المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة أحدى وتسعين ومائة وألف - تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار - جـ ١

[الجبرتي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة

- ‌سنة ست ومائة وألف

- ‌سنة عشرين ومائة وألف

- ‌سنة أحدى وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة أحدى وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلاثين

- ‌سنة أربعين ومائة وألف

- ‌في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143

- ‌في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ست وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة تسع وثممانين ومائة وألف

- ‌سنة تسعين ومائة وألف

- ‌سنة أحدى وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وتسعين وألف

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ست وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة مائتين وألف

الفصل: ‌سنة أحدى وتسعين ومائة وألف

ليعودوه ولم يكن رآهم قبل ذلك فكان من وصيته لهم كونوا مع بعضكم واضبطوا أمركم ولا تداخلوا الاعادى بينكم. وهذا بدل عن قوله أوصيكم بتقوى الله تعالى وتجنبوا الظلم وافعلوا الخير فإن الدنيا زائلة وانظروا حالي ومالي أو نحو ذلك هكذا أخبرني من كان حاضرا في ذلك الوقت وكان سليط اللسان ويتصنع الحماقة فغفر الله لنا وله رأيته مرة وأنا إذ ذاك في سن التمييز قبل أن ينفي إلى الحجاز وهو ماش في جنازة مربوع القامة أبيض اللون مسترسل اللحية ويغلب عليها البياض مترفها في ملبسه معجبا بنفسه يشار إليه بالبنان.

ص: 496

‌سنة أحدى وتسعين ومائة وألف

.

فيها في أوائل شهر ربيع الأول ورد أغا من الديار الرومية بطلب عساكر لسفر العجم فأجتمع الأمراء وتشاوروا في ذلك فاتفق رأيهم على أحضار إبراهيم بك طنان فأحضروه من المحلة وقلدوه إمارة ذلك.

وفيها في أوائل شهر جمادى الأولى وقعت حادثة في طائفة المغاربة المجاورين بالجامع الأزهر وذلك أنه آل إليهم مكان موقوف وحجد واضع اليد ذلك والتجأ إلى بعض الأمراء وكتبوا فتوى في شأن ذلك واختلفوا في ثبوت الوقف بالاشاعة ثم أقاموا الدعاوى في المحكمة وثبت الحق للمغاربة ووقع بينهم منازعات وعزلوا شيخهم وولوا آخر وكان المندفع في الخصومة واللسانة شيخا منهم يسمى الشيخ عباس والأمير الملتجىء إليه الخصم يوسف بك فلما ترافعوا وظهر الحق على خلاف غرض الأمير حنق لذلك ونسبهم إلى ارتكاب الباطل فأرسل من طرفه من يقبض على الشيخ عباس المذكور من بين المجاورين فطردوا المعينين وشتموهم وأخبروا الشيخ أحمد الدردير فكتب مراسلة إلى يوسف بك تتضمن عدم تعرضه لأهل العلم ومعاندة الحكم الشرعي.

ص: 496

وأرسلها صحبة الشيخ عبد الرحمن الفرنوى وآخرين فعندما وصلوا إليه وأعطوه التذكرة نهرهم وأمر بالقبض عليهم وسجنهم بالحبس. ووصل الخبر إلى الشيخ الدردير وأهل الجامع فأجتمعوا في صبحها وأبطلوا الدروس وال إذان والصلوات وقفلوا أبواب الجامع وجلس المشايخ بالقبلة القديمة وطلع الصغار على المنارات يكثرون الصياح والدعاء على الأمراء. وأغلق أهل الأسواق القريبة الحوانيت وبلغ الأمراء ذلك فأرسلوا إلى يوسف بك فأطلق المسجونين وأرسل إبراهيم بك من طرفه إبراهيم أغابيت المال فلم يأخذ جوابا وحضر الأغا إلى الغورية ونزل هناك ونادى بالامان وأمر بفتح الحوانيت فبلغ مجاورى المغاربة ذلك فذهب إليه طائفة منهم وتبعهم بعض العوام وبأيديهم العصي والمسلوق وضربوا اتباع الأغا ورجموه بالأحجار فركب عليهم وأشهر فيهم السلاح هو ومماليكه فقتل من مجاورى المغاربة ثلاثة انفار وانجرح منهم كذلك ومن العامة. وذهب الأنما ورجع الفريق الآخر وبقي المهرج إلى ثاني يوم فحضر إسمعيل بك والشيخ السادات وعلي أغا كتخدا الجاويشية وحسن أغا اغات المتفرقة والترجمان وحسن أفندي كاتب حوالة وغيرهم فنزلوا الأشرفية وأرسلوا إلى أهل الجامع تذكرة بانفضاض الجمع وتمام المطلوب. وكان ذلك عند الغروب فلم يرضوا بمجرد الوعد وطلبوا الجامكية والجراية فركبوا ورجعوا وأصبح يوم الأربعاء والحال على ما هو عليه وإسمعيل بك مظهر الإهتمام لنصرة أهل الأزهر فحضر مع الشيخ السادات وجلسوا بالجامع المؤيدى وأرسلوا للمشايخ تذكرة صحبة الشيخ إبراهيم السندوبي ملخصها أن إسمعيل بك تكفل بقضاء أشغال المشايخ وقضاء حوايجهم وقبول فتواهم وصرف جماكيهم وجراياتهم وذلك بضمان الشيخ السادات له فلما حضر الشيخ إبراهيم بالتذكرة وقرأها الشيخ عبد الرحمن العريشي جهارا وهو

ص: 497

قائم على أقدامه. فلما سمعوها أكثروا من الهرج واللغط وترددت الارساليات والذهاب والمجيء بطول النهار ثم اصطلحوا وفتحوا الجامع في آخر النهار وأرسلوا لهم في يوم الخميس جانبا من دراهم الجامكية. ومن جملة ما اشترطوه في الصلح عدم مرور الأغا والوالي والمحتسب من حارة الأزهر وغير ذلك شروط لم ينفذ منها شيء. وعمل إبراهيم بك ناظرا على الجامع عوضا عن الأغا وأرسل من طرفه جنديا للمطبخ وسكن الاضطراب. وبعد مضي أربعة من هذه الحادثة مر الأغا وبعده الوالي كذلك فأرسل المشايخ إلى إبراهيم بك يخبروه فقال: إن الطريق يمر بها البر والفاجر ولا يستغني الحكام عن المرور.

وفي أوائله أيضا أحضر مراد بك شخصا يقال له سليمان كاشف من أتباع يوسف بك وضربه علقة بالنبابيت لسبب من الأسباب فحقدها عليه يوسف بك واستوحش من طرفه.

وفي ثاني عشر جمادى الثانية قبض الأغا على إنسان شريف من أولاد البلد يسمى حسن المدابغي وضربه حتى مات وسبب ذلك أنه كان في جملة من خرج على الأغا بالغورية يوم فتنة الجامع وكان إنسانا لا بأس به.

وفي ليلة الجمعة رابع عشر جامدى الثانية خرج إسمعيل بك جهة العادلية مغضبا وسبب ذلك أن مراد بك زاد في العسف والتعدى خصوصا في طرف إسمعيل بك وإبراهيم بك يسعى بينهما في الصلح واجتمعوا في آخر مجلس عند إبراهيم بك فتكلم إسمعيل بك كلاما مفحما وقال أنا تارك لكم مصر وإمارتها وجاعلكم مثل أولادى ولا أريد إلا المعيشة وراحة السر وأنتم لا تراعون لي حقا وأمثال ذلك من الكلام. فحضر في هذه الأيام إلى إسمعيل بك مركب غلال فأرسل مراد بك وأخذ ما فيها وعلم أن إسمعيل بك يغتاظ لذلك ثم اتفق مع بعض اغراضه أنهم يركبون من الغد إلى إسمعيل بك ويدخلون عليه في بيته ويقتلونه فعلم اسمعيل

ص: 498

بك بذلك فركب في الصباح وخرج إلى العادلية بعد أن عزل بيته وحريمه ليلا وجلس بالاشبكية وركب مراد بك ذاهبا إلى إسمعيل بك فوجده قد خرج إلى الأشبكية وكان إبراهيم بك طلع إلى قصر العيني فذهب إلى مراد بك ولما أشيع خروج إسمعيل بك ركب يوسف بك وخرج إليه وتبعه محمد بك طبل وحسن بك وإبراهيم بك طنان وذو الفقار بك وغيرهم. ووصل الخبر إلى إبراهيم بك ومراد بك ومن انضم إليهم فركبوا وحضروا إلى القلعة وملكوا الأبواب وامتلأت الرميلة والميدان بعساكرهم وصحبتهم أحمد بك الكلارجي ولاجين بك وأيوب بك ورضوان بك وخليل بك ومصطفى بك واضطربت المدينة وأغلق الناس الدكاكين واستمروا على ذلك يوم السبت ويوم الأحد ويوم الإثنين ويوم الثلاثاء وتسحب من أهل القلعة جماعة خرجوا إلى إسمعيل بك ويوسف بك ومن معهما وهم إسمعيل اغا أخو علي بك الغزاوى وأخوه سليم أغا وعبد الرحمن اغا اغات الينكجرية سابقا فأرسل أهل القلعة إبراهيم أغا الوالي فجلس بباب النصر واغلق الباب ونزل الباشا إلى باب العزب. فحضر قاسم كتخدا عزبان أمين البحرين وعبد الرحمن أغا وصحبتهم جماعة إلى باب النصر وفتحوا الباب وطردوا الوالي وذلك في يوم الإثنين وملكوا باب النصر فأرسلوا إليهم طائفة من عسكر المغاربة فضربوا عليهم بالرصاص وحمل عليهم الآخرون فشتتوهم ورجعوا إلى خلف وقتل من المغاربة انفارا وانجرح منهم كذلك وانتشر البرانيون حوالي جهات مصر وذهب منهم طائفة إلى جهة بولاق وفيهم محمد بك طبل فوجدوا طائفة من الكشاف والاجناد حضروا إلى بولاق لاجل العليق والتبن فوقعت بينهم وقعة فأنهزموا إلى قصر عبد الرحمن كتخدا وأخذ أولئك العليق والتبن وطلع منهم طائفة إلى الجبل واشتد الحال وعظمت الفتنة فأراد الباشا اجراء الصلح فأرسل أيوب أغا ورجع بجواب عدم رضاهم بالصلح ثم أرسل إليهم أحمد

ص: 499

جاويش المجنون فذهب ولم يرجع والتف عليهم فأرسل الباشا ولده وكتخداه سعيد بك مرارا. ثم دخل في يوم الأربعاء عبد الرحمن أغا من باب النصر وشق من وسط المدينة وإمامه المنادى ينادى على الناس برفع بضائعهم من الحوانيت فرفع الناس بواقي بضائعهم من الدكاكين ولم يزل سائرا حتى وصل إلى باب زويلة ونزل بجامع المؤيد وجلس به مقدار ساعتين ورتب عسكرا هناك على السقائف والاسبلة ثم ركب راجعا وعاد وصحبته إبراهيم بك الطناني ومعهم عدة اجناد وعساكر وخرجوا من باب زويلة إلى الدرب الاحمر إلى جامع المرداني فجلسوا عنده إلى بعد الظهر ثم زحفوا إلى التبانة إلى قرب المحجر وعملوا هناك متاريس ورتبوا بها جماعة وكذلك ناحية سويقة العزى فنزل إليهم جماعة من القلعة وتراموا بالرصاص وقطعوا الطرق على من بالقلعة إلى بعد العصر فنزل إليهم خيالة مدرعين فحمل عليهم عسكر المغاربة فوقع منهم أربعة خيالة وانجرح لاجين بك فحملوه إلى بيته في شنف وقتل أنفار من عسكر المغاربة وولى القلعاوية إلى جهة القلعة وبعد الغروب انفصل عنهم عسكر المغاربة ونكسوا أعلامهم وحضروا عند أجناسهم والتفوا عليهم ولاحت لوائح الخذلان على من بالقلعة ودخل عليهم الليل وانكف الفريقان. وأصبح يوم الخميس فدخل الكثير من البرانيين إلى المدينة شيئا فشيئا وربطوا في جميع الجهات حتى انحصروا بالقلعة وأخذوا ينقبون عليهم فلما شاهدوا الغلب فيهم نزلوا من باب الميدان وذهبوا جهة البساتين إلى الصعيد فتخلف عنهم أحمد بك الكلارجي وأيوب بك وإبراهيم بك أوده باشه ولاجين بك مجروح وخرج المتخلفون إلى إسمعيل بك ويوسف بك وطلبوا منهما الأمان وانضموا اليهم. وعندما أشيع نزول إبراهيم بك ومراد بك من القلعة هجم المرابطون بالمحجر وسوق السلاح على الرميلة ونهبوا خيامهم وعازقهم الذى بها وبالميدان حتى جمال الباشا وخيول الدلاة.

ص: 500

وذلك يوم الخميس قبل العصر بنصف ساعة فدخل إسمعيل بك ويوسف بك بعد العصر من ذلك اليوم من باب النصر وتوجهوا إلى بيوتهم وأصبح يوم الجمعة فشق عبد الرحمن أغا ونادى بالامان والبيع والشراء وراق الحال.

ولما كان يوم الأحد ثاني عشرين جمادى الثانية طلعوا إلى الديوان فخلع الباشا على إسمعيل بك ويوسف بك خلعتي سمور واستقر إسمعيل بك شيخ البلد ومدبر الدولة وقلدوا حسن بك الجداوى صنجقا كما كان وكانت الصنجقية مرفوعة عنه من موت سيده علي بك وكذلك رضوان بك قرابة علي بك قلدوه صنجقية وقلدوا إسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوى صنجقية أيضا وسكن ببيت إبراهيم بك الكبير وقلدوا سليمان كاشف من اتباع يوسف بك وهو الذى كان ضربه علقة مراد بك بالنبوت كما تقدم صنجقية ولقبه الناس أبا نبوت وقلدوا أيضا سليم كاشف من اتباع إسمعيل بك صنجقية وقلدوا عبد الرحمن أغا أغاوية مستحفظان كما كان ومحمد كاشف وإلى الشرطة. وفي عشية ذلك اليوم انزلوا سليمان أغا مستحفظان إلى بولاق وانزلوه في مكرب منفيا إلى دمياط بعدما صودر في نحو أربعين ألف ريال.

وفي يوم الثلاثاء خامس عشرينه انزلوا أيضا سليمان كتخدا مستحفظان وعثمان كتخدا باش اختيار مستحفظان المعروف يأبي مساوق والأمير عبد الله أغا وانزلوهم إلى المراكب ثم حصل عنهم العفو فردوهم إلى بيوتهم.

وفي ذلك اليوم طلعوا إلى الديوان فقلدوا ذا الفقار بك دفتردار عوضا عن رضوان بك بلفيا وذلك باشارة يوسف بك لكونه كان مع مراد بك وإبراهيم بك حتى أنه أراد أن يسلب نعمته فمنعه عنه إسمعيل بك.

وفي يوم الأربعاء ثاني شهر رجب حضر عند يوسف بك حسن بك

ص: 501

الجداوى وصحبته إسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى وسليم بك الأسماعيلي وعبد الرحمن بك العلوى فجلسوا معه ساعة لطيفة بالمقعد المطل على البركة فجلس حسن بك إمامه وكان جالسا على الدكة المرتفعة عن المرتبة وجلس تحت شماله على المرتبة إسمعيل بك الصغير وسليم بك وعبد الرحمن بك استمر واقفا وحادثوه في شىء وتناجوا مع بعضهم وتأخر عنهم الواقفون من المماليك والاجناد فسحب عبد الرحمن بك النمشاة وضرب بها يوسف بك فأراد أن يهم قائما فداس على ملوطة إسمعيل بك فوقع على ظهره فنزلوا عليه بالسيوف وضربوا في وجوه الواقفين طلق بارود فهربوا إلى خلف الضاربون من القيطون وركبوا وذهبوا إلى إسمعيل بك فركب في تلك الساعة وطلع إلى القلعة وأرسل إسمعيل كتخدا عزبان إلى الباشا وكان بقصر العيني بقصد التنزه فركب من هناك وطلع إلى القلعة وجلس بباب العزب صحبة إسمعيل بك فلما بلغ الأمراء الذين هم خشداشين يوسف بك ركبوا وخرجوا من المدينة وذهبوا إلى قبلي وهم أحمد بك الكلارجي وذو الفقار بك ورضوان بك الجرجاوى فركب خلفهم طائفة فلم يدركوهم وأرسلوا إلى محمد بك طبل فكرنك في بيته ونصب له مدافع وابى من الخروج لأنه صار من المذبذبين. فلما وقع منه ذلك ذهب إليه حسن بك سوق السلاح وأخذه بالامان إلى إسمعيل بك بعدما نزل إلى بيته فأمره أن يأخذه عنده في بيته فلما اصبح أستاذنه في زيارة الإمام الشافعي فأذن له فركب إلى جهة القرافة وذهب إلى جهة الصعيد. وانقضت الفتنة ودفن يوسف بك.

وفي يوم الخميس طلعوا إلى الديوان فخلع الباشا على إسمعيل بك الكبير فروة سمور وأقره على مشيخة البلد وقلدوا حسن بك قصبة رضوان إمارة الحج عوضا عن يوسف بك وقلدوا عبد الرحمن بك العلوى صنجقا كما كان وقلدوا إبراهيم أغا خازندار وإسمعيل بك الذى زوجه ابنته

ص: 502

صنجقية وتلقب بإبراهيم بك قشطة وسكن ببيت محمد بك وقلدوا حسين أغا خازندار إسمعيل بك سابقا صنجقية أيضا وسكن ببيت أحمد بك الكلارجي وقلدوا كاشفين أيضا لاسمعيل بك يسمى كل واحد منهما بعثمان صنجقين وسكن أحدهما ببيت مصطفى بك الذى كان سكن محمد بك طبل وهو على بركة الفيل حيث جامع أزبك اليوسفي وهو الذى يسمى بعثمان بك طبل وعثمان الثاني وهو الذي لقب بقفا الثور وسكن ببيت ذى الفقار المقابل لبيت بلفيا وقلدوا علي أغا جوخدار إسمعيل بك صنجقية أيضا وسكن ببيت مراد بك عند الكبش وهو ببيت صالح بك الكبير وكان يسكنه سليمان بك أبو نبوت اليوسفي. وأما بيت يوسف بك فسكن به سليم بك وقلدوا يوسف آغا من اتباع إسمعيل بك واليا ونفوا أيوب بك وسليمان بك إلى المنصورة.

وفي صبحها يوم الجمعة رابع شهر رجب الفرد الموافق لرابع مسرى القبطي نودى بوفاء النيل ونزل الباشا صبح يوم السبت وكسر السد على العادة وجرى الماء في الخليج وعاد الباشا إلى القلعة.

وفي سابعة اتفقوا على ارسال تجريدة إلى الصعيد وسر عسكرها إسمعيل بك الصغير وعينوا للتوجه صحبته حسن بك الجداوي وإبراهيم بك الطناني وسليم بك الطناني وسليم بك الأسمعيلي وإبراهيم بك أوده باشا وحسن بك الشرقاوى المعروف بسوق السلاح وقاسم كتخدا عزبان وعلي أغا المعمار وكان غائبا بالمنية فلما قبل الجماعة تخلص وترك أحواله وغلامه وحضر إلى مصر وصحبته طائفة من الهوارة والعربان فلما حضر أرادوا أن يقلدوه صنجقية فأمتنع من ذلك وشرعوا في تشهيل التجريدة وطلبوا طلبا عظيما وصرف الباشا ألف كيس من الخزينة لنفقة العسكر وخلعوا على الهوارة ومشايخ العربان ووعدوهم بالخير. وفيه جاءت الأخبار بأن علي بك السروجي ساق خلف محمد بك طبل فلحقه عند مكان تجاه

ص: 503

البدرشين واحتاط به العربان وقتلوا مماليكه وشرد من نجا منهم وتفرق ونهبوا ما معه وعروه وسلموه لكاشف هناك من اتباع إسمعيل بك فوقع في عرضه وعرض مشايخ البلد فألبسوه حوائج وهربوه وصحبته اثنان من الأجناد فلما حضر علي بك السروجي أخبره العرب بما حصل فأخذ ذلك الكاشف وحضر صحبته إلى إسمعيل بك فضرب الكاشف عقلة ونفاه.

وفيه ورد الخبر أيضا عن ذي الفقار بك بان العرب عروه أيضا فهرب فلحقوه وأرادوا قتله فألقى نفسه في البحر بفرسه وغرق ومات.

وفي يوم الإثنين رابع عشر رجب برزت عساكر التجريدة إلى جهة البساتين.

وفي يوم الخميس خرج أيضا غالب الأمراء وبرزوا خيامهم.

وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب سافرت التجريدة برا وبحرا.

وفي يوم السبت سادس عشرين رجب وصلت الأخبار بان التجريدة تلاقت مع الأمراء القبالي ووقع بينهم معركة قوية فكانت الهزيمة على التجرية. فلما وصلت هذه الأخبار اضطرب إسمعيل بك وتخبل غزله وكذلك أمراؤه ودخل في يومها الأجناد مشتتين مهزومين وكانت الوقعة يوم الجمعة في بياضة من أعمال الشرق فكبسوهم على حين غفلة وقت الفجر فركب علي أغا المعمار وقاسم كتخدا عزبان وإبراهيم بك طنان فحاربوا جهدهم فأصيب علي اغا وقاسم كتخدا ووقعت خيولهما وذلك بعد أن ساق علي أغا وصحبته رضوان اغا طنان وقصد مراد بك وضربه رضوان في وجهه بالسيف فلمحه خليل بك كوسه الإبراهيمي وضرب علي أغا بالقرابينة فأصابته في عنقه ووقع فرسه وسقط ميتا. فلما قتل هذان الأميران ولي إبراهيم بك طنان فأنهزم بقية الأمراء لأنه لم يكن فيهم أشجع من هؤلاء الثلاثة وباقيهم ليس له دربة في الحرب وسر عسكر مقصوب

ص: 504

ومريض واحتاط الأمراء القبليون بخيامهم وحملاتهم ومراكبهم بما فيها وكانت نيفا وخمسمائة مركب وكان كبير العسكر في قنجة صغيرة فلما عاين الكسرة أسرع في الانحدار وكذلك بعض الأمراء انحدروا معه وباقيهم وصلوا في البر على هيئة شنيعة وكان إسمعيل بك بمصر القديمة ينتظر أمراء التجريدة. فلما حصل ذلك نزل الباشا في يوم الأحد وخرج إلى الآثار وجلس مع الصنجق ونادوا بالنفير العام فخرج القاضي والمشايخ والتجار وأرباب الصنائع والمغاربة وأهل الحارات والعصب وغلقت الأسواق. وخرج الناس في يوم الإثنين حتى ملأوا الفضاء فلما عاين ذلك إسمعيل بك وعلم أنهم يحتاجون إلى مصروف ومأكل وأكثرهم فقراء وذلك غاية لا تدرك أشار على تجار المغاربة والالضاشات بالمكث ورجع بقية العامة وأرباب الحرف ومشايخ الأشاير والفقراء من أهل الزوايا والبيوت ووصل القبليون إلى حلوان وطمعوا في أخذ مصر بعد الكسرة قبل الأستعداد ثانيا. وفي يوم الإثنين أرسل إسمعيل بك عدة من الأجناد وأصحبهم عسكر المغاربة ومعهم الجبخانة والمدافع فنصبوا المتاريس ما بين التبين وحلوان تجاه الاخصام وركب في ليلتها إسمعيل بك وامراؤه وأجناده وأحضر الباشا قليون رومي من دمياط ورئيسه يسمى حسن الغاوى مشهور بمعرفة الحرب في البحر يشتمل ذلك القليون على خمسة وعشرين مدفعا فأقلع به ليلا تجاه العسكر وارتفع حتى تجاوز مراكبهم وضرب بالمدافع على وطاقهم في البر وعلى مراكبهم في البحر وساق جميع المراكب بما فيها ووقع المصاف واشتد الجلاد بين الفريقين فكان بينهم وقعة قوية وقتل فيها من أولئك رضوان بك الجرجاوى وخليل بك كوسه الإبراهيمي وخازنداره وكشاف وأجناد ووقعت على القبالي الهزيمة ولم يظهر مراد بك في هذه المعركة بسبب جراحته. ثم هجموا على وطاقهم وخيامهم ونهبوها ونزل محمد بك طبل بفرسه إلى البحر وغرق ومات. ورجع إبراهيم بك ومراد

ص: 505

بك وهو مجروح ومصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وأتباعهم وذهبوا إلى قبلى وساقوا خلفهم فلم يدركوهم. ودخل إسمعيل بك والأمراء والاجناد والعسكر إلى مصر منصورين مؤيدين وكانت هذه النصرة بخلاف المظنون وكان رجوعهم يوم الأربعاء غرة شهر شعبان.

وفي ليلة السبت رابع شعبان حضر كاشف وصحبته جملة من المماليك وكان هذا الكاشف مأسورا عند القبالي فلما انهزموا أذنوا له بالرجوع إلى بيته وانضم إليه عدة مماليك ماتت أسيادهم فلما حضروا عند إسمعيل بك فرقهم على الأمراء.

وفي سابعه أحضروا رمة علي أغا المعمار إلى بيته فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه في مشهد حافل ودفنوه بالقرافة.

وفيه تقلد حسن بك الجداوى ولاية جرجا وجاءت الأخبار بان القبليين استقروا بشرق أولاد يحيى.

وفي آخر شعبان سافر حسن بك الجداوى إلى جرجا وصحبته كشاف الولايات وحكام الأقاليم فضج لنزولهم ساحل البحر بسبب أخذهم المراكب.

وفي منتصف شهر رمضان ولدت امرأة مولودا يشبه خلقة الفيل مثل وجهه وإذانه وله نابان خارجان من فمه وأبوه رجل جمال وامرأته لما رأت الفيل وكانت في أشهر وحامها نقلت شبهه في ولدها وأخذه الناس يتفرجون عليه في البيوت والازقة.

وفي يوم الجمعة تاسع عشرين شهر رمضان ركب أمراء إسمعيل بك وصناجقه وعساكره في آخر الليل واحتاطوا ببيت إسمعيل بك الصغير أخي علي بك الغزاوى فركب في مماليكه وخاصته وخرج من البيت فوجدوا الطرق كلها مسدودة بالعسكر والاجناد فدخل من عطفة الفرن يريد الفرار وخرج على جهة قنطرة عمر شاه فوجد العسكر والاجناد إمامه وخلفه

ص: 506

فصار يقاتلهم ويتخلص منهم من عطفة إلى عطفة حتى وصل إلى عطفة البيدق وأصيب بسيف على عاتقه وسقطت عمامته وصار مكشوف الرأس إلى أن وصل إلى تجاه درب عبد الحق بالازبكية فلاقاه عثمان بك أحد صناجق إسمعيل بك فرده وسقط واحتاطوا به فنزل على دكان في أسوأ حال مكشوف الرأس والدم خارج من كركه فعصبوا رأسه بعمامة رجل جمال وأخذه عثمان بك إلى بيته وتركه وذهب إلى سيدة فأخبره فخلع عليه فروة وفرسا مرختا وأرسلوا إليه الوالي فخنقه ووضعوه في تابوت وأرسلوه إلى بيته الصغير فبات به ميتا وأخرجوه في صبحها في مشهد ودفنوه. وكان إسمعيل بك قد استوحش منه وظهر عليه في أحكامه وأوامره وكلما أبرم شيئا عارضه فيه. وازدحم الناس على بيته وأقبلت إليه أرباب الخصومات والدعاوى وصار له عزوة كبيرة وانضم إليه كشاف واختيارية وحدثته نفسه بالانفراد وتخيل منه إسمعيل بك فتركه وما يفعله واظهر أنه مرمود في عينيه وانقطع بالحريم من أول شهر رمضان ثم سافر في أواخره في النيل لزيارة سيدى أحمد البدوى ثم رجع وبيت مع اتباعه ومن يثق به وقاموا عليه وقتلوه كما ذكر. ولما انقضى امره شرع إسمعيل بك في ابعاد ونفي من كان يلوذ به وينتمي إليه فأنزلوا إبراهيم بك بلفيا ومحمد اغا الترجمان وعلي كتخدا الفلاح وبعض كشاف إلى بولاق وأراد قتل أخيه سليم آغا المعروف بتمرلنك فأقتدى نفسه بثلاثين ألف ريال ثم نفوه ثالث شوال ونفى إبراهيم بك بلفيا إلى المحلة.

وفي تلك الأيام قرر إسمعيل بك على كل بلد من القرى ثلثمائة ريال وهي أول سيآته.

وفي يوم الأحد ثاني عشرين شوال عملوا موكب المحمل وأمير الحاج حسن بك رضوان.

ص: 507

وفي يوم الخميس رابع ذي القعدة تقلد عبد الرحمن بك عثمان صنجقية وكانت مرفوعة عنه وكذلك علي بك.

وفي يوم الإثنين ثامنه سافرت تجريدة لجهة الصعيد للأمراء القبالي لأنهم تقووا واستولوا على البلاد وقبضوا الخراج وملكوا من جرجا إلى فوق وحسن بك أمير الصعيد مقيم وليس فيه قدرة على مقاومتهم ومنعوا ورود الغلال حتى غلا سعرها فعينوا لهم التجريدة وسر عسكرها رضوان بك وعلي الجوخدار وسليم بك وإبراهيم بك طنان وحسن بك سوق السلاح.

وفي يوم الأحد حادى عشرين القعدة خرج إسمعيل بك إلى ناحية دير الطين وعزم على التوجه إلى قبلي بنفسه وأرسل الباشا فرماتات لسائر الأمراء والوجاقلية وأمرهم جميعا فخرجوا جمعيا ونصبوا وطاقاتهم عند المعادى ونزل الباشا وجلس بقصر العيني وطلبوا طلبا عظيما.

وفي يوم الجمعة عدى إسمعيل بك إلى البر الثاني وترك بمصر عبد الرحمن أغا مستحفظان كتخدا ورضوان بك بلفيا وعثمان بك طبل وإبراهيم بك قشطة صهره وحسين بك ومقادم الأبواب لحفظ البلد فكان المقادم يدورون بالطوف في الجهات ليلا ونهارا مع هدوء سر الناس وسكون الحال في مدة غياب الجميع.

وفي سادس شهر الحجة وصلت مكاتبات من إسمعيل بك ومن الأمراء الذين بصحبته بأنهم وصلوا إلى المنية فلم يجدوا بها أحدا من القبليين وإنهم في أسيوط ومعهم إسمعيل أبو علي من كبار الهوارة.

وفي سابع عشرة حضر الوجاقلية الذين بالتجريدة وحضر أيضا أيوب اغا وكان عند القبالي فحضر عند إسمعيل بك بأمان وأستاذنه في التوجه إلى بيته ليرى عياله فأذن له وأرسله صحبة الوجاقلية وسبب رجوع الوجاقلية لما رأى إسمعيل بك بعد الأمراء وأراد أن يذهب خلفهم فأمرهم بالرجوع للتخفيف وانقضت هذه السنة.

ص: 508

من مات في هذه السنة من الأعيان.

مات الشريف الصالح المرشد الواصل السيد محمد هاشم الأسيوطي ولد بأسيوط وبيتهم يعرف ببيت فاضل نشأ ببلده على قدم الخير والصلاح وحضر دروس الشيخ حسن الجديرى ثم ورد إلى مصر فحضر دروس كل من الشيخ محمد البليدى والشيخ محمد الشماوى والشيخ عطية الاجهورى وأخذ الطريق على الشيخ عبد الوهاب العفيفي وكان منقطعا للعبادة متقشفا متواضعا وكان غالب جلوسه بالأشرفية ومسجد الشيخ مطهر. وكان لا يزاحم الناس ولا يداخلهم في احوال دنياهم ولهم فيه اعتقاد عظيم ويذهبون لزيارته ويقتبسون من اشارته واستخارته ويتبركون بأجازته في الأوراد والاسماء. ويسافر لزيارة سيدى أحمد البدوى ثم يعود إلى خلوته وربما مكث عند بعض أصدقائه أياما بقصد البعد عن الناس عندما يعلمون استقراره بالخلوة ويزدحمون على زيارته وكان نعم الرجل سمتا وورعا. توفي في سابع شعبان في بيته بالازبكية وصلوا عليه بالأزهر ودفن بالمجاورين رحمه الله.

ومات الشيخ الإمام الأديب الفاضل الفقيه أحد العلماء الأعلام الشيخ محمد بن إبراهيم العوفي المالكي لازم الشمس الحفني وأخاه الشيخ يوسف وحضر دروس الشيخ علي العدوى والشيخ عيسى البراوى وأفتى ودرس. وكان شافعي المذهب فسعى فيه جماعة عند الشيخ الحفني فأحضره وأثبت عليه بخطه ما نقل عنه فتوعده فلحق بالشيخ علي العدوى وانتقل لمذهب مالك وكان رحمه الله عالما محصلا بحاثا متفننا غير عسر البديهة شاعرا ماجنا خليعا ومع ذلك كانت حلقة درسه تزيد على الثلثمائة في الأزهر. مات رحمه الله مفلوجا وحين أصابه المرض رجع إلى مذهب الشافعي وقرأ ابن قاسم بمسجد قريب من منزله ويحمله الطلبة إلى المسجد فيقرأ وهو

ص: 509

يتلعثم لتعقد لسانه بالفالج مع ما كان فيه من الفصاحة أولا ثم برىء يسيرا ولم يلبث أن عاوده المرض وتوفي إلى رحمة الله تعالى.

ومات الأديب الماهر الشيخ رمضان بن محمد المنصورى الأحمدى الشهير بالحمامي سبط آل الباز ولد بالمنصورة وقرأ المتون على مشايخ بلده وانزوى إلى شيخ الأدب محمد المنصورى الشاعر فرقاه في الشعر وهذبه وبه تخرج وورد إلى مصر مرارا وسمعنا من قصائده وكلامه الكثير وله قصائد سنية في المدائح الأحمدية تنشد في الجموع. وبينه وبين الأديب قاسم وعبد القادر المدني محاورات ومداعبات واخبر أنه ورد الحرمين من مدة ومدح كلا من الشريف والوزير وأكابر الأعيان بقصائد طنانة كان ينشد منها جملة مستكثرة مما يدل على سعة باعه في الفصاحة. ولم يزل فقيرا مملقا يشكو الزمان وأهل يه ويذم جني بنيه وبآخرة تزوج امرأة موسرة بمصر وتوجه بها إلى مكة فأتاه الحمام وهو في ثغر جدة في سنة تاريخه.

ومات الأمير يوسف بك الكبير وهو من أمراء محمد بك الذهب أقره في سنة ست وثمانين وزوجه باخته وشرع في بناء ولده على بركة الفيل داخل درب الحمام تجاه جامع الماس وكان يسلك إليها من هذا الدرب ومن طرق الشيخ الظلام وكان هذا الدرب كثير العطف ضيق المسالك فأخذ بيوته بعضها شراء وبعضها غصبا وجعلها طريقا واسعة وعليها بوابة عظيمة. واراد أن يجعل إمام باب داره رحبة متسعة فعارضه جامع خير بك حديد فعزم على هدمه ونقله إلى آخر الرحبة واستمر يعمر في تلك الدار نحو خمس سنوات. واخذ بيت الداودية الذى بجواره وهدمه جميعه وادخله فيها وصرف في تلك الدار أموالا عظيمة فكان يبني الجهة منها حتى يتمها بعد تبليطها وترخيمها بالرخام الدقي الخردة المحكم الصنعة والسقوف والاخشاب والرواشن له شيطانه فيهدمها إلى آخرها ويبنيها ثانيا على وضع آخر.

ص: 510

وهكذا كان دأبه واتفق أنه ورد إليه من بلاده القبلية ثمانون ألف اردب غلال فوزعها بأسرها على الموانة في ثمن الجبس والجير والاحجار والاخشاب والحديد وغير ذلك. وكان فيه حدة زائدة وتخليط في الأمور والحركات ولا يستقر بالمجلس بل يقوم ويقعد ويصرخ ويروق حاله في بعض الأوقات فيظهر فيه بعض انسانية ثم يتغير ويتعكر من ادنى شيء. ولما مات سيده محمد بك وتولى إمارة الحج ازداد عتوا وعسفا وانحرافا خصوصا مع طائفة الفقهاء والمتعممين لأمور نقمها عليهم منها أن شيخا يسمى الشيخ أحمد صادومة وكان رجلا مسنا ذا شيبة وهيبة وأصله من سمنود وله شهرة عظيمة وباع طويل في الروحانيات وتحريك الجمادات والسميات ويكلم الجن ويخاطبهم مشافهة ويظهرهم للعيان كما أخبرني عنه من شاهده وللناس اختلاف في شأنه وكان للشيخ الكفراوى به التئام وعشرة ومحبة أكيدة واعتقاد عظيم ويخبر عنه أنه من الأولياء وأرباب الأحوال والمكاشفات بل يقول: إنه هو الفرد الجامع ونوه بشأنه عند الأمراء وخصوصا محمد بك أبا الذهب فراج حال كل منهما بالآخر. فاتفق أن الأمير المذكور اختلى بمحظيته فرأى على سوأتها كتابة فسألها عن ذلك وتهددها بالقتل فأخبرته أن المرأة الفلانية ذهبت بها إلى هذا الشيخ وهو الذى كتب لها ذلك ليحببها إلى سيدها فنزل في الحال وأرسل فقبض على الشيخ صادومة المذكور وأمر بقتله والقائه في البحر ففعلوا به ذلك وأرسل إلى داره فاحتاط بما فيها فأخرجوا منها أشياء كثيرة وتماثيل ومنها تمثال من قطيفة على هيئة الذكر فأحضروا له تلك الأشياء فصار يريها للجالسين عنده والمترددين عليه من الأمراء وغيرهم ووضع ذلك التمثال بجانبه على الوسادة فيأخذه بيده ويشير لمن يجلس معه ويتعجبون ويضحكون وعزل الشيخ حسن الكفراوى من افتاء الشافعية ورفع عنه وظيفة المحمدية وأحضر الشيخ أحمد بن يوسف الخليفي وخلع عليه وألبسه فروة وقرره في ذلك عوضا

ص: 511

عن الشيخ الكفراوى. واتفق أيضا أن الشيخ عبد الباقي ابن الشيخ عبد الوهاب العفيفي طلق على زوج بنت أخيه في غيابه على يد الشيخ حسن الجداوى المالكي على قاعدة مذهبه وزوجها من آخر وحضر زوجها من الفيوم وذهب إلى ذلك الأمير وشكا له الشيخ عبد الباقي في فطلبه فوجده غائبا في منية عفيف فأرسل إليه أعوانا أهانوه وقبضوا عليه ووضعوا الحديد في رقبته ورجليه وأحضروه في صورة منكرة وحبسه في حاصل أرباب الجرائم من الفلاحين. فركب الشيخ علي الصعيدي العدوى والشيخ الجداوى وجماعة كثيرة من المتعممين وذهبوا إليه وخاطبه الشيخ الصعيدي فقال له: هذا قول في مذهب المالكية معمول به فقال: من يقول: إن المرأة تطلق زوجها إذا غاب عنها وعندها ما تنفقه وما تصرفه ووكيله يعطيها ما تطلبه ثم يأتي من غيبته فيجدها مع غيره. فقالوا له: نحن أعلم بالأحكام الشرعية. فقال: لو رأيت الشيخ الذي فسخ النكاح. فقال الشيخ الجداوى: أنا الذي فسخت النكاح على قاعدة مذهبي. فقام على أقدامه وصرخ وقال والله أكسر رأسك. فصرخ عليه الشيخ علي الصعيدي وسبه وقال له: لعنك الله ولعن اليسرجي الذي جاء بك ومن باعك ومن اشتراك ومن جعلك أميرا. فتوسط بينهم الحاضرون من الأمراء يسكنون حدته وحدتهم وأحضروا الشيخ عبد الباقي من الحبس فأخذوه وخرجوا وهم يسبونه وهو يسمعهم. واتفق أيضا أن الشيخ عبد الرحمن العريشي لما توفي صهره الشيخ أحمد المعروف بالسقط وجعله القاضي وصيا على أولاده وتركته وكان عليه ديون كثيرة اثبتها اربابها بالمحكمة واستوفوها وأخذ عليهم صكوكا بذلك ذهبت زوجة المتوفي إلى يوسف بك بعد ذلك بنحو ست سنوات وذكرت له أن الشيخ عبد الرحمن انتهب ميراث زوجها وتواطا مع أرباب الديون وقاسمهم فيما أخذوه فأحضر الشيخ عبد الرحمن وكان إذ ذاك مفتي الحنفية وطالبه بأحضار المخلفات أو قيمتها فعرفه أنه وزعها

ص: 512

على أرباب الديون وقسم الباقي بين الورثة وانقضى أمرها وابرز له الصكوك والحجج ودفتر القسام فلم يقبل وفاتحه في عدة مجالس وهو مصر على قوله وطلبه للتركة. ثم أحضره يوما وجبسه عند الخازندار فركب شيخ السادات إليه وكلمه في أمره وطلبه من محبسه. فلما علم الشيخ عبد الرحمن حضور شيخ السادات هناك رمى عمامته وفراجته وتطور وصرخ وخرج يعدو مسرعا ونزل إلى الحوش صارخا بأعلى صوته وهو مكشوف الرأس فلما عاينه يوسف بك وهو يفعل ذلك احتد الآخر وكان جالسا مع شيخ السادات في المقعد المطل على الحوش فقام على اقدامه وصار يصرخ على خدمه ويقول: امسكوه اقتلوه ونحو ذلك وشيخ السادات يقول له: أى شيء هذا الفعل اجلس يا مبارك وأرسل إليه تابعه الشيخ إبراهيم السندوبي فنزل إليه والبسه عمامته وفراجته ونزل الشيخ فركب وأخذه صحبته إلى داره وتلافوا القضية وسكتوها ثم حصل منه ما حصل في الدعوى المتقدمة وما ترتب عليها من الفتنة وقفل الجامع وقتل الانفس وثقل أمره على مراد بك واضمر له السوء فلما سافر أميرا بالحج في السنة الماضية قصد مراد بك اغتياله أو نفيه عند رجوعه بالحج واتفق مع أمرائه وضايع القضية وسافر إلى جهة الغريبة والمنوفية وعسف في البلاد ويريد أن يجعل عوده على نصف الشهر في أوان رجوع الحج. ووصل الخبر إلى يوسف بك فأستعجل الحضور فصار يجعل كل مرحلتين في مرحلة حتى وصل محترسا في سابع صفر حضور مراد بك من سرحته وعندما قرب وصول مراد بك إلى دخول مصر ركب يوسف بك في مماليكه وطوائفه وعدده وخرج إلى خارج البلد فسعى إبراهيم بك بينهما وصالحهما واستمرت بينهما المنافرة القلبية من حينئذ إلى أن حصل ما حصل وانضم إلى إسمعيل بك ثم قتله إسمعيل بك بيد حسن بك وإسمعيل بك الصغير كما تقدم.

ص: 513

ومات الأمير أغا المعمار وهو من مماليك مصطفى بك المعروف بالقرد وخشداش صالح بك الكبير وكان من الأبطال المعروفين والشجعان المعدودين فلما قتل كبيرهم صالح بك استمر في بلاد قبلي على ما يتعلق به من الالتزام ويدفع ما عليه من المال والغلال إلى أن استوحش محمد بك أبو الذهب من سيده علي بك وخرج إلى الصعيد وقتل خشداشه أيوب بك وتحقق الاجانب بذلك صحة العداوة فأقبلوا على محمد بك من كل جانب برجالهم وأموالهم ومنهم علي أغا المذكور وكان ضخما عظيم الخلقة جهورى الصوت شهما يصدع بالكلام فأنس به محمد بك وأكرمه واجتهد هو في نصرته ومناصحته وجمع إليه الأمراء والأجناد المنفيين والمطرودين الذين شتتهم علي بك وقتل أسيادهم وكبار الهوارة الذين قهرهم علي بك أيضا واستولى على بلادهم مثل أولادهم وأولاد نصير وأولاد وافي وإسمعيل أبي علي وابي عبد الله وغيرهم وحضر معه الجميع إلى جهة مصر كما تقدم. ولما وصلوا إلى تجاه التبين وأبرج لهم علي بك التجريدة وأميرها علي بك الطنطاوى خرج علي اغا هذا إلى الحرب هو ومن معه وبأيديهم مساوق غلاظ قصيرة ولها جلب حديد وفي طرفها أزيد من قبضة بها مسامير متينة محددة الرؤوس إلى خارج يضربون بها خوذة الفارس ضربة واحدة فتنخسف في دماغه وكانت هذه من مبتكرات المترجم حتى أنه سمى بأبي الجلب. ولما خلصت إمارة مصر إلى محمد بك جعل كتخداه إسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوى المذكور فنقم عليه أمورا فأهمله وأحضر علي أغا هذا وخلع عليه وجعله كتخداه فسار في الناس سيرا حسنا ويقضي حوائج الناس من غير تطلع إلى شيء ويقول: الحق ولو على مخدومه وكان مخدومه أيضا يحبه ويرجع إلى رأيه في الأمور لما تحققه فيه من المناصحة وعدم الميل إلى هوى النفس وعرض الدنيا وكان يجب أهل العلم والفضل والقرآن ويميل بكليته إليهم مع لين الجانب والتواضع وعدم الانفة. ولما

ص: 514

أنشأ محمد بك مدرسته المحمدية تجاه الأزهر وقرر فيها الدروس كان يحضر معنا المترجم على شيخنا الشيخ علي العدوى في صحيح البخارى مع الملازمة واتخذ لنفسه خلوة بالمدرسة المذكورة يستريح فيها وتأتيه أرباب الحوايج فيقضي لهم أشغالهم وكان يلم بحضرة الشيخ محمد حفيد الأستاذ الحفني ويحبه وأخذ عنه طريق السادة الخلوتية وحضر دروسه مع المودة وحسن العشرة ويحضر ختوم دروس المشايخ ويقرأ عشرا من القرآن بأعلى صوته عند تمام المجلس ومملوكه حسن أغا الذى زوجه ابنته واشتهر بعده وحج المترجم في السنة الماضية في هيئة جليلة وآثار جميلة. وتوفي في وقعة بياضة قتيلا كما تقدم.

ومات الأمير إسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى وهم خمسة أخوة علي بك وإسمعيل بك هذا وسليم إنما المعروف بتمرلنك وعثمان وأحمد ولما تأمر علي بك كان اخوته الأربعة باسلامبول مماليك عند بشير أغا القزلار واعتقهم وتسامعوا بامارة أخيهم بمصر فحضر إليه إسمعيل وأحمد وسليم واستمر عثمان باسلامبول وأقام إسمعيل وسليم وأحمد بمصر وعمل إسمعيل كتخدا عند أخيه علي بك وعمل سليم خازندار عند إبراهيم كتخدا أياما ثم قامت عليه مماليكه وعزلوه لكونه أجنبيا منهم وصار لهم امرة وبيوت والتزام. وتزوج إسمعيل بهانم ابنة رضوان كتخدا الجلفي وهي المسماة بفاطمة هانم وذلك أن رضوان كتخدا كان عقد لها على مملوكه علي أغا الذي قلده الصنجقية ولم يدخل بها ولما خرج رضوان كتخدا وخرج معه علي المذكور فيمن خرج كما تقدم وذهب إلى بغداد أرسل يطلبها إليه من مصر وأرسل لها مع وكيله عشرة آلاف دينار واشياء فلم يسلموا في ارسالها وكتبوا فتوى بفسخ النكاح على قاعدة مذهب مالك وتزوجها إسمعيل أغا هذا وظهر ذكره بها وسكن بها في دار أبيها العظيمة بالازبكية وصار من أرباب الوجاهة. فلما استقل محمد بك أبو الذهب بملك مصر

ص: 515

بعد سيده استوزره وجعله كتخداه مدة وأراد أن يتزوج بالست سلن محظية رضوان كتخدا وكان تزوج بها أخوه علي بك ومات عنها فصرفه مخدومه محمد بك أبو الذهب وعرفه انها ربما امتنعت عليه مراعاة لها ثم ابنة سيدها فركب محمد بك وأتى عند علي أغا كتخدا الجاويشية المجاور لسكنها بدرب السادات وأرسل إليها علي أغا فلم يمكنها الامتناع فعقد عليها وماتت هانم بعد ذلك وباع بيت الازبكية لمخدومه محمد بك وبنى داره المجاورة لبيت الصابونجي وصرف عليها أموالا كثيرة واضاف إليها البيت الذى عند باب الهواء المعروف ببيت المرحوم من الشرايبية. وسكنها مدة وزوجه محمد بك سرية من سراريه أيضا ثم باع تلك الدار لايوب بك الكبير وسكنها. ولما سافر محمد بك إلى الشام ومحاربة الظاهر عمر أرسل المترجم من هناك إلى اسلامبول بهدايا وأموال للدولة ومكاتبات بطلب ولاية مصر والشام وأجيب إلى ذلك. وكتب له التقليد واعطوه رقم الوزارة وتم الأمر وأراد المسير بذلك إلى محمد بك فورد الخبر بموته فبطل ذلك ورجع المترجم إلى مصر وأقام بها في ثروة إلى أن حصلت الوحشة بين إسمعيل بك ويوسف بك والجماعة المحمدية وكانت الغلبة عليهم فقلده إسمعيل بك الصنجقية وقدمه في الأمور ونوه بشأنه وأوهمه أنه يريد تفويض الأمور إليه لما يعلمه فيه من العقل والرئاسة فاغتر بذلك وباشر قتل يوسف بك هو وحسن بك الجداوى كما تقدم وظن أن الوقت صفا له. فأندفع في الرئاسة وازدحمت الرؤوس عليه وأخذ في النقض والابرام فعاجله إسمعيل بك وأحاطوا به وقتلوه كما ذكر وكان ذا دهاء ومعرفة وفيه صلابة وقوة جنان وخرم مع التواضع وتهذيب الاخلاق وكان يحب أهل العلم ويكره النصارى كراهة شديدة وتصدى لاذيتهم أيام كتخدائية لمحمد بك وكتب في حقهم فتاوى بنقضهم العهد وخروجهم عن طرائفهم التي أخذ عليهم بها من أيام سيدنا عمر رضي الله عنه ونادى عليهم ومنعهم

ص: 516