المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف - تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار - جـ ١

[الجبرتي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة

- ‌سنة ست ومائة وألف

- ‌سنة عشرين ومائة وألف

- ‌سنة أحدى وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة أحدى وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلاثين

- ‌سنة أربعين ومائة وألف

- ‌في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143

- ‌في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ست وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة تسع وثممانين ومائة وألف

- ‌سنة تسعين ومائة وألف

- ‌سنة أحدى وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وتسعين وألف

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ست وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة مائتين وألف

الفصل: ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف

يوما عند سليمان أغا كتخدا الجاويشية فعاتبه على نفي رضوان جربجي فقال له: علي بك تعاتبني على نفي رضوان جربجي ولا تعاتبني على نفي ابنك عبد الرحمن كتخدا فقال: ابني المذكور منافق يسعى في اثارة الفتن ويلقي بين الناس فهو يست أهل وأما هذا فهو إنسان طيب وما علمنا عليه ما تشينه في دينه ولا دنياه فقال: نرده لاجل خاطرك وخاطره ورده ولم يزل في سيادته حتى مات على فراشه سادس جمادى الأولى في هذه السنة والله سبحانه وتع إلى أعلم.

ص: 357

‌سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف

.

استهل شهر المحرم بيوم الأربعاء في ثانية سافرت التجريدة المعينة إلى بحري بسبب الأمراء المتقدم ذكرهم وهم حسين بك وخليل بك ومن معهم وقد بذل جهده علي بك حتى شهل أمرها ولوازمها في أسرع وقت وسافرت يوم الخميس وأميرها وسر عسكرها محمد بك أبو الذهب. فلما وصلوا إلى ناحية دجوة وجدوهم عدوا إلى مسجد الخضر فعدوا خلفهم فوجدوهم ذهبوا إلى طندتا وكرنكوا بها فتبعوهم إلى هناك واحاطوا بالبلدة من كل جهة ووقع الحرب بينهم في منتصف شهر المحرم فلم يزل الحرب قائما بين الفريقين حتى فرغ ما عندهم من الجبخانة والبارود فعند ذلك أرسلوا إلى محمد بك وطلبوا منه الأمان فأعطاهم الأمان وارتفع الحرب من بين الفريقين. وكاتبهم محمد بك وخادعهم والتزم لهم باجراء الصلح بينهم وبين مخدومه علي بك فانخدعوا له وصدقوه وانحلت عزائمهم واختلفت آراؤهم. وسكن الحال تلك الليلة ثم أن محمد بك أرسل في ثاني يوم إلى حسين بك يستدعيه ليعمل معه مشورة فحضر عنده بمفرده وصحبته خليل بك السكران تابعة فقط. فلما وصلوا إلى مجلسه ودخلوا إليه فلم يجدوه فعندما استقر بهما الجلوس دخل عليهما جماعة وقتلوهما وحضر في أثرهما

ص: 357

حسن بك شبكة ولم يعلم ما جرى لسيده فلما قرب من المكان أحس قلبه بالشر فاراد الرجوع فعاقه رجل سائس يسمى مرزوق وضربه بنبوت فوقع إلى الأرض فلحقه بعض الجند واحتز رأسه فلما علم بذلك خليل بك الكبير ومن معه ذهبوا إلى ضريح سيدي أحمد البدوي والتجأوا إلى قبره واشتد بهم الخوف وعلموا أنهم لاحقون باخوانهم فلما فعلوا ذلك لم يقتلوهم وأرسل محمد بك يستشير سيده في أمر خليل بك ومن معه فأمر بنفيه إلى ثغر سكندرية وخنقوه بعد ذلك بها.

ورجع محمد بك وصالح بك والتجريدة ودخلوا المدينة من باب النصر في موكب عظيم وإمامهم الرؤوس محمولة في صوان من فضة وعدتها ستة رؤوس وهي رأس حسين بك وخليل بك السكران وحسن بك شبكة وحمزة بك وإسمعيل بك أبي مدفع سليمان أغا الوالي وذلك يوم الجمعة سابع عشر المحرم.

وفي يوم الثلاثاء رابع عشر صفر حضر نجاب الحج واطمأن الناس وفي يوم الجمعة سابع عشره وصل الحجاج بالسلامة ودخلوا المدينة وأمير الحاج خليل بك بلغيه وسر الناس بسلامة الحجاج وكانوا يظنون تعبهم بسبب هذه الحركات والوقائع.

وفي ثامن عشر صفر أخرج علي بك جملة من الأمراء من مصر ونفى بعضهم إلى الصعيد وبعضهم إلى الحجاز وأرسل البعض إلى الفيوم وفيهم محمد كتخدا تابع عبد الله كتخدا وقرا حسن كتخدا وعبد الله كتخدا تابع مصطفى باش اختيار مستحفظان وسليمان جاويش ومحمد كتخدا الجردلي وحسن افندي الباقرجي وبعض أوده باشية وعلي جربجي وعلي افندي الشريف جمليان. وفيه صرف علي بك مواجب الجامكية. وفيه أرسل علي بك وقبض على أولاد سعد الخادم بضريح سيدي أحمد البدوي وصادرهم وأخذ منهم أموالا عظيمة لا يقدر قدرها.

ص: 358

وأخرجهم من البلدة ومنعهم من سكناها ومن خدمة المقام الأحمدي وأرسل الحاج حسن عبد المعطي وقيده بالسدنة عوضا عن المذكورين وشرع في بناء الجامع والقبة والسبيل والقيسارية العظيمة وأبطل منها مظالم أولاد الخادم والحمل والنشالين والحرمية والعيارين وضمان البغايا والخواطيء وغير ذلك.

وفي تاسع شهر ربيع الأول حضر قابجي من الديار الرومية بمرسوم وقفطان وسيف لعلي بك من الدولة وفيه وصلت الأخبار بموت خليل بك الكبير بثغر سكندرية مخنوقا.

وفي يوم السبت ثاني عشرة نزل الباشا إلى بيت علي بك باستدعائه فتغدى عنده وقدم له تقادم وهدايا.

وفي يوم الأحد ثامن عشر ربيع الاخر اجتمع الأمراء بمنزل علي بك على العادة وفيهم صالح بك وقد كان علي بك بيت مع اتباعه على قتل صالح بك فلما انقضى المجلس وركب صالح بك ركب معه محمد بك وأيوب بك ورضوان بك وأحمد بك بشناق المعروف بالجرار وحسن بك العبداوي وعلي بك الطنطاوي واحدق الجميع بصالح بك ومن خلفهم الجند والمماليك والطوائف فلما وصلوا إلى مضيق الطريق عند المفارق بسويقة عصفور تأخر محمد بك ومن معه عن صالح بك قليلا واحدث له محمد بك حماقة مع سائسه وسحب سيفه من غمده سريعا وضرب صالح بك وسحب الآخرون سيوفهم ما عدا أحمد بك بشناق وكملوا قتلته ووقع طريحا على الأرض ورمح الجماعة الضاربون وطوائفهم إلى القلعة وعندما رأوا مماليك صالح بك واتباعه ما نزل بسيدهم خرجوا على وجوههم ولما استقر الجماعة القاتلون بالقلعة وجلسوا مع بعضهم يتحدثون عاتبوا أحمد بك بشناق في عدم ضربه معهم صالح بك وقالوا له: لم إذا لم تجرد سيفك وتضرب مثلنا فقل بل ضربت معكم فكذبوه.

ص: 359

فقال له بعضهم أرنا سيفك فامتنع وقال أن سيفي لا يخرج من غمده لأجل الفرجة ثم ستوا وأخذ في نفسه منهم وعلم أنهم سيخبرون سيدهم بذلك فلا يأمن غائلته وذلك أن أحمد بك هذا لم يكن مملوكا لعلي بك وإنما كان أصله من بلاد بشناق حضر إلى مصر في جملة اتباع علي باشا الحكيم عندما كان واليا على مصر في سنة 1169. فاقام في خدمته إلى سنة 1171. وتلبس صالح بك بامارة الحج في ذلك التاريخ فاستأذن أحمد بك المذكور علي باشا في الحج واذن له فحج مع صالح بك وأكرمه واحبه والبسه زي المصريين ورجع صحبته وتنقلت به الأحوال وخدم عند عبد الله بك علي ثم خدم عند علي بك فأعجبه شجاعته وفروسيته فرقاه في المناصب حتى قلده الصنجقية وصار من الأمراء المعدودين. فلم يزل يراعي منة صالح السابقة عليه فلما عزم علي بك على خيانة صالح بك السابقة وغدره خصصه بالذكر وأوصاه أن يكون أول ضارب فيه لما يعلمه في من العصبية له فقيل له: أن أحمد بك اسر ذلك إلى صالح بك وحذره غدر علي بك اياه فلم يصدقه لما بينهما من العهود والايمان والمواثيق ولم يحصل منه ما يوجب ذلك ولم يعارضه في شيء ولم ينكر عليه فعلا. فلما اختلى صالح بك بعلي بك اشار البه بما بلغه فحلف له علي بك بأن ذلك نفاق من المخبر ولم يعلم من هو فلما حصل ما حصل ورأى مراقبة الجماعة له ومناقشتهم له عند استقرارهم بالقلعة تخيل وداخله الوهم وتحقق في ظنه تجسم القضية فلما نزلوا من القلعة وانصرفوا إلى منازلهم تفكر تلك الليلة وخرج من مصر وذهب إلى الأسكندرية وأوصى حريمه بكتمان امره ما امكنهم حتى يتباعد عن مصر فلما تأخر حضوره بمنزل علي بيك وركوبه سألوا عنه فقيل له: إنه متوعك فحضر إليه في ثاني يوم محمد بيك ليعوده وطلب الدخول إليه فلم يمكنهم منعه فدخل إلى محل

ص: 360

مبيته فلم يجده في فراشه فسأل عنه حريمه فقالوا لا نعلم له محلا ولم يأذن لاحد بالدخول عليه وفتشوا عليه فلم يجدوه وأرسل علي بيك عبد الرحمن آغا وأمره بالتفتيش عليه وقتله فاحاط بالبيت وفتش عليه في البيت والخطة فلم يجده وهو قد كان هرب ليلة الواقعة في صورة جزائرلي مغربي وقصقص لحيته وسعى بمفرده إلى شلقان وسافر إلى بحري ووصل السعاة بخبره لعلي بيك بانه بالاسكندرية فأرسل بالقبض عليه فوجدوه نزل بالقبطانة واحتمى بها وكان من امره ما كان بعد ذلك كما سيأتي وهو أحمد باشا الجزار الشهير الذكر الذي تملك عكا وتولى الشام وامارة الحج الشامي وطار صيته في الممالك.

وفيه عين علي بيك تجريدة على سويلم بن حبيب وعرب الجزيرة فنزل محمد بيك بتجريدة إلى عرب الجزيرة وأيوب بيك إلى سويلم فلما ذهب أيوب بيك إلى دجوة فلم يجد بها أحدا وكان سويلم بائتا في سند نهور وباقي الحبابية متفرقين في البلاد فلما وصله الخبر ركب من سند نهور وهرب بمن معه إلى البحيرة والتجأ إلى الهنادي. ونهبوا دوائره ومواشيه وحضروا بالمنهوبات إلى مصر واحتج عليه بسبب واقعة حسين بيك وخليل بيك لما اتيا إلى دجوة بعد واقعة الديرس والجراح قدم لهم التقادم وساعدهم بالكلف والذبائح ونحو ذلك والغرض الباطني اجتهاده في ازالة أصحاب المظاهر كائنا ما كان.

وفي يوم الإثنين تاسع عشرة أمر علي بك بإخراج علي كتخدا الخربطلي منفيا وكذلك يوسف كتخدا مملوكه ونفي حسن افندي درب الشمسي واخوته إلى السويس ليذهبوا إلى الحجاز وسليمان كتخدا الجلفي وعثمان كتخدا عزبان المنفوخ وكان خليل بك الأسيوطي بالشرقية فلما سمع بقتل صالح بك هرب إلى غزة.

وفي يوم الأحد خامس جمادى الأولى طلع علي بك إلى القلعة وقلد

ص: 361

ثلاثة صناجق من اتباعه وكذلك وجاقلية وقلد أيوب بك تابعه ولاية جرجا وحسن بك رضوان أمير حج وقلد الوالي وفي جمادى الآخرة قلد إسمعيل بك الدفتروارية وصرف المواجب في ذلك اليوم.

وفي منتصف شهر رجب وصل آغا من الديار الرومية وعلى يده مرسوم بطلب عسكر للسفر فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسوم وكان علي بك أحضر سليمان بك الشابوري من نفيه بناحية المنصورة وكان منفيا هناك من سنة 1172.

وفي يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة ولبسوا سليمان بك الشابوري أمير السفر الموجه إلى الروم وأخذوا في تشهيله وسافر محمد بك أبو الذهب بتجريدة ومعه جملة من الصناجق والمقاتلين لمنابذة شيخ العرب همام فلما قربوا من بلاده ترددت بيتهم الرسل واصطلحوا معه على أن يكون لشيخ العرب همام من حدود برديس ولا يتعدى حمكه لما بعدها. واتفقوا على ذلك ثم بلغ شيخ العرب أنه ولد لمحمد بك مولود فأرسل له بالتجاوز عن برديس أيضا إنعاما منه للمولود ورجع محمد بك ومن معه إلى مصر. وفيه قبض علي بك على الشيخ أحمد الكتبي المعروف بالسقط وضربه علقة قوية وأمر بنفيه إلى قبرص فلما نزل إلى البحر الرومي ذهب إلى اسلامبول وصاهر حسن افندي قطه مسكين النجم وأقام هناك إلى أن مات وكان المذكور من دهاة العالم يسعى في القضايا والدعاوى يحيى الباطل ويبطل الحق بحسن سبكه وتداخله.

وفي سابع عشرة حصلت قلقة من جهة والي مصر محمد باشا وكان أراد أن يحدث حركة فوشي به كتخداه عبد الله بك إلى علي بك فاصبحوا وملكوا الأبواب والرميلة والمحجر وحوالي القلعة وأمروه بالنزول فنزل من باب الميدان إلى بيت أحمد بك كشك واجلسوا عنده الحرسجية.

ص: 362

وفي يوم الأحد غرة شعبان تقلد علي بك قائمقامية عوضا عن الباشا. وفي يوم الخميس أرسل علي بك عبد الرحمن اغا مستحفظان إلى رجل من الأجناد يسمى إسمعيل اغا من القاسمية وأمره بقتله وكان إسمعيل هذا منفيا جهة بحري وحضر إلى مصر قبل ذلك وأقام ببيته جهة الصليبة. وكان مشهورا بالشجاعة والفروسية والاقدام فلما وصل الأغا حذاء بيته وطلبه ونظر إلى الأغا واقفا باتباعه ينتظره علم أنه يطلبه ليقتله كغيره لأنه تقدم قتله لاناس كثيرة على هذا النسق بأمر علي بك فامتنع من النزول واغلق بابه ولم يكن عنده أحد سوى زوجته وهي أيضا جارية تركية. وعمر بندقيته وقرابينته وضرب عليهم فلم يستطيعوا العبور إليه من الباب وصارت زوجته تعمر له وهو يضرب حتى قتل منهم أناسا وانجرح كذلك واستمر على ذلك يومين وهو يحارب وحده. وتكاثروا عليه وقتلوا من اتباعه وهو ممتنع عليهم إلى أن فرغ منه البارود والرصاص ونادوه بالامان فصدقهم ونزل من الدرج فوقف له شخص وضربه وهو نازل من الدرج وتكاثروا عليه وقتلوه وقطعوا رأسه ظلما رحمه الله تعالى.

وفي تاسع عشره صرفت المواجب على الناس والفقراء.

وفي ثامن عشرينه خرج موكب السفر الموجه إلى الروم في تجمل زائد.

وفي عاشر رمضان قبض علي بك على المعلم اسحق اليهودي معلم الديوان ببولاق وأخذ منه أربعين ألف محبوب ذهب وضربه حتى مات وكذلك صادر اناسا كثيرة في أموالهم من التجار مثل العشوبي والكمين وغيرهما وهو الذي ابتدع المصادرات وسلب الأموال من مبادي ظهوره واقتدى به من بعده.

وفي شوال هيأ علي بك هدية حافلة وخيولا مصرية جيادا وأرسلها إلى اسلامبول للسلطان ورجال الدولة وكان المتسفر بذلك إبراهيم

ص: 363

أغا سراج باشا وكتب مكاتبات إلى الدولة ورجالها والتمس من الشيخ الوالد أن يكتب له أيضا مكاتبات لما يعتقده من قبول كلامه واشارته عندهم ومضمون ذلك الشكوى من عثمان بك بن العظم والي الشام وطلب عزله عنها بسبب انضمام بعض المصريين المطرودين إليه ومعاونته لهم وطلب منه أن يرسل من طرفه أناسا مخصوصين فأرسل الشيخ عبد الرحمن العريشي ومحمد افندي البردلي فسافروا مع الهدية وغرضه بذلك وضع قدمه بالقطر الشامي أيضا.

وفي ثاني عشر ذي القعدة رسم بنفي جماعة من الأمراء أيضا وفيهم إبراهيم اغا الساعي اختيارية متفرقة وإسمعيل افندي جاويشان وخليل أغا باش جاويشان جمليان وباشجاويش تفكجيان ومحمد افندي جراكسة ورضوان والزعفراني فأرسل منهم إلى دمياط ورشيد واسكندرية وقبلي وأخذ منهم دراهم قبل خروجهم واستولى على بلادهم وفرقها في اتباعه وكانت هذه طريقته فيمن يخرجه يستصفي أموالهم أولا ثم يخرجهم ويأخذ بلادهم واقطاعهم فيفرقها على مماليكه واتباعه الذين يؤمرهم في مكانهم ونفى أيضا إبراهيم كتخدا جدك وابنه محمدا إلى رشيد وكان إبراهيم هذا كتخدا ثم عزله وولاه الحسبة فلما نفاه ولى مكانه في الحسبة مصطفى اغا والله اعلم.

من مات في هذه السنة.

ومات الإمام الفقيه المحدث الأصولي المتكلم شيخ الإسلام وعمدة الانام الشيخ أحمد بن الحسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف بن كريم الدين الكريمي الحالدي الشافعي الأزهري الشهير بالجوهري وإنما قيل: له الجوهري لأن والده كان يبيع الجوهر فعرف به ولد بمصر سنة 1096 واشتغل بالعلم وجد في تحصيله حتى فاق أهل عصره ودرس بالأزهر وأفتى نحو ستين سنة مشايخه كثيرون منهم الشهاب أحمد بن الفقيه.

ص: 364

ورضوان الطوخي إمام الجامع الأزهر والشيخ منصور المنوفي والشهاب أحمد الخليلي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد أبو العز العجمي والشيخ محمد الاطفيحي والشيخ عبد الجواد المخلي الشافعيون والشيخ محمد السجلماسي والشيخ أحمد الننراوي! والشيخ سليمان الحصيني والشيخ عبد الله الكنكسي الشيخ محمد الصغير الورزازي وابن زكري والشيخ أحمد الهشتوكي والشيخ سليمان الشبرخيتي والسيد عبد القادر المغربي ومحمد القسطنطيني ومحمد النشرتي المالكيون ورحل إلى الحرمين في سنة 1120 فسمع من البصري والنخلي في سنة 1124 ثم في سنة 1130 وحمل في هذه الرحلات علوما جمة اجازه مولاي الطيب بن مولاي عبد الله الشريف الحسيني وجعله خليفة بمصر وله شيوخ كثيرون غير من ذكرت وقد وجدت في بعض إجازاته تفصيل ما سمعه من شيوحه ما نصه على البصري والنخلي أوائل الكتب الستة والاجازة العامة مع حديث الرحمة بشرطه وعلى الاطفيحي بعض كتب الفقه والحديث والتصوف والاجازة العامة وعلى السجلماسي في سنة 1126 الكبرى للسنوسي ومختصرة المنطقي وشرحه وبعض تلخيص القزويني وأول البخاري إلى كتاب الغسل وبعض الحكم العطائية وأجازه علي بن زكري أوائل الستة وأجازه وعلى الكنكسي الصحيح بطرفيه وشرح العقائد للسعد وعقائد السنوسي وشروحها وشرح التسهيل لابن مالك إلى آخره وشرح الالفية للمكوي والمطول بتمامه وشرح التلخيص وعلى الهشتوكي الاجازة بسائرها وعلى النفراوي شرح التلخيص مرارا وشرح الفية المصطلح وشرح الورقات وعلي الديوي شرح المنهج لشيخ الإسلام مرارا وشرح التحرير وشرح القية ابن الهائم وشرح التلخيص وشرح ابن عقيل على الالفية وشرح الجزرية وعلى المنوفي جمع الجوامع وشرحه للمحلى وشرح التلخيص.

ص: 365

وعلى ابن الفقيه شرح التحرير وشرح الخضيب مرارا وشرح العقائد النسفية وشرح التلخيص والخبيصي وعلى الطوخي شرح الخطيب وابن قاسم مرارا وشرح الجوهرة لعبد السلام وعلي الخليفي البخاري وشرح التلخيص والاشموني والعصام وشرح الورقات وعلي الحصيني شرح الكبرى للسنوسي بتمامه وعلى الشبرخيتي شرح الرحبية وشرح الاجرومية وغيرهما وعلى الورزازي شرح الكبرى بتمامه مرارا وشرح الصغرى وشرح مختصر السنوسي والتفسير وغيره وعلي البشبيشي المنهج مرارا وجمع الجوامع مرارا والتلخيص والفية المصطلح والشمائل وشرح التحرير لزكريا وغيره هذا نص ما وجدته بخطه. واجتمع بالقطب سيدي أحمد بن ناصر فأجازه لفظا وكتابه وممن أجازه أبو المواهب البكري وأحمد البناء وأبو السعود الدنجيهي وعبد الحي الشرنبلالي ومحمد بن عبد الرحمن المليجي وفي الحرمين عمر بن عبد الكريم الخلخالي حضر دروسه وسمع منه المسلسل بالأولية بشرطه وتوجه بآخرته الحرمين بأهله وعياله وألقى الدروس وانتفع به الواردون ثم عاد إلى مصر فانجمع عن الناس وانقطع في منزله يزار ويتبرك به وله تآليف منها منقذة العبيد عن ربقة التقليد في التوحيد وحاشية علي عبد السلام ورسالة في الأولية وأخرى في حياة الانبياء في قبورهم وأخرى في الغرائق وغيرها وكانت وفاته وقت الغروب يوم الأربعاء ثامن جمادى الأولى وجهز بصباحه وصلي عليه بالجامع الأزهر بمشهد حافل ودفن بالزاوية القادرية داخل درب شمس الدولة رحمه الله.

ومات الإمام العلامة والحبر الفهامة الفقيه الدراكة الأصولي النحوي شيخ الإسلام وعمدة ذوي الافهام الشيخ عيسى بن أحمد بن عيسى بن محمد الزبيري البراوي الشافعي الأزهري ورد الجامع وهو

ص: 366

صغير فقرأ العلم على مشايخ وقته وتفقه على الشيخ مصطفى العزيزي وابن الفقيه وحضر دروس الملوي والجوهري والبشبراوي وانجب وشهد له بالفضل أهل عصره وقرأ الدروس في الفقه واحدقت به الطلبة واتسعت حلقته واشتهر بحفظ الفروع الفقهية حتى لقب بالشافعي الصغير لكثرة استحضاره في الفقه وجودة تقريره وانتفع به طلبة العصر طبقة بعد طبقة وصاروا مدرسين وروى الحديث عن الشيخ محمد الدفري وكان حسن الاعتقاد في الشيخ عبد الوهاب العفيفي وفي سائر الصلحاء. وله مؤلفات مقبولة منها حاشية على شرح الجوهرة في التوحيد وشرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلد يذكر في كل حديث ما يتعلق بالفقه خاصة ولا زال يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي سحر ليلة الإثنين رابع رجب وجهز في صباحه وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل ودفن بالمجاورين وبني على قبره مزار ومقام واستقر مكانه في التصدر والتدريس ابنه العلامة الشيخ أحمد ولازم حضوره تلامذة أبيه رحمه الله.

ومات الإمام العلامة الفقيه واللوذعي الذكي النبيه عمدة المحققين ومفتي المسلمين حسن بن نور الدين المقدسي الحنفي الأزهري تفقه على شيخ وقته الشيخ سليمان المنصوري والشيخ محمد عبد العزيزي الزيادي وحضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي والسيد علي الضرير.

والملوي والجوهري والحفني والبليدي وغيرهم ودرس بالجامع الأزهر في حياة شيوخه ولما بنى الأمير عثمان كتخدا مسجده بالازبكية جعله خطيبا وإماما به وسكن في منزل قرب الجامع وراج أمره ولما شعر فتوى الحنفية بموت الشيخ سليمان المنصوري جعل شيخ الحنفية بعناية عبد الرحمن كتخدا وكان له به الفة ثم ابتنى منزلا نفيسا مشرفا على بركة الازبكية بمساعدة بعض الأمراء واشتهر امره ودرس بعدة

ص: 367

أماكن كالصرغقشية المشروطة لشيخ الحنفية والمدرسة المحمودية والشيخ مطهر وغيرها وألف متنا في فقه المذهب ذكر فيه الراجح من الاقوال واقتنى كتبا نفيسة بديعة الامثال وكان عنده ذوق والفة ولطافة وأخلاق مهذبة توفي يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الآخرة.

ومات الإمام العلامة أحد أذكياء العصر ونجباء الدهر الشيخ محمد ابن بدر الدين الشافعي سبط الشمس الشرنبابلي ولد قبل القرن بقليل وأجازه جده وحضر بنفسه على شيوخ وقته كالشيخ عبد ربه الديوي والشيخ مصطفى العزيزي وسيدي عبد الله الكنكسي والسيد علي الحنفي والشيخ الملوي في آخرين وباحث وناصل وألف وأفاد ولزمه سليقة في الشعر جيدة وكلامه موجود بين ايدي الناس وله ميل لعلم اللغة ومعرفة بالأنساب غير أنه كان كثير الوقيعة في الشيخ محي الدين ابن عربي قدس الله سره وألف عدة رسائل في الرد عليه وكان يباحث بعض أهل العلم فيما يتعلق بذلك فينصحونه ويمنعونه من الكلام في ذلك فيعترف تارة وينكر أخرى ولا يثبت على اعترافه وبلغني أنه ألف مرة رسالة في الرد عليه في ليلة من الليالي ونام فاحترق منزله بالنار واحترقت تلك الرسالة من جملة ما احترق من الكتب ومع ذلك فلم يرجع عما كان عليه من التعصب وربما تعصب لمذهبه فيتكلم في بعض مسائل مع الحنفية ويرتب عليها أسئلة ويغض عنهم ولما كان عليه مما ذكر لم يخل حاله عن ضيق وهيئته عن رثاثة توفي المترجم في المحرم افتتاح السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بالقرافة عند جده لامه رحمه الله تعالى.

ومات الجناب الامجد والملاذ الأوحد حامل لواء علم المجد وناشره وجالب متاع الفضل وتاجره السيد أحمد بن إسمعيل بن محمد أبو الامداد سبط بني الوفي والده وجده من أمراء مصر وكذا اخوه لأبيه محمد وكل منهم قد تولى الإمارة والمترجم أمه هي ابنة الأستاذ سيدي

ص: 368

عبد الخالق بن وفي ولد بمصر ونشأ في حجر أبويه في عفاف وحشمة وأبهة وأحبه الناس لمكان جده لامه المشار إليه مع جذب فيه وصلاح وتولى نقابة السادة الأشراف سنة 1168 ثم تولى الخلافة الوفائية بعد وفاة السيد أبي هادي فنزل عن النقابة للسيد محمد افندي الصديقي وقنع بخلافة بيتهم وكان إنسانا حسنا بهيا ذا تؤدة ووقار وفيه قابلية لادراك الأمور الدقيقة والأعمال الرياضية وهو الذي حمل الشيخ مصطفى الخياط الفلكي على حساب حركة الكواكب الثابتة وأطوالها وعروضها ودرجات ممرها ومطالعها لما بعد الرصد الجديد إلى تاريخ وقته وهي من مآثره مستمرة المنفعة لمدة من السنين واقتنى كثيرا من الآلات الهندسية الأدوات الرسمية رغب فيها وحصلها بالاثمان الغالية وهو الذي أنشأ المكان اللطيف المرتفع بدارهم المجاور للقاعة الكبيرة المعروفة بأم الافراح المطل على الشارع المسلوك وما به من الرواشن المطلة على حوش المنزل والطريق وما به من الخزائن والخورنقات والرفارف والشرفات والرفوف الدقيقة الصنعة وغير ذلك وهو الذي كنى الفقير بابي العزم وذلك في سنة 1177 برحاب اجدادهم يوم المولد النبوي المعتاد وتوفي في سابع المحرم سنة تاريخه وصلي عليه بالجامع الأزهر بمشهد حافل ودفن بتربة اجدادهم نفعنا الله بهم وامدنا من أمدادهم.

وتولى الخلافة بعده مسك ختامهم ومهبط وحي اسرارهم نادرة الدهر وغرة وجه العصر الإمام العلامة واللوذعي الفهامة من مصابيح فضله مشارق الأنوار السيد شمس الدين محمد أبو الأنوار نسأل الله لحضرته طول البقاء ودوام العز والارتقاء آمين.

ومات الإمام العلامة الفقيه النبيه شيخ الإسلام وعمدة الانام الشيخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد السجيني الشافعي الأزهري شيخ الأزهر وكنيته أبو الجود أخذ عن عمه الشمس السجيني

ص: 369

ولازمه وبه تخرج وبعد وفاته درس المنهج موضعه وتولى مشيخة الأزهر بعد الشيخ الحفني وسار فيها بشهامة وصرامة إلا أنه لم تطل مدته وتوفي رابع عشر شوال وصلي عليه بالأزهر ودفن بجوار عمه باعلى البستان واتفق أنه وقعت له حادثة قبل ولايته على مشيخة الجامع بمدة وهي التي كانت سببا لاشتهار ذكره بمصر وذلك أن شخصا من تجار خان الخليلي تشاجر مع رجل خادم فضربه ذلك الخادم وفر من إمامه فتبعه هو وآخرون من ابناء جنسه فدخل إلى بيت الشيخ المترجم فاضل خلفه وضربه برصاصة فاصابت شخصا من أقارب الشيخ يسمى السيد أحمد فمات وهرب الضارب فطلبوه فامتنع عليهم وتعصب معه أهل خطته وابناء جنسه فاهتم الشيخ عبد الرؤوف وجمع المشايخ والقاضي وحضر إليهم جماعة من أمراء الوجاقلية وانضم إليهم الكثير من العامة وثارت فتنة أغلق الناس فيها الأسواق والحوانيت واعتصم أهل خان الخليلي بدائرتهم واحاط الناس بهم من كل جهة وحضر أهل بولاق وأهل مصر القديمة وقتل بين الفريقين عدة أشخاص واستمر الحال على ذلك اسبوعا ثم حضر علي بك أيضا وذلك في مبادي امره قبل خروجه منفيا واجتمعوا بالمحكمة الكبرى وامتلأ حوش القاضي بالغوغاء والعامة وانحط الأمر على الصلح وانفض الجمع ونودي في صبحها بالأمان وفتح الحوانيت والبيع والشراء وسكن الحال.

ومات الشيخ الصالح الخير الجواد أحمد بن صلاح الدين الدنجيهي الدمياطي شيخ المتبولية والناظر على أوقافها كان رجلا رئيسا محتشما صاحب احسان وبر ومكارم اخلاق وكان ظلا ظليلا على الثغر يأوي إليه الواردون فيكرمهم ويواجههم بالطلاقة والبشر التام مع الإعانة والانعام ومنزله مجمع للاحباب ومورد لائتناس الأصحاب وتوفي يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة عن ثمانين سنة تقريبا.

ص: 370

ومات الإمام الفاضل أحد المتصدرين بجامع بن طولون الشيخ أحمد ابن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عامر العطاشي الفيومي الشافعي كان له معرفة في الفقه والمعقول والادب بلغني أنه كان يخبر عن نفسه أنه يحفظ اثني عشر ألف بيت من شواهد العربية وغيرها وادرك الأشياخ المتقدمين وأخذ عنهم وكان إنسانا حسنا منور الوجه والسيبة ولديه فوائد ونوادر مات في سادس جمادى الثانية عن نيف وثمانين سنة تقريبا غفر الله له.

ومات الأمير خليل بك القازدغلي أصله من مماليك إبراهيم كتخدا القازدغلي وتقلد الإمارة والصنجقية بعد موت سيده وبعد قتل حسين بك المعروف بالصابونجي وظهر شأنه في أيام علي بك الغزاوي وتقلد الدفتردارية ولما سافر علي بك اميرا بالحج في سنة ثلاث وسبعين جعله وكيلا عنه في رياسة البلد ومشيختها وحصل ما حصل من تعصبهم على علي بك وهروبه إلى غزة كما تقدم وتقلبت الأحوال فلما نفي علي بك جن في المرة الثانية كان هو المتعين للإمارة مع مشاركة حسين بك كشكش فلما وصل علي بك وصالح بك على الصورة المتقدمة هرب المترجم مع حسين بك وباقي جماعتهم إلى جهة الشام ورجعوا في صورة هائلة وجرد عليهم علي بك وكانت الغلبة لهم على المصريين فلم يجسراو على الهجوم كما فعل علي بك وصالح بك. فلو قدر الله لهم ذلك كان هو الرأي فجهز علي بك على الفور تجريدة عظيمة وعليهم محمد بك أبو الذهب وخشداشينه فخرجوا إليهم وعدوا خلفهم ولحقوهم إلى طندتا فحاصروهم بها وحصل ما حصل من قتل حسين بك ومن معه والتجأ المترجم إلى ضريح سيدي أحمد البلدوي فلم يقتلوه أكراما لصاحب الضريح. وأرسل محمد بك يخبر مخدومه ويستشيره في أمره فأرسل إليه بتأمينه وارساله إلى ثغر سكندرية ثم أرسل بقتله فقتلوه بالثغر خنقا ودفن هناك. وكان اميرا جليلا ذا عقل ورياسة وأما الظلم فهو قدر مشترك في الجميع.

ص: 371

ومات أيضا الأمير حسين بك كشكش القازدغلي وهو أيضا من مماليك إبراهيم كتخدا وهو أحد من تآمر في حياة أستاذه وكان بطلا شجاعا مقداما مشهورا بالفروسية وتقلد إمارة الحج أربع مرات آخرها سنة 1176 ورجع أوائل سنة 1177 ووقع له مع العرب ما تقدم الالماع به في الحوادث السابقة واخافهم وهابوه حتى كانوا يخوفون بذكره اطفالهم وكذلك عربان الأقاليم المصرية. وكان اسمر جهوري الصوت عظيم اللحية يخالطها الشيب يميل طبعه إلى المزاح والخدعة وإذا لم يجد من يمازحه في حال ركوبه وسيره مازح سواسه وخدمه وضاحكهم. وسمعته مرة يقول لبعضهم مثلا سائرا ونحو ذلك. وكان له ابن يسمى فيض الله كريم العين فكان يكنى به. قتل المترجم بطندتا وأتى برأسه إلى مصر كما تقدم ودفن هناك وقبره ظاهر مشهور ودفن أيضا معه مملوكه حسن بيك شبكة وخليل بيك السكران وكانا أيضا يشبهان سيدهما في الشجاعة والخلاعة.

ومات الأمير الكبير الشهير صالح بك القاسمي وأصله مملوك مصطفى بك المعروف بالفرد ولما مات سيده تقلد الإمارة عوضه وجيش عليه خشداشينه واشتهر ذكره وتقلد إمارة الحج في سنة 1172 كما تقدم في ولاية علي باشا الحكيم وسار أحسن سير ولبسته الرياسة والامارة والتزم ببلاد أسياده واقطاعاتهم القبلية هو وخشداشينه واتباعهم وصار لهم نماء عظيم وامتزجوا بهوارة الصعيد وطباعهم ولغتهم ووكله شيخ العرب همام في أموره بمصر وأنشأ داره العظيمة المواجهة للكبش ولم يكن لها نظير بمصر. ولما نما أمر علي بك ونفي عبد الرحمن كتخدا إلى السويس كان المترجم هو المتسفر عليه وأرسل خلفه فرمانا بنفيه إلى غزة ثم نقل منها إلى رشيد ثم ذهب من هناك إلى الصعيد من ناحية البحيرة وأقام بالمنية وتحصن بها وجرى ما جرى من توجيه المحاربين إليه وخروج

ص: 372

علي بك منفيا وذهابه إلى قبلي وانضمامه إلى المذكور كما تقدم بعد الايمان والعهود والمواثيق وحضوره معه إلى مصر على الصورة المذكورة آنفا وقد ركن إليه وصدق مواثيقه ولم يخرج عن مزاجه ولا ما يأمر به مثقال ذرة وباشر قتال حسين بك كشكش وخليل بك ومن معهما مع محمد بك كما ذكر آنفا كل ذلك في مرضاة علي بك وحسن ظنه فيه ووفائه بعهده إلى أن غدر به وخانه وقتله كما ذكر. وخرجت عشيرته وأتباه من مصر على وجوههم منهم من ذهب إلى الصعيد ومنهم من ذهب إلى جهة بحري. وكان أميرا جليلا مهيبا لين العريكة يميل بطبعه إلى الخير ويكره الظلم سليم الصدر ليس فيه حقد ولا يتطلع لما في أيدي الناس والفلاحين ويغلق ما عليه وعلى أتباعه وخشداشينه من المال والغلال الميرية كيلا وعينا سنة بسنة وقورا محتشما كثير الحياء وكانت أحدى ثناياه مقلوعة فإذا تكلم مع أحد جعل طرف سبابته على فمه ليسترها حياء من ظهورها حتى صار ذلك عادة له. ولما بلغ شيخ العرب همام موته اغتم عليه غما شديدا وكان يحبه محبة أكيدة وجعله وكيله في جميع مهماته وبعلقاته بمصر ويسدد له ما عليه من الأموال الميرية والغلال. ولما قتل الأمير صالح بك أقام مرميا تجاه الفرن الذي هناك حصة ثم أخذوه في تابوت إلى داره وغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة رحمه الله.

ومات وحيد دهره في المفاخر وفريد عصره في المآثر نخبة السلالة الهاشمية وطراز العصابة المصطفوية السيد جعفر بن محمد البيتي السقاف باعلوي الحسيني أديب جزيرة الحجاز ولد بمكة وبها أخذ عن النخلي والبصري وأجيز بالتدريس فدرس وأفاد. واجتمع إذ ذاك بالسيد عبد الرحمن العيدروس وكل منهما أخذ عن صاحبه وتنقلت به الأحوال فولي كتابة الينبع ثم وزارة المدينة وصار إماما في الأدب يشار إليه بالبنان وكلامه العذب يتناقله الركبان وله ديوان شعر جمعه لنفسه

ص: 373