الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للجميع" وقد انتهت رقاع القصائد إلى أن حالت بينه وبين من كان أمامه "ص430 ج2: نفح الطيب" وهذه وحده ينهض دليلًا على أن الشعر يومئذ كان متجرًا حقيقًا لا يتأدب به، فلا يخرج من روح الشاعر إلى قلبه حتى يبقى أدبًا، ولكنه يخرج من لسانه إلى يده فينقلب مادة. وقد كان ذلك قبل زمن عبد المؤمن؛ لأنه لما مدحه الحسيب أبو القاسم بن سعدة الأوسي، وكان جده ملك وادي الحجارة، كتب اسمه وزير عبد المؤمن في جملة الشعراء، فلما وقف الأمير على ذلك ضرب على اسمه وقال: إنما يكتب اسم هذا في جملة الحساب "أصحاب الحسب" لا تدنسوه بهذه النسبة؛ فلسنا ممن يتغاضى على غمط حسبه "ص253 ج2: نفح الطيب" إلا أن ذلك لم يمنع أن يكون بينهم نفر قليلون يقومون على الأدب.
وممن ختم بهم القرن السادس من أولئك: محمد بن سفر الشاعر الكبير، وأبو بحر صفوان بن إدريس المتوفى سنة 598هـ، وأبو جعفر الحميري الحافظ أديب الأندلس المتوفى سنة 610هـ، وغيرهم وإن كانوا قليلين.
بعد القرن السادس:
ابتدأت الفتن بعد هذا القرن تتقلب حتى ذل الأندلسيون سنة 741هـ حيث اتحد ملوك الأسبانيول وملك البرتغال على العرب فهزموهم، ثم عادوا ثانية مع ملوك إيطاليا واستولوا على الجزيرة الخضراء سنة 743هـ ولم يبق في حوزة الأندلسيين إلا غرناطة؛ وكان بعد ذلك الزمن الذي انتهى بجلاء الأندلسيين في أوائل القرن العاشر؛ وفي كل هذه المدة كان ينبغ الشعراء والكتاب وأهل العلوم، إلا أن المشاهير منهم كانوا يعدون بالنسبة إلى ضعف الزمن وسفاهة التصرف، في إرث تلك الحضارة القديمة على قاعدة المثل السائر: واحد بالمائة، ورجل يفي بالفئة، وكانوا مع ذلك في الأغلب إنما يقلدون المعاصرين من أدباء المشرق، كالصفدي وغيره، فيتبعونهم في الصناعات اللفظية ونحوها، وكان لأكثرهم رحلة إلى هؤلاء، يجتمعون بهم ويأخذون عنهم، كما فعل ابن جابر صاحب "بديعية العميان"، ورفيقه الألبيري؛ وابن سعيد المغربي، وغيرهم، خصوصًا وقد كانت دولة الشعر قائمة يومئذ -في القرن السابع- بحضرة الناصر ملك الشام الذي ألبسها من عزه تاجًا، وأحلها من سمائه أبراجًا.
وممن نبغ في القرن السابع أبو جعفر أحمد بن طلحة الوزير الكاتب الذي كتب عن ولاة من بني عبد المؤمن، ثم استكتبه السلطان بن هود وقتل سنة 631هـ وهو مبدع في نثره وشعره معًا، وكان يرى نفسه فوق أبي تمام والبحتري والمتنبي؛ لأن أكثر مدارسة الشعر يومئذ كانت منصرفة إلى دواوين هؤلاء الثلاثة كما هي إلى اليوم، وكما تكون بعد اليوم إلى ما شاء الله؛ وابن سهل الإسرائيلي الشاعر الشهير المتوفى سنة 649هـ، وابو المطرف بن عميرة الإمام الكاتب المتوفى سنة 658هـ، وابن مرج الكحل الشاعر المتوفى سنة 634هـ.
وكان من نابغي القرن الثامن ابن الجياب المتوفى 749هـ. وأبو يحيى بن هذيل المتوفى سنة 753هـ وسيأتي ذكره في فلاسفة الشعراء، [وأبو القاسم] ابن جزي المتوفى سنة 750هـ وكلهم من
أشياخ لسان الدين بن الخطيب وزير بني الأحمر، وهو أشهر أدباء هذا القرن شعرًا وكتابة وتفننًا في العلوم، وقد وضع في شعراء هذا القرن كتابًا سماه "الكتبة الكامنة في شعراء المائة الثامنة"، إلا أنه على ما أرجح عد في طبقات العلماء، إذ كان لا يخلو أحدهم من أن يكون على شيء من الأدب يحمله [على شيء] من الشعر، وكذلك فعل في "الإحاطة"، ثم كان شاعر ما بقي من الأندلس بعد لسان الدين، هو العربي العقيلي الشاعر الوشاح، واشتهر بعده أيضًا تلميذه ابن زمرك وزير الغني بالله.
أما القرن التاسع وهو الذي مر على أطلال الأندلس، فكان في نصفه الأول الوزير الكاتب القاضي أبو يحيى بن عاصم الذي يقول عنه الأندلسيون إنه ابن الخطيب الثاني، وكان في نصفه الأخير قاضي الجاعة ابن الأزرق الشاعر المنشئ الفقيه المتوفى سنة 895هـ، وصارت الأندلس بعد ذلك أرضًا صماء لا ترجع الصدى، واستعجم تاريخها فكأنما بدأ غريبًا وعاد كما بدأ.