الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكَأنَّ ابنَ الصَّلاحِ حَاضِرٌ
…
وكأنْ ما غَابَ عَنَّا الشَّافِعِيّ (1)
وقال لي شيخُنا العلَّامة حجَّة العرب شيخ النُّحاة أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن مالك الجيَّاني رحمه الله وذكر "المنهاج" لي بعد أن كان وقف عليه: "والله لو استقبلتُ مِن عُمري ما استدبرتُ/ لحفظتُه".
وأثنى على حسنِ اختصاره، وعذوبةِ ألفاظه (2). [20]
****
15 - فصل
وكان لا يأخذ من أحدٍ شيئاً، ولا يقبلُ إلَّا مِمَّن تحقَّق دينه ومعرفته، ولا له به عُلْقةٌ (3) من إقراء أو انتفاع به؛ قاصداً الخروج من حديث القوس (4)، والجزاء في الدار الآخرة، وربما أنه كان يرى نشر العلم مُتعيِّناً عليه، مع قناعة نفسه وصبرها، والأمور المتعيِّنة لا يجوز [أخذ](5) الجزاء عليها في الدَّار الدُّنيا، بل جزاؤه في الدَّار الآخرة
(1) الأبيات في "تاريخ الإسلام"(ورقة 578)، و"ترجمة الإمام النووي"(ص 16)، و"المنهاج السوي"(ص 58)، و"تاريخ ابن الفرات"(7/ 110)، و"عيون التواريخ"(21/ 164)، و"ذيل مرآة الزمان"(3/ 288).
(2)
نقله عن المصنِّف: السيوطي في "المنهاج السوي"(ص 58).
(3)
تعلُّق وارتباط.
(4)
يشير المصنِّف إلى حديث: "من أخذ على تعليم القرآن قوساً؛ قلَّده الله قوساً من نار يوم القيامة".
وهو حديث صحيح، أسهب شيخنا الألباني في الكلام عليه في "السلسلة الصحيحة"(رقم 256)، و"الإرواء"(رقم 1493)، فراجعهما.
(5)
ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
شرعاً؛ كالقرض الجارِّ إلى منفعةٍ، فإنها حرامٌ باتفاق العلماء (1).
وكنتُ جالساً بين يديه قبل انتقاله بشهرين ونحوها، وإذا بفقير قد دخل عليه، وقال الشيخ: فلان من بلاد (صَرْخَد)(2) يسلِّم عليك، وأرسل معي هذا الإبريق لك.
فقبله الشيخ، وأمرني بوضعهِ في بيت حوائِجه، فتعجَّبْتُ منه لقبوله، فشعر بتعجُّبي، فقال:"أرسَلَ إلي بعضُ الفقراءِ زَرْبُولًا (3)، وهذا إبريقٌ، فهذه ألةُ السَّفَر"(4).
ثم بعد أيام يسيرة كنت عنده، فقال لي:"قد أُذِنَ لي في السَّفَر".
فقلتُ: كيفَ أُذِنَ لك؟
(1) نقله عن المصنِّف: السخاوي في "ترجمة الإمام النووي"(ص 37)، والسيوطي في "المنهاج السوي"(ص 77).
(2)
صَرْخَد: بلد ملاصق لبلاد حوران من أعمال دمشق، وهي قلعة حصينة، وولاية واسعة، قاله ياقوت في "معجم البلدان"(3/ 411). وهي تابعة الآن إلى محافظة السويداء في الجمهورية العربية السورية، وقد تغير أهلُها -مع سكان هذا الجيل- منذ ثلاث مئة سنة تقريباً، وأصبح غالبيتهم من الطائفة الدرزية!
(3)
وقع في "ترجمة الإمام النووي"(ص 38): "
…
أرسل إلي بعض الفقراء نعلًا، وهذا إبريق
…
".
فلعله نقله بالمعنى!
ووقعت في مطبوع "المنهاج السوي"(ص 77): "زنبيلًا"! وعلق عليها المحقق بقوله: "الزنبيل: الجراب أو القِفّة؛ وعاء يُحمل فيه الطعام".
قلتُ: لم يصب في المعنى، ولا في قراءة الكلمة، إذ وقعت في المخطوط (لوحة 30/ أ) على الصواب؛ كما أثبتناهُ. و (الزَّرْبُول) اسم نوع من الأحذية من جلد المعز المدبوغ، انظر "تكملة المعاجم العربية"(5/ 299) ففيه بيان جيد عن الكلمة واستعمالاتها.
(4)
نقله عن المصنف: السخاوي في "ترجمة الإمام النووي"(ص 38)، والسيوطي في "المنهاج السوي"(ص 77).
قال: " [بَينا] (1) أنا جالس هنا -يعني بيته في المدرسة الرّواحية، وقُدَّامه طاقة مشرفة عليها- مستقبل القبلة؛ إذ مرَّ علي شخصٌ في الهواء من هُنا، ومرَّ كذا -يُشير من/ غرب المدرسة إلى [21] شرقها-، وقال: قُمْ سافِرْ لزيارةِ بيت المقدس"(2).
وكنتُ حملتُ كلامَ الشيخِ على سفر العادة، فإذا هو السفر الحقيقي، ثم قال لي:"قم حتى نُوَدِّع أصحابنا وأحبابنا".
فخرجتُ معه إلى القبورِ التي دُفن فيها بعض مشايخِه، فزارهم، وقرأ شيئاً، ودعا، وبكى، ثم زار أصحابه الأحياء؛ كالشيخ يوسف الفقاعي، والشيخ محمد الإخميمي، وشيخنا الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر شيخ الحنابلة.
ثم سافر صبيحة ذلك اليوم، وجرى معه وقائع، ورأيتُ منه أموراً تحتمل مجلَّدات، فسار إلى (نوى)، وزار القدس، والخليل عليه السلام (3)، ثم عاد إلى (نوى)، ومرض عقب زيارته بها في بيت والده، فبلغني مرضه، فذهبتُ مِن دمشق لعيادته، ففرح رحمه الله بذلك، ثم قال لي:"ارجع إلى أهلك".
وودعْتُه وقد أشرف على العافية يوم السبت العشرين من رجب سنة
(1) سقطت من الأصل، واستدركْتُها من "ترجمة الإمام النووي"(ص 74).
(2)
قال ابن شاكر الكتبي في "عيون التواريخ"(21/ 164): "وكان محيي الدين يسأل الله تعالى أن يموت بأرض فلسطين، فاستجاب الله تعالى منه".
(3)
زيارة بيت المقدس رغّب بها الشارع، وضوعف بها الأجر، وأما زيارة الخليل فليس لها أصل مشروع، وليس يقيناً أن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام قد دفن هناك، ولا قبور الأنبياء الدين زعموا أن بني إسرائيل أحضرتهم معها من مصر، ولو كانت صحيحة لما جازت الصلاة إليها، ولا في أبنيتها.