المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة خمس عشرة وثلاثمائة - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٢٣

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة خمس عشرة وثلاثمائة

ذكر القبض عَلَى الوزير ابن الخصيب:

وفيها: قبض عَلَى الوزير ابن الخصيب لاشتغاله باللهو واختلال الدولة، وأحضر الوزير عليّ بْن عيسى فأعيد إلى الوزارة1.

ذكر وفاة ابن خاقان:

وفيها: أطلق الوزير أبو القاسم عَبْد اللَّه بْن محمد بْن عُبَيْد بْن يحيى بْن خاقان من حبس ابن الخصيب الوزير، وحمل إلى منزله، فمات في رجب2.

ذكر منازلة الروم مَلَطْية:

وفيها: جاشت الروم وأتت إلى مَلَطْية فنازلوها، وخربوا القرى، واشتدّ القتال عليها أيّامًا، ثمّ ترجَّلوا عَنْهَا. فذهب أكابرهم إلى السلطان يطلبون الغوث، فعادوا بغير إغاثة3.

ذكر صرف الجوهريّ عَنْ قضاء مصر:

وفيها: صُرف عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق الجوهريّ عَنِ القضاء، وولي أبو عثمانٍ أحمد بْن إبراهيم بْن حمّاد بْن إِسْحَاق بْن إسماعيل بْن حماد بْن زيد. ولّاهُ أخوه هارون، وكان إِلَيْهِ قضاء مصر، فبعث أخاه من جهته4.

1 انظر المصدر السابق.

2 تجارب الأمم "1/ 147".

3 انظر المصدر السابق.

4 الولاة والقضاة "483، 484".

ص: 255

‌أحداث سنة خمس عشرة وثلاثمائة

أحداث سنة خمس عشرة:

ذكر إكرام المقتدر لعيسى بْن عليّ:

في صَفَر قدِم عليّ بْن عيسى الوزير، فزاد المقتدر في إكرامه، وبعثَ إِلَيْهِ بالخلع وبعشرين ألف دينار. وركب من الغد في الدست، ثم أنشد:

ما الناس إلّا مَعَ الدنيا وصاحبها

فكيف ما انقلبت يومًا به انقلبوا

ص: 255

يعظموا أخا الدنيا فإن وثبت

يومًا عَلَيْهِ بما لا يشتهي وثبوا1

ذكر انتهاب الروم سُمَيْساط:

وفيها: وصلت الروم إلى سُمَيْساط وأخذوا من فيها وما فيها، وضربوا الناقوس في جامعها، فتهيأ مؤنس للخروج2.

ذكر امتناع مؤنس من وداع المقتدر:

ولمّا أراد وداع المقتدر جاءه خادم من خواصّ المقتدر فقال: إن الخليفة قد حفر لك زُبْيَةً بدار الشَّجرة، وأمر أنّ تفرد إذا دخلت، ويمر بك عَلَى الزُبْيَة، فتكون قبرك. فامتنع من وداع المقتدر.

وركب إلى مؤنس الأمراء والغلّْمان كلّهم، ولم يبق بدار الخليفة أحد ولبسوا السّلاح، فقال لَهُ أبو الهيجاء عَبْد اللَّه بْن حمدان: أيها الأستاذ، لا تخف، فلتقاتلن بين يديك حتى تنبت لك لحية3.

ذكر قدوم مؤنس عَلَى المقتدر:

فبعث لَهُ المقتدر ورقة بخطه يحلف بالأيمان المغلظة عَلَى بطلان ما بلغه، ويعرفه أَنَّهُ يأتي الليلة ليحلف لَهُ مشافهة. فصرف مؤنس القواد إلى دار الخلافة، ولزم أبو الهيجاء باب مؤنس. وبعث المقتدر نصرًا الحاجب، فأحضروا مؤنسًا إلى الحضرة، فقبّل يدي المقتدر، فحلف لَهُ المقتدر أَنَّهُ صافي النية لَهُ وودعه. وسار إلى الثغور فالتقى مع الروم، وقتل منهم خلقًا4.

ذكر ظهور الديلم عَلَى الريّ والجبال:

وفيها: ظهرت الديلم عَلَى الرّيّ والجِبال، وأوّل من غلب لنكي بْن النُّعْمان فقتل خلقًا وذبح الأطفال5.

1 البداية والنهاية "11/ 154"، والنجوم الزاهرة "3/ 218"، والمنتظم "6/ 205".

2 العبر "2/ 160"، والبداية والنهاية "11/ 154".

3 تاريخ مختصر الدول "157".

4 الكامل في التاريخ "8/ 170"، والبداية "11/ 155".

5 الخبر في البداية والنهاية "11/ 155"، وتاريخ الخلفاء "382".

ص: 256

ذكر تغلب ابن شِيرُوَيْه عَلَى قزوين:

وغلب عَلَى قزوين أسفار بْن شِيرُوَيْه فغشم وظلم وتفرعن، فقتله حاشيته في الحمام.

ذكر حرب ابن أبي الساج والقرامطة:

وجاء القَرْمَطيّ إلى الكوفة، فجهز المقتدر لحربه يوسف بن أبي الساج فالتقوا، فنظر يوسف إلى القرامطة فاستقبلهم، وقاتلوا قتالًا شديدًا، وجرح من القرامطة بالنشاب المسموم نحو خمسمائة، وأبو طاهر القَرْمَطيّ في عارية حوله مائتا فارس، فنزل وركب فرسًا، وحمل عَلَى يوسف، والتحم القتال، وأُسِرَ في آخر النَّهار يوسف بْن أَبِي السّاج مجروحًا، وقتل من أصحابه عدّة وانهزم جيشه. فداوت القرامطة جراحاته وجاءت الأخبار إلى بغداد، فخاف الناسُ، وعسكر مؤنس بباب الأنبار1.

ذكر نزول القرامطة عند الأنبار:

وساق القَرْمَطيّ إلى أنّ نزل غربيّ الأنبار، فقطعوا الجسر بينهم وبينه عَلَى الفُرات. وأقام غربيّ الفُرات يتحيل في العُبُور. ثم عَبَر وأوقع بيزك المسلمين، فخرج نَصْر الحاجب والرجالة واهل بغداد إلى مؤنس، فكانوا أربعين ألفًا وأكثر، وخرج أبو الهيجاء بْن حمدان وإخوته أبو اليد، وأبو السرايا، وأبو العلاء. وتقدم نَصْر فنزل عَلَى نهر زبارا عَلَى نحو فرسخين من بغداد، وقطعت القنطرة في ذي القعدة. فلما أصبحوا جاءهم القَرْمَطيّ فحاذاهم، وبعث بين يديه أسود ينظر إلى المخاض، فرموه بالنشاب حتّى سار كالقنفذ، فعاد وأخبر أصحابه بان القنطرة مقطوعة. فأقامت القرامطة يومين، ثمّ ساروا نحو الأنبار، فما جسر أحدٌ يتبعهم، وهذا خذلان من اللَّه تعالى. فإن القَرْمَطيّ كَانَ في ألف فارس وسبعمائة راجل، وجيش العراق في أربعين ألف فارس2.

وقال ثابت: إن معظم عسكر المقتدر انهزموا إلى بغداد قبل أن يعاينوا القرمطي لشدة رعبهم.

1 تاريخ ابن خلدون "3/ 278"، وتاريخ القرامطة "46، 47"، والمنتظم "6/ 208، 209".

2 التنبيه والإشراف "331، 332"، والعبر "2/ 161"، والبداية "11/ 155"، والنجوم الزاهرة "3/ 217".

ص: 257

فوصل القرمطي الأنبار، فاعتقد من بها من الجند أنه جاء منهزما فخرجوا وقاتلوه، فقتل منهم مائة فارس، وانهزم الباقون.

ذكر قتل ابن أَبِي الساج:

ثمّ إنّ القَرْمَطيّ ضرب عُنق ابن أَبِي السّاج، وقتل جماعة من أصحابه. وهرب معظم أهل الجانب الغربيّ إلى الجانب الشرقي1.

ذكر فشل القَرْمَطيّ في دخول هيت:

وسار القَرْمَطيّ إلى هيت فدخل مؤنس بالعسكر إلى الأنبار، وقدم هارون بْن غريب، وسعيد بْن حمدان في جيش إلى هيت، فسبقا القَرْمَطيّ وصعدا عَلَى سورها، فقويت قلوب أهلها وحصنوها. فعمل القرمطي سلالم وزحف، فلم يقدر على نقبها، وقتلوا من أصحابه جماعة، فرحل عَنْهَا إلى البرية. وتصدق المقتدر وأمه بمال2.

ذكر إنفاق المقتدر المال لحرب القرامطة:

ولمّا جاء الخبر بقتل ابن أَبِي السّاج دخل عليّ بْن عيسى عَلَى المقتدر وقال: إنّه لَيْسَ في الخزائن شيء، ولم يتمّ عَلَى الإسلام شيء أعظم من هذا الكافر، وقد تمكنت هيبته من القلوب، فاتق اللَّه وخاطب السيدة في مال تنفقه في الجيش، وإلّا فما لك ولأصحابك إلّا أقاصي خُراسان.

فدخلَ عَلَى والدته وأخبرها، فأخرجت خمسمائة ألف دينار، وأخرج المقتدر ثلاثمائة ألف دينار. وتجرد ابن عيسى في استخدام العساكر.

ذكر الخلْع عَلَى بعض القرامطة:

وورد من هيت نَصْر الحاجب ومعه ثلاثة عشر من القرامطة، فأمر المقتدر لهم بخلع وقال: لكونهم خامروا على القرمطي.

1 تكملة تاريخ الطبري للهمذاني "54"، وتاريخ ابن الوردي "1/ 259"، والبداية والنهاية "11/ 156".

2 تجارب الأمم "1/ 180"، والتنبيه والإشراف "332، 333"، والكامل في التاريخ "8/ 173".

ص: 258

ذكر ولاية أَبِي الهيجاء:

وولّى المقتدر أبا الهيجاء الجزيرة والموصل.

ذكر شغب الْجُنْد ببغداد:

ثمّ إنّ الْجُنْد اجتمعوا فشغبوا عَلَى المقتدر، وطلبوا الزيادة وشتموه ونهبوا القصر الملقب بالثريّا، وصاحوا: أبطلتَ حجنا وأخذت أموالنا وجرأت العدو وتنام نوم الجارية. فبذل لهم المال فسكتوا. وجددت عَلَى بغداد الخنادق وأصلحت الأسوار1.

ذكر وفاة الجوهريّ ابن الجصّاص:

وفيها: مات الحسين بن عبد الله الجوهري ابن الجصاص.

وكان ابن طولون قَالَ: لَا يباع لنا شيء إلّا عَلَى يده2.

وعنه قَالَ: كنتُ يومًا جالسًا في الدهليز، فخرجت قَهْرمانة معها مائة حبة جوهر، تساوي الحبة ألف دينار، فقالت: يحتاج هذا إلى خرط ليصغر فأخذته مسرعًا، وجمعت يومي ما قدرت عَلَيْهِ حتّى حصّلت مائة حبّة من النّوع الصغار، وأتيت القهرمانة فقلت: قد خرطنا هذا، وتقومت عليّ بمائة ألف درهم.

وقد أسلفنا من أخباره لمّا صودر سنة اثنتين وثلاثمائة.

قَالَ التّنُوخيّ: ولما صودر وجد في داره سبعمائة مزمّلة خيزران.

وبلغت مصادرته ستة آلاف ألف دينار. وأطلق بعد المصادرة، فلم يبقَ لَهُ إلا ما قيمته سبعمائة ألف دينار.

وكان مَعَ هذا فيه نوع بله وغفلة. لَهُ حكايات في المغفلين. مرضَ مرة بالحمى فقيل: كيف أنت؟ قَالَ: الدنيا كلّها محمومة. ونظر في المرآة يومًا فقال لرجل: ترى لحيتي طالت؟ فقال: المرآة في يدك.

فقال: الشاهد يرى ما لَا يرى الحاضر.

1 تاريخ سِنيَّ ملوك الأرض "153، 154".

2 البداية والنهاية "11/ 156"، والمنتظم "6/ 211، 212"، ونشوار المحاضرة "2/ 312".

ص: 259

ودخل يومًا عَلَى ابن الفُرات فقال: أيها الوزير، عندنا كلاب ما تدعنا ننام.

قَالَ: لعلهم جري.

قَالَ: لَا واللَّه، ألا كلُّ كلب مثلي ومثلك.

وقيل: كَانَ يدعو ويقول: حسبي اللَّه وأنبياؤه وملائكته. اللهم أعد من بركة دعائنا عَلَى أهل القصور في قصورهم، وعلى أهل الكنائس في كنائسهم. وفرغ مرة من الأكل فقال: الحمد لله الذي لَا يحلف بأعظم منه.

ونزل مَعَ الوزير الخاقانيّ في المركب وبيده بطيخة كافور، فبصق في وجه الوزير وألقى البطيخة في دجلة. ثم أخذ يعتذر قَالَ: أردت أنّ أبصق في وجهك والقي البطيخة في الماء، فغلطت. فقال: كذا فعلت يا جاهل.

ومع هذا كَانَ سعيدًا متمّولًا محظوظًا.

قَالَ أبو عليّ التنوخي في "نشواره": سَمِعْتُ الأمير جعفر بْن ورقاء يَقُولُ: اجتزت بابن الجصّاص، وكان بيننا مصاهرة، فرأيته عَلَى روشن داره وهو حافٍ حاسر، يعدو كالمجنون، فلمّا رآني استحيا، فقلت: ويلك ما لك؟ فقال: يحق لي أنّ يذهب عقلي، وقد أخذوا منّي كذا وكذا أمرا عظيمًا. فقلت مسليًا لَهُ: ما سَلْم لك يكفي. وإنما يقلق هذا القلق من يخاف الحاجة، فأصبر حتّى أواقفك، أنك غنيّ.

قَالَ: هات.

فقال: أليس دارك هذه بفرشها وآلاتها لك؟ وعقارك بالكرخ وضياعك؟ فما زلت أحاسبه إلى أنّ بلغ قيمة ما بقي له سبعمائة ألف دينار.

ثم قلت: وأصدقني عمّا سَلْم لك من الجوهر والعبيد والخيل وغير ذَلِكَ.

فحسبنا ذَلِكَ، فإذا هُوَ بقيمة ثلاثمائة ألف دينار أخرى، فقلت: فمن ببغداد مثلك اليوم وجاهك قائم؟! فسجد لله وبكى، وقال: قد أنقذني اللَّه بك. ما عزانيّ أحد أنفع منك، وما أكلت شيئًا منذ ثلاث، وأحب أنّ تقيم عندي لنأكل ونتحدث. فقلت: أفعل. فأقمت يومي عنده1.

قَالَ التّنُوخيّ: وكنت اجتمعت مع أبي علي والد أبي عبد الله بن الجصاص

1 راجع البداية والنهاية "11/ 156، 157"، والمنتظم لابن الجوزي "6/ 213، 214".

ص: 260

فسألته عمّا يحكي عَنْ أَبِيهِ من أنّ الْإِمَام قرأ: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فقال: إيْ لعمري؛ بدل آمين1.

وإنه أراد أن يقبل رأس الوزير الخاقانيّ، فقال: إنّ فيه دهْنًا.

فقال: لو كَانَ فيه خرا لقبلته. ومثل وصفه مصحفًا عتيقًا فقال: كسرويًا.

فقال: غالبه كذب، وما كانت فيه سلامة تخرجه إلى هذا. ما كَانَ إلّا من أدهي النَّاس. ولكنه كَانَ يطلق بحضرة الوزير قريبا من ذلك لسلامة طبع كان فيه؛ ولأنه كان يحب أنّ يصور نفسه عندهم بصورة الأبله لتأمنه الوزراء لكثرة خلوته بالخلفاء. فأنا أحدثك عَنْهُ بحديث تعلم أنّه في غاية الحزْم.

ثمّ قَالَ: حدَّثني أَبِي أنّ ابن الفُرات لما ولي الوزارة، قَالَ: فقصدني قصدًا قبيحًا لشيء كَانَ في نفسه عليَّ وبالغ، وتلطفت معه بكل طريق. وكان عندي سبعة آلاف ألف دينار عينًا وجوهرًا سوى غيرها. ففكرت في أمري، فوقع لي الرأي في الليل في الثلث الأخير. فركبت في الحال إلى داره، فدققت فقال البوابون: لَيْسَ هذا وقت وصول، والوزير نائم.

فقلت: عرفوا الحجاب أني حضرت في مهم.

فعرفوهم، فخرج إليَّ أحدهم فقال: إنّه إلى السّاعة لم ينتبه.

فقلت: لَا، الأمر أهم من ذَلِكَ فنبهه.

فدخل ثمّ خرج فأدخلني إِلَيْهِ وهو عَلَى سرير، وحوله نحو خمسين نفسًا، كأنهم حفظة، وقد قاموا وهو جالس مرتاعًا، ظن أنّ حادثة حدثت، فرفعني وقال: ما الأمر؟ فقلت: خير، ما حَدَث شيء، ولا جئت إلّا في أمر يخصني.

فسكن وصرف من حوله، وقال: هات.

فقلت: أيها الوزير، إنك قصدتني أقبح قصد، وشرعت في هلاكي بإزالة نعمتي، ولعمري، إني أسأت في خدمتك. وقد كَانَ في بعض هذا التقويم بلاغ عندي. وقد جهلت في استصلاحك، فلم يغن شيء. وليس شيء أضعف من الهر،

1 راجع: نشوار المحاضرة "1/ 29"، والهفوات النادرة للصابي "147"، وانظر فوات الوفيات "1/ 275".

ص: 261

وإذا عاث في دكان الفاميّ فظفر بهِ ولزه وثب عَلَيْهِ وخمشه. ولستُ أضعف من السِّنَّور، وقد جعلت هذا الكلام عذرا. فإن صلحت لي وإلا فعلي وعلي. وعقدت الأيمان لأقصدن الخليفة الآن وأحمل إِلَيْهِ من خزانتي ألفي ألف دينار وأقول: سَلْم ابن الفُرات إلى فلان ووله الوزارة. فيخدمني ويرجع تدبير أموره إليّ، فأسلمك إِلَيْهِ، فيعذبك حتّى يأخذ منك الألفي ألف. وأنت تعلم أنّ حالك يفي بها، ويعظم قدري بعزلي وزيرًا وتقليدي آخر.

فلمّا سمع هذا، قَالَ: يا عدوّ اللَّه، وتستحلّ هذا؟ فقلت: إنّ أحوجتني إلى هذا، وإلّا فاحلف لي السّاعة عَلَى معاملتي بكلّ جميل، ولا تبغ لي الغوائل.

وقال: وتحلف ليّ أنتَ أيضًا على مثل ذلك، وعلى حسن الطاعة و"المؤازرة".

فقلت: أفعل.

فقال: لعنك اللَّه، فما أنت إلّا إبليس. واللَّه لقد سحرتني.

واستدعى دَواةً، وعملنا نسخة اليمين، وأحلفته بها أولًا، ثمّ حلفت لَهُ.

فقال: يا أبا عَبْد اللَّه، لقد عَظُمْتَ في نفسي، واللَّه ما كَانَ المقتدر يفرق بين كفايتي وموقعي، وبين أصغر كتّابي مَعَ الذهب، فاكتم ما جرى.

فقلت: سبحان اللَّه.

فقال: إذا كَانَ غدًا فتعال لترى ما أعاملك بهِ.

فنهضت، فقال: يا غلمان بأسركم بين يدي أَبِي عَبْد اللَّه. فعدتُ إلى داري وما طلع الفجر.

ثم قَالَ لي ابنه أبو عليّ: هذا فعل من يحكي عَنْهُ تِلْكَ الحكايات؟ فقلت: لَا.

والله أعلم1.

1 راجع: نشوار المحاضرة "1/ 32-35"، وأخبار الحمقى والمغفلين "53-56".

ص: 262