المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فقه الدعوة والدعاة - تأملات في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

الفصل: ‌فقه الدعوة والدعاة

‌فقه الدعوة والدعاة

فقه الدعوة

إن رجلا أراد الله عز وجل له أن يكون سببا لإحياء ما اندرس من تعاليم الإسلام في وقت كان الناس أحوج ما يكونون فيه إلى مصلح ومرشد أمين، إن رجلا كهذا قد أودع الله فيه من جميل الصفات، وحسن الفهم ما به تتألف حوله القلوب، بحيث يجد الناس في شخصه القدوة الطيبة، والنموذج الأمثل لكل من يتصدى لدعوة الناس إلى الله عز وجل.

لقد رزق الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهماً للدين، وفقهاً في الدعوة إلى الله عز وجل.

ونستعرض من خلال اطلاعنا على رسائل الشيخ وما تركه من آثار علمية، بعض الجوانب المهمة فيما يتعلق بالدعوة إلى الله، وفقه الدعاة، مشيرين إلى أنه من الأهمية بمكان أن يقف كل داع إلى الله عز وجل عند هذه الجوانب في فقه الشيخ الوقفة المتأنية الجدير بها:

1-

فضل الدعوة إلى الله عز وجل:

لقد كان الداعون إلى الله عز وجل دائماً في أفضل مكانة، وأشرف مهنة، وهذا ما أبرزه الشيخ محمد، وأكد عليه قولاً وعملاً، ونحن نرى مصداق ذلك فيما قاله الشيخ في رسالته لأحد علماء المدينة، حيث يقول له:

ص: 97

((ويكون عندك معلوما أن أعظم المراتب، وأجلها عند الله، الدعوة إِليه التي قال الله فيها:

{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] .

وفي الحديث: " والله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم "12.

إِن الداعي إِلى الله عندما يقف على هذا الفضل العظيم من الله يندفع؛ لكي يجاهد في سبيل هذا الدين، وليقدم أفضل العطاء، ولا يبخل على الدعوة بنفس أو مال، وهذا -عينه- ما أراد الشيخ محمد أن يؤصله، ويعمقه في عقول الدعاة عندما أكد على هذه المسألة المهمة، التي يجب أن يستوعبها الدعاة إِلى الله.

2-

وجوب الدعوة إلى الله عز وجل:

والدعوة إِلى الله تجب علىِ كل مسلم، آمن بالله ربا، وبالإِسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولَا، وتوفرت فيه شروط الدعوة ومؤهلاتها، وذلك حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، وهذا هو سبيل النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجب أن يسير فيه كل مسلم، قال تعالى:

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]

1 رواه الإمام أحمد 5/333، من حديث سهل بن سعد، رضي الله عنه.

2 مؤلفات الشيخ -القسم الخامس- رسائله - ص48.

ص: 98

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بلغوا عني ولو آية "1.

وهذا ما أكد عليه الشيخ محمد في أكثر من مناسبه، يقول رحمه الله، في رسالة إلى أهل القصيم:

((وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة)) 2.

ويقول في كتاب: (ثلاثة الأصول) :

((اعلم -رحمك الله- أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل:

الأولى: العلم، وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.

الثانية: العمل به.

الثالثة: الدعوة إليه.

الرابعة: الصبر على الأذى فيه)) 3.

بل يرى الشيخ، رحمه الله، أن هذا الأمر -الدعوة إلى الله- مما أضاعه كثير من الناس، وهو أصل الأصول، يقول في رسالة له:((قيل: إن أول آية نزلت قوله -سبحانه- بعد "اقرأ": {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1-2] ، قف عندها، ثم قف، ثم قف تر العجب العجيب، ويتبين لك ما أضاع الناس من أصل الأصول)) 4.

1 رواه البخاري في الأنبياء (3461) ، من حديث عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما.

2 مؤلفات الشيخ -القسم الخامس- رسائله - ص11.

3 مؤلفات الشيخ -القسم الأول- الثلاثة الأصول - ص185.

4 مؤلفات الشيخ -القسم الخامس- رسائله - ص171.

ص: 99

وبهذا يتأكد لدينا أنه عندما تندرس معالم الدين، ويعطل شرع الله، وتشيع البدع، ويحلّ الشرك محل التوحيد، فالواجب على كل مسلم النهوض بالدعوة إِلى الله، والعمل بكل ما يملك من إِمكانات في سبيل إِعلاء كلمة الله، ومع إِقامة شرع الله، فإِنه يجب المحافظة على هذا الخير وذلك النعيم، فلا تتوقف الدعوة إلى الله حتى تقوم الساعة.

وهذا المعنى العظيم أكد عليه الشيخ محمد رحمه الله، في كتبه ورسائله كلها، بل وفي سلوكه، وجهاده أيضا.

ص: 100

من آداب الداعي إلى الله عز وجل

والداعي إلى الله لا بد أن يتحلَّى بصفات خاصة، يستطيع من خلالها أن يبلغ الدعوة، وأن تتحقق الهداية -بإذن الله تعالى- على يديه، كيف لا؟ وقد خاطب الله عز وجل نبيَه محمداً صلى الله عليه وسلم -أفضل الدعاة إِلى الله- فقال:

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران من الآية: 159] .

إِنه لا بد من أن تتحقق في الداعي إِلى الله، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، صفات أساسية. ومن أهم هذه الصفات:

1-

التواضع:

من أهم ما يجب أن يتحلى به الداعي إلى الله التواضع، فالناس إنما ينفرون ممن يتعالى عليهم، ويرى أنه أفضل منهم، والداعي إلى الله إذا لم يكن متواضعا مع المدعوين، فإنه يحكم على نفسه بالفشل، ولو نظرنا إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، لوجدناه على أفضل ما يكون من التواضع، فهو لم يدع العصمة، أو بلوغ الغاية في الكمال، بل ينشد الحق مستعينا بالله عز وجل خوفا

ص: 101

من الوقوع في الباطل، يقول في رسالته لأحد علماء المدينة:

((ولكن نسأل الله الكريم، رب العرش العظيمِ، أن يرينا الحق حقاً، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبساً علينا فنضلّ)) 1.

وهو لا يستنكف من قبول النصيحة، فيقول في رسالته للشيخ عبد الله بن محمد ابن عبد اللطيف:

((أشهد الله وملائكته وجميع خلقه: أنه إِن أتانا منكم كلمة الحق، لأقبلنها على الرأس والعين)) 2.

وهو نفسه ما قاله لمحمد بن عيد:

((وأما ما ذكرتم من كلام العلماء فعلى الرأس والعين)) 3.

وانظر رسالته أيضا لعلماء الحرم، ففيها المعنى نفسه4.

وهكذا نلمح خلق التواضع في رسائل الشيخ، رحمه الله، وهو الأمر الذي كان له أعظم الأثر في التفاف الناس من حوله، والإِقبال على الدعوة

1 مؤلفات الشيخ، 5/48.

2 مؤلفات الشيخ، 5/252.

3 مؤلفات الشيخ، 5/28.

4 مؤلفات الشيخ، 5 /42.

ص: 102

2 -

اللين مع المدعو:

وهذا الخلق الطيب ينبغي أن يتحلى به الداعي إِلى الله، ولأهميته أمر الله تبارك وتعالى نبييه موسى وهارون عليهما السلام أن يقولا لفرعون قولاً ليناً، فقال تبارك وتعالى:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه الآيتان: 43-44] .

فإِذا كان هذا في حق طاغية، فكيف بالداعية مع إِخوانه المسلمين؟ وهذا هو نفسه ما أكد عليه الشيخ محمد للدعاة إِلى الله، فقد ذكر في رسالته إِلى الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف ما يأتي:

((فينبغي للداعي إِلى الله أن يدعو، ويجادل بالتي هي أحسن، إِلا الذين ظلموِا منهم. وقد أمر الله رسوليه موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولاً ليناً لعله يتذكر، أو يخشى)) .

3 -

مراعاة حال المخاطب أو المدعو:

ليس الناس كلهم على حالة واحدة: ثقافة وفهماً، بل يتفاوتون في الإِدراك، والقدرة على الاستيعاب، ويتفاوتون -كذلك- في قدرتهم على قبول الحق، والتخلص من الهوى وضغوط الواقع والعادات؛ ولهذا يجب مراعاة حال المدعو، وهذا ما ينبغي أن يتفطن إِليه الداعي إِلى الله.

ص: 103

ويظهر هذا جلياً عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، من خلال الرسالة التالية، يقول - في معرض تلقين أصول العقيدة للعامة -:

((إِذا قيل لك، من ربك؟ فقل: ربي الله. فإذا قيل لك: إِيش أكبر ما ترى من مخلوقاته؟ فقل: السماوات والأرض. فإِذا قيل: إِيش تعرفه به؟ فقل: أعرفه باَياته ومخلوقاته. وإِذا قيل لك: إيش أعظم ما ترى من آياته؟ فقلْ: الليل والنهار، والدليل على ذلك قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] .

فإذا قيل لك: إِيش معنى الله؟ فقل: معناه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين)) 1.

4-

اختيار الأسلوب الأمثل مع المدعو:

إِن اختيار الأسلوب الأمثل مع المدعو، وحسن انتقاء الكلمات، وإنزال الناس منازلهم -حتى في الخطاب- لمن دواعي القبول، وكسب قلوب المدعوين، وهذا قد يتحقق بأكثر من أسلوب

،

1 مؤلفات الشيخ -القسم الأول- مجموعة الرسائل- ص370.

ص: 104

فالدعاء للمدعو، أو مدحه، والثناء عليه بما فيه من صفات طيبة، مما يدعو إِلى النجاح، والظفر بما يريد توصيله للمدعو، وقد كانت هذه سمة رسائل الشيخ محمد، رحمه الله.

ففي رسالته إِلى محمد بن عباد -مطوع ثرمداء- يقول له:

((من محمد بن عبد الوهاب إِلى الأخ محمد بن عباد، وفقه الله لما يحبه ويرضاه وصلنا أوراق في التوحيد بها كلام من أحسن الكلام، وفقك الله للصواب)) 1.

ويقول في رسالة له إِلى محمد بن عيد:

((وصل الكراس، وتذكرون أن الحق إِن بان لكم اتبعتم، وفيه كلام غير هذا يسر الخاطر من طرفك، خاصة بسبب أن لك عقلاً:

والثانية: أن لك عرضا تشح به.

والثالثة: أن الظن فيك، إِن بان لك الحق أنك ما تبيعه بالزهايد)) 2.

وأيضا في رسالته إِلى فاضل آل مزيد من مشايخ بادية الشام يقول:

((من محمد بن عبد الوهاب إِلى الشيخ فاضل آل مزيد، زاده الله من الإِيمان، وأعاذه من نزغات الشيطان. أما بعد:

فالسبب في المكاتبة أن راشد بن عربان ذكر لنا عنك كلاماً حسناً سر الخاطر، وذكر عنك أنك طالب مني المكاتبة، بسبب ما يجيك

1 مؤلفات الشيخ -القسم الخامس- رسائله - ص16.

2 مؤلفات الشيخ، 5/24.

ص: 105

عنا من كلام العدوان، من الكذب والبهتان، وهذا هو الواجب من مثلك، أنه لا يقبل كلاماً إلا إِذا تحققه)) 1.

5 -

الحرص على هداية المدعوّ:

لقد مدح الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله:

{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التّوبة: 128] .

وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة في حرصهم على هداية المدعوين، وهو ما نجده في الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فهو يقول في رسالته إِلى محمد بن عيد:

((ولكن أرى لكم أن تقوم في السَّحَر، وتدعو بقلب حاضر بالأدعية المأثورة، وتطرح نفسك بين يدي الله أن يهديك لدينه ودين نبيّه، عليه السلام)2.

6-

أن يتحلى الداعي بسعة الصدر:

ومن أهم ما ينبغي أن يتحلى به الداعي إِلى الله سعة الصدر، وبخاصة في المسائل الفرعية التي ليست من أصول الدين، فلا ينبغي الإِنكار على المخالف، أو تفسيقه، أو تبديعه، لمجرد الخلاف في المسائل التي وقع

1 مؤلفات الشيخ، 5/32.

2 مؤلفات الشيخ، 5/30.

ص: 106

فيها الخلاف بين السلف والخلف، يقول الشيخ محمد رحمه الله في هذا المعنى:

((قد تبين لكم في غير موضع أن دين الإِسلام حق بين باطلين، وهدى بين ضلالتين، وهذه المسائل -يشير إِلى مسائل في الزكاة- وأشباهها مما يقع الخلاف فيه بين السلف والخلف من غير نكير من بعضهم على بعض، فإِذا رأيتم من يعمل ببعض هذه الأقوال المذكورة بالمنع، مع كونه قد اتقى الله ما استطاع، لم يحلّ لأحد الإِنكار عليه، اللهم إِلا أن يتبين الحق، فلا يحل لأحد أن يتركه لقول أحد من الناس، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلفون في بعض المسائل من غير نكير، ما لم يتبين النص، فينبغي للمؤمن أن يجعل همه وقصده معرفة أمر الله ورسوله، في مسائل الخلاف، والعمل بذلك، ويحترم أهل العلم، ويوقرهم، ولو أخطأوا، ولكن لا يتخذهم أرباباً من دون الله، هذا هو طريق المنعم عليهم.

وأما اطراح كلامهم، وعدم توقيرهمْ، فهو طريق المغضوب عليهم)) 1.

فما أجود هذا الكلام، وأحقه بالقبول من سائر ذوي العقول والأفهام!!

وأخيراً نختم هذه الآداب بذكر الآداب التي استنبطها الشيخ

1 مؤلفات الشيخ -القسم الثاني- المجلد الثاني -أربع قواعد تدور الأحكام عليها- ص12، 13.

ص: 107

محمد، رحمه الله، من سورة المدثر، إِذ اشتملت على عدة آداب يجب على الداعي مراعاتها، يقول الشيخ، رحمه الله:

((وأما قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] الآيات، ففيه مسائل:

الأولى: الداعي إِلى الله لا يقتصر على نفسه.

الثانية: خطابه بالمدّثر.

الثالثة: أن الداعي يبدأ بنفسه، فيصلح عيوبها.

الرابعة: تعظيم الله -سبحانه- علماً وعملاً.

الخامسة: هجران الرجز.

السادسة: قوله: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثّر: 6] .

السابعة: قوله: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: 7] ، فأمره بالطريق إلى القوة على ما تقدم، وهو الصبر خالصا. ً

ففي هذه الَايات تتركز الَاداب التي يجب أن تتحقق في الداعي، لأن الخلل يدخل على الدعاة إِلى الدين من ترك هذه الوصايا أو بعضها، فيقعون في الخطأ، وينصرف الناس عنهم، كما أن في هذه الآيات كشفا للعيوب التالية التي قد يقع فيها بعض الدعاة:

1-

الحرص على الدنيا، فنهى عنه بقوله تعالى:{وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثّر: 6] .2

ص: 108

- عدم الجدّ، فنبه عليه بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] .

3-

رؤية الناس -في سلوك الداعية- العيوب المنفرة لهم عن الدين.

4-

التقصير في تعظيم العلم، الذي هو من التقصير في تعظيم الله.

5-

عدم الصبر على مشاق الدعوة.

6-

عدم الإِخلاص.

7-

عدم هجران الرجز، والتقصير في ذلك، وهو من أضرها على الناس1.

1 مؤلفات الشيخ -القسم الرابع- التفسير - ص365، 366.

ص: 109

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لقد اهتم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين ما ينبغي أن يكون عليه الداعية إِلى الله، الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، جاء في رسالته إِلى إِخوانه من أهل سدير:

((وأهل العلم يقولون: الذي يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، يحتاج إِلى ثلاث:

- أن يعرف ما يأمر به، وينهي عنه.

- ويكون رفيقاً فيما يأمر به، وينهى عنه.

- صابراً على ما جاء من الأذى.

وأنتم محتاجون للحرص على فهم هذا، والعمل به، فإِن الخلل يدخل على صاحب الدين من قلة العمل بهذا، أو قلة فهمه.

وأيضا: يذكر العلماء أن إنكار المنكر إِذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز إِنكاره، فالله الله في العمل بما ذكرت لكم، والتفقه فيه؛ فإِنكم إِن لم تفعلوا صار إِنكاركم مضرة وهذا الكلام، وإِن كان قصيراً، فمعناه طويل، فلازم تأملوه، وتفقهوا فيه، واعملوا به، فإِن عملتم به صار نصراً للدين، واستقام الأمر، إِن شاء الله)) 1.

1 مؤلفات الشيخ -القسم الخامس- رسائله الشخصية- ص296/297.

ص: 111

الابتلاء في الدعوات

إِن طريق الدعوة محفوفٌ بالمكاره، والمحن، والشدائد، وتلك سنة الله من لدن آدم عليه السلام مروراً بنوح عليه السلام وإِخوانه هود وصالح، وإِبراهيم، ولوط، وشعيب، وموسى، وعيسى، وغيرهم، إِلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.

وهو كذلك بالنسبة لأتباع الرسل من الدعاة إِلى الله، فأشد الناس ابتلاءً، هم الأنبياء، فالأولياء، فالأمثل، فالأمثل.

يقول الشيخ محمد رحمه الله في هذا:

((واعلم أن الله -سبحانه- من حكمته لم يبعث نبيا بهذا التوحيد إِلا جعل له أعداءً، كما قال تعالى:

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام: من الآية112]1.

ويقول في رسالته إِلى نغيمش وغيره من إِخوانه:

((ولكن -يا إِخواني- لا تنسوا قول الله تعالى:

{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} (الفرقان: من الآية: 20] .

1 مؤلفات الشيخ، 5/156.

ص: 113

وقوله:

{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت الآيتان: 2-3] .

فإذا تحققتم أن من اتبع هذا الدين، لا بد له من الفتنة، فاصبروا قليلاً، ثم أبشروا عن قليل بخير الدنيا والآخرة)) 1. وقد بين الشيخ محمد، رحمه الله، أنه يجب تعلم أربع مسائل، منها:

((الصبر على الأذى فيه -أي في الدعوة إِلى معرفة الله، ومعرفة نبيّه، ومعرفة دين الإِسلام- والدليل قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر]2.

وقال أيضا، عند تفسيره قول الله عز وجل:

{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة من الآية: 124] .

((ففي الآية الأولى مسائل:

الأولى: معرفة أنه تعالى حكيم لا يضع الأشياء إِلا في مواضعها، لأنه

1 مؤلفات الشيخ، 5/308.

2 مؤلفات الشيخ، 1/ 185.

ص: 114

ما جعله إِماماً إِلا بعد ما أتم ما ابتلاه به، وسئل بعضهم: أيهما أولا: الابتلاء، أو التمكين؟ فقال: الابتلاء، ثم التمكين)) 1.

وبهذا يتضح لكل داعٍ إِلى الله أن طريقه ليس محفوفاً بالورود والرياحين، وإِنما بالمحن والشدائد، حتى يعد للأمر عدته، ثم ليعلم أن هذا هو السبيل للتمكين لدين الله، وأن النصر مع الصبر، ثم الأمر - كما قال الشيخ، رحمه الله، لإِخوانه:-

((فاصبروا قليلاً، ثم أبشروا عن قليل بخير الدنيا والآخرة، واذكروا قول الله تعالى:

{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] .

وقوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصّافات الآيات:170- 173] .

وقوله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة الآيتان: 20-21] .

فإِن رزقكم الله الصبر على هذا، وصرتم من الغرباء الذين تمسكوا

1 مؤلفات الشيخ -القسم الرابع- التفسير- ص30.

ص: 115

بدين الله مع ترك الناس إِياه، فطوبى ثم طوبى، أن كنتم ممن قال فيهم نبيكم صلى الله عليه وسلم:

" بدأ الإِسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله، من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إِذا فسد الناس "1. فيا لها من نعمة، ويا لها من عظيمة، جعلنا الله وإِياكم من أتباع الرسول، وحشرنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه الذي يرده من تمسك بدينه في الدنيا، ثم أنتم في أمان الله وحفظه، والسلام)) 2.

والحق أننا نجد -عند البحث المتعمق والمفصّل- حشداً كبيراً من القضايا التي عالجها، ووقف عندها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، تتصل بقضية الدعوة، ووسائلها، وشروطها، وآداب الداعي، ومؤهلاته التي لا بد منها؛ لكي يستطيع الوصول إِلى مستوى الداعية الصادق، والناجح، المعبّر -بحق- عن عظمة الإِسلام، وعن خصائصه التي ميّزه الله بها.

إِن مستوى الأحكام في العبادات، وشريعة الإِسلام الربانية الإِنسانية المنسجمة المتكاملة في حقول المعرفة، والتربية، والسياسة، والاقتصاد، والأخلاق، والعلاقات الدولية هذا المستوى الرفيع المحكم يحتاج إِلى قدرة عقلية خاصة، وإِلى فقه صحيح بقضايا الحياة والمجتمعات، وحركة

1 رواه مسلم في الإيمان (145/232) ، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.

2 مؤلفات الشيخ -القسم الخاص- رسائله- ص308، 309.

ص: 116

الحضارات، وصراعاتها، وتفاعلاتها ويحتاج -قبل ذلك- إِلى تعمق في تدبر القرآن، والسنة وإِلى الحياة معهما حياة مستقيمة صحيحة بغية العلاج، والبيان في كل أقضية الحياة.

تبليغ الدعوة

المنطلق.

الوسائل.

إعداد الرجال.

توزيع الوظائف في دولة الدعوة.

ولقد توافر ذلك للشيخ محمد بن عبد الوهاب، فكان -بحق- فاتحاً لخير كثير، امتدت أغصانه، وأنواره إِلى معظم بلاد المسلمين، وتأثر بدعوته كثيرون في بلاد عديدة، وعلى أيدي هؤلاء المتأثرين به انتشرت دعوة التوحيد السلفية، وتخلص الكثير من مظاهر الشرك، حتى ولو لم يسمّوا أنفسهم بالموحدين، أو السلفيين.

ص: 117