المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143 - تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار - جـ ١

[الجبرتي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة

- ‌سنة ست ومائة وألف

- ‌سنة عشرين ومائة وألف

- ‌سنة أحدى وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة أحدى وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلاثين

- ‌سنة أربعين ومائة وألف

- ‌في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143

- ‌في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ست وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة تسع وثممانين ومائة وألف

- ‌سنة تسعين ومائة وألف

- ‌سنة أحدى وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وتسعين وألف

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ست وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة مائتين وألف

الفصل: ‌في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143

مات الأمير ذو الفقار بك تابع الأمير حسن بك الفقاري تولى الصنجقية وامارة الحج في يوم واحد وطلع بالحج أحدى عشرة مرة وتوفي سنة اثنتين ومائة وألف.

ومات ابنه الأمير إبراهيم بك تولى الإمارة بعد أبيه وطلع اميرا على الحج سنة ثلاث ومائة وألف وتحارب مع العرب تلك السنة في مضيق الشرفة فكانت معركة عظيمة وامتنع العرب من حمل غلال الحرمين فركب عليهم هو ودرويش بك وكبس عليهم آخر الليل عند الجبل الاحمر وساقوا منهم نحو ألف بعير ونهب بيوتهم واحضر الجمال إلى قراميدان واحضر أيضا بدنة اخرى شالوا معهم الغلال والقافلة. وولى من طرفه إبراهيم اغا الصعيدي زعيم مصر اخاف الناس وصار له سمعة وهيبة وطلع بالحج بعد ذلك ثلاث مرار في أمن وامان. وتاقت نفسه للرئاسة ولا يتم له ذلك إلا بملك باب مستحفظان وكان بيد القاسمية فاعمل حيلة بمعاضدة حسن اغا بلغيه واغراء علي باشا والي مصر حين ذاك فقلد رجب كتخدا مستحفظان وسليم افندي صناجق ثم عملوا دعوة على سليم بك المذكور انحط فيها الأمر على حبسه وقتله. فلما راى رجب بك ذلك ذهب إلى إبراهيم بك واستعفى من الإمارة فقلدوه سردار جداوي وسافر من القلزم وتوفي بمكة وخلف ولدا اسمه باكير حضر إلى مصر بعد ذلك ولما قتل سليم بك المذكور لا عن وارث ضبط مخلفاته الباشا لبيت المال وأخذوا جميع ما في بيته الذي بالازبكية المجاور لبيت الدادة أبي القاسم الشرايبي وهو الذي اشتراه القاضي مواهب أبو مدين جربجي عزبان في سنة أربع ومائة وألف. وقتلوا أيضا خليل كتخدا المعروف بالجلب وقلدوا كجك محمد باش اوده باشا وصار له كلمة وسمعة ونفى مصطفى كتخدا القازدغلي إلى أرض الحجاز. وصفا الوقت لإبراهيم بك وكجك محمد من طرفه في باب مستحفظان فعزم على قطع بيت القاسمية فاخرج ايواظ

ص: 143

بك إلى اقليم البحيرة وقاسم بك إلى جهة بني سويف وأحمد بك إلى المنوفية. وخلا له الجو وانفرد بالكلمة في مصر وصار منزله بدرب الجماميز مفتوحا ليلا ونهارا لقضاء الحوايج مع مشاركة الأمير حسن اغا بلغيه ثم أنه عزم على قتل إبراهيم بك أبي شنب واتفق مع الباشا على ذلك بحجة المال والغلال التي عليه فلم يتم ذلك ولم يزل المترجم اميرا على الحج إلى أن مات في فصل الشحاتين سنة سبع ومائة وألف وطلع بالحج خمس مرات.

ومات الأمير إسمعيل بك الكبير الفقاري تابع حسن بك الفقاري وصهر حسن اغا بلغيه تولى الدفتردارية ثلاث سنين وسبعة أشهر ثم عزل وسافر أميرا على عسكر السفر إلى الروم ورجع إلى مصر واعيد إلى الدفتردارية ثانيا ولم يزل حتى مات سنة تسع عشرة ومائة وألف فجأة ليلة السبت تاسع عشري المحرم وكانت جنازته حافلة وخلف ولده محمد بك تولى بعده الإمارة وطلع بالحج سنة سبع وثلاثين ومائة وألف.

ومات الأمير حسن اغا بلغيه الفقاري اغات ككللويان واصله رومي الجنس تابع محمد جاويش فياله تولى أغاوية العزب سنة خمس وثماني وألف ثم عمل متفرقة باشا سنة تسع وثمانين وألف ثم عزل عنها وتقلد أغات ككللويان سنة ثلاث وتسعين وألف وكان أميرا جليلا ذا دهاء ورأي وكلمة مسموعة نافذة بارض مصر صاحب سطوة وشهامة وحسن تدبير ولا يكاد يتم أمر من الأمور الكلية والجزئية إلا بعد مراجعته ومشورته وكل من انفرد بالكلمة في مصر يكون مشاركا له وتزوج بابنه إسمعيل بك الكبير المذكور آنفا وولد له منها ابنه محمد بك الآتي ذكره الذي تولى إمارة الحج في سنة وثلاثين ومائة وألف ومصطفى كتخدا القازدغلي جد القازدغلية كان أصله سراجا عنده وهو الذي رقاه حتى صار إلى ما صار إليه. وتفرعت عنه شجرة القازدغلية وغالب أمراء مصر

ص: 144

وحكامها يرجعون في النسبة إلى أحد البيتين وهم بيت بلغيه وبيت رضوان بك صاحب العمارة المتوفى سنة خمس وستين وألف. ولم يترك أولادا بل ترك حسن بك أمير الحاج المتقدم ذكره ولاجين بك حاكم الغربية وهو صاحب السويقة المنسوبة إليه وأحمد بك اباظه وشعبان بك أبا سنة وقيطاس بك جركس وقانصوه بك وعلي بك الصغير وحمزة بك هؤلاء قتلوا بعده في فتنة القاسمية بالطرانة. واما أمراؤه الذين يقتلوا واستمروا أمراء بمصر مدة طويلة فهم محمد بك حاكم جرجا وذو الفقار بك الماحي الكبير وكان رضوان بك هذا وافر الحرمة مسموع الكلمة تولى إمارة الحج عدة سنين وكان رجلا صالحا ملازما للصوم والعبادة والذكر وهو الذي عمر القصبة المعروفة به خارج باب زويلة عند بيته ووقف وقفا على عتقائه وعلى جهات بر وخيرات وكان من الفقارية. واما رضوان بك أبو الشوارب القاسمي وهو سيد ايواظ بك فظهر بعد موت رضوان بك المذكور وانفرد بالكلمة بمصر مع مشاركة قاسم بك جركس وأحمد بك بشناق الذي كان بقناشر السباع وهو قاتل الفقارية بالطراثة وهو أيضا عم إبراهيم بك بشناق المعروف بابي شنب سيد محمد جركس الآتي ذكره. ومات قاسم بك هذا سنة اثنتين وسبعين وألف وهو دفتردار بعد عزله من إمارة الحج وانفرد بعد رضوان بك أبي الشوارب أحمد بك. ثم مات رضوان بك عن ولده ازبك بك وانفرد أحمد بك بشناق بامارة مصر نحو سبعة أشهر فطلع يوم عرفه يهني شيطان إبراهيم باشا بالعيد فغدره وقتلوه بالخناجر أواخر سنة اثنتين وسبعين وألف ولم يزل حسن اغا بلغيه المترجم حتى توفي سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه وعمره نحو تسعين سنة. ولما مات حسن اغا انفرد بالكلمة بعده صهره إسمعيل بك وخضعت له الرقاب مشاركة إبراهيم بك أبي شنب بضعف.

ومات الأمير مصطفى كتخدا القازدغلي تابع لامير حسن اغا بلغيه أصله

ص: 145

رومي الجنس حضر إلى مصر وخدم عند حسن اغا المذكور ورقاه ولم يزل حتى تقلد كتخدا مستحفظان فلما حصل ما تقدم وتقلد كجك محمد باش اوده باشا بالباب خمل ذكر مصطفى كتخدا وخمدت شهرته ثم نفاه كجك محمد إلى الحجاز فأقام بها سنتين إلى أن ترجى حسن إنما عند إبراهيم بك أمير الحاج وكجك محمد في رجوعه فردوه إلى مصر فأقام مع كجك محمد خاملا فاغرى به رجلا سجماني كان عنده بناحية طلخا يضرب نشابا فضرب كجك محمد من شباك الجامع بالمحجر فاصابه وملك مصطفى كتخدا باب مستحفظان ذلك اليوم ونفى وقتل وفرق من يخشى طرفه وصفا له الوقت إلى أن مات على فراشه سنة خمس عشرة ومائة وألف.

ومات كجك محمد المذكور باش اوده باشا وكان له سمعة وشهرة وحسن سياسة. ولما قصر مد النيل في سنة ست ومائة وألف وشرقت البلاد وكان القمح بستين نصفا فضة الاردب فزاد سعره وبيع باثنتين وسبعين فضة نزل كجك محمد إلى بولاق وجلس بالتكية واحضر الامناء ومنعهم من الزيادة عن الستين وخوفهم وحذرهم واجلس بالحملة اثنين من القابجية ويرسل حماره كل يومين أو ثلاثة مع الحمار يمشي به جهة الساحل ويرجع فيظنون أن كجك محمد ببولاق فلا يمنكهم زيادة في الغلة. فلما قتل كما ذكر بيع القمح في ذلك اليوم بمائة نصف فضة ولم يزل يزيد حتى بلغ ستمائة نصف فضة. ومما اتفق له أن بعض التجار بسوق الصاغة أراد الحج فجمع ما عنده من الذهبيات والفضيات واللؤلؤ والجواهر ومصاغ حريمة ووضعه في صندوق وأودعه عند صاحب له بسوق مرجوش يسمى الخواجا علي الفيومي بموجب قائمة اخذها معه مع مفتاح الصندوق وسافر إلى الحجاز وجاور هناك سنة ورجع مع الحجاج وحضر إليه احبابه وأصحابه للسلام عليه. وانتظر صاحبه الحاج علي الفيومي فلم يأته فسأل عنه فقيل له: إنه طيب بخير فأخذ شيئا من التمر واللبان والليف ووضعه في

ص: 146

منديل وذهب إليه ودخل عليه ووضع بين يديه ذلك المنديل فقال له: من أنت فإني لا اعرفك قبل اليوم حتى تهاديني. فقال له: أنا فلان صاحب الصندوق الامانة فجحد معرفته وانكر ذلك بالكلية ولم يكن بينه وبينه بينة تشهد بذلك فطار عقل الجوهري وتحير في امره وضاق صدره فأخبر بعض أصحابه فقال له: اذهب إلى كجك محمد اوده باشه. فذهب إليه واخبره بالفضة فأمره أن يدخل إلى المكان الداخل ولا يأتي إليه حتى يطلبه وأرسل إلى علي الفيومي. فلما حضر إليه بش في وجهه ورحب به وآنسه بالكلام الحلو ورأى في يده سبحة مرجان فأخذها من يده يقلبها ويلعب بها ثم قام كأنه يزيل ضرورة واعطاها لخادمه وقال له: خذ خادم الخواجا صحبتك واترك دابته هنا عند بعض الخدم واذهب صحبة الخادم إلى بيته وقف عند باب الحريم واعطهم السبحة إمارة وقل لهم أنه اعترف بالصندوق والامانة. كلما رأوا الإمارة والخادم لم يشكوا في صحة ذلك وعندما رجع كجك محمد إلى مجلسه قال للخواجا: بلغني أن رجلا جواهرجي اودع عندك صندوقا امانة ثم طلبه فأنكرته. فقال: لا وحياة راسك ليس له أصل وكأني اشتبهت عليه أو أنه خرفان وذهلان ولا اعرفه قبل ذلك ولا يعرفني. ثم سكتوا وإذا بتابع الأوده والخادم داخلين بالصندوق على حمار فوضعوه بين ايديهما فامتنع وجه الفيومي واسفر لونه فطلب الأودة باشه صاحب الصندوق فحضر فقال له: هذا صندوقك قال له: نعم. قال له: عندك قائمة بما فيه قال: معي.

وأخرجها من جيبه مع المفتاح فتناولها الكاتب وفتحوا الصندوق وقابلوا ما فيه على موجب القائمة فوجده بالتمام. فقال له: خذ متاعك واذهب.

فأخذه وذهب إلى داره وهو يدعو له ثم التفت إلى الخواجا علي الفيومي وهو ميت في جلده ينتظر ما يفعل به فقال له: صاحب الامانة اخذها وأيش جلوسك فقام وهو ينفض غبار الموت وذهب.

ص: 147

واتفق أن أحمد البغدادي أقم مدة يرصد المترجم يمر من عطفه النقيب ليضربه ويقتله إلى أن صادفه فضربه بالبندقية من الشباك فلم تصبه وكسرت زاوية حجر واخبروه انها من يد البغدادلي فاعرض عن ذلك وقال: الرصاص مرصود والحي ماله قاتل. وتقلد باش اوده باشه سنة خمس وثمانين وألف فتحركت عليه طائفته وارادوا قتله فخرج من وجاقه إلى وجاق آخر وعمل شغله في قتل كبار المتعصبين عليه وهم ذو الفقار كتخدا وشريف أحمد باشجاويش باتفاق مع عابدي باشا المتولي إذ ذاك خفية فقتل الباشا الشريف أحمد جاويش في يوم الخميس خامس الحجة سنة تسع وثمانين وألف وهرب ذو الفقار إلى طندتا فأرسلوا خلفه فرمانا خطابا لاسمعيل كاشف الغربية بقتله فركب إلى طندتا وقتله وأرسل دماغه وذلك بعد موت أحمد جاويش بعشرة أيام ورجع كجك محمد إلى مكانه كما كان واستمر مسموع الكلمة ببابه إلى أن ملك الباب جربجي سليمان كتخدا مستحفظان في سنة أربع وتسعين وألف. ونفى كجك محمد إلى بلاد الروم ثم رجع في سنة خمس وتسعين وألف بسعاية بعض أكابر البلكات بشرط أن يرجع إلى لبس الضلمة ولا يقارش في شيء فاستمر خامل الذكر إلى أن مات جربجي سليمان على فراشه فعند ذلك ظهر أمر المترجم وعمل باش اوده باشا كما كان ولم يزل إلى سنة سبع وتسعين وألف فاستوحش من سليم افندي كاتب كبير مستحفظان ورجب كتخدا فانتقل إلى وجاق جمليان وعمل جربجي وسافر هجان باشا ثم رجع إلى بابه سنة تسع وتسعين وألف كما كان بمعاضدة إبراهيم بك الفقاري واتفق معه على هلاك سليم افندي ورجب كتخدا فولوهما الصنجقية وقتلوهما كما ذكر. وكان سليم افندي المذكور قاسمي النسبة واستمر كجك محمد مسموع الكلمة نافذ الحرمة إلى أن قتل غيلة كما ذكر في طريق المحجر في يوم الخميس سابع المحرم سنة ست ومائة وألف.

ص: 148

ومات الأمير عبد الله بك بشناق الدفتردار تولى الدفتردارية سنة ثلاث ومائة وألف ثم عزل عنها بعد خمسة أشهر وعشرين يوما وسافر اميرا على العسكر إلى الروم ورجع إلى مصر وتولى قائمقام عندما عزل حسن باشا السلحدار في سنة اثنتين وذلك قبل سفره وحضر أحمد باشا ثم عزل بعد ذلك المترجم من الدفتردارية واستمر اميرا إلى أن مات سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه.

ومات الأمير سليمان بك الارمني المعروف ببارم ذيله تولى الصنجقية سنة اثنتين ومائة وألف وكان وجيها ذا مال وخدم ومماليك وتولى كشوفيات المنوفية والغربية مرارا عديدة ولم يزل في إمارته إلى أن توفي على فراشه سنة أحدى وعشرين ومائة وألف وخلف ولدا يسمى عثمان جلبي تقلد إمارة والده بعده وكان جميلا وجيها حاذقا يحب مطالعة الكتب ونشد الأشعار وتقلد كشوفية المنوفية والغربية والبحيرة وكان فارسا شجاعا ولم يزل حتى هرب مع من هرب في واقعة محمد بك قطامش سنة سبع وعشرين ومائة وألف فاختفى بمصر ونهب بيته واستمر مخفيا إلى أن مات بالطاعون سنة ثلاثين ومائة وألف وخرجوا بمشهده جهارا ومات وعمره سبع وثلاثون سنة.

ومات الأمير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تأمر بعد سيده سنة عشرة ومائة وألف فمكث خمس سنوات اميرا ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة ست عشرة ومائة وألف ومات قبله سيده الأمير يوسف بك القرد تولى الصنجقية سنة ثلاث وسبعين وألف وتولى إمارة الحج ولم يزل حتى توفي سنة عشر وألف.

ومات الأمير رمضان بك تولى الإمارة سنة سبع وسبعين وألف وعمل قائمقام عندما عزل أحمد باشا الدفتردار وسبب ذلك أنه لما ورد أحمد باشا المذكور واليا على مصر في سنة ست وثمانين وألف واشيع عنه بأن

ص: 149

قصده أحداث مظالم على البيوت والدكاكين والطواحين مثل الشام ويفتش على الجوامك وغيرها فاجتمع العسكر في خامس الحجة بالرميلة وقاموا قومة واحدة وقطعوا عبد الفتاح افندي الشعراوي كاتب مقاطعة الغلال وهو نازل من الديوان. وكان قبل تاريخه ذهب إلى الديار الرومية وحضر صحبته أحمد باشا فاتهموه بانه هو الذي اغرى الباشا على ذلك. ولما نزل الأمراء وأرباب الديوان قام عليهم العسكر والعامة وقالوا لهم لا بد من نزول الباشا وإلا طلعنا إليه وقطعناه قطعا. فطلعوا إلى الباشا فعرضوا عليه ذلك فامتنع وتكرر مراجعته والعسكر والناس يزيد اجتماعهم إلى قريب العصر فلم يسعه إلا النزول بالقهر عنه إلى بيت حاجي باشا بالصليبة وولوا رمضان بك هذا قائمقام. فلم يزل حتى ورد عبد الرحمن باشا في سادس جمادي الآخرة من سنة سبع وثمانين وألف ولم يزل المترجم اميرا حتى مرض ومات سنة ثلاث عشرة ومائة وألف.

ومات الأمير درويش بك الفلاح تولى الإمارة سنة خمس وتسعين وألف ومات سنة ثمان ومائة وألف.

ومات الأمير درويش بك جركس الفقاري وهو سيد أيوب بك تولى الإمارة سنة ثمان وتسعين وألف ومات سنة خمس ومائة وألف.

ومات الأمير كتخدا عزبان البيرقدار وكان صاحب صولة وعز في بابه وكلمة وشهرة مع مشاركة محمد كتخدا البيقلي وكان المترجم شهير الذكر وبيته مفتوح وتسعى إليه الأمراء والأعيان ويقضي حوائج الناس ويسعى في اشغالهم. وظهر في أيامه أحمد اوده باشه القيومجي وظالم علي جاويش عزبان. مات المترجم ثالث عشري رمضان سنة سبع ومائة وألف على فراشه بمنزله ناحية المظفر.

ومات أيضا محمد كتخدا البيقلي في ثالث عشري رمضان سنة خمس ومائة وألف بمنزله بسوق السلاح وعمره ولده بعد موته وهو يوسف كتخدا

ص: 150

عزبان وكالة سنة ست عشرة ومائة وألف.

ومات الأمير أحمد جربجي عزبان المعروف بالقيومجي وسبب تسميته بالقيومجي أن سيده حسن جربجي كان أصله صائغا ويقال له باللغة التركية قيومجي فاشتهر بذلك وكان سيده في باب مستحفظان وأحمد هذا عزبان وكان المشارك لأحمد جربجي في الكلمة على جاويش المعروف بظالم علي وإلى إلى أن لبس ظالم علي كتخدا الباب سنة ثمان ومائة وألف ومضى عليه نحو سبعة أشهر فانتبذ أحمد جربجي وملك الباب على حين غفلة وانزل علي كتخدا إلى الكشيدة فخاف على نفسه ظالم علي فالتجأ إلى وجاق تفكجيان فسعى إليه جماعة منهم ومن اعيان مستحفظان وردوه إلى بابه بان يكون اختياريا وضمنوه فيما يحدث منه فاستمر مع أحمد كتخدا معززا إلى أن مات ظالم علي على فراشه بمنزله بالجبانية الملاصق للحمام سنة خمس عشرة ومائة وألف وانفرد بالكلمة أحمد كتخدا ولم يزل إلى أن مات على فراشه بمنزله ببولاق سنة عشرين ومائة وألف وكان سخيا يضرب بكرمه المثل وكان به بعض عرج بفخذه الايسر بسبب سقطة سقطها من على الحمار وهو اوده باشا.

ومات الأمير الكبير المقدام ايواظ بك والد الأمير إسمعيل بك وأصل اسمه عوض فحرفت باعوجاج التركية إلى ايواظ فإن اللغة التركية ليس فيها الضاد فابدلت وحرفت بما سهل على لسانهم حتى صارت ايواظ وهو جركس الجنس قاسمي تابع مراد بك الدفتردار القاسمي الشهيد بالغزاة ومراد بك تابع ازبك بك أمير الحاج سابقا ابن رضوان بك أبي الشوارب المشهور المتقدم ذكره تولى الإمارة عوضا عن سيده مراد بك الشهيد بالغزاة في سنة سبع ومائة وألف وفي سنة عشر ومائة وألف. ورد مرسوم من الدولة خطابا لحسين باشا والي مصر إذ ذاك بالأمر بالركوب على المتغلب عبد الله وافي المغربي بجهة قبلي ومن معه من العربان واجلائهم عن البلاد.

ص: 151

وحضرت جماعة من الملتزمين والفلاحين يشكون ويتظلمون من المذكورين فجمع حسين باشا الأمراء والاغوات وأمرهم بالتهيؤ للسفر صحبته فقالوا نحن نتوجه جميعا وأما أنت فتقيم بالقلعة لأجل تحصيل الأموال السلطانية. ثم وقع الاتفاق على اخراج تجريدة واميرها ايواظ بك وصحبته ألف نفر من الوجاقات ويقرروا له على كل بلد كبيرة ثلاثة آلاف نصف فضة والصغيرة ألف وخمسمائة فأجابهم إلى ذلك وجعلوا لكل نفر ثلاثة آلاف فضة وللامير عشرة أكياس وخلع عليه الباشا قفطانا وخرج في يوم السبت سابع عشر جمادي الأخرة بموكب عظيم ونزل بدير الطين. فبات به وأصبح متوجها إلى قبلي ثم ورد منه في حادي عشر رجب يذكر كثرة الجموع ويطلب الامداد فعمل الباشا ديوانا وجمع الأمراء واتفقوا على ارسال خمسة من الأمراء الصناجق وهم أيوب بك أمير الحاج حالا وإسمعيل بك الدفتردار وإبراهيم بك أبو شنب وسليمان بك قيطاس وأحمد بك ياقوت زاده واغوات الأسباهية الثلاثة واتباعهم وانفارهم. فتهيأوا وسافروا ونزلوا بالجيزة وأقاموا بها أياما فورد الخبر أن ايواظ بك تحارب مع العربان وهزمهم وفروا إلى الوجه البحري من طريق الجبل ورجع الأمراء إلى مصر. وفي شوال نزلت جماعة من العربان بكرداسة فكسبهم ذو الفقار كاشف الجيزة وقتل منهم أربعة وسبعين رجلا وطلع برؤوسهم إلى الديوان ثم ورد الخبر بان جمع أبي زيد بن وافي نزل بوادي الطرانة فاحتاط به قائمقام البحيرة وقتل من معه من الرجال واحتاط بالاموال والمواشي ولما بلغ بقية العربان ما حصل لأبي زيد ضاقت بهم الأرض ففروا إلى الواحات وأقاموا بها مدة حتى اخربوها واغلوها وانقطعت السيارة فالجأتهم الضرورة إلى أن هبطوا في صعيد مصر بمحاجر الجعافرة بالقرب من اسنا وصحبتهم علي أبو شاهين شيخ النجمة. وحصل منهم الضرر فلما بلغ ذلك عبد الرحمن بك اغرى بهم عربان هوارة فاحتاطوا بهم

ص: 152

ونهبوهم وأخذوا منهم جملة كبيرة من الجمال وغيرها ففروا فتبعهم خيل هوارة إلى حاجز منفلوط فتبعهم عبد الرحمن بك ومن معه من الكشاف فاثخنوهم قتلا ونهبا وأخذوا منهم الفا وسبعمائة جمل باحمالها. وهرب من بقي. وما زالوا كلما هبطوا ارضا قاتلهم أهلها إلى أن نزلوا الفيوم بالغرق وافترق منهم أبو شاهين بطائفة إلى ولاية الجيزة فعين لهم الباشا تجريدة ذهبوا خلفهم إلى الجسر الأسود فوجدوهم عدوا إلى المنوفية. واما ايواظ بك فإنه من حين نزوله إلى الصعيد وهو يجاهد ويحارب في العربان حتى شتت شملهم وفرق جمعهم فتلقاهم عبد الرحمن بك فإذاقهم اضعاف ذلك وحضر ايواظ بك إلى مصر ودخل في موكب عظيم والرؤوس محمولة معه وطلعوا إلى القلعة وخلع عليه الباشا وعلى السدادرة الخلع السنية ونزلوا إلى منازلهم في ابهة عظيمة وتولى كشوفية الأقاليم الثلاثة على ثلاث سنوات ورجع إلى مصر. وحضر مرسوم بسفر عسكر إلى البلاد الحجازية وعزل الشريف سعد وتولية الشريف عبد الله واميرها ايواظ بك فخلع عليه الباشا وشهل له جميع احتياجاته وبرز إلى العادلية وصحبته السدادرة وسار برا في غير أوان الحج ولما وصل إلى مكة جمع السدادرة القدم والجدد وحاربوا الشريف سعدا وهزموه وملك دار السعادة واجلس الشريف عبد الله عوضه وقتل في الحرابة رضوان اغا ولده وكان خازنداره وأقام بمكة إلى أيام الحج أتى إليه مرسوم بانه يكون حاكم جدة وكانت إمارة جدة لأمراء مصر أقام بجدة وحاز منها شيئا كثيرا. وكان الوكيل عنه بمصر يوسف جربجي الجزار عزبان ويرسل له الذخيرة وما يحتاجه من مصر. وتولى المترجم إمارة الحج سنة اثنتين وعشرين وقتل في تلك السنة وذلك أنه اشتدت الفتنة بين العرب والينكجرية وحضر محمد بك حاكم الصعيد معينا للينكجرية وصحبته السواد الأعظم من العسكر والعرب والمغاربة والهوارة فنزل بالبساتين ثم دخل إلى مصر بجموعه نزل ببيت

ص: 153

آقبراي وحارب المتترسين بجامع السلطان حسن وكان به محمد بك الصغير وهو تابع قيطاس بك مع من انضم إليه من اتباع إبراهيم بك وأيواظ بك ومماليكه فكانت النصرة لمحمد بك الصغير بعد أمور وحروب. وانتقل محمد بك جرجا إلى جهة الصليبة ووقعت أمور يطول شرحها مشهورة من قتل ونهب وخراب اماكن. وطال الأمر ثم أن الأمراء اجتمعوا بجامع بشتاك وحضر معهم طائفة من العلماء والاشراف واتفقوا على عزل خليل باشا وأقامة قانصوه بك قائمقام وولوا مناصب واغوت ووالي. ووصل الخبر إلى الباشا ومن معه فحرض الينكجرية وفيهم افرنج أحمد ومحمد بك جرجا ومن معه على الحرب. ووقعت حروب عظيمة بين الفريقين عدة أيام وصار قانصوه بك يرسل بيولديات وتنابيه وأرسل إلى محمد بك جرجا يأمره بالتوجه إلى ولايته ويجتهد في تحصيل المال والغلال السلطانية فعندما وصل إليه البيورلدي قام وقعد واحتد واشتد بينهم الجلاد والقتال. واجتمع الأمراء والصناجق والاغوات عند قائمقام ورتبوا أمورهم وذهبت طائفة لمحاربة منزل أيوب بك إلى أن ملكوه بعد وقائع ونهبوه وخرج أيوب بك هاربا وكذلك منزل أحمد اغا التفكجية بعد قتله. وخرج أيضا محمد اغا الشاطر وعلي جلبي الترجمان وعبد الله الوالي ولحقوا بأيوب بك وفروا إلى جهة الشام وخرج محمد بك الكبير إلى جهة قبلي وانتهبت جميع بيوت الخارجين وبيت محمد بك الكبير وأحمد جربجي القنيلي واحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من البيوت والحوانيت والرباع. وفي اثناء ذلك خروج من ذكر أيام اشتداد الحرب خرج محمد بك بمن معه إلى جهة قصر العيني فوصل الخبر إلى ايواظ بك فركب مع من معه ورفع القواس المزراق إمام الصنجق فانشبك في سكفة الباب وانكسر فقالوا للصنجق كسر المزراق. قال: وتطيروا من ذلك. فقال لعل بموتي ينصلح الحال. وطلب مزراقا آخر وسار إلى جهة القبر الطويل فظهر

ص: 154

محمد بك والهوارة فتحاربوا معهم فانهزم رجال محمد بك وفر هو ومن معه إلى السواق فطمع فيهم ايواظ بك ورمح خلفهم وكان محمد بك اجلس جماعة سجمانية على السواقي لمنع من يطرد خلفهم عند الانهزام فرموا عليهم رصاصا فأصيب ايواظ بك وسقط من على جواده. وحصل بعد ذلك ما حصل من الحروب ونصرة القاسمية والعزب وهروب المذكورين وعزل الباشا ودفن ايواظ بك بتربة أبي الشوارب وكان اميرا خيرا شهما حزن عليه كثير من الناس. وخلف ولده السعيد البشهيد إسمعيل بك الشهير السابق ذكره والآتي ترجمته وما وقع له ولاخيه محمد بك المعروف بالمجنون ومصطفى بك وخلف عدة من المماليك والأمراء ومنهم يوسف بك الجزار وغيره.

ومات الأمير أيوب بك تابع درويش بك وهو كان ممن تسبب في اثارة الفتننة المذكورة وتولى كبرها مع افرنج أحمد وأرسل إلى محمد بك جرجا فحضر إليه معينا ومعه من ذكر من اخلاط العالم وحصل ما حصل وأصله جركس الجنس ومن الفقارية تولى إمارة الحج بعد موت إبراهيم بك ذي الفقار سنة سبع ومائة وألف وطلع بالحج عشر مرات وعزل سنة سبع عشرة ومائة وألف وتولى الدفتردارية ثم عزل عنها وقعت الفتنة وقهر فيها وخرج من مصر هاربا مع من هرب إلى جهة الشام وذهب إلى اسلامبول ولم يزل بها حتى مات سنة أربع وعشرين ومائة وألف طريدا غريبا وحيدا بعد الذي رآه من العز والجاه بمصر وخلف من الأولاد الذكور الإناث اثني عشر لم ينتج منهم أحد عاشوا وماتوا فقراء لأن ماله انتهب في الفتنة.

ومات الأمير قيطاس بك وهو مملوك إبراهيم بك ذي الفقار كردلي الجنس تولى إمارة الحج سنة سبع عشرة ومائة وألف واستمر فيها إلى سنة أحدى وعشرين ومائة وألف طلع بالحج خمس مرات ثم عزل وتولى

ص: 155

الدفتردارية واستمر فيها إلى سنة أربع وعشرين ومائة وألف ثم عزل عنها وتولى إمارة الحج سنة تاريخه ثم عزل وتلبس بالدفتردارية واستمر فيها إلى أن قتل في سنة ست وعشرين ومائة وألف قتله عابدي باشا وذلك أنه لما حضر عابدي باشا إلى مصر وقدم له الأمراء التقادم وقدم له إسمعيل بك ابن ايواظ تقدمة عظيمة وكان إذ ذاك امين السماط فأحبه الباشا وسأل عمن تسبب في قتل أبيه فقالوا هذه قضية ليس لاحد فيها جنية وإنما قيطاس بك وأيوب بك من بيت واحد وكان أيوب بك اعظم فالتجأ قيطاس بك إلى المرحوم ايواظ بك إلى أن قتل بسببه وقتل أيضا كثير من رجاله. وبعدما بلغ مراده سعى في هلاكنا واراد قتلنا عند ام اخنان وسلط ابن حبيب على خيولنا في المربع وجم اذنابها. فقال الباشا يكون خيرا. ولما استقر الباشا وتقلد إسمعيل بك إمارة الحج وقلدوا مناصب الأقاليم للقاسمية وتقلد عبد الله بك خازندار ايواظ بك الصنجقية وأرسلوا بقتل الأمير حسن كاشف اخميم. ثم أن قيطاس بك أرسل كور عبد الله سرا إلى الباشا وكلمه في ادارة الكشوفيات على الفقارية وعمل رشوة فقال له: هذه السنة مضت وفي العام القابل نعطيكم جميع الكشوفيات فاطمأن بذلك وشرع في عمل عزومة للباشا بقصر العيني فأجاب لذلك وذهب مع القاضي وإبراهيم بك الدفتردار وأرباب الخدم وقدم لهم تقادم وخلع عليه الباشا فروة سمور وركبوا أواخر النهار وذهبوا إلى منازلهم. ومضى على ذلك أيام وكان محمد بك قطامش تابع قيطاس بك في الخفر بسبيل علام فحضر في بعض الأيام إلى الديوان لحاجة ودخل عند الباشا فقال له: اين كنت ولم تحضر معنا عزومة سيدك. فقال أنا في الخفر بسبيل علام. فقال الباشا وسبيل علام هذا بلد والاقلعة فعرفه أنه مثل القلعة وحوله قصور لنزول الأمراء. فقال الباشا احب أن ارى ذلك. فقال حبا وكرامة تشرفونا يوم السبت. فقال: كذلك

ص: 156

شهل روحك ونأتي صحبة سيدك والقاضي من غير زيادة وادع أنت من شئت. وقال الباشا لقيطاس بك: تنزل في صبح يوم السبت إلى قراميدان فتأتيني هناك ونركب صحبته. فقال كذلك. فأرسل إبراهيم أبو شنب تلك الليلة تذكرة لقيطاس بك أقبل النصيحة ولا تذهب إلى قراميدان. فلما قرأ التذكرة وأعرضها على كتخداه محمد اغا الكور فقال هذا عدو فلا تأخذ منه نصحية فإنه لا يحب قربك من الباشا. وفي الصباح ركب في قلة وذهب إلى قراميدان فوجد الباشا نزل وجلس بالكشك وأوقف اتباعه وعسكره. فلما حضر قيطاس بك قال له: الباشا من الشباك اطلع حتى يأتي القاضي ونركب سوية وخل الطوائف راكبين. فنزل وطلع وجلس فهجم عليه اتباع الباشا وقتلوه بالخناجر وقطعوا راسه ورموه لطائفته من الشباك. وركب الباشا في الحال وطلع إلى القلعة. فشاله اتباعه وذهبوا إلى بيته وذهبت طائفة إلى سبيل علام اخبروا محمد بك بقتل سيده فركب من ساعته وصحبته عثمان بك فاتوا صيوان قيطاس بك الاعور وكان طالعا بالخزينة فعرفوه أن سيده قتله القاسمية بيد الباشا وطلبوه يركب معهم ياخذون بثأره فأتى وقال: إنه قتل بأمر سلطاني والخزنة في تسليمي وانتم فيكم البركة فساروا إلى بيت أستاذهم فوجدوا هناك حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد الله جاويش واحضروا راس الصنجق مسلوخة وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه بسبيل المؤمن ودفنوه بالقرافة وكرنك محمد بك قطامش تابعه هو وعثمان بك سليمان بك بارم ذيله ولم يتم له أمر وهرب محمد بك إلى بلاد الروم وسيأتي خبره في ترجمته واختفى عثمان بك في بيت رجل مغربي حتى مات وكان إبراهيم بك أبو شنب يعرف مكانه ويرسل له مصروفا وثارت فتنة عظيمة بعد قتل قيطاس بك بين الينكجرية والعزب وهو أن حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله جاويش أغراض

ص: 157

قيطاس بك ملكوا باب مستحفظان في ذلك اليوم في شهر رجب وقتلوا كتخدا الوقت شريف حسين وإبراهيم باش اوده باشه المعروف بكدك وكانوا يتهمونه في قتل قيطاس بك. ثم في أواخر رمضان ملك باب مستحفظان محمد كتخدا كدك على حين غفلة ليأخذ ثأر أخيه حسين وقتل حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وانزلوا رممهما في صبحها إلى بيوتهم وهرب كور عبد الله ثم قبضوا عليه بعد ستة أيام واحضروه وهو راكب على حصان وفي عنقه جنزير وعلى راسه ملاءة فطلع به محمد بك جركس إلى الباشا فأمر به إلى محمد كدك بالباب فقتله وأرسل رمته إلى بيته بسوق السلاح وذلك في غاية رمضان سنة سبع وعشرين ومائة وألف.

ومات الأمير عبد الرحمن بك وكان أصله كاشف الشرقية وكان مشهورا بالفروسية والشجاعة قلده الإمارة إسمعيل باشا والي مصر سنة سبع ومائة وألف هو ويوسف بك المسلماني. فانه لما وقع الفصل في تلك السنة وغنم الباشا أموالا عظيمة من حلوان المحاليل والمصالحات فلما انقضى الفصل عمل عرسا عظيما لختان أولاده في سنة ثمان ومائة وألف وهادنه الأعيان والأمراء والتجار بالهدايا والتقادم وكان مهما عظيما استمر عدة أيام لم يتفق نظيره لاحد من ولاة مصر نصبوا في ديوان الغوري وقاتباي الاحمال والقناديل وفرشوهما بالفرش الفاخرة والوسائد والطنافس وانواع الزينة ونصبوا الخيام على حوش الديوان وحوش السراية وعلقوا التعاليق بها وخيام تركية واتصل ذلك بأبواب القلعة التحتانية إلى الرميلة والمحجر ووقف أرباب العكاكيز وكتخدا الجاوشية واغات المتفرقة والأمراء وباشجاويش الينكجرية والعزب والاغا والوالي والمحتسب الجميع ملازمون للخدمة وملاقاة المدعوين وفي اوسلعهم الحازم الزردخان وابو اليسر الجنكي ملازم بديوان الغوري ليلا ونهارا وجنك اليهود بديوان قايتباي

ص: 158

وأرباب الملاعيب والبهلوانيين والخيالة بالحيشان وابواب القلعة مفتوحة ليلا ونهارا وأصناف الناس على اختلاف طبقاتهم واجناسهم أمراء واعيان وتجار وأولاد بلد طالعين نازلين للفرجة ليلا ونهارا. وختن مع أولاده عند انقضاء المهم مائتي غلام من أولاد الفقراء ورسم لكل غلام بكسوة ودراهم ودعوا في أول يوم المشايخ والعلماء وثاني يوم أرباب السجاجيد والرق وثالث يوم الأمراء والصناجق ثم الأغوات والوجاقلية والاختيارية والجربجية وواجب رعايات الأبواب كل طائفة يوم مخصوص بهم ثم التجار وخواجات الشرب والغورية ثم القاقجية والعقادين والقوافين ومغاربة طيلون وأرباب الحرف ومجاوري الأزهر والعميان بوسط حوش الديوان غدوا وعشيا. ثم خلع الخلع والفراوي وانعم بحصص وعتامنة على أرباب الديوان والخدم وكذلك كساوي للجنك وأرباب الملاهي والبهلوانيين والطباخين والمزينين وانعامات وبقاشيش. ولما تم وانقضى المهم قال الباشا لإبراهيم بك وحسن افندي وكانا خصيصين به: أريد أقلد إمارة صنجقين لشخصين يكونان اشراقين ويكونان شجاعين قادرين. فوقع الاتفاق على يوسف اغا المسلماني وعبد الرحمن اغا كاشف الشرقية. هذا وكان ضرب هلباسو يد قبل تاريخه واشتهر بالشجاعة فخلع عليهما في يوم واحد وعملوا لهما رنك وسعاة ونزلت لهما الأطواغ والبيارق والتوبة وحضرت لهما التقادم والهدايا ولبسا الخلع. ثم إن الباشا أنشأ له تكية في قراميدان ووقف سبع بلاد من التي أخذها من المحاليل في اقليم البحيرة وهي امانة البدرشين وناحية الشنباب وناحية سقارة وناحية مائة رهينة أبي صبر الصدر وناحية شبرامنت بالجيزة وناحية ترسا وجعلها للتكية وسحابة بطريق الحجاز وجعل الناظر على ذلك خازنداره وارخى لحيته واعطاه قائظ وعتامنة في دفتر العزب وقلده جربجي تحت نظر أحمد كتخدا القيومجي وأرسل كتخداه قرا محمد اغا إلى اسلامبول لتنفيذ

ص: 159

ذلك وسافر على الفور. وعندما وصل إلى اسلامبول أرسل مقررا لمخدومه على سنة تسع ومائة وألف صحبة أمير اخور فوصل إلى بولاق ونزلت له الملاقية وحضر إلى الديوان. وبعد انفضاض الديوان دخل الأمراء الكبار وهم إبراهيم بك أبو شنب وأيواظ بك وقانصوه بك وإسمعيل بك الدفتردار للتهنئة ولم يدخل حسن اغا بلغيه والاغوات وعبد الرحمن بك ويوسف بك وسليمان بارم ذيله وقيطاس بك وحسين بك أبو يدك وكامل الفقارية فسأل الباشا عنهم فرآهم نزلوا فانقبض خاطره من الفقارية وقال لإبراهيم بك: أنا أكثر عتابي على اشراقي عبد الرحمن بك ويوسف بك وحيث انهما فعلا ذلك أنا اطلب منهما حلوان الصنجقية ثمانية وأربعين كيسا. فلاطفه إبراهيم بك وحسن افندي فلم يرجع وأمر بكتابة فرمانين وأرسلهما إلى الأميرين المذكورين بطلب أربعة وعشرين كيسا من كل امير. فقال عبد الرحمن بك أنا لم اطلب هذه البلية حتى ياخذ مني عليها هذا القدر. ولما حضر الأغا المعين ليوسف بك تركه في منزله وركب إلى عبد الرحمن بك معا إلى حسن اغا بلغيه وعملوا شغلهم وعزلوا الباشا. وكانوا تخيلوا منه الغدر بهم ونزل إلى بيت كان اشتراه من عتقي عثمان جربجي مطل على بركة الفيل بحدرة طولون بجوار حمام السكران ثم باع المنزل والبلاد التي وقفها على التكية والسحابة وغلق الذي تأخر في طرفه من المال والغلال لحسين باشا المتولي بعده. وخرج إلى العادلية وسافر إلى بغداد. وتولى عبد الرحمن بك على ولاية جرجا وحصل له أمور مع عربان هوارة ذكر بعضه في ترجمة ايواظ بك. وانفصل عبد الرحمن بك من ولاية الصعيد وحضر إلى مصر ونزل عند الآثار وأرسل إلى الباشا المتولي تقادم وعبيدا واغوات ونزل الباشا في ثاني يوم إلى قراميدان وحضر عبد الرحمن بك باتباعه ومماليكه وخلفه النوبة التركي فسلم على الباشا وخلع عليه فروة سمور وركب إلى البيت الذي نزل فيه وهو بيت رضوان بك بالقصبة

ص: 160

المعروفة بالقوافين. وكان ذلك الباشا هو قرا محمد كتخدا إسمعيل باشا المنفصل المتقدم ذكره وفي نفسه من المترجم ما فيها بسبب مخدومه فإنه هو الذي سعى في عزله وابطال وقفه وانسلخ من الفقارية وتنافس معهم وصار يقول: أنا قاسمي. فحقدوا عليه ذلك وسعوا في عزله من جرجا ولما حضر إلى مصر تعصبوا عليه ووافق ذلك غرض الباشا لكراهته له بسبب أستاذه. ولما استقر عبد الرحمن بك بمنزله حضرت إليه الأمراء للسلام عليه ما عدا حسن اغا بلغيه ومصطفى كتخدا القازدغلي. ثم بعد انقضاء ذلك ورجوع الهوارة إلى بلادهم وعمارهم كتبوا قوائم بما ذهب لهم من غلال ونحاس وثمنوها بثلثمائة كيس وجعلوا الآخذ لذلك جميعه عبد الرحمن بك وأرسلوا القوائم إلى ابن الحصري ووكلوا وجاق الينكجرية في خلاص ذلك من عبد الرحمن بك فعرض ذلك ابن الحصري على أستاذه القازدغلي وحسن اغا بلغيه وكتبوا بذلك عرضحال وقدموه للباشا بعدما وضبوا ما أرادوا من الرابطة والتعصيب فأرسل إليه الباشا يطلبه فامتنع من الطلوع وقال للاغا المعين: سلم على حضرة الباشا وسوف اطلع بعد الديوان أقابله. فنزل إليه كتخدا الجاويشية واغات المتفرقة وتكلموا معه بسبب ما تقدم فقال أنا لم أكن وحدي كان معي غزسيمانية وعرب هوارة بحري وكشاف الأمير حسن الاخميمي لموم كثيرة وكل من طال شيئا أخذه وسوف أتوجه للدولة بالخزينة وأعرفهم بفعل أيوب بك وحسن اغا بلغيه والقازدغلي واضمن لهم فتوح مصر وقطع الجبابرة فلاعفوه وعالجوه على الطلوع فامتنع من الطلوع مع الجمهور وقال: أروح معهم إلى بيت القاضي ويقيموا بينتهم واثباتهم وأنا قادر ومليء وما أنا محتاج ولا مفلس. فرجعوا وعرفوا الجمع بما قاله بالحرف الواحد. فقال الباشا للقاضي أكتب له مراسلة بالحضور والمرافعة. فكتب له وأرسلها القاضي صحبة جوخدار من طرفه. فلما وصل إليه قال: أنا لست

ص: 161

بعاصي الشرع ولا أترافع معهم إلا في بيت القاضي ولا اطلع في الجمهور فرجع الجوخدار بالجواب وكان فرغ النهار فعند ذلك بيتوا أمرهم واتفقوا على محاربته. واجتمع عند عبد الرحمن بك اغراضه وأحمد أوده باشا البغدادلي ووصله الخبر بركوبهم عليه فضاق صدره وخرج من منزله ماشيا واراد أن يذهب إلى الجامع الأزهر يقع على العلماء فلما وصل إلى باب زويلة لحقه أحمد البغدادلي وحسن الحازندار فرده وقالا له اجلس في بيتك ونحاربهم وعندنا العدة والعدد. وعند الصباح احتاطوا بداره ونزلت البيارق والمدافع والعسكر من كل جانب ورموا عليه من جميع الجهات ودخلت طائفة من العسكر إلى الجامع المواجه للبيت وصعدوا إلى المنارة ورموا بالرصاص فاصيب أحمد البغدادلي وحسن الخازندار وماتا وكان الصنجق والطائفة عند النقيب بالاسطبل فاخبروه بموت حسن الخازندار وكان يحبه فطلع إلى المقعد فاصيب أيضا ومات. فعند ذلك انحلت عزائم الطائفة وأولاد الخزنة فخرجوا من البيت مشاة بما عليهم من الثياب ظنوهم من طوائف الصناجق. ولما رأى الذين في النقب بطلان الرمي دخلوا وطلعوا إلى المقعد فوجدوا الصنجق ميتا فأخذوا رأسه ورأس البغدادلي وطلعوا بهم للباشا وعبرت العساكر إلى البيت نهبوه وأخذوا منه أموالا عظيمة وسبوا الحريم وأخذوا كامل ما في الحريم من بنت الصنجق يظنوها جارية فخرجت امها تصرخ من خلفها فخلصها مصطفى جاويش القيصرلي وطلع بها إلى الباشا فانعم عليها بخمسة وثلاثين عثماني ومائتين ذهب أخذها وأمها مصطفى جاويش وزوجها لبعض مماليك أبيها وكان قتل عبد الرحمن بك في ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأما يوسف بك فإنه توفي بالسفر ببلاد الروم.

ومات الأمير علي أغا مستحفظان المشهور تولى أغاوية مستحفظان في

ص: 162

سنة ثمان ومائة وألف وفي سنة اثنتي عشرة وثلاث عشرة وأربع عشرة فشا أمر الفضة المقاصيص والزيوف وقل وجود الديواني وإن وجد اشتراه اليهود بسعر زائد وقصوه فتلف بسبب ذلك أموال الناس. فاجتمع أهل الأسواق ودخلوا الجامع الأزهر وشكوا أمرهم للعلماء وألزموهم بالركوب إلى الديوان في شأن ذلك فكتبوا عرضحال وقدموه إلى محمد باشا فقرأه كاتب الديوان على رؤوس الأشهاد فأمر الباشا بعمل جمعية في بيت حسن أغا بابطال الفضة المقصوصة وظهور الجدد وادارة دار الضرب وعمل تسعيرة وضرب فضة وجدد نحاس ويكون ذلك بحضور كتخدائه وكامل الأمراء الصناجق والقاضي والاغوات ونقيب الأشراف وكبار العلماء. وطلب جوابا كافيا وأعطاه ليد كتخدا الجاويشية فأرسل التنابيه مع الجاويشية تلك الليلة. واجتمع الجميع في صبحها بمنزل حسن أغا بلغيه واتفقوا على ابطال المقاصيص وضرب فضة جديدة توزع على الصيارف ويستبدلون المقاصيص بالوزن من الصيارف وإن صرف الكلب بثلاثة وأربعين نصفا والريال بخمسين والاشرفي بتسعين والطرلي بمائة وقيدوا بتنفيذ ذلك على اغا المذكور وكذلك الأسعار. وشرط عليهم ابطال. الحمايات وعدم معارضته في شيء. وكل من مسك ميزانا فهو تحت حكمي وكذلك الخصاصة وتجار البن والصابون ويركب بالملازمين ويكون معه من كل وجاق جاويش بسبب انفار الأبواب. وأخبروا الباشا بما حصل وكتب القاضي حجة بذلك وكتب المشايخ عليها وكذلك الباشا واعطوهما لعلي آغا فطلع إلى الباب واحضر شيخ الخبازين وباقي مشايخ الحرف واحضر اردب قمح وطحنه وعمل معدله على الفضة الديواني خمسة أوراق بجديدين والبن بأثني عشر فضة الرطل والصابون بثلاثة والسكر النبات بأثني عشر الرطل والخام بخمسة والمنعاد بستة وأربعة جدد والمكرر الشفاف بثمانية فضة وأربعة جدد والشمع االسكندري باربعة عشر فضة

ص: 163

والعسل الشهد بستة انصاف والسقر بثلاثة وأربعة جدد والسائل بنصفين والمرسل الحر بنصف فضة والقطر المنعاد بنصفين والقطر القناني بثلاثة والسمن البقري بثلاثة فضة وأربعة والمزهر بنصفين وستة جدد والجاموسي بنصفين وجديدين والزبد البقري بنصفين وأربعة جدد والزبد الجاموسي بنصفين وجديدين واللحم الضاني بنصفين والماعز بنصف وأربعة جدد والجاموسي بنصف وجديدين والزيت الطيب بنصفين وستة جدد والشيرج بنصفين والزيت الحار بنصف وستة جدد والجبن الكشكبان بثلاثة انصاف فضة والوادي بنصفين وأربعة جدد والجاموسي الطري بنصف وأربعة جدد والجبن المنصوري المغسول بنصف وستة جدد والحالوم الطري بنصف وجديدين الرطل والجبن المصلوق بنصف وأربعة جدد والشلفوطي والقربش بستة جدد الرطل والعيش العلامة خمسة أواق بجديدين والكشكار ستة أواق بجديدين. وحصل ذلك بحضرة مشايخ الحرف والمغارية وأرسل الأغا بقفل الصاغة ومسبك النحاس وأمر باحضار الذهب والفضة المبتاعة والنحاس لدار الضرب واحضر شيخ الصيارفة وأمرهم باحضار الذهب والريالات وقروش الكلاب يضرفونها بفضة وجدد نحاس وأعلمهم أنه يركب ثالث يوم العيد ويشق بالمدينة وكل من وجد حانوته خاليا من الفضة والجدد قتل صاحبه أو سمره. وكتب القائمة بالاسعار وطلع بها للباشا علم عليها. وركب ثالث يوم من شهر شوال سنة أربع عشرة ومائة وألف وعلى رأسه العمامة الديوانية المعروفة بالبيرشانة وإمامه القابجية والملازمون والوالي وامين الاحتساب وأوده البوابة بطائفته والسبعة جاويشية خلفه ونائب القاضي في مقدمته وكيس جوخ مملوء عكاكيزشوم على كتف قواس والمشاعلي بيده القائمة وهو ينادي على رأس كل حارة يقف مقدار نصف ساعة. وضرب في ذلك اليوم اثنين قبانية وثلاثة زياتين وجرار لحم خشن ومات الستة من الضرب ورسم على شيخ

ص: 164

القبانية بان لا أحد يزن في بيت زيات سمنا ولا جبنا وصار يتفقد الدراهم ويحرر الارطال والصنج ويسأل عن اسعار المبيعات ولا يقبل رشوة وكل من وجده على خلاف الشرط سواء كان فلاحا أو تاجرا أو قبانيا بطحه وضربه بالمساوق الشوم حتى يتلف أو يموت وغالبهم لم يعش بذلك وصار له هيبة عظيمة ووقار زائد. ولم يقف أحد في طريقه سواء كان خيالا أو حمارا أو قرابا إلا ويخشاه حتى النساء في البيوت وهو فائت لم تستطع امرأة أن تطل من طاقة واتفق أن إسمعيل بك الدفتردار صادفه بالصليبة فلما رأى المقادم دخل درب الميضاة حتى مر الأغا فقيل له: أنت صنجق ودفتردار وكيف انك تذهب من طريقه فقال كذا كتبنا على أنفسنا حتى يعتبر خلافنا. وأقام في هذه التولية ستة أشهر ثم عزل وولي رضوان أغا كتخدا الجاويشية سابقا وذلك أواخر سنة ثمان عشرة وعزل رضوان أغا في جمادى الأولى سنة تسع عشرة ومائة وألف وتولى أحمد اغا ابن باكير أفندي ثم تولى في أيام الواقعة الكبيرة في أواخر ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ولم يزل حتى مات في يوم الجمعة ثاني شهر شوال بجامع القلعة وذلك أنه صلى الجمعة والسنن بعدها وسجد في ثاني ركعة فلم يرفع رأسه من السجود فلما أبطأ حركوه فإذا هو ميت فغسلوه وكفنوه ودفنوه بتربة باب الوزير وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. وتولى بعده في اغاوية مستحفظان محمد افندي كاتب جمليان سابقا الشهير بابن طسلق وركب بالبيرشانة والهيئة وذلك عقيب الفتنة الكبيرة بنحو خمسة أشهر. ولما مات علي اغا وتولى هذا الأغا عملوا تسعيرة أيضا وجعلوا صرف الذهب البندقي بمائة وخمسة عشر نصف فضة والطرلي بمائة والريال بستين والكلب بخمسة وأربعين ونودى بذلك وبمنع التجار وأولاد البلد من ركوب البغال والاكاديش ومنع من بيع الفضة بسوق الصاغة وإن لاتباع الأبرار الضرب وقفل دكاكين الصواغين.

ص: 165

ومات الأمير الكبير إبراهيم بك المعروف بأبي شنب وأصله مملوك مراد بك القاسمي وخشداش ايواظ بك تقلد الإمارة والصنجقية مع ايواظ بك وكان من الأمراء الكبار المعدودين تولى إمارة الحج سنة تسع وتسعين وألف وطلع بالحج مرتين ثم عزل عنها باستعفائه لامور وقعت له مع العرب باغراء بعض أمراء مصر. وسافر أميرا على العسكر المعين في فتح كريد في غرة المحرم سنة أربع وألف. ولما ركب بالموكب خرج إمامه شيخ الشحاتين وجملة من طوائفه لأنه كان محسنا لهم ويعرفهم بالواحد. وكان إذا أعطى بعضهم نصفا في جهة ولاقاه في طريقه من جهة اخرى يقول له: أخذت نصيبك في المحل الفلاني. ثم رجع إلى مصر في شهر ذي الحجة وطلع إلى الأسكندرية ووصل خبر قدومه إلى مصر فجمع الشحاتون من بعضهم دراهم واشتروا حصانا أزرق عملوا له سرجا مغرقا ورختاور كابا مطليا وعباء زركش ورشمة كلفة ذلك اثنان وعشرون ألف فضة ولما وصل إلى الحلي قدموه له فقبله منهم وركبه إلى داره وذهبت إليه الأمراء والأعيان وسلموا عليه وهنوه بالسلامة وخلع على شيخ الشحاتين ونقيبهم كل واحد جوخة ولكل فقير جبة وطاقية وشملة ولكل امرأة قميص وملاية فيومي وأغدق عليهم اغداقا زائدا وعمل لهم سماطا وكان المتعين بالرياسة في ذلك الوقت إبراهيم بك ذو الفقار وفي عزمه قطع بيت القاسمية فأخرج ايواظ بك إلى اقليم البحيرة وقانصوه بك إلى بني سويف وأحمد بك إلى المنوفية. ولما حضر إبراهيم بك أبو شنب واستقر بمصر فأتفق إبراهيم بك ذو الفقار مع علي باشا المتولي إذ ذاك على قتله بحجة المال والغلال المنكسرة عليه في غيبته وقدرها اثنا عشر ألف إردب وأربعون كيسا صيفي وشتوي فأرسل إليه الباشا معين بفرمان يطلبه وكان أتاه شخص من اتباع الباشا أنذره من الطلوع فقال للمعلمين تسلم على الباشا وبعد الديوان اطلع اقابله. ففات العصر ولم يطلع فأرسل الباشا إلى درويش بك وكان خفيرا بمصر القديمة وامره

ص: 166

بالجلوس عند باب السر الذي يطلع على زين العابدين وإلى الوالي والعسس وأوده باشا البوابة يجلس عند بيت إبراهيم أبي شنب. واشبع ذلك وضاق خناق إبراهيم بك أبي شنب واغتنم جيرانه وأهل حارته لاحسانه في حقهم وحضر إليه بعض أصحابه يؤانسه مثل إبراهيم جربجي الداودية وشعبان افندي كاتب مستحفظان سابقا وأحمد افندي روزنامجي سابقا. فهم على ذلك وإذا بسليمان الساعي داخل على الصنجق بعد العشاء فأخبره أن مسلم إسمعيل باشا أمير الحاج الشامي ورد إلى العادلية وأرسل جماعة جوخدارية بقائمقامية إلى إبراهيم بك فأمر بدخولهم عليه فدخلوا واعطوه التذكرة فقرأها وعرف ما فيها فسري عنه الغم. وفي التذكرة أن كان غدا أول توت ندخل وإلا بعد غد وكانت سنة تداخل سنة ست في سنة سبع وكان الباشا أتى له مقرر من السلطان أحمد وتوفي وتولى السلطان مصطفى فعزل علي باشا عن مصر وولى إسمعيل باشا حاكم الشام وأرسل مسلمه بقائمقامية إلى إبراهيم بك فسأل الصنجق أحمد افندي عن أول توت فأخبره أن غدا أول توت. فقال لأحمد كاشف الاعسر: خذ الحصان الفلاني وعشرة طائفة والجوخدارية ومشعلين واذهبوا إلى العادلية وأحضروا بالاغا قبل الفجر. ففعلوا وحضروا به قبل الفجر بساعتين فخلع عليه فروة سمور وقال للمهنار: دقوا النوبة قاصد مفرح فلما ضربت النوبة سمعت الجيران قالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله أن الصنجق اختل عقله عارف أنه ميت ويدق النوبة. ولما طلع النهار وأكلوا الفطور وشربوا القهوة ركب الصنجق بكامل طوائفه وصحبته الأغا وطلع إلى القلعة وجلس معه بديوان الغوري وحضر إليهم كتخدا الباشا فأطلعوه على المرسوم فدخل على الكتخدا فأخبر مخدومه بذلك فقال لا اله إلا الله. وتعجب في صنع الله ثم قال: هذا الرجل يأكل رؤوس الجميع. ودخلوا إليه فخلع عليه وعلى المسلم ونزل إلى داره ووصل الخبر إلى إسمعيل بك الدفتردار فركب

ص: 167

اسمعيل بك إلى إبراهيم ذي الفقار أمير الحاج فركب معه بباقي الأمراء وذهبوا إلى إبراهيم بك يهنوه وكذلك بقية الأعيان وخلع على محمد بك اباظة وجعله امين السماط. وتولى المترجم الدفتردارية سنة 1119 واستمر بها إلى 1121 ثم عزل وتقلد إمارة الحج ثم أعيد إلى الدفتردارية في سنة 1127 ولم يزل إلى أن مات بالطاعون سنة 1130 وعمره اثنان وتسعون سنة وخلف ولده محمد بك أميرا يأتي ذكره.

ومات افرنج أحمد اوده باشا مستحفظان الذي تسببت عنه الفتنة الكبيرة والحروب العظيمة التي استمرت المدة الطويلة والليالي العديدة. وحاصلها على سبيل الاختصار هو أن افرنج أحمد أوده باشا المذكور لما ظهر امره بعد موت مصطفى كتخدا القازدغلي مع مشاركة مراد كتخدا وحسن كتخدا فلما مات مراد كتخدا في سنة 1117 زاد ظهور أمر المترجم ونفذت كلمته على أقرانه وكان جبارا عنيدا فتعصب عليه طائفة وقبضوا عليه على حين غفلة وسجنوه بالقلعة وكان ممن تعصب عليه حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا ابن اخت القازدغلي وكور عبد الله ثم أخرجوه من مصر منفيا. فغاب أياما ورجع بنفسه ودخل إلى مصر والتجأ إلى وجاق الجملية وطلب غرضه من باب مستحفظان فلم يرضوا بذلك وقالوا: لا بد من خروجه إلى محل ما كان. ووقع بينهم التشاجر واتفقوا بعد جهد على عدم نفيه وإن يجعلوه صنجقا فقلدوه ذلك على كره منه واستمر مدة فلم يهنأ له عيش. وخمل ذكره وانفق ما جمعه قبل ذلك فاتفق مع أيوب بك الفقاري وعصب الوجاقات ونفوا حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله باش أوده باشا وقرا إسمعيل كتخدا ومصطفى كتخدا الشريف وأحمد جربجي تابع باكير أفندي وإبراهيم أوده باشا الاكنجي وحسين اوده بلضا العنترلي الجميع من باب مستحفظان فأخرجوهم إلى قرى الأرياف ورمى المترجم الصنجقية ورجع إلى بابه وركب الحمار

ص: 168

ثانيا وصار أوده باشا كما كان. وهذا لم يتفق نظيره ابدا وكان يقول: عندما استقر صنجقا الذي جمعه الحمار أكله الحصان. ولما فعل ذلك زادت كلمته وعظمت شوكته ثم أن المنفيين المتقدم ذكرهم حضروا إلى مصر باتفاق الوجاقات الستة ولم يتمكنوا من الرجوع إلى بابهم وذلك أن الوجاقات الستة وبعض الأمراء الصناجق أرادوا رجوع المذكورين إلى باب مستحفظان وإن افرنج أحمد يلبس حكم قانونهم أو يعمل جربجي وإن كور عبد الله اوده باشا يرجع إلى بابه ويلبس باش كما كان فعاند افرنج أحمد وعضده أيوب بك وانضم إليهم من انضم من الاختيارية والصناجق والاغوات ووقع التفاقم والعناد وافترقت عساكر مصر وامراؤها فرقتين وجرى ما لم يقع مثله في الحروب والكروب وخراب الدور. وطالت مدة ذلك قريبا من ثلاثة أشهر وانجلت عن ظهور العزب على الينكجرية.

وقتل في اثنائها الأمير ايواظ بك ثم كان ما ذكر بعضه آنفا في ترجمة المرحوم ايواظ بك وغيره وهرب أيوب بك ومحمد بك الصعيدي ومن تبعهم ونهبت دور الجميع واحزابهم وانتصر القاسمية ثم انزلوا الباشا بامان وهجمت العساكر على باب مستحفظان وملكوه وقبضوا على المترجم وقطعوا رأسه ورؤوس من معه وفيهم حسن كتخدا وإسمعيل افندي وعمر أغات الجراكسية وذهبوا برؤوسهم إلى بيت قانصوه بك قائمقام ثم طافوا بها على بيوت الأمراء ثم وضعوها على اجسادهم بالرميلة ثم أرسلوهم عند الغروب إلى منازلهم وذلك في أوائل جمادى الأولى سنة 1123 وهو صاحب القصر والغيظ المعروف به الذي كان بطريق بولاق ونهبه في أيام الفتنة يوسف بك الجزار وكان به شيء من الغلال والابقار والأغنام والارز والخيل والجاموس والدجاج والأوز والحمام حتى قلع أشجاره وهدم حيطانه. ولما بلغ محمد بك الكبير ما فعله يوسف بك الجزار في.

ص: 169

غيظ افرنج أحمد عمد هو أيضا إلى غيظ حسن كتخدا النجدلي وفعل به مثل ما فعل يوسف بك بغيظ افرنج أحمد ووقع غير ذلك أمور يطول شرحها.

ومات محمد بك المعروف بالدالي وقد كان سافر بالخزينة سنة 1122 ومات ببلاد الروم ووصل خبر موته إلى مصر فقلدوا ابنه إسمعيل بك في الإمارة عوضا عنه بعد انقضاء الفتنة سنة 1124 وكان جركسي الجنس وعمل أغات متفرقة ثم اغات جمليان سنة 1113 ثم تقلد الصنجقية وسافر بالخزينة ومات بالديار الرومية كما ذكر.

ومات الأمير حسن كتخدا عزبان الجلفي وكان إنسانا خيرا له بر ومعروف وصدقات واحسان للفقراء ومن مآثره أنه وسع المشهد الحسيني واشترى عدة اماكن بماله وأضافها إليه ووسعه وصنع له تابوتا من أبنوس مطعما بالصدف مضببا بالفضة وجعل عليه سترا من الحرير المزركش بالمخيش. ولما تمموا صناعته وضعه على قفص من جريد وحمله أربع رجال وعلى جوانبه أربع عساكر من الفضة مطليات بالذهب ومشت إمامه طائفة الرفاعية بطبولهم واعلامهم وبين ايديهم المباخر الفضة وبخور العود والعنبر وقماقم ماء الورد يرشون منها على الناس وساروا بهذه الهيئة حتى وصلوا المشهد ووضعوا ذلك الستر على المقام. توفي يوم الأربعاء تاسع شوال سنة 1124 وخرجوا بجنازته من بيته بمشهد عظيم حافل. وصلى عليه بسبيل المؤمن بالرميلة واجتمع بمشهده زيادة عن عشرة آلاف إنسان وكان حسن الاعتقاد محسنا للفقراء والمساكين رحمه الله.

ومات الأمير إبراهيم جربجي الصابونجي عزبان وكان أسدا ضرغاما وبطلا مقداما كان ظهوره في سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف وشارك في الكلمة أحمد كتخدا عزبان امين البحرين وحسن جربجي عزبان الجلفي وعمل أكنجي أوده باشه فلما لبس حسن جربجي الجلفي كتخدائية عزبان

ص: 170

ألبس المترجم باش أوده باشه وذلك في 1123 فزادت حرمته ونفذت بمصر كلمته ولما قتل قيطاس بك الفقاري في سنة 1127 خمدت بموته كلمة أحمد كتخدا امين البحرين فأنفرد بالكلمة في بابه إبراهيم جربجي الصابونجي المذكور وصار ركنا من اركان مصر العظيمة ومن أرباب الحل والعقد والمشورة وخصوصا في دولة إسمعيل بك ابن ايواظ. وادرك من العز والجاه ونفاذ الكلمة وبعد الصيت والهيبة عند الأكابر والأصاغر الغاية وكان يخشاه أمراء مصر وصناجقها ووجاقاتها ولم يتقلد الكتخدائية مع جلالة قدره. وسبب تسميته بالصابونجي أنه كان متزوجا بابنة الحاج عبد الله الشامي الصابونجي لكونه كان ملتزما بوكالة الصابون وكان له عزوة عظيمة ومماليك وابتاع ومنهم عثمان كتخدا الذي اشتهر ذكره بعده ولم يزل في سيادته إلى أن مات على فراشه خامس شهر شوال سنة 1131 وخلف ولدا يسمى محمدا قلدوه بعده جربجيا سيأتي ذكره. وسعى له عثمان كاشف مملوك والده وخلص له البلاد من غير حلوان وكان عثمان إذ ذاك جربجيا بباب عزبان.

ومات الأمير الجليل يوسف بك المعروف بالجزار تابع الأمير الكبير ايواظ بك تقلد الإمارة والصنجقية في سنة 1123 أيام الواقعة الكبيرة بعد موت أستاذه من قانصوه بك قائمقام إذ ذاك. وكانت له اليد البيضاء في الهمة والاجتهاد والسعي لأخذ ثأر سيده والقيام الكلي في خذلان المعاندين. وجمع الناس ورتب الأمور وركب في اليوم الثاني من قتل سيده وصحبته إسمعيل بن أستاذه واتباعهم وطلع إلى باب العزب وفرق فيهم عشرة آلاف دينار وأرسل إلى البلكات الخمسة مثل ذلك وجر المدافع وخرج بمن انضم إليه إلى ميدان محمد بك الصعيدي وطائفته ومن بصحبته من الهوارة حتى هزمهم واجلاهم عن الميدان إلى السواقي. واستمر يخرج إلى الميدان في كل يوم ويكر ويفر ويدبر الأمور وينفق

ص: 171

الأموال وينقب النقوب ويدبر الحروب حتى تم لهم الأمر بعد وقائع وأمور ذكرنا بعضها في ولاية خليل باشا وفي بعض التراجم. وتقلد المترجم إمارة الحج وطلع به في تلك السنة وتقلد قائمقامية في 1126 عن عابدي باشا. ولما حقدوا على إسمعيل بك بن سيده ودبروا على ازالته في أيام رجب باشا وظهر جركس من اختفائه بعد أن اخرجوا المترجم ومن معه بحجة وقوف العرب وقتلوا من كان منهم بمصر وأخرجوا لهم تجريدة قام المترجم في تدبير الأمر واختفى إسمعيل بك ودخل منهم من دخل إلى مصر سرا ووزع المماليك والأمتعة على أرباب المناصب والسدادرة وأشاع ذهابهم إلى الشام مع الشريف يحيى وتصدر هو للامر وكتم أموره ولم يزل يدبر على اظهار ابن سيده واستمال أرباب الحل والعقد وانفق الأموال سرا وضم إليه من الاخصام أعاظمهم وعقلاءهم مثل أحمد بك الأعسر وقاسم بك الكبير واتفق معهم على اظهار إسمعيل بك واخيه إسمعيل بك جرجا وعمل وليمة في بيته جمع فيها محمد بك جركس وباقي أرباب الحل والعقد وأبرز لهم إسمعيل بك ومن معه بعد المذاكرة والحديث والتوطئة وتمموا أغراضهم وعزلوا الباشا وأنزلوه من القلعة وتأمر إسمعيل بك وظهر أمره كما كان وتولى الدفتردارية في سنة 1127 بعد انفصاله من إمارة الحج ثم عزل عنها واستمر أمير مسموع الكلمة وافر الحرمة إلى أن مات في سنة 1134 ووقع له مع العرب عدة وقائع وقتل منهم الوفا فلذلك يسمى بالجزار. ولما مات قلدوا مملوكه إبراهيم أغا الصنجقية عوضا عنه.

ومات الأمير الجليل فانصوه بك القاسمي تابع قيطاس بك الكبير الدفتردار الذي كان بقناطر السباع رباه سيده وأرخى لحيته وجعله كتخداه وسافر معه إلى سفر الجهاد في سنة 1126 فمات سيده بالسفر فقلدوه الإمارة والصنجقية بالديار الرومية عوضا عن سيده وحضر إلى

ص: 172

مصر وتقلد كشوفية بني سويف خمس مرات وكشوفية البحيرة ثلاث مرات. ولما حصلت الفتنة في أيام خليل باشا كعب الشوم الكوسة 1123 كما تقدم غير مرة كان هو أحد الأعيان الرؤساء المشار إليهم من فرقة القاسمية فاجتمعوا وقلدوا المترجم قائمقام وعملوا ديوانهم وجمعيتم في بيته حتى انقضت الفتنة ونزل الباشا واستمر هو يتعاطى الاحكام أحدا وتسعين يوما حتى حضر والي باشا إلى مصر فعزل وكف بصره ومكث بمنزله حتى توفي على فراشه سنة 1127 وقلدوا امرته وصنجقيته لتابعه الأمير ذي الفقار أغا وتزوج بابنته وفتح بيت سيده واحيا مآثره من بعده.

ومات الأمير إسمعيل بك المنفصل من كتخدائية الجاويشية وأصله جلبي بن كتخدا ابري بك وهو من اشراقات إسمعيل بك بن ايواظ قلده الصنجقية سنة 1128 وتولى الدفتردارية سنة 1131 واستمر فيها سنتين وخمسة أشهر وقتله رجب باشا هو وإسمعيل أغا كتخدا الجاويشية في وقت واحد عندما دبروا على قتل إسمعيل بك بن ايواظ وهو راجع من الحج فأحتجوا بالعرب وأرسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك بن ايواظ وإسمعيل بك ولجه لمحاربة العرب فلما بعدوا عن مصر طلع المترجم وصحبته إسمعيل أغا كتخدا الجاويشية وكان أصله كتخدا ايواظ بك الكبير فقتلوهما في سلالم ديوان الغوري غدرا باغراء محمد بك جركس. وفي ذلك الوقت ظهر جركس وركب حصان إسمعيل بك المذكور ونزل إلى بيته وكان قتلهما في أوائل سنة 1133 وقتلا ظلما وعدوانا رحمهما الله.

ومات الأمير حسين بك المعروف بأبي يدك وأصله جرجي الجنس تقلد الإمارة والصنجقية سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف وكان مصاهر لسليمان بك بارم ذيله وكان متزوجا بأبنته وكان معدودا من الفرسان والشجعان.

ص: 173

الا أنه كان قليل المال ولما قتل قيطاس بك الفقاري وهرب محمد بك تابعه المعروف بقطامش إلى الديار الرومية اختفى المترجم بمصر وذلك في سنة 1127 بعد ما أقام في الإمارة أربعا وعشرين سنة. ثم ظهر مع من ظهر في الفتنة التي حصلت بين محمد بك جركس وبين إسمعيل بك بن ايواظ وكان المترجم من اغراض جركس. فلما هرب جركس هو أيضا فلحقه عبد الله بك صهر بن ايواظ وقتله بالريف وقطع رأسه فكان ظهوره سببا لقتله وذلك في سنة 1131.

ومات الأمير حسين بك أرنؤد المعروف بأبي يدك وكان أصله أغات جراكسة ثم تقلد الصنجقية وكشوفيات الأقاليم مرارا عديدة وسافر إلى الروم أميرا على السفر في سنة 1124 فلما رجع في سنة 1129 استعفى من الصنجقية وسافر إلى الحجاز وجاور بالمدينة المنورة. فكانت مدة إمارته ثلاثا وعشرين سنة. واستمر مجاورا بالمدينة أربع سنوات ومات هناك سنة 1134 دفن بالبقيع.

ومات الأمير يوسف بك المسلماني وكان أصله اسرائيليا وأسلم وحسن اسلامه ولبس أغات جراكسة ثم تقلد كتخدا الجاويشية وانفصل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1107 وتلبس كشوفية المنوفية ثم إمارة جدة ومشيخة الحرم وجاور بالحجاز عامين. ثم رجع وسافر بالعسكر إلى الروم ورجع سالما وأخذ جمرك دمياط وذهب إليها وأقام بها إلى أن مات 1120 وأقام في الصنجقية اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وترك ولدا يسمى محمد كتخدا عزبان.

ومات الأمير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تقلد الإمارة عوضا عن سيده سنة 1110 ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة 1116.

ومات الأمير محمد بك الكبير الفقاري تقلد الإمارة بعد سيده سنة 1117 وتولى إمارة جرجا وحكم الصعيد مرتين. وكان من أخصاء أيوب

ص: 174

بك المتقدم ذكرهما في الواقعة الكبيرة وأرسل إليه أيوب بك يستنصر به فأجاب دعوته وحضر إلى مصر ومعه الجم الغفير من العزبان والهوارة والمغاربة وأجناس البوادي وحارب وقاتل داخل المدينة وخارجها كما تقدم ذكر ذلك غير مرة وكان بطلا هماما وأسدا ضرغاما ولم يزل حتى هرب مع ايواظ بك إلى بلاد الروم فقلدوه الباشوية وعين في سفر الجهاد ومات سنة 1133.

ومات الأمير مصطفى بك المعروف بالشريف وهو بن الأمير ايواظ بك الجرجي مملوك حسين أغا وكان والده ايواظ بك المذكور تولى أغاوية العزب سنة 1070 وتزوج ببنت النقيب برهان الدين افندي فولد له منها المترجم فلذلك عرف بالشريف وتقلد والده كتخدا الجاويشية 1079 وعزل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1081 وتولى كشوفية الغربية وتقلد قائمقام مصر وعزل ولم يزل اميرا حتى مات على فراشه وترك ولده هذا المترجم وكان سنه حين مات والده اثنتي عشرة سنة فرباه ريحان اغا تابع والده ثم مات ريحان اغا فعند ذلك اسرف مصطفى جلبي واتلف أموال أبيه وكانت كثيرة جدا وكان المترجم في وجاق المتفرقة وصار فيهم اختيارا إلى أن لبس سردارية المتفرقة في سفر الخزينة سنة 1109 فمات صنجق الخزينة درويش بك الفلاح في السفر بالروم فلبس صنجقية المذكور حكم القانون ورجع إلى مصر اميرا واستمر في إمارته حتى مات سنة 1133 وكان قليل المال.

ومات الأمير أحمد بك الدالي تابع الأمير ايواظ بك الكبير القاسمي تقلد الصنجقية يوم الخميس سابع جمادى الأولى سنة 1127 ولبس في يومها قفطان الإمارة على العسكر المسافر إلى بلاد مورة بالروم عوضا عن خشداشة يوسف بك الجزار وسافر بعد ستين يوما ومات هناك وتقلد عوضه مملوكه علي بك ورجع إلى مصر صنجقا وهو علي بك المعروف بالهندي.

ص: 175

ومات كل من الأمير حسين كتخدا الينكجرية المعروف بحسين الشريف وإبراهيم باش أوده باشا المعروف بكدك وذلك أنه لما قتل قيطاس بك الفقاري بقراميدان على يد عابدي باشا في شهر رجب سنة 1127 وثارت بعد ذلك الفتنة بين باب الينكجرية والعزب وذلك أن حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله كانوا من عصبة قيطاس بك فلما قتل خافوا على انفسهم فملكوا باب مستحفظان على حين غفلة وقتلوا المذكورين وكانوا يتهمونهما بانهما تسببا في قتل قيطاس بك.

ومات أيضا كل من الأمير حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد الله وذلك أنه لما ملك المذكورون الباب وقتلوا حسين كتخدا الشريف وإبراهيم الباش كما تقدم وذلك في أواخر رجب وسكن الحال انتدب محمد كتخدا كدك لأخذ ثأر أخيه وملك الباب على حين غفلة وذلك ليلة الثلاثاء ثالث عشري رمضان وتعصب معه طائفة من أهل بابه وطائفة من باب العزب وقتل في تلك الليلة حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وانزلوهما إلى بيوتهما في صبح تلك الليلة في توابيت. وهرب كور عبد الله فقبض عليه محمد بك جركس بعد ستة أيام وحضر به وهو راكب على الحصان وفي عنقه الحديد ومغطى الرأس وطلع به إلى عابدي باشا. فلما مثل بين يديه سبه ووبخه وأمره بأخذه إلى بابه فأمر محمد كتخدا كدك بحبسه بالقلعة. وقتل في ذلك اليوم وأنزلوه إلى بيته بسوق السلاح.

ومات أيضا محمد كتخدا كدك المذكور فإنه اشتهر صيته بعد هذه الحوادث ونفذت كلمته ببابه ولم يزل حتى مات على فراشه في شهر القعدة 1132.

ومات الأمير أحمد بك المسلماني ويعرف أيضا باسكي نازي وكان أصله كاتب جراكسة وكان يسمى بأحمد افندي ثم عمل باش اختيار جراكسة.

ص: 176

وحصل له عز عظيم وثروة وكثرة مال وكان أغنى الناس في زمانه وكان بينه وبين إسمعيل بك بن ايواظ وحشة وكان بن ايواظ يكرهه ويريد قتله فالتجأ إلى محمد بك جركس. فلما هرب جركس في المرة الأولى اختفى أحمد افندي المترجم وبيعت بلاده ومتاعه فلما ظهر جركس ثانيا ظهر أحمد افندي وعمل صنجقيا سنة 1133 وصار صنجقيا فقيرا ثم ورد مرسوم بان يتوجه المترجم إلى مكة لاجراء الصلح بين الأشراف فتوجه ومكث هناك سنة ثم رجع إلى مصر ومكث بها مدة إلى 1136 فأرسلوه إلى ولاية جرجا ليشهل غلال المبري وكان ذلك حيلة عليه. فلما توجه إلى جرجا أرسل محمد باشا فرمانا إلى سليمان كاشف خفية بقتله فذهب سليمان كاشف ليسلم عليه فغمز عليه بعض أتباعه فضربوه وقتلوه عند العرمة وقطعوا رأسه في حادي عشرى شهر القعدة سنة 1136.

ومات الأمير علي كتخدا المعروف بالداودية مستحفظان وكان من اعيان باب الينكجرية وأصحاب الكلمة مع مشاركة مصطفى كتخدا الشريف وكان من الأعيان المعدودين بمصر ولم يزل نافذ الكلمة وافر الحرمة إلى أن مات على فراشه في جمادى الاخرة سنة 1133.

ومات الأمير إبراهيم افندي كاتب كبير الشهير بشهر اوغلان مستحفظان وكان أيضا من الأعيان المشهورين ببابهم مع مشاركة عثمان كتخدا الجرجي تابع شاهين جربجي وانفرد معه بالكلمة بعد مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا بشناق لما خرجهما إسمعيل بك بن ايواظ إلى الكشيدة كما تقدم الأشارة إلى ذلك. فلما قتل إسمعيل بك رجع مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا ثانيا إلى الباب وانحطت كلمة المترجم وعثمان كتخدا ثم عزل إبراهيم افندي المذكور إلى دمياط وأهين ومكث هناك أشهر ثم حضروه وجعلوه سردار جداوي وتوجه مع الحج ومات هناك في سنة 1137.

ص: 177

ومات النبيه الفطن الذكي حسن افندي الروزنامجي الدمرداشي وكان باش قلفه الروزنامجه فلما حضر إسمعيل باشا واليا على مصر في سنة ست ومائة وألف وكانت سنة تداخل فتكلم الباشا مع إبراهيم بك أبي شنب في كسر الخزينة وعرض عليه المرسوم السلطاني بتعويض كسر الخزينة من اشغال العشرين ألف عثماني التي كانت عليهم وكان له ميل للعلوم والمعارف وخصوصا الرياضيات والفلكليات ويوسف الكلارجي الفلكي الماهر هو تابع المذكور ومملوكه. وقرأ على رضوان افندي صاحب الازياج والمعارف وكان كثير العناية برضوان افندي المذكور ورسم باسمه عدة آلات وكرات من نحاس مطلية بالذهب واحضر المتفنين من أرباب الصنائع صنعوا له ما أراد بمباشرة وارشاد رضوان افندي وصرف على ذلك أموالا عظيمة وباقي اثر ذلك إلى اليوم بمصر وغيرها ونقش عليها اسمه واسم رضوان افندي وذلك سنة 1113 وقبل ذلك وبعدها ولم يزل في سيادته حتى توفي.

ومات الأمير مصطفى بك القزلار المعروف بالخطاط تابع يوسف أغا القزلاردار السعادة تولى الإمارة الصنجقية في سنة 1094 وتقلد قائمقامية بعد عزل إسمعيل باشا وذلك سنة 1109 قهرا عنه وتقلد مناصب عديدة مثل كشوفية جرجا وغيرها ثم تقلد الدفتردارية سنة ثلاث وثلاثين فكان بين لبسه الدفتردارية والقائمقامية أربع وعشرون سنة وبعد عزله من الدفتردارية مكث في منزله صنجقيا بطالا إلى أن توفي سنة 1142.

ومات الأمير المعظم والملاذ المفخم الأمير إسمعيل بك بن الأمير الكبير ايواظ بك القاسمي من بيت العز والسيادة والإمارة نشأ في حجر والده في صيانة ورفاهية وكان جميل الذات والصفات وتقلد الإمارة الصنجقية بعد موت والده الشهيد في الفتنة الكبيرة كما تقدم وكان لها أهلا ومحلا وكان عمره إذ ذاك ست عشرة سنة وقد دب عذاره وسمته النساء قشطة

ص: 178

بك فإنه لما أصيب والده في المعركة بالرملة تجاه الروضة وقتل في ذلك اليوم من الغز والاجناد خاصة نحو السبعمائة ودفن والده فلما أصبحوا ركب يوسف الجزار تابع ايواظ بك وأحمد كاشف وأخذوا معهم المترجم وذهبوا إلى بيت قانصوه بك قائمقام فوجدوا عنده إبراهيم بك أبا شنب وأحمد بك تابعه وقيطاس بك الفقاري وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش وهم جلوس وعليهم الكآبة والحزن وصاروا مثل الغنم بلا راع متحيرين في أمرهم وما يؤول إليه حالهم فلما استقر بهم الجلوس نظر يوسف الجزار إلى قيطاس بك فرآه يبكي فقال له: لأي شيء تبكي هذه القضية ليس لنا فيها ذنب ولا علاقة وأصل الدعوى فيكم معشر الفقارية والآن انحرجنا وقتل منا واحد وخلف مالا ورجالا قلدوني الصنجقية وأمير الحاج وسر عسكر وكذلك قلدوا ابن سيدي هذا صنجقية والده فيكون عوضا عنه ويفتح بيته واعطونا فرمانا وحجة من الذي جعلتموه نائب شرع بالمعافاة من الحلوان ونحن نصرف الحلوان على المقاتلين والله يعطي النصر لمن يشاء. ففعلوا ذلك ورجع يوسف بك وصحبته إسمعيل بك ومن معهم إلى بيت المرحوم ايواظ بك وقضوا اشغالهم ورتبوا أمورهم وركبوا في صبحها إلى باب العزب وأخذوا معهم الأموال فانفقوا في الست بلكات وغيرهم من المقاتلين ونظموا احوالهم في الثلاثة أيام الهدنة التي كانوا اتفقوا على رفع الحرب فيها بعد موت ايواظ بك. وكان الفاعل لذلك أيوب بك وقصده حتى يرتب أموره في الثلاثة أيام ثم يركب على بيت قانصوه بك ويهجم على من فيه ولو فعل ذلك في اليوم الذي قتل فيه ايواظ بك لتم لهم الأمر ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا. ولم يرد الله لهم بذلك وأخذوا في الجد والاجتهاد وبرزوا للحرب في داخل المدينة وخارجها وعملوا المكايد ونصبوا شباك المصايد وأنفقوا الأموال ونقبوا النقوب حتى نصرهم الله على الفرقة الاخرى وهم أيوب

ص: 179

بك ومحمد بك الصعيدي وافرنج أحمد وباب الينكجرية ومن تبعهم وقتل من قتل وفر من فر ونهبت دورهم وشردوا في البلاد وتشتتوا في البلاد البعيدة كما ذكر غير مرة واستقر الحال وسافر أميرا بالحج في تلك السنة يوسف بك الجزار واستقر المترجم بمصر وافر الحرمة محتشم المكانة مشاركا لإبراهيم بك أبي شنب وقيطاس بك في الأمر والرأي وفي نفس قيطاس بك ما فيها من حقد العصبية فصار يناكدهما سرا وسلط حبيب وابنه سالم على خيول إسمعيل بك فجم اذنابها ومعارفها كما ذكر ثم نصب لهما ولمن والاهما شباكا ومكايد ولم يظفره الله بهما ولم يزل على ذلك وهما يتغافلان ويغضيان عن مساويه الخفية إلى أن حضر عابدي باشا وأرسل قلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع يوسف بك على ابن سيده إسمعيل بك وجعله امين السماط. ولما وصل الباشا إلى العادلية وقدمت له الأمراء التقادم وقدم له إسمعيل بك المترجم تقدمة عظيمة وتقيد بخدمة السماط أحبه عابدي باشا ومال بكليته إليه ثم أنه اختلى معه ومع يوسف بك وسألهما عن سبب موت والده فأخبراه أن مصر من قديم الزمان فرقتان وعرفاه الحال وإن قيطامس بك وأيوب بك بيت واحد ووقعت بينهما خصومة وأيوب بك أكثر عزوة وجندا فوقع قيطامس بك على ايواظ بك والتجأ إليه فقام بنصرته وفاداه وأنفق بسببه أموالا وتجندلت من رجاله أبطال إلى أن مات وقتل وبلغ قيطاس بك بنا ما بلغ فلم يراع معنا جميلا وفي كل وقت ينصب لنا الحبائل ويحفر فينا الغوائل ونحن بالله نستعين فقال الباشا يكون خيرا. وأضمر لقيطاس بك السوء ولم يزل حتى قتله كما ذكر بقراميدان وورد أمر بتقليد المترجم على الحج اميرا وتقليد إبراهيم بك الدفتردارية وألبسهما عابدي باشا الخلع وتسلم أدوات الحج والجمال وأرسل غلال الحرمين وبعث القومانية والغلال إلى البنادر وأرسل أناسا وعينهم لحفر الآبار المردومة وتنقية الاحجار من طريق الحجاج.

ص: 180

وضم إليه جماعة من الفقارية مثل حسين بك أبي يدك وذي الفقار معتوق عمر أغا بلغيه وأصلان وقبلان وأمثالهم وأخذوا يحفرون للمترجم وينصبون له الغوائل واتفقوا على غدره وخيانته ووقف له طائفة منهم بطريق الرميلة وهو طالع إلى الديوان فرموا عليهم الرصاص فلم يصب منهم سوى رجل قواس ورمح إسمعيل بك وأمراؤه إلى باب القلعة ونزل بباب العزب وكتب عرضحال وأرسله إلى علي باشا صحبة يوسف بك الجزار مضمونه الشكوى من محمد بك جركس وانه جامع عنده المفاسيد ويريدون اثارة الفتن في البلد. فكتب الباشا فرمانات إلى الوجاقات باحضار محمد بك جركس وإن أبي فحاربوه وركب جركس بالمنضمين إليه وهم قاسمية وفقارية وذلك بعد ابائه وعصيانه فصادف المتوجهين إليه فحاربهم بالرميلة وآل الأمر إلى انهزامه وتفرق من حوله ولم يتكمن من الوصول إلى داره وخرج هاربا من مصر وقبض عليه العربان وأحضروه إلى إسمعيل بك أسيرا عريانا في أسوأ حال فكساه وأكرمه والبسه فروة سمور واشار عليه أحمد كتخدا امين البحرين وعلي كتخدا الجلفي بقتله فلم يوافقهما على ذلك. وقال: إنه دخل إلى بيتي وحل في ذمامي فلا يصح أن أقتله ثم نفاه إلى قبرص. ولما سافر محمد بك بن أبي شنب إلى اسلامبول بالخزينة في تلك السنة وصى قاسم بك بالارسال إلى جركس واحضاره إلى مصر ففعل وحضر إلى مصر سرا واختفى عنده ولما وصل محمد بك بالخزينة واجتمع بالوزير الاعظم دس إليه كلاما في حق المترجم وقال له: إن أهملتم أمره استولى على الممالك المصرية وطرد الولاة ومنع الخزينة فإن الأمراء والدفتردارية وكبار الأمراء والوجاقات صاروا كلهم أتباعه ومساليكه ومماليك أبيه والذي ليس كذلك فهم صنائعه وعلي باشا المتولى لا يخرج عن مراده في كل ما يأمر به. وأخرج من مصر وأقصى كل ناصح في خدمة الدولة مثل محمد بك جركس ومن يلوذ به وعمل للوزير

ص: 181

أربعة آلاف كيس على ازالة إسمعيل بك والباشا وتولية خلافة ويكون صاحب شهامة وتدبير وكان ذلك في دولة السلطان أحمد فأجابوه إلى ذلك وعينوا رجب باشا أمير الحاج الشامي ورسموا له رسوما باملاء محمد بك أبي شنب ملخصها قتل الباشا وإسمعيل بك وعشيرته ما عدا علي بك الهندي. ولما حضر رجب باشا إلى مصر وقد كان قاسم بك أحضر محمد جركس واخفاه وكان إسمعيل بك بن ايواظ طالعا بالحج سنة 1131 فاليوم الذي وصل فيه رجب باشا إلى العريش ووصل المسلم إلى مصر كان خروج إسمعيل بك بالحج من مصر وأرسل رجب باشا مرسوما إلى أحمد بك الاعسر وجعله قائمقام وأمره بانزال علي باشا إلى قصر يوسف والاحتفاظ به ففعلوا ذلك ووصل رجب باشا فأحضر علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وأمرهم بعمل حسابه ثم أمر بقتله فقتلوه ظلما وسلخوا رأسه وأرسلها إلى الروم وضبط مخلفاته ودبر معه أمر بن ايواظ.

وأما ما كان من أمر الباشا وجركس ومن بمصرفانه فإنه لما سافر يوسف بك الجزار ومن معه على الرسم المتقدم عملوا شغلهم وقتلوا إسمعيل بك الدفتردار وإسمعيل اغا كتخدا الجاويشية وظهر محمد بك جركس ونزل من القلعة إلى بيته وهو راكب ركوبة الدفتردار واستقر الباشا أحمد بك الأعسر دفتردار. ولما وصل المتوجهون إلى سطح العقبة نزل يوسف بك الجزار وترك محمد بك بن ايواظ وإسمعيل بك جرجا في السطح فلما دخل على الصنجق وسلم عليه اشتغل خاطره وقال له: لأي شيء جئت فقال أنا لست وحدي بل صحبتي اخوك محمد بك وإسمعيل بك جرجا وعبد الرحمن أغا ولجه. فقال لا إله إلا الله كيف أنكم تتركون البلد وتأتون إما تعلموا أن لنا أعداء والعثمانية ليس لهم أمان ولا صاحب ويصيدون الارنب بالعجلة فأعدوا العدة وسافروا إلى مصر وبعد أيام وصل مرسوم بالأمان والرضا

ص: 182

لاسمعيل بك وجماعته وولوا على مصر محمد باشا من حيث أتى بعدما دفع المائة وعشرين كيسا التي اخذها من دار الضرب وصرفها على تجريدة اجرود ولم يزل محمد بك جركس ومحمد بك بن سيده ومن يلوذ بهم مصرين على حقدهم وعداوتهم للمترجم وهو يتغافل عنهم ويغضي عن مساويهم ويسامح زلاتهم حتى غدروا به وقتلوه بالقلعة على حين غفلة وذلك أنه لم يزل ذو الفقار تابع عمر اغا يطالب بفائظ حصته في قمن العروس ويكلم جركس يشفع له عند إسمعيل بك فيقول له: اطرد الصيفي من عندك وأرسل الي بعد ذلك ذا الفقار ويأخذ الذي يطلع له عندي إلى أن ضاق خناق ذي الفقار من الفشل والاعدام فطلع إلى كتخدا الباشا وشكا إليه حاله فقال له: وما الذي تريد نفعله قال: اريد أن أقتل ابن ايواظ عندما يأتي إلى هنا واعطوني صنجقية وعشرين كيسا فائظ من بلاده وكشوفية المنوفية فدخل الكتخدا واخبر مخدومه بذلك فأجابه إلى مطلوبه على شرط أن لا يدخلنا في دمه. فنزل ذو الفقار واخبر جركس بما حصل وطلب أن يكون ذلك بحضوره هو وإبراهيم بك فارسكور فأجابه إلى ذلك ولما اجتمعوا في ثاني يوم عند كتخدا الباشا دخل ذو الفقار وقدم له عرضحال إلى إسمعيل بك فأخذه وشرع يقرأ فيه وإذا بذي الفقار سحب الخنجر وضرب الصنجق به في مدوده وكان معه قاسم بك الصغير واصلان وقبلان وخلافهم مستعدين لذلك فعندما رأوه ضرب إسمعيل بك سحبوا سيوفهم وضربوا أيضا إسمعيل بك جرجا فقتلوه فهرب صاري علي وكتخدا الجاويشية مشاة إلى باب الينكجرية وقطعوا راس الأميرين وشالوا جثثهما إلى بيوتهما فغسلوهما وكفنوهما ودفنوهما بمدفن أبي الشوارب الذي بطريق الازبكية عند غيظ الطواشي وذلك في سنة 1136. ثم أرسلوا رأسيهما مسلوخين فدفنوهما أيضا وانقضت دولة إسمعيل بك ابن ايواظ. وكانت

ص: 183

أيامه سعيدة وافعاله حميدة والاقليم في أمن وأمان من قطاع الطريق وأولاد الحرام وله وقائع مع حبيب وأولاده يطول شرحها وسيأتي استطراد بعضها في ترجمة سويلم وكان صاحب عقل وتدبير وسياسة في الأحكام وفطانة ورياسة وفراسة في الأمور وله عدة عمائر ومآثر منها أنه جدد سقف الجامع الأزهر وكان قد آل إلى السقوط وانشأ مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي بدسوق وكذلك انشأ مسجد سيدي علي المليجي على الصفة التي هما عليها الآن. ولما تمم بناء المسجد المليجي سافر إليه ليراه وذلك في منتصف شهر شعبان سنة 1135. ومن افاعيله الجميلة كان يرسل غلال الحرمين في أوانها ويرسل القومانية إلى البنادر ويجعل في بندر السويس والمويلح والينبع غلال سنة قابلة في الشون تشحن السفائن وتسافر في أوانها ويرسل خلافها على هذا النسق. ولما بلغ خبر موته لأهل الحرمين حزنوا عليه وصلوا عليه صلاة الغيبة عند الكعبة وكذلك أهل المدينة صلوا عليه بين المنبر والمقام ومات وله من العمر ثمان وعشرون سنة وطلع أمير بالحج ست مرات آخرها سنة ثلاث وثلاثين. وكان منزله هو بيت يوسف بك بدرب الجماميز المجاور لجامع بشناك المطل على بركة الفيل وقد عمره وزخرفه بأنواع الرخام الملون وصرف عليه أموالا عظيمة وقد خرب وصار حيشانا ومساكن للفقراء وطريقا يسلك منها المارة إلى البركة ويسمونها الخرابة ولما مات لم يخلف سوى ابنة صغيرة ماتت بعده بمدة يسيرة وحملين في سريتين ولدت أحداهن ولدا وسموه ايواظ عاش نحو سبعة أشهر ومات وولدت الاخرى بنتا ماتت في فصل كو دون البلوغ فسبحان الحي الذي لا يموت.

ومات الأمير إسمعيل بك جرجا وكان أصله خازندار ايواظ بك الكبير وأمره إسمعيل بك وقلده صنجقا ومنصب جرجا فلذلك لقب بذلك ولم يزل حتى قتل مع ابن سيده في ساعة واحدة ودفن معه في مدفن رضوان

ص: 184

بك أبي الشوارب.

ومات كل من الأمير عبد الله بك والأمير محمد بك بن ايواظ والأمير إبراهيم بك تابع الجزار قتل الثلاثة المذكورون في ليلة واحدة وذلك أنه لما قتل الأمير إسمعيل بك بن ايواظ بالقلعة بيد ذي الفقار بممالأة محمد بك جركس في الباطن وعبد الله بك لم يكن حاضرا انضمت طوائف الأمراء المقتولين ومماليكهم إلى عبد الله بك لكونه زوج اخت المرحوم إسمعيل بك ومن خاصة مماليك ايواظ بك الكبير. وكان كتخداه في حياته وقلده إسمعيل بك الإمارة والصنجقية وطلع اميرا بالحج في السنة الماضية التي هي سنة خمس وثلاثين ورجع سنة ست وثلاثين. فلما وقع ذلك انضموا إليه لكونه أرأس الموجودين واعقلهم واقبلت عليه الناس يعزونه في ابن سيده إسمعيل بك وازدحم بيته بالناس وتحقق المبغضون أنه أن استمر موجودا ظهر شأنه وانتقم منهم فاعملوا الحيلة في قتله وقتل أمرائهم. وطلع في ثاني يوم ذو الفقار قاتل المرحوم إسمعيل بك إلى القلعة فخلع عليه الباشا وقلده الأمرية والصنجقية وكاشف اقليم المنوفية. ونزل إلى بيت جركس ومعه تذكرة من كتخدا الباشا مضمونها أنه يجمع عنده عبد الله بك ومحمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك الجزار ويعمل الحيلة في قتلهم. فكتب جركس تذكرة إلى عبد الله بك وأرسلها صحبة كتخداه بطلبه للحضور عنده ليعمل معه تدبيرا في قتل قاتل المرحومين فلما حضر كتخدا جركس إلى بيت عبد الله بك بالتذكرة وجد البيت مملؤا بالناس والعساكر والاختيارية والجربجية وواجب رعاياه وعنده علي كتخدا الجلفي عزبان وحسن كتخدا حبانية تابع يوسف كتخدا تابع محمد كتخدا البيوقلي وغيرهم نفر وطوائف كثيرة فأعطاه التذكرة فقرأها ثم قال لعلي بك الهندي: خذ محمد بك وإبراهيم بك واذهبوا إلى بيت محمد بك جركس وانظروا كلامه وارجعوا فأخبروني بما يقول.

ص: 185

فركبوا وذهبوا عند جركس فدخلوا عليه فوجدوا عنده ذا الفقار بك وهو يتناجى معه سرا فادخلهم إلى تنهة المجلس وأرسل في الحال إلى كتخدا الباشا يخبره بحضور المذكورين عنده ويقول له: أرسل إلى عبد الله بك واطلبه فإن طلع اليكم وعوقتموه ملكنا غرضنا في باقي الجماعة. فأرسل الكتخدا يقول لجركس أن لا يتعرض لعلي بك الهندي لأن السلطان اوصى عليه وكذلك صاري علي اوصى عليه الباشا لأنه امين العنبر وناصح في الخدمة. وأرسل في الحال تذكرة إلى عبد الله بك ياخذ خاطره ويعزيه في العزيز ابن سيده ويطلبه للحضور عنده ليدبر معه أمر هذه القضية وقتل قاتل المرحوم. فراج عليه ذلك الكلام والتمويه. وركب في الحال لاجل نفاذ المقدور وقال لعلي كتخدا: اجلس هنا ولا تفارق حتى ارجع وطلع إلى القلعة ومعه عشرة من الطائفة ومملوكان والسعادة فقط ودخل على كتخدا الباشا فتلقاه بالبشاشة ورحب به وشاغله بالكلام إلى العصر وعندما بلغ محمد بك جركس ركوب عبد الله بك وطلوعه إلى القلعة صرف علي بك الهندي ووضع القبض على محمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك الجزار وربط خيولهما بالاسطبل وطردوا جماعتهم وطوائفهم وسراجينهم ولم يزل كتخدا الباشا يشاغل عبد الله بك ويحادثه ويلاهيه إلى قبيل الغروب حتى قلق عبد الله بك وأراد الانصراف فقال له: كتخدا الباشا لا بد من ملاقاتك الباشا ومحادثتك معه. وقام يستأذن له ودخل ورجع إليه وقال له: إن الباشا لا يخرج من الحريم إلا بعد الغروب وانت ضيفي في هذه الليلة لاجل ما نتحادث مع الباشا في الليل. وحسن له ذلك وتركه إلى الصباح فطلع محمد بك جركس وابن سيده محمد بك ابن أبي شنب وذو الفقار بك وقاسم بك وإبراهيم بك فرسكور وأحمد بك الاعسر الدفتردار فخلع الباشا على محمد بك إسمعيل وقلده أمير الحاج وقلد عمر اغا كتخدا

ص: 186

جاويشية عوضا عن عبد الله اغا وقلد محمد اغا لهلوبة والي ونزلوا إلى بيوتهم. وطلعت طوائف عبد الله بك واتباعه وانتظروه حتى انقضى أمر الديوان ولم ينزل. فاستمروا في انتظاره إلى بعد العصر ثم سألوا عنه فقالوا له: م أنه جالس مع الباشا في التنهة فنزلوا وأرسل محمد بك جركس لهلوبة الوالي إلى بيت كتخدا الباشا فقعد به إلى بعد العشاء فدخلت الجو خدارية إلى عبد الله بك فأخذوا ثيابه وما في جيوبه وانزلوه وسلموه إلى الوالي فاركبه على ظهر كديش ونزل به من باب الميدان وساروا به إلى بيت جركس فاوقفوه عند الحوض المرصود ونزلوا بمحمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك الجزار فاركبوهما حمارين وسار بهم إبراهيم بك فارسكور والوالي على جزيرة الخيوعية وانزلوهم في المركب وصحبتهم المشاعل فقتلوهم وسلخوا رؤوسهم ورموهم إلى البحر ورجعوا وانقضى أمرهم وتغيب حالهم وما فعل بهم أياما. وكانت قتلتهم في شهر ربيع الأول سنة 1136.

ومات عبد الله بك وهو متقلد إمارة الحج وعمره ست وثلاثون سنة وكان حليما سموح النفس صافي الباطن.

ومات محمد بك ابن ايواظ بك وسنه ست وعشرون سنة وكان أصغر من أخيه المرحوم.

ومات الأمير قاسم بك الكبير وهو مملوك إبراهيم بك أبي شنب وخشداش محمد بك جركس تقلد الإمارة والصنجقية بعد قتل قيطاس بك في سنة 1126 في أيام عابدي باشا ولما هرب جركس وقبض عليه العربان واحضروه إلى إسمعيل بك ونفاه إلى قبرص اتفق محمد بك ابن أبي شنب مع قاسم بك سرا على أحضاره إلى مصر وسافر محمد بك إلى الروم بالخزينة واشتغل شغله هناك على قتل إسمعيل بك وأرسل في الخفية واحضره إلى مصر واخفاه حتى حضر رجب باشا وفعلوا ما تقدم

ص: 187

ذكره. ولم يزل اميرا ومتكلما بمصر حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار بك والمحاربة الكبيرة التي خرج فيها جركس من مصر فقتل قاسم بك المذكور في بيته أصيب برصاصة من منارة الجامع كما تقدم وعندما علم جركس بموته حضر إليه والحرب قائم وكشف وجهه فرآه ميتا وذلك سنة 1138.

ومات الأمير قاسم بك الصغير وهو أيضا من اتباع إبراهيم بك أبي شنب وكان فرعون هذه الطائفة في دولة محمد بك جركس وهو من جملة المتعصبين مع ذي الفقار على قتل إسمعيل بك ابن ايواظ والضارب فيه أيضا وفي إسمعيل بك جرجا ولم يزل حتى مات في رمضان بولاية البهنسا سنة 1137.

ومات محمد اغا متفرقة سنبلاوين وكان اغات وجاق المتفرقة وصاحب وجاهة ومات مقتولا باغراء من محمد بك جركس.

ومات الأمير إبراهيم افندي كتخدا العزب المذكور قتله سليمان اغا أبو دفية وسليمان كاشف وخازندار ابن ايواظ بالرميلة في حادثة ظهور ذي الفقار كما تقدم ذكر ذلك في أيام علي باشا وملكوا في ذلك الوقت باب العزب وحضر محمد باشا وعلي باشا ووقعت الحروب مع محمد بك جركس حتى خرج من مصر وذلك سنة ثمان وثلاثين وسيأتي تتمة ذلك في ترجمة جركس.

ومات الأمير عبد الرحمن بك ملتزم الولجة وهو من اتباع ايواظ بك الكبير القاسمي وأمره ابنه إسمعيل بك ابن ايواظ وقلده الصنجقية وسافر بالخزينة 1135 وقتل إسمعيل بك في غيابه فلما حضر إلى مصر خلع عليه محمد بك ابن أبي شنب الدفتردار قائمقام قفطان ولاية جرجا واستعجله في الذهاب والسفر إلى قبلي فقضى اشغاله وبرز خيامه إلى ناحية الآثار وخرجت الأمراء والاغوات والاختيارية والوجاقات ومشوا في

ص: 188

موكبه على العادة ونزلوا بصيوانه وشربوا القهوة والشربات وودعوه ورجعوا إلى منازلهم. ثم أنه قال للطوائف والأتباع: اذهبوا إلى منازلكم واحضروا بعد غد بمتاعكم وانزلوا بالمراكب ونسير على بركة الله تعالى. ثم أنه تعشى هو ومماليكه وخواصه وعلق على الخيول والجمال وركب وسار راجعا من خلف القلعة إلى جهة سبيل علام إلى الشرقية ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى بلاد الشام ومنها إلى بلاد الروم هذا ما كان من امره. واما جركس فإنه أحضر علي بك وقاسم بك وعمر بك أمير الحاج وأمرهم بالركوب بعد العشاء بالطوائف ويأخذوا لهم راحة عند السواقي ثم يركبوا بعد نصف الليل ويهاجموا وطاق عبد الرحمن بك ولجة على حين غفلة ويقتلوه ويأخذوا جميع ما معه ففعلوا ذلك وساروا قرابة فلم يجدوا غير الخيام فأخذوها ورجعوا ولم يزل المترجم حتى وصل إلى اسلامبول واجتمع برجال الدولة فاسكنوه في مكان وأخذ مكتوبا من أغات دار السعادة خطابا إلى وكيله بمصر يتصرف له في حصصه بموجب دفتر المستوفي ويرسل له الفائظ كل سنة واستمر هناك إلى أن مات.

ومات الأمير الشهير محمد بك جركس وأصله من مماليك يوسف بك القرد وكان معروفا بالفروسية بين مماليك المذكور فلما مات يوسف بك في سنة 1107 اخذه إبراهيم بك أبو شنب وارخى لحيته وعمله قائمقام الطرانة وتولى كشوفية البحيرة عدة مرار ثم إمارة جرجا وسافر إلى الروم سر عسكر على السفر في سنة 1128 فضم إليه المبغضين له من الفقارية وغيرهم وتوافقوا على اغتياله ورصد له طائفة منهم ووقفوا له بالرميلة وضربوا عليه بالرصاص فنجاه الله من شرهم وطلع إسمعيل بك وصناجقة إلى باب العزب وطلب جركس إلى الديوان ليتداعى معه فعصي وامتنع وتهيأ للحرب والقتال فقوتل وهزم وخرج هاربا من مصر فقبض عليه العربان واحضروه أسيرا إلى إسمعيل بك فاشاروا عليه بقتله

ص: 189

فأبى وقال: إنه دخل حيا إلى بيتي فلا سبيل إلى قتله. وانزله بمكان واحضر له الطبيب فداوى جراحته وأكرمه واعطاه ملابس وخلع عليه فروة سمور وألف دينار ونفاه إلى قبرص حسما للشر. واستمر الحقد في قلوب خشداشينه ومحمد بك ابن أبي شنب ابن أستاذهم واتفقوا على أحضار جركس سرا إلى مصر. وسافر ابن أبي شنب بالخزينة إلى دار السلطنة فاغرى رجال الدولة ورشاهم وجعل لهم أربعة آلاف كيس على ازالة إسمعيل بك وعشيرته. ووقع ما تقدم ذكره في ولاية رجب باشا. وحضر جركس إلى مصر في صورة درويش عجمي واختفى عند قاسم بك ودبروا بعد ذلك ما دبروه من قتل الباشا وما تقدم ذكره في ترجمة إسمعيل بك. ونجا إسمعيل بك أيضا من مكرهم وظهر عليهم وسامحهم في كل ما صدر منهم مع قدرته على ازالتهم. ولم يزالوا مضمرين له السوء حتى توافقوا على قتله غدرا وخانوه وقتلوه بالديوان وازالوا دولته. وصفا. وصفا عند ذلك الوقت لمحمد بك جركس وعشيرته فلم يحسن السير وطغى وتجبر وسار في الناس بالعسف والجور واتخذ له سراجا من أقبح خلق الله واظلمهم وهو الذي يقال له الصيفي ورخص له فيما يفعله ولا يقبل فيه قول أحد واتخذ له اعوانا من جنسه وخدما وكلهم على طبقته في الظلم والتعدي فكانوا يأخذون الأشياء من الباعة ولا يدفعون لها ثمنا ومن امتنع عليهم ضربوه بل وقتلوه وصاروا يخطفون النساء والأولاد. وصاروا يدخلون بيوت التجار في رمضان بالليل فلا ينصرفون حتى ضاق صدر الباشا وابرز مرسوما من الدولة برفع صنجقية محمد بك جركس وكتب فرامانات وأرسلها إلى الوجاقات ومشايخ العلم والبكري وشيخ السادات ونقيب الأشراف بالاخبار بذلك وبالمنع من الاجتماع عليه أو دخول منزله. ووصل الخبر إلى محمد بك جركس فكتب في الحال تذاكر وأرسلها إلى اختيارية الوجاقات والمشايخ بالحضور

ص: 190

ساعة تاريخه لسؤال وجواب فذهب إليه الاختيارية فاكرمهم واجلهم واجلسهم ثم حضر المشايخ فلما تكامل المجلس اوقف طوائفه ومماليكه بالاسلحة ثم قال لهم: تكونوا معي أو أقتلكم جميعا. فلم يسعهم إلا أنهم قالوا: له جميعا نحن معك على ما تريد. فقال اريد عزل الباشا ونزوله فقالوا نحن معك على ما تختار. ثم إنهم كتبوا فتوى مضمونها ما قولكم في نائب السلطان أراد الإفساد في المملكة وتسليط البعض على البعض وتحريك الفتن لاجل قتلهم وأخذ أموالهم فم إذا يلزم في ذلك فكتب المشايخ بوجوب ازالته وعزله قمعا للفساد وحقنا للدماء. فأخذ الفتوى منهم وقام وأخذ معه رجب كتخدا ومصطفى كتخدا وإبراهيم كتخدا عزبان ودخل إلى داخل وترك الجماعة في المقعد والحوش وعليهم الحرس وباتوا على ذلك من غير عشاء ولا دثار فلما أصبح صباح يوم الجمعة عاشر القعدة أرسل أحمد بك الاعسر إلى الباشا يقول له: أنت تنزل أو تحارب وكان أرسل قاسم بك الكبير إلى ناحية الجبل بنحو الخمسمائة خيال فقال بل انزل وانظروا إلى مكانا انزل فيه. ونزل في ذلك اليوم قبل الصلاة إلى بيت محمد اغا الدالي بقوصون ولم يخرج جركس من بيته ولا أحد من المعوقين سوى قاسم بك وأحمد بك. ثم أنه كتب عرضا على موجب الفتوى وختم عليه المشايخ والوجاقات وكتبوا فيه أنه باع غلال الحرمين وغلال الانبار وباع من غلال الدشائش والخواسك ثمانية وعشرين ألف اردب وختم عليه القاضي أيضا وأرسله صحبة ستة انفار من الوجاقلية في غرة الحجة سنة 1137. ولما فعل ذلك أقام محمد بك الدفتردار ابن أستاذه قائمقام فصار يعمل الدواوين في منزله ولم يطلع إلى القلعة إلا في يوم نزول الجامكية. ولما فعل جركس ذلك صفا له الوقت وعزل مملوكه محمد اغا الوالي وقلده الصنجقية وسماه جركس الصغير والبس على اغا مملوكه ابن أخي قاسم بك الصغير.

ص: 191

صنجقية عمه واعطاه بلاده وماله وجواره وقلد على المحرمجي مملوكه الصنجقية أيضا وكذلك أحمد الخازندار مملوك أحمد بك الاعسر وسليمان اغا جميزة تابع أحمد اغا الوكيل صناجق البسهم الجميع قائمقام في بيته. ولم يتفق نظير ذلك وحضر جن علي باشا وطلع إلى القلعة فلم يقابله جركس إلا في قصر الحلي وكمل له من الأمراء ثلاثة عشر صنجقا واستولوا على جميع المناصب والكشوفيات. ولما تأمر ذو الفقار بعد قتل إسمعيل بك انضم إليه كثير من الفقارية وسافر إلى المنوفية فاراد أن يجرد عليه وطلب من الباشا فرمانا بذاك فامتنع فتغير خاطره من الباشا واستوحش كل من الآخر وحصل ما تقدم ذكره من عزل الباشا ثم جرد علي ذي الفقار فاختفى ذو الفقار وتغيب بمصر إلى أن حضر علي باشا والي جريد واستقر بالقلعة ودبروا في ظهور ذي الفقار كما تقدم في خبر محمد باشا. وخرج محمد بك جركس هاربا من مصر فنهبوا بيته وبيوت اتباعه وعشيرته فاخرجوا من بيته شيئا لا يحد ولا يوصف حتى أنه وجد به من صنف الحديد أكثر من ألف قنطار ومن الغنم ازيد من الألف خروف. وبعدما احاطوا بما فيه من المواشي والأمتعة ونهبوها هدموه وأخذوا اخشابه وشبابيكه وأبوابه. ولم يمض ذلك النهار حتى خرب عن آخره. ولم يبق به مكان قائم الاركان وقد أقام يعمر فيه نحو أربع سنوات فخرب جميعه من الظهر إلى قبيل المغرب. وقتلوا كل من وجدوه من اتباعه واختفى منهم من اختفى ومن ظهر بعد ذلك قتلوه أيضا ونهبوا دياره. واخرج خلفه ذو الفقار تجريدة فلم يدركوه وذهب من خلف الجبل الأخضر إلى درنه فصادف مركبا من مراكب الافرنج فنزل فيها مع بعض مماليكه وتفرق من كان معه من الأمراء بالبلاد القبلية وسافر المترجم إلى بلاد الافرنج فاكرموه وتشفعوا فيه عند العثماني بواسطة الالجي فقبلوا شفاعتهم فيه وأخذوا له

ص: 192

مرسوما بالعودة إلى مصر واخذها أن قدر على ذلك بعد أن عرضوا عليه الولاية والباشوية ببعض الممالك فلم يقبل. ولم يرض إلا بالعودة إلى مصر فوصل إلى مالطة وانشأ له سفينة وشحنها بالجبخانة والآلات والمدافع ورجع إلى درنة فطلع من هناك وأمر الرؤساء بالذهاب بالسفينة إلى ثغر اسكندرية. وحضر إليه بعض أمرائه واتباعه المتفرقين فركب معهم وذهب إلى ناحية البحيرة فصادف حسين بك الخشاب فهرب من وجهه فنهب حملته وخيامه وذهب إلى الأسكندرية وكانت سفينته قد وصلت فأخذ ما فيها من المتاع والجبخانة والآلات ورجع إلى قبلي على حوش ابن عيسى واجتمع عليه الكثير من العربان وسار إلى الفيوم فهجم على دار السعادة وهربت الصيارف فأخذ ما وجده من المال ونزل على بني سويف وكان هناك علي بك المعروف بالوزير فنزل إليه وقابله ثم سار إلى القطيعة بالقرب من جرجا ثم عرجا جهة الغرب قبلي جرجا وأرسل إلى سليمان بك وطلبه للحضور إليه بمن عنده من القاسمية فعدى إليه سليمان بك ومن معه وقابله واطلعه على ما بيده من المرسوم والامان والعفو. وحضر إليه أحمد بك الاعسر وجركس الصغير فركب بصحبة الجميع وانحدر إلى جهة بحري فتعرض لهم حسن بك والسدادرة وعسكر جرجا وحاربوهم فقتل حسن بك وطائفته ولم ينج منهم إلا من دخل تحت بيارق العسكر. ونزل جركس بصيوان حسن بك وانزلوا مطابخهم وعازقهم في المراكب وسار بمن معه طالبين مصر ووصلت اخبارهم إلى ذي الفقار بك فعمل جمعية وأخذ فرمانا بسفر تجريدة وأميرها عثمان بك تابع ذي الفقار وعلي بك قطامش وعساكر اسباهية وغيرهم فقضوا اشغالهم وعدوا إلى ام خنان وصحبتهم الخبيري. وساروا إلى وادي البهنسا فتلاقوا مع محمد بك جركس فتحاربوا معه يوما وليلة وكان مع جركس طائفة من الزيدية والهوارة وعرب نصف

ص: 193

حرام فكانت الهزيمة على التجريدة واستولى محمد جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وقتل منهم نحو مائة وسبعين جنديا وحال بينهم الليل ورجع المهزومون لمصر وقالوا لذي الفقار بك أن لم تتداركوا امركم وإلا دخلوا عليكم البيوت. فجمع ذو الفقار بك الأمراء واتفقوا على تشهيل تجريدة اخرى واحتاجوا إلى مصروف فطلبوا من الباشا فرمانا بمبلغ ثلثمائة كيس من الميري أو من مال البهار على السنة القابلة فامتنع الباشا فركبوا عليه وعزلوه وانزلوه ولبسوا محمد بك قطامش قائمقام وأخذوا منه فرمانا وجهزوا أمر التجريدة فاخرجوا فيها مدافع كبار وأحضروا سالم بن حبيب ومعه نصف سعد ونزل عثمان جاويش القازدغلي بجماعة جهة البدرشين وصحبته علي كتخدا الجلفي بالمراكب ورتبوا أمورهم واشغالهم ووصل جركس ومن معه ناحية دهشور والمنشية ووقعت بينهم حروب ووقعت الهزيمة على جركس وقتل سليمان بك ونزلت القرابة المراكب وسارت الخيالة صحبة العرب مقبلين. وسار عثمان جاويش القازدغلي خلف قرا مصطفى جاويش ليلا ونهارا حتى ادركه عند أبي جرج فقبض عليه ومعه ثلاثة وأخذ ما وجده معه وانزلهم في المركب وأتى بهم إلى مصر وقطعوا رؤوسهم وأرسلوا فرمانا برجوع التجريدة ولحوق الصنجقيين وأغات البلك والاسباهية وسالم بن حبيب بجركس أينما توجه. فسافروا خلفه أياما ثم عدى إلى جهة الشرق ومعه عرب خويلد وأقام هناك ينتظر حركة القاسمية بمصر وكانوا عدوا معه سرا على قتل ذي الفقار بك فعدى إليه علي بك قطامش والعسكر وسالم بن حبيب فتلاقوا معه ووقع بينهم مقتلة عظيمة انجلت عن انهزام جركس ومن معه حتى القوا بأنفسهم في البحر. وأما جركس فإنه خلع لجام الحصان واراد أن يعدي به بمفرده إلى البر الاخر فانغرز الحصان في روبة وتحتها الماء عميق فنزل من على ظهره ليخلصه فزلقت رجله وغرق

ص: 194

بجانبه وكان بالقرب منه شادوف وعليه رجلان من الفلاحين ينقلان الماء إلى المزرعة فنزلا إليه فوجدا الحصان ميتا وهو غاطس بجانبه ولم يعلما من هو فجراه من رجله وأخذا سلاحه وزرخه وثيابه وما في جيوبه ودفناه بالجزيرة. ومر بهما قارب صياد فطلباه ووضعاه فيه وكان علي بك جالسا بجنب البحر ومعه سالم بن حبيب فنظر سالم إلى القارب وهو مقبل فقال ما هذا إلا سمكة عظيمة وأصلة الينا فأوقفوا القارب في ناحية من البر وتقدم أحد الشدافين إلى الصنجق وباس يده فقال له: ما خبرك قال: وجدنا جنديا من المهزومين وهو غرقان بحصانه فلعله من المطلوبين وإلا رميناه البحر فلما رآه عرفه ورجع إلى الصنجق فأمر باخراجه من القارب ووضع أحد الرجلين في الحديد وقال للثاني: اذهب فآت بكامل ما أخذتماه وأنا أطلق لك رفيقك وأمر بسلخ رأسه وغسلوه وكفنوه ودفنوه ناحية شرونة وارتحلوا وساروا إلى مصر. وكان القاسمية الذين بمصر فعلوا فعلهم وقتلوا ذا الفقار بك وذلك في أواخر رمضان والبلد في كرب والقاسمية منتظرون قدوم جركس وأبواب المدينة مقفلة وعلى كل باب أمير من الصناجق والوجاقلية داثرون بالطوف في الشوارع وبأيديهم الأسلحة. فلما وصل علي بك قطامش إلى الآثار النبوية وأرسل عرفهم بما حصل خرج إليه عثمان بك ودخل صحبته بموكب والرأس إمامهم محمولة في صينية فكان ذلك اليوم يوم سرور عند الفقارية وحزن عظيم عند القاسمية. فطلعوا بالرأس إلى القلعة فخلع عليهم الباشا الخلع السمور ونزلوا إلى منازلهم وأتتهم التقادم والهدايا فكان بين موت جركس وذي الفقار خمسة أيام ولم يشعر أحدهما بموت الآخر. ثم تتبعوا القاسمية وقتلوا منهم الوفا. وبهذه الحوادث انقطعت دولة القاسمية والسبب في دمارهم محمد بك جركس المترجم وابن أستاذه محمد بك بن أبي شنب وسوء أفعالهما وخبث

ص: 195

نياتهما فإن جركس هذا كان من أظلم خلق الله واتباعه كذلك وخصوصا سراجه المعروف بالصيفي وطائفته وكانت أيامه شر الأيام وحصل منهم من أنواع الفساد والافساد مالا يمكن ضبطه وكان موته في أواخر رمضان سنة 1142.

ومات الأمير علي بك المعروف بالهندي وهو مملوك أحمد بك تابع أيواظ بك الكبير جرجي الجنس تقلد الإمارة والصنجقية بالديار الرومية وذلك أنه لما قلد إسمعيل بك بن ايواظ أستاذ أحمد بك الصنجقية والامارة على السفر إلى بلاد مورة في سنة 1127 عوضا عن يوسف بك الجزار جعل عليا هذا كتخداه فلما توجهوا إلى هناك وتلاقوا في مصاف الحرب هجم المصريون على طابور العدو بعد انهزام الروميين فكسروا الطابور وانهزم العدو واستشهد أحمد بك أمير العسكر المصري. فلما رجعوا إلى اسلامبول ذكروا ذلك وحكوه لرجال الدولة فانعموا على علي الهندي وأعطوه صنجقية أستاذه أحمد بك واعطوه مرسوما بنظر الخاصكية قيد حياته زيادة على ذلك ورجع إلى مصر ولم يزل معدودا في الأمراء الكبار مدة دولة إسمعيل بك ابن سيد أستاذه حتى قتل إسمعيل بك وأراد قتله محمد بك جركس هو وعلي بك الارمني المعروف بأبي العدبات فدافع عنهما محمد باشا وقال: إن الهندي منظور مولانا السلطان والأرمني أمين العنبر وناصح في بخدمته وضمن عائلتهما الباشا فاستمروا في إمارتهما فلما استوحش جركس من ذي الفقار وجرد عليه وهو في كشوفية المنوفية هرب وحضر إلى مصر ودخل عند علي بك الهندي المذكور فاخفاه عنده خمسة وستين يوما ثم انتقل إلى مكان آخر والمترجم يكتم أمره فيه وجركس واتباعه يتجسسون ويفحصون عليه ليلا ونهارا وعزل جركس محمد باشا وحضر علي باشا ودبروا أمر وظهور ذي الفقار مع عثمان كتخدا القاذرغلي.

ص: 196

وأحضروا إليهم المترجم وصدروه لذلك وأعانوه بالمال وفتح بيته وجمع إليه الايواظية والخاملين من عشيرتهم وكتموا أمرهم وثاروا ثورة واحدة وأزالوا دولة جركس كما تقدم. وظهر أمر ذي الفقار وتلقد علي بك الهندي الدفتردارية بموجب الشرط المتقدم وحضر محمد بك قطامش من الديار الرومية باستدعاء المصريين بتقليد الدفتردارية من الدولة فلم يمكنه المترجم منها حتى ضاقت نفسه منه ووجه عزمه إلى ذي الفقار بك والح عليه وهو يعده ويمنيه ويأمره بالصبر والتأني إلى أن حضر المملوك الواشي واخبر علي بك باجتماع مصطفى بك بن ايواظ وأبي العدب ومن معهم وذكر له ما قالوه في حال نشوتهم فلم يتغافل عن ذلك وقال: لذلك المملوك اذهب إلى ذي الفقار بك فأخبره. فذهب إليه فعرفه صورة الحال فأوقع بهم ما تقدم ذكره من قتلهم بيد الباشا وكان يظن مصافاة ذي الفقار له ويعتقد مراعاة حقه له وبهذه النكتة صار علي بك وحيدا فطمع فيه العدو واختلى محمد بك قطامش بذي الفقار بك وتذاكر معه أمر الدفتردارية وعدم نزول علي بك عنها وقال: لا بد من قتلي اياه فقال له: ذو الفقار لا أدخل معك في دمه فإن له في عنقي جميلا فإن كنت ولا بد فاعلا فاذهب إلى يوسف كتخدا البركاوي ورضوان أغا وعثمان جاويش القازدغلي ودبر معهم ما تريد ولكن أن قتلتم الهندي فلازم من قتل محمد بك الجزار وذي الفقار قانصوه. فقال محمد قطامش أن ابن الجزار له في عنقي جميل فإنه صان بيتي وحريمي في غيابي كوالده من قبل فقال ذو الفقار بك: وأنا كذلك أقمت في الاختفاء بمنزل علي بك وبغيره باطلاعه. وانحط الأمر بينهم على الخيانة والغدر وذهب محمد بك فاجتمع بيوسف البركاوي ومن ذكر وتوافقوا على ذلك. فاحضر يوسف كتخدا البركاوي باش سراجينه وكلمه على قتل الهندي ووعده بالإكرام فأخذ معه في صحبها خمسة انفار ووقف

ص: 197

بهم عند باب االعزب. فلما أقبل علي بك في طائفته ابتكر ذلك السراج مشاجرة مع بعض السراجين وتسابوا فقيل لهم: اما تستحوا من الصنجق فأخرج ذلك السراج الطبنجة وضربها في صدر الصنجق علي بك جواده إلى جهة المحجر وسار على باب زويلة وذهب إلى داره بحارة عابدين وحضر إليه طوائفه واغراضه وأصحابه وامتلأ البيت والشارع وباتوا تلك الليلة وعند الفجر ركب محمد بك قطامش وحضر عند ذي الفقار بك فركب معه إلى جامع السلطان حسن وحضر عندهم رضوان اغا وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وباقي الأغوات فأرسلوا من طرفهم جاسوسا إلى بيت الهندي فرجع وعرفهم بمن عنده فقال رضوان اغا أنا أذهب إليه واحضره بحيلة إلى بيت ذي الفقار بك ويأتي اغات مستحفظان فيأخذه اليكم. فركب رضوان اغا وأرسلوا إلى ذي الفقار بك وقانصوه أتى عندهم أيضا. فلما دخل رضوان اغا على علي بك الهندي وده شعلة نار فجلس معه وحادثه وخادعه وقال له: بلغني أن ذو الفقار بك في بيتك خمسة وستين يوما وبينك وبينه عهد وميثاق فقم بنا إلى بيته وهو ينظر السراج الذي ضرب عليك الطبنجة وينتقم منه ودع الجماعة ينتظرونا إلى أن نعود اليهم. فطلب الحصان فاشار عليه علي كتخدا الجلفي بعدم الذهاب فلم يسمع وركب في قلة من اتباعه وصحبته مملوكان فقط وذهب مع رضوان اغا فدخل معه بيت ذي الفقار بك وتركه وسار ليأتي إليه بذي الفقار بك ذهب إليهم وعرفهم حصوله في بيت ذي الفقار. فأرسلوا إليه اغات مستحفظان في جماعة كثيرة فدخلوا بيت ذي الفقار بك وأخذوا الحصان والكرك من عليه وقدموا له أكديشا عريانا فقام عثمان تابع صالح كتخدا عزبان الرزاز وأخذ كليما قديما فوق الاكديش وميل عليه وقال له: هذا جزاء من يقص جناحه بيده. واركبوه عليه وذهبوا به إلى السلطان حسن.

ص: 198

فلما رآه ذو الفقار بك قال: خذوا هذا أيضا واشار إلى ذي الفقار قانصوه وكان رجلا وجيها ولحيته بيضاء عظيمة وعليه هيبة ووقار فسحبوهما مشاة على أقدامهما إلى سبيل المؤمن وقطعوا رؤوسهما ووضعوهما في تابوتين وذهبوا بهما إلى بيوتهما فما شعر الجماعة الجالسون في بيت الهندي إلا وهم داخلون عليهم برمته فغسلوه وكفنوه ومشوا في جنازته وذهبوا إلى منازلهم وانفض الجميع. وركب ذو الفقار ومن معه وطلعوا إلى القلعة وتمموا اغراضهم. وكان المترجم سليم الصدر وعنده الحلم والعفة وسماحة النفس وتولى كشوفية الغربية والمنوفية وبنى سويف ونظر الخاصكية بامر سلطاني قيد حياته. فلما ترأس محمد بك جركس وابن أستاذه محمد بك ابن أبي شنب الدفتردارية نزعها منه فورد بذلك مرسوم من الدولة بالتمكين للمترجم بنظر الخاصكية والبسه محمد باشا قفطانا بذلك فلم يمتثل محمد بك ابن أبي شنب ولم يمكنه منها فورد بعد ذلك مرسوم كذلك بتمكين علي بك فلبسه علي باشا قفطانا وبعث إلى محمد بك يطلب منه المفاتيح فوعده بذلك. ثم أحضروها له بسعي رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية فاعطاها إلى علي بك فركب بصحبة الأغا المعين ونائب القاضي ومن كل بلك واحد وفتحوا الخاصكية فلم يجدوا فيها شيئا فأخذ حجة بذلك. وكان موت المترجم في أوائل سنة 1140. ومات الأمير ذو الفقار بك قانصوه وهو تابع قانصوه بك الكبير الايواظي القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في سابع شعبان سنة 1128 ولبس عدة مناصب كثيرة مثل كشوفية بني سويف والبحيرة. ولما حصلت الحوادث وقتل إسمعيل بك ابن ايواظ اعتكف في بيته ولازم داره ولم يتداخل معهم في شيء من الأمور فلما تعصب ذو الفقار بك ومحمد بك قطامش ومن معهم على قتل علي بك الهندي واخماد فرقة القاسمية عزم على قتل ذي الفقار قانصوه أيضا وأرسل إليه واحضره إلى جامع السلطان حسن

ص: 199

وهو لم يخطر بباله أنهم يغدرونه لأنجماعه عنهم. فلما أحضروا علي بك الهندي على الصورة المتقدمة وسحبوه إلى القتل فقال ذو الفقار بك خذوا هذا أيضا واشار إلى المترجم لحزازة قديمة بينهما أو لعلمه بانه من رؤساء القاسمية وقاعدة من قواعدهم. فقال لهم: وما ذنبي خذوا عني الأمرية والبلاد ولا تقتلوني ظلما. فلم يمهلوه ولم يسمعوا لقوله فسحبوه ماشيا مع الهندي وقتلوهما تحت سبيل المؤمن بالرميلة وكان إنسانا عظيما وجيها منور الشبيبة عظيم اللحية رحمه الله تعالى.

ومات الأمير محمد بك ابن يوسف بك الجزار تقلد الإمارة والصنجقية في شعبان سنة 1138 بعد واقعة محمد بك جركس وخروجه من مصر. ولما قتل علي بك الهندي وذو الفقار بك قانصوه كان هو في كشوفية المنوفية فعينوا له تجريدة وعليها إسمعيل بك قيطاس وأخذ صحبته عربان نصف سعد وكان قد وصل إليه الخبر فأخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وارتحل إلى جسر سديمة. فلحقوه هناك واحتاطوا به وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم اجناد وعرب وحمى نفسه إلى الليل. ثم أحضر مركبا فنزل فيها وصحبته مملوكان لا غير وفراش واخراج وذهب إلى رشيد وترك أربعة وعشرين مملوكا خلاف المقتولين. فأخذوا الهجن وساروا ليلا متحيرين حتى جاوزوا وطاق إسمعيل بك. وتخلف منهم شخص فحضر إلى وطاق إسمعيل بك قيطاس فاخبره فارتحل كتخداه بطائفة فردوهم واخذهم عنده فخدموه إلى أن مات. ودخل محمد بك الجزار ثغر رشيد فاختفى في وكالة فنمي خبره إلى حسين جربجي الخشاب السردار فحضر إليه وقبض عليه وسجنه مع أحد المملوكين وكان الثاني غائبا بالسوق فتغيب ولم يظهر إلا بعد مدة وارخى لجنة وفتح له دكانا يبيع ويشتري ولم يعرفه أحد. وأرسل حسين جربجي الخبر إلى مصر مع الساعي إلى ذي الفقار بك ويستأذن في امره بشرط أن يجعلوه صنجقا

ص: 200

ويعطوه كشوفية البحيرة عن سنة 1140. فأجيب إلى ذلك وأرسلوا له فرمانا بقتل محمد بك الجزار وقتل مملوكه وإن يأتي هو إلى مصر ويعطوه مراده ومطلوبه. ومع الفرمان اغا معين من طرف الباشا فقتلوا محمد بك ومعه مملوكه وسلخوا رؤوسهما. ورجع بهما الأغا المعين إلى مصر.

ومات الأمير محمد بك ابن إبراهيم بك أبي شنب القاسمي وتقلد الإمارة والصنجقية في حياة والده في سنة 1127 ولما توفي والده انتقل إلى بيته الذي بالقرب من جامع اينال بالقرب من قناطر السباع وتولى عدة كشوفيات بالأقاليم في أيام المرحوم إسمعيل بك ابن ايواظ. وكان يحقده ويحسده ويكرهه باطنا هو ومماليك أبيه وخصوصا محمد بك جركس. وارادوا اغتياله وأوقفوا له في طريقه من يقتله ونجاه الله منهم فظفر بهم واخرج جركس منفيا إلى قبرص كما تقدم وسافر محمد بك المترجم بالخزينة فاغرى به رجال الدولة وأوشى في حقه وحصل ما تقدم ذكره وأيده الله عليهم أيضا في تلك المرة. ولما قتل إسمعيل بك واستقل محمد جركس فتقلد المترجم دفتردار وصار اميرا كبيرا يشار إليه ويرجع إليه في جميع الأمور ولما عزلوا محمد باشا النشنجي تقلد المترجم أيضا قائمقام وعمل الدواوين في بيته ولم يطلع إلى القلعة كعادة الوكلاء والنواب وقلد المناصب والأمريات في منزله وصار كأنه سلطان. وكان على نسق مملوك أبيه محمد جركس في العسف وسوء التدبير ولا يخرج أحدهما عن مراد الآخر. ولم يزل على ذلك حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار وخرج محمد بك جركس ومن معه هاربين واختفى المترجم. ثم أن جماعة من العامة وجدوه ميتا بالجامع الأزهر.

ومات أيضا عمر بك أمير الحاج تابع عبد الرحمن بك جرجا المتقدم ذكره انطوى إلى محمد بك جركس وأمره وجعله أمير الحاج في أيامه.

ص: 201

وكان غنيا وصاحب فائظ كثير ومات في واقعة جركس.

ومات رضوان بك وهو من مماليك محمد بك جركس ويقال له رضوان الخازندار قلده الصنجقية وأخذ نظر الخاصكية من علي بك الهندي واعطاها له. وتنافس بسببها مع جركس وانجمع كل منهما عن الآخر مدة طويلة. ولما وقع لجركس ما وقع اختفى رضوان بك المذكور عند يوسف بك زوج هانم فاخبر عنه واخذه سليمان اغا وقتله فسمي لذلك يوسف الخائن.

ومات الأمير علي بك المعروف بالارمني ويعرف أيضا بالشامي وهو من اتباع ابن ايواظ وكان امين العنبر ويعرف أيضا بابي العدب تقلد الصنجقية في عشري شهر القعدة سنة 1135 ولما أراد إسمعيل بك تأميره لم يجدوا له امرية في المحلول. فانعم عليه الباشا بصنجقية كتخداه رعاية لخاطر ابن ايواظ. ومات أيضا مصطفى بك ابن ايواظ وهو اخو إسمعيل بك تقلد الإمارة والصنجقية أيام ظهور ذي الفقار كما تقدم وصار من الأمراء القاسمية المعدودين فلما أحضر الباشا علي بك الارمني وقتله وأمر بالقبض على باقي الجماعة فقبضوا على مصطفى بك المذكور واحضروه على حمار وصحبته المقدم تابعه فقتلوهما تحت ديوان قايتباي بعد قتل علي بك بيومين.

ومات الأمير صاري علي بك ويقال له علي بك الأصغر لأن صاري بمعنى الأصغر وهو من اتباع ايواظ بك تقلد الإمارة والصنجقية غاية شعبان سنة 1135 ولبس كشوفية الغربية ولما قتل ابن أستاذه إسمعيل بك استعفى من الصنجقية وعمل جربجيا بباب العزب واعتكف ببيته ولم يتداخل في أمر من الأمور ثم اعيد وسافر اميرا بالعسكر إلى الروم وتوفي بدار السلطنة سنة 1141.

ومات الأمير أحمد كتخدا عزبان المعروف بامين البحرين وكان من

ص: 202

الأعيان المشهورين نافذ الكلمة وافر الحرمة. وكان بينه وبين الأمير إسمعيل بك ابن ايواظ وحشة وكان يكرههه فلما ظهر إسمعيل بك خمدت كلمة المترجم واستمر في خموله ثم انضم إلى إسمعيل بك وتحابب له وصار من أكبر أصدقائه. وعمل باش اوده باشه ثم تولى الكتخدائية وعمل امين البحرين ثالث مرة. وسمعت كلمته ونمي صيته فلما قتل إسمعيل بك رجع إلى خموله. ثم نفي إلى أبي قير بمعرفة اختيارية الباب وتعصب إبراهيم كتخدا افندي عليه وكان إذ ذاك ضعيف المزاج فأرسلوا له الفرمان صحبة كمشك جاويش ومعه نحو المائتين نفر فدخلوا عليه منزله بدرب السادات مطل على بركة الفيل على حين غفلة واركبوه من ساعته وهم حوله إلى بولاق وأرسلوه إلى أبي قير. ثم أرسلوا له فرمانا بالسفر إلى سفر العجم مع صاري علي وجعلوه سردار العزب ومع الفرمان القفطان وفيه الأمر له بان يجهز نفسه ويسافر من أبي قير إلى الأسكندرية. توفي في سنة 1141.

ومات الأمير علي قاسم وهو ابن أخي قاسم بك الصغير ويلقب بالملفق ولما مات قاسم بك بالبهنسا كما تقدم قلد محمد بك جركس عليا هذا الصنجقية عوضا عن قاسم بك ونزل في منصبه واعطاه فائظه. ولم يزل اميرا حتى خرج محمد بك جركس من مصر هاربا وخرج معه من خرج واختفى المترجم فمين اختفى ببيت امرأة دلالة في كوم الشيخ سلامة ومات به.

ومات الأمير رجب كتخدا سليمان الاقواسي وذلك أنه لما انقضى أمر جركس قلدوا رجب كتخدا سردار جداوي وجعلوا الاقواسي يمق وجهزوا أمورهما واحمالهما وخرجا إلى البركة ليذهبا إلى السويس فخرج اليهما صنجق من الأمراء وصحبته جاويش من الباب فاتياهما آخر الليل وقتلاهما وقطعا رؤوسهما وضبطا ما وجداه من متاعهما وسلماه لبيت المال بالباب.

ص: 203

ومات الأمير أحمد افندي كاتب الروزنامة ابن محمد افندي التذكرجي خنقة محمد باشا النشنجي في واقعة جركس وظهور ذي الفقار بك ولما خرج جركس من مصر هاربا خرج معه إلى وردان وكان جسيما فانقطع مع بعض المنقطعين واخذت ثيابهم العرب وقبضوا على من قبضوا عليه وفيهم أحمد افندي الروزنامجي واتوا بهم إلى مصطفى تابع رضوان اغا وكان في الطرانة قائمقام. فاخذهم وقتل منهم اناسا وأرسل رؤوسهم وأرسل أحمد افندي بالحياة فحضرواا به إلى بيت الدفتردار وهو راكب على ظهر حمار سوقي فأرسله علي بك الهندي الدفتردار إلي ذي الفقار لم يلتفت إليه ولم يخاطبه وأرسله إلى الباشا فمثل بين يديه وكان يوم ديوان وذلك بعد الواقعة بخمسة أيام فأرسله الباشا إلى كتخداه فبات عنده تلك الليلة ثم أرسله إلى كتخدا مستحفظان فحبسه بالقلعة وخنقوه تلك الليلة وانزلوه إلى بيته فغسلوه وكفنوه ودفنوه.

ومات محمد جربجي المرابي وكان ذا مال عريض وضبط موجودة الفي كيس ولم يعقب أولادا إلا أولاد سيده وزوجته بنت أستاذه وأوصى لشخص يقال له عمر اغا بثلاثين كيسا ولآخر بالفي دينار ولآخر بالف ولكل مملوك من مماليكه ألف دينار ولمجاوري الأزهر خمسمائة دينار. توفي في عشرين رمضان سنة 1138.

ومات المعلم داود صاحب عيار خنقه محمد باشا النشنجي بعد خروج محمد بك جركس فقبضوا عليه وحبسوه بالعرقانة وخنقوه وهو الذي ينسب إليه الجدد الداودية. وفي سنة 1137 الماضية حضر من الديار الرومية امين ضربخانة وصاحب عيار وصناع دار الضرب وصحبتهم سكة الفندقلي والنصف فندقلي وإن يكون عياره ثلاثة وعشرين قيراطا وصرف الفندقلي مائة وأربعة وثلاثون نصفا والنصف سبعة وستون فاحضر الباشا المعلم داود وطلب منه سكة الجنزرلي واعطاه سكة الفندقلي وختم

ص: 204

على سكة الجنزرلي في كيس وأودعها في خزانة الديوان. وعندما سمع داود بهذه الأخبار قبل حضورهم إلى مصر تدارك امره وفرق علي الباشا وكتخدا الباشا ومحمد بك جركس والمتكلمين عشرين ألف دينار. فلما قرىء المرسوم بالديوان قالوا: سمعنا واطعنا في أمر السكة وأما صاحب عيار فإن لا يتغير فقال الباشا: كذلك لكن يكون الأغا ناظرا على الضربخانة لاجل اجراء المرسوم وتم الأمر على ذلك. فلما عزل الباشا اجتمع الموردون للذههب عند المعلم داود وكلموه في اخراج سكة الجنزرلي لأنهم هابوا سكة الفندقلي وامتنعوا من جلب الذهب. وتعطل الشغل فرشا قائمقام واخرج له سكة الجنزرلي وسلمها لداود فأخذها إلى داره بالجيزة وعمل له فرمانا للذهب واحضر الصناع والذهب من التجار وضرب في ستين يوما وليلة تسعمائة وثمانين ألف جنزرلي ونقص من عياره قيراطا ودفع المصلحة وسدد ما عليه من ثمن الذهب وقضى ديونه وكشوفية دار الضرب. فصارت الصيارف تتوقف فيه ويقولون ضرب الجيزة يعجز خمسة انصاف فضة فنقمها محمد باشا على داود فلما عاد إلى المنصب في واقعة جركس وذي الفقار قبض عليه وقتله وذلك في أواخر جمادي الاخرة سنة 1138.

ومات الأمير أحمد بك الأعسر وهو من مماليك إبراهيم بك أبي شنب القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في عشرين شهر شوال 1123 وتلبس بعده مناصب مثل جرجا والبحيرة والدفتردارية وعزل عنها وهو خشداش جركس وعضده وخرج معه من مصر ولما ذهب جركس إلى بلاد الافرنج تخلف عنه وأقام عند العرب ونزل عند ابن غازي بناحية درنه. فلما وصل الحاج المغربي أرسل معهم ثلاثة من مماليكه وأرسل معهم مكاتيب ومفاتيح إلى ولده وذكر له أنه يتوجه إلى رجل سماه له. فلما وصلت السفينة التي نزلوا بها اعلم القبطان سردار مستحفظان فقبض عليهم.

ص: 205

وأرسل بخبرهم إلى باب مستحفظان فأخبروا الباشا فاحضروا إلى الشرطة وأمره باحضار ابن أحمد بك الاعسر فاحضره فامر بحبسه بالعرقانة فحبسوه وعاقبوه فاقر بان المال عند ابن درويش المزين وهو كان مزين إبراهيم بك أبي شنب فأرسلوا إليه وهجموا عليه ليلا وأخذوا كل ما في داره ووجدوا عنده ثلاثة صناديق للاعسر ثم نفوا بعد ذلك ابن أحمد بك إلى دمياط ولم يزل أحمد بك ينتقل مرة عند عرب درنة ومرة عند الهوارة بالصعيد وكذلك باقي جماعة جركس وخشداشينه حتى رجع إليهم جركس وخرجت إليهم التجاريد وقتل في الحرب سنة 1142.

ومات الأمير مصطفى بك الدمياطي قلده الصنجقية ذو الفقار بك بعد هروب محمد بك جركس وولاه جرجا وكان يقال له مصطفى الهندي فلما نزل إلى جرجا وكان بها سليمان بك القاسمي عدى سليمان بك إلى البر الشرقي تجاهه وصار كل يوم بعمل نشانا ويضرب الجرة فلم يتجاسر مصطفى بك على التعدية وكان غالب اتباع مصطفى بك وطوائفه قاسمية من اتباع المقتولين فراسلهم سليمان بك وراسلوه سرا ثم اتفقوا على قتل مصطفى بك فقتلوه وغدروه ليلا وأخذوا خزانته وما أمكنهم من متاعه وعدوا إلى سليمان بك وانضموا إليه. فلما أصبح مماليكه وخاصته وجدوا سيدهم مقتولا فغسلوه وكفنوه ودفنوه. وكتب كتخداه بذلك إلى ذي الفقار بك فلما وصل إليه الجواب أرسل إليه بالحضور بمخلفاته ومماليكه المشتروات ففعل ذلك وقلد عوضه حسن كاشف من اتباعه الصنجقية وولاية جرجا فأرسل قائمقامه ثم جهز أموره ونزل إلى منصبه.

ومات سليمان بك القاسمي المذكور آنفا وذلك أنه لما رجع محمد بك جركس وسار إلى ناحية القطيعة ثم انتقل إلى جهة الغرب قبلي جرجا فأرسل إلى المتجرم يطلب للحضور إليه بمن معه من القاسمية فعدى إليه

ص: 206

بمن ذكر وصحبته قرا مصطفى اوده باشا فقابلوه وارتحل معهم إلى بحري فبرز إليهم حسن بك وقتل كما ذكر واستولى جركس على صيوانه ومطابخه وعازقه وارتحل جركس ومن معه إلى بحري وخرجت إليهم التجاريد واميرها عثمان بك وعلي بك قطامش فتلاقوا معهم بوادي البهنسا ووقعت بينهم الحروب. وكان مع جركس طوائف الزيدية وخلافهم وانجلت الحرب عن هزيمة المصريين واستولى جركس ومن معه على خيامهم ونزل جركس في وطاق عثمان بك وسليمان بك المترجم في وطاق علي بك ورجع المنهزمون إلى مصر وزحف جركس ومن معة إلى ناحية دهشور وخرجت لهم التجريدة ونصبوا تجاههم فاصبح سليمان بك وتهيأ للركوب والمحاربة فمنعه جركس وقال له: هدا اليوم ليس لنا فيه حظ. فقال له: كيف أصبر على القعاد والراية البيضاء إمامي ثم ركب وهجم على التجريدة وقتل اناسا كثيرا وشتتهم وانحازوا خلف المتاريس وردوه بالمدافع وبرزوا إليه مرتين وهزمهم وفي الثالثة أصيب جواده برصاصة في فخذه فسقط إلى الأرض فتحلقت به طوائفه ومماليكه وذهب بعض الخدم ليأتي إليه بمركوب آخر وتابع الاخصام الرمي حتى تفرق من حوله ولم يبق معه سوى مملوك وآخر من الطوائف فأصيب هو والطائفة فوقعا. فهجم عليه سالم بن حبيب وأخذوهما إلى الصيوان وقطعوا دماغهما ودفنوهما عند الشيمي فلما وقع لسليمان بك ما وقع ارتحل جركس وسار نحو الجبل.

ومات قرا مصطفى جاويش وكان اوده باشا فلبسه جركس الضلمة في أيام رجب كتخدا مستحفظان سابقا ثم عمل كجك جاويش ونزل يجمع عمائد الباب من الوجه القبلي فوقع بمصر ما وقع ممن حروب جركس وقتل رجب كتخدا والاقواسي فالتجأ إلى سليمان بك المذكور وعدى صحبة الشرق فلما وقعت الحروب وقتل سليمان بك اجتمع إليه الطوائف

ص: 207

العرابة ونزل بهم المراكب وساروا إلى قبلي فتبعه عثمان جاويش القازدغلي ليلا ونهارا حتى لحقه وهو راسي تحت أبي جرج وكانت الأجناد الذين بصحبته طلعوا جهة الشرق قرابة من عدم القومانية فقبضوا على مصطفى جاويش المذكور ومعه ثلاثة من الغزنهب عثمان جاويش ما وجده في المراكب وحضر إلى مصر فقطعوا رأس مصطفى جاويش المذكور ومن معه.

ومات الأمير ذو الفقار بك الفقاري وهو مملوك عمر اغا من اتباع بلغية قتل سيده المذكور بعد انفصال الفتنة الكبيرة. لما طلع الأمير إسمعيل بك أثر ذلك باب العزب وقتل حسن كتخدا برمق سرو أمر بقتل عمر اغا المذكور فقتلوه عند باب القلعة وأمر بقتل المترجم أيضا وكان إذ ذاك خازنداره فالتجا إلى علي خازندار حسن كتخدا الجلفي وكان من بدله فحماه وخاصم أستاذه من اجله وخلص له نصف قمن العروس وكانت لأستاذه فأخرج له تقسيطها وأخذ النصف الثاني إسمعيل بك من المحلول وتصرف في كامل البلد ومات حسن كتخدا الجلفي فانطوى المترجم إلى محمد بك جركس وترجاه كي استخلاص فائظة من إسمعيل بك وكلمة بسببه مرارا فلم ينجع. وكلما خاطبه في امره قطب وجهه وقال له: أما يكفيك أني تاركه حياء لاجل خاطرك فإن أردت قبول شفاعتك فيه اطرد الصيفي من بيتك وأرسل الي بعد ذلك المذكور يحاسبني واعطيه الذي له فيسكت جركس وضاق الحال بالمترجم من الفشل والاعدام فاستأذن جركس في غدر ابن ايواظ فقال افعل ما تريد فوقف له مع نظرائه بالرميلة وضربوا عليه الرصاص فلم يصيبوه ووقع بسبب ذلك ما وقع لجركس واخرج من مصر ونفي إلى قبرص كما تقدم وتغيب المترجم فلم يظهر حتى رجع جركس وظهر امره ثانيا وعاد إلى طلب فائظة والالحاح على جركس بذلك وهو يسوفه ويعده ويمنيه ويعتذر له.

ص: 208

إلى أن ضاق خناقه وعاد إلى حالة الغدر الأولى وفعل ما تقدم من المخاطرة بنفسه وقتله لابن ايواظ بمجلس كتخدا الباشا وكان إذ ذاك من آحاد الأجناد ولم يتقدم له إمارة ولا منصب فعندها قلده الصنجقية وكشوفية المنوفية وأخذ من فائظ إسمعيل بك عشرين كيسا وانضم إليه الكثير من فرقة الفقارية وحقد عليه القاسمية وحضر رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية عند جركس وتذاكروا أمر ذي الفقار وإنهم نظروه وهو خارج بالموكب إلى كشوفية المنوفية ومعة عصبة الفقارية وامراؤهم راكبين فىموكبه مثل مصطفى بك بليغة ومحمد بك أمير الحاج وإسمعيل بك الد إلى وقيطاس بك الاعور وإسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك قزلار وغيرهم وقالا له أن غفلنا عن هدا الحال قتلتنا الفقاريه فحركا فيه حمية الجاهلية وقتلا أصلان وقيلان بيد الصيفى وطلب من محمد باشا فرمانا بالتجريد على ذي الفقار فامتنع الباشا من ذلك وقال: رجل خاطر بنفسه وفعل ما فعله باطلاعكم فكيف أعطيكم فرمانا بقتله. فتحامل جركس على الباشا وعزله وقلد محمد بك ابن أستاذه قائمقام وأخذ منه فرمانا وجهز التجريدة إلى ذي الفقار وكتب بذلك مصطفى بك بلغيه إلى ذي الفقار يخبره بما حصل ويأمره بالاختفاء ففعل ذلك وحضر إلى مصر واختفى أحمد أوده باشا المطر باز أياما وعند علي بك الهندي زيادة عن شهرين وحصل له ما تقدم ذكره من حضور علي باشا والقبطان وقيام الايواظية والفقارية وظهور ذي الفقار ووقوع الحرب بينهم وبين محمد بك جركس وخروجه من مصر وذهابه إلى بلاد الافرنج ورجوعه وتجهيز ذي الفقار بك التجاريد إليه وهزمها وزحفه على مصر. وقد كان اوقع بالايواظية في غيبة جركس ما أوقعه من القتل والتشريد ما ذكرناه فلما قرب جركس من أرض مصر راسل القاسمية سرا ومنهم سليمان اغا أبو دفية وهم إذ ذاك خاملون ومتغيبون

ص: 209

ومختفون وذو الفقار بك يخص عنهم ويأمر الوالي والاغا والأوده باشة البوابة بالتجسس والتفتيش على كل من كان من القاسمية وخصوصا يعسوبهم سليمان آغا المذكور. وقرب ركاب جركس من مصر بعد ما كسر التجاريد وعدى إلى جهة الشرق واشتد الكرب بذي الفقار واجتهد في تحصين المدينة واجلس أمراءه وصناجقه على الأبواب وفي النواحي والجهات ولازم أرباب الدرك والمقادم الطواف والحرس وخصوصا بالليل وفتائل البندق مشعلة بالنار في الازقة والشوارع والقاسمية منتظرون الفرصة والوثوب من داخل البلدة. فلما تراسل جركس سليمان أغا أباد فيه الوثوب واعمال الحيلة على قتل ذي الفقار بك باي وجه أمكن توافقوا فيما بينهم على وقت معين واجتمع أبو دفية وخليل اغا تابع محمد بك قطامش وجمعوا اليم ثلاثين أود باشا من القاسمية وأعطاهم الفا ومائتي جنزرلي وإن يضم كل واحد منهم إليه عشرة أنفار ويقفوا متفرقين جة باب الخرق وجامع الحين وقت إذان العشاء وجمع الي خليل أغا نحو سبعين نفرا من القاسمية ولبسوا كملابس أتباع أود باشة البوابة ومن داخل ثيابم الأسلحة وبايديم النبابيت. ولبس خليل اغا هيئة الأودة باشا وزيه وكان شبيا به في الصورة وأخذوا معم سليمان اغا ابادفية وو مغطى الرأس وبيده القرابينة ودخلوا إلى بيت ذي الفقار بك في كبكبة وهم يقولون قبضنا على أبي دفية وكان المترجم جالسا بالمقعد ومع الحاج قاسم الشرايبي وآخرون وهو مشمر ذراعيه يريد الوضوء لصلاة العشاء فلما وقفوا بين يديه وقف على أقدامه وقال: أين هو؟ فقال خليل أغا: ها هو وكشفوا رأسه فأراد أن يكلمه ويوبخه فاطلق أبو دفية القرابينة في بطن الصنجق وأطلق باقي الجماعة ما معهم من الطبنجات فانعقدت الدخنة بالمقعد فنط قاسم الشرايبي ومن معه من المقعد إلى الحوش ونزلوا على

ص: 210

الفور فوجدوا سراجه المسمى بالشتوي فقتلوه في سلالم المقعد وعلي بك المعروف بالوزير قتلوه أيضا وهو داخل يظنوه مصطفى بك بلغيه وإذا بعلي الخازندار يقول باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح وسمعه الجماعة فكانت هذه الكلمة سببا لظهور الفقارية وانقراض القاسمية إلى آخر الدهر. ولم يقم لهم بعدها قائم ابدا فإنهم لما سمعوا قول الخازندار ذلك اعتقدوا صحته وتحققوا فساد طبختهم وخرجوا على وجوههم وتفرق جمعهم فذهب أبو دفية ويوسف بك الشرايبي وخليل اغا فاختفوا بمكان يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ الذي هو مختفي فيه وأربعة من اعيانهم اختفوا في دار عند مطبخ الأزهر وأما الجماعة المجتمعون بباب الخرق في انتظار إذان العشاء فما يشعرون إلا بالكرشة في الناس فتفرقوا واختفوا فلو قدر الله أنه اجتمع الواصلون والمجتمعون بباب الخرق وهم محرمون في صلاة التراويح لتم غرضهم وظهر شأن القاسمية ولكن لم يرد الله بذلك. ثم أن علي الخازندار أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر إليه بجمعه وإذا برجل سراج من العصبة المتقدمة حضر إليهم وعرفهم بصورة الواقع ليأخذ بذلك وجاهة عندهم فحبسوه إلى طلوع النهار فحضر عثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعلي كتخدا الجلفي ومحمد بك قطامش وخليل افندي جراكسة فغروا على الخازندار فقال علي الخازندار لمحمد بك قطامش دم الصنجق عندك فإن القاتل لاستاذنا مملوكك خليل اغا فقال أنا طارده من يوم عزل من اغاوية العزب ووقت ما تجدوه أقتلوه ثم أحضروا ذلك السراج بين ايديهم وسأله عثمان جاويش فعرفه أنه ينكجري فأرسلوه إلى الباب ليقرروه على اسماء المجتمعين ثم غسلوا الصنجق وكفنوه وصلوا عليه في مصلى المؤمنين ودفنوه بالقرافة وطلعوا إلى القلعة وقلدوه الصنجقية وقلدوا أيضا صالح

ص: 211

كاشف تابع محمد بك قطامش وعزلوا محمد بك من إمارة الحج باستعفائه لعدم قدرته. وأرسلوا إلى خشداشة عثمان بك فحضر من التجريدة وسكن ببيت أستاذه وسكن علي بك في بيت محمد اغا تابع إسمعيل باشا في الشيخ الظلام وتزوج بزوجة سيده بعد ذلك وقطعوا فرمانا في اليوم الذي تقلد فيه علي بك الصنجقية بقتل القاسمية ومات محمد بك جركس بعد موت ذي الفقار كما ذكر وحضر برأسه علي بك قطامش وذلك بعد موت ذي الفقار بك بخمسة أيام. وانقضت دولة القاسمية وتتبعهم الفقارية بالقتل حتى افنوهم وكان موت ذي الفقار وجركس في أواخر شهر رمضان سنة 1142 وكان الأمير ذو الفقار بك اميرا جليلا شجاعا بطلا مهيبا كريم الاخلاق مع قلة ايراده وعدم ظلمه وكان يرسل اليلكات والكساوي في شهر رمضان لجميع الأمراء والأعيان والوجاقات ويرسل لأهل العلم بالأزهر ستين كسوة ودراهم تفرق على الفقراء المجاورين بالأزهر ومن انشائه الجنينة والحوض ببركة الحاج والوكالة التي برأس الجودرية ولم يتمها.

ومات الأمير يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ بك وتزوج بها بعد موت عبد الله بك وأصل يوسف بك من مماليك ايواظ بك وقلده الإمارة والصنجقية إسمعيل بك وعرف بالخائن لأنه لما هرب عنده رضوان بك خازندار جركس أخبر عنه وخفر ذمة نفسه وسلمه إليهم فقتلوه فسماه أهل مصر الخائن. ولما حصل ما تقدم ذكره من قصة اجتماعهم وحديثهم في حال نشوتهم بمنزل علي بك الارمني ونقل عنهم المملوك مجلسهم إلى علي بك الهندي وأرسله علي بك إلى الأمير ذي الفقار والباشا فنقل لهما ذلك وقتل الباشا علي بك الارمني ومصطفى بك ابن ايواظ فاختفى المترجم وباقي الجماعة ولم يزل في اختفائه إلى أن حضر رجل عطار إلى اغات مستحفظان واخبره عن رجل من الفقهاء يأتي إلى الجزار

ص: 212

بجواره ويأخذ منه كل يوم زيادة عن عشرة أرطال من اللحم الضاني وكان من عادته أن لا يأخذ سوى رطلين ونصف في يومين ولا بد لذلك من سبب بأن يكون عنده اناس من المطلوبين فركب الأغا والوالي إلى ذلك البيت فوجدوا به امرأتين عجوزتين وعندهم حلل وقصاع ومعالق وليس بالبيت فراش ولا متاع فطلعوا إلى أعلى المكان ونزلوا أسفله فلم يجدوا شيئا فنزل الأغا وهو يشتم العطار واراد ضربه وإذا بشخص من الأجناد أراد أن يزيل ضرورة في ناحية فلاح له رأس إنسان في مكان متسفل مظلم فلما رأى ذلك الجندي خبأ رأسه وانزوى إلى داخل فاخبر الأغا فأوقدوا الطلق وإذا بشخص صاعد من المحل وبيده سيف مسلول وهو يقول طريق فتكاثروا عليه وقتلوه ونزلوا بالطلق إلى أسفل فوجدوا يوسف بك المترجم ومعه شخصان فقبضوا عليهم وانعم الأغا علي العطار وأخذهم إلى الباشا فأرسلهم إلى عثمان بك ذي الفقار فضربوا رقابهم تحت المقعد.

ومات كل من الأمير محمد بك جركس الصغير واخ محمد بك الكبير وذلك أنه لما انقضى أمر محمد بك جركس الكبير اختفى المذكوران ودخلا إلى مصر متنكرين واختفيا في بيت رجل من اتباعهما بخطة القبر الطويل ومعهما مملوكان. فاخلى لهم البيت وباع الخيل وشال العدد وأتى إلى اغات الينكجرية فاخبره فأرسل الأغا والوالي والأوده باشا وحضروا إليهم فرموا عليهم بالرصاص من الجانبين وكامنوهم إلى الليل وحضر علي بك ومصطفى بك بلغيه فنقب عليهم مصطفى بك من بيت إلى بيت حتى وصل إليهم وأوقد نارا من أسفل المكان الذي هم فيه فأحسوا بذلك فقرأ أحد المملوكين وهرب وقتل الثاني برصاصة وقبضوا على الإثنين وقتلوهما ودفنوهما.

ومات الأمير خليل اغا تابع محمد بك قطامش اغات العزب سابقا وهو

ص: 213

الذي انتدب العمل المتصف المتقدم ذكره وتزيا بزي اوده باشا البوابة ودخل إلى بيت الأمير ذي الفقار وقت إذان العشاء ومعه سليمان أبو دفية وقتلوا ذا الفقار بك كما تقدم. ثم كانت الدائرة عليهم واختفوا ثم وقعوا بخازنداره بالخليج فقبضوا عليه وسجنوه وقرروه فأقر على سيده وغيره فقبضوا على خليل اغا من المكان الذي كان مختفيا فيه وكان بصحبته يوسف بك الشرايبي وسليمان اغا أبو دفية. ففي ذلك الوقت قال أبو دفية: قوموا من هذا المكان فإن قلبي يختلج. فقال يوسف الشرايبي وأنا كذلك. فتقنعا وخرجا واستمر خليل اغا في محله حتى وصلوا إليه في ذلك اليوم وقتل كما ذكر واخذه الأغا إلى بيت علي بك ذي الفقار فأرسله إلى الباشا وأرسله الباشا إلى عثمان بك فرمى دماغه تحت المقعد وكذلك عثمان اغا الرزاز وغيره. واما أبو دفية فإنه لما تقنع هو ويوسف الشرايبي وخرجا وتفرقا فذهب أبو دفية إلى بيت مقدمه ولبس زي بعض القواسة وركب فرسه ووضع له أوراقا في عمامته وخرج في وقت الفجر إلى جهة الشرقية وذهب مع القافلة إلى غزة ثم إلى الشام وسافر منها إلى اسلامبول. وخرج في السفر وذهب إلى عند التترخان فاعطاه منصبا وعمله مرزة وتزوج بقونية ولم يزل هناك حتى مات. واما يوسف بك الشرايبي فذهب إلى دار بالازبكية وخفى امره ومات بعد مدة ولم يعلم له خبر.

ومات عبد الغفار اغا بن حسن افندي وقد تقدم أنه تقلد في أيام ابن ايواظ اغاوية المتفرقة بموجب مرسوم ورد من الدولة بذلك وسببه أن حسن افندي والده كان له يد وشهرة في رجال الدولة وكان من يأتي منهم إلى مصر يترددون إليه في منزله ويهادونه ويهاديهم فاتفق أنه اهدى إلى السلطنة عبدا طواشيا فترقى هناك وأرسل إلى ابن سيده مرسوما باغاوية المتفرقة وذلك في سنة 1135 بعد موت والده

ص: 214

والبسه الباشا قفطانا بذلك وعند ذلك من النوادر التي لم يسبق نظيرها ووقع بذلك فتنة في البلكات تقدم الالماع يذكر بعضها والتجأ المترجم إلى ابن ايواظ وهرب من الباب. ولحديث قتلة نبأ غريب وذلك أنه في اثناء تتبع القاسمية وقتلهم ورد مكتوب من كتخدا الوزير إلى عبد الله باشا الكبورلي بالوصية على عبد الغفار اغا فقال الباشا لكتخدا الجاويشية عندكم إنسان يسمى عبد الغفار اغا قال له: نعم كان اغات متفرقة ثم عمل اغات عزب وعزل. فقال أرسل إليه بالحضور. فخرج كتخدا الجاويشية واخبر محمد بك قطامش الدفتردار فقال أرسل إليه واطلبه للحضور. وطلب الوالي فقال له: إذا انقضى أمر الديوان فأنزل إلى باب العزب واجلس هناك وانتظر عبد الغفار اغا وهو نازل من عند الباشا فاركب وسر خلفه حتى يدخل إلى بيته فاعبر عليه واقطع رأسه. فلما أحضر المترجم صحبة الجاويش ودخل إلى الباشا وصحبته كتخدا الجاويشية وعرف الباشا عنه وتركه وخرج وانقضى الديوان وحضر الغداء فاشار إلى عبد الغفار اغا فجلس وأكل صحبته وحادثه الباشا فقال له: أنت لك صاحب في الدولة قال: نعم كان لأبي صديق من أغوات عابدي باشا وكان شهر حوالة وبلغني أنه الآن كتخدا الوزير وكان اشترى جارية ووضعها عندنا في مكان فكان ينزل ويبيت عندنا ولما عزل عابدي باشا اخذها وسافر فهو إلى الآن يودنا ويراسلنا بالسلام. فقال له: الباشا أنه أرسل يوصينا عليك فانظر ما تريد من الحوايج أو المناصب. فقال لا اريد شيئا ويكفيني نظركم ودعاؤكم. واخذ خاطر الباشا ونزل إلى داره فلما مر بباب العزب ركب الوالي ومشى في اثره ولم يزل سائرا خلفه حتى دخل إلى البيت ونزل من على الحصان بسلم الركوبة وكان بيته بالناصرية فعند ذلك قبضوا عليه وأخذوا عمامته وفروته وثيابه وسحبوه إلى باب الأسطبل فقطعوا رأسه واخذها الوالي

ص: 215

مع الحصان وأتى بهما إلى بيت محمد بك قطامش فصرخت والدته وزوجته وجواريه وتقنعن وطلعن إلى القلعة صارخات فقال الباشا ما خبر هذا الحريم فقالت والدته حيث أن الباشا أراد قتله كان يفعل به ذلك بعيدا عنا فتعجب الباشا وقام من مجلسه وخرج إلى ديوان قايتباي واستخبرهن فاخبرته بما حصل فاغتم غما شديدا وطلب الوالي وأمر برجوع الحوايج والرأس واعطاهن كفنا ودراهم واعطى والدته فرمانا بكامل ما كان تحت تصرفه من غير حلوان ونزلت الأغوات والنساء فأخذوا الرأس والثياب وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه. ولما طلع محمد بك قطامش إلى الديوان قال له: الباشا تقتلون الأغوات في بيوتها من غير فرمان. فقال لم نقتله إلا بفرمان فإنه كان من جملة الثلثمائة المتعصبين على قتل اخينا ذي الفقار بك وعزل الباشا الوالي وقلد خلافه في الزعامة وكان المترجم آخر من قتل من القاسمية المعروفين رحمه الله وكان عند المترجم سبعة مماليك من مماليك محمد بك بن أبي شنب فبلغ خبرهم محمد بك قطامش فأرسل من اخذهم من عنده قبل كائنته بنحو ثمانية أيام.

ص: 216

الفصل الثاني في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143.

ووجهه أن بهذا التاريخ كان انقراض فرقة القاسمية وظهور أمر الفقارية وخلع السلطان أحمد من السلطنة وولاية السلطان محمود خان ووالي مصر إذ ذاك عبد الله باشا الكبورلي بباء معطشة فارسية نسبة إلى كبور بلدة بالروم وحضر إلى مصر في السنة الخالية وكان من أرباب الفضائل وله ديوان شعر جيد على حروف المعجم ومدحه شعراء مصر لفضله وميله إلى الأدب وكان إنسانا خيرا صالحا منقادا إلى الشريعة ابطل المنكرات والخمامير ومواقف الخواطىء والبوظعن بولاق وباب اللوق وطولون ومصر القديمة وجعل للوالي والمقدمين عوضا عن ذلك في كل شهر كيسا من كشوفيات الباشوات وكتب بذلك حجة شرعية وفيها لعن كل من تسبب في رجوع ذلك. ووصل الأمر بالزينة في أيامه لتولية السلطان محمود وكان الوقت غير قابل لذلك فعملوا شنكا ومدافع بالقلعة.

عزل عبد الله باشا وتولية عثمان باشا الحلبي.

وعزل عبد الله باشا المذكور أواخر سنة أربع وأربعين ومائة وألف وأمراء مصر في هذا التاريخ محمد بك قطامش وتابعه علي بك قطامش وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعبد الله كتخدا القازدغلي وسليمان كتخدا القازدغلي وحسن كتخدا القازدغلي ومحمد كتخدا

ص: 217

الداودية وعلي بك ذو الفقار وعثمان بك ذو الفقار خشداشة. ووصل مسلم محمد باشا السلحدار فأخبر بولاية محمد باشا السلحدار وقدم من البصرة سنة 1145 ونزل عبد الله باشا إلى بيت شكريره واستمر محمد باشا واليا على مصر إلى سنة ست وأربعين ثم عزل وتولى عثمان باشا الحلبي ووصل المسلم بقائمقامية إلى علي بك ذي الفقار فطلع إلى الديوان ولبس القفطان من عثمان باشا ونزل إلى بيته وحضر إليه الأمراء وهنوه وخلع علي إسمعيل بك أبي قلتج امين السماط ووصل عثمان باشا إلى العريش وتوجهت إليه الملاقاة وأرباب الخدم وحضر إلى العادلية وعملوا له شنكا وطلع إلى القلعة وخلع الخلع وورد قابجي باشا بالسكة وابطال سكة الذهب الفندقلي وضرب الزر محبوب كامل وصرفه مائة نصف فضة وعشرة انصاف وكذلك سكة النصف محبوب وصرفه خمسة وخمسون وزاد في الفندقلي الموجود بايدي الناس اثني عشر نصف فضة فصار يصرف بمائة نصف وستة وأربعين نصفا. وحضر مرسوم أيضا بتعيين صنجق للوجه القبلي بتحرير النصارى واليهود وما عليهم من الجزية في كل بلد العال أربعمائة نصف وعشرون نصفا والوسط مائتان وسبعون والدون مائة. فتشاوروا فيمن ينزل بصحبته الأغا والكاتب من الأمراء الصناجق لتحرير بلاد قبلي فقال حسين بك الخشاب أنا مسافر بمنصب جرجا وينزل بصحبتي الأغا المعين وانظروا من يذهب إلى بحري. فقال محمد بك قطامش كل اقليم يتقيد بتحريره الكاشف المتولى عليه ومعه الأغا والكاتب فاتفق الرأي على ذلك.

وفي أيامه عمل إسمعيل بن محمد بك الدالي مهما لزواج ولده ودعا عثمان باشا إلى منزله الذي ببركة الفيل وعندما حضر الباشا واستقر به الجلوس وضع بين يديه منديلا فيه ألف دينار برسم تفرقة البقاشيش على الخدم وأرباب الملاعيب وقدم له تقادم خيول هدايا وجوادا مرختا وذلك في شعبان سنة 1147.

ص: 218

ومن الحوادث في أيامة أن في أوائل رمضان سنة تاريخه ظهر بالجامع الأزهر رجل تكروري وادعى النبوة فاحضروه بين يدي الشيخ أحمد العماوي فسأله عن حاله فاخبره أنه كان في شربين فنزل عليه جبريل وعرج به إلى السماء ليلة سبع وعشرين رجب وانه صلى بالملائكة ركعتين وأذن له جبريل ولما فرغ من الصلاة اعطاه جبريل ورقة وقال له: أنت نبي مرسل فأنزل وبلغ الرسالة واظهر المعجزات. فلما سمع الشيخ كلامه قال له: أنت مجنون فقال لست بمجنون وإنما أنا نبي مرسل فأمر بضربه فضربوه وأخرجوه من الجامع. ثم سمع به عثمان كتخدا فأحضره وسأله فقال مثل ما قاله للشيخ العماوي فأرسله إلى المارستان فاجتمع عليه الناس والعامة رجالا ونساء ثم إنهم أخفوه عن اعين الناس. ثم طلبه الباشا فسأله فأجابه بمثل كلامه الأول فأمر بحبسه في العرقانة ثلاثة أيام ثم أنه جمع العلماء في منتصف شهر رمضان وسألوه فلم يتحول عن كلامه فأمروه بالتوبة فامتنع واصر على ما هو عليه فامر الباشا بقتله فقتلوه بحوش الديوان وهو يقول فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ثم أنزلوه وألقوه بالرميلة ثلاثة أيام.

من الحوادث الغريبة.

في أيامه أيضا في يوم الأربعاء رابع عشري الحجة آخر سنة 1147 اشيع في الناس بمصر بان القيامة قائمة يوم الجمعة سادس عشري الحجة وفشا هذا الكلام في الناس قاطبة حتى في القرى والأرياف وودع الناس بعضهم بعضا ويقول الإنسان لرفيقه بقي من عمرنا يومان وخرج الكثير من الناس والمخاليع الغيطان والمنتزهات ويقول بعضهم لبعض دعونا نعمل حظا ونودع الدنيا قبل أن تقوم القيامة. وطلع أهل الجيزة نساء ورجالا وصاروا يغتسلون في البحر. ومن الناس من علاه الحزن وداخله الوهم ومنهم من صار يتوب من ذنوبه ويدعو ويبتهل ويصلي واعتقدوا

ص: 219

ذلك ووقع صدقه في نفوسهم. ومن قال لهم: خلاف ذلك أو قال: هذا كذب لا يلتفتون لقوله ويقولون هذا صحيح وقاله فلان اليهودي وفلان القبطي وهما يعرفان في الجفور والزايرجات ولا يكذبان في شيء يقولانه. وقد أخبر فلان منهم على خروج الريح الذي خرج في يوم كذا وفلان ذهب إلى الأمير الفلاني وأخبره بذلك وقال له: احبسني إلى يوم الجمعة وإن لم تقم القيامة فأقتلني ونحو ذلك من وساوسهم وكثر فيهم الهرج والمرج إلى يوم الجمعة المعين المذكور. فلم يقع شيء. ومضى يوم الجمعة وأصبح يوم السبت فانتقلوا يقولون فلان العالم قال أن سيدي أحمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبل الله شفاعتهم. فيقول الآخر اللهم انفعنا بهم فاننا يا أخي لم نشبع من الدنيا وشارعون نعمل حظا ونحو ذلك من الهديانات. واقدم عثمان باشا في ولاية مصر إلى سنة 1148 فكانت مدة ولايته بمصر سنة واحدة وخمسة أشهر.

ولاية باكير باشا.

وتولى بعده باكير باشا وهي ولايته الثانية فقدم من جدة إلى السويس من القلزم لأنه كان واليا بعد انفصاله من مصر فقدم يوم السبت رابع عشرى شوال سنة 1147 ولما ركب بالموكب كان خلفه من اتباعه نحو الثلاثين خيالا ملبسه بالزروخ المذهبة وله من الأولاد خمسة ركبوا إمامه في الموكب وصرخت العامة في وجهه من جهة فساد المعاملة وهي الاخشا والمرادي والمقصوص والفندقلي فإن الاخشا صار بستة عشر جديد والمرادي باثنى عشر والمقصوص بثمانية جدد وصار صرف الفندقلي بثلثمائة نصف والجنزرلي بمائتين وغلت بسبب ذلك الأسعار وصار الذي كان بالمقصوص بالديواني فلم يلتفت الباشا لذلك.

وفي شهر القعدة ورد اغا وعلى يده مرسوم بطلب سفر ثلاثة آلاف عسكري لمحافظة بغداد وإن يكون العسكر من أصحاب العتامنة ولا

ص: 220

يرسلوا عسكرا من فلاحي القليوبية والجيزة والبحيرة وشرق اطفيح والمنصورة فقلدوا أمير السفر مصطفى بك اباظة حاكم جرجا سابقا وسافر حسن بك الدالي بالخزينة وارتحل من العادلية في منتصف شهر الحجة وكان خروجه بالموكب في أوائل رجب. فاقام خارج القاهرة نحو خمسة أشهر وثمانية عشر يوما وأوكب مصطفى بك بموكب السفر يوم الخميس خامس الحجة وسافر في المحرم سنة ثمان وأربعين.

وفي عاشر الحجة يوم الاضحية قبل إذان العصر خرجت ريح سوداء غريبة اظلمت منها الدنيا وحجبت نور الشمس فغرق منها مراكب وسقطت اشجار ومن جملتها شجرة جميز عظيمة بناحية الشيخ فمر وهدمت دورا قديمة وشجرة اللبخة بديوان مصر القديمة ثم اعقبها بعد العشاء مطرة عظيمة ووصل أيوب بك أمير سفر العجم وطلع إلى الديوان والبسه الباشا قفطان القدوم والسدادة وأصحاب الدركات وكانت مدة غيابه سنتين وثلاثة أشهر.

وفي أيامه ورد أغا وعلى يده مراسيم وأوامر منها ابطال مرتبات الأولاد والعيال ومنها ابطال التوجيهات وإن المال يقبض إلى الديوان ويصرف من الديوان وإن الدفاتر تبقى بالديوان ولا تنزل بها الافندية إلى بيوتهم. فلما قرىء ذلك قال القاضي: أمر السلطان لا يخالف ويجب اطاعته. فقال الشيخ سليمان المنصوري يا قاضي الإسلام هذه المرتبات فعل نائب السلطان وفعل النائب كفعل السلطان وهذا شيء جرت به العادة في مدة الملوك المتقدمين وتداولته الناس وصار يباع ويشرى ورتبوه على خيرات ومساجد وأسبلة ولا يجوز ابطال ذلك وإذا بطل بطلت الخيرات وتعطلت الشعائر المرصد لها ذلك فلا يجوز لاحد يؤمن بالله ورسوله ابن يبطل ذلك وإن أمر ولي الأمر بابطاله لا يسلم له ويخالف أمره لأن ذلك مخالف للشرع ولا يسلم للإمام في فعل ما يخالف الشرع ولا لنائبه

ص: 221

أيضا. فسكت القاضي فقال الباشا هذا يحتاج إلى المراجعة ثم قال الشيخ سليمان: وأما التوجيهات ففيها تنظيم وصلاح وأمر في محله وانفض الديوان على ذلك وكتب الشيخ عبد الله الشبراوي عرضا في شأن المرتبات من انشائه ولولا خوف الاطالة اسطرته في هذا المجموع ثم إنهم عملوا مصالحة على تنفيذ ذلك فجعلوا على كل عثماني نصف جنزرلي وحضروا المرتبات في قائمقامية إبراهيم بك أبي شنب وابن درويش بك وقطامش وعلي بك الصغير تابع ذي الفقار بك من سنة ثلاثين فبلغت ثمانية وأربعين ألف عثماني فكانت أربعة وعشرين ألف جنزرلي فقسموها بينهم وأرسلوا إلى عثمان بك ورضوان بك ألف جنزرلي فأبيا من قبولها وقالا هذه دموع الفقراء والمساكين فلا نأخذ منها شيئا فإن رجع رد الجواب بالقبول كانت مظلمة وإن جاء بعدم القبول كانت مظلمتين.

الطاعون.

ووقع الطاعون المسمى بطاعون كو ويسمى أيضا الفصل العائق يأخذ على الرائق ومات به كثير من الأعيان وغيرهم بحيث مات من بيت عثمان كتخدا القازدغلي فقط مائة وعشرون نفسا وصارت الناس تدفن الموتى بالليل في المشاعل. ووقع في أيامه الفتنة التي قتل فيها عدة من الأمراء وسببها أن صالح كاشف زوج هانم بنت ايواظ بك كان ملتجئا إلى عثمان بك ذي الفقار وتزوج ببنت ايواظ بك بعد يوسف بك الخائن وكان من القاسمية فحرضته على طلب الإمارة والصنجقية وتأخذ له فائظ عشرين كيسا وكلم عثمان بك في شأن ذلك فوعده ببلوغ مراده وخاطب محمد بك قيطاس المعروف بقطامش وهو إذ ذاك كبير القوم في ذلك فلم يجبه وقال له: تريد أن تفتح بيتا للقاسمية فيقتلونا على غفلة هذا لا يكون أبدا ما دمت حيا. وكان عثمان بك المذكور أخذ كشوفية

ص: 222

المنصورة فأنزل فيها صالح كاشف قائمقام فلما كمل السنة ورجع تحركت الهمة إلى طلب الصنجقية وعاود عثمان بك في الخطاب وهو كذلك تكلم مع محمد بك فصمم على الامتناع فوقع على الأغوات والاختيارية فلم يجب ولم يرض ووافقه على الامتناع علي بك تابع المذكور وخليل افندي فذهب صالح كاشف إلى عثمان كتخدا القازدغلي واتفق معه على قتل الثلاثة وقال له: اعمل تدبيرا في قتلهم فذهب إلى رضوان بك أمير الحاج سابقا وسليمان بك الفراش فاتفق معهما على قتل الثلاثة في بيت محمد بك الدفتردار باطلاع باكير باشا. وعرفوا محمد بك بذلك فرضي وكتب فرمانا بالجمعية في بيت الدفتردار بسبب الحلوان والخزينة. فركبوا بعد العصر إلى بيت محمد بك قطامش وركبوا معه إلى بيت الدفتردار وصحبتهم علي بك وصالح بك وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي واختيار من الأسباهية ويوسف كتخدا البركاوي وحضر عثمان بك ذو الفقار وعثمان كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا الخربطلي وكتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة وعلي جلبي الترجمان. فلما تكاملت الجمعية أمر محمد بك قطامش بكتابة عرضحال وقال للكاتب أكتب كذا وكذا فطلع إلى خارج وصحبته كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا وجلس يكتب في العرض وقد قرب الغروب فارادوا الانصراف فوقف الدفتردار وقال هاتوا شربات. وكان ذلك القول هو الأشارة مع صالح كاشف وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك. ففتحوا باب الخزانة وخرج منها جماعة بطرابيش وهم شاهرون السلاح. فوقف محمد بك قطامش على أقدامه وقال هي خونة فضربه الضارب بالقرابينة في صدره ووقع الضرب وهاج المجلس في دخنة البارودة وظلام الوقت فلم يعلم القاتل من المقتول وعندما سمع كتخدا الجاويشية أول ضربة وهو جالس مع الافندي الكاتب نزل مسرعا وركب وعلي الترجمان القى بنفسه

ص: 223

من شباك الجنينة وعثمان بك ذو الفقار أصابه فقطع شاشه وقاووقه ودفعه صالح كاشف فنجا بنفسه إلى اسفل وركب حصان بعض الطوائف وخرج من باب البركة وأصيب باش اختيار مستحفظان البرلي بجراحة قوية فأرسلوه إلى منزله ومات بعد ثلاثة أيام. ثم اوقدوا الشموع وتفقدوا المقتولين وإذا هم محمد بك قطامش وعلي بك تابعه وصالح بك وعثمان بك كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا الخربطلي ويوسف كتخدا البركاوي وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي والاسباهي تتمة عشرة وباش اختيار الذي مات بعد ذلك في بيته. فعروا المقتولين ثيابهم وقطعوا رؤوسهم واتوا بهم جامع السلطان حسن فوجدوه مغلوقا فاحرقوا ضرفة الباب الذي جهة سوق السلاح ووضعوا الرؤوس العشرة على البسطة ووضعوا عند كل رأس شيئا من التبن وظنوا أنهم غالبون. وطلع صالح كاشف إلى الباشا من باب الميدان فخلع عليه الصنجقية فطلب منه دراهم يفرقها في العسكر المجتمعين إليه فقال له: انزل لاشغالك وأنا أرسل إليك ما تطلب. فنزل إلى السلطان حسن فوجد محمد كتخدا الداودية حضر باتباعه وجماعته هناك بظن أنهم غالبون وعندما بلغ الخبر سليمان كتخدا الجلفي ركب في جماعة بعد المغرب وطلع إلى باب العزب وكان كتخدا الوقت إذ ذاك أحمد كتخدا اشراق يوسف كتخدا البركاوي فطرق الباب فقال التفكجية من هذا فعرفهم عن نفسه فقال الكتخدا قولوا له أنت توليت الكتخدائية وتعرف القانون وأن الباب لا يفتح بعد الغروب فإن كان له حاجة يأتي في الصباح. وأما عثمان بك فإنه لما خرج من باب البركة وشاشه مقطوع لم يزل سائر إلى باب الينكجرية فوجده ملآن جاويشية وواجب رعايا ونفر وطلع عندهم عمر جلبي بن علي بك قطامش فأخذه حسن جاويش النجدلي ومعه طائفة وطلع به إلى الباشا بعد نزول صالح كاشف فخلع عليه صنجقية أبيه.

ص: 224

وأعطاه فرمانا بالخروج من حق الذين قتلوا الأمراء وحرقوا باب المسجد. ونزل فرد على كتخدا الوقت وصحبته حسن جاويش النجدلي ومعهم بيرق وأنفار وواجب رعايا من المحجر خلف جامع المحمودية وبيت الحصري وزاوية الرفاعي. وكانت ليلة مولده وهي أول جمعة في شهر رجب سنة 1149 فعلموا متريز على باب الدرب قبالة باب السلطان حسن وضربوا عليها بالرصاص وكذلك من باب العزب وبيت الأغا وكان اغات العزب عبد اللطيف افندي روزنامجي مصر سابقا. وأما صالح بك فإنه انتظر وعد الباشا فلم يرسل له شيئا فأخذ رضوان بك وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك واختفوا في خان الخليلي واختفى أيضا محمد بك إسمعيل ومحمد كتخدا الداودية ندم على ما فعل فركب بجماعته وذهب إلى بيت مصطفى بك الدمياطي فوجده مقفولا. فطرق الباب فلم يجبه أحد فذهب إلى بيت إبراهيم بك بلغيه ودخل هناك ولما بطل الرمي من السلطان حسن هجم حسن جاويش فلم يجد به أحدا ولما طلع النهار ذهبوا إلى بيت الدفتردار فنهبوه ونهبوا أيضا بيت رضوان بك وذهبوا إلى سليمان بك قتلوه وقطعوا رأسه ونهبوا البيت وأتوا إلى الباب. ثم أن السبع وجاقات اجتمعوا في بيت علي كتخدا الجلفي وقالوا له: أنت بيت سر يوسف كتخدا البركاوي ولا يفعل شيئا إلا باطلاعك وعندك خبر بقتل أمرائنا واعياننا والشاهد على ذلك مجيء خشداشك سليمان كتخدا بعد المغرب بطائفته يملك باب العزب فحلف بالله العظيم لم يكن عنده خبر بشيء من ذلك ولا بمجيء سليمان كتخدا إلى الباب ولكن أي شيء جاء بمحمد كتخدا الداودية إلى السلطان حسن. ثم إنهم أنزلوا باكير باشا وعزلوه وطيبوا عليه حلوان بلاد المقتولين وكتبوا عرض محضر وسفروه صحبة سبعة أنفار. فحضر مصطفى اغا أمير اخور كبير ومعه مرسوم من الدولة بضبط متروكات المقتولين فمكث بمصر شهرين ثم ورد أمر بولايته على مصر وتوجيه باكير باشا إلى جده.

ص: 225

تولية مصطفى باشا وسليمان باشا الشامي.

فتولى مصطفى باشا فأقام واليا بمصر إلى سنة 1152.

وتولى بعده سليمان باشا الشامي الشهير بابن العظم ولما استقر في ولاية مصر أراد ايقاع فتنة بين الأمراء فضم إليه عمر بك ابن علي بك قطامش فأرسل إليه من يأمنه على سره واتفق معه على قتل عثمان بك ذي الفقار وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي وهم إذ ذاك أصحاب الرياسة بمصر. ووعده نظير ذلك إمارة مصر والحاج وإن يعطيه من بلادهم فائظ عشرين كيسا فجمع عمر بك خليل أغا وأحمد كتخدا عزبان وإبراهيم جاويش قازذغلي واختلى بهم وعرفهم بالمقصود وتكفل أحمد كتخدا بقتل علي جاويش بعبد الله كتخدا. وإذا انفرد إبراهيم بك أخذوه بعد ذلك بحيلة وقتلوه في الديوان. ثم أن أحمد كتخدا اغرى بعلي كتخدا الاظ إبراهيم فقتل علي كتخدا عند بيت أقبري وهو طالع إلى الديوان وبلغ الخبر عثمان بك فتدارك الأمر وفحص عن القضية حتى انكشف له سرها وعمل شغله وقتل أحمد كتخدا. وعندما قتل علي كتخدا ظن الباشا تمام المقصد فاراد أن يملك باب الينكجرية بحيلة وأرسل مائتي تفكجي ومعهم مطرجي وجوخدار وهم مستعدون بالاسلحة فمنعهم التفكجية من العبور وطلب الكتخدا شخصين من أعيانهم يسألهما عن مرادهم. فقالا أن الباشا مقصر في حقنا ولم يعطنا علائقنا. فأرسل معهم باش جاويش بالسلام على الباشا من الاختيارية والوصية بهم فقبل ذلك ولم يتمكن من مراده. ثم أن حسين بك الخشاب طلع إلى باب العزب وتحيل في نزول أحمد كتخدا من الباب وملك هو الباب. واجتمعوا بعد ذلك وأمروا الباشا بالنزول إلى قصر يوسف. فركب وأراد

ص: 226

أن يدخل إلى باب الينكجرية فرفعوا عليه البنادق فدخل إلى قصر يوسف فوجده خرابا فأخذ حسن جاويش النجدلي خاطر الينكجرية على نزوله ببيت الأغا وانتقل الأغا إلى السرجي فأقام الباشا إلى أن نزل ببيت البيرقدار وسافر بعد ذلك فكانت ولايته على مصر إلى شهر جمادى الأولى سنة 1153.

تولية الوزير علي باشا.

ثم تولى بعده الوزير علي باشا حكيم أوغلي وهي توليته الأولى بمصر فدخل مصر في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين ومكث إلى عاشر جمادى الأولى سنة 1154 ونزل سليمان باشا إلى بيت البيرقدار وعمل علي باشا أول ديوان بقراميدان بحضرة الجم الغفير وقرىء مرسوم الولاية بحضرة الجميع. ثم قال الباشا: أنا لم آت إلى مصر لاجل اثارة فتن بين الأمراء واغراء ناس على ناس وإنما أتيت لاعطي كل ذي حق حقه وحضرة السلطان اعطاني المقاطعات وأنا أنعمت بها عليكم فلا تتعبوني في خلاص المال والغلال وأخذ عليهم حجة بذلك. وانفض المجلس. ثم أنه سلم على الشيخ البكري وقال له: أنا بعد غد ضيفك ثم ركب وطلع إلى السراية وأرسل إلى الشيخ البكري هدية وأغناما وسكرا وعسلا ومربات ونزل إليه في الميعاد وأمر ببناء رصيف الجنينة التي في بيته وكان له فيه اعتقاد عظيم لؤيا منامية رآها في بعض سفراته منقولة عنه مشهورة. وكانت أيامه امنا وأمانا والفتن ساكنة والأحوال مطمئنة. ثم عزل ونزل إلى قصر عثمان كتخدا القازدغلي بين بولاق وقصر العيني.

تولية يحيى باشا.

ثم تولى يحيى باشا ودخل إلى مصر وطلع إلى القلعة في موكبه على العادة وطلع إليه علي باشا وسلم عليه ونزل هو الآخر وسلم على علي

ص: 227

باشا بالقصر ودعاه عثمان بك ذو الفقار وعمل له وليمة في بيته وقدم له تقادم كثيرة وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم أن الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء في دعوة وإنما الأمراء يعملون لهم الولائم بالقصور في الخلاء مثل قصر العينى أو المقياس. واقام يحيى باشا في ولاية مصر إلى أن عزل في عشرين شهر رجب سنة 1156.

توليةمحمد باشا اليدكشى.

وتولى بعده محمد باشا اليدكشى وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعه وفي أيامة كتب فرمان بابطال شرب الدخان في الشوارع وعلى الدكاكين وابواب البيوت. ونزل الأغا والو إلى فنادوا بذلك وشددوا في الانكار والنكال بمن يفعل ذلك من عال أو دون وصار الأغا يشق البلد في التبديل كل يوم ثلاث مرات. وكل من راى في يده الة الدخان عاقبه وربما اطعمه الحجر الذى يوضع فيه الدخان بالنار وكذلك الوالي. وفى أيامه أيضا قامت العسكر بطلب جراياتهم وعلائفهم من الشون ولم يكن بالشون أردب واحد فكتب الباشا فرمانا بعمل جمعية في بيت علي بك الدمياطى الدفتردار وينظروا الغلال في ذمة أي من كان يخلصونها منه. فلما كان في ثانى يوم اجتمعوا وحضر الروزنامجى وكاتب الغلال والقلقات واخبروة أن بذمة إبراهيم بك قطامش أربعين ألف اردب والمذكور لم يكن في الجمعيه وانتظروه فلم يات. فأرسلوا له كتخدا الجاويشيه واغات المتفرقة فامتنع من الحضور في الجمهور وقال الذي له عندي حاجة يأتي عندي قرجعوا واخبروهم بما قال. فقال العسكر نذهب إليه ونهدم بيته على دماغه فقام وكيل دار السعادة وأخذ معه من كل بلك اثنين اختيارية وذهبوا إلى إبراهيم بك قطامش. فقال له: الوكيل أي شيء هذا الكلام والعسكر قائمة علىاختيارتها قال: والمراد أى شيء وليس عندى غلال. قال له: الوكيل نجعلها مثمنة

ص: 228

بقدر معلوم. فثمنوا القمح بستين نصف فضة الأردب والشعير باربعين. فقال إبراهيم بك يصبروا حتى يأتينى شيء من البلاد. قال الوكيل العسكر: لا يصبروا ويحضل من ذلك أمر كبير. فجمعوا ميلغ اليكون فبلغ ثمانين كيسا فرهن عند الوكيل بلدين لاجل معلوم. وكتب بذلك تمسك وأخذ التقاسيط ورجع الوكيل إلى محل الجمعية واحضر مبلغ الدارهم وكل من كان عليه غلال اورد بذلك السعر وهده كانت أول بدعة ظهرت في تثمين غلال الأنبار للمستحقين. واستمر محمد باشا في ولاية مصر حتى عزل سنة 1158.

تولية محمد باشا راغب.

ووصل مسلم محمد باشا راغب وتقلد إبراهيم بك بلغيه قائمقام وخلع عليه محمد باشا القفطان وعلى محمد بك امين السماط. ثم وردالساعى من الأسكندري فأخبر بورود حضرة محمد باشا راغب إلى ثغر الأسكندرية فنزل أرباب العكاكيز لملاقاته وحضروا صحبته إلى مصر وطلع إلى القلعة وحصل بينه وبين حسين بك الخشاب محبة ومودة وحلف له أنه لا يخونه ثم أسر إليه أن حضرة السلطان يريد قطع بيت القطاشة والدمايطة فأجاب إلى ذلك. واختلى بإبراهيم جاويش وعرفه بذلك فقال له: الجاويش عندك توابع عثمان بك قرقاش وذو الفقار كاشف وهم يقتلون خليل بك وعلي بك الدمياطي في الديوان. فقال له: يحتاج أن يكون صحبتهم أناس من طرفك وإلا فليس لهم جسارة على ذلك. فقال له: أنا اتكلم مع عثمان أغا أبي يوسف بطلب شرهم لأنه من طرفي. فلما كان يوم الديوان وطلع حسين بك الخشاب وقرقاش وذو الفقار وجماعته وطلع علي بك الدمياطي وصحبته محمد بك وطلع في اثرهم خليل بك أمير الحاج وعمر بك بلاط جلسوا بجانب المحاسبة فحضر عثمان أغا أغات المتفرقة عند خليل بك فقال له: لم إذا لم تدخل عند

ص: 229

الباشا. فقال له: قد تركناه لك. فقال كأني لم اعجبك. واتسع بينهما الكلام فسحب أبو يوسف النمشة وضرب خليل بك وإذا بالجماعة كذلك أسرعوا وضربوا عمر بك بلاط. قتلوه ودخلوا برأسيهما إلى الباشا فقام علي بك الدمياطي ومحمد بك ونزلا ماشيين ودخلا إلى نوبة الجاويشية فأرسل الباشا للاختيارية يقول لهم: إنهما مطلوبان للدولة. وأخذهما وقطع رأسيهما أيضا. وكتبوا فرمانا إلى الصناجق والاغوات واختيارية السبع وجاقات بأن ينزلوا بالبيارق والمدافع إلى إبراهيم بك وعمر بك وسليمان بك الالفي وكان سليمان بك دهشور مسافرا بالخزينة. فنزلت البيارق والمدافع فضربوا أول مدفع من عند قنطرة سنقر فحمل الثلاثة احمالهم وخرجوا بهجنهم وعازقهم إلى جهة قبلي ودخل العساكر إلى بيت إبراهيم بك فنهبوه وكذلك بيت خليل بك وذهبوا إلى بيت علي بك فوجدوا فيه صنجقيا من الصناجق ملكة بما فيه ولم يتعرضوا ليوسف بك ناظر الجامع الأزهر ورفعوا صنجقية محمد بك صنجق ستة وماتت سته أيضا وذهب إلى طندتا وعمل فقيرا بضريح سيدي أحمد البدوي. ولما رجع سليمان بك دهشور من الروم رفعوا صنجقيته وأمروه بالاقامة برشيد وقلدوا عثمان كاشف صنجقية وكذلك كجك أحمد كاشف وقلدوا محمد بك اباظة اشراق حسين بك الخشاب دفتردارية مصر. وانقضت تلك الفتنة. ثم أن الباشا قال لحسين بك الخشاب مرادي: أن نعمل تدبيرا في قتل إبراهيم جاويش قازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي وتصير أنت مقدام مصر وعظيمها. فاتفق معه على ذلك وجمع عنده علي بك جرجا وسليمان بك مملوك عثمان بك ذي الفقار وقرقاش وذي الفقار كاشف ودار القال والقيل وسعت المنافقون وعلم إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا ما يراد بهما. فحضر إبراهيم جاويش عند رضوان كتخدا وامتلأ باب الينكجرية وباب العزب بالعسكر والأودة باشية.

ص: 230

واجتمعت الصناجق والاغوات االسبعة في سبيل المؤمن والاسباهية بالرميلة وأرسلوا يطلبون فرمانا من الباشا بالركوب على بيت حسين بك الخشاب الذي جمع عنده المفاسيد أعدائنا وقصده قطعنا. فلما طلع كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا إلى راغب باشا وطلبوا منه فرمانا بذلك فقال الباشا رجل نفذ أمر مولانا السلطان وخاطر بنفسه ولم ينكسر عليه مال ولا غلال كيف أعطيكم فرمانا بقتله الصلح أحسن ما يكون. فرجعوا وردوا عليهم بجواب الباشا فأرسلوا له من كل بلك اثنين اختيارية بالعرضحال وقالوا لهم أن أبي قولوا له ينزل ويولى قائمقام ونحن نعرف خلاصنا مع بعضنا. فنزل بكامل اتباعه من قراميدان ولما صار في الرميلة أراد أن ينزل علي شيخون إلى بيت حسين بك الخشاب يكرنك معه فيه وإذا بعزب المرابطين في السلطان حسن ردوه بالنار فقتل اغا من اغواته فنزل إلى بيت آقبردي إلى بيت ذي عرجان تجاه المظفر فأرسلوا له إبراهيم بك بلغيه صحبة كتخدا الجاويشية خلع عليه قفطان القائمقامية ورجع إلى بيته وأخذوا منه فرمانا بجر المدافع والبيارق من ناحية الصليبية. وسارت الصناجق يقدمهم عمر بك أمير الحاج ومحمد بك الدالي وإبراهيم بك بلغيه ويوسف بك قطامش وحمزة بك وعثمان بك أبو سيف وأحمد بك ابن كجك محمد وإسمعيل بك جلفي وعثمان بك وأحمد بك قازدغلية ورضوان بك خازندار عثمان كتخدا قازدغلي واحتاطوا ببيت حسين بك الخشاب ومحمد بك أباظة من الأربع جهات. فحارب بالبندق من الصبح إلى الظهر حتى وزع ما يعز عليه وحمل أثقاله وطلع من باب السر على زين العابدين وذهب إلى جهة الصعيد فدخل العسكر إلى بيته. فلم يجدوا فيه شيء ولا الحريم. وهرب أيضا إبراهيم بك قيطاس إلى الصعيد وعمر بك ابن علي بك وصحبته طائفة من الصناجق وهربوا إلى أرض الحجاز وكان ذلك أواخر سنة

ص: 231

1161 فكانت مدة محمد باشا راغب في ولاية مصر سنتين ونصفا ثم سار إلى الديار الرومية وتولى الصدارة. وكان إنسانا عظيما عالما محققا وكان أصله رئيس الكتاب وسيأتي تتمة ترجمته في سنة وفاته والله اعلم.

ذكر من مات في هذه السنين من اعيان العلماء والاكابر والعظماء.

مات الإمام الكبير والاستاذ الشهير صاحب الأسرار والانوار الشيخ عبد الغنى بن إسمعيل النابلسى الحنفى الصالحى. ولد سنة 1050 واحواله شهيرة وأوصافه ومناقبة مفردة بالتأليف. ومن مؤلفاتة المقصود في وحدة الوجود وتحفة المسألة بشرح التحفه المرسلة والأصل للشيخ محمد فضل الله الهندى والفتح الربانى والفيض الرحمانى وربع الافادات فىربع العيادات وهو مؤلف جليل في مجلد ضخم في فقه الحنيفة نادر الوجود والرحلة القدسية وكوكب الصبح في ازالة القبح والحديقة الندية في شرح الطريقة المحمدية واالفتح الملكى واللمح الملكى وقطرالسماء ونظرة العلماء والفتح المدنى في النفس اليمنى وبدبعيتان أحداهما لم يلتزم فيها اسم النوع وشرحها والثانية التزمه فيها شرحها القلعى مع البديعيات العشر. توفي رضي الله عنه سنة 1143 عن ثلاث وتسعين سنة.

ومات إمام الأئمة شيخ الشيوخ وأستاذ الأساتذة عمدة المحققين والمدققين الحسيب النسيب السيد علي بن علي اسكندر الحنفى السيواسى الضرير أخذ عن الشيخ أحمد الشوبرى والشرنبلالي والشيخ عثمان ابن عبد الله التحريري الحنفين وأخذ الحديث عن الشيخ البابلي والشبراملسي وغيرهم. وسبب تلقيبه باسكندرانه كان يقرأ دروسا بجامع اسكندر باشا بباب الخرق وكان عجيبا في الحفظ والذكاء وحدة الفهم وحسن الالقاء وكان الشيخ العلامة محمد السجيني إذا مر بحلقة

ص: 232

درسه خفض من مشيته ووقف قليلا وأنصت لحسن تقريره وكان كثير الأكل ضخم البدن طويل القامة لايلبس زي الفقهاء بل يعتم عمامه لطيفة بعذبة مرخية وكان يقول عن نفسه أنا أكل كثيرا واحفظ كثيرا. وسافر مرة إلى دار السلطنة وقرأ هناك دروسا واجتمع عليه المحققون حين ذاك وباحثوه وناقشوه واعترفوا بعمله وفضله وقوبل بالاجلال والتكريم وعاد إلى مصر ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي في ذي القعدة سنة 1148 عن ثلاث وسبعين سنة وكسور أخذ عنه كثير من الأشياخ كالشيخ الحفني واخيه الشيخ يوسف والسيد البليدي والشيخ الدمياطي والشيخ الوالد والشيخ عمر الطحلاوي وغيرهم. وكان يقول بحرمة القهوة واتفق أنه عمل مهما لزواج ابنه فهاداه الناس وبعث إليه عثمان كتخدا القازدغلي فردين فامر بطرحه في الكنيف لأنه يرى حرمة الانتفاع بثمنه أيضا مثل الخمر ودليله في ذلك ما ذكر في وصف خمرة الجنة في قوله تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} بأن الغول ما يعتري شارب الخمر بتركها وهذه العلة موجودة في القهوة بتركها بلا شك. توفي إلى رحمة الله تعالى سنة 1146.

ومات الإمام العلامة والمحقق الفهامة شيخ مشايخ العلم الشيخ محمد عبد العزيز الزيادي الحنفي البصير أخذ عن الشيخ شاهين الارمناوي الحنفي عن العلامة البابلي وأخذ عنه الشمس الحفني والدمنهوري والشيخ الوالد والدمياطي وغيرهم توفي في أواخر ربيع الأول سنة 1148.

ومات الشيخ الفقيه العلامة المتقن المتفنن الشيخ عيسى بن عيسى السقطي الحنفي أخذ عن الشيخ إبراهيم بن عبد الفتاح بن أبي الفتح الدلجي الفرضي الشافعي وعن الشيخ أحمد الاهناسي وعن الشيخ أحمد ابن إبراهيم التونسي الحنفي الشهير بالدوقدوسي وعن السيد علي ابن السيد علي الحسيني الشهير باسكندر والشيخ محمد بن عبد العزيز بن

ص: 233

إبراهيم الزيادي ثلاثتهم عن الشيخ شاهين الارمناوي وأخذ أيضا عن الشيخ العقدي والشيخ إبراهيم الشرنبلالي والشيخ حسن بن الشيخ حسن الشرنبلالي والشيخ عبد الحي الشرنبلالي ثلاثتهم عن الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير. توفي المترجم في سنة 1143.

ومات الأستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجيني الشافعي الضرير أخذ عن الشيخ الشرنبالي ولازمه ملازمة كلية وأخذ أيضا عن الشيخ عبد ربه الديوي وأهل طبقته مثل الشيخ مطاوع السجيني وغيره وكان إماما عظيما فقيها نحويا أصوليا منطقيا أخذ عنه كثير من فضلاء الوقت وعلمائهم. توفي سنة 1158.

ومات الإمام العلامة والبحر الفهامة إمام المحققين شيخ الشيوخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن علي البشبيشي الشافعي خاتمة محققي العلماء وواسطة عقد نظام الأولياء العظماء ولد ببشبيش من اعمال المحلة الكبرى واشتغل علي علمائها بعد أن حفظ القرآن ولازم ولي الله تعالى العارف بالله الشيخ علي المحلي الشهير بالاقرع في فنون من العلم واجتهد وحصل واتقن وتفنن وتفرد وتردد على الشيخ العارف حسن البدوي وغيره من صوفية عصره وتأدب بهم وأكتسى من أنوارهم ثم ارتحل إلى القاهرة سنة 1081 وأخذ عن الشيخ محمد ابن منصور الاطفيحي والشيخ خليل اللقاني والزرقاني وشمس الدين محمد بن قاسم البقري وغيرهم واشتهر علمه وفضله ودرس وأفاد وانتفع به أهل عصره من الطبقة الثانية وتلقوا عنه المعقول والمنقول ولازم عمه الشهاب في الكتب التي كان يقرأها مع كمال التوحش والعزلة والانقطاع إلى الله وعدم مسايرة أحد من طلبة عمه والتكلم معهم بل كان الغالب عليه الجلوس في حارة الحنابلة وفوق سطح الجامع حتى كان يظن من لا يعرف حاله أنه بليد لا يعرف شيئا إلى أن توجه عمه إلى

ص: 234

الديار الحجازية حاجا سنة 1094 وجاور هناك فأرسل له بان يقرأ موضعه. فتقدم وجلس وتصدر لتقرير العلوم الدقيقة والنحو والمعاني والفقه. ففتح الله له باب القبض فكان يأتي بالمعاني الغريبة في العبارات العجيبة وتقريره أشهى من الماء عند الظمآن وانتفع به غالب مدرسي الأزهر وغالب علماء القطر الشامي ولم يزل على قدم الافادة وملازمة الافتاء والتدريس والاملاء حتى توفي في منتصف رجب سنة 1143.

ومات الأستاذ الإمام صاحب الأسرار وخاتمة سلسلة الفخار الشيخ أحمد بن عبد المنعم بن محمد أبو السرور البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية بمصر اجازه أبو الاحسان بن ناصر وغيره وكان للوزير علي باشا بن الحكيم فيه اعتقاد عظيم كما تقدمت الأشارة إلى ذلك وعندما ذهب الأستاذ للسلام عليه تلقاه وقبل يديه وأقدامه وقال هذا الذي كنت رأيته في عالم الرؤيا وقت كربنا في السفرة الفلانية ولعله الشيخ البكري كما أخبرني عن نفسه. فقيل له: هو المشار إليه فاقبل بكليته عليه واستجازه في الزيارة بعد الغد وأرسل إليه هدية سنية ونزل لزيارته مرارا. توفي سنة 1153 ودفن بمشهد اسلافه عند ضريح الإمام الشافعي.

ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة المتقنن المتفن المتبحر الشيخ محمد صلاح الدين البرلسي المالكي الشهير بشلبي أخذ عن الشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ منصور المنوفي وغيرهم وروى عن البصري والنخلي وعنه أخذ الأشياخ المعتبرون. توفي ليلة الخميس سابع عشر صفر سنة 1154.

ومات الإمام العالم العلامة والعمدة الفهامة أستاذ المحققين وصدر المدرسين الشيخ أحمد بن أحمد بن عيسى العماوي المالكي أخذ عن الشيخ محمد الزرقاني والعلامة الشبراملسي والششخ محمد الاطفيحي

ص: 235

والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ منصور المنوفي والشيخ أحمد النفراوي كما نقلت ذلك من خطة واجازته للمغفور له عبد الله باشا كبورلي زاده وكان قد قرأ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ وسنن أبي داود وابن ماجه والنسائي والترمذي والمواهب قراءة لبعضها دارية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفية المصطلح من أولها إلى آخرها دراية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفيه المصطلح من أولها إلى آخرها العلامة الشبراملسي تصدر للاقراء والإفادة في محله وانتفع به الطلبة وكان حلو التقرير فصيحا كثير الاطلاع مستحضرا للاصول والفروع والمناسبات والنوادر والمسائل والفوائد تلقى عنه غالب اشياخ العصر وحضروا دروسه الفقهية والمعقولية كما هو مذكور في تراجمهم. ولم يزل مواظبا وملازما على الأقراء والإفادة واملاء العلوم حتى وافاه الأجل المحتوم. وتوفي سابع جمادي الأولى من سنة 1155 وخلف بعده ابنه أستاذنا الإمام المحقق والتحرير المدقق بركة الوقت وبقية السلف الشيخ عبد المنعم ادام الله النفع بوجوده وأطال عمره مع الصحة والعافية آمين.

ومات الإمام العلامة الوحيد والبحر الخضم الفريد روض العلوم والمعارف وكنز الأسرار واللطائف الشيخ محمد بن محمد الغلاني الكثناوي الدانرانكوي السوداني كان إماما دراكا متقنا متفننا وله يد طولى وباع واسع في جميع العلوم ومعرفة تامة بدقائق الأسرار والأنوار. تلقى العلوم والمعارف ببلاده عن الشيخ الإمام محمد ابن سليمان بن محمد النوالي البرناوي الباغرماوي والاستاذ الشيخ محمد بندو والشيخ الكامل الشيخ هاشم محمد فودو ومعناه الكبير. قال: وهو أول من حصل لي على يديه الفتح وعليه قرأت أكثر كتب الأدب ولازمته حضرا وسفرا نحو أربع سنوات فأخذ عنه الصرف والنحو حتى أتقن ذلك وصار شيخه المذكور يلقبه بسيبويه. وكان يلقبه قبل

ص: 236

ذلك بصاحب المقامات لحفظه لها واستحضاره لألفاظها استحضارا شديدا بحيث إذا ذكرت كلمة يأتي بما قبلها بالبديهة وعدم الكلفة. وتلقى عن الشيخ محمد بند وعلم الحرف والأوفاق وعلم الحساب والمواقيت على اسلوب طريقة المغاربة والعلوم السرية بانواعها الحرفية والوفقية وآلاتها الحسابية والميقاتية. وحصلت له منه المنفعة التامة قال: وقرأت عليه الأصول والمعاني والبيان والمنطق وألفية العراقي وجميع عقائد السنوسي الستة. وسمع عليه البخاري وثلاثة أرباع مختصر الشيخ خليل من أول البيوع إلى آخر باب السلم ومن أول الإجارة إلى آخر الكتاب ونحو الثلث من كتاب ملخص المقاصد وهو كتاب لابن زكري معاصر الشيخ السنوسي في ألف بيت وخمسمائة بيت في علم الكلام وأكثر تصانيفه إلى غير ذلك. قال: وسمعت منه كثيرا من الفوائد العجيبة والحكايات الغريبة والاخبار والنوادر ومعرفة الرجال ومراتبهم وطبقاتهم. ذكر ذلك في برنامج شيوخه المذكورين وكان للمترجم همة عالية ورغبة صادقة في تحصيل العلوم المتوقف عليه تحصيل الكتب وكان يقول عن نفسه أن مما من الله علي به إني لم أقرأ قط من كتاب مستعار وإنما ادنى مرتبتي إذا حاولت قراءة كتاب لم يكن موجودا عندي أن أكتب متنه موسع السطور لاقيد فيه ما أردته من شروحه أو ما سمعته من تقريرات الشيخ عند قراءته واعلاها أن أكتب شرحه وحاشيته بدليل أنه لولا علو همتي وصدق رغبتي في تحصيل العلوم لما فارقت أهلي وانسي وطلقت راحتي وبدلتهما بغربتي ووحشتي وكربتي مع كون حالي مع أهلي في غاية الغبطة والانتظام فبادرت في اقتحام الاخطار لكي ادرك الأوطار. ولما أستاذن شيخه في الرحلة والحج فمر في رحلته بعدة ممالك واجتمع بملوكها وعلمائها فمن اجتمع به في كاغ برن الشيخ محمد كرعك وأخذ عنه اشياء كثيرة من علوم الأسرار والرمل.

ص: 237

وأقام هناك خمسة أشهر وعنده قرأ كتاب الوالية للكردي وهو كتاب جليل معتبر في علم الرمل وقرأ عليه هو الرجراجي وبعض كتب من الحساب. وله رحلة تتضمن ما حصل له في تنقلاته وحج سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف وجاور بمكة وابتدأ هناك بتأليف الدر المنظوم وخلاصة السر المكتوم في علم الطلاسم والنجوم وهو كتاب حافل رتبه على مقدمة وخمسة مقاصد وخاتمه وقسم المقاصد ابوابا واتم تبييضه بمصر المحروسة في شهر رجب سنة ست وأربعين ومن تأليفه كتاب بهجة الآفاق وأيضاح اللبس والاغلاق في علم الحروف والأوفاق رتبه على مقدمة ومقصد وخاتمة وجعل المقدمة ثلاثة ابواب والمقصد خمسة ابواب وكل باب يشتمل على مقدمة وفصول ومباحث وخاتمة. وله منظومة في علم المنطق سماها منح القدوس وشرحها شرحا عظيما سماه ازالة العبوس عن وجه منح القدوس وهو مجلد حافل نحو ستين كراسا. وله شرح بديع على كتاب الدر والترياق في علم الآفاق. ومن تآليفه بلوغ الأرب من كلام العرب في علم النحو وله غير ذلك. توفي سنة 1154 بمنزل المرحوم الشيخ الوالد وجعله وصيا على تركته وكتبه وكان يسكن أولا بدرب الأتراك وهو الذي أخذ عنه علم الأوفاق وعلم الكسر والبسط الحرفية والعددية ودفنه الوالد ببستان العلماء بالمجاورين وبنى على قبره تركيبة وكتب عليها اسمه وتاريخه.

ومات جامع الفضائل والمحاسن طاهر الاعراق والأوصاف السيد علي افندي نقيب السادة الأشراف ذكره الشيخ عبد الله الادكاوي في مجموعته واثنى عليه وكان مختصا بصحبته. وحج مع المترجم سنة 1147 وعاد إلى مصر ولم يزل على احسن حال حتى توفي في الليلة الثامنة عشرة من شهر شوال سنة 1153.

ومات الأستاذ العارف الشيخ أبو العباس أحمد بن أحمد العربي

ص: 238

الأندلسي التلمساني الأزهري المالكي أخذ الحديث عن الإمام أبي سالم عبد الله بن سالم البصري المكي وابي العباس أحمد بن محمد النخلي المكي الشافعيين وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب أخذ عنه الشيخ أبو سالم الحفني والسيد علي بن موسى المقدسي الحسيني وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب. وتوفي سنة 1151.

ومات الإمام العلامة والنحرير الفهامة شمس الدين محمد بن سلامة البصير الأسكندري المكي البليغ الماهر أخذ العلم عن الشيخ خليل اللقاني والشهاب أحمد السندوبي والشيخ محمد الخرشي والشيخ عبد الباقي الزرقاني والشبرخيتي والابيذري وهو الشهاب أحمد الذي روى عن البرهان اللقاني والبابلي وأخذ أيضا عن الشيخ يحيى الشاوي والشهاب أحمد البشبيشي وله تأليفات عديدة منها تفسير القرآن العزيز نظما في نحو عشر مجلدات. وقد اجاز الشيخ أبا العباس أحمد بن علي العثماني واملي عليه نظما وذلك بمنزلة بالجانب الغربي من الحرم الشريف وعمر ابن أحمد بن عقيل ومحمد بن علي بن خليفة الغرياني التونسي وحسين ابن حسن الانطاكي المقري اجازه في سنة 1131 في الطائف وإسمعيل بن محمد العجلوني وغيرهم. توفي في ذي الحجة سنة 1149.

ومات الشيخ الإمام العالم العلامة صاحب التآليف العديدة والتقريرات المفيدة أبو العباس أحمد بن عمر الديربي الشافعي الأزهري أخذ عن عمه الشيخ علي الديربي قرأ عليه التحرير وابن قاسم وشرح الرحبية وأخذ عن الشيخ محمد القليوبي الخطيب وشرح التحرير والشيخ خالد علي الآجرومية وعلى الأزهرية وعن الشيخ أبي السرور الميداني والشيخ محمد الدنوشري المشهور بالجندي علم الحساب والفرائض وأخذ عن الشيخ الشنشوري ومن مشايخه يونس بن الشيخ القليوبي والشيخ علي السنبطي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ محمد النفراوي المالكي وأخوه

ص: 239

الشيخ أحمد النفراوي والشيخ خليل اللقاني والشيخ منصور الطوخي والشيخ إبراهيم الشبرخيتي والشيخ إبراهيم المرحومي والشيخ عامر السبكي والشيخ علي الشبراملسي والشيخ شمس الدين محمد الحموي والشيخ أبو بكر الدلجي والشيخ أحمد المرحومي والشيخ أحمد السندوبي والشيخ محمد البقري والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد المعطي المالكي والشيخ محمد الخرشي والشيخ محمد النشرتي والشيخ أبو الحسن البكري خطيب الأزهر وانتشر فضله وعلمه واشتهر صيته وافاد وألف وصنف. فمن تآليفه غاية المرام فيما يتعلق بانكحة الانام وكتب حاشية عليه مع زيادة احكام وأيضاح ما خفي فيه على بعض الانام وغاية المقصود لمن يتعاطى العقود على مذهب الأئمة الأربعة والختم الكبير على شرح التحرير المسمى فتح الملك الكريم الوهاب بختم شرح تحرير تنقيح اللباب وغاية المراد لمن قصرت همته من العبادة وختم على شرح المنهج سماه فتح الملك الباري بالكلام على آخر شرح المنهج للشيخ زكريا الأنصاري وختم على شرح الخطيب وعلى شرح ابن قاسم وكتابه المشهور المسمى فتح الملك المجيد لنفع العبيد جمع فيه ما جربه وتلقاه من الفوائد الروحانية والطبية وغيرها. وهو مؤلف لا نظير له في بابه وله رسالة على البسملة وحديث البداءة ورسالة تسمى تحفة المشتاق فيما يتعلق بالسنانية ومساجد بولاق ورسالة تسمى تحفة االصفا فيما يتعلق بابوي المصطفى والقول المختار فيما يتعلق بابوي النبي المختار ومناسك حج على مذهب الإمام الشافعي وتحفة المريد في الرد على كل مخالف عنيد وفتح الملك الجواد بتسهيل قسمة التركات على بعض العباد بالطريق المشهورة بين الفريضيين في المسائل العائلة ورسالة في سؤال الملكين وعذاب القبر ونعيمه والوقوف في المحشر والشفاعة العظمى وأربعون حديثا وتمام الانتفاع لمن أرادها من الانام وجاشية على شرح ابن قاسم

ص: 240

الغزي ورسالة تتعلق بالكواكب السبعة والساعات الجيدة وبضرب المنادل العلوية والسفلية واحضار عامر المكان واستنطاقه وعزله ولوح الحياة والممات وغير ذلك. توفي سابع عشرين شعبان سنة 1151.

ومات الإمام العلامة والبحر الفهامة شيخ مشايخ العصر ونادرة الدهر الصالح الزاهد الورع القانع الشيخ مصطفى العزيزي الشافعي ذكره الشيخ محمد الكشناوي في آخر بعض تآليفه بقوله وكان الفراغ من تأليفه في شهر كذا سنة ست وأربعين وذلك في أيام الأستاذ زاهد العصر الفخر الرازي الشيخ مصطفى العزيزي وناهيك بهذه الشهادة. وسمعت وصفه من لفظ الشيخ الوالد وغيره من مشايخ العصر من أنه كان ازهد أهل زمانه في الورع والتقشف في المأكل والملبس والتواضع وحسن الأخلاق ولا يرى لنفسه مقاما. وكان معتقدا عند الخاص والعام وتأتي الأكابر والأعيان لزيارته ويرغبون في مهاداته وبره فلا يقبل من أحد شيئا كائنا ما كان مع قلة دنياه لا كثيرا ولا قليلا واثاث بيته على قدر الضرورة والاحتياج. وكان يقرأ دروسه بمدرسة السنانية المجاورة لحارة سكنه بخط الصنادقية بحارة الأزهر ويحضر دروسه كبار العلماء والمدرسين ولا يرضي للناس بتقبيل يده ويكره ذلك فإذا تكامل حضور الجماعة وتحلقوا حضر من بيته ودخل إلى محل جلوسه بوسط الحلقة فلا يقوم لدخوله أحد. وعندما يجلس يقرأ المقري وإذا تم الدرس قام في الحال وذهب إلى داره وهكذا كان دأبه. توفي سنة أربع وخمسين وأقام عثمان بك ذا الفقار وصيا على ابنته.

ومات الإمام العمدة المتقن الشيخ رمضان بن صالح بن عمر بن حجازي السفطي الخانكي الفلكي الحيسوني أخذ عن رضوان افندي وعن العلامة الشيخ محمد البرشمسي وشارك الجمال يوسف الكلارجي والشيخ الوالد وحسن افندي قطة مسكين وغيرهم واجتهد وحسب وحرر وكتب

ص: 241

بخطة كثيرا جدا وحسب المحكمات وقواعد المقومات على أصول الرصد السمرقندي الجديد وسهل طرقها بادق ما يكون وإذا نسخ شيئا من تحريراته رقم منها عدة نسخ في دفعة واحدة فيكتب من كل نسخة صفحة بحيث يكمل الأربع نسخ أو الخمسة على ذلك النسق فيتم الجميع في دفعة واحدة. وكان شديد الحرص على تصحيح الارقام وحل المحلولات الخمسة ودقائقها إلى الخوامس والسوادس وكتب منها عدة نسخ بخطه وهو شيء يعسر نقله فضلا عن حسابه وتحريره. ومن تصانيفه نزهة النفس بتقويم الشمس بالمركز والوسط فقط والعلامة باقرب طريق واسهل ما أخذ واحسن وجه مع الدقة والأمن من الخطا وحرر طريقة أخرى على طريق الدر اليتيم يدخل إليها بفاضل الأيام تحت دقائق الخاصة ويخرج منها المقوم بغاية التدقيق لمرتبة الثوالث في صفحات كبيرة متسعة في قالب الكامل. واختصرها الشيخ الوالد في قالب النصف ويحتاج إليها في عمل الكسوفات والخسوفات والاعمال الدقيقة يوما يوما. ومن تآليفه كفاية الطالب لعلم الوقت وبغية الراغب في معرفة الدائر وفضله والسمت والكلام المعروف في اعمال الكسوف والخسوف والدرجات الوريفة في تحرير قسي العصر الأول وعصر أبي حنيفة وبغية الوطر في المباشرة بالقمر ورسالة عظيمة في حركات افلاك السيارة وهيآتها وحركاتها وتركيب جداولها على التاريخ العربي على أصول الرصد الجديد وكشف الغياهب عن مشكلات اعمال الكواكب ومطالع البدور في الضرب والقسمة والجذور وحرك ثلثمائة وستة وثلاثين كوكبا من الكواكب الثابتة المرصودة بالرصد الجديد بالاطوال والأبعاد ومطالع الممر ودرجاته لاول سنة 1139 والقول المحكم في معرفة كسوف النير الاعظم ورشف الزلال في معرفة استخراج قوس مكث الهلال بطريقي الحساب والجدول. واما كتاباته وحسابياته في أصول الظلال واستخراج

ص: 242

حضره بعض الأعيان من أمراء مصر فيسبهم جهرا ويشير إلى مثالهم وربما حنقوا منه وسلطوا عليه جماعة من الاتراك ليقتلوه فيخرج عليهم وحده فيغشى الله على ابصارهم. مات في حادي عشري الحجة سنة 1161.

ومات القطب الكامل السيد عبد الله بن جعفر بن علوى مدهر باعلوى نزيل مكة ولد بالشحر وبها نشأ ودخل الحرمين وتوجه إلى الهندي ومكث في دهلي مدة تقرب من عشرين عاما ثم عاد إلى الحرمين وأخذ عن والده واخيه العلامة علوي ومحمد بن أحمد بن علي الستاري وابن عقيلة وآخرين. وعنه أخذ الشيخ السيد وشيخ والسيد عبد الرحمن العيدروس. وله مؤلفات نفيسة منها كشف اسرار علوم المقربين ولمح النور بباء اسم الله يتم السرور واشرق النور وسناه من سر معنى الله لا نشهد سواه والأصل أربعة أبيات للقطب الحداد واللآلىء الجوهرية على العقائد البنوفرية وشرح ديوان شيخ بن إسمعيل الشحري والنفحة المهداة بانفاس العيدروس بن عبد الله والايفا بترجمة العيدروس جعفر بن مصطفى وديوان شعر ومراسلات عديدة وله كرامات شهيرة. توفي بمكة سنة 1160.

ومات السيد الأجل عبد الله بن مشهور بن علي بن أبي بكر العلوي أحد السادة أصحاب الكرامات والاشراقات كان مشهورا برؤية الخضر ادركه السيد عبد الرحمن العيدروس وترجمه في ذيل المشرع واثنى عليه وذكر له بعض كرامات. توفي سنة 1144.

ومات الأستاذ النجيب الماهر المتفنن جمال الدين يوسف بن عبد الله الكلارجي الفلكي تابع حسن افندي كاتب الروزنامة سابقا. قرأ القرآن وجود الخط وتوجهت همته للعلوم الرياضية كالهيئة والهندسة والحساب والرسم فتقيد بالعلامة الماهر رضوان افندي وأخذ عنه واجتهد وتمهر.

ص: 244

وصار له باع طويل في الحسابيات والرسميات وساعده على إدراك مأمولة ثروة مخدومه فاستنبط واخترع ما لم يسبق به وألف كتابا حافلا في الظلال ورسم المنحرفات والبسائط والمزاول والاسطحة جمع فيه ما تفرق في غيره من اوضاع المتقدمين بالاشكال الرسمية والبراهين الهندسية والتزم المثال بعد المقال وألف كتابا أيضا في منازل القمر ومحلها وخواصها وسماها كنز الدرر في احوال منازل القمر وغير ذلك. واجتمع عنده كتب وآلات نفيسة لم تجتمع عند غيره ومنها نسخة الزيج السمرقندي بخط العجم وغير ذلك. توفي سنة 1153.

ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة مفتي المسلمين الشيخ أحمد بن عمر الأسقاطي الحنفي المكنى بابي السعود تفقه على الشيخ عبد الحي الشرنبلالي والشيخ علي العقدي الحنفي البصير وحضر عليه المنار وشرحه لابن فرشته وغيره والشيخ أحمد النفراوي المالكي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ أحمد ابن عبد الرزاق الروحي الدمياطي الشناوي والشيخ أحمد الشهير بالبناء وأحمد بن محمد بن عطية الشرقاوي الشهير بالخليفي والشيخ أحمد بن محمد المنفلوطي الشافعي الشهير بابن الفقيه والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وغيرهم كالشيخ عبد ربه الديوي ومحمد بن صلاح الدين الدنجيهي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح البهوتي ومهر في العلوم وتصدر لالقاء الدروس الفقيهة والمعقولية وافاد وافتى وألف واجاد وانتفع الناس بتآليفه ولم يزل يملي ويفيد حتى توفي سنة 1159.

ومات الأستاذ الكبير والعلم الشهير صاحب الكرامات الساطعة والأنوار المشرقة اللامعة سيدي عبد الخالق بن وفا قطب زمانه وفريد أوانه وكان على قدم اسلافه وفيه فضيلة وميل للشعر وامتدحه الشعراء واجازهم الجوائز السنية وكان يحب سماع الآلات. توفي رحمه الله في ثاني عشر ذي الحجة سنة 1161.

ص: 245

ومات الأستاذ شيخ الطريقة والحقيقة قدرة السالكين ومربي المريدين الإمام المسلك السيد مصطفى بن كمال الدين المذكور في منظومة النسبة لسيدي عبد الغني النابلسي كما ذكره السيد الصديقي في شرحه الكبير على ورده السحري البكري الصديقي الخلوتي نشأ ببيت المقدس على أكرم الاخلاق وأكملها رباه شيخه الشيخ عبد اللطيف الحلبي وغذاه بلبان أهل المعرفة والتحقيق ففاق ذلك الفرع الأصل وظهرت به في افق الوجود شمس الفضل فبرع فهما وعلما وابدع نثرا ونظما ورحل إلى جل الأقطار لبلوغ أجل الأوطار كما دأب على ذلك السلف لما فيه من أكتساب المعالي والشرف. ولما ارتحل إلى اسلامبول لبس فيها ثياب الخمول ومكث فيها سنة لم يؤذن له بارتحال ولم يدر كيف الحال. فلما كان آخر السنة قام ليلة فصلى على عادته من التهجد ثم جلس لقراءة الورد السحري فاحب أن تكون روحانية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس ثم روحانية خلفائه الأربعة والأئمة الأربعة والاقطاب الأربعة والملائكة الأربعة. فبينما هو في اثنائه إذ دخل عليه رجل فشمر عن اذياله كأنه يتخطى اناسا في المجلس حتى انتهى إلى موضع فجلس فيه ثم لما ختم الورد قام ذلك الرجل فسلم عليه ثم قال: ماذا صنعت يا مصطفى فقال له: ما صنعت شيئا. فقال له: الم ترني اتخطى الناس قال: بلى إنما وقع لي إني احببت أن تكون روحانية من ذكرناهم حاضرة. فقال له: لم يتخلف أحد ممن اردت حضوره وما اتيتك إلا بدعوة والآن أذن لك في الرحيل. وحصل الفتح والمدد والرجل المذكور هو الولي الصوفي السيد محمد التافلاتي ومتى عبر السيد في كتبه بالوالد فهو السيد محمد المذكور وقد منحه علوما جمة. ورحل أيضا إلى جبل لبنان وإلى البصرة وبغداد وما والاهما وحج مرات وتآليفه تقارب المائتين واحزابه وأوراده أكثر من ستين واجلها ورده السحري إذ هو باب الفتح وله عليه ثلاثة شروح أكبرها في مجلدين. وقد شاد اركان هذه الطريقة وأقام

ص: 246

رسومها وأبدى فرائدها واظهر فوائدها ومنحه الله من خزائن الغيب ما لا يدخل تحت حصر. قال الشيخ الحنفى: إنه جمع مناقب نفسه فىمؤلف نحو أربعين كراسا تسويدا في الكامل ولم يتم. وقد رأى النبى صلى الله عليه وسلم في النوم وقال له: "من أين لك هذا المدد" فقال منك يارسول الله. فأشار أن نعم ولقى الخضر عليه السلام ثلاث مرات وعرضت عليه قطبانية المشرق فلم يرضها وكان أكرم من السيل وامضى في السر من السيف وأوتى مفاتيح العلوم كلها حتى اذعن له أولياء عصره ومحققوه في مشارق الأرض ومغاربها وأخذ على رؤساء الجن العهود وعم مدده سائر الورود ومناقبه تجل عن التعداد وفيما اشرنا إليه كفاية لمن أراد. واخذ عنه طريق السادة الخلوتية الأستاذ الحفني وارتحل لزيارته والأخذ عنه إلى الديار الشامية كما سيأتي ذلك في ترجمته وحج سنة أحدى وستين ثم رجع إلى مصر وسكن بدار عند قبة المشهد الحسيني وتوفي بها في ثاني عشر ربيع الثاني 1162 ودفن بالمجاورين ومولده في آخر المائة الالف بدمشق الشام.

ومات العلامة الثبت المحقق المحرر المدقق الشيخ محمد الدفري الشافعي أخذ العلم عن الأشياخ من الطبقة الأولى وانتفع به فضلاء كثيرون منهم العلامة الشيخ محمد المصيلحي والشيخ عبد الباسط السنديوني وغيرهما. توفي سنة 1161.

ومات الأجل المكرم عبد الله افندي الملقب بالأنيس أحد المهرة في الخط الضابط كتب على الشاكري وغيره واشتهر امره جدا وكان مختصا بصحبة مير اللواء عثمان بك ذي الفقار أمير الحاج وكتب عليه جماعة ممن رأيناهم ومنهم شيخ الكتبة بمصر اليوم حسن افندي مولى الوكيل المعروف بالرشدي وقد أجازه في مجلس حافل. توفي سنة 1159.

ومات الإمام الفقيه المحدث شيخ الشيوخ المتقن المتفنن المتجر الشيخ

ص: 247

أحمد بن مصطفى بن أحمد الزبيري المالكي الأسكندري نزيل مصر وخاتمة المسندين بها الشهير بالصباغ ذكر في ذكر شيوخه أنه أخذ عن إبراهيم بن عيسى البلقطري وعلي بن فياض والشيخ محمد النشرتي الزرقاني وأحمد الغزاوي وإبراهيم الفيومي وسليمان الشبرخيتي ومحمد زيتونه التونسي نزيل الأسكندرية وابي العز العجمي وأحمد بن الفقيه والكبنكسي ويحيى الشاوي وعبد الله البقري وصالح الحنبلي وعبد الوهاب الشنواني وعبد الباقي القليني وعلي الرميلي وأحمد السجيني وإبراهيم الكتبي وأحمد الخليفي ومحمد الصغير والوزراري وعبده الديوي وعبد القادر الواطي وأحمد بن محمد الدرعي. ورحل إلى الحرمين فأخذ عن البصري والنخلي والسندي ومحمد أسلم وتاج الدين القلعي ووالسيد سعد الله. وكان المترجم إماما علامة سليم الباطن معمور الظاهر قد عم به الانتفاع. روى عنه كثيرون من الشيوخ وكان يذهب في كل سنة إلى تغر الأسكندرية فيقيم بها شعبان ورمضان وشوالا ثم يرجع إلى مصر يملي ويفيد ويدرس حتى توفي في سنة 1162 ودفن بتربة بستان المجاورين بالصحراء.

ذكر من مات في هذه السنين من الأمراء المشهورين والأعيان.

مات الأمير علي بك ذو الفقار وهو مملوك ذي الفقار بك وخشداش عثمان بك ولما دخلوا على أستاذه وقت العشاء وقتلوه كما تقدم كان هو إذ ذاك خازنداره كما تقدم فقال المترجم باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح. فكانت هذه الكلمة سببا لهزيمة القاسمية واخمادهم إلى آخر الدهر وعد ذلك من فطانته وثبات جأشه في ذلك الوقت والحالة. ثم أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر عنده وجمع إليه محمد بك قطامش وأرباب الحل والعقد وأرسلوا إلى عثمان بك فحضر من التجريدة ورتبوا

ص: 248

امورهم وقتلوا القاسمية الذينن وجدوهم في ذلك الوقت. ولما وقف العرب بطريق الحجاج في العقبة سنة سبع وأربعين وكان أمير الحاج رضوان بك أرسل إلى محمد بك قطامش فعرفه ذلك فاجتمع الأمراء بالديوان وتشاوروا فيمن يذهب لقتال العرب فقال المترجم أنا اذهب إليهم واخلص من حقهم وانقذ الحجاج منهم ولا أخذ من الدولة شيئا بشرط أن أكون حاكم جرجا عن سنة ثمان وأربعين فأجابوه إلى ذلك والبسه الباشا قفطانا وقضى اشغاله في اسرع وقت وخرج في طوائفه ومماليكه واتباع أستاذه وتوجه إلى العقبة وحارب العرب حتى انزلهم من الحلزونات واجلاهم وطلع أمير الحاج بالحجاج وساق هو خلف العرب فقتل منهم مقتلة عظيمة ولحق الحجاج بنخل ودخل صحبتهم. ولما دخل ترت سافر إلى ولاية جرجا فاقام بها أياما ومات هناك بالطاعون.

ومات الأمير مصطفى بك بلغيه تابع حسن اغا بلغيه تقلد الإمارة والصنجقية في أيام إسمعيل بك ابن ايواظ سنة 1135 ولم يزل اميرا متكلما وصدرا من صدور مصر أصحاب الأمر والنهي والحل والعقد إلى أن مات بالطاعون على فراشه سنة 1148.

ومات أيضا رضوان اغا الفقاري وهو جرجي الجنس تقلد اغاوية مستحفظان عندما عزل علي اغا المقدم ذكره في أواخر سنة 1118 ثم تقلد كتخدا الجاويشية ثم اغات جملية في سنة 1120 وكان من اعيان المتكلمين بمصر وفر من مصر وهرب مع من هرب في الفتنة الكبرى إلى بلاد الروم ثم رجع إلى مصر سنة خمس وثلاثين باتفاق من أهل مصر بعدما بيعت بلاده وماتت عياله ومات له ولدان. فمكث بمصر خاملا إلى سنة ست وثلاثين ثم قلده إسمعيل بك بن ايواظ آغاوية الجملية فاستقر بها نحو خمسين يوما. ولما قتل إسمعيل بك في تلك السنة نفي المترجم إلى أبي قير خوفا من حصول الفتن فأقام هناك ثم رجع إلى مصر واستمر بها إلى

ص: 249

ان مات في الفصل سنة 1148.

ومات كل من إسمعيل بك قيطامس وأحمد بك اشراق ذي الفقار بك الكبير وحسن بك وحسين بك كتخدا الدمياطي وإسمعيل كتخدا تابع مراد كتخدا وخليل جاويش قباجيه وافندي كبير عزبان وحسن جاويش بيت مال العزب وافندي صغير مستحفظان وأحمد أوده باشا المطرباز ومحمد اغا ابن تصلق اغات مستحفظان وحسن جلبي بن حسن جاويش خشداش عثمان كتخدا القازدغلي وغير ذلك مات الجميع في الفصل سنة ثمان وأربعين.

ومات أحمد كتخدا الخربطلي وهو الذي عمر الجامع المعروف بالفاكهاني الذي بخط العقادين الرومي بعطفة خوش وقدم وصرف عليه من ماله مائة كيس وأصله من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان اتمامه في حادي عشر شوال سنة 1148 وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي وجعل مملوكه علي ناظر عليه ووصيا على تركته. ومات المترجم في واقعة بيت محمد بك الدفتردار سنة 1149 مع من مات كما تقدم الالماع بذكر ذلك في ولاية باكير باشا.

ومات الأمير عثمان كتخدا القازدغلي تابع حسن جاويش القازدغلي والد عبد الرحمن كتخدا صاحب العماير. تنقل في مناصب الوجاقات في أيام سيده وبعدها إلى أن تقلد الكتخدائية ببابه وصار من أرباب الحل والعقد وأصحاب المشورة واشتهر ذكره ونما صيته وخصوصا لما تغلبت الدول وظهرت الفقارية. ولما وقع الفصل في سنة ثمان وأربعين ومات الكثير من اعيان مصر وامرائها غنم أموالا كثيرة من المصالحات والتركات وعمر الجامع المعروف بالازبكية بالقرب من رصيف الخشاب في سنة سبع وأربعين وحصلت الصلاة فيه ووقع به ازدحام عظيم حتى أن عثمان بك ذا الفقار حضر للصلاة في ذلك اليوم متأخرا فلم يجد له محلا فيه فرجع

ص: 250

وصلى بجامع ازبك. وملأوا المزملة بشربات السكر وشرب منه عامة الناس وطافوا بالقلل لشرب من بالمسجد من الأعيان وعمل سماطا عظيما في بيت كتخداه سليمان كاشف برصيف الخشاب وخلع في ذلك اليوم على حسن افندى ابن البواب الخطيب والشيخ عمر الطهلاوي المدرس وأرباب الوظائف خلعا وفرق عل الفقراء دراهم كثيرة وشرع في بناء الحمام بجواره بعد تمام الجامع والسبيل والكتاب وبنى زاوية العميان بالأزهر ورحبة رواق الاتراك والرواق أيضا ورواق السليمانيه ورتب لهم مرتبات من وقفه وجعل مملوكه سليمان الجوخدار ناظرا ووصيا والبسه الضلمة. ولم يزل عثمان كتخدا أميرا ومتكلما بمصر وافر الحرمة مسموع الكلمة حتى قتل مع من قتل ببيت محمد بك الدفتردار مع أن الجمعية كانت باطلاعه ورأية ولم يكن مقصودا بالذات في القتل.

ومات الأمير الكبير محمد بك قيطاس المعروف بقطاش وهو مملوك قيطاس بك جرجي الجنس وقيطاس بك مملوك إبراهيم بك ابن ذي الفقار بك تابع حسن بك الفقارى تولى الإمارة والصنجقية فىحياة أستاذه وتقلد إمارة الحج سنة خمس وعشرين وطلع بالحج مرتين وتقلد أيضا إمارة الحج سنة 1146 و1148 ولما قتل عابدى باشا أستاذه بقراميدان سنة 1126 كما تقدم ذكر ذلك عصى المترجم وكرنك في بيته هو وعثمان بك بارم ذيله وطلب بثار أستاذه ولم يتم له أمر وهرب إلى بلاد الروم فأقام هناك إلى أن ظهر ذو الفقار في سنة ثمان وثلاثين وخرج جركس هاربا من مصر فأرسل عند ذلك أهل مصر يستدعون المترجم ويطلبون من الدولة حضوره إلى مصر وأرسلو إلى مصر وانعموا عليه بالدفتردارية. ولما وصل إلى مصر لم يتمكن منها حتى قتل علي بك الهندى فعند ذلك تقلد الدفتردارية وظهر أمره ونما ذكره وقلد مملوكه علي صنجقا وكذلك إشراقه إبراهيم بك. ولما عزل باكير باشا تقلد المترجم قائمقامية

ص: 251

وذلك سنة ثلاث وأربعين. وبعد قتل ذى الفقار بك صار المترجم اعظم الأمراء المصرية وبيده النقض والابرام والحل والعقد وصناجقه علي بك ويوسف بك وصالح بك وإبراهيم بك ولم يزل اميرا مسموع الكلمة وافر الحرمة حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار كما تقدم وقتل معه أيضا من أمرائه علي بك وصالح بك.

ومات معهم أيضا يوسف كتخدا البركاوي وكان أصله جربجيا بباب العزب وطلع سردار بيرق في سفر الروم ثم رجع إلى مصر فأقام خاملا قليل الحظ من المال والجاه فلما حصلت الواقعة التي ظهر فيها ذو الفقار واجتمع محمد باشا وعلي باشا والأمراء وحصرهم محمد بك جركس من جهات الرميلة من ناحية مصلى المؤمنين والحصرية وتلك النواحي وتابعوا رمي الرصاص على من بالمحمودية وباب العزب والسلطان حسن بحيث منعوهم المرور والخروج والدخول وضاق الحال عليهم بسبب ذلك فعندها تسلق المترجم وخاطر بنفسه ونط من باب العزب إلى المحمودية والرصاص نازل من كل ناحية وطلع عند الباشا والأمراء وطلب فرمانا خطا بالكتخدا العزب بانه يفرد قايبر بمائة نفر وأوده باشه ويكون هو سر عسكر ويطرد الذين في سبيل المؤمنين وهو يملك بيت قاسم بك ويفتح الطريق فاعطوه ذلك وفعل ما تقدم ذكره وملك بيت قاسم بك وجرى بعد ذلك ما جرى. ولما انجلت القضية جعلوه كتخدا باب العزب وظهر شأنه من ذلك الوقت واشتهر ذكره وعظم صيته. وكان كريم النفس ليس للدنيا عنده قيمة ولم يزل حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار.

ومات الأمير قيطاس بك الاعور وهو مملوك قيطاس بك الفقاري المتقدم ذكره تقلد الإمارة في أيام أستاذه ولما قتل أستاذه كان المترجم مسافرا بالخزينة ونازلا بوطاقة بالعادلية وكان خشداشة محمد بك قطامش نازلا بسبيل علام فلما بلغه قتل أستاذه ركب هو وعثمان بك بارم

ص: 252

ذيله وأتيا إليه وطلباه للقيام معهما في طلب ثأر أستاذهم فلم يطاوعهما على ذلك وقال أنا معي خزينة السلطان وهي في ضماني فلا أدعها وأذهب معكما في الأمر الفارغ وفيكم البركة. وذهب محمد بك وفعل ما فعله من الكرنكة في داره ولم يتم له أمر وخرج بعد ذلك هاربا من مصر ولحق بقيامطس بك المذكور وسافر معه إلى الديار الرومية واستمر هناك إلى أن رجع كما ذكر وعاد المترجم من سفر الخزينة فاستمر أميرا بمصر وتقلد إمارة الحج سنة اثنتين وأربعين وتوفي بمنى ودفن هناك.

ومات الأمير علي كتخدا الجلفي تابع حسن كتخدا الجلفي المتوفي سنة 1124. تنقل في الإمارة بباب عزبان بعد سيده وتقلد الكتخدائية وصار من اعيان الأمراء بمصر وأرباب الحل والعقد ولما انقضت الفتنة الكبيرة وطلع إسمعيل بك بن ايواظ إلى باب العزب وقتل عمر اغا أستاذ ذي الفقار بك وأمر بقتل خازنداره ذي الفقار المذكور استجار بالمترجم وكان بلديه وكان إذ ذاك خازندار عند سيده حسن كتخدا فأجاره وأخذه في صدره وخلص له حصة قمن العروس كما تقدم فلم يزل يراعي له ذلك حتى أن يوسف كتخدا البركاوي انحرف منه في أيام إمارة ذي الفقار وأراد غدره واسر بذلك إلى ذي الفقار بك فقال له: كل شيء اطاوعك فيه إلا الغدر بعلي كتخدا فإنه كان السبب في حياتي وله في عنقي ما لا انساه من المنن والمعروف وضمانه علي في كل شيء. وقلده الكتخدائية وسبب تلقبهم بهذا اللقب هو أن محمد اغا مملوك بشير اغا القزلار أستاذ حسن كتخدا كان يجتمع به رجل يسمى منصور الزتاحرجي السنجلفي من قرية من قرى مصر تسمى سنجلف وكان متمولا وله ابنة تسمى خديجة فخطبها محمد اغا لمملوكه حسن اغا أستاذ المترجم وزوجها له وهي خديجة المعروفة بالست الجلفية. وسبب قتل المترجم ما ذكر

ص: 253

في ولاية سليمان باشا بن العظم لما أراد ايقاع الفتنة واتفق مع عمر بك ابن علي بك قطامش على قتل عثمان بك ذي الفقار وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي والمترجم وهم المشار إليهم إذ ذاك في رياسة مصر. واتفق عمر بك مع خليل بك وأحمد كتخدا عزبان البركاوي وإبراهيم جاويش القازدغلي وتكفل كل منهم بقتل أحد المذكورين فكان أحمد كتخدا ممن تكفل بقتل المترجم فأحضر شخصا يقال له لاظ إبراهيم من اتباع يوسف كتخدا البركاوي وأغراه بذلك فانتخب له جماعة من جنسه ووقف بهم في قبو السلطان حسن تجاه بيت آقبردي ففعل ذلك ووقف مع من اختارهم بالمكان المذكور ينتظر مرور علي كتخدا وهو طالع إلى الديوان وأرسل إبراهيم جاويش إنسانا من طرفه سرا يقول لا تركب في هذا اليوم صحبة أحمد كتخدا فإنه عازم على قتلك. وبعد ساعة حضر إليه أحمد كتخدا فقام وتوضأ وقال لكاتبه التركي خذ من الخازندار الفلاني ألف محبوب ندفعها فيما علينا من مال الصرة. فأخذها الكاتب في كيس وسبقه إلى الباب وركب مع أحمد كتخدا وإبراهيم جاويش وخلفهم حسن كتخدا الرزاز واتباعهم فلما وصلوا إلى المكان المعهود خرج لاظ إبراهيم وتقدم إلى المترجم كانه يقبل يده فقبض على يده وضربه بالطبنجة في صدره فسقط إلى الأرض واطلق باقي الجماعة ما معهم من آلات النار. وعبقت الدخنة فرمح ابن امين البحرين وذهب إلى بيته وطلع أحمد كتخدا وصحبته حسن كتخدا الرزاز إلى الباب. ولما سقط علي كتخدا سحبوه إلى الخرابة وفيه الروح فقطعوا راسه ووضعوها تحت مسطبة البوابة في الخرابة وطلعوا إلى الباب وعندما طلع أحمد كتخدا واستقر بالباب أخذ الالف محبوب من الكاتب وطرده واقترض من حسن كتخدا المشهدي ألف محبوب أيضا وفرق ذلك على من الباب من أوده باشيه والنفر. ومن مآثر علي كتخدا المترجم القصر

ص: 254

الكبير الذي بناحية الشيخ قمر المعروف بقصر الجلفي وكان في السابق قصر صغيرا يعرف بقصر القبرصلي وأنشأ أيضا القصر الكبير بالجزيرة المعروفة بالفرشة تجاه رشيد الذي هدمه الأمير صالح الموجود الآن زوج الست عائشة الجلفية في سنة 1202 وبااع أنقاضه وله غير ذلك مآثر كثيرة وخبرات رحمه الله.

ومات أحمد كتخدا المذكور قاتل علي كتخدا المذكور ويعرف بالبركاوي لأنه اشراق يوسف كتخدا البركاوي. وخبر قتله أنه لما تم ما ذكر ونزل أحمد كتخدا من باب العزب بتمويهات حسين بك الخشاب وملكه اتباع عثمان بك ندم على تفريطه ونزوله وعثمان بك يقول لا بد من قتل قاتل صاحبي ورفيق سيدي قبل طلوعي إلى الحج وإلا أرسلت خلافي وأقمت بمصر وخلصت ثأر المرحوم. وأرسل إلى جميع الأعيان والرؤساء بانهم لا يقبلوه وطاف هو عليهم بطول الليل فلم يقبله منهم أحد فضاقت الدنيا في وجهه وتوفي في تلك الليلة محمد كتخدا الطويل فاجتمع الاختيارية والأعيان ببيته لحضور مشهده فدخل عليهم أحمد كتخدا في بيت المتوفي وقال أنا في عرض هذا الميت. فقال له: اطلع إلى المقعد واجلس به حتى نرجع من الجنازة. فطلع إلى المقعد كما أشاروا إليه وجلس لاظ إبراهيم بالحوش وصحبته اثنان من السراجين فلما خرجوا بالجنازة أغلقوا عليهم الباب من خارج وتركوا معهم جماعة حرسجية وأقاموا مماليك أحمد كتخدا في بيته يضربون بالرصاص على المارين حتى قطعوا الطريق وقتلوا رجلا مغربيا وفراشا وحمارا. فأرسل عثمان بك إلى رضوان كتخدا يأمره بارسال جاويش ونفر وقابجية بطلب محمد كتخدا من بيته ففعل ذلك فلما وصلوا إلى هناك ويقدمهم أبو مناخير فضة وجدوا رمي الرصاص فرجعوا ودخلوا من درب المغربلين وأرادوا ثقب البيت من خلفه فأخبرهم بعض الناس وقال لهم: الذي مرادكم فيه

ص: 255

دخل بيت الطويل فاتوا إلى الباب فوجدوه مغلوقا من خارج فطلبوا حطبا وأرادوا أن يحرقوا الباب فخاف الذين أبقوهم في البيت من النهب فقتلوا لاظ إبراهيم ومن معه وطلعوا إلى أحمد كتخدا فقتلوه أيضا وألقوه من الشباك المطل على حوض الداودية فقطعوا رأسه وأخذوها إلى رضوان كتخدا فأعطاهم البقاقيش وقطع رجل ذراعه وذهب بها إلى الست الجلفية وأخذ منها بقشيشا أيضا. ورجع من كان في الجنازة وفتحوا الباب وأخرجوا لاظ إبراهيم ميتا ومن معه وقطعوه قطعا. واستمر أحمد كتخدا مرميا من غير رأس ولا ذراع حتى دفنوه بعد الغروب ثم دفنوا معه الرأس والذراع.

ومات الأمير سليمان جاويش تابع عثمان كتخدا القازدغلي الذي جعله ناظرا ووصيا وكان جوخداره ولما قتل سيده استولى على تركته وبلاده ثم تزوج بمحظية أستاذه الست شويكار الشهيرة الذكر ولم يعط الوارث الذي هو عبد الرحمن بن حسن جاويش أستاذ عثمان كتخدا سوى فائظ أربعة أكياس لا غير. وتواقع عبد الرحمن جاويش على اختيارية الباب فلم يساعده أحد فحنق منهم واتسلخ من بابهم وذهب إلى باب العزب وحلف أنه لا يرجع إلى باب الينكجرية ما دام سليمان جاويش حيا. وكان المترجم صحبة أستاذه وقت المقتلة ببيت الدفتردار فانزعج وداخله الضعف ومرض القصبة ثم انفصل من الجاويشية وعمل سردار قطار سنة أحدى وخمسين وركب في الموكب وهو مريض وطلع إلى البركة في تختروان وصحبته الطبيب فتوفي بالبركة وأمير الحاج إذ ذاك عثمان بك ذو الفقار وكان هناك سليمان أغا كتخدا الجاويشية وهو زوج ام عبد الرحمن جاويش فعرف الصنجق بموت سليمان جاويش ووارثه عبد الرحمن جاويش وأستأذنه في أحضاره وإن يتقلد منصبه عوضه فأرسلوا إليه وأحضروه ليلا وخلع عليه عثمان بك قفطان السردارية وأخذ عرضه من

ص: 256

باب العزب وطيب سليمان اغا خاطر الباشا بحلوان وكتب البلاد باسم عبد الرحمن جاويش واتباعه وتسلم مفاتيح الخشاخين والصناديق والدفاتر من الكاتب وجاز شيئا كثيرا وبرفي قسمه ويمينه.

ومات الأمير محمد بك بن إسمعيل بك الدفتردار وقتل الأمراء المتقدم ذكرهم في بيته ووالدته بنت حسن اغا بلغيه. وخبر موته أنه لما حصل ما حصل وانقلب التخت عليهم اختفى المترجم في مكان لم يشعر به أحد فمرضت والدته مرض الموت فلهجت بذكر ولدها فذهبوا إليه وقنعوه وأتوا به إليها من المكان المحتفي فيه بزي النساء فنظرت إليه وتأوهت وماتت ورجع إلى مكانه. وكانت عندهم امرأة بلانة فشاهدت ذلك وعرفت مكانه فذهبت إلى اغات الينكجرية واخبرته بذلك فركب إلى المكان الذي هو فيه في التبديل وكبسوا البيت وقبضوا عليه وركبوه حمارا وطلعوا به إلى القلعة فرموا عنقه وكانوا نهبوا بيته قبل ذلك في أثر الحادثة وكان موته أواخر 1149.

ومات عثمان كاشف ورضوان بك أمير الحاج سابقا ومملوكه سليمان بك فإنهم بعد الحادثة وقتل الأمراء المذكورين وانعكاس أمر المذكورين اختفوا بخان النحاس في خان الخليلي وصحبتهم صالح كاشف زوج بنت ايواظ الذي هو السبب في ذلك فاستمروا في اخفائهم مدة ثم إنهم دبروا بينهم رأيا في ظهورهم واتفقوا على ارسال عثمان كاشف إلى إبراهيم جاويش قازدغلي فغطى راسه بعد المغرب ودخل إلى بيت إبراهيم جاويش فلما رآه رحب به وسأله عن مكانهم فأخبره أنهم بخان النحاس وهم فلان وفلان يدعون لكم ويعرفون همتكم وقصدهم الظهور على أي وجه كان. فقال له: نعم ما فعلتم وآنسه بالكلام إلى بعد العشاء عندما أراد أن يقوم فقال له: اصبر وقام كأنه يزيل ضرورة. فأرسل سراجا إلى محمد جاويش الطويل يخبره عن عثمان كاشف بانه عنده فأرسل إليه

ص: 257

طائفة وسراجين وقفوا له في الطريق وقتلوه. ووصل الخبر إلى ولده ببيت أبي الشوارب فحضر إليه وواراه وأخذ ولده المذكور إبراهيم جاويش وطلع في صبحها إلى الباب فأخبر أغات مستحفظان فنزل وكبس خان النحاس وقبض على رضوان بك وصحبته ثلاثة فأحضرهم إلى الباشا فقطع رؤوسهم. واما صالح كاشف فإنه قام وقت الفجر فدخل إلى الحمام فسمع بالحمام قتل عثمان كاشف في حوض الداودية فطلع من الحمام وهو مغطى الرأس وتأخر في رجوعه إلى خان الخليلي. ثم سمع بما وقع لرضوان بك ومن معه فضاقت الدنيا في وجهه فذهب إلى بيته وعبأ خرج حوايج وما يحتاج إليه وحمل هجينا وأخذ صحبته خداما ومملوكا راكبا حصانا وركب وسار من حارة السقايين على طريق بولاق على الشرقية وكلما أمسى عليه الليل يبيت في بلد حتى وصل عربان غزة. ثم ذهب في طلوع الصيف إلى اسلامبول ونزل في مكان. ثم ذهب عند دار السعادة وكان أصله من اتباع والد محمد بك الدفتردار فعرفه عن نفسه فقال له: أنت السبب في خراب بيت ابن سيدي وأستاذن في قتله فقتلوه بين الأبواب في المحل الذي قتل فيه الصيفي سراج جركس فكان تحرك هؤلاء الجماعة وطلبهم الظهور من الاختفاء كالباحث على حتفه بظلفه.

ومات الأمير خليل بك قطامش أمير الحاج سابقا تقلد الإمارة والصنجقية سنة تسع وأربعين بالحج اميرا سنة ثمان وخمسين ولم يحصل في إمارته على الحجاج راحة وكذلك على غيرهم. وكان اتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن المراكب إلى المناخ من غير ثمن ومنع عوائد العرب وصادر التجار في أموالهم بطريق الحج. وكانت أولاد خزنته ومماليكه أكثرهم عبيد سود يقفون في حلزونات العقبة ويطلبون من الحجاج دراهم مثل الشحاتين. وكان الأمير بك ذو الفقار يكرهه

ص: 258

ولا تعجبه احواله ولما وقع للحجاج ما وقع في إمارته ووصلت الأخبار إلى مولاي عبد الله صاحب المغرب وتأخر بسبب ذلك الراكب عن الحج في السنة الاخرى أرسل مكتوبا إلى علماء مصر وأكابرهن ينقم عليهم في ذلك ويقول فيه وإن مما شاع بمغربنا والعياذ بالله وذاع وانصدعت منه صدور أهل الدين والسنة أي انصداع وضاقت من أجله الأرض على الخلائق وتحمل من فيه إيمان لذلك ما ليس بطائق من تعدى أمير حجكم على عباد الله واظهار جرأته على زوار رسول الله فقد نهب المال وقتل الرجال وبذل المجهود في تعدية الحدود وبلغ في خبثه الغاية وجاوز في ظلمه الحد والنهاية فيالها من مصيبة ما اعظمها ومن داهية دهماء ما اجسمها فكيف يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم يهان أو يضام حجاج بيت الله الحرام وزائرو نبينا عليه الصلاة والسلام وبسببها تأخر الركب هذه السنة لهنالك وافصحت لنا علماء الغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك فياللعجب كيف بعلماء مصر ومن بها من اعيانها لا يقومون بتغيير هذا المنكر الفادح بشيوخها وشبانها. فهي والله معرة تلحقهم من الخاص والعام إلى آخر ما قال: فلما وصل الجواب واطلع عليه الوزير محمد باشا راغب أجاب عنه بأحسن جواب وأبدع فيما أودع من درر وغرر تسلب عقول أولي الالباب يقول فيه بعد صدر السلام وسجع الكلام ينهي بعد ابلاغ دعاء نبع من عين المحبة وسما وملأ بساط أرض الود وطما أن كتابكم الذي خصصتم الخطاب به إلى ذوي الافاضة الجلية النقية سلالة الطاهرة الفاخرة الصديقية اخواننا مشايخ السلسلة البكرية تشرفت انظارنا بمطالعة معانية الفائقة والتقطت انامل أذهاننا درر مضامينه الكافية الرائقة التي ادرجتم فيها ما ارتكبه أمير الحاج السابق في الديار المصرية في حق قصاد بيت الله الحرام وزوار روضة النبي الهاشمي عليه افضل الصلاة والسلام. فكل ما حررتموه صدر من الشقي المذكور بل

ص: 259

أكثر مما تحويه بطون السطور لكن الزارع لا يحصد إلا من جنس زرعه في حزن الأرض وسهله ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله لأن الشقي المذكور لما تجاسر إلى بعض المنكرات في السنة الأولى حملناه إلى جهالته وأكتفينا بتهديدات تلين عروق رعونته وتكشف عيون هدايته فلم تفد في السنة الثانية إلا الزيادة في العتو والفساد ومن يضلل الله فما له من هاد. ولما تيقنا أن التهديد بغير الايقاع كالضرب في الحديد البارد أو كالسباخ لا يرويها جريان الماء الوارد هممنا باسقائه من حميم جراء افعاله لأن كل أحد من الناس مجزى باعماله فوفقني الله تعالى لقتل الشقي المذكور مع ثلاثة من رفقائه العاضدين له في الشرور وطردنا بقيتهم بانواع الخزي إلى الصحاري فهم بحول الله كالحيتان في البراري وولينا إمارة الحج من الأمراء المصريين من وصف بين أقرانه بالانصاف والديانة وشهد له بمزيد الحماية والصيانة. والحمد لله حق حمده رفعت البلية من رقاب المسلمين خصوصا من جماعة ركبوا غارب الأغتراب بقصد زيارة البلد الأمين. فان كان العائق من توجه الركب المغربي تسلط الغادر السالف فقد انقضى أوان غدره على ما شرحناه وصار كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف والحمد لله على ما منحنا من نصرة المظلومين وأقدرنا على رغم أنوف الظالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين والحمد لله رب العالمين تحريرا في سادس عشر المحرم افتتاح سنة 1161. واجاب أيضا الأشياخ بجواب بليغ مطول اعرضت عن ذكره لطوله ومات خليل بك المذكور قتيلا في ولاية راغب باشا سنة 1160 قتله عثمان أغا أبو يوسف بالقلعة وقتل معه أيضا عمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك قطامش الذي كان تولى الصنجقية وسافر بالخزينة سنة سبع وخمسين عوضا عن عمر بك ابن علي بك ونزلت البيارق والعسكر والمدافع لمحاربة إبراهيم بك وعمر بك وسليمان

ص: 260

بك القطامشة فخرجوا بمتاعهم وعازقهم وهجنهم من مصر إلى قبلى ونهبوا بيوت المقتولين والفارين وبعض من هم من عصبتهم.

ومات محمد بك المعروف باباظة وذلك أنه لما حصلت واقعة حسين بك الخشاب وخروجه من مصر كما تقدم في ولاية محمد باشا راغب حضر محمد بك المذكور إلى مصر وصحبته شخص آخر فدخلا خفية واستقرا بمنزل بعض الاختيارية من وجاق الجاويشية فوصل خبره إلى إبراهيم جاويش فأرسل إليه اغات الينكجرية فرمى عليه بالرصاص وحاربه. وحضر أيضا بعض الأمراء الصناجق فلم يزل يحاربهم حتى فرغ ما عنده من البارود فقبضوا عليه وقتلوه في الداودية ورموا رقبة بباب زويلة.

ومات الأجل الامثل المبجل الخواجا الحاج قاسم بن الخواجا المرحوم الحاج محمد الدادة الشرايبي من بيت المجد والسيادة والامارة والتجارة وسبب موته أنه نزلت بانثيية نازلة فاشاروا عليه بفصدها واحضروا له حجاما ففصده فيها بمنزله الذي خلف جامع الغورية. ثم ركب إلى منزله بالازبكية فبات به تلك الليلة. وحضر له المزين في ثاني يوم ليغير له الفتيلة فوجد الفصد لم يصادف المحل فضربه بالريشة ثانيا فأصابت فرخ الانثيين ونزل منه دم كثير. فقال له: قتلتني انج بنفسك. وتوفي في تلك الليلة وهي ليلة السبت ثاني عشر ربيع الاخر سنة 1147 فقبضوا على ذلك المزين وأحضروه إلى أخيه سيدي أحمد فأمرهم باطلاقه فأطلقوه وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته من بيته بالازبكية في مشهد عظيم حضره العلماء وأرباب السجاجيد والصناجق والاغوات والاختيارية والكواخي حتى أن عثمان كتخدا القازدغلي لم يزل ماشيا إمام نعشه من البيت إلى المدفن بالمجاورين. ومات الأمير حسن بك المعروف بالوالي الذي سافر بالخزينة إلى الديار

ص: 261

الرومية فتوفي بعد وصوله إلى اسلامبول وتسليمه الخزينة بثلاثة أيام ودفن باسكدار وألبسوا حسن مملوكه إمارته وذلك في أوائل جمادى الأولى سنة 1148.

ومات الوزير المكرم عبد الله باشا الكبورلي الذي كان واليا في مصر في سنة 1143 وقد تقدم أنه من أرباب الفضائل وله ديوان وتحقيقات وكان له معرفة بالفنون والادبيات والقراءات وتلا القرآن على الشهاب الأسقاطي وأجازه وعلى محمد بن يوسف شيخ القراء بدار السلطنة.

الأمير عثمان بك ذو الفقار.

هو وإن لم يمت لكنه خرج من مصر ولم يعد إليها إلى أن مات بالروم وانقطع امره من مصر فكأنه صار في حكم من مات. وليس هو ممن يهمل ذكره أو يذكر في غير موضعه لأنه عاش بعد خروجه من مصر نيفا وثلاثين سنة. ولجلالة شأنه جعل أهل مصر سنة خروجه منها تاريخا لاخبارهم ووقائعهم ومواليدهم إلى الآن من تاريخ جمع هذا الكتاب أعني سنة 1220 فيقولون جرى كذا سنة خروج عثمان بك وولدت سنة خروج عثمان بك أو بعده بكذا سنة أو شهر. هو تابع الأمير ذي الفقار تابع عمر اغا تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1138 بعد ظهور أستاذه من اختفائه وخروج محمد بك جركس من مصر فتقلد الإمارة وخرج بالعسكر للحوق بجركس وصحبته يوسف بك قطامش والتجريدة فوصلوا إلى حوش ابن عيسى وسألوا عنه فأخبرهم العرب أنه ذهب من خلف الجبل الأخضر إلى درنة. فعاد بالعسكر إلى مصر وتقلد عدة مناصب وكشوفيات الأقاليم في حياة أستاذه ولما رجع محمد بك جركس في سنة اثنتين وأربعين خرج إليه بالعسكر وجرى ما تقدم ذكره من الحروب والانهزام وخروجه صحبة علي بك قطامش ولما قتل سيده

ص: 262

بيد خليل آغا وسليمان أبي دفية قبل صلاة العشاء وجرى ما تقدم أرسلوا إليه وحضر من التجريدة وجلس ببيت أستاذه وتقلد خشداشة على الخازندار الصنجقية وتعضده به ومات محمد بك جركس ودخل براسه علي قطامش ثم تفرغوا للقبض على القاسمية فكان كلما قبضوا على أمير منهم أحضروه إلى محمد باشا فيرسله إلى المترجم فيأمر برمي عنقه تحت المقعد حتى افنوا الطائفة القاسمية قتلا وطردا وتشتتوا في البلاد واختفوا في النواحي والتجأ الكثير منهم إلى أكابر الهوارة ببلاد الصعيد ومنهم من فر إلى بلاد الشام والروم ولم يعد إلى مصر حتى مات ومات خشداشه علي بك بولاية جرجا سنة ثمان وأربعين فقلد عوضه مملوكه حسن الصنجقية. ولما حصلت كائنة قتل الأمراء الأحد عشر ببيت الدفتردار وكان المترجم حاضرا في ذلك المجلس وأصابه سيف فقطع عمامته فنزل وركب وخرج من باب البركة وسار إلى باب الينكجرية واجتمع إليه الأعيان من الاختيارية والجاويشية واحضروا عمر بن علي بك قطامش فقلدوه إمارة أبيه وضموا إليهم باب العزب وعملوا متاريس وحاربوا المجتمعين بجامع السلطان حسن حتى خذلوهم وتفرقوا واختفوا كما تقدم وعزلوا الباشا. وظهر أمر المترجم بعد هذه الواقعة وانتهت إليه رياسة مصر وقلد أمراء من اشراقاته وحضر إليه مرسوم من الدولة بالإمارة على الحج فطلع بالحج سنة أحدى وخمسين ورجع سنة اثنتين وخمسين في أمن وأمان وسخاء ورخاء. ولما حصلت الكائنة التي قتل فيها علي كتخدا الجلفي تعصب المترجم أيضا لطلب ثآره وبذل همته في ذلك وعضد اتباعه وعزل الباشا المتولي وقلد رضوان كتخدائية العزب عوضا عن أستاذه واحاط بأحمد كتخدا قاتل المذكور حتى قتل هو ولاظ إبراهيم كما تقدم وقلد مملوكه سليمان كاشف الصنجقية وجعله اميرا على الحج وسافر به سنة ثلاث وخمسين

ص: 263

ورجع سنة أربع وخمسين في أمن وأمان وطلع عمر بك ابن علي بك قطامش سنة أربع وخمسين ورجع سنة خمس وخمسين. ثم ورد أمر للمترجم بامارة الحج سنة خمس وخمسين وذلك في ولاية يحيى باشا. وفي تلك السنة عمل المترجم وليمة ليحيى باشا في بيته وحضر إليه وقدم له تقادم وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم بان الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء وإنما كانوا يعملون لهم الولائم بالقصور خارج مصر مثل قصر العيني أو المقياس. وطلع بالحج تلك السنة ورجع سنة ست وخمسين في أمن وأمان وانتهت إليه الرياسة وشمخ على أمراء مصر ونفذ احكامه عليهم قهرا عنهم وعمل في بيته دواوين لحكومات العامة وانصاف المظلوم من الظالم وجعل لحكومات النساء ديوانا خاصا ولا يجري احكامه إلا على مقتضى الشريعة ولا يقبل الرشوة ويعاقب عليها ويباشر أمور الحسبة بنفسه. وعمل معدل الخبز وغيره حتى الشمع والفحم ومحقرات المبيعات شفقة على الفقارء ومنع المحتسب من أخذ الرشوات وهجج الشهود من المحاكم. وكان يرسل الخاصكية اتباعه في التعايين حتى على الأمراء ولم يعهد عليه أنه صادر أحدا في ماله وأخذ مصلحة على ميراث ومات كثير من الأغنياء وأرباب الأموال العظيمة مثل عثمان حسون وسليمان جاويش تابع عثمان كتخدا فلم تطمح نفسه لشيء من أموالهم. ولما ورد الأمر بابطال المرتبات وجعلوا على تنفيذها مصلحة للباشا وغيره افرزوا له قدرا امتنع من قبوله واقتدى به رضوان بك وقال: هذا من دموع الفقراء وإن حصلت الاجابة كانت مظلمة وإن لم تحصل كانت مظلمتين. وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب اقامة الحق والعدل في الرعية وهابته العرب وامنت الطرق والسبل البرية والبحرية في أيامه وله حسن تدبير في الأمور طاهر الذيل شديد االغيرة. ولم يأت بعد إسمعيل بك ابن ايواظ في أمراء مصر من يشابهه او

ص: 264

يدانيه لولا ما كان فيه من حدة الطبيعة إذ قال كلاما أو عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس إلا أرباب الفضائل مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد أحمد النخال والشيخ عبد الله الادكاوي والشيخ يوسف الدلجي وسيدي مكي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في المذهب والمقامات الحريرية وكتبها له بخطة التعليق الحسن في خمسين جزأ لطافا كل مقامة على حدتها وألف لاجله مناسك الحج المشهورة في جزء لطيف وبالجملة فكان المترجم من خيار الأمراء لولا ما كان فيه من الحدة حتى استوحشوا منه وحضر إليه يوما على باشجاويش اختيار مستحفظان الدرندلي في قبضة فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه واراد أن يضربه وغير ذلك.

السبب في كائنة عثمان بك وخروجه من مصر.

مبدأ ذلك تغير خاطره من إبراهيم جاويش وتغير خاطر إبراهيم جاويش منه لامور وحقد باطني لا تخلو عنه الرياسة والامارة في الممالك. والثاني أن علي كاشف له حصة بناحية طحطا وباقي الحصة تعلق عبد الرحمن جاويش ابن حسن جاويش القازدغلي فاجرها لعثمان بك ونزل علي كاشف فيها على حصته وحصة مخدومه فحضر إليه رجل واغراه على قتل حماد شيخ البلد وياخذ من أولاده مائة جنزرلي وحصانا ويعمل واحدا منهم شيخا عوضا عن أبيه ففعل ذلك ووعده إلى أن يذهب منهم شخص إلى مصر ويأتي بالدراهم من الأمين وضمنهم الذي كان السبب في قتل أبيهم فحضر شخص منهم إلى مصر وطلب من الأمين مائة جنزرلي وحكى له ما وقع فأخذه وأتى به إلى إبراهيم جاويش القازدغلي وعرفه بالقصة وما فعل علي كاشف باغراء سالم شيخ البلد وانه ضمنهم أيضا في المائة جنزرلي وقد أتى في غرضين تمنع عنه علي كاشف وتخلص ثاره من سالم. فركب إبراهيم جاويش وأتى بيت عبد الرحمن جاويش وصحبته الولد فقص

ص: 265

عليه القصة وفمهما ثم إنهم ركبوا وذهبوا عند عثمان بك فوجدوا عنده عبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي فسلموا وجلسوا فقال إبراهيم جاويش نحن قد اتينا في سؤال قال الصنجق خير. فذكر القصة ثم قال له: أرسل اعزل علي كاشف وأرسل خلافه. فقال الصنجق صاحب قيراط في الفرس يركب وهذا له حصة فلا يصح إني اعزله وللحاكم الخروج من حق المفسود. وتراددوا في الكلام إلى أن احتد الصنجق وقال إبراهيم جاويش أنت لك غيره على بلاد الناس وسنتك فرغت وأنا استأجرت الحصة. فقال له: الصنجق أنزل اعمل كاشفا فيها على سبيل الهزل. فقام إبراهيم جاويش منتورا وقام صحبته عبد الرحمن جاويش وذهبوا إلى بيت عمر بك فوجدوا عنده خليل اغا قطامش وأحمد كتخدا البركاوي صنجق ستة فحكوا لهم القصة وما حصل بينهم وبين عثمان بك فقال أحمد كتخدا عزبان الجمل والجمال حاضران أكتب ايجار حصة اخيك عبد الرحمن جاويش وخذ على موجبها فرمانا بالتصرف في الناحية فأحضروا واحدا شاهدا وكتبوا الايجار. وبلغ الخبر عثمان بك فأرسل كتخداه إلى الباشا يقول لا تعط فرمانا بالتصرف في ناحية طحطا لإبراهيم جاويش فلما خرجت الحجة أرسلها للباشا صحبة باشجاويش فامتنع الباشا من اعطاء الفرمان فقامت نفس إبراهيم جاويش من عثمان بك وعزم على غدره وقتله. ودار على الصناجق والوجاقلية وجمع عنده انفارا فسعى علي كتخدا الجلفي وبذل جهده في تمهيد النائرة وأرسل إبراهيم جاويش ابن حماد وقال له: لما تطلع البلد وزع كامل ما عندك وخليكم على ظهور الخيل ولما يأتيكم سالم اقتلوه واخرجوا من البلد حتى ينزل كاشف من طرفي أرسل لكم ورقة أمان ارجعوا وعمروا. فنزل الولد وفعل ما قاله له: الجاويش فوصل الخبر على كاشف فركب خلفهم فلم يحصل منهم أحدا وأرسل إبراهيم جاويش كاشفا من طرفه

ص: 266

بطائفة ومدافع ونقارية وورقة أمان لأولاد حماد. واستمر علي كتخدا يسعى حتى أصلح بين الصنجق والجاويش والذي في القلب في القلب كما قيل:

أن القلوب إذا تنافر ودها

مثل الزجاج كسرها لا يجبر

ولما أخذ الخبر علي كاشف بالخصومة حضر إلى مصر قبل نزول الكاشف الجديد وكانت هذه القضية أوائل سنة 1149 قبل واقعة بيت الدفتردار وقتل الأمراء.

وأما النفرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط وهو أن شيخ العرب همام رهن عند إبراهيم جاويش ناحية برديس تحت مبلغ معلوم لأجل معلوم وشرط فيه وقوع الفراغ بمضي الميعاد فأرسل همام إلى المترجم يستعير جاهه في منع الفراغ بالناحية لإبراهيم جاويش فاخبر عثمان بك الباشا وقال له: هوارة قبلي راهنون عند إبراهيم جاويش بلدا وأرسلوا يقولون أن أوقع فيها فراغه وأرسل لها كاشفا قتلناه وقطعنا الجالب فانتم لا تعطونه فرمانا في بلاد هوارة فإنهم يوقفون المال والغلال. فلم يتمكن إبراهيم جاويش من عمل الفراغ ويطلب الدراهم فلا يعطيه وطالت الأيام وعثمان بك مستمر على عناده وإبراهيم جاويش يتواقع على الأمراء والاختيارية فلم ينفذ له غرض ويحتج عليه باشياء وشبه قوية وحسابات وحوالات ونحو ذلك إلى أن ضاق خناق إبراهيم جاويش فاجتمع على عمر بك وخليل بك وانجمعوا على رضوان كتخدا وكان انفصل من كتخدائية الباب فقالوا له: إما أن تكون معنا وأما أن ترفع يدك من عثمان بك. فلم يطاوع وقال هذا لا يكون وكيف إني أفوت إنسانا بذل مجهوده في تخليص ثارنا من اخصامنا ولولا هو لم يبق منا انسان. وكان وجاق العزب لهم صولة وخصوصا بعد الواقعة الكبيرة ولا يقع أمر بمصر إلا بيدهم ومعونتهم. فلما ايسوا منه قالوا: له إذا كان

ص: 267

كذلك فانت سياق عليه في قضية اخينا إبراهيم جاويش فوعدهم بذلك وذهب إلى عثمان بك وكلمه في خصوص ذلك. فقال هذا شيء لا يكون ولا يفرحون به فألح عليه في الكلام فنفر فيه وقال له: اترك هذا الكلام وأشار إلى وجهة بالمذبة فانجرح انفه فأخذ في نفسه رضوان كتخدا واغتم وقال له: حيث إنك لم تقبل شفاعتي دونك وأياهم ولا أدخل بينك وبينهم. وركب إلى بيته وأرسل إلى إبراهيم جاويش عرفه بذلك فركب في الوقت وأخذ صحبته حسن جاويش النجدلي وذهبوا إلى عمر بك فوجدوا عنده خليل بك ومحمد بك صنجق ستة فاجمعوا أمرهم واتفقوا على الركوب على عثمان بك يوم الخميس على حين غفلة وهو طالع إلى الديوان فاكمنوا له في الطريق فلما ركب في صبح يوم الخميس وصحبته إسمعيل بك أبو قلنج خرج عليه خليل بك ومن معه وهجم على عثمان بك شخص وضربه بالسيف في وجهه فزاغ عنه ولم يصب إلا طرف انفه ولفت وجهه ودخل من العطفة النافذة إلى بيت مناو وراس الخيمية وخاف من رجوعه على بيت إبراهيم جاويش ومر على قصبة رضوان على حمام الوالي وهرب أبو قلنج إلى بيت نقيب الأشراف. وبلغ الخبر عبد الله كتخدا فركب في الحال ليتدارك القضية ويمنعه من الركوب فوجده قد ركب ولاقاه عند حمام الوالي فرجع صحبته إلى البيت وإذا بإبراهيم جاويش وعلي جاويش الطويل وحسن جاويش النجدلي تجمعوا ومعهم عدة وافرة واحاطوا بالجهات وهجموا على بيوت اتباعه واشراقاته وأوقعوا فيها النهب واحرقوها بالنار وركبوا المدافع في رؤوس السويقة وضربوا بالرصاص من كل جهة وأخذوا ينقبون عليه البيت. فلما رأى ذلك الحال أمر بشد الهجن وركب وخرج من البيت وتركه بما فيه ولم يأخذ منه إلا بعض نقود مع أعيان المماليك وطلع من وسط المدينة ومر على الغورية ودخل من مرجوش وخرج من باب الحديد وذهب إلى بولاق.

ص: 268

ونزل في جامع الشيخ أبي العلا ولم يذهب أحد خلفه بل غم أمره على غالب الناس وعند خروجه دخل العسكر إلى بيته ونهبوه وسبوا الحريم والجواري واخرجوا منه ما يجل عن الوصف واغتنى كثير من السراجين وغيرهم من ذلك اليوم وصاروا تجارا وأكابر ولم يزالوا في النهب حتى قلعوا الرخام والاخشاب وأوقدوا النار. وحضر اغات الينكجرية أواخر النهار واخرج العالم وقفل الباب واعطى المفتاح للوالي ليدفن القتلى ويطفيء النار وأقامت النار وهم يطفئونها يومين وكان أمرا شنيعا. واما عثمان بك فإنه لما نزل بمسجد أبي العلا وصحبته عبد الله كتخدا أقاما إلى بعد الغروب فأرسل عبد الله كتخدا إلى داره فاحضر خياما وفراشا وقومانية وركبوا بعد الغروب وذهبوا إلى جهة قبلي من ناحية الشرق فلم يزالا إلى أن وصلا إلى اسيوط عند علي بك تابعه حاكم جرجا واجتمعت عليه طوائف القاسمية الهاربين الكائنين بشرق أولاد يحيى وغيرهم. واما ما كان من إبراهيم جاويش القازدغلي فإنه جعل مملوكه عثمان اغات متفرقة وكذلك رضوان كتخدا جعل مملوكه إسمعيل اغات عزب وشرعوا في تشهيل تجريدة وجعلوا خليل بك قطامش أمير العسكر. ووعدوه بولاية جرجا إذا قبض على عثمان بك. فجهزوا انفسهم وجمعوا الأسباهية وسافروا إلى أن قربوا من ناحية اسيوط فأرسلوا جواسيس لينظروا مقدار المجتمعين فرجعوا وأخبروا أنهم نحو خمسمائة جندي وعلي بك وسليمان وبشير كاشف وطوائفهم فاشاروا على عثمان بك بالهجوم على خليل بك ومن معه فلم يرض وقال المتعدي مغلوب. ثم إنهم أرسلوا إلى إبراهيم جاويش يطلبون منه تقوية فإنهم في عزوة كبيرة فشرع في تجهيز نفسه وأخذ صحبته علي جاويش الطويل وعلي جاويش الخربطلي وكامل اتباعهم وانفارهم وسافروا إلى أن وصلوا عند خليل بك. ووصل الخبر إلى عثمان بك فتفكر في نفسه ساعة ثم قال لعبد الله

ص: 269

كتخدا القازدغلي أنتم لم تفوتوا بعضكم. واشار عليه بان يطلع إلى عند السردار وطلع عند السردار وعدى عثمان بك ومن معه وانعم على القاسمية الواصلين إليه ورجعوا إلى أماكنهم. وسار هو من جهة الشرق إلى السويس ثم ذهب إلى الطور فاقام عند عرب الطور مدة أياما. ووصل إبراهيم جاويش ومن معه إلى اسيوط فوجدوه قد ارتحل وحضر إليهم السردار فأخبرهم بارتحال عثمان بك وتخلف عبد الله كتخدا عنده فأرسل إليه علي جاويش الطويل فاحضره إلى إبراهيم جاويش وعاتبه وارتحل في ثاني يوم خوفا من دخول عثمان بك إلى مصر. ولما وصل إبراهيم جاويش إلى مصر اتفقوا على نفي عبد الله كتخدا إلى دمياط فسافر إليها بكامل اتباعه ثم هرب إلى الشام وتوفي هناك ورجعت اتباعه إلى مصر بعد وفاته. ولما وصل عثمان بك إلى السويس أرسل القبطان الخبر بوروده البندر وصحبته سليمان بك وبشير كاشف بطوائفهم وإنهم أخذوا من البندر سمنا وعسلا وجبنا ودقيقا وذهبوا إلى الطور فعملوا جمعية في بيت إبراهيم بك قطامش واتفقوا على ارسال صنجقين وهما مصطفى بك جاهين ومحمد بك قطامش وصحبتهما اغات بلوك واسباهية وكتخدا إبراهيم بك وكتخدا عمر بك وطلعوا إلى الباشا فخلع عليهم قفاطين وجهزوا انفسهم وأخذوا مدفعين وجبخانة وساروا. ووصل الخبر إلى عثمان بك فخاف على العرب وركب بمن معه وأتى قرب اجرود فتلاقى معهم هناك ووقعت بينهم معركة ابلى فيها علي بك وسليمان بك وبشير كاشف وقتل كتخدا إبراهيم بك وكان عثمان بك نازلا بعيدا عن المعركة فأرسل إليهم وأمرهم بالرجوع وارتحل إلى الطور. وأما التجريدة فإنهم قطعوا رؤوسا من العرب ودخلوا بها مصر وكان عثمان بك أرسل مكاتبة سرا إلى محمد افندي كاتبه التركي يطلبه أن يأتيه إلى الطور فحضر محمد افندي المذكور إلى إبراهيم جاويش الذي أحضر رجلا بدويا طوريا

ص: 270

وسلمه له فاركبه هجينا وسار به إلى الطور فلما وصل إليه واجتمع به زين له الذهاب إلى اسلامبول وحسن له ذلك وانه يحصل له بذلك وجاهة ورفعة ويحصل من بعد الأمور أمور. فوافق على ذلك وعزم عليه وركب عثمان بك ومحمد افندي ومعهم جماعة عرب اوصلوهم إلى الشام ومنها ذهب إلى اسلامبول ودخل علي بك وسليمان بك وبشير اغا إلى مصر وبعد مدة ظهر بشير اغا فأرسله إبراهيم جاويش قائمقام على امانة في الصعيد. ولما وصل المترجم إلى اسلامبول وقابل رجال االدولة أكرموه وانزلوه بمنزل متسع باتباعه وخدمة وعينوا له كفايته من كل شيء. واجتمع بالسلطان وسأله عن احوال مصر فاخبره فقال له: من جملة الكلام وما صنعت مع اخوانك حتى تعصبوا عليك واخرجوك قال: لكوني أقول الحق واقيم الشرع فعلوا معي ما فعلوه ونهبوا من بيتي ما يزيد على الفي كيس ومن وسايا البلاد والخيار الشنبر ألف كيس وحلوان بلادي ألف كيس. فامر بكتابة مرسوم وطلب أربعة آلاف كيس وعينوا بذلك قابجي باشا ويكرمي سكزجلبي الذي كان الجي في بلاد الموسكو وبلاد فرنسيس وحضروا إلى مصر في أيام محمد باشا الذي تولى بعد يحيى باشا المعروف باليدكشي وذلك أواخر سنة سبع وخمسين. فلما قرىء ذلك المرسوم قالوا: في الجواب أما البيت فقد نهبته العسكر والرعايا والأوسية والخيار الشنبر نهبته اتباعه وخدمه والعرب والفلاحون وأما حلوان البلاد فعندما يتحرر الحساب فيخصم منه الذي في عهدته من المال السلطاني وما بقي ندفعه مثل العادة عن ثلاث سنوات فقال لهم: يكرمي سكزجلبي حرروا ثمن البلاد والخيار الشنبر واخصموا منه ما عليه وما بقي أكتبوا به عرض محضر ويذهب به قابجي باشا ويرجع لكم بالجواب. ففعلوا ذلك وذهب قابجي باشا وصحبته إسمعيل بك أبو قلتج بخزينة سنة ست وخمسين ولما عرض قابجي باشا

ص: 271

العرض بحضرة عثمان بك قال: ليس في جهتي هذا القدر ولكن أرسلوا يطلب الرزنامجي وأحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف وجيش فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وأرسلوه صحبة جوخدار معين خطابا إلى محمد باشا ويكرمي سكن جلبي وذكروا فيه أن يكرمي سكزجلبي يحضر بثلث الحلوان بولصة. فلما وصل الجوخدار جمع الباشا الصناجق والاغوات والبلكات وقرأ عليهم ذلك المرسوم. فقالوا في الجواب أن من يوم هروب المترجم وخروجه من مصر لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب وأما الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا يمكنه النقص ولا الزيادة لأن حساب المبري محرر في المقاطعات والحال أن ابن السكري كان ممن نافق على أستاذه حتى وقع له ما وقع وأخذه إبراهيم جاويش عنده وجعله كتخدا وبعد مدة جعله متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو أحمد بك السكري أستاذ يحيى كاشف أستاذ علي كتخدا الموجود الآن الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها اشتهر. ثم إنهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له عزائم وولائم وهادوه بهدايا ثم اعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا في القطامشة والدمايطة والقازدغلية. ثم إنهم أرسلوا عثمان بك إلى برصا فأقام بها مدة سنين ثم رجع إلى اسلامبول واستمر بها إلى أن مات في حدود سنة 1190. واما يوسف وجيش فالتجأ إلى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي ولما سافر عثمان بك من اجرود إلى الشام وارتاحوا من قبله قلد إبراهيم جاويش عثمان اغات تابعه المتفرقة وجعله صنجقا وهو عثمان بك الذي عرف بالجرجاوي وهو أول أمرائه وكذلك رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه إسمعيل اغات العزب والصنجقية وعزلوا يحيى باشا وحضر بعده محمد باشا اليدكشي. وتقلد إمارة الحج سنة 1156 إبراهيم بك بلغيه ورجع مريضا في تختروان سنة 1157. وترك المترجم

ص: 272

بمصر ولدين عاشا لحاهما وبنتا تزوج بها بعض الأمراء واتفق أنه سافر إلى اسلامبول في بعض المهمات ولم يقدر على مواجهة صهره ولم يقدر أحد على ذكره له مطلقا لشدة غيرته وحدة طبيعته وفي أواخر أمره أقعد ولم يقدر على النهوض فكانوا يحملونه لركوب الحصان. فإذا استوى راكبا أقوى من الشاب الصحيح ورمح وصفح وسابق ولم يزل باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته. ومات مصطفى بك الدفتردار من اشراقات عثمان بك وذلك أنه سافر أميرا على العسكر الموجه إلى بلاد العجم ومات هناك سنة 1155.

ومات أيضا إسمعيل بك أبو قلنج وكان سافر أيضا بالخزينة عن سنة 1156 ومات باسلامبول ودفن هناك.

ومات الأمير عمر بك بن علي بك قطامش تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1149 في رجب بعد واقعة بيت محمد بك الدفتردار ولما قتل والده علي بك مع أستاذ محمد بك اجتمع الأمراء والاختيارية بباب الينكجرية وأحضروا المترجم وطلعوا به إلى الباشا وقلدوه الإمارة ليأخذ بثار أبيه وجرى ما جرى على اخصامهم. وظهر شأن المترجم ونما امره واشتهر صيته وتقلد إمارة الحج سنة 1154 ورجع سنة 1155 ولم يزل حتى حصلت كائنة قتل خليل بك ومن معه بالديوان سنة 1160 فخرج المترجم هاربا من مصر إلى الصعيد ثم ذهب إلى الحجاز ومات هناك.

ومات علي بك الدمياطي ومحمد بك قتلا في اليوم الذي قتل فيه خليل بك قطامش وعمر بك بلاط بالديوان في القلعة في ولاية محمد باشا راغب كما تقدم ومحمد بك المذكور من القطامشة وكان أغات مستحفظان فحصل دور السفر بالخزينة إلى عمر بك ابن علي بك المذكور فقلده الصنجقية وسافر بالخزينة عوضا عنه سنة سبع وخمسين ومائة وألف.

ص: 273

‌في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143

.

السموت والدساتير فشيء لا ينحصر ولا يمكن ضبطه لكثرته وكان له بالوالد وصلة شديدة وصحبة أكيدة ولما حانت وفاته أقامة وصيا على مخلفاته وكان يستعمل البرشعثا ويطبخ منه في كل سنة قزانا كبيرا ثم يملأ منه قدورا ديدفنها في الشعير ستة أشهر ثم يستعمله بعد ذلك ويكون قد حان فراغ الطبخة الأولى وكان يأتيه من بلده الخانكة جميع لوازمه وذخيرة داره من دقيق وسمن وعسل وجبن وغير ذلك ولا يدخل لداره قمح إلا لمؤنة الفراخ وعلفهم فقط وإذا حضر عنده ضيوف وحان وقت الطعام قدم لكل فرد من الحاضرين دجاجة على حدته. ولم يزل حتى توفي ثاني عشر جمادي الأولى سنة 1158 يوم الجمعة ودفن بجوار تربة الشيخ البحيري كاتب القسمة العسكرية بجوار حوش العلامة الخطيب الشربيني.

ومات قاضي قضاة مصر صالح افندي القسطموني. كان عالما بالاصول والفروع صوفي المشرب في التورع ولي قضاء مصر سنة 1154 وبهامات سنة 1155 ودفن عند المشهد الحسيني.

ومات السيد زين العابدين المنوفي المكب أحد السادة المشهورين بالعلم والفضل توفي سنة 1151.

ومات اسيد الشريف حمود بن عبد الله ابن عمرو النموي الحسيني المكي أحد اشراف آل نمي كان صاحب صدارة ودولة واخلاق رضية ومحاسن مرضية حسن المذاكرة والمطارحة لطيف المحاضرة والمحاورة. توفي أيضا سنة 1151.

ومات الأجل الفاضل المحقق أحمد افندي الواعظ الشريف التركي كان من أكابر العلماء إمارا بالمعروف ولا يخاف في الله لومة لائم وكان يقرأ الكتب الكبار ويباحث العلماء على طريق النظار ويعظ العامة بجامع المرداني فكانت الناس تزدحم عليه لعذوبة لفظه وحسن بيانه وربما

ص: 143