الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاريخ لا يكون بالافتراض ولا بالتحكم
لا أريد أن أناقش أحداً ولا أن أسمي أشخاصاً ولا أن أحمل على باحث أديب
بتجهيل وإنما ألمح من خلال الكتابات التي يجود بها بعض أدباء، الوقت - منزعاً؛ وإن كان في حد ذاته محموداً فقد ينقلب في إساءة استعماله مذموماً ويصير ضلالاً.
ولع بعض الأدباء باتهام التاريخ الإسلامي الذي لدينا وسلوكِ طريقة في
التعليل لم يسلكها الأولون، ارتياداً لوجوه جديدة وأسباب للحوادث لم تكن
معروفة، بحيث يقال: إنهم كشفوا حقائق تاريخية لم يعرفها غيرهم أو عرفوا
أسراراً أعماها التاريخ الديني أو عمتها السياسة وأهواؤها على الجمهور.
ويسمون ذلك تمحيصاً وتحقيقاً، ويظنون أن التمحيص والتحقيق هما مجرد
المخالفة والخروج عما عليه الرأي العام.
والحقيقة أنه إن كان مقصدهم مجرد المخالفة وتغيير الأسلوب لعدم الصبر على طعام واحد فقد أصابوا الغرض.
ولكن إن كانوا يزعمون أن هذه التعليلات الغريبة هي الأصل في تلك الوقائع
فليسمحوا لنا أن نستعفيهم من التصديق لأننا نعرف التاريخ بالأدلة العقلية
والنقلية وملاحظة ما سبق وما لحق واستنباط النتائج من المقدمات، ولا نعرفه
تخرصات وافتراضات وأبنية على غير أساس، فإن كان هذا هو التمحيص
التاريخي الذي يتوخى بعض العصريين أن يقلد به الإفرنج فلا كان هذا
التمحيص الذي هو عبارة عن قلب الحقائق لأجل الإتيان بالبدع، ويجهل علماء الإفرنج عن أن يكون تمحيصهم من هذا النمط، وقد خلط منهم من خلط في معرض التمحيص ولكن نبه المدققون منهم على أنهم خلطوا.
فعندما يقوم واحد فيذهب إلى أن تاريخ حرب اليمامة محاط بالغموض.
وأن مقاتلة أبي بكر لأهل الردَّة لم تكن من أجل إقامة الدين بل من أجل تأسيس
الملك، وما أشبه ذلك من التوجيهات التي لم يقم عليها أدنى دليل - نعلم أنه
حاول أن ينهج مناهج الممحصين فظن التمحيص مجرد الخروج عن الإجماع
ولو كان الإجماع صحيحاً، فلم يصب المرمى.
وعندما يقوم آخر فيدعي أن السلف في صدر الإسلام وضعوا "سانسورا"
على الشعر الجاهلي المُشرَب مبادئ الوثنية أو النصرانية أو اليهودية - نعلم أن هذه الدعوى مبنية على الافترَاض والتخيل، وأنها لا تستند على دليل بل الواقع يناقضها من كل الجهات.
أعجبتني جداً عبارة الذي رد على هذه الفئة فقال لهم: "مَن مِن ملوك
المسلمين وحكامهم أمر بوأد الشعر الوثني واليهودي والنصراني ومَحوه؟
مَن مِن أعوان هؤلاء الحكام تولى ذلك؟ وكيف كانت طريقة المحو؟
وهل كتب لها النجاح في كل بلاد الإسلام؟ . . . الخ ".
والحقيقة أنه ليس لهم من جواب على هذا السؤال، ولا حيلة لهم في التخلص
منه إلا بإيراد أدلة واهية لا تدفع شيئاً من حقيقة حرية الرواية في ذلك العصر ومِن كون بابها بقي مفتوحاً على مصراعيه؛ ولا تنفي أن عصر الصحابة لم يعرف "السانسور" ولا مراقبة الرواية، رلا كمِّ الأفواه، ولا شيئاً من أوضاع "ديوان التفتيش ".
وإذا تأملتَ في كلام هذه الفرقة رأيتهم يشيرون من طرف خفي إلى نزول
درجة الحضارة التي كان عليها الصحابة، وأن شرائعهم وقوانينهم إنما كانت
شرائع قوم في طفولة المدنية، وأنها "لا تمس الحياة إلا قليلاً"، وما أشبه ذلك، ثم ينسون أن مراقبة الكتابات والروايات إن هي إلا من أوضاع الهيئات
الاجتماعية المتمدينة التي استبحر فيها العمران وتأثل الملك، وأن "السانسور"
لا يأتي مع بداوة المجتمع ولا يعقل وجوده في أيام السذاجة كالتي عاش فيها
النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم.
فمراقبة الكتب والخطب كانت تقع في رومية والقسطنطينية لعهد عظمة
القياصرة، وفي أيام سلطة الباباوات، وفي عهد ملوك فاتحين كـ لويس الرابع عشر، وقد بالغ فيها نابليون الأول ثم الثالث، وقد وقعت من أيام العرب في عهد العباسيين وغيرهم من ملوك الأعاجم، أو الملوك العرب الذين اتخذوا أطوار الأعاجم، فأما القول بأنها كانت في عهد الخلفاء الراشدين وفي أيام الصحابة فمحض تحكم ومكابرة.
نعم كان هؤلاء الناس من شديدي التحمس بالدين الجديد الذي جاءهم به
محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن حماستهم هذه لم تقلع ما في قلوبهم من حب الحرية التي نشأوا عليها في الجاهلية والتي لا يوجد في الشرق ولا في الغرب أمة بلغت شأو العرب فيها، ومن قال:
"إن العرب أعرق الأمم في الحرية" فغير مبالغ، لهذا تجدهم رووا
بألسنتهم وكتبوا بأقلامهم جميع مطاعن المشركين في النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه ولم يُخفوا منها قليلاً ولا كثيراً، ونقلوا الشبه والاعتراضات التي كانت تقع عَلى الرسول صلى الله عليه وسلم ورهطه، وذكروا كثيراً مما كان يرد به بعض العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أن اثنين تخاصما إليه فحكم لأحدهما، فقال المحكوم عليه: هذا حكم لم يُرد به وجه الله، فقال عليه الصلاة والسلام:
" أوذِيَ موسى من قبلي بأكثر من هذا"
وغير ذلك مما هو مستفيض في كتب السيرة النبوية وأخبار صدر الإسلام، ومما رواه الرواة المسلمون وحرره الكتبة المسلمون وأقرأه العلماء المسلمون، ولم يكن عندهم حرج في نقل تلك الأحاديث وإبرازها كما جاءت، لأنهم كانوا على بينة من دينهم الذي دانوا به، وكانت قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وكانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم معلومة
عندهم بدقائقها، فلم يكونوا يحتاجون فيها إلى "السانسور" دَرءاً للشبهات عنها وخوفاً من أن يُفضي تدأول هذه الروايات إلى زعزعة عقيدة الإسلام التي لم تكن منذ بها جاء بها صاحبها صلى الله عليه وسلم إلى اليوم على شفا جُرف هار.
إن الإسلام مولود رُزق الصحة ووثاقة التركيب منذ ولادته.
نعم في هاتيك الأيام وما يليها كانوا يردون أهاجي بعض الشعراء للصحابة
والأنصار و "لبني النجار" وفي تلك الأيام كان يعاتبُ الرسول ويقال له:
ما كان ضَرك لو عفوتَ فربما. . . مَن الفتى وهو المَغيظُ المُحنقُ
في أيام السلف كان ينادي الأخطل:
ولستُ بصائم رمضانَ عمري. . . ولستُ بآكل لحم الأضاحي
ولستُ بقائل ما عشتُ يوماً. . . قُبيل الصبح حيَّ على الفلاح
كان يقول هذا ويدخل على الخلفاء ويجيزونه الجوائز السنية، وكان هو
وغيره من النصارى واليهود يفتخرون بدينهم ويعلنونه في أشعارهم التي كان
يرويها المسلمون ويقيدونها في دفاترهم، ولما جاء الملكَ النعمانَ ابن المنذر
رجل نصراني في اليوم الذي كان عنده يوم بؤس وأمر النعمان بقتله، استماحه النصرانى مهلة أن يذهب ويودع أهله، فأذن له، على أن يقدم كفيلاً يحل محله فى القتل إذا هو لم يرجع، فرجع، وتعجب النعمان من وفائه، فسأله:
ما حملك على الوفاء؟
فأجابه النصراني: حملني ديني!
فقال له النعمان: وما دينك؟ قال له: النصرانية.
وتنصر النعمان بعد هذه فكانت هذه الرواية مما حرره المسلمون ولم يغمطوا النصرانية حقها، ولا غمطوا اليهودية أيضاً حقها، وأجمع العرب المسلمون على نقل مآثر السموأل وكان السموأل يهودياً، وما زال السموأل مضرباً للأمثال في علو النفس وكرم السجية إلى يومنا هذا، حتى قال شوقي -
شاعر العصر - منذ أيام قلائل:
كأَّ من السموأل فيه شيئاً - فكل جهاته كرم وخُلقُ
فكيف يكون المسلمون الأوائل حاولوَا خنق كل صوت غير صوتهم ومحو
آثار النصرانية واليهودية والوثنية من شعر العرب؟
ثم إن شعر شعراء النصرانية في الجاهلية يملأ الدواوين، وما منهم إلا مَن
حَرص علماء الإسلام على التنبيه أنه كان نصرانياً، وقد نقلوا خُطب قس بن
ساعدة الذي كان مطراناً، ونقلوا ثناء النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما كون ديوان شعراء النصرانية المطبوع في بيروت موضوعاً وأن الشعراء
المروية أشعارهم فيه لم يكونوا نصارى بل جعلهم صاحب الديوان نصارى وهم جاهليون لا غير، فمن يقول هذا، ومن يصل به المراء إلى إنكار أن أكثر أولئك الشعراء كانوا نصارى؟
غاية ما يقال إن بعض أولئك الشعراء لم تثبت نصرانيتهم.
وهذا لا ينفي أن شعراء كثيرين مثل العبادي والأخطل والقطامي كانوا نصارى مجمعاً على نصرانيتهم، وأن المسلمين نقلوا أشعارهم كما هي، ولم يحذفوا منها شيئاً، وكان الشعراء المسملمون يناقشونهم ويداعبونهم، وكان جرير يقول:
قال الأخيطل أن رأى راياتهم. . . يا مارِ سرجس لا نريد قتالا!
فالقول بأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه لم يبقوا على أي نزعة
تخالف دين الإسلام، وأنهم طووا شعر النصارى واليهود والمشركين محض تحكم لم يقم عليه أدنى دليل، بل قام الدليل على حرية الإسلام وتساهله في الدين.
ونقل رواة المسلمين ليس شعر النصارى واليهود والمشركين فقط، بل
أهاجيَ كثيرة قالها هؤلاء في النبي وأصحابه وأنصاره.
يا إخواننا، إنه في صدر الإسلام كانوا يتناقلون مثل قوله:
لعبت هاشم بالدين وما. . . نبأ جاء ولا وحي نزل
ليت أشياخي ببدر شهدوا. . . جزعَ الخزرج من وقع الأسل
روى هذا المسلمون وما زالوا يروونه، وفي زمان بني أمية كان العهد
بسذاجة الجاهلية قريباً، فكانت الحرية في القول تامة والألسنة منطلقة، ومما
عُزيَ إلى يزيد يوم جيء برأس الحسين رضي الله عنه:
مذ أقبلت تلك الرؤوس وأشرقت. . . تلك الشموس على ربي جيرون
صاح الغراب فقلت صح أو لا تصح. . . إني قضيتُ من النبي ديوني
ثم عُزي الوليد أنه قال وقد سكر ومزق القرآن:
إذا ما جئتَ ربك يوم حشر. . . فقل يا رب مزقني الوليدُ
نعم رُويت هذه الأشعار وأمثالها مع لعن قائلها، ولكنها رويت وقيدت في
التواريخ ولم تمنع روايتها، ولا كان قلم مراقبة ولا ديوان تفتيش ولا كتب جائزة ولا كتب ممنوعة.
وأما عدم حرمة النبي والصحابة للشعر وقولهم إِن روايته ضلال، فهذا
زعم باطل مخالف للإجماع، فقد روى النبي صلى الله عليه وسلم الشعر واستحسنه وقال:
"إن من الشعر لحكمة"
ورواه عمر وعلي وسائر الصحابة وتناشدوه وطربوا له
وكان فكاهة مجالسهم.
وقصة كعب بن زهير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنشاده إياه
" بانت سعادُ" واهتزاز النبي صلى الله عليه وسلم لهذه القصيدة وإنعامه على كعب ببُردته الشريفة - كل ذلك لا يحتاج إلى بيان، ولكن الشعر كسائر الأشياء إذا أسيء استعماله انقلب إلى الضرر، وإذا كان وقع من عمر رضي الله عنه وهو من أبصر الناس بنقد الشعر
وأشدهم اهتزازاً لجيده - تضييق على الشعراء، فيكون في المواطن التي أسيء
فيها استعمال الشعر وصار باباً للمشاحنات والفتن، وكما أن للخليفة طبيعة
ينعش بها إلى الأدب، ويعجب بسحر البيان، فإن عليه واجباً هو حماية
الأعراض وحفظ السلام.
أما إزراء الشعراء بالعلماء وما قاله بعض هؤلاء في الإعراض عنه والتعوذ
منه فهو من باب التورع من بعض الفقهاء، وذلك لأنهم كانوا يرون فيه مبالغة وغلوًا وعبثاً، فأشفقوا من أن يؤثر الاعتماد عليه في أخلاق النشءِ ويصرفهم عن العبادة؛ ولكن هذا الزهد في الشعر لم يحملهم ولا حَمل الخلفاء والسلاطين
على منع قرض الشعر وروايته والتأدب به، وذلك كما أن نصرانية الأخطل
والقطامي وأمثالهما لم تمنع متأدبي الإسلام من رواية أشعارهم وحفظها والتأدب
بها، وأن وثنية أكثر شعراء الجاهلية لم تحل دون انطباع طلاب الفصاحة من
المسلمين بأساليبهم ونسجهم على منوالهم، ومَق مِن العلماء والمؤرخين
المحققين يقدر أن يقول إن أدباء العرب بعد الإسلام رغبوا عن شعر الجاهلية
وأهملوا روايته من أجل أن قائليه كانوا شركين؛ أو أن المسلمين طووا كلام
قس بن ساعدة لأنه كان نصرانياً؛ أو لم يعجبوا بقصيدة "إذا المرء لم يَدنس من
اللؤم عرضه " لأن صاحبها كان يهودياً؛ مَن يا رب يقول هذا إلا الذين يبنون التاريخ على الأهواء والخيالات؟
وقع التشدد في مثل هذه الأمور في أيام الدولة العباسية؛ لبعد العهد
بسذاجة الدور الأول، وميلِ هذه الدولة إلى مناحي الأعاجم، وفُشُوِّ الفلسفة اليونانية والفارسية والهندية في دار السلام، مما أخاف الخلفاء ووزراءهم على العقيدة الدينية وحَفَزهم على الاحتياط لعدم انحلالها، وهذا أشبه بما كان في أوروبا في القرون الوسطى، لا بل في القرون الأخيرة، لا بل بما لا تزال بقاياه إلى هذه الآونة، وبرغم ما كان من هذا الاحتياط في أيام العباسيين ومَن في عصرهم من ملوك الإسلام فقد كان الناس يروون أهاجيهم ومثالبهم ويتناشدون المطاعن الفاحشة في أعراضهم حتى في مجالس أقرب الناس إليهم، وقد قال ْالمأمون للقاضي يحيى بن أكثم: من ذا الذي يقول:
قاض يرى الحدَّ في الزناءِ. . . لا يرى على من يلوط من باس
يشير إلى أن هذا البيت قيل فيه، فأجابه: هو الذي يقول يا أمير
المؤمنين:
لا أرى الجور ينقضي وعلى الأمَّة. . . والٍ من بني العباس
وقد شاعت أقاويل التعطيل والإلحاد في هاتيك الأيام برغم الضبط
والمراقبة ودونت أقوال الملحدين والدهريين.
ورويت أشعار المعري ومن في سبيله حتى ما يخالف الدين الإسلامي مثل
قوله:
وقوم أتوا من أقاصي البلاد. . . لرمي الجمار ولثم الحجر
وكثير غير هذا من أقواله، ورسالة الغفران وصلت إلينا، ولولا أنها
تدوولت بالنسخ من قراب ألف سنة ما وصلت إلينا، ولو كان هناك "سانسور" ما أبقى على رسالة الغفران.
وتجادل نصراني في الدين مع أحد بني العباس، ونال النصراني من
العقيدة الإسلامية، وبلغ المأمون ذلك فقال ما معناه، ما كان أغنى ابن عمنا عن تعريض دينه للطعن!
والكتاب الذي كتبه أبو بكر الخوارزمي لشيعة نيسابور أشهر من " قِفا نبكِ.
وليس بكتاب خاص أو رسالة مكتومة، بل هو خطاب لأهل بلدة كانت من أشهر البلاد، وفيه من السب لمعاوية ما فيه، ومن النعوت لخلفاء بني أمية وبني العباس والخوض في أعراضهم ما لا يردُ في أقذع الجرائد وهو الذي يقول عن الرشيد:"هارون بن الخيزران"، وعن المتوكل "المتوكل على الشيطان لا على الرحمن " وهلم جرَّا، وكان أبو بكر الخوارزمي في زمن بني العباس، وكان إذا قال أثر الناسُ قوله وتدارسوه.
ولا أنفي - مع ذلك - أن الدولة الإسلامية في القرون التالية كانت تحجر
أحياناً على الفلسفة التي يراد منها التعطيل أو الالحاد، ويسمونها الزندقة، فأما إزالة شعر النصارى أو اليهود أو المشركين ومنع روايته فشيء لم يقع لا في زمن الصحابة ولا في أيام بني أمية ولا أيام بني العباس.
وقد ألف النصارى في تعظيم دينهم في زمان بني العباس كتباً كثيرةَ
وتواريخ أيدوا بها مذهبهم، وما اعترضهم أحد ولا منعت الدولة كتبهم.
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن لا يجتمع في جزيرة العرب دينان، وأَجلى عمرُ النصارى واليهود عنها، فلم يكن ذلك لينقص شيئاً من حرية النصارى واليهود في دينهم في سائر بلاد الإسلام، بل من حرية الصابئة والمجوس، وما قال مؤرخ غربي ولا شرقي إن الإسلام أكره أحداً في الدين أو منع كتب الملل الأخرى.
فيا إخواننا إن التاريخ لا يكون بالظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً.
وهذا نتف من كثير، ووشل من بحر؛ ولو كانت بيدنا الآن كتب لأحلناكم على شواهد لا تنتهي، فإن كنتم مع هذا تصرون على المخالفة لأجل المخالفة فليس هذا مما يزيد الثقة بعلمكم، بل هو مما ينقصها، وبدلاً من أن يضع العلم على قواعد اليقين يضعه على قواعد أوهى من بيت العنكبوت. . .
شكيب أرسلان
رومة في مارس سنة 1926 م