المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها - تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار - جـ ١

[الجبرتي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة

- ‌سنة ست ومائة وألف

- ‌سنة عشرين ومائة وألف

- ‌سنة أحدى وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاثين

- ‌سنة أحدى وثلاثين

- ‌سنة ثلاث وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلاثين

- ‌سنة أربعين ومائة وألف

- ‌في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143

- ‌في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ست وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة وألف

- ‌سنة تسع وثممانين ومائة وألف

- ‌سنة تسعين ومائة وألف

- ‌سنة أحدى وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ثلاث وتسعين وألف

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ست وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة وألف

- ‌سنة مائتين وألف

الفصل: ‌في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها

ومات أبو مناخير فضة وذلك أنه كان ببيت أستاذه رضوان كتخدا في ليالي مولد النبي صلى الله عليه وسلم وكان جعله باش نفر عنده فأقام يتفرج إلى نصف الليل وأراد الذهاب إلى بيته فركب حماره وسار وخلفه عبده من طريق تربة الازبكية على قنطرة الأمير حسين وإذا بجماعة من اتباع الدمايطة ضربوه بالسلاح وهرب العبد والخدام وظنوا أنه مات فتركوه ثم رجعوا إليه بعد ساعة فوجدوا فيه الروح فحملوه على الحمار وساروا فلاقاهم أوده باشة البوابة وهو من الدمايطة فوجد فيه الروح فكمل قتله فذهب العبد وعرف جماعة رضوان كتخدا فحضر منهم طائفة وشالوه ودفنوه في صحبها. وأرسل رضوان كتحدا فعزل الأوده باشة وولى خلافه وذلك في أواخر قبل واقعة الدمايطة.

ومات علي كاشف قرقرش وهو من اتباع عثمان بك ذي الفقار المخفيين وذلك أن أوده باشة البوابة الذي تولى بعد عزل الأوده باشه الذي كمل قتل أبي مناخير فضة سرج بعد المغرب وجلس عند قنطرة سنقر وإذا بانسان جائز بالطريق وهو مغطى الرأس فقبضوا عليه ونظروا في وجهه فوجدوه علي قرقاش فعرفوا عنه إبراهيم جاويش فأمر الوالي بقتله. فقتله والله أعلم بالحقائق.

ص: 274

‌في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها

.

من ابتداء سنة اثنتين وستين ومائة وألف إلى أواخر سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وذلك بحسب التيسير والامكان وما لا يدرك كله لا يترك كله. فنقول لما عزل الجناب المكرم حضرة محمد باشا راغب في الواقعة التي خرج فيها حسن بك الخشاب ومحمد بك اباظة ونزل من القلعة.

ص: 274

إلى بيت دوعزجان تجاه المظفر كما تقدم ثم سافر في أواخر سنة أحدى وستين ومائة وألف كما تقدم إلى ثغر رشيد.

ولاية أحمد باشا المعروف بكور وزير.

ووصل حضرة الجناب الافخم أحمد باشا المعروف بكور وزير وسبب تلقبه بذلك أنه كان بعينه بعض حول فطلع إلى ثغر سكندرية ووصلت السعاة ببشائر قدومه فنزلت إليه الملاقاة وأرباب العكاكيز وأصحاب الخدم مثل كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وكاتب الحوالة وغيرهم وكان الكاشف بالبحيرة إذ ذاك حسن أغا كتخدا بك تابع عمر بك وتوفي هناك. فأرسل عمر بك لكتخداه حسن أغا المذكور عوضا عن مخدومه المتوفى حتى تتم السنة وخرج عمر بك من مصر واستمر المذكور بالبحيرة إلى أن أحضر أحمد باشا المذكور إلى اسكندرية فحضر إليه وتقيد بخدمته وجمع الخيول لركوب أغواته واتباعه والجمال لحمل اثقاله وقدم له تقادم وعمل له السماط بالمعدية حكم المعتاد وعرفه بحاله ووفاة أستاذه وخروج سيدهم من مصر فخلع عليه الباشا صنجقية أستاذه واعطاه بلاده من غير حلوان وذلك قبل وصول الملاقاة. ووصل خبر ذلك إلى مصر فأرسل المتكلمون إلى كتخدا الجاويشية يقولون له أن المذكور رجل ضعيف ولا يليق بالصنجقية فقالوا للباشا ذلك فاغتاظ فسكتوا ووصل إلى رشيد واجتمع هناك براغب باشا وسافر في المركب التي حضر فيها أحمد باشا وحضر إلى مصر وطلع بالموكب المعتاد إلى القلعة في غرة المحرم سنة 1162 وضربوا له المدافع والشنك من ابراج الينكجرية وعمل الديوان وخلع الخلع على الأمراء والأعيان والمشايخ وخلصت رياسة مصؤ وأمارتها إلى إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا وقلد إبراهيم جاويش مملوكه علي أغا وهو

ص: 275

الذي عرف بالغزاوي صنجقيا وكذلك حسين أغا وهو الذي عرف بكشكش. وكذلك قلد رضوان كتخدا أحمد أغا خازنداره صنجقيا فصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق وهم عثمان وعلي وحسين الإبراهيمية وإسمعيل وأحمد ومحمد الرضوانية. ثم إن إبراهيم جاويش عمل كتخدا الوقت ثلاثة أشهر وانفصل عنها. وحضر عبد الرحمن كتخدا القازدغلي من الحجاز وعمل كتخدا الوقت بباب مستحفظان سنتين وشرع في عمل الخيرات وبناء المساجد وأبطل الخمامير. وسيأتي تتمة ذلك في ترجمته سنة وفاته. وأقام أحمد باشا في ولاية مصر إلى عاشر شوال سنة 1163 وكان من أرباب الفضائل وله رغبة في العلوم الرياضية. ولما وصل إلى مصر واستقر بالقلعة وقابله صدور العلماء في ذلك الوقت وهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الأزهر ةوالشيخ سالم النفراوي والشيخ سليمان المنصوري فتكلم معهم وناقشهم وباحثهم ثم تكلم معهم في الرياضيات فأحجموا وقالوا لا نعرف هذه العلوم فتعجب وسكت. وكان الشيخ عبد الله الشبراوي له وظيفة الخطابة بجامع السراية ويطلع في كل يوم جمعة ويدخل عند الباشا ويتحدث معه ساعة وربما تغدى معه ثم يخرج إلى المسجد ويأتي إلى الباشا في خواصه فيخطب الشيخ ويدعو للسلطان وللباشا ويصلي بهم ويرجع الباشا إلى مجلسه وينزل الشيخ إلى داره. فطلع الشيخ على عادته في يوم الجمعة وأستاذن ودخل عند الباشا يحادثه فقال له الباشا: المسموع عندنا بالديار الرومية أن مصر منبع الفضائل والعلوم وكنت في غاية الشوق إلى المجيء إليها فلما جئتها وجدتها كما قيل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. فقال له الشيخ: هي يا مولانا كما سمعتم معدن العلوم والمعارف فقال: وأين هي وأنتم أعظم علمائها وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم أجد عندكم منها شيئا وغاية تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل ونبذتم المقاصد. فقال

ص: 276

له: نحن لسنا أعظم علمائها وإنما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند أرباب الدولة والحكام وغالب أهل الأزهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية إلا بقدر الحاجة الموصلة إلى علم الفرائض والمواريث كعلم الحساب والغبار. فقال له: وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية بل هو من شروط صحة العبادة كالعلم بدخول الوقت واستقبال القبلة وأوقات الصوم والأهلة وغير ذلك. فقال: نعم معرفة ذلك من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وهذه العلوم تحتاج إلى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبيعة وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل والأمور العطاردية وأهل الأزهر بخلاف ذلك غالبهم فقراء واخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك. فقال: وأين البعض فقال: موجودون في بيوتهم يسعى إليهم. ثم أخبره عن الشيخ الوالد وعرفه عنه وأطنب في ذكره فقال: التمس منكم ارساله عندي. فقال: يا مولانا أنه عظيم القدر وليس هو تحت امري. فقال: وكيف الطريق إلى حضوره. قال: تكتبون له ارسالية مع بعض خواصكم فلا يسعه الامتناع. ففعل ذلك وطلع إليه ولبى دعوته وسر برؤياه واغتبط به كثيرا. وكان يتردد إليه يومين في الجمعة وهما السبت والاربعاء وأدرك منه مأموله وواصله بالبر والاكرام الزائد الكثير ولازم المطالعة عليه مدة ولايته. وكان يقول: لو لم أغنم من مصر إلا اجتماعي بهذا الأستاذ لكفاني. ومما اتفق له لما طالع ربع الدستور واتقنه طالع بعده وسيلة الطلاب في استخراج الاعمال بالحساب وهو مؤلف دقيق للعلامة المارديني فكان الباشا يختلي بنفسه ويستخرج منه ما يستخرجه بالطرق الحسابية ثم يستخرجه من النجيب فيجده مطابقا. فاتفق له عدم المطابقة في مسألة من المسائل فاشتغل ذهنه وتحير فكره إلى أن حضر إليه الأستاذ في الميعاد فاطلعه على ذلك وعن السبب

ص: 277

في عدم المطابقة فكشف له علة ذلك بديها. فلما انجلى وجهها على مرآه عقله كاد يطير فرحا وحلف أن يقبل يده ثم أحضر له فروة من ملبوسه السمور باعها المرحوم بثمانمائة دينار ثم اشتغل عليه برسم المزاول والمنحرفات حتى اتقنها ورسم على اسمه عدة منحرفات على الواح كبيرة من الرخام صناعة وحفرا بالازمير كتابة ورسما.

ولاية عبد الله باشا.

وصل الخبر بولاية الشريف عبد الله باشا ووصل إلى اسكندرية ونزل أحمد باشا إلى بيت البيرقدار وسافرت الملاقاة للباشا الجديد ثم وصل إلى مصر في شهر رمضان سنة 1164 وطلع إلى القلعة فأقام في ولاية مصر إلى سنة 1166 ثم عزل عن مصر وولي حلب فنزل إلى القصر بقبة العزب وهاداه الأمراء ثم سافر إلى منصبه. ووصل محمد باشا امين فطلع إلى القلعة وهو منحرف المزاج فأقام في الولاية نحو شهرين وتوفي في خامس شهر شوال سنة 1166 ودفن بجوار قبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه.

قصد نصارى القبط الحج إلى بيت المقدس.

وفي هذا التاريخ أحضر بطرك الأروام مرسوما سلطانيا بمنع طائفة النصارى الشوام من دخولهم كنائس الافرنج وإن دخلوا فإنهم يدفعون للدولة ألف كيس. فأرسل إبراهيم كتخدا فأخذ أربعة قسوس من دير الافرنج وحبسهم وأخذ منهم مبلغا عظيما من المال. واستمر نصارى الشوام يدخلون كنائس الافرنج ولعلها من تحيلات إبراهيم كتخدا.

ومن الحوادث أيضا في نحو هذا التاريخ أن نصارى الاقباط قصدوا الحج إلى بيت المقدس وكان كبيرهم إذ ذاك نوروز كاتب رضوان كتخدا فكلم الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك وقدم له هدية وألف دينار.

ص: 278

فكتب له فتوى وجوابا ملخصه أن أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم. فلما تم لهم ما أرادوا شرعوا في قضاء أشغالهم وتشهيل أغراضهم وخرجوا في هيئة وابهة واحمال ومواهي وتختروانات فيها نساؤهم وأولادهم ومعهم طبول وزمور ونصبوا لهم عرضيا عند قبة العزب واحضروا العربان ليسيروا في خفارتهم واعطوهم أموالا وخلعا وكساوي وانعامات. وشاع أمر هذه القضية في البلد واستنكرها الناس فحضر الشيخ عبد الله الشبراوي إلى بيت الشيخ البكري كعادته وكان علي افندي اخو سيدي بكري متمرضا فدخل إليه بعوده فقال له: أي شيء هذا الحال يا شيخ الإسلام على سبيل التبكيت كيف ترضي وتفتي النصارى وتأذن لهم بهذه الافعال لكونهم رشوك وهادوك. فقال: لم يكن ذلك. قال: بل رشوك بالف دينار وهدية وعلى هذا تصير لهم سنة ويخرجون في العام القابل بازيد من ذلك ويصنعون لهم محملا ويقال حج النصارى وحج المسلمين وتصير سنة عليك وزرها إلى يوم القيامة. فقام الشيخ وخرج من عنده مغتاظا وأذن للعامة في الخروج عليهم ونهب ما معهم وخرج كذلك معهم طائفة من مجاوري الأزهر فاجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمساوق ونهبوا ما معهم وجرسوهم ونهبوا أيضا الكنيسة القريبة من دمرداش وانعكس النصارى في هذه الحادثة عكسة بليغة وراحت عليهم وذهب ما صرفوه وانفقوه في الهباء.

ولاية مصطفى باشا وعزله وولاية علي باشا اوغلي الثانية.

وحضر مصطفى باشا وطلع إلى القلعة ثالث عشر ربيع الأول 1167 واستمر واليا على مصر إلى أن ورد الخبر بعزله في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1169 وولاية حضرة الوزير المكرم علي باشا حكيم اوغلي وهي ولايته الثانية. وطلع إلى سكندرية ونزلت إليه الملاقاة وأرباب المناصب

ص: 279

والعكاكيز. ثم حضر إلى مصر وطلع إلى القلعة يوم الإثنين غرة شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة وسار في مصر سيرته المعهودة وسلك طريقته المشكورة المحمودة فاحيا مكارم الأخلاق وادر على رعيته الارزاق بحلم وبشر ربي عليهما فكانا له طبعا وصدر رحب لا يضيق بنازله ذرعا. واستمر في ولاية مصر إلى شهر رجب سنة 1171.

ذكر من مات في هذه الاعوام من العلماء والأعيان.

مات الإمام العلامة شيخ المشايخ شمس الدين الشيخ محمد القليني الأزهري وكان له كرامات مشهورة ومآثر مذكورة منها أنه كان ينفق من الغيب لأنه لم يكن له ايراد ولا ملك ولا وظيفة ولا يتناول من أحد شيئا وينفق انفاق من لا يخشى الفقر وإذا مشى في السوق تعلق به الفقراء فيعطيهم الذهب والفضة وإذا دخل الحمام دفع الأجرة عن كل من فيه. توفي سنة 1164. ومات الشيخ الإمام الفقيه المحدث المسند محمد بن أحمد بن يحيى بن حجازي العشماوي الشافعي الأزهري تفقه على الشيخ عبده الديوي والشهاب أحمد بن عمر الديربي وسمع الحديث على الزرقاني وبعد وفاته أخذ الكتب الستة عن تلميذه الشهاب أحمد بن عبد اللطيف المنزلي وانفرد بعلو الأسناد وأخذ عنه غالب فضلاء العصر. توفي يوم الأربعاء ثاني عشري جمادى الأولى سنة 1167 ودفن بتربة المجاورين.

ومات الشيخ الإمام العلامة سالم بن محمد النفراوي المالكي الأزهري المفتي الضرير أخذ عن الشيخ العمدة أحمد النفراوي الفقه وأخذ الحديث عن الشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ببيته بالازبكية والشبراملسي وغيرهم وكان مشهورا بمعرفة فروع المذهب واستحضار الفروع الفقهية. وكانت حلقة درسه اعظم الحلق.

ص: 280

وعليه مهابة وجلالة. توفي يوم الخميس سادس عشر من شهر صفر سنة 1168.

ومات الشيخ الفقيه المفتي العلامة سليمان بن مصطفى بن عمر بن الولي العارف الشيخ محمد المنير المنصوري الحنفي أحد الصدور المشار إليهم ولد سنة 1087 بالنقيطة أحدى قرى المنصورة وقدم الأزهر فأخذ عن شيوخ المذهب كشاهين الارمناوي وعبد الحي بن عبد الحق والشرنبلالي وأبي الحسن علي بن محمد العقدي وعمر الزهري وعثمان النحريري وقائد الابياري شارح الكنز فاتقن الأصول ومهر في الفروع ودارت عليه مشيخة الحنفية ورغب الناس في فتاويه وكان جليل القدر عالي الذكر مسموع الكلمة مقبول الشفاعة. توفي سنة 1169.

ومات الشيخ الإمام الفاضل الصالح الشاعر الأديب عمر بن محمد بن عبد الله الحسيني الشنواني من ولد القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان قرأ على أفاضل عصره وتكمل في الفنون والقى دروسا بالأزهر. توفي في رجب سنة 1167.

ومات الأجل المكرم الحاج صالح الفلاح وهو أستاذ الأمراء المعروفين بمصر المشهورين بجماعة الفلاح وينسون إلى القازدغلية. وكان متمولا ذا ثروة عظيمة وشيخ وأصله غلام يتيم فلاح من قرية من قرى المنوفية يقال لها الراهب. وكان خادما لبعض أولاد شيخ البلد فانكسر عليه المال فرهن ولده عند الملتزم وهو علي كتخدا الجلفي ومعه صالح هذا وهما غلامان صغيران فاقاما ببيت علي كتخدا حتى غلق أبوه ما عليه من المال واستلم ابنه ليرجع به إلى بلده فامتنع صالح وألف المقام ببيت الملتزم واستمر به يخدم مع صبيان الحريم وكان نبيها خفيف الروح والحركة. ولم يزل يتنقل في الاطوار حتى صار من أرباب الأموال واشترى المماليك والعبيد والجواري ويزوجهم من بعضهم ويشتري لهم الدور والايراد.

ص: 281

ويدخلهم في الوجاقات والبلكات بالمصانعات والرشوات لارباب الحل والعقد والمتكلمين وتنقلوا حتى تلبسوا بالمناصب الجليلة كتخدا آت واختيارية وأمراء طبلخانات وجاويشية وأوده باشية وغير ذلك حتى صار من مماليكه ومماليكهم من يركب في العذارات فقط نحو المائة وصار لهم بيوت واتباع ومماليك وشهرة عظيمة بمصر وكلمة نافذة وعزوة كبيرة. وكان يركب حمارا ويعتم عمة لطيفة على طربوش وخلفه خادمه ومات في سن السبعين ولم يبق في فمه سن وكان يقال له صالح جلبي والحاج صالح وبالجملة فكان من نوادر الزمن وكان يقرض إبراهيم كتخدا وأمراءه بالمائة كيس وأكثر وكذلك غيرهم ويخرج الأموال بالربا والزيادة وبذلك امحقت دولتهم وزالت نعمهم في أقرب وقت وآل أمرهم إلى البوارهم وأولادهم وبواقيهم لذهاب ما في ايديهم وصاروا اتباعا واعوانا للامراء المتأخرين.

ومات الأمير إبراهيم كتخدا تابع سليمان كتخدا القازدغلي وسليمان هذا تابع مصطفى كتخدا الكبير القازدغلي وخشداش حسن جاويش أستاذ عثمان كتخدا والد عبد الرحمن كتخدا المشهور لبس الضلمة في سنة 1148 وعمل جاويشا وطلع سردار قطار في الحج في إمارة عثمان بك ذي الفقار سنة 1153. وفي تلك السنة استوحش منه عثمان بك باطنا لأنه كان شديد المراس قوي الشكيمة وبعد رجوعه من الحج في سنة 1152 نما ذكره وانتشر صيته ولم يزل من حينئذ ينمو أمره وتزيد صولته وتنفذ كلمته وكان ذا دهاء ومكر وتحيل ولين وقسوة وسماحة وسعة صدر وتؤدة وحزم وإقدام ونظر في العواقب. ولم يزل يدبر على عثمان بك وضم إليه كتخداه أحمد السكري ورضوان كتخدا الجلفي وخليل بك قطامش وعمر بك بسبب منافسة معه على بلاد هوارة كما تقدم حتى أوقع به على حين غفلة وخرج عثمان بك من مصر على الصورة المتقدمة.

ص: 282

فعند ذلك عظم شأنه وزادت سطوته واستكثر من شراء المماليك وقلد عثمان مملوكه الذي كان اغات متفرقة صنجقا وهو أول صناجقه وهو الذي عرف بالجرجاوي. ولما قتل خليل بك قطامش وعمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك في أيام راغب باشا بمغامرة حسين بك الخشاب ثم حصلت أيضا كائنة الخشاب وخروجه ومن معه من مصر وزالت دولة القطامشة والدمايطة والخشابية وعزلوا راغب باشا في اثناء ذلك كما تقدم فعند ذلك انتهت رئاسة مصر وسيادتها للمترجم وقسيمه رضوان كتخدا الجلفي ونفذت كلمتهما وعلت سطوتهما على باقي الأمراء والاختيارية الموجودين بمصر وتقلد المترجم كتخدائية باب مستحفظان ثلاثة أشهر ثم انفصل عنها. وذلك كما يقال لأجل حرمة الوجاق وقلد مملوكية عليا وحسينا صنجقين وكذلك رضوان كتخدا كما سبق وصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق. واشتعل المترجم بالأحكام وقبض الأموال الميرية وصرفها في جهاتها وكذلك العلوفات وغلال الانبار ومهمات الحج والخزينة ولوازم الدولة والولاة وقسيمة رضوان كتخدا مشتغل بلذاته ومنهمك على خلاعاته ولا يتداخل في شيء مما ذكر والمترجم يرسل له الأموال ويوالي بر الجميع ويراعي خواطرهم وينفذ اغراضهم وعبد الرحمن كتخدا مشتغل بالعمائر وفعل الخيرات وبناء المساجد. واستكثر المترجم من شراء المماليك وقلدهم الأمريات والمناصب وقلد إمارة الحج لمملوكه علي بك الكبير وطلع بالحج ورجع سنة 1167. وفي تلك السنة نزل على الحجاج سيل عظيم بمنزلة ظهر حمار فأخذ معظم الحجاج بجمالهم واحمالهم إلى البحر ولم يرجع من الحجاج إلا القليل. ومما يحكى عنه أنه رأى في منامه أن يديه مملوءتان عقارب فقصها على الشيخ الشبراوي فقال: هؤلاء مماليك يكونون مثل العقارب ويسري شرهم وفسادهم لجميع الناس. فان العقرب لدغت النبي صلى

ص: 283

الله عليه وسلم في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله العقرب لا تدع نبيا ولا غيره إلا لدغته" وكذا يكون مماليكك. وكان الأمر كذلك وليس للمرتجم مآثر أخروية ولا افعال خيرية يدخرها ميعاده ويخفف عنه بها ظلم خلقه وعباده بل كان معظم اجتهاده الحرص على الرياسة والامارة وعمر داره التي بخط قوصون بجوار دار رضوان كتخدا والدار التي بباب الخرق وهي دار زوجته بنت البارودي والقصر المنسوب إليها أيضا بمصر القديمة. والقصرالذي عند سبيل قيماز بالعادلية وزوج الكثير من مماليكه نساء الأمراء الذين ماتوا وقتلوا وأسكنهم في بيوتهم وعمل وليمة لمصفي باشا وعزمه في بيته بحارة قوصون في سنة 1166 وقدم له تقادم وهدايا وادرك المترجم من العز والعظمة ونفاذ الكلمة وحسن السياسة واستقرار الأمور ما لم يدركه غيره بمصر ولم يزل في سيادته حتى مات على فرشه في شهر صفر سنة 1168.

ومات بعده رضوان كتخدا الجلفي وهو مملوك علي كتخدا الجلفي تقلد كتخدائية باب عزبان بعد قتل أستاذه بعناية عثمان بك ذي الفقار كما تقدم ولم يزل يراعي لعثمان بك حقه وجميلة حتى اوقع بينهما إبراهيم كتخدا كما تقدم. ولما استقرت الأمور له ولقسيمه ترك له الرياسة في الأحكام واعتكف المترجم على لذاته وفسوقه وخلاعاته ونزهاته وانشأ عدة قصور واماكن بالغ في زخرفتها وتأنيقها وخصوصا داره التي انشأها على بركة الازبكية وأصلها بيت الدادة الشرايبي وهي التي على بابها العامودان الملتفان المعروفة عند أولاد البلد بثلاثة وليه وعقد على مجالسها العالية قبابا عجيبة الصنعة منقوشة بالذهب المحلول واللازورد والزجاج الملون والالوان المفرحة والصنائع الدقيقة ووسع قطعة الخليج بظاهر قنطرة الدكة بحيث جعلها بركة عظيمة وبنى عليها قصرا مطلا عليها وعلى الخليج الناصري من الجهة الأخرى. وكذلك

ص: 284

انشأ في صدر البركة مجلسا خارجا بعضه على عدة قناطر لطيفة وبعضه داخل الغيط المعروف بغيط المعدية وبوسطه بحيرة تمتلىء بالماء من اعلى ويصب منها إلى حوض من اسفل ويجري إلى البستان لسقي الأشجار. وبنى قصرا آخر بداخل البستان مطلا على الخليج وعلى الاعلاق من ظاهره. فكان يتنقل في تلك القصور وخصوصا في أيام النيل ويتجاهر بالمعاصي والراح والوجوه الملاح وتبرج النساء ومخاليع أولاد البلد. وخرجوا عن الحد في تلك الأيام ومنع أصحاب الشرطة من التعرض للناس في أفاعيلهم. فكانت مصر في تلك الأيام مراتع غزلان ومواطن حور وولدان كأنما أهلها خلصوا من الحساب ورفع عنهم التكليف والخطاب. وهو الذي عمر باب القلعة الذي بالرميلة المعروف بباب العزب وعمل حوله هاتين البدنتين العظيمتين والزلاقة على هذه الصورة الموجودة الآن. وقصدته الشعراء ومدحوه بالقصائد والمقامات والتواشيح واعطاهم الجوائز السنية وداعب بعضهم بعضا فكان يغري هذا بهذا ويضحك منهم ويباسطهم واتخذ له جلساء وندماء منهم الشيخ علي جبريل والسيد سليمان والسيد حمودة السديدي والشيخ معروف والشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي صاحب المدامة الارجوانية في المدائح الرضوانية ومحمد افندي المدني. وامتدحه العلامة الشيخ يوسف الحفني بقصائد طنانة وللشيخ عمار القروي فيه مدحا في المترجم ومداعبة للسيد حمودة السديدي المحلاوي. ولم يزل رضوان كتخدا وقسيمة على إمارة مصر ورئاستها حتى مات إبراهيم كتخدا كما تقدم فتداعى بموته ركن المترجم ورفعت النيام رؤوسها وتحركت حفائظها ونفوسها وظهر شان عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وراج سوق نفاقه وأخذ يعضد مماليك إبراهيم كتخدا ويغريهم ويحرضهم على الجلفية لكونهم مواليه. فيخلص له بهم ملك مصر ويظن أنهم يراعون حق ولائه وسيادته جده فكان الأمر

ص: 285

عليه بخلاف ذلك كما ستراه وهم كذلك يظهرون له الانقياد ويرجعون إلى رايه ومشورته ليتم لهم به المراد. وكل من أمراء إبراهيم كتخدا متطلع للرياسة أيضا بالبلدة من الأكابر والاختيارية وأصحاب الوجاهة مثل حسن كتخدا أبي شنب وعلي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا الشعراوي وقرا حسن كتخدا وإسمعيل كتخدا التبانة وعثمان اغا الوكيل وإبراهيم كتخدا مناو وعلي اغا توكلي وعمر اغا متفرقة وعمر افندي محرم اختيار جاويشان وخليل جاويش حيضان مصلي وخليل جاويش القازدغلي وبيت الهياتم وإبراهيم اغا بن الساعي وبيت درب الشمسي وعمر جاويش الداودية ومصطفى افندي الشريف اختيارية متفرقة وبيت بلغيه وبيت قصبة رضوان وبيت الفلاح وهم كثيرون اختيارية وأوده باشيه ومنهم أحمد كتخدا وإسمعيل كتخدا وعلي كتخدا وذو الفقار جاويش وإسمعيل جاويش وغيرهم فأخذ اتباع إبراهيم كتخدا يدبرون في اغتيال رضوان كتخدا وازالته وسعت فيهم عقارب الفتن فتنبه رضوان كتخدا لذلك فاتفق مع اغراضه وملك القلعة ولابواب والمحمودية وجامع السلطان حسن واجمع إليه جمع كثير من أمرائه وغيرهم ومن انضم إليهم وكاد يتم له الأمر فسعى عبد الرحمن كتخدا ولاختيارية في اجراء الصلح وطلع بعضهم إلى رضوان نصحهم لأنه كان سليم الصدر ففرق الجمع ونزل إلى بيته الذي بقوصون فاغتنموا عند ذلك الفرصة وبيتوا أمرهم ليلا وملكوا القلعة والابواب والجهات والمترجم في غفلته أمن في بيته مطمئن من قبلهم ولا يدري ما خبىء له فلم يشعر إلا وهم يضربون عليه بالمدافع وكان المزين يحلق له رأسه فسقطت على داره الحلل فأمر بالاستعداد وطلب من يركن إليهم فلم يجد أحدا وجدهم قد أخذوا حوله الطرق والنواحي فحارب فيهم إلى قريب الظهر وخامر عليه اتباعه فضربه مملوكه صالح الصغير برصاصة من خلف الباب الموصل

ص: 286

لبيت الراحة فاصابته في ساقه وهرب مملوكه إلى الاخصام وكانوا وعدوه بأمرية أن هو قتل سيده. فلما حضر إليهم وأخبهم بما فعل أمر علي بك بقتله. ثم أمر رضوان بك بالخيول وركب في خاصته وخرج من نقب نقبه في ظهر البيت وتألم من الضربة لأنها كسرت عظم ساقه فسار إلى جهة البساتين وهو لا يصدق بالنجاة فلم يتبعه أحد ونهبوا داره ثم ركب وسار إلى جهة الصعيد فمات بشرق أولاد يحيى ودفن هناك. فكانت مدته بعد قسيمه قريبا من ستة أشهر. ولما مات تفرقت صناجقه ومماليكه في البلاد وسافر بعضهم إلى الحجاز من ناحية القصير ثم ذهبوا من الحجاز إلى بغداد واستوطنوها وتناسلوا وماتوا وانقضت دولتهما. فكانت مدتهما نحو سبع سنوات ومصر في تلك المدة هادية من الفتن والشرور والاقليم البحري والقبلي أمن وأمان والأسعار رخية والأحوال مرضية واللحم الضاني المجروم من عظمه رطله بنصفين والجاموسي بنصف والسمن البقري عشرته باربعين نصف فضة اللبن الحليب عشرته باربعة انصاف والرطل الصابون بخمسة انصاف والسكر المنعاد كذلك والمكرر قنطاره بالف نصف والعسل القطر قنطاره بمائة وعشرين نصفا وأقل والرطل البن القهوة باثني عشر نصفا والتمر يجلب من الصعيد في المراكب الكبار ويصب على ساحل بولاق مثل عرم الغلال ويباع بالكيل والارداب والارز اردبه باربعمائة نصف والعسل النحل قنطاره بخمسمائة نصف وشمع العسل رطله بخمسة وعشرين نصفا وشمع الدهن باربعة انصاف والفحم قنطاره باربعين نصفا والبصل قنطاره بسبعة انصاف وفسر على ذلك. يقول جامعة إني ادركت بقايا تلك الأيام وذلك أن مولدي كان في سنة 1167 ولما صرت في سن التمييز رأيت الأشياء على ما ذكر إلا قليلا وكنت اسمع الناس يقولون الشيء الفلاني زاد سعره عما كان في سنة كذا وذلك في مبادىء دولة إبراهيم كتخدا

ص: 287

وحدوث الاختلال في الأمور وكانت مصر إذ ذاك محاسنها باهرة وفضائلها ظاهرة ولاعدائها قاهرة يعيش رغدا بها الفقير وتتسع للجليل والحقير وكان لأهل مصر سنن وطرائق في مكارم الاخلاق لا توجد في غيرهم. أن في كل بيت من بيوت جميع الأعيان مطبخين أحدهما أسفل رجالي والثاني في الحريم. فيوضع في بيوت الأعيان السماط في وقتي العشاء والغداء مستطيلا في المكان الخارج مبذولا للناس ويجلس يصدره أمير المجلس وحوله الضيفان ومن دونهم مماليكه واتباعه. ويقف الفراشون في وسطه يفرقون على الجالسين ويقربون إليهم ما بعد عنهم من القلايا والمحمرات ولا يمنعون في وقت الطعام من يريد الدخول أصلا ويرون أن ذلك من المعايب حتى أن بعض ذوي الحاجات عند الأمراء إذا حجبهم الخدام انتظروا وقت الطعام ودخلوا فلا يمنعهم الخدم في ذلك الوقت فيدخل صاحب الحاجة ويأكل وينال غرضه من مخاطبة الأمير لأنه إذا نظر على سماطه شخصا لم يكن رآه قبل ذلك ولم يذهب بعد الطعام عرف أن له حاجة. فيطلبه ويسأله عن حاجته فيقضيها له وإن كان محتاجا واساه بشيء. ولهم عادات وصدقات في أيام المواسم مثل أيام أول رجب والمعراج ونصف شعبان وليالي رمضان والأعياد وعاشوراء والمولد الشريف يطبخون فيها الأرز باللبن والزردة ويملأون من ذلك قصاعا كثيرة ويفرقون منها على من يعرفونه من المحتاجين. ويجتمع في كل بيت الكثير من الفقراء فيفرقون عليهم الخبز ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزردة. ويعطونهم بعد ذلك دراهم ولهم غير ذلك صدقات وصلات لمن يلوذ فيهم ويعرفون منه الاحتجاج وذلك خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشو بالسكر والعجمية والشريك على المدافن والترب في الجمع والمواسم. وكذلك أهل القرى والارياف فيهم من مكارم الاخلاق مالا يوجد في غيرهم

ص: 288

من أهل قرى الأقاليم. فان أقل ما فيهم إذا نزل به ضيف ولو لم يعرفه اجتهد وبادر بقراه في الحال وبذل وسعة في أكرامه وذبح له ذبيحة في العشاء وذلك ما عدا مشايخ البلاد والمشاهير من كبار العرب والمقادم فإن لهم مضايف واستعدادات للضيوف ومن ينزل عليهم من السفار والاجناد. ولهم مساميح واطيان في نظير ذلك خلفا عن سلف إلى غير ذلك مما يطول شرحه ويعسر استقصاؤه. ويموت رضوان كتخدا لم يقم لوجاق العزب صوله.

ومات الأجل المكرم والملاذ المفخم الخواجا الحاج أحمد بن محمد الشرايبي وكان من أعيان التجار المشتهرين كاسلافه وبيتهم المشهور بالازبكية بيت المجد والفخر والعز ومماليكهم وأولاد مماليكهم من اعيان مصر جربجية وامراء ومنهم يوسف بك الشرايبي. وكانوا في غاية من الغنى والرفاهية والنظام ومكارم الاخلاق والاحسان للخاص والعام ويتردد إلى منزلهم العلماء والفضلاء ومجالسهم مشحونة بكتب العلم النفيسة للاعارة والتغيير وانتفاع الطلبة ولا يكتبون عليها وقفية ولا يدخلونها في مواريثهم. ويرغبون فيها ويشترونها باغلى ثمن ويضعونها على الرفوف والخزائن والخورنقات وفي مجالسهم جميعا. فكل من دخل إلى بيتهم من أهل العلم إلى أي مكان يقصد الاعارة أو المراجعة وجد بغيته ومطلوبه في أي علم كان من العلوم ولو لم يكن الطالب معروفا ولا يمنعون من يأخذ الكتاب بتمامه فإن رده في مكانه رده وإن لم يرده واختص به أو باعه لا يسأل عنه وربما بيع الكتاب عليهم واشتروه مرارا ويعتذرون عن الجاني بضرورة الاحتياج وخبزهم وطعامهم مشهور بغاية الجودة والاتقان والكثرة وهو مبذول للقاصي والداني مع السعة والاستعداد وجميعهم مالكيو المذهب على طريقة اسلافهم واخلاقهم جميلة وأوضاعهم منزهة عن كل نقص ورذيلة. ومن

ص: 289

أوضاعهم وطرائقهم أنهم لا يتزوجون الأمن بعضهم البعض ولا تخرج من بيتهم امرأة إلا للمقبرة فإذا عملوا عرسا أولموا الولائم واطعموا الفقراء والقراء على نسق اعتادوه وتنزل العروس من حريم ابيها إلى مكان زوجها بالنساء الخلص والمغاني والجنك تزفها ليلا بالشموع وباب البيت مغلوق عليهن وذلك عندما يكون الرجال في صلاة العشاء بالمسجد الازبكي المقابل لسكنهم وبيتهم يشتمل على اثني عشر مسكنا كل مسكن بيت متسع على حدته. وكان الأمراء بمصر يترددون إليهم كثيرا من غير سبق دعوة وكان رضوان كتخدا يتفسح عند المترجم في كثير من الأوقات مع الكمال والاحتشام ولا يصحبة في ذلك المجلس إلا اللطفاء من ندمائه وإذا قصده الشعراء بمدح لا يأتونه في الغالب إلا في مجلسه لينالوا فضيلتين ويحرزوا جائزتين. وكان من سنتهم أنهم يجعلون عليهم كبيرا منهم وتحت يده الكاتب والمستوفي والجابي فيجمع لديه جميع الايراد من الالتزام والعقار والجامكية ويسدد الميري ويصرف لكل إنسان راتبه على قدر حاله وقانون استحقاقه. وكذلك لوازم الكساوي للرجال والنساء في الشتاء والصيف ومصروف الجيب في كل شهر وعند تمام السنة يعمل الحساب ويجمع ما فضل عنده من المال ويقسمه على كل فرد بقدر استحقاقه وطبقته. واستمروا على هذا الرسم والترتيب مدة مديدة فلما مات كبارهم وقع بينهم الاختلاف واقتسوا الايراد واختص كل فرد منهم بنصيبه يفعل به ما يشتهي. وتفرق الجمع وقلت البركة وانعزل المحبون وصار كل حزب بما لديهم فرحون وكان مسك ختامهم صديقنا واخانا في الله اللوذعي الاريب والنادرة المفرد النجيب سيدي إبراهيم بن محمد بن الدادة الشرايبي الغزالي. كان رحمه الله تعالى ملكي الصفات بسام الثنايات عذب المورد رحيب النادي واسع الصدر للحاضر والبادي قطعنا معه اوقاتا كانت لعين الدهر قرة وعلى

ص: 290

مكتوب العمر عنوان المسرة. وما زال يشتري متاع الحياة بجوهر عمره النفيس مواظبا على مذاكرة العلم وحضور التدريس حتى كدر الموت ورده وبدد الحسود بنوائبه عقده كما يأتي تتمة ذلك في سنة وفاته وانمحت بموته من بيتهم المآثر وتبدد بقية عقدهم المتناثر.

ومات أحمد جلبي ابن الأمير علي والأمير عثمان وتزوج مماليك القازدغلية نساءهم وسكنوا في بيتهم. ومنهم سليمان اغا صالح وتقلد الزعامة وصار بيتهم بيت الوالي وتوفي سنة 1171.

وفاة السلطان محمود خان وتولية السلطان عثمان.

ومات سلطان الزمان السلطان محمود خان العثماني وكانت مدته نيفا وعشرين سنة وهو آخر بني عثمان في حسن السيرة والشهامة والحرمة واستقامة الأحوال والمآثر الحسنة توفي ثامن صفر سنة 1168.

وتولى السلطان عثمان بن أحمد أصلح الله شأنه.

ومات النبيه النبيل والفقيه الجليل والسيد الأصيل السيد محمد المدعو حمودة السديدي أحد ندماء الأمير رضوان كتخدا ولد بالمحلة الكبرى وبها نشأ وحفظ القرآن واشتغل بطلب العلم فحصل مأموله في الفقه والمعقول والمعاني والبيان والعروض وعانى نظم الشعر وكان جيد القريحة حسن السليقة في النظم والنثر والانشاء وحضر إلى مصر وأخذ عن علمائها واجتمع بالأمير رضوان كتخدا عزبان الجلفي المشار إليه وصار من خاصة ندمائه وامتدحه بقصائد كثيرة طنانة وموشحات ومزدوجة بديعة والمقامة التي داعب بها الشيخ عمار القروي وأرادفها بقصيدة رائية بليغة في هجو المذور سامحهما الله. وكل ذلك مذكور في الفوائح الجنائية لجامعه الشيخ عبد الله الادكاوي. حج رحمه الله ومات وهو آريب باجرود سنة 1163.

ص: 291

ومات الأجل المكرم محمد جلبي ابن إبراهيم جربجي الصابونجي مقتولا وخبره أنه لما توفي ابوه وأخذ بلاده وبيتهم تجاه العتبة الزرقاء على بركة الازبكية فتوفى أيضا عثمان جربجي الصابونجي بمنفلوط وذلك سنة 1147 ومات غيره كذلك من معاتيقهم وكان محمد جربجي مثل والده بالباب ويلتجيء إلى يوسف كتخدا البركاوي فلما مات البركاوي خاف من علي كتخدا الجلفي فالتجأ إلى عبد الله كتخدا القازدغلي وعمل ينكجري فاراد أن يقلده اوده باشه ويلبسه الضلمة فقصد السفر إلى الوجه القبلي وذلك في سنة أربع وخمسين فسافر واستولى على بلاد عثمان جربجي ومعاتيقه وقام هناك وكان رذلا نجيلا طماعا شرها في الدنيا وكان مماليكه يهربون منه وكانت اخته زوجا لعمر أغا خازندار أبيه ولم يفتقدها بشيء.

ولما مات إبراهيم كتخدا الجلفي القازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي بدأ أمر اتباع إبراهيم كتخدا في الظهور وكان المتعين بالإمارة منهم عثمان بك الجرجاوي وعلي بك الذي عرف بالغزاوي وحسين بك الذي عرف بكشكش وهؤلاء الثلاثة تقلدوا الصنجقية والامارة في حياة أستاذهم. والذي تقلد الإمارة منهم بعد موته حسين بك الذي عرف بالصابونجي وعلي بك بلوط قبان وخليل بك الكبير. وأما من تأمر منهم بعد قتل حسين بك الصابونجي فهم حسن بك جوجه وإسمعيل بك أبو مدفع. واما من تأمر بعد ذلك بعناية علي بك بلوط قبان عندما ظهر أمره فهو إسمعيل بك الاخير الذي تزوج ببنت أستاذه وكان خازنداره وعلي بك السروجي. فلما استقر أمرهم بعد خروج رضوان كتخدا وزوال دولة الجلفية تعين بالرياسة منهم على اقرانه عثمان بك الجرجاوي فسار سيرا عنيفا من غير تدبر وناكد زوجة سيدة بنت البارودي وصادرها في بعض تعلقاتها.

ص: 292

فشكت امرها إلى كبار الاختيارية فخاطبوه في شأنها وكلمه حسن كتخدا أبو شنب فرد عليه ردا قبيحا فتحزبوا عليه ونزعوه من الرياسة وقدموا حسين بك الصابونجي وجعلوه شيخ البلد. ولم يزل حتى حقد عليه خشداشينه وقتلوه.

وخبر موت حسين بك المذكور أنه لما مات إبراهيم كتخدا قلدوا المذكور إمارة الحج وطلع سنة 1169 وسنة 1170 ثم تعين بالرياسة وصار هو كبير القوم والمشار إليه وكان كريما جوادا وجيها وكان يميل بطبعه إلى نصف حرام لأن أصله من مماليك الصابونجي فهرب من بيته وهو صغير وذهب إلى إبراهيم جاويش فاشتراه من الصابونجي ورباه ورقاه ثم زوجه بزوجة محمد جربجي ابن إبراهيم الصابونجي وسكن بيتهم وعمره ووسعه وانشأ فيه قاعة عظيمة فلذلك اشتهر بالصابونجي. ولما رجع من الحجاز قلد عبد الرحمن اغا اغاوية مستحفظان وهو عبد الرحمن اغا المشهور في شهر شعبان من سنة 1171 وطلع بالحج في تلك السنة محمد بك بن الدالي ورجع في سنة 1172 ثم أن المترجم اخرج خشداشة علي بك المعروف ببلوط قبان ونفاه إلى بلده النوسات واخرج خشداشة أيضا عثمان بك الجرجاوي منفيا إلى اسيوط واراد نفي علي بك الغزاوي وأخرجه إلى جهة العادلية فسعى فيه الاختيارية بواسطة نسيبه علي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا أبي شنب فالزمه أن يقيم بمنزل صهره علي كتخدا المذكور ببركة الرطلي ولا يخرج من البيت ولا يجتمع باحد من أقرانه وأرسل إلى خشداشة حسين بك المعروف بكشكش فاحضره من جرجا وكان حاكما بالولاية فأمره بالاقامة في قصر العيني ولا يدخل إلى المدينة. ثم أرسل إليه يأمره بالسفر إلى جهة البحيرة وأحضروا إليه المراكب التي يسافر فيها ويريد بذلك تفرق خشداشينه في الجهات ثم يرسل إليهم ويقتلهم لينفرد بالأمر والرياسة ويستقل بملك مصر ويظهر

ص: 293

دولة نصف حرام وهو غرضه الباطني. وضم إليه جماعة من خشداشينه وتوافقوا معه على مقصد ظاهرا وهم حسن كاشف جوجه وقاسم كاشف وخليل كاشف جرجي وعلي اغا المنجي وإسمعيل كاشف أبو مدفع وآخر يسمى حسن كاشف. وكانوا من اخصائه وملازميه فاشتغل معهم حسين بك كشكش واستمالهم سرا واتفق معهم على اغتياله فحضروا عنده في يوم الجمعة على جري عادتهم وركبوا صحبته إلى القرافة فزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم رجع صحبتهم إلى مصر القديمة فنزلوا بقصر الوكيل وباتوا صحبته في انس وضحك. وفي الصباح حضر إليهم الفطور فأكلوه وشربوا القهوة وخرج المماليك ليأكلوا الفطور مع بعضهم وبقي هو مع الجماعة وحده وكانوا طلبوا منه انعاما فكتب إلى كل واحد منهم وصولا بالف ريال وألف اردب قمح وغلال ووضعوا الأوراق في جيوبهم ثم سحبوا عليه السلاح وقتلوه وقطعوه قطعا ونزلوا من القصر واغلقوه على المماليك والطائفة من خارج. وركب حسن كاشف جوجه ركوبة حسين بك وكان موعدهم مع حسين بك كشكش عند المجراة فإنه لما أحضروا له مراكب السفر تلكأ في النزول وكلما أرسل إليه حسين بك يستعجله بالسفر يحتج بسكون الريح أو ينزل بالمراكب ويعدي إلى البر الآخر ويوهم أنه مسافر ثم يرجع ليلا ويتعلل بقضاء اشغاله. واستمر على ذلك الحال ثلاثة أيام حتى تمم اغراضه وشغله مع الجماعة ووعدهم بالأمريات. واتفق معهم أنه ينتظرهم عند المجراة وهم يركبون مع حسين بك ويقتلونه في الطريق أن لم يتمكنوا من قتله بالقصر. فقدر الله أنهم قتلوه وركبوا حتى وصلوا إلى حسين بك كشكش فاخبروه بتمام الأمر فركب معهم ودخلوا إلى مصر وذهب كشكش إلى بيت حسين بك بالداودية وملكه بما فيه وأرسل باحضار خشداشيه المنفيين. وعندما وصل الخبر إلى علي بك الغزاوي ببركة الرطلي ركب في الحال مع القاتلين وطلعوا إلى القلعة.

ص: 294

وأخذوا في طريقهم أكابر الوجاقلية ومنهم حسن كتخدا أبو شنب وهو من اغراض حسين بك المقتول وكان مريضا بالآكلة في فمه. فلما دخلوا إليه وطلبوه نزل إليهم من الحريم فاخبروه بقتلهم حسين بك فطلبوه للركوب معهم فاعتذر بالمرض فلم يقبلوا عذره فتطيلس وركب معهم إلى القلعة وولوا علي بك كبير البلد عوضا عن حسين بك المقتول وكان قتله في شهر صفر سنة 1171 ثم أن مماليكه وضعوا اعضاءه في خرج وحملوه على هجين ودخلوا به إلى المدينة فادخلوه إلى بيت الشيخ الشبراوي بالرويعي فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة. وسكن علي بك المذكور بيت حسين بك الصابونجي الذي بالازبكية واحضروا علي بك من النوسات وعثمان بك الجرجاوي من اسيوط وقلدوا خليل كاشف صنجقية وإسمعيل أبو مدفع كذلك وقاسم كاشف قلدوه الزعامة ثم قلدوا بعد أشهر حسن كاشف المعروف بجوجه صنجقية ايما وكان ذلك في ولاية علي باشا ابن الحكيم الثانية فكان حال حسين بك المقتول مع قاتليه كما قال الشاعر:

واخوان تخذتهمو دروعا

فكانوها ولكن للاعادي

وخلتهمو سهاما صائبات

فكانوها ولكن في فؤادي

واما من مات في هذا التاريخ من الأعيان خلاف حسين بك المذكور فالشيخ الإمام الفقيه المحدث الأصولي المتكلم الماهر الشاعر الأديب عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوي الشافعي ولد تقريبا في سنة 1092 وهو من بيت العلم والجلالة فجده عامر بن شرف الدين ترجمه الاميني في الخلاصة ووصفه بالحفظ والذكاء فأول من شملته إجازته سيدي محمد بن عبد الله الخرشي وعمره إذ ذاك نحو ثمان سنوات وذلك في سنة 1100 وتوفي الشيخ الخرشي المالكي في سابع عشرين الحجة سنة 1101 وتولى بعده مشيخة الأزهر الشيخ محمد النشرتي

ص: 295

المالكي وتوفي في ثامن عشري الحجة سنة 1120 ووقع بعد موته فتنة بالجامع الأزهر بسبب المشيخة والتدريس بالاقبغاوية وافترق المجاورون فرقتين تريد الشيخ أحمد النفراوي والاخرى تريد الشيخ عبد الباقي القليني ولم يكن حاضرا بمصر فتعصب له جماعة النشرتي وأرسلوا يستعجلونه للحضور فقبل حضوره تصدر الشيخ أحمد النفراوي وحضر للدتريس بالاقبغاوية فمنعه القاطنون بها وحضر القليني فانضم إليه جماعة النشرتي وتعصبوا له فحضر جماعة النفراوي إلى الجامع ليلا ومعهم بنادق واسلحة وضربوا بالبنادق في الجامع واخرجوا جماعة القليني وكسروا باب الاقبغاوية واجلسوا النفراوي مكان النشرتي. فاجتمعت جماعة القليني في يومها بعد العصر وكبسوا الجامع وقفلوا أبوابه وتضاربوا مع جماعة النفراوي فقتلوا منهم نحو العشرة انفار وانجرح بينهم جرحى كثيرة وانتهبت الخزائن وتكسرت القناديل. وحضر الوالي فاخرج القتلى وتفرق المجاورون ولم يبق بالجامع أحد. ولم يصل فيه ذلك اليوم وفي ثاني يوم طلع الشيخ أحمد النفراوي إلى الديوان ومعه حجة الكشف على المقتولين فلم يلتفت الباشا إلى دعواه لعلمه بتعديه وأمره بلزوم بيته وأمر بنفي الشيخ محمد شنن إلى بلده الجدية وقبضوا على من كان بصحبته وحبسوهم في العرقانة وكانوا اثنى عشر رجلا. واستقر القليني في المشيخة والتدريس. ولما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن وكان النفراوي قد مات. ولما مات الشيخ شنن تقلد المشيخة الشيخ إبراهيم ابن موسى الفيومي المالكي. ولما مات في سنة سبع وثلاثين انتقلت المشيخة إلى الشافعية فتولاها الشيخ عبد الله السبراوي المترجم المذكور في حياة كبار العلماء بعد أن تمكن وحضر الأشياخ كالشيخ خليل بن إبراهيم اللقاني والشهاب الخليفي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ أحمد النفراوي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ

ص: 296

محمد المغربي والشيخ عيد النمرسي. وسمع الأولية وأوائل الكتب من الشيخ عبد الله بن سالم البصري أيام حجه ولم يزل يترقى في الأحوال والاطوار ويفيد ويملي ويدرس حتى صار اعظم الاعاظم ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء ونفذت كلمته وقبلت شفاعته وصار لأهل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام واقبلت عليه الأمراء وهادوه بانفس ما عندهم وعمر دارا عظيمة على بركة الازبكية بالقرب من الرويعي وكذلك ولده سيدي عامر عمر دارا تجاه دار أبيه وصرف عليها أموالا جمة. وكان يقتني الظرائف والتحائف من كل شيء والكتب المكلفة النفسية بالخط الحسن وكان راتب مطبخ ولده سيدي عامر في كل يوم من اللحم الضاني راسين من الغنم السمان يذبحان في بيته وكان طلبة العلم في أيام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي في غاية الأدب والاحترام. ومن آثاره كتاب مفائح الالطاف في مدائح الأشراف وشرح الصدر في غزوة بدر الفها باشارة علي باشا ابن الحكيم وذكر في اخرها نبذة من التاريخ وولاة مصر إلى وقت صاحب الأشارة. وله ديوان يحتوي على غزليات واشعار ومقاطيع مشهور بايدي الناس وغير ذلك كثير توفي في صبيحة يوم الخميس سادس ذي الحجة ختام سنة 1171 وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل عن ثمانين سنة تقريبا.

ومات الشيخ الإمام الاحق بالتقديم الفقيه المحدث الورع الشيخ حسن ابن علي بن أحمد بن عبد الله الشافعي الأزهري المنطاوي الشهير بالمدابغي أخذ العلوم عن الشيخ منصور المنوفي وعمر بن عبد السلام التطاوني والشيخ عيد النمرسي والشيخ محمد بن أحمد الوزازي ومحمد بن سعيد التنبكتي وغيرهم خدم العلم ودرس بالجامع الأزهر وافتى وألف واجاد منها حاشيته على شرح الخطيب على أبي شجاع نافعة للطلبة وثلاثة شروح

ص: 297

على الآجرومية وشرح الصيغة الأحمدية وشرح الدلائل وشرح على حزب البحر وشرح حزب النووي شرحا لطيفا. واختصر شرح الحزب الكبير للبناني ورسالة في القراءات العشر واخرى في فضائل ليلة القدر واخرى في المولد الشريف وحاشيته على جمع الجوامع المشهورة وحاشيته على شرح الأربعين لابن حجر واختصر سيرة ابن الميت وحاشية التحرير وحاشية علي الأشموني وشرح قصيدة المقري التي أولها سبحان من قسم الحظوظ وحاشية على الشيخ خالد وغير ذلك.

ومات العلامة القدوة شمس الدين محمد بن الطيب بن محمد الشرفي الفاسي ولد بفاس سنة 1110 واستجاز له والده من أبي الأسرار حسن ابن علي العجمي من مكة المشرفة وعمره إذ ذاك ثلاث سنوات فدخل في عموم اجازته وتوفي بالمدينة المنورة سنة 1170 وتاريخه مغلق عن ستين عاما رحمه الله تعالى. ومات الشيخ داود بن سليمان بن أحمد بن محمد بن عمر بن عامر بن خضر الشرنوبي البرهاني المالكي الخربتاوي ولد سنة 1080 وحضر على كبار أهل العصر كالشيخ محمد الزرقاني والخرشي وطبقتهما وعاش حتى الحق الاحفاد بالاجداد وكان شيخا معمرا مسندا له عناية بالحديث. توفي في جمادى الثانية سنة 1170.

ومات الشيخ القطب الصالح العارف الواصل الشيخ محمد بن علي الجزائي القاسمي الشهير بكشك ورد مصر صغيرا وبها نشأ وحج وأخذ الطريقة عن سيدي أحمد السوسي تلميذ سيدي قاسم وجعله خليفة القاسمية بمصر فلو حظ بالانوار والاسرار ثم دخل المغرب ليزور شيخه فوجده قد مات قبل وصوله بثلاثة أيام واخبره تلامذة الشيخ أن الشيخ اخبر بوصول المترجم وأودع له امانة فأخذها ورجع إلى مصر وجلس للارشاد وأخذ العهود ويقال أنه تولى القبطانية توفي سنة 1170.

ص: 298

ومات الشيخ الفاضل العلامة محمد بن أحمد الحنفي الأزهري الشهير بالصائم تفقه على سيدي علي العقدي والشيخ سليمان المنصوري والسيد محمد أبي السعود وغيرهم وبرع في معرفة فروع المذهب ودرس بالأزهر وبمسجد الحنفي ومسجد محرم في أنواع الفنون ولازم الشيخ العقيقي كثيرا ثم اجتمع بالشيخ أحمد العريان وتجرد للذكر والسلوك وترك علائق الدنيا ولبس زي الفقراء ثم باع ما ملكت يداه وتوجه إلى السويس فركب في سفينة فانكسرت فخرج مجردا يساتر العورة. ومال إلى بعض خباء الاعراب فاكرمته امرأة منهم وجلس عندها مدة يخدمها ثم وصل إلى الينبع على هيئة رثة وأوى إلى جامعها. واتفق له أنه صعد ليلة من الليالي على المنارة وسبح على طريقة المصريين فسمعه الوزير إذ كان منزله قريبا من هناك فلما أصبح طلبه وسأله فلم يظهر حاله سوى أنه من الفقراء فانعم عليه ببعض ملابس وأمره أن يحضر إلى داره كل يوم للطعام ومضت على ذلك برهة إلى أن اتفق موت بعض مشايخ العربان وتشاجر أولاده بسبب قسمة التركة فاتوا إلى الينبع يستفتون فلم يكن هناك من يفك المشكل فراى الوزير أن يكتب السؤال ويرسله مع الهجان باجرة معينة إلى مكة يستفتي العلماء فاستقل الهجان الأجرة ونكص عن السفر ووقع التشاجر في دفع الزيادة للهجان وامتنع أكثرهم ووقعوا في الحيرة. فلما رأى المترجم ذلك طلب الدواة والقلم وذهب إلى خلوة له بالمسجد فكتب الجواب مفصلا بنصوص المذهب وختم عليها وناوله للوزير فلما قرأ تعجب وأكرمه الوزير واجله ورفع منزلته وعين له من المال والكسوة وصار يقرأ دروس الفقه والحديث هناك حتى اشتهر امره واقبلت عليه الدنيا. فلما امتلأ كيسه وانجلى بؤسه وقرب ورود الركب المصري رأى الوزير تفلته من يده فقيد عليه ثم لما لم يجد بدا عاهده على أنه يحج ويعود إليه فوصل مع الركب إلى مكة وأكرم وعاد إلى

ص: 299

مصر ولم يزل على حالة مستقيمة حتى توفي عن فالج فيه جلس فيه شهورا في سنة 1170 وهو منسوب إلى سفط الصائم أحدى قرى مصر من اعمال الفشن بالصعيد الأدنى ولم يخلف في فضائله مثله رحمه الله.

ومات الإمام الأديب الماهر المتفنن اعجوبة الزمان علي بن تاج الدين محمد ابن عبد المحسن بن محمد بن سالم القلعي الحنفي المكي ولد بمكة وتربى في حجر أبيه في غاية العز والسيادة والسعادة وقرأ عليه وعلى غيره من فضلاء مكة وأخذ عن الورادين إليها ومال إلى فن الأدب وغاص في بحره فاستخرج منه الل إلىء والجواهر وطارح الأدباء في المحاضر فبان فضله وبهر برهانه ورحل إلى الشام في سنة 1142 واجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي فأخذ عنه وتوجه إلى الروم وعاد إلى مكة وقدم إلى مصر سنة ستين ثم غاب عنها نحو عشر سنين ثم ورد عليها وحينئذ كمل شرحه على بديعيته وعلى بديعيتين لشيخه الشيخ عبد الغني وغيره ممن تقدم وهي عشر بديعيات وشرحه على بديعيته ثلاث مجلدات قرظ عليه غالب فضلاء مصر كالشبراوي والادكاوي والمرحومي ومن أهل الحجاز الشيخ إبراهيم المنوفي وكان للمترجم بالوزير المرحوم علي باشا ابن الحكيم التئام زائد لكونه له قوة يد ومعرفة في علم الرمل وكان في أول اجتماعه به في الروم اخبره بامور فوقعت كما ذكر فازداد عنده مهابة وقبولا. ولما تولى المذكور ثاني توليته وهي سنة سبعين قدم إليه من مكة من طريق البحر فأغدق عليه ما لا يوصف ونزل في منزل بالقرب من جامع ازبك بخط الصليبة وصار يركب في موكب حافل تقليدا للوزير. ورتب في بيته كتخدا وخازندار والمصرف والحاجب على عادة الأمراء وكان فيه الكرم المفرط والحياء والمروءة وسعة الصدر في اجازة الوافدين مالا وشعرا. ومدحه شعراء عصره بمدائح جليلة منهم الشيخ عبد الله الادكاوي له فيه عدة قصائد وجوزي بجوائز سنية. ولما عزل مخدومه

ص: 300

توجه معه إلى الروم فلما ولى الختام ثانيا زاد المترجم عنده ابهة حتى صار في سدة السلطنة أحد الأعيان المشار إليهم واتخذ دارا واسعة فيها أربعون قصرا ووضع في كل قصر جارية بلوازمها. ولما عزل الوزير ونفي إلى أحدى مدن الروم سلب المترجم جميع ما كان بيده ونفي إلى الأسكندرية. فمكث هناك حتى مات في سنة 1172 شهيدا غريبا ولم يخلف بعده مثله. وله ديوان شعر ورسائل منها تكميل الفضل بعلم الرمل ومتن البديعية سماه الفرج في مدح عالي الدرج أقترح فيها بانواع منها وسع الاطلاع والتطريز والرث والاعتراف والعود والتعجيب والترهيب والتعريض وأمثلة ذلك كله موضحة في شرحه على البديعية. ولما تغيرت دولة مخدومه وتغير وجه الزمان عاد روض انسه ذابل الافنان ذا احزان واشجان لم يطب له المكان ودخل اسم عزه في خبر كان وتوفي في نحو هذا التاريخ.

ومات العمدة الأجل النبيه الفصيح المفوه الشيخ يوسف بن عبد الوهاب الدلجي وهو اخو الشيخ محمد الدلجي كلاهما ابنا خال المرحوم الوالد وكان إنسانا حسنا ذا ثروة وحسن عشرة وكان من جملة جلساء الأمير عثمان بك ذي الفقار ولديه فضيلة ومناسبات ويحفظ كثيرا من النوادر والشواهد وكان منزله المشرف على النيل ببولاق مأوى اللطفاء والظرفاء ويقتني السراري والجواري توفي سنة 1171 عن ولديه حسين وقاسم وابنة اسمها فاطمة موجودة في الاحياء إلى الآن.

ومات الشيخ النبيه الصالح علي بن خضر بن أحمد العمروسي المالكي أخذ عن السيد محمد السلموني والشهاب النفراوي والشيخ محمد الزرقاني ودرس بالجامع الأزهر وانتفع به الطلبة واختصر المختصر الخليلي في نحو الرابع ثم شرحه وكان إنسانا حسنا منجمعا عن الناس مقبلا على شأنه توفي سنة 1173.

ص: 301

ومات الأستاذ المبجل ذو المناقب الحميدة السيد شمس الدين محمد أبو الأشراق بن وفي وهو ابن أخي الشيخ عبد الخالق ولما توفي عمه في سنة 1161 خلفه في المشيخة والتكلم وكان ذا ابهة ووقار محتشما سليم الصدر كريم النفس بشوشا. توفي سادس جمادى الأولى سنة 1171 وصلي عليه بالأزهر وحمل إلى الزاوية فدفن عند عمه وقام بعده في الخلافة الأستاذ مجد الدين محمد أبو هادي ابن وفي رضي الله عنهم اجمعين.

ومات الإمام العلامة الفريد الفقيه الفرضي الحيسوبي الشيخ حسين المحلي الشافعي كان وححيد دهرة وفريد عصره فقها وأصولا ومعقولا جيد الأستحضار والحفظ للفروع الفقيه. واما في علم الحساب الهوائي والغباري والفرائض وشباك ابن الهائم والجبر والمقابلة والمساحة وحل الأعداد فكان بحرا لا تشبهه البحار ولا يدرك له قرار وله في ذلك عدة تآليف ومنها شرح السخاوية وشرح النزهة والقلصاوي وكان يكتب تآليفه بخطه ويبيعها لمن يرغب فيها ويأخذ من الطالبين أجرة على تعليمهم فإذا جاء من يريد التعلم وطلب أن يقرأ عليه الكتاب الفلاني تعزز عليه وتمنع ويساومه على ذلك بعد جهد عظيم وكان له حانوت بجوار باب الأزهر يتكسب فيه ببيع المناكيب لمعرفة الأوقات والكتب وتسفيرها. والف كتابا حافلا في الفروع الفقيهة على مذهب الإمام الشافعي وهو كتاب ضخم في مجلدين معتبر مشهور معتمد الأقوال في الافتاء وله غير ذلك كثير. وبالجملة فكان طودا راسخا تلقى عنه كثير من اشياخ العصر ومنهم شيخنا الشيخ محمد الشافعي الجناحي المالكي وغيره. توفي سنة 1170.

ومات الشيخ الإمام المعمر القطب أحد مشايخ الطريق صاحب الكرامات الظاهرة والانوار الساطعة الباهرة عبد الوهاب بن عبد السلام بن أحمد

ص: 302

ابن حجازي بن عبد القادر بن أبي العباس بن مدين بن أبي العباس بن عبد القادر بن أبي العباس بن شعيب بن محمد بن القطب سيدي عمر الرزوقي العفيفي المالكي البرهاني يتصل نسبة إلى القطب الكبير سيدي مرزوق الكفافي المشهور ولد المترجم بمنية عفيف أحدى قرى مصر ونشأ بها على صلاح وعفة ولما ترعرع قدم إلى مصر فحضر على شيخ المالكية في عصره الشيخ سالم النفراوي أياما في مختصر الشيخ خليل واقبل على العبادة وقطن بالقاعة بالقرب من الأزهر بجوار مدرسة السنانية وحج فلقي بمكة الشيخ ادريس اليماني فأجازه وعاد إلى مصر وحضر دروس الحديث على الإمام المحدث الشيخ أحمد بن مصطفى الأسكندري الشهير بالصباغ ولازمه كثيرا حتى عرف به. واجازه مولاي أحمد التهامي حين ورد إلى مصر بطريقة الاقطاب والاحزاب الشاذلية والسيد مصطفى البكري بالخلوتية. ولما توفي شيخه الصباغ لازم السيد محمد البليدي في دروسه من ذلك تفسير البيضاوي بتمامه. وروى عنه جملة من افاضل عصره كالشيخ محمد الصبان والسيد محمد مرتضى والشيخ محمد بن إسمعيل النفراوي وسمعوا عليه صحيح مسلم بالاشرفية وكان كثيرا لزيارة لمشاهد الأولياء متواضعا لا يرى لنفسه مقاما متحرزا في مأكله وملبسه لا يأكل إلا ما يؤتى إليه من زرعه من بلده من العيش اليابس مع الدقة وكانت الأمراء تأتي لزيارته ويشمئز منهم ويفر منهم في بعض الأحيان. وكل من دخل عنده يقدم له ما تيسر من الزاد من خبزه الذي كان يأكل منه. وانتفع به المريدون وكثروا في البلاد ونجبوا ولم يزل يترقى في مدارج الوصول إلى الحق حتى تعلل أياما بمنزله الذي بقصر الشوك. وتوفي في ثاني عشر صفر سنة 1172 ودفن سيدي عبد الله المنوفي ونزل سيل عظيم وذلك في سنة 1178 فهدم القبور وعامت الأموات فانهدم قبره وامتلأ بالماء فاجتمع أولاده ومريدوه وبنوا له قبرا في العلوة على يمين

ص: 303

تربة الشيخ المنوفي ونقلوه إليه قريبا من عمارة السلطان قايتباي وبنوا على قبره قبة معقودة وعملوا له مقصورة ومقاما من داخلها وعليه عمامة كبيرة وصيروه مزارا عظيما يقصد للزيارة ويختلط به الرجال والنساء. ثم أنشأوا بجانبه قصرا عاليا عمره محمد كتخدا اباظة وسوروا له رحبة متسعة مثل الحوش لموقف الدواب من الخيل والحمير دثروا بها قبورا كثيرة بها كثير من أكابر الأولياء والعلماء والمحدثين وغيرهم من المسلمين والمسلمات. ثم إنهم ابتدعوا له موسما وعيدا في كل سنة يدعون إليه الناس من البلاد القبلية والبحرية فينصبون خياما كثيرة وصواوين ومطابخ وقهاوي ويجتمع العالم الأكبر من اخلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الارياف وأرباب الملاهي والملاعب والغوازي والبغايا والقزادين والحواة فيملأون الصحراء والبستان فيطأون القبور ويوقدون عليها النيران ويصبون عليها القاذورات ويبولون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلا ونهارا ويستمر ذلك نحو عشرة أيام أو أكثر ويجتمع لذلك أيضا الفقهاء والعلماء وينصبون لهم خياما أيضا ويقتدي بهم الأكابر من الأمراء والتجار والعامة من غير انكار بل ويعتقدون أن ذلك قربة وعبادة. ولو لم يكن كذلك لانكره العلماء فضلا عن كونهم بفعلونه فالله يتولى هدانا اجمعين.

ومات الشيخ الأجل المعظم سيدي محمد بكري أحمد بن عبد المنعم ابن محمد بن أبي السرور محمد بن القطب أبي المكارم محمد ابيض الوجه ابن أبي الحسن محمد بن الجلال عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن عوض بن محمد بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى بن الحسن بن موسى بن يحيى بن يعقوب بن نجم بن عيسى بن شعبان ابن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق وكان يقال له سيدي أبو بكر البكري شيخ

ص: 304

السجادة بمصر ولاه أبوه الخلافة في حياته لما تفرس فيه النجابة مع وجود إخوته الذين هم أعمامه وهم أبو المواهب وعبد الخالق ومحمد بن عبد المنعم. فسار في المشيخة احسن سير وكان شيخا مهيبا ذا كلمة نافذة وحشمة زائدة تسعى إليه الوزراء والأعيان والأمراء. وكان الشيخ عبد الله الشبراوي يأتيه في كل يوم قبل الشروق يجلس معه مقدار ساعة زمانية ثم يركب ويذهب إلى الأزهر. ولما مات خلفه ولده الشيخ سيد أحمد وكان المترجم متزوجا بنت الشيخ الحنفي فاولدها سيدي خليلا وهو الموجود الآن تركه صغيرا فتربى في كفالة ابن عمه السيد محمد افندي ابن علي افندي الذي انحصرت فيه المشيخة بعد وفاة ابن عمه الشيخ سيد أحمد مضافة إلى نقابة السادة الأشراف كما يأتي ذكر ذلك إن شاء الله. وكانت وفاة المترجم في أواخر شهر صفر سنة 1171.

ومات أيضا في هذه السنة السلطان عثمان خان العثماني. وتولى السلطان مصطفى بن أحمد خان وعزل علي باشا ابن الحكيم وحضر إلى مصر محمد سعيد باشا في أواخر رجب سنة 1171 واستمر في ولاية مصر إلى سنة 1173. وفي تلك السنة نزل مطر كثير سالت منه السيول.

ومات افضل النبلاء وانبل الفضلاء بلبل دوحة الفصاحة وغريدها من انحازت له بدائعها طريفها وتليدها الماجد الأكرم مصطفى اسعد اللقيمي الدمياطي وهو أحد الاخوة الأربعة وهم عمر ومحمد وعثمان والمترجم أولاد المرحوم أحمد بن محمد بن أحمد بن صلاح الدين اللقيمي الدمياطي الشافعي سبط العنبوسي وكلهم شعراء بلغاء توفي في سنة 1173.

ومات اديب الزمان وشاعر العصر والأوان العلامة الفاضل شمس الدين الشيخ محمد سعيد بن محمد الحنفي الدمشقي الشهير بالسمان ورد إلى مصر في سنة 1144 فطارح الأدباء وزاحم بمناكبه الفضلاء ثم عاد إلى وطنه وورد إلى مصر أيضا في سنة 1172 وكان ذا حافظة وبراعة وحسن عشرة وصار بينه وبين الشيخ عبد الله الادكاوي محاضرات ومطارحات

ص: 305

وذكره في مجموعته واثنى عليه وأورد له من شعره كثيرا ثم توجه إلى الشام وقد وافاه الحمام ودفن بالصالحية سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف. ومات الشيخ الصالح الشاعر اللبيب الناظم الناثر الشيخ عامر الانبوطي الشافعي شاعر مفلق هجاء لهيب شراره محرق كان يأتي من بلده يزور العلماء والأعيان. وكلما راى لشاعر قصيدة سائرة قلبها وزنا وقافية إلى الهزل والطبيخ فكانوا يتحامون عن ذلك. وكان الشيخ الشبراوي يكرمه ويكسبه ويقول له: يا شيخ عامر لا تزفر قصيدتي الفلانية وهذه جائزتك. ومن بعده الشيخ الحفني كان يكرمه ويغدق عليه ويستأنس لكلامه. وكان شيخا مسنا صلحا مكحل العينين دائما عجيبا في هيئته ومن نظمه الفية الطعام على وزن الفية ابن مالك وأولها:

يقول عامر هو الانبوطي

أحمد ربي لست بالقنوطي

ومات الأمير الكبير عمر بك بن حسن بك رضوان وذلك أنه لما قلد إبراهيم كتخدا تابعه علي بك الكبير إمارة الحج وطلع بالحجاج ورجع في سنة 1167 ونزل عليهم السيل العظيم يظهر حمار والقى الحجاج واحمالهم إلى البحر ولم يرجع منهم إلا القليل تشاوروا فيمن يقلدونه إمارة الحج فاقتضى راي إبراهيم كتخدا تولية المترجم وقد صار مسنا هرما فاستعفى من ذلك فقال له: إبراهيم كتخدا اما أن تطلع بالحج أو تدفع مائتي كيس مساعدة. فحضر عند إبراهيم كتخدا فرأى منه الجد. فقال: إذا كان ولا بد فإني أصرفها واحج ولو إني أصرف ألف كيس. ثم توجه إلى القبلة وقال اللهم لا ترني وجه إبراهيم هذا بعد هذا اليوم اما إني أموت أو هو يموت. فاستجاب الله دعوته ومات إبراهيم كتخدا في صفر قبل دخول الحجاج إلى مصر بخمسة أيام. وتوفي عمر بك المذكور سنة 1171.

ومات الرجل الفاضل النبيه الذكي المتفنن المتقن الفريد الأوسطي

ص: 306

إبراهيم السكاكيني كان إنسانا حسنا عطارديا يصنع السيوف والسكاكين ويجيد سقيها وجلاءها ويصنع قراباتها ويسقطها بالذهب والفضة ويصنع المقاشط الجيدة الصناعة والسقي والتطعيم والبركارات للصنعة واقلام الجدول الدقيقة الصنعة المخرمة وغير ذلك. وكان يكتب الخط الحسن الدقيق بطريقة متسقة معروفة من دون الخطوط لا تخفى وكتب بخطه ذلك كثيرا مثل مقامات الحريري وكتب ادبية ورسائل كثيرة في الرياضيات والرسميات وغير ذلك وبالجملة فقد كان فريدا في ذاته وصفاته وصناعته لم يخلف بعده مثله. توفي في حدود هذا التاريخ وكان حانوته تجاه جامع المرداني بالقرب من درب الصياغ.

وفي تلك السنة اعني سنة 1171 نزل مطر كثير سالت منه السيول واعقبه الطاعون المسمى بقارب شيحة الذي أخذ المليح والمليحة. مات به الكثير من الناس المعروفين وغيرهم ما لا يحصى ثم خف وأخذ ينقر في سنة 1172 وكان قوة عمله في رجب وشعبان وولد للسلطان مصطفى مولود في تلك السنة وورد الأمر بالزينة في تلك الأيام. وهذا المولود هو السلطان سليم المتولي الآن ولما قتل حسين بك القازدغلي المعروف بالصابونجي وتعين في الرياسة بعده علي بك الكبير واحضر خشداشينه المنفيين واستقر أمرهم وتقلد إمارة الحج سنة 1173 فبيت مع سليمان بك الشابوري وحسن كتخدا الشعراوي وخليل جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش المجنون واتفق معهم على قتل عبد الرحمن كتخدا في غيبته وأقام عوضه في مشيخة البلد خليل بك الدفتردار فلما سافر استشعر عبد الرحمن كتخدا بذلك فشرع في نفي الجماعة المذكورين فاغرى بهم على ذلك بلوط قبن فنفى خليل جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش إلى الحجاز من طريق السويس على البحر ونفى حسن كتخدا الشعراوي وسليمان بك الشابوري مملوك خشداشه إلى فارسكور. فلما وصل علي بك وهو راجع بالحج إلى العقبة وصل إليه

ص: 307

الخبر فكتم ذلك وأمر بعمل شنك يوهم من معه بأن الهجان اتاه بخبر سار ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى قلعة نخل فانحاز إلى القلعة وجمع الدويدار وكتخدا الحج والسدادرة وسلمهم الحجاج والمحمل وركب في خاصته وسار إلى غزة وسار الحجاج من غير أمير إلى أن وصلوا إلى أجرود فأقبل عليهم حسين بك كشكش ومن معه يريد قتل علي بك فلم يجده فحضر بالحجاج ودخل بالمحمل إلى مصر واستمر علي بك بغزة نحو ثلاثة شهر وأكثر وكاتب الدولة بواسطة باشة الشام فأرسلوا إليه واحدا اغا ووعدوه ومنوه وتحيلوا عليه حتى استقصوا ما معه من المال والاقمشة وغير ذلك. ثم حضر إلى مصر بسعاية نسيبه علي كتخدا الخربطلي واغرااضه ومات بعد وصوله إلى مصر بثمانية أيام. يقال أن بعض خشداشينه شغله بالسم حين كان يطوف عليهم للسلام.

ولاية مصطفى باشا وأحمد باشا كامل.

وفي تلك السنة حضر مصطفى باشا واليا على مصر واستمر إلى أواخر سنة 1174 ونزل إلى القبة متوجها إلى جدة فاقام هناك.

وحضر أحمد باشا كامل المعروف بصبطلان في أواخر سنة 1174. وكان ذا شهامة وقوة مراس فدقق في الاحكام وصار يركب وينزل ويكشف على الانبار والغلال فتعصبت عليه الأمراء وعزلوه وأصعدوا مصطفى باشا المعزول وعرضوا في شأنه إلى الدولة وسافر بالعرض الشيخ عبد الباسط السنديوني ووجه مصطفى باشا خازنداره إلى جدة وكيلا عنه. ولما وصل العرض إلى الدولة وكان الوزير إذ ذاك محمد باشا راغب فوجهوا أحمد باشا المنفصل إلى ولاية قندية ومصطفى باشا إلى حلب ووجهوا باكير باشا والي حلب إلى مصر فحضر وطلع إلى القلعة وأقام نحو شهرين ومات ودفن بالقرافة سنة 1175 وحضر حسن باشا في أواخر

ص: 308

سنة ست وسبعين ثم عزل. وحضر حمزة باشا في سنة 1179 وسيأتي تتمة ذلك واستقر الحال وتقلد في إمارة الحج حسين بك كشكش وطلع سنة 1174 ووقف له العرب في مضيق وحضر إليه كبراؤهم وطلبوا مطالبهم وعوائدهم فاحضر كاتبه الشيخ خليل كاتب الصرة والصراف وأمرهم بدفع مطلوبات العرب. فذهبوا معه إلى خيمته واحضر المال وشرع الصراف يعد لهم الدراهم فضرب عند ذلك مدفع الشهيل فقال لهم: حينئذ لا يمكن في هذا الوقت فاصبروا حتى ينزل الحج في المحطة يحصل المطلوب. وسار الحج حتى خرج من ذلك المضيق إلى الوسع ورتب مماليكه وطوائفه وحضر العرب وفيهم كبيرهم هزاع فامر بقتلهم فنزلوا عليهم بالسيوف فقتلوهم عن آخرهم وفيهم نيف وعشرون كبيرا من مشايخ العربان المشهورين خلاف هزاع المذكور وأمر بالرحيل وضربوا المدفع وسار الحج وتفرق قبائل العرب ونساؤهم يصرخون بطلب الثأر. فتجمعت القبائل من كل جهة ووقفوا بطريق الحجاج وفي المضايق وهو يسوق عليهم من إمام الحج وخلفه ويحاربهم ويقاتلهم بمماليكه وطوائفه حتى وصل إلى مصر بالحج سالما ومعه رؤوس العربان محملة على الجمال. ودخل المدينة بالمحمل والحجاج منصورا مؤيدا فاجتمع عليه الأمراء من خشداشينه وغيرهم وقال له: علي بك بلوط قبن انك افسدت علينا العرب واخربت طريق الحج ومن يطلع بالحج في العام القابل بعد هذه الفعلة التي فعلتها فقال: أنا الذي اسافر بالحج في العام القابل ومني للعرب اصطفل. فطلع أيضا في السنة الثانية وتجمع عليه العرب ووقفوا في كل طريق ومضيق وعلى رؤوس الجبال واستعدوا له بما استطاعوا من الكثرة من كل جهة فصادمهم وقاتلهم وحار بهم وصار يكر ويفر ويحلق عليهم من إمام الحج ومن خلفه حتى شردهم واخافهم وقتل منهم الكثير ولم يبال بكثرتهم مع ما هو فيه من القلة.

ص: 309

فإنه لم يكن معه إلا نحو الثلثمائة مملوك خلاف الطوائف والأجناد وعسكر المغاربة. وكان يبرز لحربهم حاسرا راسه مشهورا حسامه فيشتت شملهم ويفرق جمعهم فهابوه وانكمشوا عن ملاقاته وانكفوا عن الحج. فلم تقم للعرب معه بعد ذلك قائمة. فحج أربع مرات اميرا بالحج آخرها سنة 1176 ورجع سنة 1177 ولم يتعرض له أحد من العرب ذهابا وأيابا بعد ذلك. وكذلك اخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون الطريق على المسافرين والفلاحي ويسلبون الناس فكان يخرج إليهم على حين غفلة فيقتلهم وينهب مواشيهم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في اشناف على الجمال فارتدععوا وانكفوا عن أفاعيلهم. وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك.

وفي هذه المدة ظهر شأن علي بك بلوط قبن واستفحل امره وقلد إسمعيل بك الصنجقية وجعله اشراقه وزوجه هانم بنت سيده وعمل له مهما عظيما احتفل به للغاية ببركة الفيل. وكان ذلك في أيام النيل سنة 1174 فعملوا على معظم البركة أخشابا مركبة على وجه الماء يمشي عليها الناس للفرجة. واجتمع بها أرباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره من سائر الأصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الأصناف والانواع وعلقوا القنناديل والوقدات على جميع البيوت المحيطة بالبركة وغالبها سكن الأمراء والأعيان أكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك إبراهيم كتخدا أبي العروس. وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات وجمعيات. واستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل والبلد مفتحة والناس تغدو وتروح ليلا ونهارا للحظ والفرجة من جميع النواحي. ووردت على علي بك الهدايا والصلات من اخوانه الأمراء والأعيان والاختيارية والوجاقلية والتجار والمباشرين والاقباط والافرنج والاروام واليهود والمدينة عامرة بالخير والناس مطمئنة.

ص: 310

والمكاسب كثيرة والاسعار رخية والقرى عامرة. وحضرت مشايخ البلدان وأكابر العربان ومقادم الأقاليم والبنادر بالهدايا والاغنام والجواميس والسمن والعسل وكل من الأمراء الإبراهيمية كأنه صاحب الفرح والمشار إليه من بينهم صاحب الفرح علي بيك. وبعد تمام الشهر زفت العروس في موكب عظيم شقوا به من وسط المدينة بانواع الملاعيب والبهلوانات والجنك والطبول ومعظم الأعيان والجاويشية والملازمين والسعاة والاغوات إمام الحريمات وعليهم الخلع والتخاليق المثمنة وكذلك المهاترة والطبالون وغيرهم من المقدمين والخدم والجاويشية والركبدارية والعروس في عربة. وكان الخازندار لعلي بيك في ذلك الوقت محمد بك أبو الذهب ماشيا بجانب العربة وفي يده عكاز ومن خلفها أولاد خزنات الأمراء ملبسين بالزرد والخود واللثامات الكشميري مقلدين بالقسي والنشاب وبأيديهم المزاريق الطوال وخلف الجميع النوبة التركية والنفيرات. فمن ذلك الوقت اشتهر أمر علي بك وشاع ذكره ونما صيته وقلد أيضا علي بك المعروف بالسروجية. ولما كان عبد الرحمن كتخدا ابن سيدهم ومركز دائرة دولتهم انضوى إلى ممالأته ومال هو الآخر إلى صداقته ليقوى به على أرباب الرياسة من اختيارية الوجاقات وكل منهما يريد تمام الأمر لنفسه. حتى أن عبد الرحمن كتخدا لما أراد نفي الجماعة المتقدم ذكرهم مع بعض المتكلمين وصوروا على أحمد جاويش المجنون ما يقتضي نفيه ثم عرضوا ذلك على عبد الرحمن كتخدا فمانع في ذلك واظهر الغيظ وأصبح في ثاني يوم اجتمع عنده الاختيارية والصناجق على عادتهم. فلما تكامل حضور الجميع عين عبد الرحمن كتخدا غاديا إلى بيت علي بك وكذلك باقي الأمراء والاختيارية وصار الجميع والديوان في بيته من ذلك اليوم ولبس الخلعة من الباشا على ذلك. ثم إنهم طلعوا أيضا في ثاني يوم إلى الديوان واجتمعوا بباب الينكجرية وكتبوا عرضحال بنفي أحمد جاويش وخليل

ص: 311

جاويش وسليمان بك الشابوري فقال عبد الرحمن كتخدا: وأكتبوا معهم حسن كتخدا الشعراوي أيضا. فكتبوه واخرجوا فرمانا بذلك ونفوهم كما ذكر واستمروا في نفيهم. وعمل أحمد جاويش وقادا بالحرم المدني وخليل جاويش أقام أيضا بالمدينة والشابوري وحسن كتخدا جهة فارسكور والسرو ورأس الخليج وأخذ علي بك يمهد لنفسه واستكثر من شراء المماليك وشرع في مصادرة الناس. ويتحيل على أخذ الأموال من أرباب البيوت المدخرة والأعيان المستورين مع الملاطفة وادخال الوهم على البعض بمثل بمثل النفي والتعرض إلى الفائظ ببعض المقنضيات ونحو ذلك.

حادثة سماوية.

ومن الحوادث السماوية أن في يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى هبت ريح عظيمة شديدة نكباء غربية غرق منها بالاسكندرية ثلاثة وثلاثون مركبا في مرسى المسلمين وثلاثة مراكب في مرسى النصارى. وضجت الناس وهاج البحر شديدا وتلف بالنيل بعض مراكب وسقطت عدة أشجار.

وطلع علي بك اميرا بالحج في سنة 1177 ورجع في أوائل سنة 1178 في ابهة عظيمة وارخى مملوكه محمد الخازندار لحيته على زمزم. فلما رجع قلده الصنجقية وهو الذي عرف بابي الذهب. ثم قلد مملوكه أيوب اغا ورضوان قرابينه وإبراهيم شلاق بلغيه وذا الفقار وعلي بك الحبشي صناجق أيضا. وانقضت تلك السنة وأمر علي بك يتزايد. وشهلوا أمور الحج على العادة وقبضوا الميري وصرفوا العلوفات والجامكية والصرة وغلال الحرمين والأنبار وخرج المحمل على القانون المعتاد واميره حسن بك رضوان. ولما رجعوا من البركة بعد ارتحال الحج طلع علي بك

ص: 312

وخشداشينه واغراضه وملكوا أبواب القلعة وكتبوا فرمانا واخرجوا عبد الرحمن كتخدا وعلي كتخدا الخربطلي وعمر جاويش الداودية ورضوان جربجي الرزاز وغيرهم منفيين. فاما عبد الرحمن كتخدا فأرسلوه إلى السويس ليذهب إلى الحجاز وعينوا للذهاب معه صالح بك ليوصله إلى السويس. ونفوا باقي الجماعة إلى جهة بحري وارتجت مصر في ذلك اليوم وخصوصا لخروج عبد الرحمن كتخدا فإنه كان اعظم الجميع وكبيرهم وابن سيدهم وله الصولة والكلمة والشهرة وبه ارتفع قدر الينكجرية على العزب وكان له عزوة كبيرة ومماليك واتباع وعساكر مغاربة وغيرهم حتى ظن الناس وقوع فتنة عظيمة في ذلك اليوم. فلم يحصل شيء من ذلك سوى ما نزل بالناس من البهتة والتعجب. ثم أرسل إلى صالح بك فرمانا بنفيه إلى غزة فوصل إليه الجاويش في اليوم الذي نزل فيه عبد الرحمن كتخدا في المركب وسافر وذهب صالح بك إلى غزة فاقام بها مدة قليلة ثم أرسلوا له جماعة ونقلوه من غزة وحضروا به إلى ناحية بحري واجلسوه برشيد ورتب له علي بك ما يصرفه وجعل له فائظا في كل سنة عشرة أكياس. فاقام برشيد مدة فحضرت اخبار وصول الباشا الجديد وهو حمزة باشا إلى ثغر سكندرية فأرسلوا إلى صالح بك جماعة يغيبونه من رشيد ويذهبون به إلى دمياط يقيم بها وذلك لئلا يجتمع بالباشا. فلما وصلت إليه الأخبار بذلك ركب بجماعته ليلا وسار إلى جهة البحيرة وذهب من خلف جبل الفيوم إلى جهة قبلى فوصل إلى منية ابن خصيب فاقام بها واجتمع عليه اناس كثيرة من الذين شردهم علي بك ونفاهم في البلاد وبنى له ابنية ومتاريس وكان له معرفة وصداقة مع شيخ العرب همام وأكابر الهوارة وأكثر البلاد الجارية في التزامه جهة قبلي. واجتمع عليه الكثير منهم وقدموا له التقادم والذخيرة وما يحتاج إليه.

ص: 313

ووصل المولى حفيد افندي القاضي وكان من العلماء الافاضل ويعرف بطرون افندي وكان مسنا هرما فجلس على الكرسي بجامع المشهد الجسيني ليملي درسا فاجتمع عليه الفقهاء الأزهرية وخلطوا عليه وكان المتصدي لذلك الشيخ أحمد بن يونس والشيخ عبد الرحمن البراذعي فصار يقول لهم: كلموني بآداب البحث أما قرأتم آداب البحث. فزادوا في المغالطة فما وسعه إلا القيام فانصرفوا عنه وهم يقولون عكسناه.

وفي شعبان من السنة المذكورة شرع القاضي المذكور في عمل فرح لختان ولده فأرسل إليه علي بك هدية حافلة وكذلك باقي الأمراء والاختيارية والتجار والعلماء حتى امتلأت حواصل المحكمة بالارز والسمن والعسل والسكر وكذلك امتلأ المقعد بفروق البن ووسط الحوش بالحطب الرومي واجتمع بالمحكمة أرباب الملاعيب والملاهي والبهلوانات وغيرهم واستمر ذلك عدة أيام والناس تغدو وتروح للفرجة. وسعت العلماء والأمراء والأعيان والتجار لدعوته. وفي يوم الزفة أرسل إليه علي بك ركوبته وجميع اللوازم من الخيول والمماليك وشجر الدر والزرديات وكذلك طاقم الباشا من الأغوات والسعاة والجاويشية والنوبة التركية واركبوا الغلام بالزفة إلى بيت علي بك فالبسه فروة سمور ورجع إلى المحكمة بالموكب وختن معه عدة غلمان وكان مهما مشهودا واتحد هذا القاضي بالشيخ الوالد وتردد كل منهما على الآخر كثيرا وحضر مرة في غير وقت ولا موعد في يوم شديد الحر فلما صعد إلى اعلى الدرج وكان كثيرا فاستلقى من التعب على ظهره لهرمه: فلما تروح وارتاح في نفسه قال له الشيخ: يا افندي لأي شيء تتعب نفسك أنا آتيك متى شئت. فقال: أنا اعرف قدرك وانت تعرف قدري. وكان نائبه من الاذكياء أيضا.

ولما حضر حمزة باشا سنة 1179 المذكورة واليا على مصر وطلع إلى القلعة عرضوا له أمر صالح بك وأنه قاطع الطريق ومانع وصول الغلال

ص: 314

والميري وأخذوا فرمانا بالتجريد عليه وتقلد حسين بك كشكش حاكم جرجا وأمير التجريدة وشرعوا في التشهيل والخروج فسافر حسين بك كشكش وصحبته محمد بك أبو الذهب وحسن بك الازبكاوي فالتطموا مع صالح بك لطمة صغيرة ثم توجه وعدى إلى شرق أولاد يحيى وكان حسين بك شبكة مملوك حسين بك كشكش نفاه علي بك إلى قبلي فلما ذهب صالح بك إلى قبلي انضم إليه وركب معه فلما توجه حسين بك بالتجريدة وعدى صالح بك شرق أولاد يحيى انفصل عنه وحضر إلى سيده حسين بك وانضم إليه كما كان ورجع محمد بك وحسن بك إلى مصر وتخلف حسين بك عن الحضور يريد الذهاب إلى منصبه بجرجا وأقام في المنية فأرسل إليه علي بك فرمانا بنفيه إلى جهة عينها له فلم يتمثل لذلك وركب في مماليكه وأتباعه وامرائه وحضر إلى مصر ليلا فوجد الباب الموصل لجهة قناطر السباع مغلوقا فطرقه فلم يفتحوه فكسره ودخل وذهب إلى بيته وبقي الأمر بينهم على المسالمة أياما فاراد علي بك أن يشغله بالسم بيد عبد الله الحكيم وقد كان طلب منه معجونا للباءة فوضع له السم في المعجون واحضره له فامره أن يأكل منه أولا فتلكأ واعتذر فامر بقتله. وكان عبد الله الحكيم هذا نصرانيا روميا يلبس على رأسه قلبق سمور وكان وجيها جميل الصورة فصيحا متكلما يعرف التركية والعربية والرومية والطليانية. وعلم حسين بك انها من عزيمة علي بك فتأكدت بينهما الوحشة واضمر كل منهما لصاحبه السوء وتوافق علي بك مع جماعته على غدر حسين بك أو اخراجه فوافقوه ظاهرا واشتغل حسين بك على اخراج علي بك وعصب خشداشينه وغيرهم وركبوا عليه المدافع فكرنك في بيته وانتظر حضور المتوافقين معه فلم يأته منهم أحد وتحقق نفاقهم عليه. فعند ذلك أرسل إليهم يسألهم عن مرادهم فحضر إليه منهم من يأمره بالركوب والسفر فركب

ص: 315

وأخرجوه منفيا إلى الشام ومعه مماليكه وأتباعه وذلك في أواخر شهر رمضان سنة 1179 وأقام بالعادلية ثلاثة أيام حتى عملوا حسابه وحساب أتباعه وهم محيطون بهم من كل جهة بالعسكر والمدافع حتى فرغوا من الحساب واستخلصوا ما بقي على طرفهم ثم سافروا إلى جهة غزة وكانت العادة فيمن ينفى من أمراء مصر أنه إذا خرج إلى خارج فعلوا معه ذلك ولا يذهب حتى يوفي جميع ما يتأخر بذمته من ميري وخلافة وإن لم يكن معه ما يوفي ذلك باع اساس داره ومتاعه وخيوله ولا يذهب إلا خالص الذمة. وسافر صحبة علي بك أمراؤه وهم محمد بك وأيوب بك ورضوان بك وذو الفقار بك وعبد الله أغا الوالي وأحمد جاويش وسليمان جاويش وقيطاس كتخدا وباقي اتباعه. واستقر خليل بك كبير البلد مع قسيمه حسين بك كشكش وباقي جماعتهم وحسن بك جوجو وعزلوا عبد الرحمن أغا وقلدوا قاسم أغا الوالي أغات مستحفظان وورد الخبر من الجهة القبلية بأن صالح بك رجع من شرق أولاد يحيى إلى المنية واستقر فيها وحصنها. فعند ذلك شرعوا في تشهيل تجريدة وبرزوا إلى جهة البساتين. وفي تلك الأيام رجع علي بك ومن معه على حين غفلة ودخل إلى مصر فنزل ببيت حسين بك كشكش ومحمد بك نزل عند عثمان بك الجرجاوي وأيوب بك دخل منزل إبراهيم أغا الساعي فاجتمع الأمراء بالاثار وعملوا مشوره في ذلك. فاقتضى الرأي بان يرسلوه إلى جدة فاجتمع الرأي بان يعطوه النوسات ويذهب إليها فرضي بذلك وذهب إلى النوسات وأقام بها وأرسلوا محمد بك وأيوب بك ورضوان بك إلى قبلي بناحية اسيوط وجهاتها وكان هناك خليل بك الأسيوطي فانضموا إليه وصادقوه وسفروا التجريدة إلى صالح بك فهزمت فأرسلوا له تجريدة اخرى واميرها حسن بك جوجو وكان منافقا فلم يقع بينهم إلا بعض مناوشات ورجعوا أيضا كانهم مهزومون وأرسلوا له ثالث ركبة.

ص: 316

فكانت الحرب بينهم سجالا ورجعوا كذلك بعد أن اصطلحوا مع صالح بك أن يذهب إلى جرجا ويأخذ ما يكفيه هو ومن معه ويمكث بها ويقوم بدفع المال والغلال. وكان ذلك في شهر جمادى الأولى سنة 1180.

وفي ثاني شعبان منها اتهموا حسن بك الازبكاوي أنه يراسل علي بك وعلي بك يراسله فقتلوه في ذلك اليوم بقصر العيني ورسموا بنفي خشداشينه وهم حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وسليمان أغا كتخدا الجاويشية سيد الثلاثة وهو زوج أم عبد الرحمن كتخدا وكان مقيما بمصر القديمة وقد صار مسنا فسفروهم إلى جهة بحري وتخيلوا من اقامة علي بك بالنوسات فأرسلوا له خليل بك السكران فأخذه وذهب به إلى السويس ليسافر إلى جدة من القلزم وأحضر له المركب لينزل فيها.

وفي ثاني شهر شوال من السنة ركب الأمراء إلى قراميدان ليهنئوا الباشا بالعيد وكان معتاد الرسوم القديمة أن كبار الأمراء يركبون بعد الفجر من يوم العيد كذلك أرباب العكاكيز فيطلعون إلى القلعة ويمشون إمام الباشا من باب السراية إلى جامع الناصر بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون كذلك ثم يقبلون اتكة ويهنئونه وينزلون إلى بيوتهم فيهنىء بعضهم بعضا على رسمهم واصطلاحهم وينزل الباشا في ثاني يوم إلى الكشك بقراميدان وقد هيئت مجالسه بالفرش والمساند والستائر واستعد فراشو الباشا بالتطلي والقهوة والشربات والقماقم والمباخر ورتبوا جميع الاحتياجات واللوازم من الليل واصطفت الخدم والجاويشية والسعاة والملازمون وجلس الباشا الكشك وحضرت أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد ثم يأتي الدفتردار وأمير الحاج والأمراء الصناجق والاختيارية وكتخدا والعزب أصحاب الوقت والمقادم والأوده باشية واليمقات والجربجية فيهنئون الباشا

ص: 317

ويعيدون عليه على قدر مراتبهم بالقانون والترتيب ثم ينصرفون. فلما حضروا في ذلك اليوم المذكور وهنا الأمراء الصناجق الباشا وخرجوا إلى دهليز القصر يريدون النزول وقف لهم جماعة وسحبوا السلاح عليهم وضربوا عليهم بنادق فاصيب عثمان بك الجرجاوي بسيف في وجهه وحسين بك كشكش أصيب برصاصة نفذت من شقه وسحب الآخرون سلاحهم وسيوفهم واحتاط بهم مماليكهم ونط أكثرهم من حائط البستان ونفذوا من الجهة الاخرى وركبوا خيولهم وهم لا يصدقون بالنجاة. وانجرح أيضا إسمعيل بك أبو مدفع ومحمود بك وقاسم أغا ولكن لم يمت منهم إلا عثمان بك. وباتوا على ذلك فلما أصبحوا اجتمعوا وطلعوا إلى الأبواب وأرسلوا إلى الباشا يأمرونه بالنزول فنزل إلى بيت أحمد بك كشك بقوصون وعند نزوله ومروره بباب العزب وقف له حسين بك كشكش وأسمعه كلاما قبيحا ثم إنهم جعلوا خليل بك بلغيه قائمقام وقلدوا عبد الرحمن أغا مملوك عثمان بك صنجقا عوضا عن سيده ونسبت هذه النكتة إلى حمزة باشا وقيل: إنها من علي بك الذي بالنوسات ومراسلاته إلى حسن بك جوجو فبيت مع انفار من الجلفية وأخفاهم عنده مدة أيام وتواعدوا على ذلك اليوم وذهبوا إلى الكشك بقراميدان وكانوا نحو الأربعين فاختلفوا واتفقوا على ثاني يوم بدهليز بيت القاضي وتفرقوا إلا أربعة منهم ثبتوا على ذلك الاتفاق وفعلوا هذه الفعلة وبطل أمر العيد من قراميدان من ذلك اليوم. وتهدم القصر وخرب وكذلك الجنينة ماتت أشجارها وذهبت نضارتها ولما حصلت هذه الحادثة أرسلوا حمزة بك إلى علي بك فوجده في المركب الغاطس ينتظر اعتدال الريح للسفر فرده إلى البر واركبه بمماليكه واتباعه ورجع إلى جهة مصر ومر من الجبل وذهب إلى جهة شرق اطفيح ثم إلى أسيوط بقبلي ورجع حمزة بك إلى مصر. ثم أن علي بك اجتمع

ص: 318

عليه المنفيون وهوارة وخلافهم وأراد الانضمام إلى صالح بك فنفر منه فلم يزل يخادعه وكان علي كتخدا الخربطلي هناك منفيا من قبله وجعله سفيرا فيما بينه وبين صالح بك هو وخليل بك الأسيوطي وعثمان كتخدا الصابونجي فأرسلهم فلم يزالوا به حتى جنح لقولهم. فعند ذلك أرسل إليه محمد بك أبو الذهب فلم يزل به حتى انخدع له واجتمع عليه بكفالة شيخ العرب همام وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا على الكتاب والسيف. وكتبوا بذلك حجة واتفق مع علي بك أنه إذا تم لهم الأمر اعطى لصالح بك جهة قبلي قيد حياته. واتفقوا على ذلك بالمواثيق الأكيدة وأرسلوا بذلك إلى شيخ العرب همام فانسر بذلك ورضي به مراعاة لصالح بك وأمدهم عند ذلك همام بالعطايا والمال والرجال واجتمع عليهم المتفرقون والمشردون من الغز والاجناد والهوارة والشجعان ولموا جموعا كثيرة وحضروا إلى المنية وكان بها خليل بك السكران. فلما بلغه قدومهم ارتحل منها وحضر إلى مصر هاربا واستقر علي بك وصالح بك وجماعتهم بالمنية وبنوا حولها اسوارا وابراجا وركبوا عليها المادفع وقطعوا الطريق على المسارفين المبحرين والمقبلين. وأرسل علي بك إلى ذي الفقار بك وكان بالمنصورة وصحبته جماعة كشاف فارتحلوا ليلا وذهبوا إلى المنية فعمل الأمراء جمعية وعزموا على تشهيل تجريدة وتكلموا وتشاوروا في ذلك فتكلم الشيخ الحفناوي في ذلك المجلس وأفحمهم الكلام ومانع في ذلك وحلف أنه لا يسافر أحد بتجريدة مطلقا وإن فعلوا ذلك لا يحصل لهم خير ابدا فقالوا أنه هو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وإن لم نذهب إليه أتى هو الينا وفعل مراده فينا فقال لهم: الشيخ أنا أرسل إليه مكاتبة فلا تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب. فلم يسعهم إلا الامتثال فكتب له الشيخ مكتوبا ووبخه فيه وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه إليه فلم يلبث الشيخ بعد

ص: 319

هذا المجلس إلا أياما ومرض ورمى بالدم وتوفى إلى رحمة الله تعالى.

فيقال أنهم اشغلوه وسموه ليتمكنوا من اغراضهم.

ولاية محمد باشا راقم.

وفي أثناء ذلك ورد الخبر بوصول محمد باشا راقم إلى سكندرية فأرسلوا له الملاقاة وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعة في غرة ربيع الثاني سنة 1181.

وفي حادي عشر جمادى الأولى اجتمعوا بالديوان وقلدوا حسن بك رضوان دفتردار مصر.

وفي خامس عشرة قلدوا خليل بك بلغيه أمير الحاج وقاسم أغا صنجقا وكتبوا فرمانا بطلوع التجريدة إلى قبلي ولبس صاري عسكرها حسين بيك كشكش وشرعوا في التشهيل واضطرهم الحال إلى مصادرة التجار وأحضر خليل بيك النواخيد وهم منلا مصطفى وأحمد أغا الملطيلي وقرأ إبراهيم وكاتب البهار وطلب منهم مال البهار معجلا فاعتذروا فصرخ عليهم وسبهم فخرجوا من بين يديه وأخذوا في تشهيل المطلوب وجمع المال من التجار وبرز حسين بيك خيامه للسفر في منتصف جمادى الأولى وخرج صحبته ستة من الصناجق وهم حسن بيك جوجو وخليل بيك السكران وحسن بيك شبكة وإسمعيل بيك أبو مدفع وحمزة بيك وقاسم بيك واسرعوا في الارتحال.

وفي عشرينه اخرج خلفهم أيضا خليل بك تجريدة اخرى وفيها ثلاثة صناجق ووجاقلية وعسكر مغاربة وسافروا أيضا في يومها وبعد ثلاثة أيام ورد الخبر وقوع الحرب بينهم ببياضة تجاه بني سويف فكانت الهزيمة على حسين بك ومن معه وقتل علي أغا الميجي وخلافه. وقتل من ذلك الطرف ذو الفقار بك ورجع المهزومون في ذلك ثاني يوم

ص: 320

الاحد طلعوا إلى ابواب القلعة وطلبوا من الباشا فرمانا بالتجريدة على الكثرة وهو يوم السبت رابع عشرينه وهم في اسوأ حال. وأصبحوا يوم علي بك وصالح بك ومن معهم وطلبوا مائتي كيس من الميري يصرفوها في اللوازم فامتنع الباشا من ذلك وحضر الخبر يوم الإثنين بوصول القادمين إلى غمازه وكان الوجاقلية وحسن بك جوجو ناصبين خيامهم جهة البساتين فارتحلوا ليلا وهربوا وتخبل عقل خليل بك وحسين بك ومن معهما وتحيروا في أمرهم وتحققوا الأدبار والزوال وأرسل الباشا إلى الوجاقلية يقول لهم: كل وجاق يلازم بابه.

وفي سابع عشرينه حضر علي بك صالح بك ومن معهم إلى البساتين فازداد تحيرهم وطلعوا إلى الأبواب فوجدوها مغلوقة فرجعوا إلى قراميدان وجلسوا هناك ثم رجعوا وتسحب تلك الليلة كثير من الأمراء والاجناد وخرجوا إلى جهة علي بك وكان حسن بك المعروف بجوجو ينافق الطرفين ويراسل علي بك وصالح بك سرا ويكاتبهما وضم إليه بعض الأمراء مثل قاسم بك خشداشه وإسمعيل بك زوج هانم بنت سيدهم وعلي بك السروجي وجن علي وهو خشداش إبراهيم بك بلغية وكثير من اعيان الوجاقلية ويرسلون لهم الأوراق في داخل الاقصاب التي يشربون فيها الدخان ونحو ذلك.

وفي ليلة الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى هرب الأمراء الذين بمصر وهو خليل بك شيخ البلد واتباعه وحسين بك كشكش واتباعه وهم نحو عشرة صناجق وصحبتهم مماليكهم وأجنادهم عدة كثيرة وأصبح يوم الخميس فخرج الأعيان وغيرهم لملاقاة القادمين ودخل في ذلك اليوم علي بك وصالح بك وصناجقهم ومماليكهم واتباعهم وجميع من كان منفيا بالصعيد قبل ذلك من أمراء ووجاقلية وغيرهم وحضر صحبتهم علي كتخدا الخربطلي وخليل بك السيوطي وقلده علي بك

ص: 321

الصنجقية مجددا وضربت النوبة في بيته ثم أعطاه كشوفية الشرقية وسافر إليها.

وفي يوم الأحد ثاني جمادى الثانية طلع علي بك وصالح بك وباقي الأمراء القادمين والذين تخلفوا عن الذاهبين مثل حسن بك جوجو وإسمعيل بك زوج هانم وجن علي وعلي بك السروجي وقاسم بك والاختيارية والوجاقلية وغيرهم إلى الديوان بالقلعة فخلع الباشا على علي بك واستقر في مشيخة البلد كما كان وخلع علي صناجقه خلع الأستمرار أيضا في إمارتهم كما كانوا ونزلوا إلى بيوتهم وثبت قدم علي بك في إمارة مصر ورئاستها في هذه المرة وظهر بعد ذلك الظهور التام وملك الديار المصرية والاقطار الحجازية والبلاد الشامية وقتل المتمردين وقطع المعاندين وشتت شمل المنافقين ووخرق القواعد وخرم العوائد وأحزب البيوت القديمة وأبطل الطرائق التي كانت مستقمية ثم أنه حضر سليمان أغا كتخدا الجاويشية وصناجقه إلى مصر وعزم على نفي بعض الأعيان واخراجهم من مصر فعلم أنه لا يتمكن من اغراضه مع وجود حسن بك جوجو وانم ما دام حيا لا يصفو له الحال فأخذ يدبر على قتله فبيت مع اتباعه على قتله فحضر حسن بك جوجو وعلي بك جن علي عند علي بك وجلسوا معه حصة من الليل وقام ليذهب إلى بيته فركب وركب معه جن علي ومحمد بك أبو الذهب وأيوب بك ليذهبا أيضا إلى بيوتهما لاتحاد الطريق فلما صاروا في الطريق التي عند بيت الشابوري خلف جامع قوصون سحبوا سيوفهم وضربوا حسن بك وقتلوه وقتلوا معه أيضا جن علي ورجعوا وأخبروا سيدهم علي بك وذلك ليلة الثلاثاء ثامن شهر رجب من سنة 1181 وأصبح علي بك مالكا للابواب ورسم بنفي قاسم بك وإسمعيل بك أبي مدفع وعبد الرحمن بك وإسمعيل بك كتخدا عزبان ومحمد كتخدا زنور ومصطفى جاويش تابع

ص: 322

مصطفى جاويش الكبير مملوك إبراهيم كتخدا وخليل جاويش درب الحجر.

وفي حادي عشر شهر شوال اخرج أيضا نحو الثلاثين شخصا من الأعيان ونفاهم في البلاد وفيهم ثمانية عشر اميرا من جماعة الفلاح وفيهم علي كتخدا وأحمد كتخدا الفلاح وإبراهيم كتخدا مناو وسليمان أغا كتخدا جاووشان الكبير وصناجقه حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وخلافهم مقادم وأوده باشية فنفى الجميع إلى جهة قبلي وأرسل سليمان أغا كتخدا الجاويشية إلى السويس ليذهب إلى الحجاز من القلزم واستمر هناك إلى أن مات.

وفيه قبض علي بك على الشيخ يوسف بن وحيش وضربه علقة قوية ونفاه إلى بلده جناج فلم يزل بها إلى أن مات. وكان من دهاة العالم وكان كاتبا عند عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وله شهرة وسمعة في السعي وقضاء الدعاوى والشكاوى والتحيلات والمداهنات والتلبيسات وغير ذلك.

وفي شهر الحجة وصلت اخبار عن حسين بك كشكش وخليل بك أنهم لما وصلوا إلى غزة جمعوا جموعا وإنهم قادمون إلى مصر فشرع علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة وبرزوا وسافروا. ثم ورد الخبر بعد ثلاثة أيام أنهم عرجوا إلى جهة دمياط ونهبوا منها شيئا كثيرا ثم حضروا إلى المنصورة ونهبوا منها كذلك فأرسل علي بك يأمر التجريدة بالذهاب إليهم وأرسل لهم أيضا عسكرا من البحر فتلاقوا معهم عند الديزس والجراح من أعمال المنصورة عند سمنود فوقع بينهم وقعة عظيمة وانهزمت التجريدة وولوا راجعين. وقتل في هذه المعركة سليمان جربجي باش اختيار جمليان وأحمد جرجبي ظنان جراكسه وعمر أغا جاووشان أمين الشون وكانوا صدور الوجاقات ولم يزالوا في هزيمتهم إلى دجوة. فلما وصل الخبر بذلك إلى علي بك اهتم لذلك ونزل الباشا وخرج إلى

ص: 323

قبة باب النصر خارج القاهرة وجمع الوجاقلية والعلماء وأرباب السجاجيد وأمر الباشا بأن كل من كان وجاقيا أو عليه عتامنة يشهل نفسه ويطلع إلى التجريدة أو يخرج عنه بدلا واجتهد علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة أخرى وكبيرها محمد بك أبو الذهب وسافروا في أوائل المحرم واجتمعوا بالتجريدة الأولى وسار الجميع خلف حسين بك وخليل بك ومن معهم وكانوا عدوا إلى بر الغربية بعد أن هزموا التجريدة فلو قدر الله أنهم لما كسروا التجريدة ساقوا خلفهم كما فعل علي بك وصالح بك لدخلوا إلى مصر من غير مانع ولكن لم يرد الله تعالى لهم ذلك. وانقضت هذه السنين وما وقع بها.

من مات في هذه الاعوام من أكابر العلماء وأعاظم الأمراء.

مات الشيخ الإمام الفقيه المحدث الشريف السيد محمد بن محمد البليدي المالكي الأشعري الاندلسي حضر دروس الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم البقري المقري الشافعي في سنة 1110 ثم على اشياخ الوقت كالشيخ العزيزي والملوي والنفراوي وتمهر ثم لازم الفقه والحديث بالمشهد الحسيني فراج أمره واشتهر ذكره وعظمت حلقته وحسن اعتقاد الناس فيه وانكبوا على تقبيل يده وزيارته وخصوصا تجار المغاربة لعلة الجنسية فهادوه وواسوه واشتروا له بيتا بالعطفة المعروفة بدرب الشيشيني وفسطوا المنه على أنفسهم ودفعوه من مالهم. فلم يزل مقبلا على شانه ملازما على طريقته مواطبا على املاء الحديث كصحيح البخاري ومسلم والموطأ والشفاء والشمائل حتى توفي ليلة التاسع والعشرين من رمضان سنة ست وسبعين ومائة وألف.

ومات الأستاذ المعظم ذو المناقب العلية والسجايا المرضية بقية السلف السيد مجد الدين محمد أبو هادي بن وفي ولد سنة 1151 ومات والده وهو طفل فنشأ يتيما وخلف عمه في المشيخة والتكلم واقبل على العلم

ص: 324

والمطالعة والاذكار والأوراد وولى نقابة الأشراف بمصر في الإثناء فساس فيها أحسن سياسة وجمع له بين طرفي الرياسة وكان ابيض وسيما ذا مهابة لايهاب في الله إمارا بالمعروف فاعلا للخير توفي يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة 1176 وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم حضره الأكابر والأصاغر وحمل على الأعناق ودفن بزاويتهم بالقرب من عمه رضي الله عنه وتخلف بعده السيد شهاب الدين أحمد أبو الامداد.

ومات أيضا في هذا الشهر والسنة الصدر الاعظم المغفور له محمد باشا المعروف براغب وكان معدودا من أفاضل العلماء وأكابر الحكماء جامعا للرياستين حويا للفضيلتين وله تأليف وابحاث في المعقول والمنقول والفروع والأصول وهو الذي حضر إلى مصر واليا في سنة 1159 ووقع له ما وقع مع الخشاب والدمايطة كما تقدم ورجع إلى الديار الرومية وتولى الصدارة ثم توفي إلى رحمة الله تعالى في رابع عشرين شهر رمضان سنة 1176.

ومات الشيخ المجذوب علي الهواري كان من أرباب الأحوال الصادقين والأولياء المستغفرين وأصله من الصعيد. وكان يركب الخيول ويروضها ويجيد ركوبها ولذلك لقب بالهواري. ثم أقلع من ذلك وانجذب مرة واحدة وكان للناس فيه اعتقاد حسن وحكى عنه الكشف غير واحد ويدور في الأسواق والناس يتبركون به. مات شهيدا بالرميلة أصابته رصاصة من يد رومي فلتة في سنة 1176 وصلوا عليه بالأزهر وازدحم الناس على جنازته رحمه الله.

ومات الشيخ المسند عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني المكي الشافعي الشهير باسقاف ابن أخت حافظ الحجاز عبد الله بن سالم البصري وأسقاف لقب جده الأكبر عبد الرحمن من آل باعلوي. ولد بمكة سنة 1102 وروى عن خالد المذكور وعن الشيخين العجمي والنخلي.

ص: 325

والشيخ تاج الدين المفتي وحسين بن عبد الرحمن الخطيب ومحمد عقبلة وادريس بن أحمد اليماني والشيخ عيد وعبد الوهاب الطنتدائي ومصطفى ابن فتح الله الحنفي وسمع الأولية عاليا عن الشهاب أحمد البناء بعناية خاله سنة 1110 ومهر وانجب واشتهر صيته وسمع منه كبار الشيوخ وأجازهم كالشيخ الوالد والشيخ أحمد الجوهري وعندي اجازته للوالد بخطه وكذلك أجاز عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد عقيلة ومحمد السندي وذلك بمكة سنة 1157 وبه تخرج شيخنا السيد محمد مرتضى في غالب مروياته وسمعت منه أنه اجتمع به بالمدينة المنورة عند باب الرحمة أحد ابواب الحرم الشريف وسمع منه وأجازه اجازة عامة وذلك في سنة 1163 ولازمه بمكة سنة 1164 وسمع منه أوائل الكتب الستة وأباح له كتب خاله يراجع فيها ما يحتاج إليه وسمع من لفظه المسلسل بالعيد بالحرم المكي في صحبة سلالة الصالحين الشيخ عبد الرحمن المشرع وأجازهما توفي في سنة 1174.

ومات العمدة العلامة المفوه النبيه الفقيه الشيخ محمد العدوي الحنفي تفقه على كل من الأسقاطي والسيد علي الضرير والشيخ الزيادي وغيرهم. وحضر في المعقول على أشياخ الوقف كالملوكي والعماوي وتصدر للافادة والاقراء وكان ذا شكيمة وشجاعة نفس وقوة جنان ومكارم أخلاق. توفي في ثالث الحجة سنة 1175.

ومات الإمام العلامة الفقيه المتقن الشيخ محمد بن عبد الوهاب الدلجي الحنفي وهو ابن خال الوالد اشتغل بالعلوم والفقه على أشياخ الوقت ودرس وأفتى واقتنى كتبا نفيسة في الفقه وجميعها بخط حسن وقابلها وصححها وكتب عليها بخطه الحسن وكانت جميع كتبه الفقهية وغيرها في غاية الجودة والصحة يضرب بها المثل ويعتمد عليها إلى الآن. وكان ملازما للافادة والافتاء والتدريس والنفع على حالة حسنة ودماثة

ص: 326

أخلاق وحسن عشرة ولم يزل حتى توفي في شهر رجب سنة 1177.

ومات الفقيه الصالح الخير الدين حسن بن سلامة الطيبي المالكي نزيل ثغر رشيد تفقه على شيخه محمد بن عبد الله الزهيري وبه تخرج وأجازه محمد بن عثمان الصافي البرلسي في طريقة البراهمة وسيدي أحمد ابن قاسم البوتي حين ورد ثغر رشيد في الحديث ودرس بجامع زغلول وأفتى ودرسه أكبر الدروس وكان لديه فوائد كثيرة. توفي سنة 1176.

ومات المفتي الفاضل النبيه زين الدين أبو المعالي حسن بن علي بن علي ابن منصور بن عامر بن ذئاب شمة الفوي الأصل المكي ينتهي نسبة إلى الولي الكامل سيدي محمد بن زين النحراوي ومن أمة إلى سيدي إبراهيم البسيوني ولد بمكة سنة 1142 وبها تنشأ وأخذ العلم عن الشيخ عطاء بن أحمد المصري والشيخ أحمد الأشبولي وغيرهما من الواردين بالحرمين وأتى إلى مصر فحضر دروس الشيخ الحفني وله انتسب وأجازه في الطريقة البرهامية بلدية الشيخ منصور هدية وألف وأجاد وكان فصيحا بليغا ذكيا حاد الذهن جيد القريحة له سعة اطلاع في العلوم الغريبة ونظم رائق مع سرعة الارتجال وقد جمع كلامه في ديران هو على فضله عنوان وسكن في الآخر بولاق وبها توفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان سنة 1146.

ومات الشيخ الإمام الفقيه المحدث المحقق الشيخ خليل بن محمد المغربي الأصل المالكي المصري أتى والده من المغرب فتدير مصر وولده المترجم بها نشأ على عفة وصلاح وأقبل على تحصيل المعارف والعلوم فأدرك منها المروم وحضر دروس الشيخ الملوي والسيد البليدي وغيرهما من فضلاء الوقت إلى أن استكمل هلال معارفه وأبدر وفاق أقرانه في التحقيقات واشتهر وكان حسن الالقاء للعلوم حسن التقرير والتحرير حاد القريحة جيد الذهن إماما في المعقولات وحلالا للمشكلات وولي

ص: 327

خزانة كتب المؤيد مدة فأصلح ما فسد منها ورم ما تشعث وانتفع به جماعة كثيرون من أهل عصرنا وله مؤلفات منها شرح المقولات العشر. توفي يوم الخميس خامس عشرين المحرم سنة 1177 بالري وهو منصرف من الحج.

ومات السيد الأديب الشاعر المفنن عمر بن علي الفتوشي التونسي ويعرف بابن الوكيل ورد مصر في سنة أربع وخمسين فسمع الصحيح على الشيخ الحفني وأجازه في ثاني المحرم منها ثم توجه إلى الأسكندرية وتديرها مدة ثم ورد في أثناء أربع وسبعين وكان ينشد كثيرا من المقاطع لنفسه ولغيره وألف رسالة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خرج صيغها بالدور الاعلى للشيخ الأكبر وتولى نيابة القضاء بالكاملية وكان إنسانا حسنا لطيف المحاورة كثير التودد والمراعاة بشوش الملتقى مقبلا على شأنه. توفي في ثاني ذي الحجة 1175.

ومات الأستاذ الذاكر الشيخ محفوظ الفوي تليذ سيدي محمد ابن يوسف من ورم في رجليه في غرة جمادى الثانية سنة 1178. ودفن يومه قريبا من مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها.

ومات العالم الفقيه المحدث الأصولي الشيخ محمد بن يوسف بن عيسى الدنجيهي الشافعي بدمياط في سادس شعبان سنة 1178.

ومات الجناب المكرم الصالح المنفصل عن مشيخة الحرم النبوي عبد الرحمن آغا في ثامن شوال سنة 1179 ودفن بجوار المشهد النفيسي.

ومات الجناب المكرم محب الفقراء والمساكين الأمير إبراهيم أوده باشه غالم فجأة في ثامن جمادى الأولى سنة 1177 ودفن بمقبرتهم عند السادة المالكية.

ومات أيضا العمدة الشيخ عبد الفتاح المرحومي بالازبكية في تاسع شوال سنة 1178.

ص: 328

ومات الأجل المكرم الحاج حسن فخر الدين النابلسي عن سن عالية وكان من أرباب الأموال رابع عشرين جمادى الأولى سنة 1178.

ومات الأمير الأجل المحترم صاحب الخيرات والمحبب إلى الصالحات علي بن عبد الله مولى بشير آغا دار السعادة ولي وكالة دار السعادة فباشر فيها بحشمة وافرة وشهامة باهرة. وكان منزله مورد الوافدين من الآفاق مظهر التجليات الأشراق مع ميله إلى الفنون الغريبة وكماله في البدائع العجيبة من حسن الخط وجودة الرمي واتقان الفروسية.

ومدحته الشعراء وأحبته العلماء والقت إليه الرياسة قيادها فاصلح ما وهن من اركانها وازال فسادها ولقد عزل عن منصبه ولم يأفل بدر كماله واستمر ناموس حشمته باقيا على حاله واقتنى كتبا نفيسة وكان سموحا باعارتها وكان من جملتها البرهان القاطع للتبريزي في اللغة الفارسية على هيئة القاموس وسفينة الراغب وهي مجموعة جامعة للفوائد الغريبة ومنها كشف الظنون في اسماء الكتب والفنون لمصطفى خليفة وهو كتاب عجيب. توفي يوم الإثنين ثامن عشر شهر صفر سنة 1176 وصلى عليه بسبيل المؤمن ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي ولم يخلف بعده مثله في المروءة والكرم رحمه الله تعالى وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة.

ومات الإمام العالم العلامة والمدقق الفهامة الشيخ يوسف شقيق الأستاذ شمس الدين الحفني أخذ العلم عن مشايخ عصره مشاركا لاخيه وتلقى عن أخيه ولازمه ودرس وافاد وافتى وألف ونظم الشعر الفائق الرائق وله ديوان شعر مشهور وكتب حاشية عظيمة على الأشموني وهي مشهورة يتنافس فيها الفضلاء وحاشية على مختصر السعد وحاشية على شرح الخزرجية لشيخ الإسلام وحاشية على جمع الجوامع لم تكمل وحاشية على الناصر وابن قاسم وشرح شرح الأزهرية لمؤلفها وشرح على

ص: 329

شرح السعد لعقائد النسفي وحاشية الخيالي عليه. توفي في شهر صفر سنة 1178.

ومات الإمام الفصيح المفرد الأديب الماهر الناظم الناثر الشيخ علي ابن الخبر بن علي المرحومي الشافعي خطيب جامع الحبشلي. توفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة سنة 1178.

ومات الإمام العلامة السيد إبراهيم بن محمد أبي السعود بن علي بن علي الحسيني الحنفي ولد بمصر وقرأ الكثير على والده وبه تخرج في الفنون ومهر في الفقه وانجب وغاص في معرفة فروع المذهب وكانت فتاوية في حياة والده مسددة معروفة ويده الطولى في حل الأشكالات العقيمة مذكورة موصوفة رحل في صحبة والده إلى المنصورة فمدحهما القاضي عبد الله بن مرعي المكي واثنى عليهما بما هو مثبت في ترجمته ولو عاش المترجم لتم به جمال المذهب. توفي يوم الأحد سابع عشر جمادى الآخرة سنة 1179.

ومات الفقيه الزاهد الورع العالم المسلك الشيخ محمد بن عيسى ابن يوسف الدمياطي الشافعي أخذ المعقول عن السيد على الضرير والشيخ العزيزي والشيخ إبراهيم الفيومي والفقه أيضا عنهما وعن الشيخ العياشي والشيخ الملوي والحفني وطبقتهم واجتمع بالسيد مصطفى البكري وأخذ عنه الطريقة الخلوتية ولقنه الأسماء بشروطها وألف حاشية على المنهج ونسبها لشيخه السيد مصطفى العزيزي وله حاشية على سلم الاخضري في المنطق وحاشية علي السنوسية وغير ذلك. توفي في ثامن رمضان سنة 1178 وكانت جنازته حافلة وصلى عليه بالأزهر ودفن ببستان المجاورين وبنوا على قبره سقيفة يجتمع تحتها تلامذته في صبح يوم الجمعة يقرأون عنده القرآن ويذكرون واستمروا على ذلك مدة سنين.

ومات الإمام العلامة الناسك الشيخ أحمد بن محمد السحيمي الشافعي

ص: 330

نزيل قلعة الجبل حضر دروس الأشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وبه انتفع وتصدر للتدريس بجامع سيدي سارية واحيا الله به تلك البقعة وانتفع به الناس جيلا بعد جيل وعمر بالقرب من منزله زاوية وحفر ساقية بذل عليها بعض الأمراء باشارته مالا حفيلا فنبع الماء وعد ذلك من كراماته فإنهم كانوا قبل ذلك يتعبون من قلة الماء كثيرا. وشغل الناس بالذكر والعلم والمراقبة وصنف التصانيف المفيدة في علم التوحيد على الجوهرة وجعله متنا وشرحه مزجا وهي غاية في بابها وله حال مع الله وتؤثر عنه كرامات اعتنى بعض أصحابه بجمعها واشتهر بينهم أنه كان يعرف الأسم الاعظم وبالجملة فلم يكن في عصره من يدانيه في الصلاح والخير وحسن السلوك على قدم السلف. توفي ثامن شعبان سنة 1178. ودفن بباب الوزير.

ومات الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن صالح ابن أحمد بن علي بن الأستاذ أبي السعود الجارحي الشافعي ويقال له: السعودي نسبة إلى جده المذكور حضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي وغيره من فضلاء الوقت. وكان إماما محققا له باع في العلوم وكان مسكنه في باب الحديد أحد ابواب مصر وحضر السيد البليدي في تفسير البيضاوي وكان الشيخ يعتمده في أكثر ما يقول: ويعترف بفضله ويحسن الثناء عليه. توفي في شعبان سنة 1179.

ومات السيد الأجل المحترم فخر أعيان الأشراف المعتبر بن السيد محمد بن حسين الحسيني العادلي الدمرداشي ولد بمصر قبل القرن بقليل وادرك الشيوخ وتمول واثرى وصار له صيت وجاه وكان بيته بالازبكية ويرد عليه العلماء والفضلاء وكان وحيدا في شأنه وكلمته مقبولة عند الأمراء والأكابر. ولما تولى الشيخ أبو هادي الوفائي رحمه الله تعالى كان يتردد إلى مجلسه كثيرا. توفي سنة 1178.

ص: 331

ومات الشيخ الفاضل الناسك الكاتب الماهر البليغ سليمان بن عبد الله الرومي الأصل المصري مولى المرحوم علي بك الدمياطي جود الخط على حسن افندي الضيائي وانجب وتميز فيه واجيز وكتب بخطه الفائق كثيرا من الرسائل والاحزاب والأوراد وكانت له خلوة بالمدرسة السليمانية لاجتماع الاحباب وكان حسن المذاكرة لطيف الشمائل حلو الفاكهة يحفظ كثيرا من الاناشيد والمناسبات. توفي سنة 1179.

ومات السيد العالم الأديب الماهر الناظم الناثر محمد بن رضوان السيوطي الشهير بابن الصلاحي ولد باسيوط على رأس الأربعين ونشأ هناك وامه شريفة من بيت شهير هناك ولما ترعرع ورد مصر وحصل العلوم وحضر دروس الشيخ محمد الحفني ولازمه وانتسب إليه فلاحظته لوناره ولبسته اسراره ومال إلى فن الأدب فأخذ منه بالحظ الأوفر وخطه في غاية الجودة والصحة. وكتب نسخة من القاموس وهي في غاية الحسن والاتقان والضبط وله شعر عذب يغوص فيه على غرائب المعاني وربما يبتكر ما لم يسبق إليه. وتوجه بآخر امره إلى بلده وبه توفي سنة 1180 رحمه الله.

ومات الإمام الصوفي العارف الناسك الشيخ محمد سعيد بن أبي بكر بن عبد الرحيم بن مهنا الحسيني البغدادي ولد بمحلة أبي النجيب من بغداد وبها نشأ وأخذ عن الشيخ عبد العزيز بن أحمد الرحبي وحسن ابن مصطفى القادري وآخرين وحج وقطن المدينة مدة واجازه الشيخ محمد حيوة السندي والشيخ حسن الكوراني. ورد مصر سنة 1171.

فنزل بقصر الشوك قرب المشهد الحسيني وكان له في كلام القوم علافان إلى الغاية يورده على طريقة غريبة بحيث يرسخ في ذهن السامع ويلتذ به وكان يذهب لزيارته الأجلاء من الأشياخ مثل شيخنا السيد علي المقدسي والسيد محمد مرتضى والشيخ العفيفي وبالجملة فكان من

ص: 332

اعاجيب دهره وكان الشيخ العفيفي ينوه بشأنه ويقول: في حقه أنه من رجال الحضرة وانه ممن يرى النبي صلى الله عليه وسلم عيانا. وتوجه إلى الديار الرومية ثم عاد إلى المدينة ثم ورد أيضا إلى مصر بعد ذلك ونزل قرب الجامع الأزهر. ثم توجه إلى الديار الرومية وقطن بها. وظهرت له هناك الكرامات وطار صيته وعلت كلمته وصار له اتباع ومريدون ولم يزل هناك على حالة حسنة حتى وافاه الأجل المحتوم في أواخر الثمانين وخلف ولده من بعده رحمه الله تعالى وسامحه.

ومات الفقيه الصالح العلامة الفرضي الحيسوبي الشيخ أحمد بن أحمد السبلاوي الشافعي الأزهري الشهير برزة كان إماما عالما مواظبا على تدريس الفقه والمعقول بالجامع الأزهر وكان يحترف بيع الكتب وله حانوت بسوق الكتبيين مع الصلاح والورع والديانة ملازما على قراءة ابن قاسم بالأزهر كل يوم بعد الظهر أخذ عن الأشياخ المتقدمين وانتفع به الطلبة وكان إنسانا حسنا بهي الشكل عظيم اللحية منور الشيبة معتنيا بشأنه مقبلا على ربه. توفي سنة 1180.

ومات الأجل المكرم الفاضل النبيه النجيب الفقيه حسن افندي ابن حسن الضيائي المصري المجود المكتب ولد كما وجد بخطه سنة 1092 في منتصف جمادى الثانية واشتغل بالعلم على اعيان عصره واشتغل بالخط وجوده على مشايخ هذا الفن في طريقتي الحمدية وابن الصائغ. أما الطريقة الحمدية فعلى سليمان الشاكري والجزائري وصالح الحمامي وأما طريقة ابن الصائغ فعلى الشيخ محمد بن عبد المعطي السملاوي فالشاكري والحمامي جودا على عمر افندي وهو على درويش علي وهو على خالد افندي وهو على درويش محمد شيخ المشايخ حمد الله بن بير علي المعروف بابن الشيخ الاماسي وأما السملاوي فجود على محمد ابن محمد بن عمار وهو على والده وهو على يحيى المرصفي وهو على.

ص: 333

اسمعيل المكتب وهو على محمد الوسمي وهو على أبي الفضل الأعرج وهو على ابن الصائغ بسنده. وكان شيخا مهيبا بهي الشكل منور الشيبة شديد الانجماع عن الناس وله معرفة في علم الموسيقى والأوزان والعروض. وكان يعاشر الشيخ محمد الطائي كثيرا ويذاكره في العلوم والمعارف ويكتب غالب تقاريره على ما يكتبه بيده من الرسائل والمرقعات وقد اجاز في الخط لأناس كثيرا ويجتمع في مجالس الكتبة مع صرامة وشهامة وعزة نفس. توفي في منتصف ذي الحجة سنة 1180.

ومات الإمام العالم أحد العلماء الاذكياء وافراد الدهر البحاث في المعضلات الفتاح للمقفلات الشيخ عبد الكريم بن علي المسيري الشافعي المعروف بالزيات لملازمته شيخه سليمان الزيات حضر دروس فضلاء الوقت وانضوى إلى الشيخ سليمان الزيات ولازمه حتى صار معيدا الدروسة ومهر وانجب وتضلع في الفنون ودرس واملى. وكان اوحد زمانه في المعقولات ولازم اخيرا دروس الشيخ الحفني وتلقن منه العهد ثم أرسله الشيخ إلى بلاد الصعيد لأنه جاءه كتاب من أحد مشايخ الهوارة ممن يعتقد في الشيخ بان يرسل إليهم أحد تلامذته ينفع الناس بالناحية فكان هو المعين لهذا المهم فالبسه واجازه ولما وصل إلى ساحل بهجورة تلقته الناس بالقبول التام وعين له منزل واسع وحشم وخدم واقطعوا له جانبا من الأرض ليزرعها. فقطن بالبهجورة واعتنى به أميرها شيخ العرب إسمعيل بن عبد الله فدرس وافتى وقطع العهود وأقام مجلس الذكر وراج امره وراش جناحه ونفع وشفع وأثرى جدا وتملك عقارات ومواشي وعبيدا وزروعات ثم تقلبت الأحوال بالصعيد وأوذي المترجم وأخذ ما بيده من الاراضي وزحرحت حاله فأتى إلى مصر فلم يجد من يعينه لوفاة شيخه. ثم عاد ولم يحصل على طائل وما زال بالبهجورة حتى مات في أواخر سنة 1181.

ص: 334

ومات الإمام العلامة المتقن المعمر مسند الوقت وشيخ الشيوخ الشيخ أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجيري الملوي الشافعي الأزهري ولد كما أخبر من لفظه في فجر يوم الخميس ثاني شهر رمضان سنة 1088 وأمه آمنة بنت عامر بن حسن بن حسن بن علي بن سيف الدين ابن سليمان بن صالح بن القطب علي المغراوي الحسني اعتنى من صغره بالعلوم عناية كبيرة وأخذ عن الكبار من أولى الأسناد والحق الاحفاد بالاجداد فمن شيوخه الشهاب أحمد بن الفقيه والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد بن منصور الاطفيحي والشهاب الخليفي والشيخ عيد النمرسي والشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وابو العز محمد بن العجمي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ رضوان الطوخي والشيخ عبد الجواد وخاله أبو جابر علي بن فامر الايتاوي وابو الفيض علي بن إبراهيم البوتيجي وأبو الانس محمد بن عبد الرحمن المليجي هؤلاء من الشافعية ومن المالكية محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الورزازي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ عمر بن عبد السلام التطواني والشيخ أحمد الهشتوكي والشيخ محمد بن عبد الله السجلماسي والشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبد الله الكنكسي وابن أبي زكري وسليمان الحصيني والشبرخيتي ومن الحنفية السيد علي بن علي الحسيني الضرير الشهير باسكندر ورحل إلى الحرمين سنة 1122. فسمع علي البصري والنخلي الأولية وأوائل الكتب الستة واجازه والشيخ محمد طاهر الكوراني واجازه الشيخ ادريس ليماني ومنلا الياسي الكوراني ودخل تحت اجازة الشيخ إبراهيم الكوراني في العموم وعاد إلى مصر وهو إمام وقته المشار إليه في حل المشكلات المعول عليه في المعقولات والمنقولات قرأ المنهج مرارا وكذا غالب الكتب وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل. وكان تحريره أقوى من تقريره. وله رضي

ص: 335

الله عنه مؤلفات كثيرة منها شرحان على متن السلم كبير وصغير وشرحان كذلك على السمرقندية وشرح على الياسمينية وشرح الأجرومية ونظم النسب وشرحها وشرح عقيدة الغمري وعقود الدرر على شرح ديباجة المختصر أتمه بالمشهد الحسيني سنة ثلاث وعشرين. ونظم الموجهات وشرحها وتعريب رسالة منلا عصام في المجاز ومجموع صيغ صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم. ومؤلفاته مشهورة مقبولة متدولة بايدي الطلبة ويدرسها الأشياخ. وتعلل مدة وانقطع لذلك في منزله وهو ملقى على الفراش ومع ذلك يقرأ عليه كل يوم اوقات مختلفة أنواع العلوم وترد عليه الناس من الآفاق ويقرأون عليه ويستجيزونه فيجيزهم ويملي عليهم ويفيدهم ومنهم من يأتيه للزيارة والتبرك وطلب الدعاء فيمدهم بأنفاسه ويدعو لهم وكان ممتع الحواس وأقام على هذه الحالة نحو الثلاثين سنة حتى توفي في منتصف شهر ربيع الأول سنة 1181.

ومات الشيخ الإمام الصالح عبد الحي بن الحسن بن زين العابدين الحسيني البهنسي المالكي نزيل بولاق ولد بالبهنسا سنة 1083 وقدم إلى مصر فأخذ عن الشيخ خليل اللقاني والشيخ محمد النشرتي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد الاطفيحي والشيخ محمد الغمري والشيخ عبد الله الكنكسي والشيخ محمد بن سيف والشيخ محمد الخرشي وحج سنة 1113. والف فأخذ عن البصري والتخلي واجازه السيد محمد التهامي بالطريقة الشاذلية والسيد محمد بن علي العلوي في الأحمدية والشيخ محمد شويخ في الشناوية وحضر دروس المحدث الشيخ علي الطولوني ودرس بالجامع الخطيري ببولاق وافاد الطلبة وكان شيخا بهيا معمرا منور الشيبة منجمعا عن الناس زاهدا قانعا بالكفاف. توفي ليلة الإثنين حادي عشري شعبان سنة 1181 بمنزلة ببولاق وصلي عليه

ص: 336

بالجامع الكبير في مشهد حافل وحمل على الاعناق إلى مدافن الخلفاء قرب مشهد السيدة نفيسة فدفن بها رحمه الله.

ومات الشيخ إمام السنة ومقتدى الأمة عبد الخالق بن أبي بكر بن الزين ابن الصديق بن الزين بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أبي القاسم النمري الأشعري المزجاجي الزبيدي الحنفي من بيت العلم والتصوف جده الاعلى محمد بن محمد بن أبي القاسم صاحب الشيخ إسمعيل الجبرتي قطب اليمن وحفيده عبد الرحمن بن محمد خليفة جده في التسليك والتربية وهو الذي تدير زبيد بأهلة وعياله وكان قبل بالمزجاجة وهي قرية اسفل زبيد خربت الآن. ولد المترجم سنة ألف ومائة بزبيد وحفظ القرآن وبعض المتون ولما ترعرع أخذ عن الإمام المسند الشيخ علاء الدين المزجاجي والسيد عبد الفتاح بن إسمعيل الخاص والشيخ علي المرحومي نزيل مخا وأجازه من مكة الشيخ حسن العجمي بعناية والده وبعناية قريبه الشيخ علي بن علي المزجاجي نزيل مكة ووفد إلى الحرمين فأخذ بمكة عن الشيخ محمد عقيلة. روى عنه الكتب الستة وحمل عنه المسلسلات بشرطها والبسه وحكمه وحضر على الشيخ عبد الكريم اللاهوري في الفقه والأصول وكان يحثه على قراءة الاخسكيتي ويقول: لا يستغنى عنه طالب وحضر دروس الشيخ عبد المنعم ابن تاج الدين القلعي ومحمد بن حسن العجمي ومحمد بن سعيد التنبكتي وبالمدينة عن الشيخ محمد طاهر الكردي سمع منه أوائل الكتب الستة والشيخ محمد حياة السدي لازمه في سماع الكتب الستة وعاد إلى زبيد فاقبل على التدريس والافادة وسمع عليه شيخنا السيد محمد مرتضى الصحيحين وسنن النسائي كله بقراءته عليه في عين الرضا موضح بالنخل خارج زبيد كان يمكث فيه أيام خراف النخل والكنز والمنار كلاهما للنسفي ومسلسلات شيخه بن عقلية وهي خمسة وأربعون مسلسلا. وسمع عليه أيضا

ص: 337

المسلسل بيوم العيد ولازم درسه العامة والخاصة والبسه الخرقة ونقبه وحكمه بعد أن صحبه وتأدب به وبه تخرج شيخنا المذكور. كذا ذكر في ترجمته. قال: وفي اخرى توجه إلى الحرمين فمات بمكة في ذي الحجة سنة 1181.

ومات الشيخ الإمام الثبت العلامة الفقيه المحدث الشيخ عمر بن علي ابن يحيى بن مصطفى الطحلاوي المالكي الأزهري تفقه على الشيخ سالم النفراوي وحضر دروس الشيخ منصور المنوفي والشهاب بن الفقيه والشيخ محمد الصغير الورزازي والشيخ أحمد الملوي والشبراوي والبليدي وسمع الحديث عن الشهابين أحمد البابلي والشيخ أحمد العماوي وابي الحسن علي بن أحمد الحريشي الفاسي وتمهر في الفنون ودرس بالجامع الأزهر وبالمشهد الحسيني واشتهر امره وطار صيته واشير إليه بالتقدم في العلوم وتوجه إلى دار السلطنة في مهم اقتضى لامراء مصر فقوبل بالاجابة والقى هناك دروسا في الحديث في آيا صوفية وتلقى عنه أكابر العلماء هناك في ذلك الوقت وصرف معززا مقضيا حوائجه وذلك في سنة 1147. ولما تمم عثمان كتخدا القزدغلي بناء مسجده بالازبكية في تلك السنة تعين المترجم للتدريس فيه وذلك قبل سفره إلى الديار الرومية وكان مشهورا في حسن التقرير وعذوبة البيان وجودة الالقاء وقرأ الموطأ وغيره بالمشهد الحسيني وافاد وأجاز الأشياخ وكان يطلع في كل جمعة إلى المرحوم حمزة باشا مرة فيسمع عليه الحديث. وكان للناس فيه اعتقاد حسن وعليه هيبة ووقار وسكون ولكلامه وقع في القلوب توفي ليلة الخميس حادي عشر صفر سنة 1181 وصلي عليه بصباحه في الأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين رحمه الله.

ومات الوجيه الصالح الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن نور الدين بن بايزيد بن أحمد بن القطب شمس الدين بن أبي

ص: 338

المفاخر محمد بن داود التشربيني الشافعي وهو أحد الاخوة الثلاثة وهو أكبرهم تولى النظر والمشيخة بمقام جده بعد أبيه فسار فيها سيرا مليحا وأحيا المآثر بعدما اندرست وعمر الزاوية وأكرم الوافدين وأقام حلقة الذكر كل يوم وليلة بالمسجد ويغدق على المنشدين وورد مصر مرارا منها صحبة والده ومنها بعد وفاته وألف باسمه شيخنا السيد مرتضى رسالة في الطريقة الأوسية سماها عقيلة الاتراب في سند الطريقة والاحزاب وفي آخره أتى إلى مصر لمقتضى ومرض ثلاثة أيام. وتوفي ليلة الأحد غرة ذي القعدة سنة 1181.

ومات الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علما وعملا ومن أدرك ما لم تدركه الأول المشهود له بالكمال والتحقيق والمجمع على تقدمه في كل فريق شمس الملة والدين محمد بن سالم الحفاوي الشافعي الخلوتي وهو شريف حسيني من جهة أم أبيه وهي السيدة ترك ابنة السيد سالم بن محمد بن علي بن عبد الكريم بن السيد برطع المدفون ببركة الحاج وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين رضي الله عنه وكان والده مستوفيا عند بعض الأمراء بمصر وكان غاية من العفاف ولد على راس المائة ببلده حفنا بالقصر قرية من اعمال بلبيس وبها نشأ والنسبة إليها حفناوي وحفني وحفنوي وغلبت عليه النسبة حتى صار لا يذكر إلا بها وقرأ بها القرآن إلى سورة الشعراء ثم حجزه ابوه باشارة الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وعمره أربع عشرة سنة بالقاهرة فكمل حفظ القرآن ثم اشتغل بحفظ المتون فحفظ الفية ابن مالك والسلم والجوهرة والرحبية وابا شجاع وغير ذلك. واخذ العلم عن علماء عصره واجتهد ولازم دروسهم حتى تمهر واقرأ ودرس وأفاد في حياة اشياخه واجازوه بالافتاء والتدريس فاقرأ الكتب الدقيقة كالاشموني وجمع الجوامع والمنهج ومختصر السعد وغير ذلك من كتب الفقه والمنطق والأصول والحديث

ص: 339

والكلام عام اثنتين وعشرين واشياخه الذين أخذ عنهم وتخرج عليهم الشيخ أحمد الخليفي والشيخ محمد الديربي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ أحمد الملوى والشيخ محمد السجاعي والشيخ يوسف الملوي والشيخ عبده الديوي والشيخ محمد الصغير ومن اجل شيوخه الذين تخرج بالسند عنهم الشيخ محمد البديري الدمياطي الشهير بابن المبت أخذ عنه التفسير والحديث والمسندات والمسلسلات والاحياء للإمام الغزالي وصحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجه والموطأ ومسند الشافعي والمعجم الكبير للطيراني والمعجم الأوسط والصغير له أيضا وصحيح ابن حيان والمستدرك للنيسابوري والحلية للحافظ أبي نعيم وغير ذلك. وشهد له معاصروه بالتقدم في العلوم وحين جلس للافادة لازمه جل طلبة العلم ومن بهم يسمو المعقول والمنقول وكان إذ ذاك في شدة من ضيق العيش والنفقة فاشترى دواة وأقلاما وأوراقا واشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفا من انقطاعه عن العلم. وكان يتردد إلى زاوية سيدي شاهين الخلوتي بسفح الجبل ويمكث فيها الليالي متحنثا واقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جمع العلماء وقرأ المنهاج مرات وكتب عليه وكذلك جمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وحاشية حفيده علبه كتب عليها وقرأها غير مرة وكان الشيخ العلامة مصطفى العزيزي إذا رفع إليه سؤال يرسله إليه. واشتغل بعلم العروض حتى برع فيه وع إلى النظم والنثر وتخرج عليه غالب أهل عصره وطبقته ومن دونهم كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ إسمعيل الغنيمي صاحب التآليف البديعة والتحريرات الرفيعة المتوفى سنة أحدى وستين وشيخ الشيوخ الشيخ علي الغدوي والشيخ محمد الغيلاني والشيخ محمد الزهار نزيل المحلة الكبرى وغيرهم كما هو في تراجم المذكورين منهم. وكان على مجالسه هيبة ووقار ولا يسأله أحد لمهابته وجلالته فمن تآليفه المشهورة

ص: 340

حاشية على شرح رسالة العضد للسعد وعلى الشنشوري في الفرائض وعلى شرح الهمزية لابن حجر وعلى مختصر السعد وعلى شرح السمرقندي للياسمينية في الجبر والمقابلة وله تصانيف أخر مشهورة. وكان كريم الطبع جدا وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة جميل السجايا مهاب الشكل عظيم اللحية أبيضها كان على وجهه قنديلا من النور. وكان كريم العين على أحداهما نقطة وأكثر الناس لا يعلمون ذلك لجلالته ومهابته وكان في الحلم على جانب عظيم ومن مكارم آخلاقه اصغاؤه لكلام كل متكلم ولو من الخزعبلات مع انبساطه إليه واظهار المحبة ولو أطال عليه ومن رآه مدعيا شيئا سلم له في دعواه ومن مكارم أخلاقه أنه لو سأله إنسان اعز حاجة عليه اعطاها له كائنة ما كانت ويجد لذلك إنسا وانشراحا ولا يعلق أمله بشيء من الدنيا وله صدقات وصلات اخفية وظاهرة وكان راتب بيته من الخبز في كل يوم نحو الاردب والطاحون دائمة الدوران وكذلك دق البن وشربات السكر ولا ينقطع وورد الورادين ليلا ونهارا ويجتمع على مائدته الأربعون والخمسون والستون ويصرف على بيوت اتباعه والمنتسبين إليه. وشاع ذكره في أقطار الأرض واقبل عليه الوافدون بالطول والعرض وهادته الملوك وقصده والآخرة وجده. وكان رزقه فيضا الهيا. وللشيخ رضي الله عنه مناقب ومكاشفات وكرامات وبشارات وخوارق عادات يطول شرحها ذكرها الشيخ حسن المكي المعروف بشمه في كتابه الذي جمعه في خصوص الأستاذ وكذلك العلامة الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي له مؤلف في مناقب الشيخ ومدائحه وغير ذلك.

وصل في ذكر أخذ العهد بطريق الخلوتية.

وهي نسبة إلى سيدي محمد الخلوتي أحد أهل السلسلة ويعرفون.

ص: 341

أيضا بالقرباشلية نسبة إلى سيدي علي افندي قره باش أحد رجالها أيضا وهذا هو الأسم الخاص المميز لهم عن غيرهم من الخلوتية ولذلك قال السيد البكري في الالفية:

والخلوتية الكرام فرق

قد نهجوا نهج الجنيد فرقوا

وخيرهم طريقنا العلية

من قد دعوا بالقربا شليه

وهي طريقة مؤيدة بالشريعة الغراء والحنفية السمحاء ليس فيها تكليف بما لا يطاق وكانت خير الطرق لأن ذكرها الخاص بها لا إله إلا الله وهي أفضل ما يقول العبد كما في الحديث الشريف.

وكان المترجم رضي الله عنه اشتغل بالسلوك وطريق القوم بعد الثلاثين فأخذ على رجل يقال له الشيخ أحمد الشاذلي المغربي المعروف بالمقري فتلقى منه بعض أحزاب وأوراد ثم قدم السيد البكري من الشام سنة 1133 فاجتمع عليه الشيخ بواسطة بعض تلامذة السيد وهو السيد عبد الله السلفيتي فسلم عليه وجلس فجعل السيد ينظر إليه وهو كذلك ينظر إليه فحصل بينهما الارتباط القلبي ثم قام وجلس بين يدي السيد بعد الأستئذان وكانت عادة السيد إذا أتاه مريد امره أولا بالاستخارة قبل ذلك إلا هو فلم يأمره بها وذلك اشارة إلى كمال الارتباط فأخذ عليه العهد حالا ثم اشتغل بالذكر والمجاهدة. فرأى في منامه في بعض الليالي السيد البكري والشيخ أحمد الشاذلي المذكور جالسين والشيخ حمد يعاتبه على دخوله في الطريق ويعاتب أيضا السيد فقال له السيد: هل لك معه حاجة قال: نعم لي معه أمانة. وإذا بجريدة خضراء بيد السيد فقال له: هذه أمانتك قال: نعم. فكسرها نصفين ورماها للشاذلي وقال له: خذ امانتك ثم انتبه. فأخبر السيد فقال له: هذا اتصال بنا وانفصال عنه. وهذه النسبة الباطنية التي صار بها سلمان الفارسي وصهيب من أهل البيت. وقال ابن الفارض في التائيه على لسان

ص: 342

الصادق صلى الله عليه وسلم:

وإني وإن كنت ابن آدم صورة

فلي فيه معنى شاهد بالأبوة

فان آدم له أب من حيث النسبة الظاهرة وهو أب لآدم من حيث النسبة الباطنة لأنه نائب عنه في الارسال ومنبأ بخده في الانزال ولم يستمد من الحضرة العلية إلا بواسطته ولذلك لما توسل به قبلت توبته وزادت محبته ولم يجعل مهر حواء سوى الصلاة والسلام عليه كما ورد ذلك كله وهو من المعلوم ضرورة. فظهر بهذا أن هذه النسبة أعظم من تلك لترتب الثمرة عليها. ثم سار في طريقة القوم أتم سير حتى لقنه الأستاذ الأسم الثاني والثالث. ومن حين أخذ عليه العهد لم يقع منه في حق الشيخ إلا كمال الأدب والصدق التام وهو الذي قدمه وبه ساد أهل عصره. فمن ذلك أنه كان لا يتكلم في مجلسه أصلا إلا إذا سأله فإنه يجيبه على قدر السؤال ولم يزل يستعمل ذلك معه حتى اذن له بالتكلم في مجلسه في بعض رحلاته إلى القاهرة وسببه أنه لما رأى اقبال الناس عليه وتوجههم إليه قال له: انبسط إلى الناس واستقبلهم لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. ومما اتفق له أن شيخه المذكور قال له: مرة تعال الليلة مع الجماعة واذكروا عندنا في البيت. فلما دخل الليل نزل شتاء ومطر شديد فلم يتخلف وذهب حافيا والمطر يسكب عليه وهو يخوض في الوحل فقال له: كيف جئت في هذه الحالة. فقال: يا سيدي امرتمونا بالمجيء ولم تقيدوه بعذر وأيضا لا عذر والحالة هذه لا مكان المجيء وإن كنت حافيا. فقال له: أحسنت هذا أول قدم في الكمال إلى غير ذلك. ولما علم الشيخ صدق حاله وحسن فعاله قدمه على خلفائه وأولاده حسن ولائه ودعاه بالاخ الصادق ومنحه أسرارا واراه عيون الحقائق وكيفية تلقين الذكر وأخذ العهد كما وجد بخط الأستاذ يظهر ثبت عبد الله بن سالم البصري ما نصه:

ص: 343

هذه صورة أخذ العهد أرسلها إليه السيد البكري الصديقي الخلوتي حين أذنه باخذ العهود على طريقة السادة الخلوتية. ونص ما كتب كيفية المبايعة للنفس الطائعة أن يجلس المريد بين يدي الأستاذ ويلصق ركبته بركبته والشيخ مستقبل القبلة ويقرأ الفاتحة ويضع يده اليمنى في يده مسلما له نفسه مستمدا من امداده ويقول له: قل معي استغفر الله العظيم ثلاث مرات ويتعوذ ويقرأ آية التحريم "يا ايها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا" إلى "قدير" ثم يقرأ آية المبايعة التي في الفتح ليزول الأشتباه وهي: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: {عَظِيماً} ثم يقرأ فاتحة الكتاب ويدعو الله لنفسه وللآخذ بالتوفيق ويوصيه بالقيام باوراد الطريق والدوام على ذوق أهل هذا الفريق وعرض الخواطر وقص الرؤيات العواطر وإذا وقعت الأشارة بتلقين الأسم الثاني لقنه ليبلغ الاماني. وفتح له باب توحيد الافعال إذ لا غيره فعال وفي الثالث توحيد الأسماء ليشهد السر الأسمى وفي الرابع توحيد الصفات ليدرجه إلى اعلى الصفات وفي الخامس توحيد الذات ليحظى باوفر اللذات وفي السادس والسابع يكمل له التوابع. ونسأل الله تعالى الهداية والرعاية والعناية والدراية والحمد لله رب العالمين انتهى. هذا ما كتب بخطه الشريف. قال: ورأيت أيضا بظهر الثبت المذكور ما نصه.

ثم رأيت في الفتوحات الالهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية وهو كتاب نحو كراس لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ما نصه إذا أراد الشيخ أن ياخذ العهد على المريد فليتطهر وليأمره بالتطهر من الحدث والخبث ليتهيا لقبول ما يلقيه إليه من الشروط في الطريق ويتوجه إلى الله تعالى ويسأله القبول لهما ويتوسل إليه في ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه الواسطة بينه وبين خلفه ويضع يده اليمنى على يد المريد اليمنى بان يضع رحته على راحته ويقبض ابهامه باصابعه ويتعوذ

ص: 344

ويبسمل ثم يقول: الحمد لله رب العالمين استغفر الله العظيم الذي لا اله إلا هو الحي القيوم واتوب إليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ويقول المريد بعده مثل ما قال. ثم يقول اللهم: إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وأولياءك إني قد قبلته شيخنا في الله ومرشدا وداعيا إليه ثم يقول الشيخ اللهم: إني أشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك إني قد قبلته ولدا في الله فاقبله واقبل عليه وكن له ولا تكن عليه. ثم يدعو كأن يقول اللهم: أصلحنا وأصلح بنا واهدنا واهد بنا وأرشدنا وأرشد بنا اللهم: أرنا الحق حقا والهمنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم: اقطع عنا كل قاطع بقطعنا عنك ولا تقطعنا عنك ولا تشغلنا بغيرك عنك انتهى.

قلت والمراتب السبعة التي اشار إليها السيد في الكيفية المتقدمة هي مراتب الأسماء السبعة وللنفس في كل مرتبة منها مرتبة باسم خاص دال عليها الأسم الأول لا إله إلا الله وتسمى النفس فيه إمارة والثاني الله وتسمى النفس فيه لوامة والثالث هو وتسمى النفس فيه ملهمة والرابع حق وهو أول قدم يحله المريد من الولاية كما مرت الأشارة إليه وتسمى النفس فيه مطمئنة الخامس حي وتسمى النفس فيه راضية والسا دس قيوم وتسمى النفس فيه مرضية والسابع قهار وتسمى النفس فيه كاملة وهو غاية التلقين. وكلها ما عدا الأول منها تلقن في الاذن اليمنى إلا السابع ففي اليسري وتلقينها بحسب ما يراه الشيخ من احوال المريدين افعال وأقوال وعالم مثال. واعلم أن سلسلة القوم هذه في كيفية أخذ العهد والتلقين مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرويه عن جبريل وهو يرويه عن الله عز وجل. وفي بعض الروايات روايته عن رؤساء الملائكة الأربع والنبي صلى الله عليه وسلم لقن عليا رضي الله عنه وصورة ذلك كما في ريحان القلوب في التوصل إلى المحبوب لسيدي

ص: 345

يوسف العجمي أن عليا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله تعالى. فقال: "يا علي عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات". فقال علي رضي الله عنه: هذا فضيلة الذكر وكل الناس ذاكرون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله". فقال علي: كيف اذكر يا رسول الله. قال: غمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات ثم قل أنت ثلاث مرات وأنا اسمع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله" ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته وعلي يسمع ثم قال علي: لا إله إلا الله ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع. ثم لقن علي الحسن البصري رضي الله عنهما على الصحيح عند أهل السلسلة الاخيار من المحدثين. قال الجاحظ السيوطي: الراجح أن البصري أخذ عن علي ومثله عن الضياء المقدسي ومن المقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي ثم لقن الحسن البصري حبيبا العجمي وهو لقن داود الطائي وهو لقن معروفا الكرخي وهو لقن سريا السقطي وهو لقن أبا القاسم سيد الطائفتين الجنيد البغدادي وعنه تفرقت سائر الطرق المشهورة في الأسلام. ثم لقن الجنيد ممشاد الدينوري وهو لقن محمد الدينوري وهو لقن القاضي وجيه الدين وهو لقن عمر البكري وهو لقن أبا النجيب السهروردي وهو لقن قطب الدين الأبهري وهو لقن محمد النجاشي وهو لقن شهاب الدين الشيرازي وهو لقن جلال الدين التبريزي وهو لقن إبراهيم الكيلاني وهو لقن أخي محمد الخلوتي وإليه نسبة أهل الطريق وهو لقن بير عمر الخلوتي وهو لقن أخي بيرام الخلوتي وهو لقن عز الدين الخلوتي وهو لقن صدر الدين الخيالي وهو لقن يحيى الشرواني صاحب ورد الستار وهو لقن بير محمد الارزنجاني وهو لقن جلبي سلطان المشهور بجلبي خليفة وهو لقن خير التوقادي وهو لقن

ص: 346

شعبان القسطموني وهو لقن إسمعيل الجورومي وهو المدفون في باب الصغير في بيت المقدس عند مرقد سيدي بلال الحبشي وهو لقن سيدي علي افندي قره باش أي أسود الرأس باللغة التركية وإليه نسبة طريقنا كما مر وهو لقن مصطفى افندي ولده وخلفاؤه كما قال السيد الصديقي: أربعمائة ونيف وأربعون خليفة وهو لقن عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبي وهو لقن شمس الطريقة وبرهان الحقيقة السيد مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي وهو لقن قطب رحاها ومقصد سرها ونجواها شيخنا الشيخ محمد الحفناوي وهو لقن وخلف اشياخا كثيرة منهم بركة المسلمين وكهف الواصلين الصوفي الصائم القائم العابد الزاهد الشيخ محمد السمنودي المعروف بالمنير شيخ القراء والمحدثين وصدر الفقهاء والمتكلمين.

من مناقبه الحميدة صيام الدهر مع عدم التكلف لذلك وقيام الليل يقرأ في كل ركعة ثلث القرآن وربما نصفه أو جميعه في كل ركعة هذا ورده دائما صيفا وشتاء فتى وشيخا يافعا ومنها تواضعه وخموله وعدم رؤية نفسه ويبرأ من أن تنسب إليه منقبة وسيأتي باقي ترجمته في وفاته.

ومنهم علامة وقته وأوانه الولي الصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم القوى طلب العلم وبرع فيه وفاق على أقرانه ثم جذبته ايدي العناية إلى الشيخ فأخذ عليه العهد ولقنه اسماء الطريق السبعة على حسب سلوكه في سيره ثنم البسه التاج واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار مجالس الذكر ودعا الناس إليها من سائر الاقطار وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق باسرار القرآن.

ومنهم العالم النحرير الصوفي الصالح السلك الراجح الشيخ محمد السنهوري ثم الفوى طلب العلم حتى صار من أهل الافتاء والتدريس وانتصب للتأكيد والتأسيس ثم دعته سعادة حضرة القوم فسلك مع

ص: 347

المجاهدة وحسن السيرة على يد الأستاذ حتى لقنه الأسماء السبعة والبسه التاج وأقامة خليفة يهدي لاقوم منهاج ثم اذن له في التوجه إلى بلده فتوجه إليها وربي بها المريدين وادار مجالس الاذكار بتلك البقاع وعم به في الوجود الانتفاع.

ومنهم البحر الزاخر حائز مراتب المفاخر الولي الرباني والصوفي في العالم الإنساني الشيخ محمد الزعيري اشتغل بالعلم حتى برع وصار قدوة لكل مفتدي وجذوة لمن لا يهتدي ثم سلك على يد الأستاذ فأخذ عليه العهد ولقنه الأسماء على حسب سيره وسلوكه ثم خلفه والبسه التاج واجازه بالتلقين والتسليك.

ومنهم الحبر العلامة والبحر الفهامة شيخ الافتاء والتدريس الشيخ خضر رسلان اشتغل على الشيخ مدة مديدة ولازمه شديدة وأخذ عليه العهد في طريق الخلوتية حتى تلقن الأسماء والبسه الشيخ التاج وصار خليفة مجازا باخذ العهود والتسليك.

ومنهم الشيخ الصوفي الولي صاحب الكرامات والايادي والمكرمات شيخنا الشيخ محمود الكردي أخذ على الشيخ العهد والطريق ولقنه الأسماء فكان محمود الإفعال معروفاة بالكمال ثم البسه التاج وصار خليفة واجازه بالتلقين والتسليك فارشد الناس وازال عن قلوبهم الوسواس. وهو مشهور البركة يعتقده الخاص والعام كثير الرؤية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كراماته أنه متى أراد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم رآه. وله مكاشفات عجبية نفعنا الله بحبه ولا حجبنا عن قربه وهو الذي قام للارشاد والتسليك بعد انتقال شيخه وسلك على يده كثير وخلفوه من بعده منهم الشيخ الصالح الصوفي والشيخ محمد السقاط والشيخ العلامة شيخ الإسلام والمسلمين مولانا الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر الآن والإمام الأوحد

ص: 348

الشيخ محمد بدير الذي هو الآن بالقدس الشريف والمشار إليه في التسليك بتلك الديار والشيخ الصالح الناجح إبراهيم الحلبي الحنفي والسيد الأجل العلامة والرحالة الفهامة السيد عبد القادر الطرابلسي الحنفي والشيخ الإمام العمدة الهمام الشيخ عمر البابلي وغيرهم ادام الله النفع بوجودهم.

ومنهم العالم الالمعي الفهامة بقية السلف والخليفة ونعم الخلف الشيخ محمد سبط الأستاذ المترجم أطال الله بقاءه.

ومنهم الشيخ الفهامة الأديب الاريب واللوذعي النجيب الشيخ محمد البلناوي الشهير بالدمنهوري الشافعي.

ومنهم الشيخ الصوفي القدوة الشيخ أحمد الغزالي تلقن منه الأسماء وتخلف عنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك.

ومنهم العالم العامل الشيخ أحمد القحافي الأنصاري أخذ العهد وانتظم في سلك أهل الطريق وتلقن الأسماء وصار خليفة مجازا فارشد الناس وافتتح مجالس الاذكار.

ومنهم تاج الملة وانسان عين المجد من غير علة ذو النسب الباذخ والشرف الرفيع الشانح السيد علي القناوي تلقن الأسماء والبس التاج وصار خليفة حقا ومجازا بالتلقين والتسليك فادار مجالس الاذكار واشرقت به الأنوار.

ومنهم العلامة العامل والفهامة الواصل الفاضل الشيخ سليمان المنوفي نزيل طندتا وارشده وخلفه والبسه التاج واجازه فسلك وأرشد وله أحوال عجيبة.

ومنهم الصوفي الصالح الشيخ حسن السخاوي نزيل طندتا أيضا لقنه وخلفه والبسه التاج فدعا الناس لاقوم منهاج.

ومنهم علامة الانام الشيخ محمد الرشيدي الملقب بشعير لقنه وخلفه واجازه فكثر نفعه.

ص: 349

ومنهم العلامة الأوحد ومن على مثله الخناصر تعقد الشيخ يوسف الرشيدي الملقب بالشيال رحل أيضا إليه فتلقن منه وسلك على يديه حتى صار خليفة والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك ورجع إلى بلاده باوفر زاد وادار مجالس الذكر وأكثر المراقبة والفكر حتى كثرت اتباعه وعم انتفاعه.

ومنهم العمدة المقدم الهمام الناسك السالك الشيخ محمد الشهير بالسقالقنه واجازه بالتلقين والتسليك فكثر نفعه وطاب صنعه.

ومنهم فريد دهره وعالم عصره معدن الفضل والكمال قطب الجمال والجلال الشيخ باكير افندي لقنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك. ومنهم بدر الطريق وشمس افق التحقيق العالم العلامة والصوفي الفهامة الشيخ محمد الفشني لقنه وخلفه والبسه التاج فأخذ العهود ولقن وسلك وفاق في سائر الآفاق وتقدم في الخلاف والوفاق.

ومنهم العالم العامل والشهم الماهر الكامل الشيخ عبد الكريم المسيري الشهير بالزيات تلقن العهد والاسماء حسب سلوكه وسيره واجيز باخذ العهود والتلقين والتسليك فزاد نورا على نور وحبي بلذة الطاعة والحبور. ومنهم شيخ الفروع والأصول الجامع بين المعقول والمنقول علامة الزمان والحامل في وقته لواء العرفان الشيخ أحمد العدوي الملقب بدر دير جذبته العناية إلى نادي الهداية فجاء إلى الشيخ وطلب منه تلقين الذكر فلقنه وسار أحسن سير وسلك احسن سلوك حتى صار خليفة باخذ العهود والتلقين والتسليك مع المجاهدة والعمل المرضي وسيأتي في وفياتهم تتمة تراجمهم رضي الله عنهم.

ومنهم أيضا الشيخ العلامة الولي الصوفي الشيخ محمد الرشيدي الشهير بالمعصراوي.

ومنهم الإمام الجامع والولي الصوفي النافع مولاي أحمد الصقلي المغربي تلقن وتخلفه وأجيز باخذ العهود والتلقين والتسليك.

ص: 350

ومنهم الامجد العامل بعمله والمزدري السحر بفهمه الشيخ سليمان البتراوي ثم الأنصاري.

ومنهم الصالح العامل الفهامة العابد الزاهد الشيخ إسمعيل اليمني تلقن وسلك مع التقى والعفاف والملازمة الشديدة والخدمة الأكيدة وحسن المجاهدة.

ومنهم النحرير الكامل واللوذعي الفاضل مؤلف المجموع الشيخ حسن بن علي المكي المعروف بشمه الناظم الناثر الحاوي الخير المتكاثر وغير هؤلاء ممن لم نعرف كثير.

في ذكر رحلة الأستاذ المترجم إلى بيت المقدس.

وهو أنه لما اذن له السيد البكري بأخذ العهود وتلقين الذكر لم يقع له تسليك أحد في هذه الطريقة إنما كان شغله وتوجهه كله إلى العلم واقرائه لكن ذلك بجسمه وأما قلبه فلم يكن إلا عند شيخه السيد الصديقي ولم يزل كذلك إلى عام تسع وأربعين.

فحن جسمه إلى زيارة شيخه وانشد لسان حاله:

أخذتم فؤادي وهو بعضى فما الذي

يضركم لو كان عندكم الكل

ف أرسل إليه السيد يدعوه لزيارته فهام إذ فهم رمز اشارته وتعلقت نفسه بالرحيل فترك الاقراء والتدريس وتقشف وسافر إلى أن وصل بالقرب من بيت المقدس. فقيل له: إذا دخلت بيت المقدس فادخل من الباب الفلاني وصل ركعتين وزر محل كذا فقال لهم: أنا جئت قاصدا بيت المقدس وما جئت قاصدا إلا أستاذي فلا أدخل إلا من بابه ولا أصلي إلا في بيته. فعجبوا له فبلغ السيد كلامه فكان سببا لاقباله عليه وامداده ثم سار حتى دخل بيت المقدس فتوجه إلى بيت الأستاذ فقابله بالرحب والسعة وأفرد له مكانا ثم أخذ في المجاهدة من الصلاة والصوم والذكر

ص: 351

والعزلة والخلوة قال: فبينما أنا جالس في الخلوة إذا بداع يدعوني إليه فجئت إليه فوجدت بين يديه مائدة فقال: أنت صائم قلت نعم فقال: كل فامتثلت امره وأكلت فقال: اسمع ما أقول لك أن كان مرادك صوما وصلاة وجهادا أو رياضة فليكن ذلك في بلدك وأما عندنا فلا تشتغل بغيرنا ولا تقيد اوقاتك بما تروم من المجاهدة وإنما يكون ذلك بحسب الأستطاعة وكل واشرب وانبسط قال: فامتثلت اشارته ومكثت عنده أربعة أشهر كأنها ساعة غير إني لم افارقه قط خلوة وجلوة ومنحه في هذه المدة الأسرار وخلع عليه خلع القبول وتوجه بتاج العرفان واشهد مشاهد الجمع الأول والثاني وفرق له فرق الفرق الثاني فحاز من التداني اسرار المثاني ثم لما انقضت المدة واراد العود إلى القاهرة ودعه وما ودعه وسافر حتى وصل إلى غزة فبلغ خبره أمير تلك القرية وكانت الطريق مخيفة فوجه مع قافلة ببيرقين من العسكر فساروا فلقيهم في أثناء الطريق اعراب فخاوفوهم فقالوا لأهل القافلة لا تخافوا فلسنا من قطاع الطريق وإن كنا منهم فلا نقدر نكلمكم وهذا معكم وأشاروا إلى الشيخ ولم يزالوا سائرين حتى انتهوا إلى مكان في اثناء الطريق بعد مجاوزة العريش بنحو يومين فقيل لهم: إن طريقكم هذا غير مأمون الخطر ثم تشاوروا فقال لهم: إعراب ذلك المكان نحن نسير معكم ونسلك بكم طريقا غير هذا لكن اجعلوا لنا قدرا من الدراهم نأخذه منكم إذا وصلتم إلى بلبيس فتوقف الركب أجمعه فقال الأستاذ: أنا ادفع لكم هذا القدر هنالك فقالوا لا سبيل إلى ذلك كيف تدفع أنت وليس لك في القفل شيء والله ما نأخذ منك شيئا إلا أن ضمنت أهل القافلة فقبل ذلك فاتفق الرأي على دفع الدراهم من أرباب التجارات بضمانة الشيخ فضمنهم وساروا حتى وصلوا إلى بلبيس ثم منها إلى القاهرة فسرت به أتم سرور وأقبل عليه الناس من حينئذ أتم قبول ودانت لطاعته الرقاب وأخذ العهود على العالم.

ص: 352

وأدار مجالس الاذكار بالليل والنهار واحيا طريق القوم بعد دروسها وأنقذ من ورطة الجهل مهجا من عي نفوسها فبلغ هدية الاقطار كلها وصار في كثير من قرى مصر نقيب وخليفة وتلامذة واتباع يذكرون الله تعالى ولم يزل امره في ازدياد وانتشار حتى بلغ سائر اقطار الأرض. وسار الكبار والصغار والنساء والرجال يذكرون الله تعالى بطريقته وصار خليفة الوقت وقطبه ولم يبق ولي من أهل عصره إلا أذعن له وحين تصدى للتسليك وأخذ العهود أقبل عليه الناس من كل فج وكان في بدء الأمر لا يأخذون إلا بالاستخارة والاستشارة وكتابة اسمائهم ونحو ذلك فكثر الناس عليه وكثر الطلب فأخبر شيخه السيد الصديقي بذلك فقال له: لا تمنع أحدا يأخذ عنك ولو نصرانيا من غير شرط واسلم على يديه خلق كثير من النصارى وأول من أخذ عنه الطريق وسلك على يديه الولي الصوفي العالم العلامة المرشد الشيخ أحمد البناء الفوي ثم تلاه من ذكر وغيرهم وكان أستاذه السيد يثني عليه ويمدحه ويراسله نظما ونثرا ويترجمه بالاخ ولولا رآه قسيما له في الحال ما صدر عنه ذلك المقال حتى أنه قال له: يوما إني اخشى من دعائكم لي بالاخ لأنه خلاف عادة الأشياخ مع المريدين فقال له: لا تخش من شيء وامتدحه أشياخه ومعاصروه وتلامذته. توفي رضي الله عنه يوم السبت قبل الظهر سابع عشري ربيع الأول سنة 1181 ودفن يوم الأحد بعد أن صلي عليه في الأزهر في مشهد عظيم جدا وكان يوم هول كبير وكان بين وفاته ووفاة الأستاذ الملوي ثلاثة عشر يوما ومن ذلك التاريخ ابتدأ نزول البلاء واختلال أحوال الديار المصرية وظهر مصداق قول الراغب أن وجوده أمان على أهل مصر من نزول البلاء وهذا من المشاهد المحسوس وذلك أنه لم يكن في الناس من يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الهدى فسد نظام العالم وتنافرت القلوب ومتى تنافرت القلوب نزل البلاء ومن المعلوم المقرر أن صلاح

ص: 353

الأمة بالعلماء والملوك وصلاح الملوك تابع لصلاح العلماء وفساد اللازم بفساد الملزوم فما بالك بفقده والرحى لا تدور بدون قطبها وقد كان رحمه الله قطب رحى الديار المصرية ولا يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا باطلاعه واذنه ولما شرع الأمراء القائمون بمصر في اخراج التجاريد لعلي بك وصالح بك وأستاذنوه فمنعهم من ذلك وزجرهم وشنع عليهم ولم يأذن بذلك كما تقدم وعلموا أنه لا يتم قصدهم بدون ذاك فاشغلوا الأستاذ وسموه فعند ذلك لم يجدوا مانعا ولا رادعا وأخرجوا التجاريد وآل الأمر لخذلانهم وهلاكهم والتمثيل بهم وملك علي بك وفعل ما بدا له فلم يجد رادعا أيضا ونزل البلاء حينئذ بالبلاد المصرية والشامية والحجازية ولم يزل يتضاعف حتى عم الدنيا وأقطار الأرض فهذا هو السر الظاهري وهو لا شك تابع للباطني وهو القيام بحق وراثه النبوة وكمال المتابعة وتمهيد القواعد وأقامة اعلام الهدى والإسلام واحكام مباني التقوى لأنهم امناء الله في العالم وخلاصة بني آدم أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون.

ومات شمس الكمال أبو محمد الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن الشيخ نور بن بايزيد شهاب الدين أحمد بن القطب سيدي محمد بن أبي المفاخر داود الشربيني بمصر ونقلوا جسده إلى شريين ودفن عند جده سامحه الله وتجاوز عن سيآته وتولى بعده في خلافتهم أخوه الشيخ محمد ولهما أخ ثالث اسمه علي وكانت وفاة المترجم ليلة الأحد غرة ذي القعدة سنة 1181.

ومات الشيخ الإمام العلامة المتقن المتفنن الفقيه الأصولي النحوي الشيخ محمد بن محمد بن موسى العبيدي الفارسي الشافعي وأصله من فارسكور أخذ عن الشيخ علي قايتباي والشيخ الدفري والبشبيشي والنفراوي وكان آية في المعارف والزهد والورع والتصوف وكان

ص: 354

يلقي دروسا بجامع قوصون على طريقة الشيخ العزيزي والدمياطي وبآخراته توجه إلى الحجاز وجاور به سنة والقى هناك دروسا وانتفع به جماعة ومات بمكة وكان له مشهد عظيم ودفن عند السيدة خديجة رضي الله عنها.

ومات الشيخ الإمام العلامة مفيد الطالبين الشيخ أحمد أبو عامر النفراوي المالكي أخذ الفقه عن الشيخ سالم النفراوي والشيخ البليدي والطحلاوي والمعقول عنهم وعن الشيخ الملوي والحفني والشيخ عيسى البراوي وبرع في المعقول والمنقول ودرس وافاد وانتفع به الطلبة وكان درسه حافلا وله حظوة في كثرة الطلبة والتلاميذ توفي سنة 1181.

ومات الأمير حسن بك جوجو وجن علي بك وهما من مماليك إبراهيم كتخدا وكان حسن مذبذبا ومنافقا بين خشداشينه يوالي هؤلاء ظاهرا وينافق الآخرين سرا وتعصب مع حسين بك وخليل بك حتى أخرجوا علي بك إلى النوسات ثم صار يراسله سرا ويعلمه باحوالهم وأسرارهم إلى أن تحول إلى قبلي وانضم إلى صالح بك فأخذ يستميل متكلمي الوجاقلية إلى أن كانوا يكتبون لأغراضهم بقبلي ويرسلون المكاتبات في داخل افصاب الدخان وغيرها وهو مع من بمصر في الحركات والسكنات إلى أن حضر علي بك وصالح بك وكان هو ناصبا وطاقة معهم جهة البساتين فلما أرادوا الارتحال استمر مكانه وتخلف عنهم وبقي مع علي بك بمصر يشار إليه ويرى لنفسه المنة عليه وربما حدثته بالامارة دونه وتحقق علي بك أنه لا يتمكن من اغراضه وتمهيد الأمر لنفسه ما دام حسن بك موجودا فكتم امره وأخذ يدبر على قتله. فبيت مع اتباعه محمد بك وأيوب بك وخشداشينهم وتوافقوا على اغتياله فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن من شهر رجب حضر حسن بك المذكور وكذا خشداشه جن علي بك وسمرا معه حصة من الليل ثم ركبا فركب صحبتهما محمد

ص: 355

بك وأيوب بك ومماليكهما واغتالوهما في اثناء الطريق كما تقدم.

ومات الأمير رضوان جربجي الرزاز وأصله مملوك حسن كتخدا ابن الأمير خليل أغا وأصل خليل أغا هذا شاب تركي خردجي يبيع الخردة دخل يوما من بيت لاجين بك الذي عند السويقة المعروفة بسويقة لاجين وهو بيت عبد الرحمن أغا المتخرب الآن وكان ينفذ من الجهتين فرآه لاجين بك فمال قلبه إليه ونظر فيه بالفراسة مخايل النجابة فدعاه للمقام عنده في خدمته فأجاب لذلك واستمر في خدمته مدة وترقى عنده ثم عينه لسد جسر شرمساح ووعده بالاكرام أن هو اجتهد في سده على ما ينبغي فنزل إليه وساعدته العناية حتى سده وأحكمه ورجع ثم عينه لجبي الخراج وكان لا يحصل له الخراج إلا بالمشقة وتبقى البواقي على البواقي القديمة في كل سنة فلما نزل وكان في أوان حصاد الارز فوزن من المزارعين شعير الارز من المال الجديد والبواقي أولا بأول وشطب جميع ذلك من غير ضرر ولا أذية وجمعه وخزنه واتفق أنه غلا ثمنه في تلك السنة غلوا زائدا عن المعتاد فباعه بمبلغ عظيم ورجع لسيده بصناديق المال فقال: لا أخذ إلا حقي وأما الربح فهو لك فأخذ قدر ماله واعطاه الباقي فذهب واشترى لمخدومه جارية مليحة واهداها له فلم يقبلها وردها إليه وأعطى له البيت الذي بلتبانة ونزل له عن طصفة وكفرها ومنية تمامه وصار من الأمراء المعدودين فولد لخليل هذا حسن كتخدا ومصطفى كتخدا كانا أميرين كبيرين معدودين بمصر ومماليكه صالح كتخدا وعبد الله جربجي وإبراهيم جربجي وغيرهم ومن مماليكه حسن حسين جربجي المعروف بالفحل ورضوان جربجي هذا المترجم وغيرهما أكثر من المائة أمير. وكان رضوان جربجي هذا من الأمراء الخيرين الدينين له مكارم أخلاق وبر ومعروف ولما نفي علي بك عبد الرحمن كتخدا نفاه أيضا وأخرجه من مصر. ثم أن علي بك ذهب

ص: 356