الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - فصل: في ذكر المواثي التي رثاهُ بها العلماء
قرأتُ على شيخِنا العلامة شيخ الأدب أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن عمر بن أبي شاكر الحنفي الأربلي رحمه الله (1)، وكان مدرِّساً للقايمازية بدمشق: قلتَ -رضي الله عنك- وكان ذلك في العشر الأول من شعبان سنة ست وسبعين وست مئة:
عَز العَزاءُ وعَم الحادِثُ الجَلَلُ
…
وخابَ بالمَوْتِ في تَعْميرِكَ الأمَلُ
واسْتَوْحَشَتْ بَعْدَما كنْتَ الأنيسَ لها
…
وساءهَا فَقْدُكَ الأسْحارُ والأصُلُ (2)
[35]
قَدْ كُنْتَ للدينِ نُوراً يُسْتَضاءُ بهِ
…
مُسَدداً مِنْكَ فيهِ القَوْلُ والعَمَلُ/
وكُنْتَ تَتْلو كِتابَ اللهِ مُعْتَبِراً
…
لا يَعْتَريكَ على تَكْرارِهِ مَلَلُ
وكُنْتَ في سُنةِ المُخْتارِ مُجْتَهِداً
…
أنْتَ باليُمْنِ والتَّوْفيقِ مُشْتَمِلُ
وكُنْتَ زيناً لأهْل العِلْمِ مُفْتَخِراً
…
على جَديدٍ كَساهُمْ ثوبُكَ السملُ (3)
وكُنْتَ أسْبَغَهُمْ ظِلاًّ إذا استْعَرَتْ
…
هَواجِرُ الجَهْلِ والإِظْلالُ يَنْتَقِلُ
كساكَ رَبُّكَ أوْصافَاً مُجَمَّلَةً
…
يَضِيْقُ عَنْ حَصْرِها التَّفْصيلُ والجُمَلُ
أَسْلَى (4) كَمالُكَ عَنْ قَوْم مَضَوْا بَدَلاً
…
وعَنْ كَمالِكَ لا مُسْلٍ ولا بَدَلُ
فمِثْلُ فَقْدِكَ تَرْتَاعُ، العُقولُ لهُ
…
وفَقْدُ مِثْلِكَ جُرْحٌ لَيْسَ يَنْدَمِلُ
زَهِدْتَ في هذهِ الدُّنْيا وزُخْرُفِها
…
عَزْماً وحَزْماً فَمَضْروبٌ بكَ المَثَلُ
أعْرَضْتَ عَنْها احْتِقاراً غَيْرَ مُحْتَفِلٍ
…
وأنْتَ بالسَّعْيِ في أُخْراكَ مُحْتَفِلُ
(1) انظر ترجمته في: "الجواهر المضيئة"(2/ 19)، و"الدارس في تاريخ المدارس"(1/ 574).
(2)
(الأصل): واحدها: الأصيل، وهو ما بعد العصر وقبل العشي.
(3)
الثوب السَّمل: البالي.
(4)
السُّلوان: هو النسيان.
عَزَفْتَ عَنْ شَهَوات ما لِعَزْم فتى
…
بها سواك إذا عنَّت له قبل
أَسْهَرْتَ في العِلْم عَيْناً لَمْ تَذُقْ سِنَةً
…
إلا وأنت في الحلم مشتغل
يا لَهْفَ حَفْل عًظيم كُنْتَ بَهْجَتَهُ
…
وحيله فعراه بعدك العطل
وطالِبُو العِلْم مِن دان ومُغْتَرب
…
نالوا بيمينك منه فوق ما أملوا
حَارُوا لِغَيْبَةِ هادِيْهِم وضاقَ بهِمْ
…
لفرط حزنٍ عليه السهل والجبل
تُرَى درَى تُرْبَهُ مَن غَيبُوهُ بهِ
…
أو نعشه من على أعواده حملوا / [36]
عَنَّاهُ شُغْلُهُمُ دهراً وعادَ لَهُم
…
بلاعج الوجد (1) عن أشغالهم شغل
يا (مُحْيي الدِّينِ) كَمْ غادرْتَ مِن كبد
…
حرى عليك وعين دمعها هطل
وكُمْ مُقام كَحَد السَّيْفِ لا جَلدٌ
…
يقوى على هوله فيه ولا جدل
أَمَرْتَ فيهِ بأمْرِ اللهِ مُنْتَضِياً (2)
…
سيفاً من العزم لم يصنع له خلل
وكلم تَوَاضَعْتَ عنْ فَضْل وعَنْ شَرَفٍ
…
وهمةٍ هامة الجوزاء تنتعل
عالجْتَ نَفْسَكَ والأدواءُ شامِلةٌ
…
حتى استقامت وحتى زالت العلل
بَلَغْتَ بالتعَب الفَاني رِضَى مَلِكٍ
…
ثوابه فى جنان الخلد متصل
ضَيْفُ الكَريَم جَديرٌ أَنْ يُضافَ لهُ
…
إلى الكرامة من ألطافه نزل
بَرَرْتَ أَصْلَيْكَ (3) في داريكَ مُحْتَسِباً
…
فقد تكافأ فيك الحزن والجذل (4)
فَجَعْتَ بالأمْسِ لَيْلَا كُنْتَ سَاهِرَهُ
…
لله والنوم قد خيطت به المقل
وحَالَ (5) نورُ نهارٍ كُنْتَ صائِمَهُ
…
إذا الهجير بنار الشمس مشتعل
لا زَالَ مَثْواكَ مَثْوى كُل عارِفَةٍ
…
وروضه النضر من سحب الرضا خضل (6)
(1) الهوى المحرق.
(2)
(انتضى السيف): أخرجه من غِمده شاهراً له.
(3)
في "المنهاج السوي": "أهليك"، وكذا في الأصل، وفي هامشه:"أصليك"، وأمامه:"صح".
(4)
(الجذل): الفرخ.
(5)
في "المنهاج السوي": "رجاك"!
(6)
(الخضل): النَّدي.
إلى مَتَى بغُرورٍ نَطْمِئِنُّ ولا الـ
…
مُلوكُ رُدَّ الرَّدَى عنهُمْ ولا الرُّسُلُ
[37]
ولا حِمىً مِن حِمام (1) جَحْفَلٍ (2) لَجبٍ (3)
…
ولا حُصونٌ مَنيعَاتٌ ولا قُلَلُ (4) /
يا لاهِياً لاهِياً عَنْ هَوْلِ مَصْرَعِهِ
…
وضَاحِكُ السن مِنْهُ بَضْحَكُ الأجَلُ
لا تُخْلِ نَفْسَكَ مِن زَاد فإنكَ مِن
…
حينِ الولادِ مَعَ الأنْفاسِ مُرْتَحِلُ
ومَا مَقامٌ يُديمُ السَّيْرَ يَتْبَعُهُ
…
إلى مَحَل تَلاهُ سَائِقٌ عَجِلُ (5)
قال شيخُنا ناظمها: "نجزت -بحمد الله ومنه- خمسة وثلاثون بيتاً".
(والجَلَلُ) -بفتح الجيم-: هو الأمر العظيم، ويستعمل في الحقير، وينصرف إلى أحدهما بالقرينة له.
قال: (فَقْدُكَ): مرفوع الدال؛ تقديرُهُ: واستوحَشَتْ الأقدار، وساءها الفقدُ (6).
(السَّمَل) -بفتح الميم-: هو الخَلِق.
(عزَفْتَ): أي: مِلْتَ بكراهة.
(عَنَّتْ): أي: عرضت.
(1)(الحمام): قضاء الموت وقدره.
(2)
(الجحفل): الجيش الكثير فيه الخيل.
(3)
(لجب): مضطرب.
(4)
(قُلل): قمم.
(5)
القصيدة في "تاريخ ابن الفرات"(7/ 110)، و"فوات الوفيات"(4/ 577)، و"عيون التواريخ"(21/ 165 - 166)، و"ذيل مرآة الزمان"(3/ 289)، و"المنهاج السوي"(82 - 84).
(6)
في هامش الأصل ما نصه: "حاشية: فَقْدَك: منصوب على أنه مفعول".
(اللهَف): الخَوَر.
(العَطَل) -بفتح العين والظاء-: هو ضدّ التحلِّي.
(هامة الجَوْزاء): أعلاها.
(البلاعج) -بكسر الباء الموحدة-: بعارض، وهو الحرق.
(بررتَ أصليك في الدارين): من حيث إنهما صبرا على موته، فأُثيبوا عليه.
ثم رثاه بأخرى، وخصني بها، وأرسلها إلي تعزيةً لي به؛ لأني كنتُ سرتُ إلى (نوى) صحبةَ قاضي القضاة أبي المفاخر محمد بن عبد القادر الأنصاري رحمه الله لتعزية والده وأقاربه، وأقمتُ عندهم أياماً (1)، فلما عدت إلى دمشق؛ كتبها وأرسلها- رحمهم الله:-/ [38]
نَبَأ أصَم بهِ وأصْمَى الناعِي
…
فَجَنَى على الأبْصارِ والأسْماعِ
غَدَتِ النُّفوسُ بهِ شَعاعاً إذْ بَدَتْ
…
شَمْسُ الضُّحَى حُزْناً بغَيْرِ شُعاع
أَوْدَى بِها خَوْفُ التفَرُّقِ قَبْلَهُ
…
ما أشْبَهَ الأوْجالَ بالأوْجاعَ
حَل المُصابُ بِرَبِّ كُلِّ فَضيلَةِ
…
رَبَّاءِ كُل ثَنِيَّةِ (2) طَلَاّعِ
هاد إلى السنَن القَويم وسُنةِ الـ
…
هادي جَميلِ مَناقِب ومَساعِ
(يَحْيىَ) الذي أَحْيا الفَضَائِلَ سَعْيُهُ
…
وهَدَى ببارِقِ ذهنِهَ اللماعِ
القانِتُ القَوَّامُ والصوامُ والسـ
…
ـاعِي بخَطْو في العُلوم وَسَاعِ
هانَتْ عِلَى هِمَمِ لهُ إِلِّيةِ
…
لكنهاَ عَزتْ عَلى الَأطْماعِ
ما زَالَ أوْحَدَ دهرِهِ في عَصْرِهِ
…
وإلى سَبيلِ الحَقِّ أفْضَلَ دَاع
(1)"ترجمة الإمام النووي"(ص 75) للسخاوي.
(2)
(الثنية): الطريق في الجبل. ويقال: (فلان طلَاّع الثنايا): جَلِدٌ يَتحمل المشاق، أو ساعٍ لمعالي الأمور.
طالَ الوَرَى طُرّاً بأعْلَى هِمَّةٍ
…
في كل صالحةٍ وأطول باع
وشَّاهُمُ (1) مُتَحَقِّقاً بِمعارِفٍ
…
محمودة الأجناس والأنواع
خَبَر جَليل جَلَّ في تَأبِينِهِ
…
عن رثية الأشعار والأسجاع
قد جُمِّعَتْ فيهِ خِلالُ سَمِيِّه
…
ثبوتها بشهادة الإجماع
نِعْمَ المَوَفَّقُ كانَ في أَقْوالِهِ
…
وفعاله وموفق الأتباع
[39]
فَقَدَتْهُ والآمالُ فيهِ فَسيحَةٌ
…
إذ كان خير ذخيرةٍ ومتاع/
باتَتْ لِفَقْدِ حُنُوِّهِ في وَحْشَةِ
…
وعلى الأسى محنية الأضلاع
طوْبَى لهُ مِن واصِلِ حَسَناتِهِ
…
بالصالحات لليله قطَّاع
لَقِيَ المَنونَ لِقاءَ مُرْتاح إلى
…
مولاه لا جزع ولا مرتاع
يا لَهْفَ مَن كانَ السعيد بقُرْبِهِ
…
ومنازل منه خلت ومرباع
لا زَالَ مَثْواهُ بصَوْبِ سَحائِبِ الر
…
ضوان روضاً دائم الإمراع (2)
وقرأ الصدرُ الرئيسُ الفاضلُ أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن مصعب رحمه الله بدار الحديث النورية مرثاةً، نظمها وأنا أسمع، وكان قرأ على الشيخ -قدس الله روحه- قطعةً من "المنهاج في مختصر المحرر"، واستنسخ "الروضة" له، وقابلتُ له بعضها مع الشَّيخِ، وأصلحتُ بإملائه رحمه الله مواضع منها:
أأكْتُمُ حُزْنِي والمَدامِعُ تُبْديهِ
…
لِفَقْدِ امْرئٍ كُلُّ البَرِيةِ تَبْكيهِ
رَأى الناسُ مِنْهُ زُهْدَ (يَحْيى) سَمِيِّهِ
…
وتَقْواهُ فيما كانَ يُبْدي ويُخْفيهِ
ولَمْ يَرْضَ بالدُّنْيا ولا مالَ لحظَةً
…
إلى عَيْشِها فالله لا شَك يُرْضِيْهِ
فَلَيْسَ لهُ في زُهْدهِ وخُشُوعِهِ
…
وتَجْريدِهِ في الناسِ مِثْلٌ يُدانيهِ
(1) في هامش الأصل: "قال الناظم رحمه الله: وشاهم: سبقهم".
(2)
انظر: "المنهاج السوي"(ص 84 - 86).
تَحَلَّى بأوْصافِ النَّبيِّ وصَحْبِهِ
…
وتابعهم هدياً فمن ذا يناويه (1)؟
وشَمَّرَ عنْ ساقِ اجْتِهادٍ يُعَلِّمُ الـ
…
جهول ويهديه السبيل ويكفيه/ [40]
وكانَ رَؤوفاً بالضَّعيفِ وطالبِ الـ
…
ـعلوم يوفيه الجواب ويدنيه
يُسَرُّ إذا ما سَدَّدَ الخَصْمُ حُجَّةً
…
وإن ضل عن قصد المحجة يهديه
ومَن جاءَ يَستَفْتيهِ يُمْني مَحَلَّهُ
…
ويجلسه بالقرب منه ويفتيه
تَصانِيفُهُ في كُلِّ عِلْم بَديعَةٌ
…
وأبدع منها ما يقول ويمليه
حَديث رسولِ الله والفقْهُ دأبُهُ
…
يصنف في هذا وهذاك يرويه
وَيتْلو كِتابَ الله سِرّاً وجَهْرةً
…
ويفكر في تفسيره ومعانيه
يَرَى المَوْتَ حُلْواً في إِماتَةِ بِدْعَةٍ
…
وكم سنة أحيا بصدق مساعيه
فَطُوبى لهُ ما شانَه (2) طيبُ مَطْعَمٍ
…
ولا ملبسٍ رقَّت ولانت حواشيه
وآثَرَ مَع فَقْرٍ بهِ وخَصاصَةٍ
…
على نفسه جوداً بما كان يحويه
تَفَرَّقَ في أهْلِ العُلوم (3) مَحاسِنٌ
…
وقد جمعت أوصافهم كلها فيه
شَكَا فَقْدَهُ عِلْمُ الحَدَيثِ وحِفْظُهُ
…
وأهلوه والكتب الصِّحاح وقاريه
ولاحَ على وَجْهِ العُلومِ كَآَبةٌ
…
تخبر أن الدين قد مات مات محييه (4)
قَضَى ولهُ عِلْمٌ يُجَدِّدُ ذِكْرَهُ
…
وينشره فالدهر هيهات يطويه
وعَمَّ بِلادَ المُسْلِمينَ مُصابُهُ
…
وخصَّ دمشقاً بالرزية ناعيه
وكَمْ نِلْتُ مِن خَيْريَّةٍ في حَياتِهِ
…
وبعد مماتي فى معادي أرجيه/ [41]
وما كُنْتُ أرْجو أن أؤخَّرَ بَعْدَهُ
…
فأندبه بعد الممات وأرثيه
فلَوْ أنَّهُ يُفْدَى بأهْلي وجِيْرَتى
…
ومالي ونفسي كنت والله أفديه
(1) كذا في الأصل، ولعل الصواب: يساويه.
(2)
في الأصل: "شافه"!!
(3)
في الأصل: "العلم"!!
(4)
انظر ما قدمناه في التعليق على (ص 39) من كراهية الإمام النووي لقب (محيي الدين)، وأن الدِّين حيٌّ ثابتٌ، دائم، غير محتاج إلى مَن يحييه.
ولكِنَّهُ المَوْتُ الذي قَهَرَ الوَرَى
…
فما مِنْهُمُ إلَّا مُجيبٌ لِداعِيهِ
إذا عَدِمَ الإسلامُ أشْرَفَ أهْلِهِ
…
فحُقَّ لَنا فى ذا المُصاب نُعَزِّيهِ
فَحَيَّا الحَيَا قَبراً بهِ راحَ ساكِناً
…
ليُرْوَى [ثَرَى](1) ذاكَ الضَّريح وَواديهِ (2)
ورثاه الفقيهُ الفاضلُ الإمامُ الصدرُ الرئيسُ الأديبُ نجم الدين أبو العباس أحمد ابن شيخنا عماد الدين أبي عبد الله محمد بن أمين الدين سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صَصْرى التَّغْلِبي (3) -بالتاء المثنَّاة والغين المعجمة- البلدي في شعبان سنة ست وسبعين وست مئة.
وعَتبَهُ بعضُ مشايِخِهِ على ذلك، فبلغَني أنَّه أجابَ عَتَبَهُ بأنَّكَ إذا مُتَّ رَثَيْتُكَ بأحسنَ منها.
فلما كان في سنة اثنتين وسبع مئة؛ وليَ قضاءَ القضاةِ بالشام، فتفضَّلَ، وحضرَ مَجْلِسي للحديث بدار الحديث النورية -رحم الله واقِفَها-[في جُمادى الأولى](4)، فأمرتُ قاريءَ الحديث أن يقرأها عليه؛ ليسمعَها الحاضرون منه، وتبركاً بذكر الشيخ -قدس الله روحه- وسمعتُها معهم [42] لأرويها عنه لمن طلب ذلك -إن شاء الله تعالى-/.
وتجوز الرواية عن الأحياء بلا كراهة عند جمهور العلماء، وكرهها الشافعي رحمه الله خوف نسيان المروي عنه، واتهام الراوي، والله أعلم.
(1) ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(2)
انظر: "المنهاج السوي"(ص 88).
(3)
انظر ترجمته في: "البداية والنهاية"(14/ 106)، و "فوات الوفيات"(1/ 125)، و "الدرر الكامنة"(1/ 263).
(4)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
أعَيْنَي جِدّا بالدُّموعِ الهَوامِلِ
…
وجُودِي بِها كالسَّرياتِ (1) الهَواطِلِ
على الشيخ مُحْيي الدينِ ذي الفَضْل والتقى
…
ورَبِّ الهُدَى والزهْدِ حاوِي الفَضائِلِ
على قانِتٍ بَرٍّ طَهورٍ مُوَفَّقٍ
…
على عالِمِ بالنُّسْكِ والدِّينِ عامِلِ
على زاهِدٍ في طاعَةِ اللهِ جاهِدٍ
…
على عابدٍ يَبْغِي رِضى اللهِ فاضِلِ
على راغِب في الدينِ قدْ رَفَضَ الدُّنا
…
فَغَالتْهُ مِنها حادِثاتُ الغوائِلِ
وسِيلِي دماً فالدَّمْعُ لَيْسَ بنافِع
…
غلِيلي ولا مُطْفٍ أوامَ مَفَاصِلِي
لقَدْ كانَ فَرْدَاً في الزَّمانِ مُكَمَّلاً
…
عَديمَ نظيرٍ أو شَبيهٍ مُساجِلِ (2)
لَقَدْ كانَ بَحْراً للفَضائِلِ طامياً
…
غَزيرَ عُبابٍ ما لَهُ مِن سَواحِلِ
لَقَدْ كانَ ذا فَضْلٍ ونُبْلٍ وسُؤدُدٍ
…
سَمَا عَنْ مُساوٍ أَوْ عَديلٍ مُماثِلِ
لَقَدْ كانَ عنْ دينِ الإلهِ مُناضِلاً
…
فَأكْرِمْ بهِ مِن ديِّنٍ ومُناضِلِ
لَقَدْ كانَ في الدُّنْيا الدنيَّةِ زَاهِداً
…
فلَمْ يُلْهَ مِنْها قَط يَوْماً بطائِلِ
لقَدْ كانَ في الأخْرى العَلِيَّةِ جاهِداً
…
فَنَوَّلَهُ مِنْها بأشْرَفِ (3) نائِلِ
لَقَدْ كانَ بالمَعْروفِ للنَّاسِ آمِراً
…
وناهِيَهُم عن مُنْكَراتٍ وباطِل/ [43]
فكَم قامَ في الإسلامِ حَق قِيامِهِ
…
وما عاقَهُ عْن قَصْده ِعَذْلُ عاذِلِ (4)
وكَمْ مِن مُقام قامَ فيهِ بنُصْرَةِ الـ
…
أنام مَقَامَ الذَّابلاتِ العَوامِلِ
وكَمْ لِذَوي الجَاهاتِ واجَهَ مُعْلِناً
…
بإِنْكَارِهِ عندَ الضُّحَى والأصائِلِ
وكَمْ بالهُدَى والحَقِّ شافَهَ مُنْكِراً
…
لمَنْ لَمْ يَكُنْ يُصْغِي لأقوالِ قائِلِ
فإنْ هُوَ عنْ رُؤياهُ أصْبَحَ عاجِزاً
…
يُبَلِّغُهُ إنْكارَهُ في الرَّسائِلِ
تَنَزَّهَ عنْ دُنْياهُ يَرْجو إلهَهُ
…
فعَوَّضَهُ عَنْ عاجِلاتٍ بآجِلِ
وصَدَّ عِنِ الفاني ليُصْبحَ فائِزاً
…
بِباقٍ مِن الأخْرى عَديمِ مُعادِلِ
(1) السَّاريات: السُّحب التي تجيء ليلاً.
(2)
مساجل: مُبارز.
(3)
في الأصل: "رب أشرف".
(4)
أي: لوم لائم.
فلَمْ يَكُ مِن حَظِّ لَهُ في حَياتِهِ
…
وذاك على الإخلاص أقوى الدلائل
ولَمْ يَكُ يَسْعى في سوى الزهْدِ والتقَى
…
وقد كان فيه خير ساعٍ وفاعل
ولَمْ يَكُ فعَّالاً سوى الخير والهُدى
…
وهاتيك -والرحمن- أفعال عاقل
تَعَزوْا جَميعَ الناسِ عنهُ فكُلُّكُم
…
مصابٌ به من عالمين وجاهل
فكَمْ قامَ فيما نابَكُم مِن مُلِمَّةِ
…
وشغلٍ بما فيه من الحزن شاغل
على قاصِديكُم بالنوائِب مُنْكِراً
…
بلفظ وجيز للمواعظ شامل
وكَمْ ذَب عنكُمْ مَرةً وحَماكُمُ
…
بقول وعزم مثل حد المناصل (1)
[44]
رَجاءَ ثَواب اللهِ لا قَصْدَ سُمْعَةِ
…
ولا لحياء منكم وفواضل/
فأسْكَنَهُ الرحمنُ في دارِ خُلْدِهِ
…
وبلَّغه منها أجل المنازل
ورَثاهُ بعضُ فضلاء الحنفية (2) رحمهم الله أجمعين-:
مُصابٌ أَصابَ القَلْبَ والجَفْنَ أرقا
…
وخطبٌ أتى بالحزن والصبر فرَّقا
ورُزْءٌ تَفَشَّى المُسْلِمينَ بأسْرِهم
…
وسهمٌ إلى عين الشريعة فوِّقا (3)
فأضْمَى صَميمَ القَلْبِ مِن كُل مُسْلِم
…
وأصلا الحشا جمراً من الحزن محرقا
ولَمْ يَعْدُ قَلْبَ الشافعيةِ نَصْلُهُ
…
وإن كان قد عم المذاهب مطلقا
لَقَدْ سَددَ الرَّامي السِّهامَ ولَمْ يَكُنْ
…
ليخطي به سهم المنون مفوقا
وخَطْبٌ يَجوبُ الأرضَ شَرْقاً ومَغْرِباً
…
فأشأم في قطع البلاد وأعرقا
(1) المناصل: جمع مُنصُل: السيف.
انظر: "المنهاج السوي"(ص 88).
(2)
كذا قال المصنف، ولم يسمه، وكذا قال السخاوي في "ترجمة الإمام النووي"(ص76)؛ إلا أن السيوطي سماه في "المنهاج السوي"(ص88)، فقال:"وقال الفقيه سليمان بن أبي الحارث الأنصاري الحنفي".
(3)
(الفُوق)؛ من السهم: حيث يثبت الوتر منه. و (فُوِّق السهم): كان بأحد طرفي فُوقه مَيل أو انكسار.
وعَمَّ جَميعَ الأرْضِ مِن كُلِّ وِجْهَةٍ
…
وإن خص من دون الأقاليم (جلقا)(1)
ومادَتْ نَواحي الأرض حُزْناً بأهْلِها
…
وكادت قلوب الخلق أن تتمزقا
وضاقَ الفَضاءُ الرحْبُ حَتى لَقَدْ غَدا
…
كسم خياط (2) أو من السم أضيقا
وقَدْ حَكَمَتْ أيْدي المَنونِ بِمَنْ كسا
…
على الدين والدنيا جمالاً ورونقا
ومَنْ كانَ للدِّينِ الحَنيِفي عِصْمَةً
…
يرد العدى عنه وللعين مؤنقا (3)
ومَن كَانَ حَلْياً للزَّمانِ وأَهْلِهِ
…
وعقد نظام العلم والحلم والتقى
لَقَدْ كانَ رُكْناً للشَّريعَةِ مانِعاً
…
يصان به الإسلام طوعاً ومتقى/ [45]
وعَيْنَاً لأهْلِ الرُّشْدِ في المَحْلِ هاطِلَاً
…
وصوباً (4) على أهل الضلاله مصعقا
ونوراً لدينِ اللهِ يَهْدِي ذَوي العَمَى
…
وبدر تمام في سما الشرع مشرقا
وعضباً (5) يَصونُ الدينَ مِن كلُ مُلْحِدٍ
…
وباغ صقيلاً (6) ماضي الحد مطلقا
إذا ما انْتَضاهُ الشَرْعُ مِن أَجْلِ حادِثٍ
…
فرى هامة الخطب الجسيم وفلَّقا (7)
لَقَدْ هَفَتِ الأكْبادُ مِنَّا كآبةً
…
وطارت أسىً من حزنها وتحرقا
وأَوْدَي بِها عُظْمُ المُصاب ولَوْ فُدِي
…
لكانت له الأرواح من كلِّنا وقا
فأَصْبَحَتِ الأقطارُ واَلكَوْنُ كُلُّهُ
…
لفقدك (محيي الدين) بيداء سملقا (8)
وأَقْفَرَ رَبعُ الزُّهْدِ والجُودِ والنُّهَى
…
وربع الحِجَى (9) والنسك والدين والتقى
أسِفْتُ ولو رَدَّ القَضاءَ تَأَسُّفٌ
…
لما كان مما بي إليك تطرقا
(1) بفتح وكسر اللام: اسم دمشق.
(2)
(سَمُّ الخياط): ثقب الإبرة.
(3)
(آنق الشيء): أعجبه، فهو مُؤنق وأنيق.
(4)
(الصَّوْب): المطر الغزير، فيه رعودٌ وبروقٌ.
(5)
هو من أسماء السيف.
(6)
هنا صفة للإمام النووي (صقل الكلام): هذَّبه ونمقه.
(7)
(فلق الشيء): شقه. و (فلق الخَطْب): إذا شتته وبرَّده.
(8)
(السّملق): القفر الذي لا نبت فيه.
(9)
(الحِجَى): العقل.
رَثَيْتُكَ لا أني ظَنَنْتُكَ مَيتاً
…
وكيف وإحياء العلوم هو البقا
وكَمْ مَئتٍ أحْيَيْتَهُ بعدَ مَوْتِه
…
فأصبح أبداً (1) للصواب وأحذقا
وكَمْ غامِضٍ أَوْضَحْتَ للناسِ غَمْضَهُ
…
وإن كان قد أعيا الإمام المحقِّقا
وكَمْ شَنَّفَ الأسْماعَ دُرًّا ولُؤلؤاً
…
إذا ما شجى في مجلس منه منطقا
بِلَفظٍ يَفوقُ الماءَ مِنْهُ عُذوبَةً
…
بل اللؤلؤ الرطب الأنيق المنمقا
[46]
ومُفْتَقِراً للعِلْمِ أَغْنَيْتَ فَقْرَهُ
…
فأضحى غنياً بعد أن كان مملقا (2) /
وحَيْرانَ في قَفْرٍ مِن الغَيِّ بَلْقَعٍ (3)
…
هداه إلى سبل الرشاد وطرقا
وكَمْ فاجِرٍ قَدْ راضَهُ بتَلَطُّفِ
…
فعوض عن ذاك الفجور به تقى
(أبا زَكَرِيا) ليسَ للمَرْءِ مَلْجأ
…
يرد الردى عنه ولو جر فيلقا
فكُل وإنْ طالَتْ جَريدَةُ عُمْرِهِ
…
سينسخ في درج المنون محققا
أَ (يَحْيىَ) لو أن المَوْتَ يَثْنيهِ عَنْ فَتى
…
ثبات جنان لانثنى عنك أخرقا
وما مَدَّ صَرْفُ الدَهْرِ نَحْوَكَ باعَهُ
…
ولا ضم جنبيك الصفيح (4) مُطبقا
فَكَمْ مَوْطِنِ قدْ قُمْتَ فيهِ مُجاهِداً
…
وطرف الردى فيه إليك (5) محدقا
لَئِنْ كانَ قَدْ وارى الثَّرَى حُسْنَ خَلْقِهِ
…
فغير مطيقٍ أن يواري التخلقا
وكَيْفَ يُواري الترْبُ عِلْماً غدا بهِ
…
على سعةٍ صدر البسيطة ضيقا
فَطُوبى لِقَبْرٍ ضَمَّهُ فَلَقَدْ غَدا
…
يباهي به دار المقامة والبقا
سَقَا قَبْرَهُ صَوْبَا غَمامٍ ورَحْمَةٍ
…
إذا قيل أن قد أقلعا عنه أغدقا (6)
(1) كذا في الأصل.
(2)
(أملق الرجل): أنفق ماله حتى افتقر.
(3)
(البلقع): الخالي من كل شيء. (أرض بلقع): خالية ملساء.
(4)
(الصفيح): الحجارة الرقيقة؛ كناية عن القبر هنا.
(5)
في الأصل: "إليه"!!
(6)
انظر: "المنهاج السوي"(ص 88 - 89).
ورَثاهُ صاحِبُنا الفقيهُ الفاضِلُ أبو عبد الله محمد المَنْبِجِيّ (1) -نَفَعَ الله به- أحدُ فقهاء المدرسة الناصرية بدمشق المحروسة والساكنِ بها، شاعر، أديبٌ، مفلِّق:
سُبُلُ العُلوم تَقَطَّعَتْ أسْبابُها
…
وتَعَطَّلَتْ مِن حَلْيِها طُلَاّبُها
لِمُصيبَةٍ عَزَّ العَزاءُ لها كَما
…
في النَاسِ قَدْ جَلَّتْ وجَل مُصابُها/ [47]
يا أيُّها الحَبْرُ الذي مِن بَعْدِهِ
…
كُلُّ الفَضائِلِ أُغْلِقَتْ أَبوابُها
أَضْحَى على الدُّنْيا لِفَقْدِكَ وَحْشَةٌ
…
ما اعْتَادها مِن قَبْلِ ذا أَرْبابُها
مُسْوَدَّةٌ أيَّامُها مُتَغَيرٌ
…
أَحْوالُها مُسْتَوْحِشٌ مِحْرابُها
للهِ أيُّ بِحارِ فَضْل غُيِّضَتْ (2)
…
مِنْ بَعْدِ ما زَخَرَتْ وعَجَّ عُبابُها (3)
مَنْ للمَسائِلِ أَعْضَلَتْ مَنْ لِلْفتا
…
وَى أشْكَلَتْ عَنْ أَنْ يُرَدَّ جَوابُها
مَن لِلتُّقَى مَنْ لِلْحيا مَنْ لِلْحِجى
…
طُويَتْ لِفَقْدِ أَلِيفها أَثْوابُها
قدْ كانَ ذا سَمْتٍ يقرُّ بِحُسْنِهِ
…
فِي العَالمينَ شُيوخُها وشَبابُها
ومَناقِبٍ مِثْلِ الكَواكِب سَافِرٍ
…
عَنْها لحَظِّ النَّاظِرينَ نِقابُها
حَسَناتُهُ أَرْبَتْ على قطرِ الحَيا
…
فلأجْلِ ذلكَ أتْعِبَتْ كُتَّابُها
ما عُذرُ أجْفانٍ عليهِ لَمْ يَدُمْ
…
بِنَجيع دَمْع حَسْرَةً تَسْكابُها
تَبّاً لِدُنْيا لا يَدُومُ سُرُورُها
…
مَعَ أنها لا تَنْقَضي أوْصابُها
فَنَعيمُها -أَنَّى نَظَرْتَ- شَقاؤها
…
والشهْدُ (4) مِنْها -إنْ تُحَقق- صابُها (5)
وكَذا المَنونُ إذا اعْتَبَرْتَ مَطِيَّةً
…
مَرْهونَةً كُلُّ الوَرَى رُكَّابُها
(1) انظر ترجمته في "شذرات الذهب"(6/ 236 و 289)، و"معجم المؤلفين"(11/ 295).
(2)
(غاض الماء): إذا غاب في الأرض، والمراد: غِيْضت بحار الفضل: أي: جفَّت من كثرة بكائها على الإمام النووي رحمه الله.
(3)
(عب ماء البحر): ارتفع موجُه واضطرب.
(4)
(الشَّهْد): عسل النحل.
(5)
الصَّابُ: العلقمُ.
فانْظُرْ لِنَفْسِكَ أيها المَغْرورُ مِن
…
يَوم يَطولُ على النفوسِ حِسابُها
[48]
في مَوْقِفٍ للنَّاسِ صَعْب لَمْ تُفِدْ
…
أحسابُها فيهِ ولا أَنْسابُها/ [48]
واسْلُكْ كـ (مُحْيي الدينِ) سُبْلَ سَلامَةٍ
…
تُقْصيكَ مِن نارٍ يَدُومُ عَذابُها
عَزَفَتْ عنِ الدُنْيا الدنيةِ نَفْسُهُ
…
وهِيَ التي عَدَدُ الحصى خُطَّابُها
وتَخَيَّرَ الباقي على الفانِي وما
…
أَصْباهُ مِنْها حَلْيُها وخِضَابُها
أَطْنَبْتُ في نَظْمي المَراثيَ بَعْدَهُ
…
لَوْ كَانَ تَشْفِي غُلتي إِطْنابُها
فَسَقَى ضَرِيحاً حَلَّ فيهِ رَحْمَةٌ
…
يَهْمِي على كَرِّ العُصورِ سَحَابُها
وأَحَلَّه الرَّحْمنُ عالِيَ جَنَّةٍ
…
مَأُنوسَةٍ رِضْوانُهُ بَوابُها (1)
ورثاه قاريء دار الحديث الأشرفية، والآخذ عنه، الشيخ، الفاضل، المحدِّثُ، أبو الفضل، يوسف بن محمد بن عبد الله (2) الكاتب، الأديب، المصري، ثم الدمشقي، وقال:"نَظَمْتُها راثياً مشايخي -رحمَهُم الله تعالى-".
وسَمِعْتُها مِن لَفْظِهِ:
الحَمْدُ للهِ العَظِيمِ الهَادي
…
جَلَّتْ مَحامِدُهُ عَنِ التَّعْدادِ
رَبٌّ عَلا في مَجْد وجَلالِهِ
…
عَنْ مَنْ يُضاهِيهِ مِن الأنْدادِ
جَل الذي هُو واحِدٌ في مُلْكِهِ
…
مِن غَيْر صاحِبَةٍ ولا أَوْلادِ
خَلَقَ الوَرَى والخَلْقَ إِظْهارَاً لِما
…
يَخْفى مِن المُلْكِ العَظيمِ البادِي
قَسَمَ الخَلائِقَ كَيْفَ شاءَ فَكُلُّهُم
…
مُلْكٌ له مِن رائِح أوْ غادِي
[49]
فَقَضى لِمَنْ قَدْ شاءَ بالإبْعادِ
…
وقَضَى لِمَنْ قَدْ شاَءَ بالإسْعادِ/
وقَضاؤه عَدْلٌ فَلَيْسَ بجائِرٍ
…
إذ كانَ مالِكَهُم بِلا تَرْدادِ
(1) انظر: "المنهاج السوي"(ص 89 - 90).
(2)
انظر ترجمته في: "فوات الوفيات"(2/ 325)، و"الدرر الكامنة"(5/ 245)، و"النجوم الزاهرة"(11/ 100)، و"المعجم المختص بالمحدثين"(ترجمة رقم 383)، و"شذرات الذهب"(5/ 394).
رَحِمَ الأنامَ فَأرْسَلَ الرُّسْلَ الكِرا
…
م الراشدين بواضح الإرشاد
واللهُ شَرَّفَنا [بفَضْلِ](1) نَبِينا الـ
…
مبعوث حقاً رحمة لعباد
فأتَى بقُرْآنٍ عَظِيمٍ باهِرٍ
…
فيه الهدي أكرم به من هاد
وحَدِيْثهُ يَشْفِي الصُّدُورَ ونُوره
…
تحيى القلوب به (2) ويروي الصادي
وأقامَ للدِّينِ المُبينِ أَئِمَّةً
…
تهدي الورى فهم نجوم بلادي
فَوُجودُهُمْ بَيْنَ الخَلائِقِ رَحْمَةٌ
…
ومماتهم علمٌ لقرب معاد (3)
فَالْعِلْمُ مَقبوضٌ بِقَبْضِ نُفوسِهِم
…
قد جاء ذاك عن النبي الهادي (4)
فَلَقَدْ فَقَدْنا سادَةً في دهرِنا
…
نور العباد وعصمة الرواد (5)
ابنُ الصَّلاح إِمَامُنا حَبْرُ الوَرَى
…
وبقية العلماء والعباد
والشَّيْخ عِزُّ الدِّينِ أوْحَدُ دَهْرِهِ
…
وكذا السخاوي الرحيب النادي
وكَذا أبو عَمْرِو الإمامُ وشَيْخُنا الـ
…
حبر الخطيب ملقب بعماد
وكَذا شِهابُ الدِّينِ شَيْخٌ بارعٌ
…
في كل علم ثابت الأطواد
وكَذاكَ (مُحْيي الدِّينِ) فاقَ بِزُهْدِه
…
وبفقهه الفقها مع الزهاد
القانِتُ الأوَّابُ والحَبْرُ الذي
…
نصر الشريعة دائماً بجهاد/ [50]
(1) ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(2)
في الأصل: به القلوب!!
(3)
في الأصل: معادي!!
(4)
يشير الناظم إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء".
أخرجه البخاري في "الصحيح"(1/ 194)(رقم 100)، ومسلم في "الصحيح"(4/ 2058)(رقم 2673)، والترمذي في "الجامع"(5/ 31)(رقم 2652) والنسائي في "السنن الكبرى" -كما في "التحفة"(6/ 361) -، وابن ماجه في "السنن"(1/ 20)(رقم 52)، والدارمي في "مسنده"(1/ 77)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"(2/ 962)(رقم 2771)، وأحمد في "المسند"(رقم6511و 6787 و6788)، وابن المبارك في "الزهد"(رقم 816)، وغيرهم كثير.
(5)
في الأصل: "عمدة الأجواد"، وما أثبت من الهامش.
تَبْكِيهِ دارٌ للحَدِيثِ وأَهْلُها
…
لخلوها من فضله المعتاد
لَمْ يَبْقَ بَعْدَكَ للصُّحيحِ مُعَرِّفٌ
…
قد كنت فيه جهبذ النقاد
مَنْ ذا يُبَيِّنُ مُرْسَلاً مِن مُسْنَدٍ
…
أو من حيث عد في الأفراد
أوْ كانَ مَقْطوعاً ضَعِيفاً مُعْضَلًا
…
أو كان موضوعاً لذي إلحاد
أوْ مَنْ يُبَيِّنُ مُنْكَراً في مَتْنِهِ
…
أو من يعرف علة الإسناد
مَنْ ذا لِدَفْع المُنْكَراتِ وقَدْ غَدَتْ
…
بين الأنام كثيرة الترداد
أَنْهَكْتَ جِسْمَكَ بالصِّيام مُواظِباً
…
وسهرت غير ممتع برقاد
تشْفي النفوسَ إذا أجَبْتَ سُؤالَ مَن
…
يلقي عليك دقائق الإيراد
وزَهَدْتَ في الدُنْيا وفي لَذاتِها
…
فكتبت عند الله في الزهاد
تَبْكِيهِ جامِعُ جِلَّقٍ لَما خَلا
…
منه تهجده على الآباد
يا حَبذا تِلكَ الخلائِقُ والنُّهَى
…
ما كان أبردها على الأكباد
ونَصَرْتَ دينَ اللهِ وَحْدَكَ جَاهِداً
…
ودفعت عنه شبهة المراد (1)
حَتى حَصَلْتَ على عُلوم جَمةٍ
…
ونشرت أخبار النبي الهادي
بالواضِحاتِ مِن الأدِلةِ جُلُّها
…
نص القرآن بذهنك الوقاد
[51]
أوحِشْتِ جِلَّقُ إذ فَقَدْتِ وَأَهلها
…
من بعد أنس خالص ووداد/
تَبْكيهِ صَحْبٌ كانَ يَجْمَعُ شَمْلَهُم
…
فيه بشرح شارح لفؤاد
يا حَبذا مِنْ مُسْتَشارٍ ناصِحٍ
…
بمشورة تأتي بكل رشاد
قَدْ كُنْتَ عَيْناً للبلادِ وأهْلِها
…
تسقي بك الأرضون عند جماد
قَدْ كُنْتَ نوراً للْبَلادِ وأَهْلِها
…
قد عاد بعدك مبدلاً بسواد
فَبَكَيْتُهُ لَما ثَوى بِثَرَى (نَوَى)
…
ونأى فقد أصمى صميم فؤاد
فَلَقَدْ سُلِبْناهُ وبُدِّلَ قُرْبُه
…
لما حواه لحده ببعاد
قَدْ كَان تُسْلِيْنا مَجِالِسُ عِلْمِهِ
…
عن سالف الآباء والأجداد
أَتُرَى تَعُودُ لَنا لَيالِي أُنْسِكُم
…
هيهات لكن ذاك يوم معادي
(1)(المُرَّاد): جمع مارد، الطَّاغية والعملاق.
حُقَّ البُكاءُ على الأنامِ لِفَقْدِهِم
…
حُزْناً وحُقَّ تَفَتتُ الأكْبادِ
تَرَكُوا مَنازِلَهُم وسَارُوا سُرْعَةً
…
تَتْرى كَأنَّهُم حَدَاهُم حادِي
غَدَتِ المَنونُ عليْهِمُ فتَتابَعوا
…
فكأنَّما كانوا على مِيْعادِ
ماذا أؤمِّلُ بَعْدَهم مِن لَذَّةٍ
…
تَبْقى وهُمْ كانوا جَميعَ فُؤادِي
[يا صائِراً هذا المَصيرَ أَلا اسْتَفِقْ
…
مِنْ غَفْلَةٍ تُرْدِي وطُولِ رُقادِ] (1)
واعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ سُكْناكَ الثَّرَى
…
وتَصِيرَ في لَحْدٍ مِن الألْحادِ
لا تستطيعُ إذاً لِنَفْسِكَ حِيْلَةً
…
واحْذَرْ إِلهَكَ فهْوَ بالمِرْصادِ
ما النَّاسُ إلا غافِلونَ عِنِ الهُدى
…
في هذهِ الدُنْيا سِوى الزُّهادِ/ [52]
يا رَبِّ فاجْبُرْ كَسْرَها فيمَنْ مَضَى
…
مِنْهُم وأيْقِظْنا للاسْتِعْدادِ
واختِمْ لنا بالخَيْرِ عنْدَ مَماتِنا
…
أنْتَ الكَريمُ ومَلْجأ القُصَّادِ
والحَمْدُ للهِ المُهَيْمِنِ دَائماً
…
ثُمَّ الصَّلاةُ على النَّبيِّ الهَادِي
والآلِ والأصْحابِ ثُمَّ سَلامُهُ
…
ما غَرَّدَتْ وُرْقٌ على الأعْوادِ (2)
وقال الأديبُ الفاضلُ المحدِّثُ أبو الحسن عليُّ بن المظفر بن إبراهيم الكِنْديُّ (3)، يرثي شَيْخَنا الإمامَ العلَاّمَةَ الحافظَ المُفْتي الزاهدَ الورعَ أنموذجَ الطِّرازِ الأوَّل، محيي الدين يحيى النواوي الشافعي رضي الله عنه، متقرباً بذلك إلى الله سبحانه وتعالى:
لَهْفِي عَلَيْهِ سَيِّداً وحَصُورا (4)
…
سَنَداً لأعلامِ الهُدَى وظَهِيرا
(1) هذا البيت من هامش الأصل.
(2)
ذكر أبياتاً يسيرةً منها: السيوطي في "المنهاج السوي"(ص 90 - 91).
(3)
انظر ترجمته في: "البداية والنهاية"(14/ 78)، و "فوات الوفيات"(3/ 98)، و "تذكرة الحفاظ"(4/ 1503)، و"العبر"(4/ 43)، و"المعجم المختص"(رقم 216)، و"الدرر الكامنة"(3/ 130 - 133)، و"النجوم الزاهرة"(9/ 235)، و "شذرات الذهب"(6/ 39).
(4)
يشير إلى أنه عاش عَزَباً لم يتزوَّج.
ومُجاهِداً ومُجاهِراً في اللهِ لا
…
يخشى مليكاً قاهراً وأميرا
ومُشَيداً رُكْنَ الشَّريعَةِ ناصِحاً
…
بالباقيات الصالحات مشيرا
ما إنْ يُبالي راح مَعْذولاً إذا
…
نصح الورى لله أو معذورا
عَفٌّ عَنِ الدُّنْيا وكَمْ عَرَضَتْ لهُ
…
حلا فأولاها قلى (1) ونفورا
لَمْ يُصْبحِ الوَرِقُ (2) المُزَخْرَفُ رائِقاً
…
يوماً لدينه ولا النُّضارُ نضيرا
[53]
هَجَرَ الكَرَى والطِّيِّباتِ تَوَرُّعاً
…
إذ قام ديجوراً وصام هجيرا/
ما زالَ بِرُّ الوالِدَيْن شِعارَهُ
…
مذ أوتي الحكم المبين صغيرا
أحْيا شَريعَةَ أَحْمَدِ وأَفاضَها (3)
…
فأفادنا نشراً لها ونُشُورا
يُفْتي فَيَفْتِنُ كُل حَبْرِ عِلْمُهُ
…
مع أنه يهدي الهدى والنُّورا
ما ماتَ (يَحْيىَ) إِنَّما جَبَلٌ هَوَى
…
فأخاف ذلك يذبُلاً وثبيراً (4)
ما غاب عنهُ عالِمٌ بَلْ عالَمٌ
…
كانت به التقوى أعزَّ نفيرا
إِن المَدارِسَ (5) وَحْشَةً لِفِراقِهِ
…
أضحت دوارس لا تبين دثورا (6)
وكذا المَساجِدُ بالمصابِيح انْثنتْ
…
تبدي عليه حرقةً وزفيرا
يا مَنْ رَآه وهْوَ حَيٌّ لَوْ تَرى
…
بعد الممات العالم النِّحريرا
لَرَأيْتَ ثَمَّ مُسَوَّغاً ومُسَوَّراً (7)
…
لاقى حياءً وافراً وحُبُورا
ذاكَ الشُّحوبُ مِن العِبادَة والأسَى
…
في الله صارت (8) نضرةً سرورا
(1)(القِلى): البغض والهجر.
(2)
الوَرِق -بكسر الراء-: الفضة.
(3)
كذا في الأصل، وفي "المنهاج السوي":"فأقامها".
(4)
أسماء جبال، الأوَّل في نجد، والثاني في مكة.
(5)
في الأصل: "مدارس"، والتصويب من "المنهاج السوي".
(6)
(الدثور): الخامل.
(7)
كذا في الأصل.
(8)
في الأصل: "صار"، وما أثبتناه يستقيم به الوزن.
تِلْكَ الزَّوايا والثِّيابُ الخُشْنُ قَدْ
…
عادَتْ (1) عليهِ جَنَّةً وحَرِيرا
آهاً على الأوَّاهِ والأوَّابِ مِن
…
صِدْقِ المَقالِ لِنَفْسِهِ هِجِّيرى
والطَّاهِرِ الأعْراضِ والأغْراضِ لا
…
يُبْدي رِياءً للأنامِ وزُورا
مَنْ كانَ يُسْتَسْقى (2) بيُمْنِ دُعائِهِ
…
صَوْبُ الغَمامِ فَيَسْتَجيبُ مَطيرا
ودَرَيئةٌ عندَ الحَوادِثِ تَتَّقِي
…
[عندَ المُلوكِ بها الوَرَى المَحْذورا](3)
[ضَمتْ (نوى) الجولانِ مِن أخلاقِهِ](4)
…
نوءاً إذا ضَنَّ السَّحابُ غَزيرا/ [54]
فالخصْبُ حالَفَ أَرْضَها حتى كأ
…
نَّ الجَدْبَ عَنْها لَمْ يَكُنْ مَشْهورا
وتَقَدَّسَتْ بقُدُومِهِ مِنْ قُدْسِهِ
…
فِيها فبُورِكَ طاهِراً وطَهُورا (5)
ورثاه الشيخُ الفاضلُ أبو [محَمَّد](6) إسماعيلُ البُسطي رضي الله عنه، وتوفي رحمه الله بعد وفاة الشيخ بأربعة وعشرين يوماً، ودُفِنَ مِن يومه بدمشق (7):
رزِيَّةُ (مُحْيي الدين) قد عَمَّتِ الوَرَى
…
فلَسْتَ تَرَى إلَّا حَزيناً مُفَكِّرا
فَطالِبُهُمْ لِلْعِلْمِ يَبْكِي لِفَقْده
…
وجاهِلُهُمْ يَبْكي لعُرْفٍ تَنَكُّرا
عَزيزٌ عليْنا فَقْدُهُ وفِراقُهُ
…
ولكِنْ هِيَ الآجالُ لَنْ تتأخَّرا
فَيَا زَوْرَةً قَدْ أَوْرَثَتْنَا تَحَيُّرا
…
كَمَا أَوْرَثَتْهُ في الجِنانِ تبَخْتُرا
لَقدْ عَطَّلَتْ مِنا دُروساً عَزيزَةً
…
كَمَا عَطَّلَتْ أَوْراقَهُ والمَحابِرا
وكُنَّا كَعِقْدٍ وهْو واسِطَةُ الضيا
…
فَلَمَّا انْجَلى ذاكَ الضِّياءُ تَنَاثَرا
(1) في الأصل: "عادا".
(2)
في الأصل: "يُسقى"، وفوقه:"يُسْتَقى"، وأمامها:"صح".
(3)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(4)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(5)
انظر: "المنهاج السوي"(86 - 88).
(6)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(7)
انظر: "ترجمة الإمام النووي"(ص 75) للسخاوي.
وكانَ كَبَدْرٍ نحْنُ هالَةُ أفْقِهِ
…
فلما دنا منه الأفول تغيرا
وعاش الذي قَدْ عاش وهُو مُجاهِدٌ
…
فلما أتاه الموت مات مهاجرا
وفي رابعِ العِشْرينَ مِن رَجَب سَرَى
…
إلى الله يا بشراه ذكراً مُعَطَّرا
[55]
نوى سِتْرَهُ بعدَ المَماتِ تَواضُعاً
…
فسار (نوى) حتى ثوى متسترا/
وَبرَّ أباه إِذ فَداه بِروحِهِ
…
فيا حبذا براً لديه موفرا
تَواضَعَ عِنْدَ المَوْتِ فازْدادَ رِفْعَةً
…
ونودي له بعد الصلاة كما جرى
وقاضي قُضاةٍ (1) المُسْلِمينَ سَعَى لهُ
…
إلى قبره بعد الممات وكبرا
فتاويهِ كانتْ تُسْتَفادُ بفِعْلِهِ
…
فأوجب ذاك الحكم أن لا تكثرا
خَمِيْصُ الحَشَا (2) مِمَّا بهِ مِن قَنَاعَةٍ
…
ولكنه ملآن دُرّاً وجوهراً
ذَليلٌ سَاوَى المؤمِنينَ بِليْنِهِ
…
عزيزٌ إذا ما الشرع يوما تكدرا
تَحَلَّى قَميصَ العِلْمِ مِن فَضْلِ رَبهِ
…
فما كان يخفيه بمصقوله ترى
فَيا عاتِبيهِ في رَثاثَةِ طِمْرِهِ (3)
…
فعند صباح القوم يستحمد السرى (4)
لقدْ شَرَحَ "التنبيهَ" شَرْحاً مُهذَّباً
…
وبينهُ للطالبين وفسراً
وأَوْضَحَ فيه -قدَّس الله رُوحَه-
…
بحسن عباراتٍ وزاد وكثرا
وكَمْ مُشْكِلاتِ عُجمَتْ فأَزالَهَا
…
بحسن بيان لا حجاج ولا مرا
ولا خاصَمَ الأقرانَ يومَ جِدالِهِ
…
ولا دق كما قط يوماً على الثرى
قَديرٌ على شَرْح الكِتابِ بسُرْعَةٍ
…
ويشرح في سطرين إن شئت أشهرا
تَصَدَّى لِنَقْلِ اَلعِلْم منهُ تبَرُّعاً
…
وكان ثواب الله أوفى وأوفرا
[56]
وما زالَ في دارِ الحَديثِ مُقامُهُ
…
فسار إلى دار المقام لينظرا/
(1) هذه التسمية سادت في العصور المنحطة، وهي مما لا يجوز استعماله. انظر "معجم المناهي اللفظية" للشيخ بكر أبي زيد (260، 311).
(2)
كناية عن النحف، كان نحيفاً مضمر البطن، بسبب الزهد في الدُّنيا وملذاتها.
(3)
الثوب الخَلِق البالي.
(4)
السَّير في عامَّة الليل.
(رواحِيَّة) كانت مَحَلَّ دروسِهِ
…
فراح إلى روح النعيم بما قرا (1)
فهذا هُو الفَضْلُ المُبينُ حَقيقةً
…
وإن كنت في وصفي له لمقصرا
سَلامٌ على تِلْكَ المَقابِرِ مِن (نوى)
…
لقد جاورت مسكاً ونداً وعنبرا
ويا قَبْرَهُ يَهْنيكَ ما حُزْتَ مِنْ تُقَى
…
ومن ورع مرض وفقهاً محبراً
سُقيتَ الحَيا ما دامَتِ الأرض فمَسْجداً
…
وما تليت {إنا وجدنه صابراً} (2)
جَزَاهُ إِلهِي في الجِنانِ مَساكِنا
…
ورضوانه منه عليه له قرا
ورَثاهُ تِلميذُه الفقيه المقريء أبو العباس أحمد الضرير الواسطي (3) الملقَّب بالجلال:
لقَدْ ذَهبَ الحَبْرُ الجَليلُ الموفَّقُ
…
وعدنا حيارى والدموع تدفق
على رَجُلٍ ما في البَرِيَّة مِثْلُهُ
…
فيا عجباً من ذا يجاري ويلحق
بِزُهْدٍ وإِحْسانٍ وعِلْم ورأفَةٍ
…
وأمر بمعروف وبالحق ينطق
ولَمْ تَرْدَعَنْهُ في الإِله مَخافَةٌ
…
ولم يخش من خلق لعمري ويفرق
لِوَجْهِ إِلهِ العَرْشِ قَدْ كانَ فِعْلُهُ
…
[وقد](4) كان ذا قلب من الله يشفق
ولكِنَّهُ قَدْ أَتْعَبَ النَّاسَ بَعْدَهُ
…
بما قد رأوا منه فذاك محقق
فمَنْ لِعُلومِ الشَّرْعِ بعْدَكَ مُوضِحٌ
…
لطالبها أنى لها من يحقق / [57]
ومَنْ لامْرِيءِ تَبْغي الفَتاوى تَخلُّصاً
…
ويجمع شملاً فالصحاب تفرقوا
ويا أَسَفَى ضاعَتْ عُلومٌ كَثيرةٌ
…
لفقدك (محيي الدين) إني مصدق
فأسْألُ رَبَّ العَرْشِ يُؤْويكَ جَنَّةً
…
تخلد فيها بالنعيم وترزق
ورثاهُ بعضُ الإِخوانِ أَيْضاً (5):
(1) غير مقروء في الأصل ولعلها كما أثبتناه.
(2)
سورة ص، الآية:44.
(3)
انظر ترجمته في "الدرر الكامنة"(1/ 190).
(4)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(5)
انظر "ترجمة الإمام النووي"(ص 76) للسخاوي.
شُؤونَ دَمْعيَ لَيْس الصَّبْرُ مِن شاني
…
سُحِّي (1) أَسىً لا تَشُحِّي (2) بالدم القاني
يا صاح لَنْ تَنْصَحَ العَيْنانِ رَبَّهما
…
إِنْ لَمْ يَقْض مِنْهُما في الحُزْنِ عَيْنانِ
مَن ذا يَقارِبُني فى الحُزْنِ بعدَكَ (محـ
…
يي الدين) فالسقْمُ أصْماني وأَضْناني
والحُزْنُ ماتِحُ (3) تأموري (4) ومانِحُهُ
…
إِنْسَانُ عَيْني والأحْواضُ أَجْفاني
أما كَفاني بِتَبْريحٍ الفِراقِ وما
…
كابَدْتُهُ مِن صَباباتي وأشْجاني
حَتَّى رُميتُ بِرُزْءٍ فتَّ في كَبِدي
…
وخانَني جَلَدي فيه وسُلْواني
فَلي هُنالِكَ صَعْقَاتُ الكَليع لدَكْ
…
كِ الطُّورِ أَعْني بهِ موسى بنَ عِمْرانِ
فلا لعاً (5) لكَ يا ناعي لعلكَ لم
…
تَكُنْ على ثقةٍ مِنْهُ وإِيقانِ
لَمْ تَدْرِ وَيْحَكَ مَن تَنْعَى نَعَيْتَ لنا
…
بَحْراً حَوا غَايَتَي عِلْمٍ وِإحْسانِ
نَعَيْتَ بَدْرَ تَمام يُسْتَضاءُ بهِ
…
لمْ يَرْمِهِ دَهْره يَوْماً بنُقْصانِ
[58]
، لقَدْ وُترْتُ إِماماً عالماً وَرِعاً
…
أَعْدَدْته للزَّمانِ الجائِرِ اَلجَاني/
وارحمتا للعلوم بعدَ مَصْرَعِهِ
…
فكَمْ لها مِن كآباتٍ وأَحْزانِ!
لَهْفي عليهِ لقدْ كانَتْ خَلائِقُهُ
…
مَجْبولَةً فيهِ مِن زُهْدٍ وإِيْمانِ
إِنْ تَنْقَطِعْ مِنْهُ أَسْبابُ الرَّجاءِ فَلِي
…
حُزْنٌ أعانيهِ ما كَرَّ الجَديدانِ
لَمْ أَدْعُ صَبْريَ إِلا صُدَّ مُنْهَزِماً
…
والدَّمْعُ لم أَدْعُهُ إِلَّا ولَبَّاني
سَقْياً لتُرْبَةِ قَبْرٍ ضَمَّهُ فَلَقَد
…
ضَمَّ العِظامَ العظامَ القَدْر والشَّانِ
أصْبَحْتُ مِن بعد كالطَيْرِ يلْتَمِسُ الن
…
هوض أَنى وقَدْ هِيضَ (6) الجَناحانِ
يا لائِمي إِنَّ قَلْبي عنكَ في شُغُلٍ
…
دع الملامَ فما للصَّبِّ (7) قَلْبانِ
(1)(سحَّ): صبَّ صباً كثيراً متتابعاً.
(2)
(شَحَّ): قلَّ وعَسُر.
(3)
متح الماء: استخرجه.
(4)
التأمور: دم القلب.
(5)
(لَعا): كلمة تقال للعاثر مرَّة أو مرتين.
(6)
(هاض الجناح): انكسر.
(7)
(الصَّب): المشتاق الرقيق، والمحبّ.
فَقَدْ سَقَتْني كُؤوسُ الحُزْنِ فادِحَةً
…
للنار قادحة في قلبي العاني
إِنَّ الَامامَ الذي في التُّرْب خُطَّ لهُ
…
لَحْدٌ وإن عجَّ عن أهل وأوطان
مِنْ قَبْلِهِ ما رأَيْنا العِلْمُ منْدَرِجاً
…
والزهد والمجد في أثناء أكفان
أَحيا الشَّرائِعَ والأَحْكام حيثُ له
…
بشرعة المصطفى علم بتبيان
نَفْسِي تَطيرُ شَعاعاً مِنْ تَذَكُّرِهِ
…
والسقم منتشر فى طي جثماني
آهاً لها لوعةً في القَلْبِ مُصْعِدةً
…
تنفس الروح عن لفحات نيران
كَمْ يَخْفِقُ القَلْبُ مِني حينَ أَذْكُرُهُ
…
فلست أنسى أخاً ما كان ينساني
سَقْياً ورَعْياً لِقَبْرٍ هِيْلَ فيهِ على
…
غصنٍ نضير بماء العلم ريان / [59]
يَرْتاحُ قَلْبي لَقَبْرٍ في (نوى) فلَقَدْ
…
عيلت إليه صباباتي وأشجاني
سُبْحانَ مَنْ بِنَعيمِ الخُلْدِ نَعَّمَهُ
…
وبالأسى بعده والبث أشقاني
الموْتُ أَرْوَحُ مِن رَوْحِ الحَياةِ ولا
…
أقول إنهما من بعده سيان
خَطْبٌ تَرَفَّعَ عَنْ شَق الجُيوبِ لهُ
…
فقد شققت حياتي دون قمصان
خَطْبٌ أَفاضَ فلا أَهْلاً بِمَقْدَمِهِ
…
علي جلباب حزن منه غثاني
الحمدُ للهِ هذا مِن مَقادرِهِ
…
فكل حي عليها هالك فاني
لَوْ رَدَّ عنه الرَّدَى باسٌ لَبَادرَهُ
…
أسدٌ تبادر من شيب وشبان
لكِنَّهُ المَوْتُ غَلَّاب بِكَرَّتِه
…
لكل أغلب (1) من إنس ومن جان
يا مَنْ بهِ يُقْتَدى في كُل مُشْكِلَةٍ
…
وما له في علو الشأن من ثاني
مَلأتَ قَلْبِيَ حُزْناً لا تُقادُ لهُ
…
من بعد فقدك والتسهيد يغشاني
قَدْ ساوَرَتْنيَ أفْكارٌ مُبَرِّحَةٌ
…
حتى لقد هدمت صبري وجثماني
والعَيْنُ باكِيَةٌ بالدَّمْعِ جارَيَةٌ
…
وعنك يا سيدي قد عز سلواني
أفْضى أَخُونا لِما أَفْضى النَّبِيُّ لَهُ
…
وصاحباه وصنواه الشهيدان
فأَسْألُ اللهَ رَبِّي أنْ يُبَشِّرَهُ
…
برحمة أبداً منه ورضوان
(1) الأغلب: غليظ العنق.
[60]
مِني السلامُ عليهِ كُلما سَجَعَتْ
…
قُمْرِيةٌ (1) هَتَفَتْ مِن فَوْقِ أغْصانِ/
ورثاه بعض المحبين أيضاً (2):
وجَدَتْ عليكَ [شَريعَةُ](3) الإِسلام
…
أسَفاً يُلازِمُها مَدى الأيامِ
واسْتَوْدَعَتْ منكَ الرعيةُ في الثرى
…
كَهْفَ الأرامِلِ كافِلَ الأيْتامِ
ولَقَدْ حَكَمْتَ فكانَ حُكْمُكَ قائماً
…
فينا بأمْرِ اللهِ خيرَ قِيامِ
تاللهِ ما أخَذَتْكَ لَوْمَةُ لائِم
…
في اللهِ حالَ النَّقْضِ والإبرام
أعطاكَ رَبُّكَ في كِلا الدارَيْنِ مِن
…
قَسْم السعَادةِ أوْفَرَ الأقْسامِ
ولَقَدْ حَماكَ مِن النقائِصِ كُلها
…
إذْ كُنتَ عنْ شَرْع النبي تُحامِي
وسلامَةُ الدُنْيا دليلُ سَلامَةِ الـ
…
أخْرَى مِن التبِعاتِ والآثام
عَجَبِي لِقَبْرِكَ كَيْفَ لَمْ يَنْهَر لهُ
…
لَحْدٌ وفيهِ بَحْرُ عِلْم طامِي (4)
لَكَ رُتْبَة ٌكَمْ رامَها كُفْؤٌ لها
…
فَتَمَنعَتْ وغَلَتْ على المُسْتام
ما بالُ دمْعِيَ بعْدَ فَقْدِكَ خَانَني
…
حتى المَدامِعُ ما وفَتْ بذِمامي (5)
أَيْنَ الوفاءُ وما العيونُ قَريحَةٌ
…
لما فُقِدْتَ ولا الجُفونُ دوامي
أسِفي عليكَ ولو وجَدْتُ وسيلَةً
…
تُدْني حِمَاميَ ما كَرِهْتُ حِمامي
أما المَدارِسُ فاسْتَمَرَّ ظَلامُها
…
إِذْ غابَ عَنْها منكَ بَدْرُ تَمام
[61]
وكَذا المَسائِلُ عادَ حُسْنُ وُضوحها
…
في غايَةِ الإشكالِ والإبهامِ/
ولَقَدْ رَدَدْتَ على الأجانِب حَقَّهُم
…
وأخَذْتَ حَقَّا مِن ذَوي الأرْحامِ
حُكْمٌ تَنَزه أنْ يُخالِطَهُ الهوى
…
إِنَّ الهَوى إِلْبٌ على الحُكَّامِ
ما كانَ ما أَعْطَيْتَهُ وسَلَبْتَهُ
…
إِلا كَطَيْفٍ زائِرٍ بِمَنامِ
(1) ضرب من الحمام المطوَّق، حسن الصوت.
(2)
انظر: "ترجمة الإمام النووي"(ص 76) للسخاوي.
(3)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(4)
(طم البحر): أغرق وغطى.
(5)
(الذمام): الحق والحرمة.
حَذَاراً فَوي الأرْحامِ أَنْ يَعْتاقَكُم
…
عَنْ رُشْدِكُم حُلُم مِن الأحْلامِ
وأرَى حَقيقةَ عَيْشِهِ كَمَجازها
…
ما أَشْبَهَ الإِيجادِ بالإِعدامِ!
مَوْلايَ (مُحْيي الدينِ) كَم أَوْلَيْتَ مِن
…
نِعَمِ تَعُمُّ العالَمينَ حُسامِ
بالرُّغْمِ مِنا أَنْ يَكونَ مُحَجباً
…
في التُّرْبِ تحْتَ صفائِحٍ ورُغامِ
حَسْبُ المَنايا اُّنهُنَّ فَجَعْنَنا
…
في شَيْخِنا ودِعامَةِ الإسْلام
قَد رُجتِ الأرْضُ الفضاءُ لِفَقْدهِ
…
وتزَعْزَعَتْ برواسيَ الأعْلامِ
لو أنهُ يُفْدَى لقَلَّ لهُ الفِدا
…
بالناسِ والَأمْوالِ والأنْعامِ
إِنْ كانَ قدْ عَلِقَتْهُ أشْراكُ الرَّدَى
…
مِن بَعْدِ عِلْمِ نافِذِ الأحْكامِ
فلَهُ بأرْبابِ الخِلافَةِ أسْوَةٌ
…
وأئِمَّةِ الإِسْلامِ والحُكامِ
أيْنَ القُرونُ السالفونَ و (مالِكٌ)
…
و (سَريّ) و (الشِّبْلِي) و (البِسطامي)
أينَ المُعَمرُ ألفَ عام صاحِبُ الـ
…
ـفُلْكِ المُداب بفُلْكِهِ العَوَّام
حَتى نَجا ومِن المنيةِ مَا نَجا
…
مِنْ بَعْدِ طولِ العُمْرِ والأعْوامِ/ [62]
أينَ المُعَمرُ عُمْرَ سَبْعَةِ أَنْسُرِ
…
أَيْنَ (الخَليلُ) مُكَسرُ الأصْنامِ
أيْنَ (الكَليمُ) المُسْتَجابُ دُعاؤهُ
…
بالشامِ حينَ دَعا على (بَلْعام)
أيْن النبيُّ (مُحَمدُ) الهادي إلى
…
سُبُلِ الهُدَى وحُلولِ دارِ مُقامِ (1)
لا يُبعِدَنْكَ اللهُ يا شَيْخَ الوَرَى
…
وسَقَى ضَرِيْحَكَ كُل غَيْثِ هامِي
يا خَيْرَ مَن فُجِعَ الأنامُ بفَقْده
…
بعْدَ النبي وبَعْدَ كُل إِمام (1)
حاشاكَ تُصْبحُ ضِمْنَ لَحْدِ ضَيِّقٍ
…
مِنْ بَعْدِ وُسْعِ مَدارِسٍ لِقيامِ
إِنْ كانَ عاجَلَكَ القَضاءُ وصُرِّمَتْ
…
مِنْ عُمْرِكَ الأعَوامُ بالأيامِ
فَلَقَدْ تَرَكْتَ العَيْنَ بَعْدَكَ ثَرَّة (2)
…
تَبْكِي لِفَقْدِكَ والقُلوبُ دوامي
حَيثْ ثَراكَ سَحَائِبٌ هَطَّالَةٌ
…
مَصْحُوبَةٌ بِتَحِيةِ وسَلامِ (1)
(1) جُعِلَت الكسرةِ ياءً في الأصل.
(2)
كلمة ساقطة غير موجودة، ولا يستقيم وزن البيت إلا بها.
وإِذا الحَياءُ أَتَتْكَ مِنْهُ تَحِيةٌ
…
في كُلِّ شَهْرٍ مرةً أوْ عامِ
فَعَلَيْكَ مِنِّي كُل يَوْمٍ رَحْمَةٌ
…
أَدْعو بها وتَحِيتِي وسَلامي
وقالَ المهذبُ عمرو بن عليّ الزَّرْعِي (1) يَرْثيهِ:
أيُّ عُذْرٍ لِمُقْلَةٍ غَيْرِ عَبْرى
…
بَعْدَ (يَحيْى) ومُهْجَةِ غَيْرِ حَرى
غاصَ بَحْرُ العُلوم بَعْدَ عُباب
…
ثُم أضْحَى بعدَ العُذوبَةِ بَحْرا (2)
[63]
أيْنَ عِلْمُ (يَحيْىَ) إِذاَ ماتَ (يَحْيىَ)
…
وحَديثٌ على المَنابرِ يُقْرا/
وعَهِدْتُ الدِّيارَ [يُبْكَى](3) عليها
…
حينَ تَضْحَى مِن الأَحِبةِ قَفْرا
ولَدارُ الحَديثِ تَبْكي عليهِ
…
حِيْنَ أضْحَتْ مِن البَلاغَةِ صِفْرا
عُطِّلَتْ بَعْدَهُ المَدارِسُ طُرّاً
…
مَنْ جَوادِ في حَلْبَةِ الدَّرْسِ أحْرا
يُفْحِمُ الخَصْمَ في الجِدالِ بِبَحْثٍ
…
يَذَرُ اللوْذَعي (4) بالغَيِّ مُغْرى
لا يَشوبُ الجِدالَ منهُ بلفْظٍ
…
غيرِ فقهٍ وليسَ يَنْطِقُ هُجْرا (5)
فَقَضى نَحْبَهُ وعاشَ حَميدًا
…
رَبَّ فَضْلِ مِن كُلِّ عَيْب مُبرَّا
زاهِداً في نَعيمِ دنْياهُ حَتَّى
…
يَتَقاضاهُ مِن نَعيم الَأخْرى
تَرَكَ الطيِّباتِ في هذهِ الدُّنْ
…
ـيا ولَذاتِها لِيُحرِزَ أجْرا
وغَدا قانِعاً بأيْسَرِ قُوتٍ
…
وهُو عِنْدَ الأنام أعْظَمُ قَدْرا
وعَصَى النفْسَ في طِلاب هَواها
…
وأطاعَ الإلهَ سَرّاً وجَهْرا
يَنْصُرُ الحَق في المَحَافِلِ إِذ
…
لا يَسْتَطيعُ الأنامُ للحَقِّ نَصْرا
فِبِحَقٍّ تَبْكي العُيونُ عَلَيْهِ
…
بِدِماءٍ وتَنْثُرُ الدمْعَ نَثْرا
فَلَقَدْ أَوْحَشَ المَجالِسَ مِنْهُ
…
صَدْرُهَا الحَبْرُ حيْنَ آنسَ قَبْرا
(1) انظر "ترجمة الإمام النووي"(ص 75) للسخاوي.
(2)
في هامش الأصل: "يعني مُرّاً"!!
(3)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(4)
في هامش الأصل: "اللوذعي: الفصيح الذكي".
(5)
(الهُجْر): الكلام السيِّئ القبيح.
كُنْتَ للعِلْمِ يا (أبا زٌكَريّا)
…
وعاءً وللنوائِبِ [الحادثات](1) ذُخْرا
عالِماً عامِلًا وكَمْ رَبِّ عِلْم
…
يَعِظُ النَّاسَ وهُو بالوَعْظِ أَحْرى/ [64]
كُنْتَ للناسِ في المُلِمَّاتِ ذُخْراً
…
أعْظَمَ اللهُ فيكَ للناسِ أجْرا
وسَقَتْ قَبْرَكَ السحائِبُ مِمَّا
…
وَسَقَتْ مِن بِحارِ ذي العَرْشِ قَطْرا
لِتَفوحَ الرِّياضُ حَوْلَكَ طِيْبا
…
مِثْلَ ما فاحَ طِيْبُ ذِكْرِكَ عِطْرا
ورثاه الحُسين بن صدقة الموصلي (2) -عفا الله عنه-:
خَطْبٌ ألَم وهَتْ لَهُ الأصْلادُ (3)
…
وتَفَطَّرَتْ بهُجومِهِ الأطْوادُ
وهَمَتْ عُيونُ أوْلي النُّهَى بمَدامعٍ
…
مُنْهَلَّةٍ وتَصَدَّعَتْ أكْبادُ
هذا أوانُ المَوْتِ فِيما بَيْنَنَا
…
مُتَخَيِّرٌ فكأنهُ نَقَّادُ
ذَهبَ الإِمامُ العالِمُ الحَبْرُ الذي
…
كانَتْ تُحَصِّلُ نَفْعَهُ العُبادُ
تَبْكِيكَ يا (يَحْيى) الفَتَاوى دَائِماً
…
والسُّنَّةُ البَيْضاءُ والإِسنادُ
يا أيُّها الناعِي إِلَيْنا سَيِّداً
…
فيهِ جِدالٌ باهِرٌ وجِلادُ
مَنْ للمَسائِلِ بعْدَهُ إِنْ أَشْكَلَتْ
…
وبِمَنْ سِواهُ يَقْتَدي الزُّهَّادُ
ما زالَ بالمَعْروفِ فِيْنا آمِراً
…
ولَنا بنورِ عُلومِهِ إِرْشادُ
يا (مُحْيى الدِّينِ) الحَنيفِ سقا ثرىً
…
واراكَ مِن كَرَمِ الإِلهِ عِهَادُ (4)
وأَباحَكَ الحُسْنَى وحُسْنَ جِوارِهِ
…
مَعَ أهْلِهِ وزِيادةً تُزْدادُ/
ورثاه بعضُ المحبِّين أَيضاً (5) /: [65]
(1) كلمة ساقطة من الأصل، ولا يستقيم وزن البيت إلا بها.
(2)
انظر ترجمته في "الدرر الكامنة"(2/ 56).
(3)
(الأصلاد): جمع صلد: الصلب الأملس الشديد، والصخرة العريضة الملساء.
(4)
العِهاد: المطر.
(5)
انظر "ترجمة الإمام النووي"(ص 76).
حبيب نعاك فَقَلْبُهُ مَقْرُوحُ
…
وبكى عليك فدمعه مسفوح
وغَدَا يُعَفِّرُ خَدَّهُ بِمَدَامِعِ
…
تجري عليك دماً وأنت طريح
أَتُرَاكَ يا قَمَراً تَحَجبُ بالثرَى
…
وجماله تحت التراب يلوح
شاهَدْتُ بَعْدَكَ حَالَ مَن فارقْتَهُ
…
أنت الحياة له وأنت الروح
مُتَوَجِّعَ الأحْشاء بَرَّحَ حُزْنَهُ
…
[أسفٌ](1) يؤجِّج وقده التبرج
أمْسَى لَهُ قَلْبٌ كَليمٌ نارُهُ
…
يصلى الخليل بها وأنت ذبيح
ولَقَدْ رأيْتُكَ فَوْقَ أَعْوادِ الرَّدَى
…
وأمامك التهليل والتسبيح
والناسُ كالطُّوفانِ وهِيَ سَفِيْنَةٌ
…
تجري بأدمعنا وشخصك نوح
والكَوْنُ يَنْدِبُ ما أَصابَكَ سَهْمُهُ
…
والجو يبكي والغمام ينوح
وعَلَيْكَ قَدْ رَقَّ الصَّبَا فَنَسيمُهُ
…
قلقٌ بقبرك يغتدي ويروح
مُتَصَعدُ الأنْفاسِ إِلا أَنَّهُ
…
بجميل وصفك بالعبير يفوح
فالآنَ مَثْواكَ القُلوبُ وإِنْ يَكُنْ
…
أخفاك عن نظر العيون ضريح
حاشاكَ مِن بَعْدِ الوَقارِ بأنْ تُرَى
…
ميتاً وأنت معفَّرٌ مطروح
لا تُعْرِضَنْ عَنَّا بوَجْهكَ مُغْضَباً
…
إن الوداد كما عهدت صحيح
[66]
لَمْ يَبْقَ خِلٌّ نَاظِرَ أوْ سامِعٌ
…
إلا عليك فؤاده مجروح/
وَيوَدُّ لَوْ جُعِلَتْ وِقاءَكَ نَفْسُهُ
…
ودوام مجدك بالبقاء صريح
ثُمَّ انْثَنَى أسِفَاَ يُرَدِّدُ شَجْوَهُ
…
ودموعه فوق الخدود تسوح
كَيْفَ التَّصَبُّرُ وهُو فِيْكَ مَلَامَةٌ
…
وبما التسلي وهو عنك قبيح
أمْ كَيْفَ [أكْتُمُ](2) فيكَ فَرْطَ تَوَجُّعي
…
وأخو الجوى (3) بدموعه مفضوح
لَوْ لَمْ يكُنْ جَارَ الحِمَى ما شَاقَني
…
برقٌ يضيء بسفحه ويلوح
(1) ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(2)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(3)
(الجوى): شدة المرض من وجد وحب واشتياق.
كَلا ولولا طِيْبُ ذِكْرِكَ ما حَلا
…
ذكرٌ بسمعي رنده (1) والشيح (2)
فلأبْكِيَنكَ بالدِّماءِ إِذا قَضَى
…
دمعي عليك صبابةً وأنوح
ولَوِ ارْعَوَيْتُ (3) شَرَحْتُ رُزْئي إِنما
…
عندي [لمختصر](4) الخطوب شروح
فَعَلَيْكَ رِضْوانُ الإِلهِ مُؤَبدا
…
يهدي إليك وروحه والروح
ورَثاهُ أيضاً بعض الإخوانِ (5):
سَيْفُ الحِمَامِ على البَرِيةِ مُنْتَضَى
…
صبراً وتسليماً بما حكم القضا
وأَحَقُّ مَا يَبْدَا اللبِيْبُ بنَفْسِهِ
…
إن كان مما يدعي طلب الرضا
وأَعَزُّ مَنْ يُبْكَى عليهِ تًأسُّفَاً
…
محيي الشرائع نورة ملأ الفضا
الزاهِدُ الوَرعُ التقِيُّ ومَنْ بهِ
…
عز العزا كالمصطفى والمرتضى
ما زَالَ يَقْضِي عُمْرَهُ بلَطَافةٍ
…
من خلقه متفضلاً حتى قضى / [67]
أذَويهِ لا تَتَجَلدُوا لِمُلِمةٍ
…
لو نالت الصخر الأصم ترضرضا
لَوْ كانَ (مُحْيي الدِّينِ)(يَحيْىَ) يُفْتَدى
…
لفديته بحشاشتي خوف القضا
فعَلَيْكَ (مُحْيي الدًينِ) أَوْلَى مَا جَرى
…
دمعٌ يفيض وفي الحشا جمر الغضا
فَلِمَنْ أعَزِّي والعَزاءُ مُمَنَّعُ
…
مني بخطب قد أمض وأمرضا
لِلْعالِمينَ العامِلينَ ومَنْ بِهِمْ
…
أرجو النجاة من التردي في لظا
لكِنني أرْجُو بـ (يَحْيىَ) مِنْهُمُ (6)
…
غفران ربي من ذنوبي ما مضى
(1)(الرَّند): شجر طيب الرائحة، ينبت في سواحل الشام، والغور، والجبال الساحلية، وهو من الفصيلة الغارية.
(2)
(الشيح): نبات صحراوي وسهلي، من الفصيلة المركبة، رائحته طيبة قوية، وهو كثير الأنواع، ترعاه الماشية.
(3)
(ارعويت): كففت.
(4)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(5)
انظر: "ترجمة الإمام النووي"(ص 76) للسخاوي.
(6)
إن في هذا اللفظ من التجاوز الظاهر البيِّن، والنجاة لا تكون إلا بالأعمال الصالحة. =
فاسْمَعْ فَرِيْدَ العَصْرِ أكْرَمَ سامعٍ
…
قَوْلاً يُريكَ الحَقَّ أَبْلَجَ أبْيَضا
قَدْ كانَ أقْرَضَكَ الإِلهُ عُلومَهُ
…
في الدِّينِ فاسْتَوْفى الذي قَدْ أفْرَضا
إِنْ كانَ (يَحْيىَ) قَدْ حَواهُ لَحْدُهُ
…
فكذا الرسولُ وبَعْلُ (فاطِمَةَ) الرضى
لِكِنَّ ذلكَ سُنَّةٌ مَحْكُومَةٌ
…
بَيْنَ الأنام وذاكَ أُسْوَةُ مَنْ مَضى
فَلِيَهْنِكَ البُشْرى بصَبْرِكَ والذي
…
تَرْجُوهُ باَلصَّبْرِ الجَميلِ مُعَوَّضا
يا سَيِّدي إِن الَرَّزِيةَ لمْ تَزَلْ
…
بينَ الأنام على تَصارِيفِ القَضَا
لَكنَّ مِثْلَ عَزائِنا في شَيْخِنا
…
(يَحْيى) التقَي الزاهِدِ الندبِ الرضى
هَلْ عَنْهُ مِن عِوَضِ يَقومُ مَقامَهُ
…
هَيْهَاتَ أَنْ يُلْقَى لهُ مُتَعَوَّضَا
[68]
وجَماعَةَ الإِخوانِ يَدْعو خُفْيَةً
…
وتَضَرُّعاً وتَذَلُلاً وتَعَرُّضا/
والرَّبُّ مُطَّلِعٌ وقَدْ سَمِعَ النِّدا
…
وأَفاضَ نُوراً ساطِعاً مَلأ الرُّبا
فَسَقَى ثَرَى جَدَثٍ حَواهُ عارِضٌ
…
ما مَرَّ بالأرَضينَ إلا رَوَّضا
وسَما عَلَيْهِ بارِقٌ مِن رَحْمَةٍ
…
لَمْ تَخْبُ نارٌ بالإِضا إلا أَضا
أسَفِي عَلى مُحْيي العُلوم ونورِها
…
ما زالَ صدْراً في العُلُوِّ مُعَرَّضا
فلئنْ (1) قَضى وعَفَتْ مَراقِي اَلمَجْدِ مِنْ
…
آثارهِ فالذِّكْرُ مِنْهُ ما انْقَضا
مِنْ نَشْرِهِ عَبِقَ الوُجودُ وإِنَّهُ
…
ذُخْرٌ لكُلِّ مُؤَملٍ يَرْجُو الرِّضى
ورثَاهُ الفاضِلُ أبو محمد عبد الله الأندلسي رحمه الله (2):
يا دَهْرُ أقْصِرْ فما أبْقَيْتَ مِنْ ثارِ
…
كَمْ ذا تُجَرِّعُ أرْزاءً بتَكْرَارِ
غَيَّبْتَ عَنْ دِيْنِنا مُحْيي مَعالِمِهِ
…
فَأنْثر زينَتهُ مِن بَعْدِ إِظْهارِ
يا فَجْعَةً نكأتْ قَرْحَ الجَوانحِ واسْـ
…
ـتَدْمَتْ عُيونُ الوَرَى [مِن](3) خَطْبِها الطَّارِي
= وفي باقي الأبيات تجاوزات كثيرة نرجو أن لا يمر بها القاريء إلا متعظاً معتبراً، وغفر الله للكثير من علمائنا كم تجاوزوا عن مثل ذلك! ولا حول ولا قوة إلا الله.
(1)
في الأصل: "فلان"!!
(2)
انظر: "ترجمة الإمام النووي"(ص 75).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
تَبْكِي وهَلْ يَنْفَعُ الثكْلى تَعَدُّدها
…
أوْ هَلْ يَرُدُّ فقيداً دَمْعُها الجَاري
مَن لِلحَديثِ ومَنْ للفِقْهِ بعدَكَ يا
…
مَنْ كانَ يَدْحَضُ مَنْكوراً بإنْكارِ
مَن لِلْمَعارِفِ مَنْ للعُرْفِ يُظْهِرُهُ
…
بِحُسْنِ نُصْح وتَسْلِيكِ وإِعْذارِ
مَنْ للزَّهادَةِ والنَّهْج القَويمِ ومَن
…
للصَّوْم والنُّسكِ في حِلْم وإِيْثارِ
أرْمَضْتَ عينَ عُلومِ كُنْتَ مُصْلِحَها
…
فاليَوْمُ مَرْهاؤُها (1) تَبْكِيَ بإكْبارِ/ [69]
لله درّك كَمْ أحييتَ مِنْ رَمَقٍ
…
بِحُسْنِ فَتْوَى وتَفْسيرِ وأَخْبارِ
وكمْ عَذَلْتَ أخا جَهْلِ لمَعْذَلَةِ
…
ورُضْتَ أَشْوَسَ (2) هَذَّاراً (3) بإنْذارِ
فاليَوْمَ أضْحَى بَدِيُّ الفَضْلِ مُنْتَدِباً
…
ومُعْلِمُ النَّفْعِ يَشْكو فَرْطَ إِضْرارِ
وللدُّروسِ دروسٌ غَيْرُ مُرتَسَمٍ
…
وإِنْسُها مِن تَلافي أنْسِها عارِ
ما لي أرى المَوْتَ يَهْوى نَقْلَ صَفْوَتِنا
…
عنَّا ويُلْحِقَ أخباراً بأخْبارِ
كأنَّ بَيْنَهُمُ مِيعادَ مُجْتَمَعٍ
…
أو اسْتَقَلُّوا قِلَىً في هذهِ الدَّارِ
كأنَّهُم رَكْبُ سَبْقِ أُعْبِطوا نَفَلَاً
…
فأُعْجِلوا عَنْ وَداِع الأهْلِ والجَارِ
فَيَا لَها حَسْرَةً تَهْمِي الدُّموعُ لَها
…
يَمْضِي الخِيارُ ويَبْقى عِبءُ أَوْزَارِ
أعارَنا الدَّهْرُ مِنْهُم مَنْعَةً زَمَناً
…
ثُمَّ اسْتَرَدَّ ولمْ نَظْفَرْ بأوْطارِ
يا نَفْسُ نوحِي فَما لَلْمَوْتِ باقيةٌ
…
لا بُدَّ حاديكِ يَوْماً خَلْفَهُم سارِ
ولَيْسَ يُجْدِيكِ إِلا ما ادَّخَرْتِ فَبَا
…
درِي قَبْلَ إِرْقالٍ (4) وإِحْضارِ (5)
فإنْ تُعَزَّ يَعِزَّ الصَّبْرُ عَنْكَ وقَدْ
…
يَلْقَى المُصابُ تَشَفيهِ بِتَذْكارِ
لَقَدْ فَقَدْناكَ فَقْدَ القَلْبِ مُهْجَتَهُ
…
والعَيْنِ رُؤيَتَها مِن بَعْدِ إبْصارِ
وحَجبَ التربُ تِرْبَ الفَضْلِ واشْتَمَلَ الضـ
…
ـريحُ مِنْكَ على كَنْزٍ وَأنْوارِ
(1) المَرهَاءُ: التي فقدت الكُحْل.
(2)
(الأشوَس): المتكَبِّر.
(3)
(الهذار): كثير سقط الكلام.
(4)
(الإرقال): الإسراع في الشيء، والجدّ فيه.
(5)
عجزُ البيت مختل.
[70]
فالله يُخْلِفُنا خَيْراً ويأجُرُنا
…
إِلَيْكَ مَرْجِعُنا يا خَيْرَ غَفَّارِ/
وفي النبي لَنا وَعْظٌ وصُحْبتِهِ
…
صَلَّى عَلَيْهِمْ إِلهٌ خالِقٌ بَارِي
ورثاه الفاضل الأديب أبو محمد سليمان بن علي؛ عُرف بالعفيف التلِمْساني (1):
نَعَمْ بَعْدَ (يَحْيىَ) مَعْهَدُ الفَضْلِ دارِسُ
…
فما أنْصَفَتْ إِنْ لَمْ تنحْهُ المَدارِسُ
في صَبْرُ مت عندي ويا حُزْنُ فَلْتَعِشْ
…
فإن (النواوِي) قَدْ حَوَتْهُ النواوِسُ (2)
بَكَتْهُ مساعيهِ التي بَذَّت الألى
…
سَعَوْا للعُلا في رَكضِهِمْ (3) وهُو جالِسُ
وناحَتْ عليهِ وُرْقُ أَوْراقِهِ وما
…
لهَا مِنْ سِوى الأقلام قَصْبُ مُوايِسُ (4)
وأقْسِمُ ما نَفْسٌ بَكَتْهُ نَفِيْسَةٌ
…
إذا لَمْ تُساعِدْها اَلدُّموعُ النَّفائِسُ
تَلَهَّبَ قَلْبُ البَرْقِ والرَّعْدُ صارخٌ
…
أَسَىَ ودموعُ الغادِياتِ بَواجِسُ (5)
وظَلّ وباتَ اللؤلُؤ الرَّطْبُ حاسِداً
…
مَدامِعَ فيهِ درُّها مُتَجانِسُ
ومَثْوَى الثُّرَيَّا فيهِ قَدْ حَسَدَ الثَّرَى
…
فَماذا عَسَى فيهِ تَقولُ المَجالِسُ
لَقَدْ كانَ يُحْيى الليلَ (يَحْيىَ) مُسَهُّدُ الـ
…
جُفونِ وجَفْنُ النجْم في الأفْقِ ناعِسُ
وَيطْوي (6) على الدَّاءِ الدفينِ مِن الطوى (7)
…
أضَالِعَ ما فيها سِوى الذكْرَ هاجِسُ
(1) وهو المدفون في صالحية دمشق، وكان خليعاً متهتكاً ومن أصحاب وحدة الوجود.
وفي الأصل: "أبو محمد سلمان
…
"، وفي هامشه:"سليمان، صح"، وهو المثبت في مصادر ترجمته، انظر منها: "البداية والنهاية" (13/ 326)، و"شذرات الذهب" (5/ 412)، و "فوات الوفيات" (2/ 72).
(2)
(النواوس): المقابر. وهي من القبور المصنوعة من الأحجار التي كان يَدفُنُ فيها الأقدمون موتاهم.
(3)
في "المنهاج السوي": "أرضهم"!
(4)
في "المنهاج السوي": "تصبو نوايسُ".
(5)
(بجس الماء): انفجر، وهي هنا كناية عن كثرة البكاء.
(6)
أي: يخفي ولا يظهر.
(7)
أي: الجوع.
وُيرْضِي جَليسَ الخَيْرِ مُمْتِعُ بَحْثِهِ
…
فَينْقادُ للحَق المُماري (1) المُمارِسُ (2)
فإِنْ تَضْحَكِ الأخْرى سُروراً بمِثْلِهِ
…
فوَجْهُكِ يا دُنْيا مِن الفَقْدِ عابِسُ
وكُنْتِ به مِثْلَ العَروسِ فأصْبَحَتْ
…
لَدَيْهِ مِن الحُوْرِ الحِسانِ عَرائِسُ/ [71]
فللهِ غُصْنٌ بَعْدَما تَم زَهْرُهُ (3)
…
وأَيْنَعَ أَضْحَى رَطْبُهُ وهُو يابِسُ
وبَدْرُ تَمام والبُدورُ مَتَى تَغِبْ
…
تُرَجَّ وهذا مِنْهُ قَلْبِيَ آيِسُ
فأُقْسِمُ ما النُّعْمَى بِها القَلْبُ ناعِمٌ
…
عليهِ ولا البُؤسَى بها القلبُ بائِسُ
[وهَيْهاتَ لو أنِّي صديقٌ وماتَ لَم
…
أعِشْ بَعْدَهُ لما حَوَتْهُ الرَّوامِسُ (4)
فيا دهرُ هَلْ كانَتْ مَناياهُ أكْؤساً
…
مُلِئْتَ بها سُكْراً فرأسُكَ ناكِسُ] (5)
ويا كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَهُ صارَ ليلَةً
…
أمَا تَنْجَلِي بالصُّبْح مِنْكَ الحَنادِسُ (6)
لقدْ أجْفَلَتْ (7) غُرُّ المسائِل بَعْدَهُ
…
وعَهْدِي بِها مِنَ قَبْلُ وهِيَ أوانِسُ
تُطارِدُ مِنْهُنَّ الشَّرودَ كأنها
…
مَهاً تَدرِبْها (8) بالقِسِي (9) الفَوارِسُ
ولو أَنهُ فِينا لعُدْنا وكُنَّسُ الـ
…
جَواري (10) لَدَيْنا لا الظِّباءُ الكَوَانِسُ
لهُ في رَسولِ الله والآلِ أُسْوَةٌ
…
وأصْحابُهُ عنهُمْ تَقَرّى الفَرادسُ (11)
(1) أي: المجادل والمناظر.
(2)
أي: المساوم واللَّجوج.
(3)
في الأصل: "اعتمَّ زهوه"، والتصويب من "المنهاج السَّوي".
(4)
أي: القبور.
(5)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(6)
(الحنادس): الليالي شديدة الظلمة.
(7)
شردت ونفرتْ ومضتْ بعيداً.
(8)
أي: تتقيها.
(9)
(القِسيّ): الأقواس.
(10)
هي النجوم لأنها تكنس كالظِّباء، تغيب وتستتر، تبدو ليلاً وتختفي نهاراً.
والكُناسِ: هو بيت الظباء.
(11)
في "المنهاج السوي": "تقوى العوادسُ"!
أبَوْا أَنْ يَؤوبوا نَحْوَ دُنْيا دنيةٍ
…
ملابسها يغرى بها وهو لابس
وكانَتْ لَيالِيهِ كأيامِهِ سَنىً
…
فأيامنا مثل الليالي دوامس (1)
سَقَى عَهْدَهُ عَهْدٌ فإنا عِصابَةٌ
…
مدامعها تسقي الذي الحزن غارس
وكَيْفَ نُبَكِّيهِ ونَعْلَمُ أنهُ
…
على ما إليه صار كان ينافس (2)
ورثاه تلميذه الفقيه الأديب الأمين سلطان إمام الرواحية (3):
بَكَتِ العُلومُ لِفَقْدِ مَن أَحْياها
…
من بعد طول خمولها وخفاها
[72]
ذَهبَتْ لمذْهبِهِ المذاهِبُ بعْدَما
…
جلَّى مآخذها وشدَّ عراها/
وغَدَتْ مُوَدِّعة لهُ توديعَ مَن
…
[قد](4) أقسمت أن لا ينال حباها
أفَلَتْ (5) شُموسُ سُعودِنا مِن بَعْدِهِ
…
والعين فارقها الكرى (6) وقلاها
يا لَلرِّجالِ رَزيَّةً (7) عَمَّت فَلا
…
جبرٌ لها من ذا يطيق دوامها
قد أظْلَمَ الأفُقُ المُنيرُ لِفَقْد مَن
…
حاز الفضائل كلها وحواها
أضْحَى على الأقْطارِ مِنْهُ وَحْشَةٌ
…
حتى تشابه صبحها بمساها
لله أيَّةُ حَسْرَةٍ أبْنا (8) بِها
…
إذ فارقت تلك النفوس شفاها
السيدُ القوامُ والحَبْرُ الذي
…
أعيت مناقبه لمن جاراها
والناسِكُ القَوَّامُ ذاكَ (9) المُقْتَدي
…
بأئمةٍ في العلم طاب ثناها
(1)(الدوامس): الليالي شديدة السواد.
(2)
انظر: "المنهاج السوي"(91 - 92).
(3)
انظر: "ترجمة الإمام النووي"(ص 75) للسخاوي.
(4)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(5)
أي: غابت.
(6)
(الكرى): النعاس، وبداية النوم.
(7)
في الأصل: "رزاية"!
(8)
أي: رجعنا.
(9)
في الأصل: "والحبر المقتدي"، وما أثبت به يستقيم البيت.
يا مُحْيِياً للدِّينِ بَعْدَ إماتَةٍ
…
ومؤيِّداً لشريعةٍ أسْماها
يا آمِراً بالعُرْفِ يُرْضِي رَبَّهُ
…
بُوِّئتَ مِن دَارِ النَّعِيمِ عُلاها
يَبْكِيكَ ذا الليلُ البَهيمُ فطالَ ما
…
قَدْ قُمْتَ فيهِ مُسَبِّحاً أوَّاها
وكذاكَ صَوْمُكَ في الهَواجِرِ دائباً
…
سَيَّانَ عندَكَ حَرُّها وشِتَاها
يا زاهِداً نِلْتَ المَعالي والرِّضا
…
يا عارِفاً عَيْبَ الدُّنا وفَنَاها
أعْرَضْتَ عنها إذ أَتَتْكَ مُطيعَةً
…
ورَغِبْتَ في أخْرى يَدُومُ بَقاها
خَطَبَتْكَ حُورٌ في جِنانٍ زُينتْ
…
لِقُدومِ نَفْسٍ قَدْ زَكا مَسْعاها/ [73]
أَلِجَنَّةِ الفِرْدَوْسِ بُشْرَى بالَّذي
…
قَدْ حَلَّها طُوبَى لهُ سُكْناها
فالسُّنّةُ الغَرَّاءُ تَبْكِي فَقْدَهُ
…
إذْ مِنْ أَغاليطِ الرُّواةِ حَماها
وكَذاكَ مَذهْبُ ابنِ إدْريسَ الذي
…
فاقَ الأئمَّةَ سُؤدَداً فَعَلاها
فاليَوْمَ بُنْيانُ القَواعِدِ قَدْ هَوى
…
مِنْ بَعْدِ تَشْييدٍ وحُسْنِ بِناها
مَنْ للمسائِلِ كاشِفاً عَنْ سِرِّها
…
إذْ أعْضَلَتْ وتَعَسَّرَتْ فَتْواها
قدْ كُنْتَ توضِحُها بلَفْظٍ موجَزٍ
…
فيَطيبُ مِنْكَ جُدَّادها (1) وجَنَاها
وإذا تَحِلُّ بنا النَّوازِلُ مَنْ لَنا
…
في رَفْعِها عَنَّا وحَلِّ عُراها
أَمْ مَنْ تُرَضِّيهِ لدَفْعِ كَريهَةِ
…
يَوْماً إذا ما عَمَّنا بَلْواها
قَدْ كُنْتَ (مُحيي الدين) حِصْناً مانِعاً
…
عَنَّا فَوا أسَفا عليكَ وآها
فَلَقَدْ غَدَوْتَ مُكَرَّماً في صُحْبَةٍ
…
كانَتْ نُفوسُهُمُ لَدَيْكَ سَفاها
فالآنَ شُتِّتَ شَمْلُهُم وتَفَرَّقوا
…
حَيْرَى سُكارَى ليْسَ مِنْ صَهْباها (2)
فلَوْ أنَّ نَفْساَ تُفْتَدى لَفَدَتْكَ مِن
…
كَأسِ الحِمامِ نُفوسُنا بِدِماها
لكِنَّ كاساتِ المَنونِ دَوائِر
…
لَمْ يَعْدُها مَنْ لِلْحُصونِ بَناها
قَدْ أَكْثَرَتْ فيكَ الرُّثاةُ وما أرى
…
تُجْدي سِوَى تَذْكَارِهَا وغِناها
(1) الجُدَّاد: صغار الشجر. قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة"(1/ 409): "وهو عندي كذا، على معنى التشبيه بجُدَّاد الخيمة، وهي الخيوط".
(2)
الصهباء: الخمر.
[74]
رَوَّى الإلهُ تُرابَ تُرْبَتِك التي
…
بك قد علت شرفاً وطاب شذاها/
وأتَتْكَ مِن رَب العِباد تَحِيةٌ
…
حتي المعاد صباحها ومساها
ورثاهُ بعض المحبين رحمه الله (1):
سَلْ رَبْعَ (2) دارٍ قَدْ خَلَتْ إنْ أخْبَرا
…
عن أهلها وبأهلها ما قد جرا
رَحَلوا فَلِمْ لا وَدَّعوا أترى بهم
…
يا دار غلس ركبهم أم هجرا
أمْ في دُجُنَّة لَيْلِهِم كَي لا يرا
…
هم حاسدٌ ومكاشحٌ بهم سرى
يا دارُ ما صنَعَ الزمان فحَدِّثي
…
عنهم بصدق لا حديث مفترى
ففهِمْتُ مِنها حيثُ لَمْ تَنْطِقْ إذا
…
نزل القضاء فأيما عين ترى
لا تَسْألني واسألِ الأقْدارَ هَلْ
…
منهن يحمي مزدرى أو مدرى
سَلْ أيْنَ (سابورٍ) و (شابورٍ) وَكَمْ
…
(كسرى) تخوَّنه الزمان و (قيصرا)
ما أضْعَفَ الإنسانَ بَلْ عَجبٌ لهُ
…
يختار أن يبقى وليس مخيرا
ولَقَدْ أتَانا عَنْ فَرِيد زَمانِهِ
…
خبرٌ فأرق للجفون أسهرا
جافى الجُنُوبَ عَنِ المَضاجِعِ ذِكْره
…
ونفى الرُّقاد عن العيون ونفرا
يا لَيْتَ قَبْلَ سَماعِهِ أسْماعُنا
…
صُمَّتْ وأعياننا لذلك لا ترى
يا مخبِراً (3) عن هُلكِ (مُحْيي الدينِ) ما
…
تخشى وتستحي به أن تجهرا
[75]
وشَقِيْقَةٍ أفْزَعْتَها لَمَّا أتى النـ
…
ـاعي به إذ قمت أمشي القهقرى/
وأعَضُّ مِنْ وَجْدٍ عليهِ أنامِلي
…
وأهيم منه تأسُّفاً وتحسُّرا
قالَتْ أوَيْحَكَ ما دهاكَ وما الذي
…
لك قد أصاب وما الذي لك قد عرا
فأجَبْتُها ثَكِلَتْكِ أمُّكِ تَسْألي
…
عمَّا جرا لي هل قليلٌ ما جرى
هذا دِعامَةُ دِيْنِنا بلْ كَسْره
…
إن الرَّزيَّة فيه أم حبوكرى (4)
(1) انظر: "ترجمة الإمام النووي"(ص 76) للسخاوي.
(2)
(الرَّبع): المكان الذي يُترل فيه، أو الحي.
(3)
في الأصل: "مخُبرٌ"!
(4)
أمُّ حَبَوكَرى: الداهية.
لا تَحْسَبيهِ مِن الهِضاب فإنهُ
…
-لمن الجبال- هو المنيعات الذُّرى
عَلَاّمَةٌ ولَئِنْ يَكُنْ علماؤنا
…
جُمَّا فكل الصيد في جوف الفرا (1)
(يَحْيَى) وما أدْراكَ ما (يَحْيىَ) إذا
…
عُدَّتْ مآثره التي لن تحصرا
لله قَبْرٌ عَنْ مَيامِنِ جاسِم (2)
…
واروا به جثمان أشعث أغبرا
أَتُرَى الذي واراه في ذاكَ [العَراً](3)
…
أدرى لمن وارى به أم ما درى
قَبَروا الفَضَائِلَ كُلَّها في لَحْدِهِ
…
والفضل ما من حقِّه أن يقبرا
ومُغسِّلٍ ماذا أرادَ بغُسْلِهِ
…
إذ كان من دنس الذنوب مطهرا
هذا الثناءُ عليكَ (يَحْيى) دائماً
…
منا فطيَّبه الإله وكثَّرا
ولَئِنْ تَمُتْ أحْيَيْتَ مَجْداً لم يَخَفْ
…
بتغيُّر الأيام أن يتغيَّرا
ولَئِنْ تَكُنْ وُدِّعْتَ غَيْرَ مُذَمَّمٍ
…
وحصلت فيما بين أطباق الثرى
لَكَ أسْوَةٌ بالمُصْطَفى المُعْطَى بِيَو
…
م العرض هذاك اللِّوا والكوثرا/ [76]
ولَقَدْ عَلِمْتَ بأنَّ تلْكَ سَجِيَّةٌ
…
من عادلٍ ساوى (4) بها بين الورى
ساوى (4) بها بَينَ الحَقيرِ وبَيْنَ مَن
…
بالمجد والعزِّ ارتدى وتأمَّرا
ولحِقْتَ فَضْلاً مَن تَقَدَّمَ حَيْثُ [مِن](5)
…
أعمارهم قد كان عمرك أقصرا
لَم يُثْمِرِ العِلْمُ الشريفُ لعالِمٍ
…
فيما رأينا مثل ما لك أثمرا
وقَّرْتَهُ بالزُّهْدِ ثُمَّتَ بالتُّقَي
…
فنرى كما وقَّرته لك وقرا
وسَهِرْتَ إذ نِمْنَ العُيونُ وإنَّهُ
…
عند الصباح ليحمد القوم السُّرَى
ولَتِلْكَ مَوْهِبَةٌ خُصِصْتَ بها ولو
…
كانت بتشميرٍ لكل شَمَّرا
ولَقَدْ تَرَكْتَ الأهْلَ والأصْحابَ في
…
موتٍ لفقدك لو تشاهد أحمرا
(1) هو مثل يُضرب لمن استولى على أعلى شيء وأحسنه.
(2)
جاسم: بلدة في حوران.
(3)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(4)
في الأصل: "واسي"!!
(5)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
أجْفانُهُم يا ويحَهُم قَدْ حالَفَتْ
…
طُولَ السُّهادِ (1) وحَرَّمَتْ طيبَ الكَرى
ولَئِنْ عليْكَ تَفَتَّتَتْ أكْبادُنا
…
وتَقَطَّعَتْ مِن شأنِنا أنْ نُعْذَرا
أسَقى الغَمامُ (نوى) وعَمَّم أرْضَها
…
حَتى ضَريحُكَ لَمْ يَزَلْ رَطْبَ الثرَى
سُحُبٌ تَروحُ وتَغْتَدي مَشْحُونَةً
…
ماءً ورَيْحاناً ومِسْكاً أذْفَرا
ورثاهُ بعضُ المدرِّسين بالبادرائيَّة (2) بدمشق رحمه الله:
سَقَى قَبْرَ يَحْيىَ في (نوي) كُل مُسْبِلٍ (3)
…
مِن الغَيْثِ عَرَّاض (4) البَوارِقِ هَتَّانُ (5)
[77]
ولا زالَ قَبْرٌ حَل فيهِ يَحِلُّهُ
…
مِن اللهِ رِضوانٌ ورَوْحٌ وريحانُ/
حَوَى كاشفاً والنَّاسُ في غَفَلاتِهِم
…
فَحازَ الهُدَى (يَحْيىَ) و (يَحْيىَ) لهُ شانُ
إذا سَخَنَتْ عَيْني بخِلٍّ (6) فَقَدْتُهُ
…
فلا بانَ (7) خُلَاّني الثِّقاتُ بَلى بَانوا
وقَدْ كانَ لي حزنٌ يُكَدِّرُ (8) عِيْشَتي
…
فها أنا ذا لي مِنْ فِراقِيَ أحْزَانُ
لَقَدْ أنْجَبَتْ فيكَ ابنَةُ القَوْمِ إذْ أتَتْ
…
بِمِثْلِكَ واسْتَعْلَتْ على الأرض حَوْرانُ
ورثاه بعض المحبين في الله تعالى رحمه الله (9):
(1)(السهاد): السهر والأرق.
(2)
البادرائية: مدرسة كانت داخل باب الفراديس والسلامة، شمالي جيرون، وشرقي الناصرية الجوانية، وكانت قبل ذلك تُعرف بدار أسامة، وتعرف الآن في الشام بـ (حمام سامة). أنشأها العلامة الشيخ نجم الدين أبو محمد عبد الله بن أبي الوفاء محمد بن الحسن بن عبد الله بن عثمان البادرائي.
انظر: "الدارس في تاريخ المدارس"(1/ 205)، و"منادمة الأطلال"(129).
(3)
(المسبل): المطر الهاطل
(4)
(العارض): من يأتي الماء مبكراً.
(5)
(هتنت السماء): هطل مطرها وتتابع.
(6)
أي: صديق.
(7)
(بان): بعُدَ وافترق.
(8)
(كَدَّر فلاناً): غَمَّه، ونغَّص عليه عيشه.
(9)
انظر: "ترجمة الإمام النووي"(ص 76) للسخاوي.
بَكا العِلْمُ حيناً بعدَ حِينٍ على (يَحْيَى)
…
وآلى (1) يَميناً بعدَهُ لَمْ يَكُنْ يَحْيا
وأُزْلفَتِ الجَنَّاتُ والحَورُ زُخْرِفَتْ
…
سُروراً بمَنْ أنْكَى لنُقْلتِهِ العُلْيا
رُزِئنا بمَنْ فيهِ فوائِدُ جَمَّةٌ
…
تَقِي نَقِي راغِبُ الزُّهْدِ في الدُّنْيا
عَليمٌ بأخْبارِ النبي وعالِمٌ
…
بها وسَديدُ القَوْلِ في مُشكِل الفُتْيا
لهُ دَرَجاتُ العِلْم والزُّهْدِ والتُّقَى
…
وتَصْنيفُ مَن حازَ العُلومَ وما [أَعْيا](2)
أضاءَتْ مِن "المِنهاج" مِنَّا مَناهِجٌ
…
وراحَتْ بهِ عينُ الرِّيا والرَّدِى عَمْيا
وبَثَّ لنا مِن نَشْرهِ آيَ "رَوْضَةٍ"
…
على زَهْرها مِن زُهْدهِ دائماً بُقْيا
سقى الوابِلُ الوَسْمِي (3) أرضَ نَوى نَوا (4)
…
كَما حَلَّ فيها صادق الرَّأي والرُّؤيَا
وحَيَّا الحَيا ذاكَ الضَّرِيحَ ومَنْ بِهِ
…
وسُقْياً لأرْضٍ حَلَّ في رَبْعَها سُقْيا
ورثاهُ بعضُ المحبين في الله تعالى رحمه الله (5):/ [78]
بانَتْ مَسَرَّاتُنا مُذْ بانَ إخوانُ
…
فأيْنَ مُعْتَبِرٌ فالدَّهْرُ حَيْرانُ
قدْ فارَقَتْ مِن نواحي الأرْضِ ساداتُها
…
وغُيِّرَتْ بعْدَهُم للدَّهْرِ أزْمانُ
قَدْ نُقِصتْ مِثْلَ ما قَدْ قال ننقُصُها
…
أطْرافَها (6) فَافْتَكِرْ ما قالَ دَيَّانُ
(1) أي: أقسم.
(2)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(3)
(الوسمي): أول المطر.
(4)
في الأصل: "نوءاً"، غير أن الناظم سهل الهمزة.
(5)
انظر: "ترجمة الإمام النووي"(ص 76)، وفيه ما يفيد أن اسمه غير معروف، ويستفاد من بيت رقم (32) أن اسم ناظمها عثمان.
(6)
يشير إلى قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ِ (41)} [الرعد: 41] وإلى قوله تعالى: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا (44)} [الأنبياء: 44].
قال ابن عباس -فيما رُوي عنه عند ابن جرير في "التفسير"(13/ 117)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 350)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 43)؛ بسند ضعيف جدّاً، فيه طلحة بن عمرو؛ قال فيه أحمد: متروك- في نقص الأرض: "موت العلماء والفقهاء". وكذا قال مجاهد، وصوَّب ابن كثير غيره. انظر:"تفسير القرآن العظيم"(2/ 539)، و"الدر المنثور"(4/ 68)، و"تفسير الطبري"(13/ 117).
أيْنَ الذينَ هُمْ كانوا ذَوِي حِكَمٍ؟
…
قد بان من قولهم للدين تبيان
أيْنَ الدين أقاموا الدِّينَ واجْتَهَدوا
…
ولم يكن دأبهم غير الذي دانوا
بانُوا جَميعاً ولا أرْجُو رُجوعَهُمُ
…
فدمعتي أصبحت حمراء مذ بانوا
يا (محييَ الدين) مُذْ فارَقْتَنا عَجِلاً
…
قد هُدِّمَتْ لمشيد الدين أركان
أَرْكانُ بُنيانِهِ عَنْدَ النَّوَى عُدِمَتْ
…
فكيف يبقى ولا أركان بنيان
قَدْ كُنْتَ في هذه الدُّنْيا على سِيَرٍ
…
لم يستطع مثلها في الدهر إنسان
زَهِدْتَ فيها ولَمْ تُخْدع بِزُخْرُفِها
…
ودام منك على الأصحاب إحسان
الناسُ في راحَةِ الدنْيا ولَذَّتِها
…
وأنت عند جهاد النَّفس تعبان
وَهُمْ على دَعَةٍ في طيبِ مَرْقَدِهِمْ
…
وأنت في حل علم الدين سهران
وأيْنَ ما كُنْتَ قد حازَتْ ملائكَةٌ
…
حول المكان ولم يقربك شيطان
وكُنْتَ بَحْراً مُحيطاً للحَدِيثِ لَنا
…
يفيض من موجه دُرٌّ ومرجان
[79]
وكنْتَ في المذْهَب المَنْصورِ مُجْتَهِداً
…
وعنك ينقله شيبٌ وشبان/
لو كان يَلْقاك مِمًّنْ قَدْ مَضَى أحَد
…
من الصحابة أو ممن له شان
لكانَ (طَلْحَةُ) فيما قُلْتَ مَرْتَضِياً
…
وكان يثني عليك الحبر (سلمان)
وكان مَهْما رآكَ (الشافِعِي) فَرِحاً
…
وكان ينصفك البحَّاث (نعمان)
قَدْ كنْتَ كاسْمِكَ (مُحْيي الدين) مُجْتَهِداً
…
ومن دعائك نال النصر فرسان
سَلَكْتَ بينَ الوَرى سُبْلَ النجاةِ وقَدْ
…
أقرَّ فيك لسان الوحي قرآن
بأنَّ جاهَكَ عندَ اللهِ مُرْتَفِعٌ
…
وأن حظك من ذي العرش غفران
يَوْماً تكونُ عُصاةُ الناسِ قدْ جُمِعَتْ
…
والنار ذات لظىً والرب غضبان
يَفِر ُّكُلُّ امرىء مِنْ هَوْلِ مَصْرَعِهِ
…
من ابنه وأخيه وهو حيران
قَدْ فُتِّحَتْ لِلْوَرَى أبوابُ هاوِيَة
…
ونارها انتشرت والجسم عريان
فعِنْدَ ذاكَ بلا ريبٍ عَلى عَجَلٍ
…
بالبشر من ربِّنا يأتيك رضوان
وقَدْ تَرَى جَنَّةَ الفِرْدَوْسِ قد فُتِحَتْ
…
وعمَّ من طيبها روحٌ وريحان
تَدُومُ فيها بأفراحٍ على أبَدٍ
…
ومنك في فرحٍ حُورٌ وولدان