الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الخاء
641 - خريف (1335 - 1403 هـ)(1917 - 1983 م)
البشير ابن الشيخ إبراهيم خريف، الكاتب القصصي المبدع، ورائد كتاب الرواية (القصة الطويلة) في تونس.
ولد بنفطة بمشيخة المواعدة يوم 10 أفريل 1917 من أب نفطي وأم من العاصمة، وفي سنة 1920 انتقلت الأسرة للسكنى بالعاصمة، وفي سنة 1922 دخل الكتاب، ثم انتقل إلى مدرسة السلام القرآنية التي يديرها السيد الشاذلي المورالي، ثم التحق بمدرسة دار الجلد العربية الفرنسية وأحرز على الشهادة الابتدائية سنة 1932.
ويقول عن نفسه في تلك الفترة: تفتحت نفسي على الأدب، وبدأت أدوّن يومياتي، وكتبت أول محاولاتي في القصة والشعر، في البيت كنا نقضي سهراتنا في تلاوة السيرة الحلبية، وألف ليلة وليلة، ونتبارى في المساجلات الشعرية واللطائف الأدبية. وكنت أحضر مجالس والدي مع أحبابه في مجادلاتهم العلمية، فيدعوني لأناوله المعاجم والمراجع، وكان أخي مصطفى يغريني بحفظ الشعر.
وبعد إحرازه على الشهادة الابتدائية التحق بالمدرسة العلوية الثانوية، ولبث يتابع الدروس بها نحو عامين، ثم فصل منها لضعفه في الرياضيات، فأصيب بصدمة نفسية إذ كان ناجحا في المواد الأخرى، فكره الكتاب والكرّاس، واختلف إلى المقاهي، وكانت تنتابه لحظات طويلة من الحيرة والفراغ.
ويقول: وكان يؤمّ بيتنا ثلّة من أدباء العصر من أحباب أخي
مصطفى كالشابي، وعلى الدوعاجي، والمهيدي، والبشروش أيام مجلتي «الرسالة» و «أبولو» ولقد تأثرت لتبرّم الدوعاجي من أنه لا يستطيع استعمال العاميّة خوفا من الجمهور المحافظ، ولو أمكنه ذلك لأتى بالعجب، إذ العامية حيّة غنيّة واقعية.
ومن هنا يتبين أن للوسط العائلي دخلا في توجيهه نحو الأدب.
ويقول: وأصبت بذات الصدر فأقمت برادس سنين للاستشفاء، وقد مارست أنشطة مختلفة قبل ذلك منها صناعة الشاشية، وعلب الحلقوم، وفي رادس أنشأت برّاكة لبيع الليموناضة والكسكروت، توفي والدي سنة 1937، وأصدر أخي مصطفى جريدة «الدستور» فكلّفني بتوزيعها، ونشرت بها قصة قصيرة «ليلة الوطية» .وفي أواخر سبتمبر كنت مجتمعا مع رفقة لي من تلاميذ مدرسة الفلاحة، وكان موعد المناظرة لقبول الرعيل الجديد على الأبواب، فعلمت أن من شروط القبول فحصا طيّبا يشهد بسلامة الجسم، ثم إنه صحبة هذه العصابة أظهرت توافقا في الطبع، وأثار حديث البلد أشجانا وأشواقا فرغبت في متابعته فشاركت وانخرطت معهم لكن في الأعمال الفلاحية جهد، فاعتلّت صحتي، وتركت المدرسة.
ورسّم نفسه لمتابعة دروس المدرسة الخلدونية، وكان إذ ذاك يعمل كاتبا لمحام.
وقد تزوج في سنّ مبكرة نسيبا، وتعرّف بزوجته وكان عمره 22 عاما إذ وجدها عند جيران لهم تقرأ ديوان حافظ الشيرازي فأكبر فيها ذلك، وكان سببا في الزواج وهي جزائرية الأصل.
وقد أنجب منها ثمانية أبناء خمس بنات وثلاثة أولاد، هذه المسئوليات العائلية دفعته إلى البحث عن مورد رزق يعول به أفراد عائلته فأقام دكانا بسوق الكبابجية يبيع فيه الحرير ومشتقاته، وذلك أثناء
الحرب العالمية الثانية، وبعد انقضائها بنحو عامين 1942 - 1947 والحرب يسّرت المضاربات المالية، واستفحلت السوق السوداء فأغدقت على المترجم وكل التجار أموالا طائلة يسّرت أحوال معيشتهم، وقال عن تلك السنوات الخمس: إنها أحلى سنوات حياته، وفي تلك الأثناء أصبح يتردد على مجالس الأدباء الذين تجمعهم حلقات باب منارة فيدعوه الشيخ محمد العربي الكبادي أن يحضر دروسه بمعهد كارنو، فيستجيب له يدفعه طموحه إلى الأخذ بكل ما تيسّر له أخذه من حقل المعرفة والثقافة.
وفي سنة 1947 كسدت السوق التجارية، ورأى أن يبارح صناعة التجارة، وبحث عن الوظيف الحكومي، فسمي معلما فالتحق أولا بقرية «السند» لمدة سنتين، ثم انتقل إلى «أريانة» من ضواحي العاصمة «فعين دراهم» «فالعمران» من ضواحي العاصمة، ثم أرسى بنهج الثقافة بالعاصمة، ومن هناك أحيل على المعاش بعد أن قضى تسعة عشر 19 عاما متنقلا بين المدارس الابتدائية والمهنية.
وبالرغم من اختلاف اهتماماته باختلاف أوضاعه فإن اهتمامه بالأدب قد طغى على كل الاهتمامات الأخرى، وإن خمد نشاطه في زمن ما فهو لم ينقطع أبدا عن الكتابة، وهكذا نراه يعود إلى النشر بعد انقطاع دام 22 سنة بقصة «إفلاس» في مجلة «الفكر» ، وفي هذه المرة أيضا تعرّض إلى المضايقات التي صادفته في شبابه بنشره قصة «الوطية» ، وإجرائه فيها الحوار بالدارجة مما انتقده عليه المحافظون، وأثيرت من جديد مشكلة اللغة، فشنّ عليه المحافظون حملات على صفحات جريدة الصباح، وجريدة العمل، وفي مجلة الفكر أيضا مما دعا الدكتور محمد فريد غازي إلى التدخل فكتب بمجلة الفكر السنة 4 بالعدد 8 بالصفحة 40:«في رأيي أن مشكلة اللغة مشكلة «فارغة» يحاول من ورائها مهاجمو «إفلاس» النيل من القصة نفسها، وهو أمر
مؤسف أرجو أن لا ينخدع القرّاء به لأن البشير خريف وجه قبل كل شيء قصته إلى القارئ التونسي.
في هذه المرة لم يتخاذل المترجم، وقد بلغ من النضج الفكري ما يؤهله لخوض المعركة، فكتب بمجلة الفكر بالسنة 4 بالعدد 10 بالصفحة 19 مقاله الشهير «خطر الفصحى على العربية» ردّا على المحافظين قال فيه:«إن اللغة كائن حيّ وكل حيّ تتجدد خلاياه» .
وكان لا يهمل وقته يذهب سدى بدون فائدة، بل كان دائما إما يطالع، وإما يكتب، حتى في أوقات الراحة الصيفية فترة الراحة من عناء العمل الرسمي، قال عن نفسه: وكان المصيف سنة 1956 في «الزهراء» فاستأجرت مغني لأحد الفرنسيين الذين يقضون راحتهم بفرنسا، فتركه لنا كامل العدة بما في ذلك مكتبته فكنت انظر فيها حتى عثرت بقصة لجان جاك غوتيبه، فيها من الحرية والجرأة والصدق ما شفى نفسي، واستفاقت علّتي، وأجبرت على راحة طويلة الأمد، فتلهيت بتصنيف قصتي «حبك درباني» ، وطبّقت ما كان يتحرّق إليه علي الدوعاجي، ولا زلت إن شاء الله.
ونفهم من هذا أنه بالرغم مما وجّه إليه من حملات مصر على إجراء الحوار في قصصه باللغة الدارجة.
وقصصه منتزعة من واقع الحياة التونسية، فهو لا يدور في فراع، وحتى قصته ذات الصبغة التاريخية (برق الليل) التي تعود أحداثها إلى القرن العاشر الهجري في فترة احتلال خير الدين بربروس للعاصمة قد جعل من التاريخ إطارا لا هدفا لتحريك القصة، ولم ينس تصوير الحياة التونسية في ذلك العهد.
وانطفأ هذا المشعل الوضّاء يوم الأحد في 18 ديسمبر 1983 فيما بين الساعة السابعة والثامنة مساء، وفي يوم الثلاثاء 20 ديسمبر شيّع