المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة خمس وثمانين ومائة وألف - تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار - جـ ١

[الجبرتي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة

- ‌سنة ست ومائة وألف

- ‌سنة عشرين ومائة وألف

- ‌سنة أحدى وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة أحدى وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلاثين

- ‌سنة أربعين ومائة وألف

- ‌في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143

- ‌في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ست وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة تسع وثممانين ومائة وألف

- ‌سنة تسعين ومائة وألف

- ‌سنة أحدى وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وتسعين وألف

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ست وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة مائتين وألف

الفصل: ‌سنة خمس وثمانين ومائة وألف

في أهل الصلاح ويكرم الوافدين والضيفان. وكان جميل الصورة طويلا مهيبا حسن الملبس والمركب. توفي يوم الخميس حادي عشر رجب من السنة وخلف أولادا منهم محمد الحفني الذي سماه على اسم الشيخ لمحبته فيه وأحمد وشمس الدين.

ومات بقية السلف ونتيجة الخلف الشيخ أحمد سبط الأستاذ الشيخ عبد الوهاب الشعراني وشيخ السجادة كان إنسانا حسنا وقورا مالكا منهج الاحتشام والكمال منجما عن خلطة الناس إلا بقدر الحاجة. توفي يوم السبت ثامن صفر من السنة وخلف ولده سيدي عبد الرحمن مراهقا تولى بعده على السجادة مع مشاركة قريبة الشيخ أحمد الذي تزوج بوالدته.

ومات الإمام العلامة الفقيه الصالح الناسك صائم الدهر الشيخ محمد الشوبري الحنفي تفقه على الشيخ الأسقاطي والشيخ سعودي وبعد وفاة المذكورين لازم الشيخ الوالد وتلقى عنه كثيرا وكان إنسانا حسنا وجيها لا يتداخل فيما لا يعنيه مقبلا على شأنه صائم الدهر وملازما لداره بعد حضور درسه وكان بيته بقنطرة الأمير حسين مطلا على الخليج.

ص: 405

‌سنة خمس وثمانين ومائة وألف

.

اخرج علي بك تجريدة عظيمة وسر عسكرها واميرها محمد بك أبو الذهب وأيوب بك ورضوان بك وغيرهم كشاف وأرباب مناصب ومماليكهم وطوائفهم واتباعهم وعساكر كثيرة من المغاربة والترك والهنود واليمانية والمتاولة وخرجوا في تجمل زائد واستعداد عظيم ومهيأ كبير ومعهم الطبول والزمور والذخائر والأحمال والخيام والمطابخ والكرارات والمدافع والجيخانات ومدافع الزنبلك على الجمال وأجناس العالم الوفا مؤلفة وكذلك أنزلوا الاحتياجات والاثقال وشحنوا بها السفن

ص: 405

وسافرت من طريق دمياط في البحر. فلما وصلوا إلى الديار الشامية فحاصروا يافا وضيقوا عليها حتى ملكوها بعد أيام كثيرة ثم توجهوا إلى باقي المدن والقرى وحاربهم النواب والولاة وهزموهم وقتلوهم وفروا من وجوههم واستولوا على المماليك الشامية إلى حد حلب ووردت البشائر بذلك فنودي بالزينة فزينت مصر وبولاق ومصر العتيقة زينة عظيمة ثلاثة أيام بلي إليها وتفاخروا في ذلك إلى الغاية وعملت وقدات واحمال قناديل وشموع بالاسواق وسائر الجهات وعملوا ولائم ومغاني وآلات وطبولا وشنكا وحراقات وغير ذلك وذلك في شهر ربيع أول من السنة. وتعاظم علي بك في نفسه ولم يكتف فأرسل إلى محمد بك يأمره بتقليد الأمراء والمناصب والولايات على البلاد التي افتتحوها وملكوها وإن يستمر في سيره ويتعدى الحدود ويستولي على المماليك إلى حيث شاء وهو يتابع إليه ارسال الامدادات واللوازم والاحتياجات. ولا يثنون عنانهم عما يامرهم به. فعند ذلك جمع محمد بك أمراءه وخشداشينه الكبار في خلوة وعرض عليهم الأوامر فضاقت نفوسهم وسئموا الحرب والقتال والغربة وذلك ما في نفس محمد بك أيضا. ثم قال لهم: ما تقولون قالوا: وما الذي تقوله والرأي لك فانت كبيرنا ونحن تحت أمرك واشارتك ولا نخالفك فيما تأمر به. فقال: ربما يكون رأيي مخالفا لامر أستاذنا. قالوا: ولو مخالفا لأمره فنحن جميعا لا نخرج عن أمرك واشارتك فقال: لا أقول لكم شيئا حتى نتحالف جميعا ونتعاهد على الرأي الذي يكون بيننا. ففعلوا ذلك وتعاهدوا وحلفوا على السيف والكتاب. ثم أنه قال لهم: إن أستاذكم يريد أن تقطعوا اعماركم في الغربة والحرب والاسفار والبعد عن الأوطان وكلما فرغنا من شيء فتح علينا غيره فرأيي أن نكون على قلب رجل واحد ونرجع إلى مصر ولا نذهب إلى جهة من الجهات وقد فرغنا من خدمتنا وإن كان يريد غير ذلك من المماليك يولي

ص: 406

أمراء غيرنا ويرسلهم إلى ما يريد ونحن يكفينا هذا القدر ونرتاح في بيوتنا وعند عيالنا. فقالوا جميعا ونحن على رايك. وأصبحوا راحلين وطالبين إلى مصر فحضروا في أواخر شهر رجب على خلاف مراد مخدومهم وبقي الأمر على السكوت. ثم أن علي بك قلد أيوب بك إمارة جرجا وقضى اشغاله وسافر إلى الصعيد بطائفته واتباعه. وانقضى شهر شعبان ورمضان وعلي بك مصمم على رجوع محمد بك إلى جهة الشام وذلك مصمم على خلاف ذلك. وبدت بينهما الوحشة الباطنية. فلما كان ليلة رابع شهر شوال بيت علي بك مع علي بك الطنطاوي وخلافه واتفق معهم على غدر محمد بك فركبوا عليه ليلا واحاطوا بداره ووقفت له العساكر بالأسلحة في الطرق فركب في خاصته وخرج من بينهم وذهب إلى ناحية البساتين وارتحل إلى الصعيد. فحضر إليه بعض الأمراء أصحاب المناصب وعلي كاشف تابع سليمان افندي كاشف شرق أولاد يحيى وقدموا له ما معهم من الخيام والمال والاحتياجات. ولم يزل في سيره حتى وصل إلى جرجا واجتمع عليه أيوب بك خشداشه وأظهر به المصافاة والمؤاخاة وقدم له هدايا وخيولا وخياما فلم يلبث إلا وقد أحضر عيون محمد بك الذين أرصدهم بالطريق رجلا ومعه مكاتبة من علي بك خطابا لايوب بك يأمره ويستحثه على عمل الحيلة وقتل محمد بك باي وجه أمكنه ويعده إمارته وبلاده وغير ذلك. فلما قرأ المراسلة وفهم مضمونها أكرم الرجل وقال له: تذهب إليه بالكتاب وأثنى بجوابه ولك مزيد الأكرام فذهب ذلك الساعي وأوصل الكتاب إلى أيوب بك وطلب منه رد الجواب وأعطاه الجواب وذكر فيه أنه مجتهد في تتميم الغرض ومترقب حصول الفرصة. فحضر به إلى محمد بك. فعند ذلك استعد محمد بك وتحقق خيانته ونفاقه فاتفق مع خاصته وأمرائه بالاستعداد والوثوب وانه إذا حضر إليه أيوب بك أخذ أرباب المناصب نظراءهم وتحفظوا عليهم. فلما حضر في

ص: 407

صبحها أيوب بك جلس معه في خلوة وأخذ كل من الخازندار والكتخدا والجوخدار والسلحدار نظراءهم من جماعة محمد بك ثم قال محمد بك يخاطب أيوب بك: يا هل ترى نحن مستمرون على الاخوة والمصافاة والصداقة والعهد واليمين الذي تعاقدنا عليه بالشام قال: نعم وزيادة. قال: ومن نكث ذلك وخان اليمين ونقض العهد قال: يقطع لسانه الذي حلف به ويده التي وضعها على المصحف. فعند ذلك قال له: بلغني أنه أتاك كتاب من أستاذنا علي بك. فجمد ذلك فقال: لعل ذلك صحيح وكتبت له الجواب أيضا. قال: لم يكن ذلك ابدا ولو اتاني منه جواب لأطلعتك عليه ولا يصح إني أكتمه عنك أو أرد له جوابا. فعند ذلك أخرج له الجواب من جيبه وأحضر إليه ذلك الرسول فسقط في يده وأخذ ينتنصل ببادر العذر. فعند ذلك قال له: حينئذ لا تصح مرافقتك معي وقم فأذهب إلى سيدك وأمر بالقبض عليه وأنزلوه إلى المركب وأحاط بوطاقه وأسبابه وتفرقت عنه جموعه. فلما صار وحيدا في قبضته أحضر عبد الرحمن أغا وكان إذ ذاك بناحية قبلي وانضم إلى محمد بك فقال له: اذهب إلى أيوب بك واقطع يده ولسانه كما حكم على نفسه بذلك. فأخذ معه المشاعلي وحضر إليه في السفينة وقطعوا يمينه ثم شبكوا في لسانه سنارة وجذبوه ليقطعوه فتخلص منهم والقى بنفسه إلى البحر فغرق ومات. وكان قصد محمد بك أن يفعل به ذلك ويرسله على هذه الصورة إلى سيده بمصر. ثم إنهم أخرجوه وغسلوه وكفنوه ودفنوه. فعندما وقع ذلك أقبلت الأمراء والاجناد المتفرقون بالأقاليم على محمد بك وتحققوا عند ذلك الخلاف بينه وبين سيده وقد كانوا متجمعين عن الحضور إليه ويظنون خلاف ذلك. وحضر إليه جميع المنافي وأتباع القاسمية والهوارة الذين شردهم علي بك وسلب نعمتهم فانعم عليهم وأكرمهم وتلقاهم بالبشاشة والمحبة واعتذر لهم وواساهم وقلدهم الخدم

ص: 408

والمناصب وهم أيضا تقيدوا بخدمته وبذلوا جهدهم في طاعته. ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر وحضر إليه كثير من مماليك أيوب بك واتباعه سوى من انضم منهم والتجأ إلى محمد بك واتباعه فعند ذلك نزل بعلي بك من القهر والغيظ المكظوم ما لا يوصف وشرع في تشهيل تجريدة عظيمة وأميرها وسر عسكرها إسمعيل بك واحتفل بها احتفالا كثيرا وأمر بجمع أصناف العساكر واجتهد في تنجيز أمرها في أسرع وقت وسافروا برا وبحرا في أواخر ذي القعدة. فلما التقى الجمعان خامر إسمعيل بك وانضم بمن معه من الجموع إلى محمد بك وصاروا حزبا واحدا ورجع الذين لم يميلوا وهم القليل إلى مصر. فعند ذلك اشتد الأمر بعلي بك ولاحت على دولته لوائح الزوال وكاد يموت من الغيظ والقهر وقلد سبع صناجق والكل مزلقون وسماهم أهل مصر السبع بنات وهم مصطفى بك وحسن بك ومراد بك وحمزة بك ويحيى بك وخليل بك كوسه ومصطفى بك اود باشه وعمل لهم برقا وداقما ولوازم وطبلخانات في يومين وضم إليهم عساكر وطوائف ومماليك وأتباعا وبرز بنفسه إلى جهة البساتين وشرع في تشهيل تجريدة أخرى وأميرها علي بك الطنطاوي وأخرج الجبخانات والمدافع الكثيرة وأمر بعمل متاريش من البحر إلى جهة الجبل وانقضت السنة.

من مات في هذه السنة ممن له ذكر.

مات الإمام الفقيه الصالح الخير الشيخ علي بن صالح ابن موسى بن أحمد بن عمارة الشاوري المالكي مفتي فرشوط قرأ بالأزهر العلوم ولازم العلامة الشيخ علي العدوي وتفقه عليه وسمع الحديث من الشيخ أحمد ابن مصطفى السكندري وغيره ورجع إلى فرشوط فولي افتاء المالكية بها فسار فيها سيرا مقتصدا ولما ورد عليه الشيخ ابن الطيب راجعا من الروم تلقى عنه شيئا من الكتب وأجازه وكان لشيخ العرب همام بن يوسف في حقه عناية شديدة وصحبة أكيدة وكانت شفاعات العلماء مقبولة

ص: 409

عنده بعناية ولذلك راج امره واشتهر ذكره وطار صيته. وكان حسن المذاكرة والمحاورة محتشما في نفسه مجملا في ملابسه وجيها معتبرا في الاعين. والف شيخنا السيد محمد مرتضى باسمه نشق الغوالي من المرويات العوالي وذلك أيام رحلته إلى فرشوط ونزوله عنده ورفع من شأنه عند شيخ العرب وأكرمه أكراما كثيرا ولما تغيرت احوال الصعيد قدم إلى مصر مع ابن مخدومه وما زال بها حتى توجه إلى طندتا وكان يعتريه حصر البول فيجلس أياما وهو ملازم للفراش فزار وعاد. توفي يوم دخوله إلى بولاق نهار الثلاثاء ثالث عشر شعبان من السنة وكان يوما مطير إذا رعد وبرق فوصل خبره إلى الجامع الأزهر فخرج إليه الشيخ علي الصعيدي وكثير من العلماء وتخلف من تخلف لذلك العذر فجهزوه هناك وكفنوه وأتوا به إلى الأزهر وأراد الشيخ الصعيدي دفنه في مدفن عبد الرحمن كتخدا لصعوبة الذهاب به إلى القرافة ثم دفنوه بالمجاورين بجانب تربة الشيخ الصعيدي التي دفن فيها.

ومات الفقية الفاضل العلامة الشيخ علي بن عبد الرحمن بن سليمان ابن عيسى بن سليمان الخطيب الجديمي العدوي المالكي الأزهري الشهير بالخرائطي ولد في أول القرن الجامع الأزهر فحضر دروس جامعة من فضلاء العصر ولازم بلدية الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية ودرس بالأزهر ونفع الطلبة وكان إنسانا حسنا منور الشيبة ذا خلق حسن وتودد وبشساشة ومروءة كاملة له ميل تام في علم الحديث ويتأسف على فوات اشتغاله به ويحب كلام السلف ويتأمل في معانيه مع سلامة الاعتقاد وكثرة الاخلاص. توفي عشية يوم الأربعاء ثاني المحرم افتتاح سنة 1185.

ومات الإمام العلامة الفاضل المحقق الدراك المتفنن الشيخ محمد ابن إسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن خضر النقراوي المالكي وكان والده من أهل العلم والصلاح والزهد عن جانب عظيم وعمر كثيرا حتى جاوز المائة

ص: 410

وانحنى ظهره وتوفي سنة 1178. تربى المترجم في حجر أبيه وحفظ القران والمتون وحضر دروس الشيخ سالم النقراوي والشيخ خليل المالكي وغيرهما وتفقه وحضر المعقول على كثير من الفضلاء ومهر وانجب درس وكان جيد الحافظة قوي الفهم والغوص على عويصات المسائل ودقائق العلوم مستحضرا للمسائل الفقهية والعقلية ولما بلغ المنتهى في العلوم المشهورة تاقت نفسه للعلوم الحكمية والرياضية فاحضره والده للشيخ الوالد سنة 1171 والتمس منه مطالعته عليه فأجابه إلى ذلك ورحب به وكان عمره إذ ذاك نيفا وعشرين سنة. ولما رأى ما فيه من الذكاء والنجابة والقوة الأستعدادية والجد في الطلب اغتبط به كثيرا وصرف إليه همته وأقبل عليه بكليته وأعطاه مفتاح خزانة بالمنزل يضع فيها كتبه ومتاعه واشترى له حمارا ورتب له مصروفا وكسوة ولازمه ليلا ونهارا ذهابا وأيابا حتى اشتهر بنسبته إليه فكان يرسله في مهماته واسراره إلى أكابر مصر واعيانها مثل علي بك وعبد الرحمن كتخدا وغيرهما فيحسن الخطاب والجواب مع الحشمة وحسن المخاطبة مع معرفتهم بفضله وعلمه وكانوا يكرمونه. ومدحهم بقصائد لم أعثر على شيء منها للاهمال وطول العهد فكان لا يذهب إلى داره إلا في النادر بعد حصة من الليل ويرجع في الفجر وينزل إلى الجامع بعد طلوع النهار فيقرأ درسين ثم يعود في الصخوة الكبرى فيقيم إلى العصر فيذهب إلى الجامع فيقرأ درسا في المعقول ثم يعود. وهكذا كان دأبه إلى أن مات.

تلقى عنه فن الميقات والهيئة والهندسة وهداية الحكمة وشرحها القاضي زاده والجغميني والمبادي والغابات والمقاصد في أقل زمن مع التحقيق والتدقيق وحضر عليه المطول والمواقف والزيلعي في الفقه برواق الجبرت بالأزهر وغير ذلك كل ذلك بقراءته وعانى علم الأوفاق وتلقاه عن الشيخ المرحوم حتى أدرك أسراره وأقبلت عليه روحانيته. وأجازه الملوي والجوهري.

ص: 411

والحنفي والعفيفي وغيرهم ولما نفي علي بك إلى النوسات أرسل إلى الشيخ فطلب منه أشياء يرسلها إليه مع المترجم فأرسله إليه وأقام عنده أياما ورجع من غير أن يعلم أحد بذهابه ورجوعه وكان يكتب الخط الجيد وجوده على الشيخ أحمد حجاج المعروف بابي العز. وكتب بخطه كثيرا وألف حاشيه على شرح العصام على السمرقندية وأجوبة عن الأسئلة الخمسة التي أوردها الشيخ أحمد الدمنهوري على علماء العصر وأعطاها إلى علي بك وقال له: أعطها للعلماء الذين يترددون عليك يجيبوني عنها أن كانوا يزعمون أنهم علماء فاعطاها علي بك للشيخ الوالد وأخبره بمقابلة الشيخ الدمنهوري فقال له: هذه وإن كانت من عويصات المسائل يجيب عنها ولدنا الشيخ محمد النقراوي. والخسة الأسئلة المذكورة الأول في ابطال الجزء الذي لا يتجزأ. الثاني في قول ابن سينا ذات الله نفس الوجود المطلق ما معناه. الثالث في قول أبي منصور الماتريدي معرفة الله واجبة بالعقل مع أن المجهول من كل وجه يستحيل طلبه. الرابع في قول البرجلي: إن من مات من المسلمين لسنا نتحقق موته على الأسلام. الخامس في الأستثناء في الكلمة المشرقة هل هو متصل أو منفصل. فأجاب عنها بأجوبة منطوية على مطارح الانظار دلت على رسوخه وسعة اطلاعه وغوصه ومعرفته بدقائق كلام أذكياء الحكماء والمتكلمين وفضلاء الأشعرية والماتريدية. وعانى الرسم فرسم عدة بسائط ومنحرفات وحسب كثيرا من الأصول والدساتير وتصدى لتعليم الطلبة الذين كانوا يردون من الآفاق لطلب العلوم الغريبة وكتب شرحا على متن نور الايضاح في الفقه الحنفي باسم الأمير عبد الرحمن كتخدا وله رسالة سماها الطراز المذهب في بيان معنى المذهب وهي عبارة عن جواب على سؤال ورد من ثغر سكندرية نظما وكان له سليقة جيدة في النثر والنظم ولما ورد إلى مصر محمد أفندي سعيد قاضيا في سنة 1181 امتدحه بقصيدة بليغة لم أعثر

ص: 412

عليها وكان به حدة طبيعة وهي التي كانت سببا لموته وهو أنه حصل بينه وبين الشيخ البجرمي منافسة فشكاه إلى الشيخ الدمنهوري وهو إذ ذاك الشيخ الجامع فأرسل إليه فلما حضر عنده في مجلسه بالأزهر فتحامل عليه فقام من عنده وقد أثر فيه القهر ومرض أياما وتوفي في شهر جمادى الثانية من السنة. واغتم عليه الشيخ المرحومي غما شديدا وتأثر لفراقه وحزن لموته وتوعك أياما بسبب ذلك.

ومات الإمام الفقيه العلامة المفتي الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي تفقه على علماء عصره وحضر دروس الأشياخ المتقدمين كالملوي والحفني والبراوي والشيخ أحمد رزة والشيخ عطية الاجهوري وأنجب في الأصول والفروع الفقهية وتصدر ودرس وانقطع والافتاء والقضاء بين المتخاصمين من أهل القرى للافادة وأكثرهم من أهل بلاده وكان لا يفارق محل درسه بالأزهر من الشروق إلى الغروب. وانفرد بالافتاء مدة طويلة على مذهبه وقلما يرى فتوى وليس عليها جوابه. ولم يزل هذا دأبه حتى تعلل أياما وتوفي ثالث ربيع الثاني من السنة.

ومات أحد أذكياء العصر ونجباء الدهر من جمع متفرقات الفضائل وحاز أنواع الفواضل الصالح الرحلة الشيخ علي بن محمد الجزائرلي المعروف بابن الترجمان ولد بالجزائر سنة 1100 وكان ينتمي إلى الشرف وزاحم العلماء بمناكبه في تحصيل أنواع العلوم واجازه الشيخ سيدي محمد المنور التلمساني رحمه الله ودخل الروم مرارا وحظي بارباب الدولة وأتى إلى مصر وابتنى بها دارا حسنة قرب الأزهر وكان يخبر عن نفسه أنه لا يستغنى عن الجماع في كل يوم فلذلك ما كان يخلو عن امرأة أو اثنتين حتى في أسفاره. ولما ورد الأمير أحمد اغا امينا على دار الضرب بمصر المحروسة الذي صار فيما بعد

ص: 413

باشا كان مختصا بصحبته لا يفارقه ليلا ولا نهارا وله عليه اغداقات جميلة وهو حسن العشرة يعرف في لسانهم قليلا وتوجه إلى دار السلطنة وكانت إذ ذاك حركة السفر إلى الجهاد كتب هذا عرضحالا إلى السلطان مصطفى صورته أن من قرأ استغاثة أبي مدين الغوت في صف الجهاد حصلت النصرة. وقدمه إلى السلطان فاستحسن أن يكون صاحب هذا العرض هو الذي يتوجه بنفسه ويقرأ هذه الأستغاثة تبركا ففاجاءه الأمر من حيث لا يحتسب وأخذ في الحال وكتب مع المجاهدين وتوجه رغما عن انفه ووصل إلى معسكر المسلمين وصار يقرأ فقدر الله الهزيمة على المسلمين لسوء تدبير أمراء العسكر فأسر مع من أسر وذهب به إلى بلاد موسقو وبقي أسيرا مده ولم يغثه أحد بخلاصه منهم لاشتغال الناس بما هو اهم حتى توفي هناك شهيدا غريبا في هذه السنة رحمه الله.

ومات الشيخ الصالح العلامة علي الفيومي المالكي شيخ رواق أهل بلاده حضر دروس الشيخ إبراهيم الفيومي وشيخنا الشيخ علي الصعيدي ودرس برواقهم وكان سريع الادراك متين الفهم له في على الكلام باع طويل. وتزوج ابنة الشيخ أحمد الحماقي الحنفي وتوفي ثاني شهر رمضان من السنة ودفن بالمجاورين.

ومات الشيخ الفاضل الصالح علي الشيبني الشافعي نزيل جرجا قرأ على جماعة من مشايخ عصره وتكمل في العربية والفقه وتوجه إلى الصعيد فخالط أولاد تمام من الهوارة في بيج القرمون فأحبوه وسكن عندهم مدة ثم سكن جرجا. وكان يتردد أحيانا إلى مصر وكان كثير الاجتماع بصهرنا علي أفندي درويش المكتب وكان يحكي لي عنه أشياء كثيرة من مآثره من الصلاح والعلم وحسن المعاشرة ومعرفة التجويد ووجوه القراءات. فلما تغيرت أحوال الصعيد أتى المترجم إلى مصر وكان

ص: 414