الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة سبع وتسعين ومائة وألف
.
فيها تسحب أيضا جماعة من الكشاف والمماليك وذهبوا إلى قبلي فشرعوا في تجهيز تجريدة وعزم مراد بك على السفر وأخذ في تجهيز اللوازم فطلب الأموال فقبضوا على كثير من مساتير الناس والتجار والمتسببين وحبسوهم وصادروهم في أموالهم وسلبوا ما بأيديهم.
فجمعوا من المال ما جاوز الحد ولا يدخل تحت العد.
وفي منتصف ربيع الآخر برز مراد بك للسفر وأخرج خيامه إلى جهة البساتين وخرج صحبته الأمير لاجين بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الأشقر وسليمان بك أبو نبوت وكشافهم ومماليكهم وطوائفهم وسافروا بعد أيام.
وفي أواخر جمادى الثانية وردت الأخبار بان رضوان بيك قرابة علي بك حضر إلى مراد بك وانضم إليه فلما فعل ذلك انكسرت قلوب الآخرين وانخذلوا ورجعوا القهقرى ورجع مراد بك أيضا إلى مصر في منتصف شهر رجب وترك هناك مصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الأشقر.
وفي يوم الخميس سادس عشرين رجب اتفق مراد بك وإبراهيم بك على نفي جماعة من خشداشينهم وهم إبراهيم بك الوالي وأيوب بك الصغير وسليمان بك الأغا ورسموا لايوب بك أن يذهب إلى المنصورة فأبى وامتنع من الخروج فذهب إليه حسن كتخدا الجربان كتخدا مراد بك واحتال عليه فركب وخرج إلى غيظ مهمشة ثم سافر إلى المنصورة. وأما إبراهيم بك الوالي فركب بطوائفه ومماليكه وعدى إلى بر الجيزة فركب خلفه علي بك اباظة ولاجين بك وحجزوا هجنه وجماله عند المعادى وعدوا خلفه فأدركوه عند الاهرام فأحتالوا عليه وردوه إلى قصر العيني ثم سفروه إلى ناحية السرو.
ورأس الخليج. واما سليمان بك فإنه كان غائبا بأقليم الغربية والمنوفية يجمع من الفلاحين فردا وأموالا ومظالم فلما بلغه الخبر رجع إلى منوف فحضر إليه المعينون لنفيه وأمروه بالذهاب إلى المحلة الكبرى فركب بجماعته واتباعه فوصل إلى مسجد الخضر فاجتمع بأخيه إبراهيم بك الوالي هناك فأخذه صحبته وذهبا إلى جهة البحيرة.
وفي يوم الأحد غاية شهر رجب طلع الأمراء إلى الديوان وقلدوا خمسة من اغوات الكشاف صناجق وهم عبد الرحمن خازندار إبراهيم بك سابقا وقاسم أغا كاشف المنوفية سابقا وعرف بالموسقو وهو من مماليك محمد بك واشراق إبراهيم بك وحسين كاشف وعرف بالشفت بمعنى اليهودى وعثمان كاشف ومصطفى كاشف السلحدار وهؤلاء الثلاثة من طرف مراد بك.
وفي شهر شعبان وردت الأخبار من ثغر سكندرية بوصول باشا إلى الثغر واسمه محمد باشا السلحدار واليا على مصر فنزل الباشا القديم من القلعة إلى القصر بشاطىء النيل.
وفي أواخر شعبان وصل سلحدار الباشا الجديد بخلعة قائمقامية لإبراهيم بك.
وفيه وصلت الأخبار بأن سليمان بك وإبراهيم بك رجعوا من ناحية البحيرة إلى طندتا وجلسوا هناك وأرسلوا جوابات إلى الأمراء بمصر بذلك وإنهم يطلبون أن يعينوا لهم ما يتعيشون به.
وفيه أرسلوا خلعة إلى عثمان بك الشرقاوى بأن يستقر حاكما بجرجا زطلبوا مصطفى بك وسليمان بك أبا نبوت وعثمان بك الأشقر للحضور إلى مصر فحضروا واستقر عثمان بك الشرقاوى بجرجا.
وفي غرة رمضان هرب سليمان بك الأغا وإبراهيم بك الوالي من طندتا وعدوا إلى شرقية بلبيس ومروا من خلف الجبل وذهبوا إلى جهة الصعيد.
رجع علي كتخدا ويحيى كتخدا وسليمان بك إلى مصر بالحملة والجمال وبعض مماليك وأجناد.
وفي أواخر رمضان هرب أيضا أيوب بك من المنصورة وذهب إلى الصعيد أيضا وتواترت الأخبار بأنهم اجتمعوا مع بعضهم واتفقوا على العصيان فأرسلوا لهم محمد كتخدا أباظة وأحمد اغا جمليان وطلبوهم إلى الصلح ويعينون لهم أماكن يقيمون بها ويرسلون لهم احتياجاتهم فأتوا ذلك فطلبوا عثمان بك الشرقاوى ومصطفى بك للحضور فامتنعا أيضا وقالا لا نحضر ولا نصلح إلا أن رجع اخواننا رجعنا معهم ويردون لهم امرياتهم وبلادهم وبيوتهم ويعطلوا من صنجوقه وامروه عوضهم.
فلما حضر الجواب بذلك شرعوا في تجهيز تجريدة وأخذوا يفتشون أماكن الأمراء المذكورين فأخذوا ما وجدوه بمنزل مصطفى بك واتهموا أناسا بأمانات وودائع لمصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى منهم الدالي إبراهيم وغيره فجمعوا بهذه النكتة أموالا كثيرة حقا وباطلا.
وفي يوم الخميس عشرين شهر شوال كان خروج المحمل والحجاج وأمير الحاج مصطفى بك الكبير ولما انقضى أمر الحج برزوا للتجريدة وأميرها إبراهيم بك الكبير وجمعوا المراكب وحجزوها من أربابها وعطلوا أسباب التجار والمسافرين وجمعوا الأموال كما تقدم من المصادرات والملتزمين والفلاحين وغير ذلك وكان أمرا مهولا أيضا وبعد أيام وصل الخبر بان إبراهيم بك ضمنهم للصلح واصطلح معهم وأنه وأصل صحبتهم جميعا.
وفي سادس عشر ذى القعدة حضر إبراهيم بك ووصل بعده الجماعة ودخلوا إلى مصر وسكنوا في بيوت صغار ما عدا عثمان بك ومصطفى بك فإنهم نزلوا في بيوتهم وحضر صحبتهم أيضا علي بك وحسين بك الأسماعيلية فلم يعجب مراد بك ما فعله إبراهيم بك ولكن اسره في نفسه ولم يظهره.
وركب للسلام على إبراهيم بك فقط في الخلاء ولم يذهب إلى أحد من القادمين وسكن الحال على ذلك أياما وشرع إبراهيم بك في اجراء الصلح وصفاء الخاطر بينهم وبين مراد بك وأمرهم بالذهاب إليه فذهبوا إليه وسلموا عليه ثم ركب هو الآخر إليهم ما عدا الثلاثة المعزولين وكل ذلك وهو ينقل في متاع بيته وتعزيل ما فيه ثم أنه ركب في يوم الجمعة وعدى إلى جزيرة الذهب وتبعه كشافه وطوائفه وأرسل إلى بولاق وأخذ منها الارز والغلة والشعير والبقسماط وغير ذلك فأرسل له إبراهيم بك لاجين بك وسليمان بك أبا نبوت ليردوه عن ذلك فنهرهم وطردهم فرجعوا ثم أنه عدى إلى ناحية الشرق وذهب إلى قبلي وتبعه اغراضه وأتباعه وحملته من البر والبحر.
وفي هذه السنة قصر مد النيل وانهبط قبل الصليبة بسرعة فشرقت الأراضي القبلية والبحرية وعزت الغلال بسبب ذلك وبسبب نهب الأمراء وانقطاع الوارد من الجهة القبلية وشطح سعر القمح إلى عشرة ريالات الأردب واشتد جوع الفقراء. ووصل مراد بك إلى بني سويف وأقام هناك وقطع الطريق على المسافرين ونهبوا كل ما مر بهم في المراكب الصاعدة والهابطة.
من مات في هذه السنة من الأعيان.
توفي الفقيه النبيه العمدة الفاضل حاوى أنواع الفضائل الشيخ أحمد ابن الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن محمد السجاعي الشافعي الأزهري ولد بمصر ونشأ بها وقرأ على والده وعلى كثير من مشايخ الوقت وتصدر للتدريس في حياة أبيه وبعد موته في مواضعه وصار من اعيان العلماء وشارك في كل علم وتميز بالعلوم الغربية ولازم الوالد وأخذ عنه علم الحكمة والهداية وشرحها للقاضي زاده قراءة بحث وتحقيق.
والجغميني ولقط الجواهر والمجيب والمقنطر وشرح اشكال التأسيس وغير ذلك وله في تلك الفنون تعاليق ورسائل مفيدة وله براعة في التأليف ومعرفة باللغة وحافظة في الفقه. ومن تأليفه شرح على دلائل الخيرات كالحاشية مفيد وشرح على اسماء الله الحسنى قرظ عليه الشيخ عبد الله الادكاوى رحمه الله تعالى هذا وكان ممن منحه الله أسرارها وأظهر أنوارها فأوضح من معانيها ما خفي ومنح طلابها كنزا يتنافس في مثله انبل الفضلاء وافضل النبلاء أحمد الأسم محمود الصفات على الفعل حسن القول والذات نجل العلم العلامة العمدة الفهامة كعبة الافضال وقبلة الاجلال من تقصر عن تعداد محاسنه ولو طولت باعي مولانا الشيخ أحمد السجاعي حفظ الله عليه نجله الرشيد واراه منه ما يسر القريب والبعيد وحين لمحت عيني ما كتب مما حقه أن يرقم بدل الحبر بالذهب عوذته بالله من عين كل حسود وعملت أنه أن شاء الله تعالى سيسود وتطأ اخمصه اعناق الأسود. وسمع المترجم معنا كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى من الامالي وعدة مجالس من البخارى وجزء بن شاهد الجيش والعوالي المروية عن أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر المسماة بسلسلة الذهب وغير ذلك. ومن فوائد المترجم أنه رأى في المنام قائلا يقول له: من قال: كل يوم يا الله يا جبار يا قهار يا شديد البطش ثلثمائة وستين مرة أمن من الطاعون. توفي ليلة الإثنين سادس عشر صفر من السنة بعد أن تعلل بالاستسقاء وصلي عليه بالغد بالجامع الأزهر ودفن عند أبيه بالبستان رحمه الله تعالى.
ومات الشيخ الصالح الناسك الصوفي الزاهد سيدي أحمد بن علي ابن جميل الجعفرى الجزولي السوسي من ولد جعفر الطيار ولد بالسوس واشتغل بالعلم قليلا على علماء بلاده ثم ورد إلى مصر في 1182 فحج ورجع وقرأ معنا على الشيخ الوالد كثيرا من الرياضيات مع مشاركة.
سيدى محمد وسيدى أبي بكر ولدى الشيخ التاودى بن سودة حين وردا مع ابيهما في تلك السنة للحج والشيخ سالم القيرواني ثم غلب عليه الجذب فساح وذهب إلى الروم مجاهدا وأصيب بجراحات في بدنه وعولج حتى برأ وتعلم اللغة التركية وعرضت عليه الدنيا فلم يقبلها والغالب عليه اخفاء الحال. وورد إلى مصر في سنة أحدى وتسعين وتزوج بمصر وأقام بها مع كمال العفة والديانة وسلامة الباطن والانجماع عن الناس مع صفاء الخاطر والذوق المتين والميل إلى كتب الشيخ الأكبر والشعراني وزيارة القرافتين في كل جمعة على قدميه. أحببت لقاء الله تعالى توفي في ثالث ربيع الأول من السنة ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى.
ومات العمدة العلامة والحبر الفهامة قدوة المتصدرين ونخبة المفهمين النبيه المتفنن الشيخ محمد بن إبراهيم بن يوسف الهيتمي السجيني الشافعي الأزهري الشهير بأبي الارشاد ولد سنة 1154 وحفظ القرآن وتفقه على الشيخ المدابغي والبراوى والشيخ عبد الله السجيني وحضر دروس الشيخ الصعيدي وغيره وأجاز أشياخ العصر وافتى ودرس وتولى مشيخة رواق الشراقوة بالأزهر بعد وفاة خاله الشيخ عبد الرؤوف واشتهر ذكره وانتظم في عداد المشايخ المشار إليهم بالأزهر وفي الجمعيات والمجالس عند الأمراء ونظار الأزهر وفي الأخبار وله مؤلفات في الفنون وكتب حاشية على الخطيب على أبي شجاع إلا أنها لم تكمل ورسائل في مستصعبات المسائل بالمنهج وصنف رسالة تتعلق بنداء المؤمنين بعضهم بعضا في الجنة. توفي في أواخر القعدة.
ومات الإمام الهمام العلامة المقدام المتقن المتفنن المفيد الشيخ يوسف الشهير برزة الشافعي الأزهرى أحد العلماء المحصلين والأجلاء المفيدين تفقه على الشيخ العلامة الشيخ أحمد رزة وإليه انتسب وبه اشتهر وحضر على كل من الشيخ الحفناوى والشيخ أحمد البجرمي والشيخ عيسى.
البراوى ودرس الفقه والمعقول بالأزهر وأفاد وأفتى وصار في عداد المتصدرين المشار إليهم مع الانجماع والحشمة والكمال والرئاسة وحسن الحال ولم يتداخل كغيره في الأمور المخلة. ولم يزل مقبلا على شأنه حتى توفي في عاشر جمادى الأولى من السنة.
ومات الشيخ الصالح الورع علي بن عبد الله مولى الأمير بشير جلبه مولاه من بلاد الروم وحبب إليه السلوك فلازم الشيخ الحفني ملازمة كلية وأخذ عنه الطريق وحضر دروسه وسمع الصحيح على السيد مرتضى بتمامة في منزله بدرب الميضاة بالصليبة وكذلك مسلم وأبو داود وغير ذلك من الاجزاء الحديثة ومسلسلات بن عقيلة بشروطها وغالبها بقراءة السيد حسين الشيخوني. وكان إنسانا حلو المعاشرة كثير التودد لطيف الصحبة مكرما محسنا خيرا له بر وصدقات خفية توفي في يوم الأحد تاسع عشرين رجب بعد أن تعلل بالفتق عن كبر وصلي عليه بسبيل المؤمنين ودفن بالقرب من شيخنا محمود الكردى بالصحراء. وكان منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار وهيبة يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى رحمه الله تعالى.
ومات الشيخ الصالح عيسى بن أحمد القهاوى الوقاد بالمشهد الحسيني وخادم النعال بالموضع المذكور كان رجلا مسنا سخيا بما يملك مطعاما للواردين من الغرباء المنقطعين وأدرك جماعة من الصالحين وكان يحكي لنا عليهم أمورا غريبة وله مع الله حال وفي فهم كلام القوم وذوق حسن وللناس فيه اعتقاد عظيم. وفي أخرة أعجزة الهرم والقعود فتوجه إلى طندتا في آخر ربيع الثاني ومكث هناك برحاب سيدي أحمد البدوى إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشر جمادى الثانية ودفن عند مقام الولي الصالح سيدي عز الدين خارج البلد في موضع كان أعده السيد محمد مجاهد لنفسه فلم يتفق دفنه فيه.