الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الجيم
638 - الجباري (نحو 1329 - 1361 هـ)(1911 - 1942 م)
محمد العيد بن خليفة بن محمد بن أبي القاسم بن حسن الحسني الجباري، الأديب الشاعر والمناضل الوطني، نزح والده من الجزائر، واستقر بتونس مع أسرته.
زاول المترجم تعلّمه بجامع الزيتونة، والمدرسة الخلدونية، واعتنى بنظم الشعر يدوّن فيه خواطره وشارك في الحزب الدستوري الجديد، وأظهر نشاطا في صفوفه فألقي عليه القبض مرات عديدة، والمرة الأخيرة والسابعة كانت في 12/ 1939/17، وفي هذه المرة ألقت والدته بإنتاجه الشعري في النار، وأعاد جمعه من جديد ملتقطا له مما نشرته له الصحف، وما راسل به أصدقاءه ورفاقه، ونشر جميع ذلك في ديوان سمّاه «اللهيب» (الدار التونسية للنشر، تونس 1974)، قال الأستاذ المرحوم محمد المرزوقي في تقديم ديوانه: «إن آثار العيد الجباري ليست من الآثار التي يهملها الإنسان، أو يستطيع السكوت عنها، فهي تمثّل مرحلة هامة من مراحل الكفاح التونسي ضد الاضطهاد الاستعماري عاشها العيد الجباري، وكان من أبطالها وضحاياها أيضا، وسجّل لنا أطوارها في شعره طورا طورا ومرحلة مرحلة، فهو يصف لنا السجون وأعوان السجون، والجندرمة والشرطة والمحاكم الفرنسية وما يجري في هذه الجهات كلها، وإلى جانب ذلك كله يصف لنا في شخصه إصرار الوطنيين على الكفاح والمقاومة، ويزيد هذا الشعر قيمة أنه قيل في زمن لم يجرؤ فيه الشعراء أمثاله على
النظم في المواضيع الوطنية التي كان أصحابها معرّضين للاضطهاد
…
» وله الفرائد في علم الأدب والاجتماع (تونس 1936).
تتلمذ في الشعر والوطنية على الشاعر السيد الشاذلي خزندار الذي كان معجبا به منذ صغره ومعجبا بوطنيته العالية مما جعله يقف على توجيهه واصطحابه معه إلى معظم الأماكن التي كان يرتادها رغم فارق السن والطبقة والمكانة بينهما، جاهد في الحركة الوطنية جهاد الأبطال، وكرّس كل حياته لمثل هذا النضال إلى أن مات بائسا مريضا، كرّمته الحكومة التونسية بعد الاستقلال بتسمية بعض الشوارع باسمه وإطلاق اسمه على أحد مستشفيات العاصمة.
وعهد إليه بعدة مهام أساسية كالإشراف على إدارة جريدة «العمل» لسان الحزب الدستوري الجديد، ورئاسة الشبيبة الدستورية التي كانت تعمل على تجنيد الشباب، وإعداده للعمل الوطني السياسي، زيادة على ما كان يتطوع للقيام به من أعمال وطنية وقومية ومغربية كمحاولة تأسيس جمعية شباب شمال إفريقيا في سنة 1936 التي تقرر أن يتعهد أعضاؤها بالاعتراف بشمال إفريقيا وحدة لا تتجزأ ووطنا يجب على أبنائه تكوين جبهة للدفاع عنه، ورئاسته للجنة إسعاف فلسطين التي دأبت على التنسيق مع اللجنة العليا لإغاثة منكوبي فلسطين، ودعوة أقطار شمال إفريقيا للمساهمة في هذا المجهود القومي، والتعامل مع قضية أبناء جلدتهم مع العرب.
وبسبب اندفاعه للعمل في الحزب، وتحمّل مسئوليات هذه التنظيمات الوطنية والمغربية والقومية، وكتابته لعدد هائل من القصائد والمقالات السياسية الحاملة على الاستعمار والفاضحة له تمكنت قبضة السلطة منه سبع مرات متتاليات أدخل خلالها السجن، وكان جزاؤه الإبعاد إلى أقصى النواحي في تونس، وأقصى السجون في الجزائر،
وما من مرة فتح له باب السجن إلا وعاود الكرّة على المستعمر عنيفة ومريرة متمسكا بما كان يدعو له ويؤمن به من المبادئ الوطنية، وذلك رغم ما كان يشكوه من علل مزمنة ووهن جسمي، والمرض الذي كان يهدد كيانه ويبلغ به أوج الآلام.
ولا شك أن الاستعمار كان يدرك كل الإدراك مواطن ضعف هذا المناضل العنيد، ومن ثمة تجده يتفنّن في إرهاقه ويمعن في تعذيبه، وإجباره على قبول الموت البطيء أو اللجوء إلى أهون السبل وأحطّها وهي قبول الاستسلام والرضوخ.
وبالمقابل كان يعرف خطط خصمه، وكان على استعداد دائم لقبول هذا التحدّي بروح عالية شجاعة ويعطي المثل الرائع على الصبر والصمود والتفنن وحبك الخطط المضادة.
وفي الوقت الذي كانت السلطات الاستعمارية تعلم علم اليقين ما يتعرض له جسمه من التعذيب والتعب كان يتحمل ذلك بصبر وثبات واستمرار على النضال.
وآخر السجون التي دخلها هو أكبر سجون الجزائر (الميزون كاري) وقد فرّ منه وقطع المسافة الفاصلة بين تونس والجزائر وهي ألفان من الكيلومترات مشيا على الأقدام في وقت سقطت فيه الواجهة الفرنسية، وهو يرى أن سقوط هذه الواجهة يجب أن يكون فرصة للعمل ضد الظلم والاضطهاد، ونالته من هذه الرحلة الطويلة المضنية أتعاب جسام واشتداد وطأة المرض عليه، وأحسّ بدنوّ أجله فبادر بالالتفاف في برنسه وقصد (مطبعة العرب) لصاحبها زين العابدين السنوسي الذي كان على صلة وثيقة به منذ قدّمه إليه أستاذه الشاذلي خزندار في سنة 1926، وسلّمه ما جمعه من شعر في ديوانه وحسنا فعل في تسليمه ديوانه للسيد زين العابدين السنوسي فإنه لبث محتفظا