المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة إحدى وثلاثمائة - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٢٣

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة إحدى وثلاثمائة

‌المجلد الثالث والعشرون

‌الطبقة الحادية والثلاثون

‌أحداث سنة إحدى وثلاثمائة

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا أفرغ علينا صبرًا

الطبقة الحادية والثلاثون:

القرن الرابع:

وما جرى فيه من الحوادث الكبار من كلام ابن الجوزي، وغيره.

أحداث سنة إحدى وثلاثمائة:

القبض على الوزير الخاقاني:

في أولها قبض المقتدر على وزيره أبي علي الخاقاني، وعلى ابنيه، وأبي الهيثم بن ثوابة1.

وكان قد مضى بليق المؤنسي في ثلاثمائة راكب إلى مكة لإحضار عليّ بن عيسى للوزارة، فقدم في عاشر المحرم، فَقُلِّدَ وَسُلِّمَ إليه الخاقاني ومن معه فصادره مصادرةً قريبة، ورفق بهم، وعدل في الرعية، وعفَّ عن المال، وأحسن السّياسة، وأتَّقى الله، وأبطل الخمور2. قاله ثابت بن سنان، فقال: وحدَّثني بعد عزله من الوزارة قال: قال لي ابن الفُرات بعد صرفي وتوليته: أبطلت الرسوم، وهدمتَ الارتفاع.

فقلت: أيُّ رسم أبطَلْتَ؟ قال: المكْس بمكّة.

فقلت: أهذا وحده أبطَلْتُ؟ وقد أبطلت ما ارتفاعه في العام خمسمائة ألف دينار، ولم أستكثر هذا القدر في جنب ما حَطَطْتَهُ عن أمير المؤمنين من الأوزار. ولكن أنظر مع ما حططت إلى ارتفاعي وارتفاعك. فقدم الخادم قبل أن يجيب.

تولية محمد بن يوسف القضاء:

وفي صَفَر سألَ عليُّ بنُ عيسى أن يقلّد القضاء أبا عمر محمد بن يوسف، وعرفه

1 راجع النجوم الزاهرة "3/ 182"، وصحيح التوثيق "7/ 358".

2 تاريخ القرامطة لابن سنان "40"، وصحيح التوثيق "7/ 358".

ص: 3

فضله ومحلّه، فقلّده قضاء الجانبين.

وبقي على قضاء مدينة المنصور أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البُهْلُول1.

ركوب المقتدر إلى الشمّاسية:

وفيها ركب المقتدر من داره إلى الشّمّاسّية، وهي أوّل رَكْبه ظهر فيها للعامّة2.

محنة الحلاج:

وفيها أُدْخلَ حسين بن منصور الحلاج مشهورًا على جَمَلٍ إلى بغداد، وكان قد قُبض عليه بالسوس وحُمِل إلى عليّ بن أحمد الراسبيّ، فأقدمه إلى الحضرة، فَصُلِبَ حيًّا، ونُودي عليه: هذا أحد دُعاة القرامطة فاعرفوه. ثم حُبِس في دار السّلطان.

وظهر عنه بالأهواز وببغداد أنّه أدّعى الإلهيّة، وأنّه يقول بحلول اللّاهوت في الأَشراف، وأنّ مكاتباته تُنْبِئ بذلك.

وقيل: إن الوزير عليّ بن عيسى أحضره وناظَرَه، فلم يجد عنده شيئًا من القرآن ولا الحديث ولا الفقه، فقال له: تَعَلُّمكَ الوضوء والفرائض أوْلى بك من رسائل لَا تدرى ما فيها -وكانوا قد وَجدوا في منزله رقاعًا فيها رموز- ثم تدَّعي، وَيْلَكَ، الإلهيّة، وتكتب إلى تلاميذك:"من النّور الشَّعشعانيّ"! ما أحْوَجك إلى الأدب.

وحبُس. فاستمال بعضَ أهلِ الدّار بإظهار السنة، فصاروا يتبرَّكون به، ويسألونه الدّعاء. وستأتي أخباره فيما بعد3.

تقليد ابن المقتدر أعمال مصر والمغرب:

وفيها: قُلِّد أبو العبّاس بن المقتدر أعمالَ مصر والمغرب، وله أربعُ سِنين، وأستُخْلِفَ له مؤنس الخادم.

1 مختصر التاريخ "175"، لابن الكازروني، وصحيح التوثيق كما في الموضع السابق.

2 البداية والنهاية "11/ 121"، وتاريخ الخلفاء "380".

3 تاريخ الطبري "10/ 147"، والمنتظم "6/ 122، 123"، ووفيات الأعيان "2/ 140-146"، والنُّجوم الزاهرة "3/ 182".

ص: 4

تقليد عليّ بن المقتدر الريّ:

وَقُلِّدَ عليّ بن المقتدر الرِّيَّ ونواحيها، وأسْتُخْلٍفَ له عليها1.

اعتقال ابن ثَوَابة الكاتب:

ونفذ محمد بن ثَوَابة الكاتب إلى الكوفة، وَسُلِّمَ إلى إسحاق بن عِمَران، فاعتقله حتى مات.

مقتل أحمد بن إسماعيل الساماني:

وفيه ورد الخبرُ أنّ غلمان أحمد بن إسماعيل قتلوه على نهر بَلْخ، وقام ابنه نصر بن أحمد، فبعثَ إليه المقتدر عهده بولاية خُراسان2.

مقتل أبي سعيد الْجَنَّابيّ:

وفيها قُتِلَ أبو سعيد الْجَنَّابيّ القَرْمطيّ المتغلّب على هَجَر؛ قتله غلامه الخادم الصِّقْلَبيّ، لكونه أراده على الفاحشة، فلمّا دخل إليه قتله. قال: وما زال يفعل ذلك بواحدٍ واحدٍ حتّى قتل أربعة من الأعيان، ثم دعاء بالخامس، فلمّا رأى القتلى صاح، فصاح النّساء، واجتمعوا على الخادم فقتلوه3، وكان أبو سعيد الْجَنِّابيّ قد هزم جيوش المعتضد ثمّ وَادَعَ المعتضد القتالَ فكفِّ عنه وبقي بهَجَر من ناحية البرّيّة إلى هذا الوقت.

قال ثابت: وكان عليّ بن عيسى أشار بمكاتبة أبي سعيد بن بهرام الْجَنَابيّ والإعذار إليه وحضّه على الطّاعة، ووبّخه على ما يُحكى عنه وعن أصحابه مِن ترك الصّلاة والزّكاة واستباحة المحرِّمات؛ ثمّ توعّده وتهدّده. فبلغ الرُّسُلَ وهم بالبصرة مقتلُهُ، فكتبوا إلى الوزير، فكتبَ إليهم: أَنْ سِيروا إلى مَن قامَ بعده. فساروا وأوصلوا الكتابَ إلى أولاده، فكتبوا جوابه، فكانَ: للوزير أبي الحسن مِن إخوته، سلامُ على الوزير، فإنا نَحْمد إليه الله الذّي لَا إله إلى هو، ونسأله أن يصلّي على سيّدنا محمد.

1 الكامل في التاريخ "8/ 76"، وتجارب الأمم "1/ 32".

2 العيون والحدائق "4ق1/ 255"، والعبر "2/ 118"، وشذرات الذهب "2/ 237"، والكامل في التاريخ "8/ 77-79".

3 تجارب الأمم "1/ 33"، ونهاية الأرب "25/ 243، 244"، وتاريخ ابن الوردي "1/ 253".

ص: 5

وفيه: فأما ما ذكره عنّا من انفرادنا عن الجماعة، فنحن، أيّدك الله، لم نَنْفرد عن الطّاعة والجماعة، بل أفرِدْنا عنها، وأُخْرِجْنا من ديارنا، واستحلّوا دماءَنا، ونحنُ نشرح للوزير حالنا: كان قديمُ أمرنا أنّا كنّا مستورين مُقْبلين على تجارتنا ومعايشنا، نُنَزَّه أنفسنا عن المعاصي، ونحافظ على الفرائض، فَنَقَمَ علينا سُفهاء النّاس وفُجّارهم ممّن لَا يُعْرَف بِدِين، وأكثروا التَّشنيعَ علينا حتّى جمع النّاس علينا، وتظاهروا وشهدوا علينا بالزُّور، وأنّ نِساءَنا بيننا بالسَّويّة، وأنّا لَا نحرِّم حرامًا، ولا نحلِّل حلالًا، فخرجنا هاربين، ومَن بقيَ منّا جعلوا في رقابهم الحبال والسّلاسل.. إلى أن قال: فأجْلونا إلى جزيرة، فأرسلنا إليهم نطلب أموالنا وحُرمنا، فمنعوناها، وعزموا على حربنا، فحاكمناهم إلى الله، وقال تعالى:{وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} [الحج: 60] فنصرنا الله عليهم. وأمّا ما أدُّعى علينا من الْكُفْرِ وترك الصّلاة فنحن تائبون مؤمنون باللَّه. فكتب الوزير يعدهم الإحسان.

مسير المهدي صاحب إفريقية إلى لِبْدة:

وفيها سار المهديّ صاحب إفريقيّة يريد مصر في أربعين ألفًا من البربر في البر والبحر، ونزل لِبْدَة، وهى من الإسكندريّة على أربعة مراحل. وكان بمصر تَكين الخاصّة، ففجّر النّيل، فحال الماء بينهم وبين مصر1.

وقعة برقة:

قال المُسَبّحيّ: فيها كانت وقعة بَرْقَةَ، وكان عليها المنصور، فسلّمها وانهزم إلى الإسكندرية2.

حرب حَبَاسة الكُتامّي والعباسيّين بمصر:

وفيها: سار أبو داود حَبَاسَة بن يوسف الكتاميّ البربريّ في جيشٍ عظيم قاصدًا إلى مصر مقدّمةً بين يدي القائم محمد، فوصل إلى الجيزة، وهَمّ بالدُّخول إلى مصر فغلط المخاضة ونُذِر به، فخرج إليه عسكر، فحالوا بينه وبين الدخول، وأعانهم زيادة

1 المواعظ والاعتبار "1/ 69"، ومرآة الجنان "2/ 238".

2 تاريخ الطبري "10/ 148"، والبيان المغرب "1/ 171".

ص: 6

النيل، فردّ إلى الإسكندرية، فَقَتَلَ وأفسدَ. ثم سار جيش المقتدر إلى بَرْقَةَ، وجرت لحباسة ولهم حروب.

وقلَّد المقتدرُ مصرَ أبا عليّ الحسين بن أحمد، وأبا بكر محمد بن عليّ، المادرائيّين، وأضاف إليهما جُنْدَ دمشق وفلسطين، فساروا إلى مصر، فكان بينهم وبين الفاطميّ وقْعات. ثم رجع إلى بَرْقة، وأقام المادرائيّ بمصر. وملك الفاطميّ الإسكندرية والفيّوم، ثم ترك ذلك وردّ1.

تقليد ابن بسّام حمص وقنّسرين والعواصم:

وقلد المقتدرُ حمصَ وقنّسرين والعواصم أبا القاسم عليّ بن أحمد بن بسّام2.

وفاة الراسبيّ:

وفيها: تُوُفّي عليّ بن أحمد الرّاسبيّ أمير جُنْدَيْسابور والسُّوس، وكان شجاعًا جوادًا. تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة، وخلف من الذَّهَب ألف ألف دينار، وألف فرس، وألف جَمَلٍ، وغير ذلك3.

وفاة القاضي ابن أبي الشوارب:

وفيها: تُوُفّي القاضي عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أبي الشوارب. وتُوُفّي بعده بثلاثة وسبعين يومًا ابنه القاضي محمد المعروف بالأحنف.

1 الولاة والقضاة "269"، وشذرات الذهب "2/ 237".

2 وفي زبدة الحلب "1/ 95" قال: "علي بن أحمد بن بسطام".

3 المنتظم "6/ 125"، تكملة تاريخ الطبري "13".

ص: 7