المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يس - تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم - جـ ٧

[أبو السعود]

الفصل: يس

يس

ص: 181

‌78

- 80 {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} معطوفٌ حينئذٍ على الجُملة المنفيَّةِ داخل في حيز الإنكار والتَّقبيحِ وأمَّا على التَّقديرِ الأوَّلِ فهو عطفٌ على الجملة الفُجائيَّةِ والمعنى ففاجأ خصومتنا وضربَ لنا مَثَلاً أي أوردَ في شأنِنا قصَّةً عجيبةً في نفس الأمرِ هي في الغرابةِ والبُعدِ عن العقولِ كالمَثَلِ وهي إنكارُ إحيائنا العظامَ أو قصَّةً عجيبةً في زعمه واستبعدَها وعدَّها من قبيلِ المَثَلِ وأنكرَها أشدَّ الإنكارِ وهي إحياؤُنا إيَّاها وجعلَ لنا مَثَلاً ونظيراً من الخلقِ وقاسَ قُدرتنا على قُدرتهِم ونفى الكلَّ على العمومِ وقوله تعالى {وَنَسِىَ خَلْقَهُ} أي خلقَنا إيَّاهُ على الوجهِ المذكورِ الدَّالِّ على بُطلانِ ما ضربه إمَّا عطفٌ على ضربَ داخلٌ في حيِّزِ الإنكار والتعجيب أو حالٌ من فاعلِه بإضمار قد أو بدونه وقولُه تعالى {قَالَ} استئنافٌ وقع جوابا عن سؤالٍ نشأَ من حكايةِ ضربهِ المثلَ كأنَّه قيل أيَّ مَثَلٍ ضربَ أو ماذا قال فقيل قال {من يحيي العظام} منكِراً له أشدَّ النَّكيرِ مؤكِّداً له بقوله تعالى {وَهِىَ رَمِيمٌ} أي باليةٌ أشدَّ البلى بعيدةٌ من الحياةِ غاية البُعدِ فالمَثَلُ على الأوَّلِ هو إنكارُ إحيائهِ تعالى للعظامِ فإنَّه أمرٌ عجيبٌ في نفسِ الأمرِ حقيقٌ لغرابتهِ وبُعدهِ من العقولِ بأنْ يُعدَّ مثلاً ضرورةَ جزمِ العقول ببطلانِ الإنكارِ ووقوعِ المنكرِ لكونهِ كالإنشاءِ بل أهونُ منْهُ في قياسِ العقلِ وعلى الثَّاني هو إحياؤُه تعالى لها فإنَّه أمرٌ عجيبٌ في زعمهِ قد استبعدَهُ وعدَّه من قبيلِ المثل وأنكرَهُ أشدَّ الإنكارِ مع أنَّه في نفس الأمر أقرب شئ من الوقوعِ لما سبقَ من كونه مثلَ الإنشاءِ أو أهونَ منه وأما على الثَّالثِ فلا فرقَ بين أنْ يكون المَثَلُ هو الإنكارَ أو المنكرَ وعدمُ تأنيثِ الرَّميمِ مع وقوعهِ خبراً للمؤنَّثِ لأنَّه اسمٌ لما بَلِيَ من العظامِ غير صفة كالرُّفاتِ وقد تمسَّك بظاهرِ الآيةِ الكريمةِ من أثبتَ للعظمِ حياةً وبنى عليه الحكم بنجاسةِ عظمِ الميتةِ وأما أصحابُنا فلا يقولونَ بحياته كالشَّعرِ ويقولون المرادُ بإحياءِ العظامِ ردُّها إلى ما كانتْ عليهِ من الغضاضةِ والرُّطوبةِ في بدنٍ حيَ حسَّاسٍ

ص: 181

{قُلْ} تبكيتاً له بتذكيرِ ما نسبه من فطرته الدالَّةِ على حقيقةِ الحال وإرشاده إلى طريقةِ الاستشهادِ بها {يُحْيِيهَا الذى أنشأها أول مرة} فإنَّ قدرتَهُ كما هي لاستحالةِ التَّغير فيها والمادَّةُ على حالِها {وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} مبالغٌ في العلمِ بتفاصيلِ كيفيَّاتِ الخلقِ والإيجادِ إنشاءً وإعادةً محيطٌ بجميعِ الأجزاءِ المتفتتة المتبدِّدةِ لكلِّ شخصٍ من الأشخاصِ أصولها وفروعها وأوضاعِ بعضها من بعضٍ من الاتِّصالِ والانفصالِ والاجتماعِ والافتراقِ فيعيدُ كلاًّ من ذلك على النَّمطِ السَّابقِ مع القُوى التي كانتْ قبلُ والجملةُ إما اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّرٌ لمضمونِ الجوابِ أو معطوفةٌ على الصِّلةِ والعدولُ إلى الجُملةِ الاسميَّةِ للتَّنبيهِ على أن علمُه تعالَى بما ذُكر أمرٌ مستمرٌّ ليسَ كإنشائهِ للمنشآتِ وقولُه تعالى

ص: 181

{الذى جَعَلَ لَكُم مّنَ الشجر الاخضر نَاراً} بدلٌ من الموصولِ الأولِ وعدمُ الاكتفاءِ بعطف صلتهِ على صلته

ص: 181

يس 81 83 للتَّأكيدِ ولتفاوتهما في كيفيَّةِ الدِّلالةِ أي خلقَ لأجلكم ومنفعتِكم منه ناراً على أنَّ الجعلَ إبداعيٌّ والجارَّانِ متعلِّقانِ به قُدِّما على مفعوله الصريح مع تأخيرهما عنه رتبةً لما مرَّ من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخَّرِ ووصفُ الشَّجرِ بالأخضرِ نظراً إلى اللَّفظِ وقد قُرىء الخضراءِ نظراً إلى المَعْنى وهو المَرخُ والعفارُ يقطعُ الرَّجلُ منهما عُصيَّتينِ مثل السِّواكينِ وهما خَضْراوانِ يقطرُ منهما الماءُ فيسحقُ المرخَ وهو ذكرٌ على العفارِ وهو أُنثى فتنقدحُ النَّارُ بإذنِ الله تعالى وذلك قوله تعالى {فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ} فمن قدرَ على إحداثِ النَّارِ من الشَّجرِ الأخضرِ مع ما فيه من المائيَّةِ المُضادَّةِ لها بكيفيَّتهِ كان أقدرَ على إعادةِ الغضاضةِ إلى ما كان غضًّا فطرأ عليه اليبوسةُ والبلى وقولِه تعالى

ص: 182

{أَوَ لَيْسَ الذى خَلَقَ السماوات والارض} الخ استئنافٌ مَسوقٌ من جهته عز وجل لتحقيق مضمون الجوابِ الذي امر صلى الله عليه وسلم بأنْ يُخاطبهم بذلك ويُلزمهم الحجَّة والهمزةُ للإنكارِ والنَّفيِ والواوُ للعطفِ على مقدرٍ يقتضيهِ المقامُ أي أليسَ الذى أنشأها أول مرة وليس الذي جعلَ لهم مّنَ الشجر الاخضر نَاراً وليسَ الذى خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ مع كِبر جِرمِهما وعظم شأنهما {بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} في الصِّغرِ والقَمَاءةِ بالنسبةِ إليهما فإنَّ بديهةَ العقلِ قاضيةٌ بأن مَن قدَر على خلقهما فهو على خَلْقِ الأناسيِّ أقدرُ كما قال تعالى {لخلق السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} وقُرىء يقدِرُ وقوله تعالى {بلى} جوابٌ من جهتهِ تعالى وتصريحٌ بما أفادَه الاستفهامُ الإنكارِيُّ من تقريرِ ما بعد النَّفيِ وإيذانٌ بتعيُّنِ الجوابِ نطقُوا به أو تلعثمُوا فيه مخافة الإلزامِ وقولُه تعالى {وَهُوَ الخلاق العليم} عطفٌ على ما يفيدُه الإيجابُ أي بَلَى هو قادرٌ على ذلكَ وهو المبالغُ في الخلقِ والعلم كَيْفاً وكمًّا

ص: 182

{إِنَّمَا أَمْرُهُ} أي شأنُه {إِذَا أَرَادَ شَيْئاً} من الأشياءِ {أَن يَقُولَ لَهُ كُن} أي أنْ يعلِّقَ به قدرته {فَيَكُونُ} فيحدُثُ من غير توقفٍ على شيءٍ آخرَ أصلاً وهذا تمثيل لقدرته تعالى فيما أرادَه بأمرِ الآمرِ المُطاعِ المأمورِ المطيعِ في سرعةِ حصولِ المأمورِ به من غيرِ توقفٍ على شيء مَا وقُرىء فيكونَ بالنَّصب عطفاً على يقولَ

ص: 182

{فسبحان الذى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء} تنزيهٌ له عزَّ وعلا عمَّا وصفُوه تعالى به وتعجيبٌ ممَّا قالوا في شأنهِ تعالى وقد مر تحقيق معنى سبحانَ والفاءُ للإشارةِ إلى أنَّ ما فُصِّل من شئونه تعال موجبةٌ لتنزُّهه وتنزيههِ أكملَ إيجابٍ كما أنَّ وصفَه تعالى بالمالكيةِ الكلِّيةِ المُطلقة للإشعارِ بأنَّها مقتضيةٌ لذلك أتمَّ اقتضاءٍ والملكوتُ مبالغةٌ في المُلكِ كالرَّحموتِ والرَّهبوتِ وقُرىء ملكةُ كلِّ شيءٍ ومملكةُ كلِّ شيءٍ ومُلكُ كلِّ شيءٍ {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} لا إلى غيرِه وقُرىء تَرجِعون بفتح التاء من الرُّجوعِ وفيهِ من الوعدِ والوعيد مالا يَخْفى عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما كنتُ لا أعلمُ ما رُوي في فصائل يس

ص: 182