الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - فصل
وذكر لي رحمه الله أنه كان لا يضيع له وقتاً في ليلِ ولا نهار؛ إلَّا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطُّرق ومجيئه يشتغل في تكرار محفوظه، أو مطالعة، وأنه بقي على التحصيل على هذا الوجه نحو ستِّ سنين.
ثم إنَّه اشتغل بالتصنيف، والإشغال، والإفادة، والمناصحة للمسلمين ووُلاتهم، مع ما هو عليه من المجاهدة لنفسه، والعمل بدقائق الفقه، والاجتهاد على الخروج من خلاف العلماء وإنْ كان بعيداً، والمراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من الشوائب؛ يحاسب نفسه على الخطرة بعد الخطرة.
وكان محقِّقاً في علمه وفنونه، مُدقِّقاً في علمه وكلِّ شؤونه، حافظاً [15] لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عارفاً/ بأنواعه كلها؛ من صحيحه وسقيمه،
= وانظر ثبتاً فيهم في كتب المعاصرين؛ من مثل: "الإمام النووي" لعبد الغني الدقر (ص 105 - 109)، و"الإمام النووي وأثره في الفقه الإسلامي"(ص 117 - 135)؛ و "الإمام النووي وجهوده في التفسير"(68 - 71)، وذكر السيوطي في "المنهاج السوي"(ص 52) بعض من أخذ عنه، ولم يستوعب، ولا قارب، قال:"ومن أشهرهم: أبو عبد الله محمد بن أبي إسحاق إبراهيم بن جماعة الكناني الحموي (ت 733 هـ)، ومحمد بن أبي بكر بن إبراهيم المعروف بـ (ابن النقيب) (ت 745هـ)، وأبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن الدمشقي المعروف بالحافظ المزي (ت 742 هـ)، ومحمد بن أبي الفتح البعلي (ت 709 هـ)، وأحمد بن فرح اللخمي الإشبيلي (ت 699 هـ)، وإسماعيل بن إبراهيم الخبّاز (ت 703 هـ)، وسليمان بن هلال الجعفري (ت 725 هـ) ".
وغريب ألفاظه وصحيح معانيه، واستنباط فقهه، حافظاً لمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء، ووفاقهم، وإجماعهم، وما اشتهر من ذلك جميعه، وما هُجر، سالكاً في كلِّها ذكر طريقة السلف، قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل، فبعضها للتصنيف، وبعضها للتعليم، وبعضها للصلاة، وبعضها للتلاوة، وبعضها للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر (1).
ذكر لي صاحبُنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي الفاضل -نفع الله به- في حياة الشيخ رحمه الله قال: "كنتُ ليلةً في أواخر الليل بجامع دمشق، والشيخ واقف يصلي إلى سارية في ظلمة، وهو يردِّدُ قوله تعالى: {وَقِفُوهُم إنَهُم مَسئولُونَ} (2)؛ مِراراً، بحزنٍ وخشوعٍ، حتى حصل عندي من ذلك شيءٌ الله به عليم"(3).
وكان حمه الله إذا ذكر الصَّالحينَ؛ ذكرهم بتعظيم وتوقير واحترام، وسوَّدهم، وذكر مناقبهم وكراماتهم (4).
…
(1) نقله عن المصنف: الذهبي في "تاريخ الإسلام"(ورقة 576 - 577)، والسخاوي في "ترجمة الإمام النووي"(11و 12)، والسيوطي في "المنهاج السوي"(42 و 43)، والذهبى في "تذكرة الحفاظ"(4/ 1472)، وغيرهم.
(2)
سورة الصافات، الآية:24.
(3)
نقله عن المصنف: الذهبى في "تاريخ الإسلام"(ورقة 577)، والسخاوي في "ترجمة الإمام النووي"(ص 36)، والسيوطي في "المنهاج السوي"(ص 43 و 44).
(4)
ومن بديع صنيعه في التوقير منهجه في الرد على (المعتبرين) من العلماء في سائر كتبه، وأفصح عن ذلك في آخر كتابه "الأذكار" تحت (باب: في ألفاظ حكي عن جماعة =