المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدكتور طه حسين وما يقرره - تحت راية القرآن

[مصطفى صادق الرافعي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌المؤلف في سطور

- ‌تنبيه

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌المذهبان القديم والجديد

- ‌الميراث العربي

- ‌الجملة القرآنية

- ‌ما وراء الأكمة

- ‌الرأي العام في العربية الفصحى

- ‌تمصير اللغة

- ‌جلدة هرَّة

- ‌مقالات الأدب العربي في الجامعة المصرية

- ‌للتاريخ

- ‌مقال الجريدة الأولالأدب العربي في الجامعة المصرية

- ‌مقال الجريدة الثانيالأدب العربي في الجامعة

- ‌الدكتور طه حسين وما يقرِّره

- ‌التاريخ لا يكون بالافتراض ولا بالتحكم

- ‌أسلوب طه حسين

- ‌القنبلة الأولى

- ‌رسائل الأحزان في فلسفة الجمال والحب

- ‌إلى الجامعة المصرية

- ‌وإلى الجامعة أيضاً

- ‌وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا

- ‌فلسفةٌ كمضغ الماء

- ‌قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى (عِلْمٍ) بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ

- ‌أستاذ الآداب والقرآنإلى هيئة كبار العلماء ومجلس إدارة الجامعة

- ‌للتاريخ

- ‌كتاب الشعر الجاهليرأي لجنة العلماء فيه

- ‌فلما أدركه الغرق

- ‌موقف حرج لوزارة المعارف

- ‌طه حسين ابن الجامعة البكر

- ‌عصبية طه حسين على الإسلام

- ‌قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ

- ‌وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا

- ‌وشعر طه هو طه الشعر

- ‌خنفساء ذات لون أبيض

- ‌أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ

- ‌قال دمنة

- ‌حرية التفكير أم حرية التكفير. . .مقالة مرفوعة إلى البرلمان المصري

- ‌ذو الأقفال

- ‌فيلسوفة النمل

- ‌مسلم لفظاً لا معنى

- ‌رأيي في الحضارة الغربية

- ‌المجدد الجريء

- ‌الجامعة في مجلس النواب

- ‌جلسة يوم الاثنين13 سبتمبر سنة 1926خطبة الأستاذ عبد الخالقِ عطية

- ‌مسألة طه حسين

- ‌كلمة جريدة "الأهرام" الغراءالوزارة تعرض مسألة الثقةرشدي باشا وعدلي باشا في بيت الأمة ليلاًتفاصيل المسألة - تسويتها

- ‌جلسة يوم الثلاثاء

الفصل: ‌الدكتور طه حسين وما يقرره

‌الدكتور طه حسين وما يقرِّره

تفضل الأستاذ الدكتور طه حسين بإلقاء محاضرته على تأثير الوثنية

واليهودية والنصرانية على الشعر العربي، وانتهى إلى نتيجتين:

1 -

أن لا تأثير للوثنية واليهودية والنصرانية على الشعر العربي، والجاهلي

منه على الأخص.

2 -

أن ما وجد من الشعر مشتملاً على مبادئ الوثنية أو اليهودية أو

النصرانية إنما هو مدسوس على من نسب إليهم، وإنه لم يكن موجوداً في

عصرهم.

وأرجع هاتين النتيجتين إلى ما يأتي:

ا - إن الحكام المسلمين منعوا تداول كل شعر اشتمل على مبادئ هذه

الديانات مما يخالف سنن الإسلام ومبادئه ومحَوه جميعه.

2 -

إن أهل هذه الملل بعد سكون حركة الفتوحات واستتباب السلم

وتيقظ الحركة الفكرية في ميدان الأدب والعلم قد دفعهم تعصبهم لشعراء ملَّتهم السابقين إلى التقول عليهم بما لم يقولوه ونسبةِ أشعار إليهم لم تكن من نسج بيانهم ولا هي من منتجات عقولهم.

وإننا نستمح الأستاذ الفاضل ونتقدم إليه بحق حرمة حرية البحث أن

يتفضل علينا بالإجابة على ما تلجلج في صدورنا من أثر ما قرره حضرته ويفيدنا بما وسعه علمه الغزير عن المسائل الآتية:

1 -

قرر حضرته أن لا أثر للوثنية واليهودية والنصرانية على الشعر العربي

لأن العرب بعد الإسلام محوا جميع الأشعار التي تشتمل على مبادئ هذه

الديانات أو على مبادئ تختلف مع الدين الإسلامي وتناقض أصوله، وهذه

تهمة لا يعزب عن فطنته أنها على جانب من الخطورة لا يصح السكوت عليها

على أنها من مقررات العلم المسلم بها، لأن الأبحاث العلمية ليست أساسها

ص: 68

المشاعر وقيام نزعات وميول خاصة عند من يقررها، وإنما أساسها دائماً اليقين الذي يطمئن إليه الباحث في بحثه ويقتنع به كل من يدلي إليه بهذا البحث.

وإذا كان الأمر كذلك فليتفضل علينا الأستاذ ويقل لنا:

مَن مِن ملوك المسلمين وحكامهم هو الذي أمر بوأد الشعر الوثني

واليهودي والنصراني ومحوِه؟

مَن مِن أعوان هؤلاء الحكام الذىِ تولى ذلك؟

وكيف كانت طريقة المحو؟

وهل كتب لها النجاح في كل بلاد الإسلام؟

وهل لم تجد لها في البلاد الأخرى ملجأ إليه؟

وهنا نستلفت حضرته إلى أن الشعر كان يتناقل بالرواية وتعيه صدور

الحفاظ، وأن هؤلاء الحفاظ كانوا على ما وصل إليه علمنا في أكثرية ممن

يعرفون القراءة والكتابة، وأنه إذا كان لحاكم أيًّا كان أن يمحو ما حوته بطون

الكتب فكيف السبيل له أن يذهب بما وعته صدور الحفاظ من أهل هاته الملل

وأن يعقل ألسنتهم عن أن ينقلوا إلى أهل ملتهم من بنيهم ومُعاشريهم

ومخالطيهم وأصدقائهم والى غيرهم ممن لهم ضِلع معهم من صداقة أو صلة

علمية؛ وهل بعد هذا يمكننا أن نسلم بأنه لم يتسرب إلينا من شعر هاته الملل

شيء أصلاً؟

وهل بعد هذا يمكننا أن نسلم في راحة من الضمير أن ما نُسب إلى شعراء

هاته الملل من الشعر المشتمل على مبادئ دياناتهم واعتقاداتهم ليس هو من

شعرهم وأنه ملفق كله ولا يشتمل أي مأثور من أقوالهم؟

وإذا تجوزنا وقلنا باحتمال الشك فيما نقل إلينا من الأشعار المنسوبة إلى

هؤلاء القوم، فهل لا يحسن بالأستاذ أن يبين لنا مميزات الشعر الجاهلي

والأموي والعباسي بحيث يمكن التفريق بين كل منهم في كل فن من فنون

الشعر؟

وهل له أن يبين لنا أن هاته الفروق هي من الأصول الثابتة لم يخرج عليها

أحد من أهل تلك العصور؟

وهل لم يكن بينهم - على ما نعهده في رجال الأدب من معاصرينا من

ص: 69

ميل إلى الغريب والمهجور ويتعمد التعقيد في العبارة أو يميل إلى الابتذال.

وأنه لم يكن ثم من بينهم المتعصب إلى القديم والثائر عليهم المتعشق لكل

جديد؟ -

وهل يحسن بالأستاذ أن يبين لنا ما طباع كل شاعر ممن نسب إليهم هذا

الشعو كالأعشى وزهير وعبيد بن الأبرص وغيرهم من أصحاب المعلقات

وشعراء الجاهلية؟

وهل له أن يتنبأ لنا عما قام بنفسه وما كان يتملكه من الإحساس طول

حياته، في غضبه وحلمه، وزهده وتفاخره، وسرائه وضرائه، وما تكيفت به نفسيته في حله وترحاله، وصحته ومرضه وجِده ومجونه، وعبثه ولهوه، وفرحه وحزنه، وعبادته وعمله، وشبابه وهرمه؟

وأن يبين لنا وجه استحالة أن يصدر منه ما نسب إليه من الشعر؟

أظن - وليعذرني الأستاذ في ذلك - أن الوصول إلى شيء من هذا الذي بيناه ليس هو الشيء الهين إن لم يكن من المستحيل، وبعبارة أخرى أنه يستحيل الجزم بحال من الأحوال بأنه لم يصدر من واحد من هؤلاء أي شعر مما هو منسوب إليه الآن.

وإذا كان الأمر كذلك كان من المستحيل أن يقرر بطريقة علمية وعلى وجه

الجزم واليقين بعدم تسرب شعر أهل هاته الديانات إلينا، وأن الموجود منه بين

أيدينا متقول على أصحابه.

وهناك دليل آخر نسوقه إلى حضرته، وهو أن ديناً يحث على نشر العلم

ويزهو نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: "أنا مدينة العلم"

يستحيل عقلاً أن يعمل على دثر آثار شعراء

هاته الديانات لمجرد مخالفة مبادئهم لمبادئه، فقد جاء في الكتاب العزيز

(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) .

كما دلت الآثار على أن المسلمين كانوا على فهم تام لهذا

المبدأ، إذ بينما يحرم دينهم الخمر ويلعن رسولهم شاربها وحاملها وساقيها

تراهم قد وسِعَت صدورهم ما ضمنه الشعراء عنها في أشعارهم، بل زاد بهم

التسامح حتى أن زعيم المتصوفة والكثير منهم أتوا بخمريات في أشعارهم، في

حين أن هؤلاء من لا مطعن عليه في دينه ولا مطعن في أخذه بمبدأ تحليل

الخمر!

والأبلغ من ذلك تلك القصائد الكبيرة التي تضمنتها مجموعاتُ الأدب

الكبرى والطبقات الوافية من كتبه المعتبرة، كالأغاني والأمالى والعقد الفريد.

ص: 70

وغيرها، مما هو صريح في مسائل الملامسة والغزل.

وما ورد في المساحقة وغيرها من مسائل الاختلاط الشهواني والتعبير عن وسائل هذا بألفاظ هي غاية في الصراحة، وبالأخص في خروجها على آداب الدين ومبادئه وهي مع ذلك لم يمتنع تناولها ولا أمكن توقيف تيار تسربها من قائليها إلينا مع طول الفترة التي تفصل بيننا وبينهم.

وسواء قلنا بأن هذه الأشعار وصلت إلينا بسبب تسامح المسلمين أو بسبب

استحالة عملية الوأد والمحو، فالنتيجة المنطقية لذلك واحدة، وهي أنه لا يمكن التسليم بحال من الأحوال بما أراد حضرته أن يصلَ إليه وهو أن جميع الشعر المنسوب إلى شعراء الملل غير الإسلامية في الجاهلية على الأخص هو شعر مدخول عليهم مدسوس بحكم التعصب ونعرة الانتصار لأهل الملة.

هذا وإن مجرد القول بعدم وجود شعر لأهل الملل غير الإسلامية من

شعراء الجاهلية وعصور الخلفاء الراشدين ودولتي بني أمية وبني العباس هو قول يناقضه الواقع، ويكفينا ما حكاه الأستاذ الفاضل في محاضرته بأن هناك مجموعة كبيرة اسمها: شعراء النصرانية، وأن هناك طائفة أخرى منسوبة إلى شعراء أهل الملل والديانات الأخرى، إذ الأصل في الناس إذا ما رووا أن يحكموا الصدق، ولا يصح نسبة الكذب إليهم لغير علة ظاهرة.

وكل رواية لا تناقض العقل ولا تتنافى مع المشهور عن أخلاق من نسبت إليه والمتعارف من عاداته وطباعه ووسطه الذي نشأ فيه وببيئته التي تربى في أحضانها، لا يمكن ولا يصح أن يسلَّم بالشك فيها، كما أنه لا يتفق مع كرامة العلم واعتلاء عرش الأستاذية أن يتبرع الأستاذ بسرد التهم جزافاً إلى طوائف وجماعات بغير حجة قائمة عليهم تبعث اليقين إلى كل من عرضت عليه من أهل الحصانة، ومن باب أولى إن الأمانة تقضي بالتريث في الحكم بالإدانة في أية تهمة لأن من ألزم اللزوميات لمبادئ العلم رجوعها إلى قضايا يقينية وإلا فقدت قيمتها، لأن ما يرتكن على

قضايا تخمينية أو تصورية إنما يرتكن على أساس لا هو بالمأمون ولا هو محل

للثقة والاعتبار.

وإذا كانت هذه هي المبادئ الأولية المسلَّم بها في كل بحث علمي

الواجب اتباعها عند الحكم على أية مسألة من المسائل، فإن اتهام العرب من

المسلمين أو حكام دولهم بأنهم محوا الشعر المشتمل على مبادئ لأهل الوثنية

واليهودية والنصرانية تختلف عن مبادئ الدين الإسلامي - هو قول لا يرتكن

إلى شيء من الحقيقة اليقينية، وكان أيضاً القول بتلفيق كل الموجود من شعر

ص: 71

هؤلاء القوم مما هو منسوب إلى العصر الجاهلي أو الأموي أو العباسي هو

الآخر قول لم يقم الدليل على صحته، فضلاً عن مخالفته لمقتضى المعقول

الذي يجزم باستحاله منع تسرب شعر هؤلاء القوم.

وأظنني وقد وصلت إلى عكس ما ذهب إليه الأستاذ، ولم يطاوعني لا

ذمتي ولا ضميري على مشايعته في حكمه القاسي الذي حكمه، قد بينت

لحضرته مثار الشك في كل ما قرره.

عباس فضلي

القاضي بالمحاكم الأهلية

قلنا وقد نشرنا هذا المقال بحروفه لأنه كان سبباً في أن الدكتور طه حسين

أسقط من كتابه ما كان قرره في الجامعة مما أشار إليه صاحب المقال حتى

لتستطيع أن تضع يدك على مكان التمزيق من تلك المرقعة. . .

ولم يرد "طه" على هذا المقال ولكن ردت الطاء من طه. . .

فكتب لأحد تلاميذه أو كتب أحد تلاميذه، وهو وتلميذه كما قيل في حمار الأخطل:

هو وذيل حماره سواء!

ص: 72