الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثيرة، كقولهم: اطلب طريقًا، في "سلسبيل"؛ وتراب مطر، في "البراغيث" لأن البرى هو التراب، وقد أخذ بعض المعاصرين هذه الكلمة وجعلها هكذا "ابن عاجب أمطرا" يريد: البراء ابن عاجب، وهو صحابي.
[واقتفار] الأحاجي ما عرفت من هذا النمط خروج بها عما ليس له حد إلى ما يحد، وبذلك تعسفوا بها في هذه [البواد] وركبوا من أمرها كما رأيت القور بعد الجواد.
وقد ذكر عبد القادر البغدادي صاحب "خزانة الأدب" أن أجل التصانيف المؤلفة في الألغاز والأحاجي كتاب "الإعجاز في الأحاجي والألغاز"، تأليف أبي المعالي سعد الوراق الخطيري، قال: وهو كتاب تكل عن وصفه الألسن، جمع فيه ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. ا. هـ.
المعمى:
قدمنا أن هذا الفن هو الأصل من حيث الصنعة، وأن الملاحن والألغاز والأحاجي هي منه، بعضها أعان عليه، وبعضه أعان عليها؛ ونحن موردون هنا قولًا يشمل الجميع توفية للفائدة، وإنما الاتساع مادة الإشباع.
نقل البغدادي في "خزانة الأدب" عن صاحب "الإعجاز في الأحاجي والألغاز" في ذكر أسماء هذا الفن وعودها إلى معنى واحد، أن هذا الفن وأشباهه يسمى المعاياة، والعويص، واللغز، والرمز، والمحاجاة، وأبيات المعاني، والملاحن، والمرموس، والتأويل، والكناية، والتعريض، والإشارة، والتوجيه، والمعمى، والممثل، والمعنى في الجميع واحد، وإنما اختلفت أسماؤه بحسب اختلاف وجوه اعتباراته؛ فإنك إذا اعتبرته من حيث هو مغطى عنك سميته معمى، مأخوذ من لفظ العمى، وهو تغطية البصر عن إدراك المعقول، وكل شيء تغطى عنك فهو عمي عليك، وإذا اعتبرته من حيث إنه ستر عنك ورمس سميته مرموسًا، مأخوذ من الرمس، وهو القبر، كأنه قبر ودفن ليخفى مكانه على ملتمسه؛ وقد صنف بعض الناس في هذا كتابًا وسماه "المرموس"، وأكثره ركيك عامي، وإذا اعتبرته من حيث إن معناه يؤول إليك سميته التأويل
…
إلخ "ص116 ج3: خزانة الأدب الكبرى".
وقد ذكر جمال الدين بن نباتة في "سرح العيون"، المتوفى سنة 768هـ أن المعمى سمي في عصره: المترجم، وأن الخليل واضع العروض هو أول من استخرجه ونظر فيه، قال: وذلك أن بعض اليونان كتب بلغتهم كتابًا إلى الخليل فخلا به شهرًا حتى فهمه، فقيل له في ذلك فقال: علمت أنه لا بد وأن يفتتح باسم الله تعالى، فبنيت على ذلك وقست وجعلته أصلًا ففتحته، ثم وضعت كتاب "المعمى" ا. هـ.
وهو خبر لا نراه محتملًا إلا أن يكون ذلك اليوناني مستعربًا وافتتح كتابه حقيقة باسم الله على الطريقة العربية، فلا يبقى ثمت إلا أن نؤاتي الفطنة ويسعف الإلهام. ونظير ذلك ما فعله شامبليون في قراءة الخط الهيروغليفي الذي كان على حجر رشيد بعد أن اعتمد ترجمة اليوناني في المقابلة، وكان ذلك مبدأ لما بعده إلى اليوم.
واستمر فن المعمى بعد الخليل أمثلة متفرقة لا تفرد بالتدوين، ولا تتشعب في المعالجة؛ حتى كان الجاحظ يقول: ليس المعمى بشيء؛ قد كان كيسان مستملي أبي عبيدة يسمع خلاف ما يقال، ويكتب خلاف ما يسمع ويقرأ خلاف ما يكتب، وكان أعلم الناس باستخراج المعمى؛ وكان النظام على قدرته على أصناف العلوم لا يقدر على استخراج أخف ما يكون من المعمى.
وفي كلمة الجاحظ تحامل بيّن علي الخليل، وما كان النظام وهو ما هو ليتفرغ لشيء كالمعمى حتى يكون عجزه حطا من الفن؛ ولا شك أن النظام كان عن سائر الفنون التي لم يزاولها أعجز منه عن المعمى.
وتجد شيئًا من تلك الأمثلة المتفرقة في "يتيمة الدهر" للثعالبي، وقد ذكر في ترجمة أبي أحمد بن أبي بكر الكاتب، أن أبا طلحة قسورة بن محمد كان من أولع الناس بالتصحيفات، فقال له أبو أحمد يومًا: إن أخرجت مصحفًا أسألك عنه وصلتك بمائة دينار، قال: أرجو أن لا أقصر عن إخراجه، فقال أبو أحمد "في قشور هينم جمد" فوقف حمار قسورة وتبلد طبعه، فقال: إن رأى الشيخ أن يمهلني يومًا فعل؛ فقال: أمهلتك سنة؛ فحال الحول ولم يقطع شعرة؛ فقال له أبو أحمد: هو اسمك: قسورة بن محمد، فازداد خجله وأسفه.....
وبهذا تتبين أن المعمى لم يكن قد بلغ شيئًا مما انتهى إليه عند المتأخرين، وأن المعروفين به كانوا على قلتهم إنما يعرفون بفرط الرغبة وشدة الولوع، لا كما يعرف المتميز بالفن على وجه الإحاطة به والاختصاص فيه.
وما زال ذلك أمره حتى وقع إلى الأعاجم فدونوه واستنبطوا قواعده، وأنزلوه في رتبة بين الفنون والعلوم؛ وأول من فعل ذلك منهم شرف الدين علي اليزدي الفارسي صاحب "تاريخ ظفر نامه" في الفتوحات التيمورية، وقد أطلقوا عليه لقب الواضع له، وتوفي سنة 830هـ -قال قطب الدين المكي: وما زال فضلاء العجم يقتفون أثره ويوسعون دائرة الفن ويتعمقون فيه إلى أن ألف فيه المولى نور الدين عبد الرحمن الجامي المتوفى سنة 897هـ صاحب "شرح الكافية" عشر مسائل؛ فدونت وشرحت، وكثر فيها التصنيف إلى أن نبغ في عصره المولى مير حسين النيسابوري المتوفى سنة 912هـ فأتى فيه بالسحر الحلال وفاق في تعمقه ودقة نظره سائر الأقران والأمثال؛ كتب فيه رسالة تكاد تبلغ حد الإعجاز..... وارتفع شأن مير حسين بسبب علم المعمى مع تعمقه في سائر العقليات، فصار ملوك خراسان وأعيانهم يرسلون أولادهم إليه ليقرءوا رسالته عليه..... وظهر بعدهما فائقون في المعمى في كل قطر بحيث لو جمعت تراجمهم لزادت على مجلد كبير.
وقطب الدين المومأ إليه هو أول من ترجم طريقة المعمى عن الفارسية إلى العربية في رسالة سماها "كنز الأسما في كشف المعمى"؛ وتلاه تلميذه عبد المعين بن أحمد الشهير بابن البكاء البلخي، فألف رسالة سماها "الطراز الأسمى على كنز الأسما".
وحد المعمى أنه قول يستخرج منه كلمة فأكثر بطريق الرمز والإيماء بحيث يقبله الذوق السليم، ويشترط فيه أن يكون له في نفسه معنى وراء المعنى المقصود بالتعمية، وقال القطب في الفرق بينه