المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الوسائل أما الوسائل التربوية لتحقيق ثوابت المنهاج في دعوة الشيخ محمد - تأملات في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

الفصل: ‌ ‌الوسائل أما الوسائل التربوية لتحقيق ثوابت المنهاج في دعوة الشيخ محمد

‌الوسائل

أما الوسائل التربوية لتحقيق ثوابت المنهاج في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقد كانت متنوعة حسب الظروف التي تواجهها الدعوة، لكنها في مجموعها تتوزع بين تأليف الكتب، والرسائل الشخصية، وحلقات العلم، والمناظرات، والوسائل المالية، والجهاد بالسيف.

فأما الكتب والرسائل، فإِن غالبها يتميز بصغر حجمها، واختصارها واقتصارها على النصوص، ويتميز أسلوبها بالسهولة، والوضوح التام، وبعده عن الألفاظ الغريبة، والمصطلحات الفلسفية والكلامية، ويغلب عليها الدعوة إِلى التوحيد، وترسيخ العقيدة الإِسلامية الصحيحة، وبيان الحق بأدلته، والتذكير والوعظ، والإِكثار من إِيراد الآيات والأحاديث، وبيان المسائل التي تتناولها هذه الآيات والأحاديث.

وحول الأسباب الكامنة وراء تميّز كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالاختصار يقول أحد الباحثين: زعيم تحفّ به المسائل، والمشاكل من كل جهة، لا يجد متسعا من الوقت لتأليف الكتب المستفيضة؛ لذلك كانت رسائله أكثر من كتبه، وأحاديثه أكثر من رسائله1.

1 منير العجلاني، تاريخ البلاد العربية السعودية، ص329.

ص: 129

وأما الرسائل الشخصية والمكاتبات، باعتبارها من وسائل الدعوة عند الشيخ محمد ابن عبد الوهاب، فإنها لا تقل أهمية عن الكتب في نشر مبادئ الدعوة، لا سيما أن الشيخ كان يكتبها بطريقة سهلة، وقد ترد فيها بعض الكلمات العامية أحيانا، مما جعلها تنتشر في أوساط العوام أكثر من الكتب.

ومن أبرز ملامح هذه الرسائل، أنها تمثل الصورة الحية لاهتمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بما يرد عليه من رسائل تولى الرد عليها، وأما تفصيلا لدعوته، أو ردا لبعض المزاعم والتهم، أو تعليما أو إرشادا.

ويبلغ عدد المطبوع من الرسائل ما يزيد على خمسين رسالة، وهي مطبوعة في مجلد خاص ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، التي نشرتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد قسمت تلك الرسائل إلى خمسة أقسام بحسب موضوعاتها -كما سبق-:

القسم الأول: في بيان عقيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وحقيقة دعوته، ورد التهم والافتراءات الموجهة إليه.

القسم الثاني: في بيان أنواع التوحيد.

القسم الثالث: في بيان معنى (لا إله إلا الله) وما يناقضها من الشرك في العبادة.

القسم الرابع: في بيان الأشياء التي يكفر مرتكبها، ويجب قتاله، وبيان الفرق بين فهم الحجة، وقيام الحجة.

ص: 130

القسم الخامس: توجيهات عامة للمسلمين في الاعتقاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأما حلقات التعليم، فقد احتل المسجد منْزلة خاصة في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، حيث تلقى الخطب والدروس العلمية، صباحاً ومساءً، يحضرها الرجال والنساء والأطفال، وكان الشيخ يكلف من يلقي هذه الدروس -بعد أن يطمئن لعلمه وعقيدته- في المناطق النائية، وجاءت الوفود إِلى (الدرعية) تطلب المعلمين المتخصصين الذين أخذوا العلم على يد الشيخ محمد، وظل الشيخ ملازما لحلقاته العلمية إِلى أن توفاه الله.

وأما المناظرات، فقد استخدمت مرات في دعوة الشيخ، وخصص لها علماء مشهورون بحسن المناظرة والمحاورة بالبرهان، والذي شجع على تلك المناظرات، أن الشيخ كان يركّز في دعوته على طلب الحق بدليله، فكان ذلك حافزاً له، ولأتباعه على معرفة الدليل الصحيح، والراجح في كل مسألة، لا سيما في المسائل الاعتقادية، التي هي لبّ دعوة الشيخ.

وكان كثير من أمراء البلاد يطلبون من الشيخ في الدرعية أن يرسل لهم من يناظرهم في بعض المسائل، فكان الشيخ يستبشر بذلك، ويرسل إِليهم من يثق في علمه، وعقيدته.

ومن هؤلاء الذين أبلوا في ذلك بلاءً حسنا، الشيخ العالم عبد العزيز

ص: 131

الحصين، والشيخ العالم حمد بن ناصر بن معمر1 وغيرهما من تلامذة الشيخ وأحفاده.

* وأما الوسائل المالية، فلا شك أنها ذات أثر بالغ في قلوب المدعوّين، لا سيما الفقراء المعوزون، وهذا منهج نبوي رائع، سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض المشركين، فتألف به قلوبهم، وملك به رقابهم.

ففي الصحيحين عن أبي سعيد: " أن عليا بعث إِلى النبي صلى الله عليه وسلم بذُهَيبَةٍ في تربتها من اليمن، فقسمها بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس، وعُيَينة بن بدر، وعلقمة بن علاثة، وزيد الخير، وقال صلى الله عليه وسلم أتألفهم"2.

وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب، يمشي على هذا المنهاج النبوي مع المدعوين، حتى كان يستدين المبالغ لسدّ حاجاتهم، وبعد وجود موارد لبيت المال، أصبح ينفق منه، وخاصة على من كان من أصحاب النفوذ في قبائلهم، حتى يسهم هؤلاء في نشر الدعوة في بلادهم أكثر وأكثر3.

ومن الجدير بالذكر أن السيف كان من الوسائل التي استعملت في حماية الدعوة إلى الله منذ ظهور الإِسلام، إِلا أنه كان يأتي آخر الوسائل، بعد الدعوة بالحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن،

1 حسين بن غنام، روضة الأفكار والأفهام، 1/132، 133، 175، 200.

2 رواه البخاري برقم 3095 ومسلم برقم 1762.

3 الألوسي، تاريخ نجد، ص119 وابن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد 1/15، وابن غنام، روضة الأفكار والأفهام 1/131، 157.

ص: 132

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدرجاته المتفاوتة: التعليم والتعريف، والقول اللطيف، ثم الزجر والتخويف، ثم يأتي استعمال القوة في موضعها.

لقد كانت الدولة السعودية -دولة الدعوة- التي آزرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، خير من يتمثَّل الإِسلام، وسياسته التربوية مع المدعوين، فإِن قادتها وعلماءها لم يألوا جهداً في بذل النصح، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، إِلى أن اضطروا اضطراراً إِلى استعمال القوة، حين قام عليهم أعداؤهم، وصاحوا في جميع البلدان بتكفيرهم، وأباحوا دماءهم، فقامت الدولة بإِعلان الجهاد، وحض أتباعها عليه، فامتثلوا أمرها، فنصرها الله، ومكن لها في الأرض، بسبب نصرتها دعوة الإِسلام الصحيح نصرا عظيما1.

1 حسين بن غنام روضة الأفكار والأفهام، 1/82، 83.

ص: 133