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد، والخائف إِلا المكره)) 1.
إن تناول هذه القضية بهذا التحديد الدقيق ليغلق الباب أمام ادعاءات أهل الأهواء بأن الشيخ رحمه الله كان يتساهل في تكفير المسلم. والشيخ قد اتّهم بذلك في حياته، وفي أثناء قيامه بالدعوة، وكان رده واضحا -كما تبين مما اقتطفناه من رسائله- حتى لا يدع فرصة للمغرضين في صد الناس عن اتباع الحق2. رحمه الله رحمة واسعة.
1 مؤلفات الشيخ، 5/212-214.
2 مؤلفات الشيخ، 5/38، 58، 60.
ثوابت في دعوة الشيخ إلى التوحيد
وفيما يلي نشير بإِيجاز إِلى بعض الثوابت في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مما يرجع إلى الأساس الذي قامت عليه، وهو التوحيد:
1-
معرفة التوحيد أول واجب على العبد:
والتوحيد، هو إِفراد الله -تعالى- بالعبادة، والعبادة هي تمام الحب، مع تمام الخضوع لله سبحانه وتعالى وهي الأقوال، والأفعال الظاهرة والباطنة التي يتعبد الإِنسان بها ربه، ولا يجوز أن يشرك العبد فيها أحدا مع الله، وإلا لم يقبل الله منه عملا على الإطلاق.
وكل من ظن أن التوحيد، هو اعتقاد أن الله هو الخالق وحده، وهو المدبر وحده، ولكنه -مع ذلك- يتوجه في عبادته لأحد آخر مع الله، فهو مشرك شركا أكبر، وهو بفعله هذا يزعم أن الألوهية ثابتة لغير الله، وهذا ما ينافي معنى كَلمة:(لا إِله إِلا الله)، أي: لا معبود بحق إِلا الله، أو لا معبود حق إِلا الله.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
((واعلم أن التوحيد، هو إِفراد الله -سبحانه- بالعبادة، وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله به إِلى عباده، فأولهم نوح عليه السلام أرسله الله إِلى قومه لما غلوا في الصالحين وَآخر الرسل محمد
ـ صلى الله عليه وسلم
وهو الذي كسر صور الصالحين 1.
ويقول عند تفسير قوله -تعالى-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] .
وأما قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} فالله: عَلَم على ربنا تبارك وتعالى ومعناه: الإِله، أي المعبود؛ لقوله:{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام من الآية: 3]، أي: المعبود في السماوات، وفي الأرض إِذا عرفت أن معنى الله، هو الإِله، وعرفت أن الإِله هو المعبود، ثم دعوت الله، أو ذبحت له، أو نذرت له، فقد عرفت أنه الله، فإِن دعوت مخلوقا طيبا أو خبيثا، أو ذبحت له، أو نذرت له، فقد زعمت أنه هو الله)) 2.
فلما كان كل ما يجب على العبد نحو ربه ومعبوده -وهو الله- عبادة، والعبادةُ لا تكون إِلا لله، دلّ ذلك على أن معرفة التوحيد أول واجب على العبد؛ لأن عليه مدار الأعمال، قال تعالى:: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ} [محمّد من الآية: 19] .
2-
لا توحيد إلا بنفي وإثبات:
لا يكفي في إِثبات التوحيد نفي العبد لألوهية غير الله، بل يجب أن تقوم حقيقتها الإِثباتية في القلب عقيدة، وفي الجوارح سلوكا.
وكلمة التوحيد ليس معناها: أن تعتقد إِلهية الله فقط، ولكن
1 مؤلفات الشيخ، 5/65، 152، 153.
2 مؤلفات الشيخ، 4/11-12، مجموعة التوحيد، ص55.
معناها: أن تنفي خصائص الألوهية عن كل ما سوى الله، وتتوجه لإثباتها لله سبحانه وتعالى بالقلب والجوارح.
فهي عملية متكاملة: نفي الألوهية عن غيره -سبحانه- وإِثباتها له قولا وعملا.
سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن معنى كلمة: لا إِله إِلا الله فقال: (اعلم أن هذه الكلمة نفي، وإِثبات: نفي الألوهية عما سوى الله -تعالى- من المخلوقات، حتى محمد صلى الله عليه وسلم حتى جبريل، فضلا عن غيرهما من الأولياء، والصالحين)1.
وقال في تفسير قول الله -تعالى-: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} [آل عمران من الآية: 64] .
فقوله: {أَلَاّ نَعْبُدَ} وفيه معنى: (لا إِله) ، وهو نفي العبادة عما سوى الله، وقوله:{إِلَاّ اللَّهَ} ، هو المستثنى في كلمة الإِخلاص، فأمره -تعالى- أن يدعوهم إِلى قصر العبادة عليه وحده، ونفيها عما سواه)) 2.
ويعلق الشيخ محمد بن عبد الوهاب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
" من
1 مجموعة التوحيد، ص107، حسين بن غنام: روضة الأفكار والأفهام 2/232.
2 مجموعة التوحيد، ص33.
قال: لا إِله إِلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله، ودمه، وحسابه على الله عز وجل"1.قائلا:
((وهذا من أعظم ما يبين معنى: (لا إِله إِلا الله) ، فإِنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل، ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإِقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إِلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله، ودمه حتى يضيف إِلى ذلك: الكفر بما يعبد من دون الله، فإِن شكّ، أو توقف لم يحرم ماله، ودمه)) 2.
وهذا المعنى الذي قصد الشيخ إِلى توثيقه وتأكيده، مبثوث في آيات كثيرة، مثل قول الله -تعالى-:
{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة من الآية: 256] .
وقوله -تعالى-:
{يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النّساء من الآية60] .
3-
الإقرار بتوحيد الربوبية فقط، لا يحرم الدم والمال:
يعد هذا من الأمور العظيمة في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
1 أخرجه مسلم، 1/40، من حديث والد أبي مالك الأشجعي.
2 كتاب التوحيد، ص25.
ومضمونه: أن التوحيد الذي جاء به الرسل ليس مجرد توحيد الربوبية، وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم، فلو أن إنسانا أقر بأن الله وحده خالق كل شيء، وأقر بما يستحقه من صفات الكمال، ونزهه عن كل ما ينَزه عنه نفسه لم يكن موحدا، حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده، فيقر بأن الله هو الإِله المستحق للعبادة، ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له1.وقد أكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب على تقرير هذا في مواضع كثيرة من مؤلفاته، ومسائله، ورسائله الخاصة والعامة.
ففي رسالته (القواعد الأربع) ذكر القاعدة الأولى، وهي: أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرّين لله بتوحيد الربوبية، وأن الله هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، المدبر لجميع الأمور، ولم يدخلهم ذلك في الإِسلام، والدليل قوله -تعالى-:
وقد أشار الشيخ محمد رحمه الله إِلى هذا إِشارات كثيرة2؛ لأنه ينبني عليه أمور كثيرة، مثل: القتال، والتكفير، والهجرة،
1 لافي خليفة العازمي: المنهج التربوي في دعوات الإصلاح في العصر الحديث، ص 97.
2 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 5/19، 54، 67، 124.
والمعاداة لكل من أقر بتوحيد الربوبية، إلا أنه صرف نوعا من أنواع العبادة لغير الله، من نبي، أو ملك، أو ولي، أو قبر، أو قبة، أو جماد.
وبهذا يضع الشيخ محمد حدا لهذه الفوضى التي عمت كثيرا من المسلمين، فاختلط لديهم الحابل بالنابل، وصار التوحيد أثرا بعد عين، ومذهبا من مذاهب الفروع، كغيره من المذاهب الفقهية، أو من بعض المذاهب الكلامية التي سمحت لنفسها أن يجد فيها الفرد بحبوحة الاختيار، وليس عقيدة يلتزم بها بالليل والنهار.
4-
لا حقيقة للتوحيد بدون تحقق سبعة شروط لكلمة:
(لا إِله إِلا الله) حتى ينتفع بها قائلها، وتكون سببا لدخوله الجنة، والنجاة من النار، ولولا هذه الشروط لكان قولها سهلا على كثير ممن أصروا على الكفر، ولم يكن هناك داع لصبر الفئة المستضعفة الأولى من المسلمين على العذاب الشديد الذي كانوا يتعرضون له، ويتجرعون مرارته، ولولا هذه الشروط لما كان هناك مؤمن ومنافق، ولتساوى الفريقان. وحول هذه الشروط بالذات ظهرت بعض الاستشكالات؛ لأن من النصوص ما يصرح بأن كل من قال:(لا إِله إِلا الله) ، دخل الجنة، بصرف النظر عن أقواله وأفعاله، وقد غفل كثير من العلماء ناهيك
عن العوام عن أن كلمة التوحيد مقتضية لدخول الجنة، ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه، وانتقاء موانعه1. وهذه الشروط سبعة، هي:
العلم المنافي للجهل، واليقين المنافي للشك، والقبول المنافي للرد، والانقياد المنافي للترك، والإخلاص المنافي للشرك، والصدق المنافي للكذب، والمحبة المنافية لضدها2.
فليس كل من علم معنى كلمة التوحيد استيقنها قلبه، وليس كل من استيقنها قبلها، وليس كل من قبلها انقاد لها، وليس كل من انقاد لها كان مخلصا في هذا الانقياد، وليس كل من أخلص فترة دام معه هذا الإخلاص، وصدق، وصبر على مقتضيات شهادة التوحيد، وليس كل من صبر على هذه المقتضيات بلغ معه الصبر إلى أن يحبها، ويتحمل فداءها بنفسه، ووالده، وولده، والناس أجمعين.
وهذه الشروط -كما هو الظاهر- يتعلق بعضها بالقلب، ويتعلق بعضها باللسان، وبعضها بالجوارح، وهي في مجموعها تمثل التوحيد الواجب الذي يدخل به العبد الجنة، وينجو به من النار.
1 عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: قرة عيون الموحدين، ص83، وانظر المنهج التربوي في دعوات الإصلاح في العصر الحديث، ص99.
2 سليمان بن عبد الله آل الشيخ: تيسير العزيز الحميد، ص90.
5 -
مقتضى العلم العمل به:
وهذا هو جوهر المنهج التربوي لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بل إنه يعتبره الصراط المستقيم الذي أمرنا الله أن نستهديه إليه في اليوم سبع عشرة مرة، على الأقل، وهو المميز لأمه الإسلام عن غيرها من الأمم.
يقول الشيخ محمد رحمه الله في تفسيره لسورة الفاتحة:
((وأما قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة من الآية: 7] ؛ فالمغضوب عليهم: هم العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم، والضالون: العاملون بلا علم، فالأول صفة اليهود، والثانى صفة النصارى)) 1.
6-
وجوب اتباع الدليل النقلي الثابت:
وهذا فيه تشنيع على التقليد الأعمى الذي لف بظلامه عقول غالب الأمة الإسلامية وقتئذ، ولم ينج منهم إلا من طرق باب الاجتهاد على استحياء؛ لما يجد لدى العامة الدهماء من تنقص، وربما اتهام بالفسق، والبدعة لكل من تسول له نفسه أن يرد قول إمام من الأئمة السابقين لمخالفته للحديث النبوي الصحيح. ويرى الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن كل من تعمد المخالفة للدليل
1 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 4/17-18.
النقلى الثابت، واعتقد أن الصواب في قوله إمامه، أو في قول غيره مع مخالفته للدليل الثابت، قد وقع في الشرك، وأنه صير إمامه ربا من دون الله، ويبين الشيخ المنهج السليم في حالة وجود الدليل النقلى، ووجود الأقوال البشرية المخالفة، فيقول:
((ولا خلاف بيني وبينكم أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم، وإنما الشأن إذا اختلفوا، هل يجب عليّ أن أقبل الحق ممن جاء به، وأرد المسألة إلى الله، والرسول، مقتديا بأهل العلم، أو انتحل بعضهم من غير حجة، وأزعم أن الصواب في قوله؟ فأنتم على هذا الثاني، وهو الذي ذمه الله، وسماه شركا، وهو اتخاذ العلماء أربابا، وأنا على الأول أدعو إليه، وأناظر عليه)) 1.
ولما كان موقف الحنابلة من هذا أكثر تفصيلا من غيره، فقد سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن بيان موقف الأتباع فيما لو وجدوا روايتين عن الإمام أحمد مختلفتين، أو أقوالا للأصحاب مختلفة، وكل يدلي بدليل، فهل يجوز العمل بكل منهما؟
فكان جوابه مؤكدا لما سبق: ((إذا اختلف كلام أحمد وكلام أصحابه، فنقول في محل النّزاع: التراد إلى الله ورسوله، لا إلى كلام أحمد، ولا إلى كلام أصحابه، وقولك: إذا استدل كل منهما بدليل، فالدلائل الصحيحة لا تتناقض، بل يصدق بعضها بعضا،
1 مؤلفات الشيخ، 5/258.
لكن قد يكون أحدهما أخطأ في الدليل: إما استدل بحديث لا يصح، وإِما فهم من كلمة صحيحة مفهوما مخطئا)) 1. ويقول الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب:((إذا صح لنا نص جلي من كتاب، أو سنة، غير منسوخ، ولا مخصص، ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الثلاثة أخذنا به، وتركنا المذهب)) 2.
وإذا كان الأمر كذلك، فإِن الشرك أصرح، وآكد فيمن ترك النقل الصحيح إِلى العقل، زاعما أن عقله المحدود الرؤية أولى من النقل -الوحي- الذي يتنزل به الروحِ الأمين من لدن العليم الخبير، الذي يعلم من خلق ماضياً، وحاضراً، ومستقبلاً.
فعبادة العقل لون من عبادة الهوى، وتغليبه محض شك في الله، وافتراء عليه، فلو كان لدى العقل القدرة على علم ما وراء الحياة والكون لما أنزل الله كتبه، ولا أرسل رسله، ولحاسبنا وفق الطاقة العقلية، لكنه -سبحانه- أرسل الرسل، وجعل مدار الحساب وفق ما أنزله عليهم؛ لأن طاقة العقل لا تتحمل -بدون الاسترشاد بالوحي- هذا العبء الكبير، قال تعالى:
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء من الآية: 15] .
1 حسين بن غنام، روضة الأفكار والأفهام، 2/287.
2 سليمان بن سحمان، الهدية السنية، ص35.
فعبادة العقل، والاستغناء به عن الوحي شرك يدخل في تفضيل رأي البشر على النقل كتابا وسنة.
7-
التكفير والقتال لكل من خالف التوحيد:
وهذا الأمر هو الذي أثار الناس، وألبهم على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ وذلك لأسباب كثيرة، لعل من أعظمها أن الدولة العثمانية كانت قد أشعات جوا من الرفض لهذه الدعوة، بحجة الخروج عليها، وتنفيذ الأحكام دونها.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: ((من استهزأ بشيء من دين الله، أو ثوابه، أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: من الآية: 65-66] .
ويقول: ((من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به، كفر إجماعا)) 1. ويقول أيضاً: ((من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر إجماعاً)) 2.
هذا، وليس التكفير في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أمرا
1 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 5/213.
2 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 5/213.
عادياً، يلقى هكذا بدون فهم، أو حدود، أو قيود كلا، فلا بد من قيام الحجة أولا. يقول الشيخ:((وإِنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما نبين له الحجة على بطلان الشرك)) 1.
ومن عرف أن التوحيد هو دين الله ورسوله، ثم أبغضه، وسعى في تنفير الناس عنه، أو سعى في قتال من دعا إِليه، وكل من عرف الشرك، ثم زيّنه للناس أو مدحه، فهؤلاء يجب قتالهم؛ لقول الله تعالى:
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال من الآية: 39] . والفتنة في هذه الآية الشرك2.
1 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 5/60.
2 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 5/25.